مستند الشّيعة - ج ١٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-125-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٥٧

ذلك عدّة أو نبت لحمه ودمه عليه حرم عليه بناتهنّ كلّهنّ » (١) دلالة على المغايرة ، حيث جعل أحدهما قسيم الآخر.

نعم ، تدلّ الصحيحة على عدم حصول الأثرين بعشر رضعات فلا يحرم ، لعدم كونها سببا لحصول الأثرين ولا علّة مستقلّة.

وعلى هذا ، فيجب الرجوع إلى أهل الخبرة فيما زاد على العشر ، فيحكم بالنشر به إذا علم تحقّق الأثرين به وإن لم يبلغ خمس عشرة ولا يوما وليلة ، ويحصل التعارض في العشر وما دونها بين قول أهل الخبرة لو أخبروا بتحقّق الأثرين وبين الصحيحة ، وقول المعصوم مقدّم.

فالحقّ : اشتراط التجاوز عن العشر في اعتبار الأثرين.

نعم ، لو فرض حصول العلم بهما فيما دونها يحكم بالتحريم ويحمل قول الإمام على الغالب ، ولكنّه فرض نادر.

ولا تعارض الصحيحة مرسلة ابن أبي عمير : « الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يمتلئ ويتضلّع وينتهي نفسه » (٢).

وخبر ابن أبي يعفور : عمّا يحرم من الرضاع؟ قال : « إذا رضع حتى يمتلئ بطنه فإنّ ذلك ينبت اللحم والدم وذلك الذي يحرم » (٣).

إذ مدلولهما ليس أزيد من أنّ الرضعة الكذائية تنبت اللحم ، وأمّا إيجابها لشدّ العظم ـ الذي هو أثر الآخر أيضا ـ فلا يستفاد منهما ، مع أنّه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٦ ـ ١٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤٠٣ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٥ ـ ٧ ، التهذيب ٧ : ٣١٦ ـ ١٣٠٦ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ ـ ٧٠٧ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٣ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣١٦ ـ ١٣٠٧ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ ـ ٧٠٨ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٣ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٤ ح ١.

٢٤١

فيهما في مقام بيان الكميّة المقداريّة للرضاع المنبت للّحم ، فلا يعتبر إطلاقه بالنسبة إلى الكمّية العدديّة.

ولا موثّقة عبيد المتقدّمة ، لعدم تصريحها بإنبات اللحم بعشر رضعات من نفسه.

فرع : المعتبر الإنبات والشدّ الفعليّان ، فلا عبرة بما من شأنه ذلك ومنعه مانع ـ كالمرض ـ بل يرجع فيه إلى العدد.

وأمّا الثاني ـ أي المدّة ـ : فهو إرضاع يوم وليلة‌ ، وظاهر التذكرة الإجماع على التقدير به (١) ، وفي بعض شروح المفاتيح : وكونه ناشرا للحرمة أيضا ممّا لا خلاف فيه.

واستدلّوا له بموثّقة زياد بن سوقة : هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال : « لا يحرم الرضاع أقلّ من رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة ، من لبن فحل واحد ، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها » الحديث (٢).

ويخدشها : أنّ دلالتها بمفهوم الوصف ، الذي في اعتباره نظر.

فالمناط فيه : الإجماع إن ثبت ، وإلاّ كما يستفاد من بعض شروح النافع ، حيث قال : وعلى القول بالاكتفاء باليوم والليلة يعتبر إرضاعه فيه كلّما طلبه. انتهى.

فإنّ فيه دلالة على وجود القول بعدم الاكتفاء. فلا يكون دليل على‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٢٠.

(٢) التهذيب ٧ : ٣١٥ ـ ١٣٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٢ ـ ٦٩٦ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ١.

٢٤٢

التقدير به ، بل مقتضى الأخبار المتقدّمة ـ المصرّحة بأنّه : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم وشدّ العظم » ـ انتفاؤه لو لم يعلم حصول الأثرين في إرضاع اليوم والليلة ، وبها تعارض الموثّقة على فرض دلالتها أيضا ، والتعارض بالعموم من وجه.

إلاّ أنّ بعد التعارض إمّا يرجّح مفهوم الموثّقة بالموافقة للشهرة والإجماعات المنقولة ، كما يرجّح مفهوم تلك الأخبار المعارض مع منطوق الموثّقة في التحريم مع حصول الأثرين بذلك أيضا.

أو يرجع إلى الأصل ، ومقتضاه أيضا التحريم بكلّ منهما ، لعمومات نشر مطلق الإرضاع الحرمة ومطلقاته ، فيجب الحكم به ما لم يعلم الدليل على الانتفاء ، فلو تمّت دلالتها لم يضرّها المعارض ، ولكن في دلالتها ما عرفت.

فيبقى منطوق الأخبار المذكورة ـ في عدم التحريم ما لم يعلم الأثران ـ خاليا عن المعارض المعلوم في التحديد باليوم والليلة ، فالتقدير به مشكل جدّا وإن كان الأحوط غالبا اعتباره.

ثمَّ على القول باعتباره ، هل يعتبر مطلقا ، كما عن المشهور (١)؟

أو بشرط عدم انضباط العدد ، كما عن المبسوط وفي النهاية والتذكرة (٢)؟

وتظهر الثمرة مع عدم حصول الأثرين ونقصان العدد في اليوم والليلة :

__________________

(١) الحدائق ٢٣ : ٣٣٤.

(٢) المبسوط ٥ : ٢٩٢ ، النهاية : ٤٦١ ، التذكرة ٢ : ٦٢٠.

٢٤٣

فإن جعلنا المستند الموثّق واعتبرنا مفهوم الوصف فإطلاقه يقتضي الأول.

وإن جعلناه الإجماع خاصّة وقلنا بثبوته فوجوب الاقتصار على المجمع عليه يقتضي الثاني ، والاحتياط غالبا مع الأول.

ويشترط في نشر الحرمة به ـ على القول به ـ ارتضاعه وشربه اللبن كلّما أراد حتى يروى ويصدر ، لأنّه المتبادر من رضاع يوم وليلة ، بل هو معناه.

ولا فرق في اليوم أو الليلة بين الطويل والقصير ، لانجباره بالآخر أبدا.

وفي الاكتفاء بالملفّق إشكال ، والأصل يقتضي العدم.

ويشترط عدم الارتضاع في الأثناء من لبن آخر ، لانتفاء صدق إرضاع اليوم والليلة معه.

وأمّا الثالث ـ وهو العدد ـ : فاعتباره في التقدير إجماعي‌ ، ونقل الإجماع عليه مستفيض (١) ، إلاّ أنّهم اختلفوا في العدد المقدّر به على أقوال :

الأول : أنّه عشر رضعات.

وهو المحكيّ عن العماني والمفيد والسيّد والحلبي والقاضي والديلمي والحلّي في أول كتاب النكاح (٢) ، وابني زهرة وحمزة والمختلف‌

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٤٦٥.

(٢) حكاه عن العماني في المختلف : ٥١٨ ، المفيد في المقنعة : ٥٠٢ ، حكاه عن السيد في المختلف : ٥١٨ ، الحلبي في الكافي : ٢٨٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٩٠ ، الديلمي في المراسم : ١٤٩ ، الحلي في السرائر ٢ : ٥٢٠.

٢٤٤

والإيضاح واللمعة والسيّد الداماد وابن فهد (١) ، بل هو الأشهر كما صرّح به جماعة ، منهم : الشهيد الثاني (٢) والصيمري والسيّد الداماد.

للاقتصار ـ في الخروج عن الأصل المستفاد عن مطلقات نشر الحرمة بمطلق الإرضاع ـ على المتيقّن ، وهو ما عدا العشر ، لضعف اعتبار ما دونها كما يأتي.

ولحصول الأثرين بالعشر ، كما تدلّ عليه صحيحة عبيد المتقدّمة (٣).

ولرواية الفضيل : « لا يحرم من الرضاع إلاّ المجبورة أو خادم أو ظئر ، ثمَّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ وينام » (٤).

ولمفهوم الشرط في رواية مسعدة المذكورة (٥).

وفي موثّقة عمر بن يزيد : عن الغلام يرضع الرضعة والرضعتين ، فقال : « لا يحرم » ، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات ، فقال : « إذا كانت متفرّقة فلا » (٦).

ويمكن القدح في الجميع :

__________________

(١) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠١ ، المختلف : ٥١٨ ، الإيضاح ٣ : ٤٧ ، اللمعة ( الروضة البهيّة ٥ ) ١٥٧ ، المهذّب البارع ٣ : ٢٤١.

(٢) المسالك ١ : ٤٦٦.

(٣) في ص : ٢٣٩.

(٤) التهذيب ٧ : ٣١٥ ـ ١٣٠٥ ، الاستبصار ٣ : ١٩٦ ـ ٧٠٩ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٧ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ١١. سمّيت المرضعة ظئرا لأنّها تعطف على الرضيع ـ مجمع البحرين ٣ : ٣٨٦.

(٥) في ص : ٢٣٨.

(٦) الكافي ٥ : ٤٣٩ ـ ٨ ، التهذيب ٧ : ٣١٤ ـ ١٣٠٢ ، الاستبصار ٣ : ١٩٤ ـ ٧٠٣ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٥ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ٥.

٢٤٥

أمّا الأصل الحاصل من العمومات ، فبوجوب تخصيصها بما يأتي ، كما خصّ بما دون العشر.

وأمّا حصول الأثرين ، فبالمنع منه.

والصحيحة غير تامّة الدلالة عليه ، لنسبته إلى القيل الغير الثابت حجّيته ، بل المشعر بعدم الرضا به ، مع ما في آخرها من قوله : « دع ذا » ، فلو كان حكم العشر حقّا لما نسبه إلى غيره أولا ، ولم يعرض عنه ثانيا ، مجيبا بما لا دخل له بالمقام ، فيفهم منه أنّ ما ورد في النشر بالعشر ورد تقيّة ، أو لمصلحة أخرى.

هذا ، مع معارضتها مع صحيحة ابن رئاب السالفة الناصّة على عدم الإنبات بالعشر ، ومع الأخبار الأخر الآتية المصرّحة بعدم النشر به المستلزم لعدم الإنبات.

وأمّا البواقي ، فبمعارضتها مع ما هو أكثر منها عددا وأصحّ سندا وأوضح دلالة : كصحيحة ابن رئاب وموثّقة زياد المتقدّمتين (١).

وموثّقة عبيد : « عشر رضعات لا يحرّمن شيئا » (٢).

وابن بكير : « عشر رضعات لا تحرّم » (٣).

مضافا إلى ما في رواية الفضيل من اشتمالها على أمرين مخالفين للإجماع : اشتراط المجبورة ، واشتراط النوم ، مع اضطرابها باختلاف‌

__________________

(١) في ص : ٢٣٨ و ٢٤٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٣١٣ ـ ١٢٩٩ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ ـ ٧٠٦ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٣١٣ ـ ١٣٠٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ ـ ٧٠٦ ، قرب الإسناد : ١٧٠ ـ ٦٢٢ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٥ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ٤.

٢٤٦

ألفاظها ، لروايتها تارة كما تقدّم ، واخرى بغيره ، وثالثة بسند صحيح مع خلوّها عن ذكر العدد ، رواها في الفقيه (١) ، الذي هو أضبط.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ الحكمين داخلان في المنطوق ، وأمّا مفهوم الاستثناء ـ الذي هو المفيد في المقام ـ فلا يتضمّن حكما مخالفا للإجماع ، مع أنّ دخولهما في المنطوق أيضا غير ضائر ، إذ غايته تخصيص بعض أفراد المنطوق بالإجماع ، وهو أمر غير عزيز.

مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون اشتراط الأول لأنّ التوالي ـ الذي هو أيضا من الشروط ـ لا يتحقّق غالبا إلاّ في تلك النسوة ، والثاني لأنّه يكون مثل ذلك الإرضاع منوّما ، أو المعنى يكون من شأنه ذلك.

وأمّا حديث الاضطراب ، ففيه : أنّه وإن اختلف بعض عبارات الرواية ، إلاّ أنّه لا مدخل له في مقام الاستدلال ، الذي هو قوله : « ثمَّ ترضع عشر رضعات » ، كما لا يضرّ خلوّها على بعض أسنادها عن ذكر هذا العدد ، لأنّ الزيادة مقدّمة على النقصان.

فلا قدح في هذه الرواية من هذه الجهات ، كما لا قدح فيها وفي الآخرين من حيث ضعف السند ، لانجباره بالشهرة القديمة المحقّقة والمحكيّة مستفيضة ، بل صحّة بعضها على بعض الطرق ، كما فصّله السيّد الداماد في رسالته.

بل يمكن رفع القدح عنها من جهة المعارض أيضا ، لكون الثلاثة أخصّ مطلقا من معارضاتها ، لاختصاص الاولى بقوله : « حتى يروى الصبيّ » ، والثانيتين بغير المتفرّقات ، وعموم المعارضات بالنسبة إليهما ،

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٧ ـ ١٤٧٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٦ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ٧.

٢٤٧

والخاصّ المطلق مقدّم ولو كان موافقا للعامّة ، والعامّ مخالفا له ، مع أنّ العشر أيضا مخالف لجميع العامّة ، فإنّهم بين قائل بالنشر بالمسمّى (١) وقائل بالنشر بالخمس (٢). فيتساويان من هذه الجهة ، فالترجيح للخاصّ ، ولو لا الترجيح لكان الحكم النشر بالعشر أيضا ، للأصل الثابت بالعمومات.

ومن ذلك تظهر تماميّة أدلّة ذلك القول.

والثاني : أنّه خمس عشرة رضعة.

اختاره الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار والحلّي في أول باب الرضاع والمحقّق والفاضل في بعض كتبه والمحقّق الثاني في شرح القواعد والشهيد الثاني (٣) ، ولعلّه المشهور بين المتأخّرين ، بل نسبه في كنز العرفان إلى الأكثر مطلقا (٤).

للأصل ، فيقتصر على موضع الوفاق.

وموثّقة زياد (٥).

وثبوت التقدير بالعدد بالإجماع وانتفاؤه عن العشر بالأخبار ، فلم تبق إلاّ خمس عشرة رضعة.

والأصل مردود بالعمومات والخصوصات.

والموثّقة بما مرّ من أعمّيتها مطلقا عمّا دلّ على حصول التحريم‌

__________________

(١) انظر المغني والشرح الكبير ٩ : ١٩٣.

(٢) كما في المغني والشرح الكبير ٩ : ١٩٣.

(٣) النهاية : ٤٦١ ، المبسوط ٥ : ٢٩٢ ، التهذيب ٧ : ٣١٤ ، الاستبصار ٣ : ١٩٤ ، السرائر ٢ : ٥٥١ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٢ ، الفاضل في التحرير ٢ : ٩ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٢١٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٦٦.

(٤) كنز العرفان ٢ : ١٨٣.

(٥) المتقدمة في ص : ٢٤٢.

٢٤٨

بالعشر المتوالية.

وانتفاؤه عن العشر بما مرّ من ثبوته بها.

والثالث : أنّه رضعة واحدة كاملة.

حكي عن الإسكافي (١).

للعمومات.

وللمكاتبة الصحيحة.

ومرسلة ابن أبي عمير.

وخبر ابن أبي يعفور.

المتقدّمة جميعا (٢).

ورواية زيد بن عليّ : « الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحلّ له أبدا » (٣).

والعمومات مخصصة بما مرّ.

والمكاتبة غير دالّة كما سبق.

بل وكذلك المرسلة والخبر على ما مرّ ، والرواية محتملة لإرادة عدم حلّية الرضعة الواحدة بعد الفطام ، فإنّ مرجع الضمير المجرور غير معلوم ، فلعلّه الفطيم.

هذا ، مع أنّ الكلّ على فرض الدلالة مخالفة للشهرة القديمة والجديدة ، بل الإجماع ، فعن حيّز الحجيّة خارجة ، ومع ذلك مع الروايات‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٥١٨.

(٢) في ص : ٢٣٧ و ٢٤١.

(٣) التهذيب ٧ : ٣١٧ ـ ١٣٠٩ ، الاستبصار ٣ : ١٩٧ ـ ٧١٢ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٨ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ١٢.

٢٤٩

الغير العديدة معارضة ، وبموافقة العامّة مرجوحة.

ولا يتوهّم موافقتها للكتاب ـ حيث قال ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) (١) ـ لعدم ثبوت حصول الأمومة والاخوّة بالرضعة الواحدة.

ومن بعض ما ذكر يظهر الجواب عن بعض أخبار أخر واردة في الباب ، الدالّة على اعتبار رضاع حولين (٢) أو سنة (٣) ، مع تحمّلهما لاحتمالات أخر أيضا.

الشرط الخامس : أن يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل استكمالهما.

فلا عبرة برضاعه بعدهما.

إجماعا محقّقا ، ومحكيّا عن الخلاف والغنية (٤) ، وفي التذكرة والمختلف والقواعد وشرحه والإيضاح ونكت الشهيد والمسالك (٥) وشرح الصيمري وغيرها ، وفي شرح المفاتيح : من غير خلاف ، وهو الحجّة فيه.

دون ما ورد في المستفيضة من أنّه : « لا رضاع بعد فطام » (٦) ـ ويفسّر الفطام في بعض الروايات بالحولين ـ وأنّ : « الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم » ، وأنّه : « لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين » ، وإن استدلّ به أكثر‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) الوسائل ٢٠ : ٣٧٩ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ١٦ وب ٥ ح ٨ و ١٠.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٣٧٨ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ١٣ و ١٧.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٢٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

(٥) التذكرة ٢ : ٦١٩ ، المختلف : ٥١٩ ، القواعد ٢ : ١٠ ، جامع المقاصد ١٢ : ٢٢١ ، الإيضاح ٣ : ٤٨ ، المسالك ١ : ٤٦٩.

(٦) الوسائل ٢٠ : ٣٨٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥.

٢٥٠

الأصحاب.

لاحتماله من وجهين :

أحدهما : باعتبار الحولين ، حيث يحتمل أن يكون بالنسبة إلى المرتضع وأن يكون بالنسبة إلى ولد المرضعة.

ولا يفيد تفسيره بالأول في الكافي والفقيه (١) ، لعدم حجّية قولهما ، مع احتمال غيره بحسب اللغة ، سيّما مع معارضته بتفسيره بالثاني في كلام ابن بكير ، كما نقله في التهذيبين بسند معتبر (٢) ، ويظهر منهما ارتضاؤه أيضا لذلك التفسير ، وحمل جمع من الأصحاب على ذلك بعض الأخبار المشترط لعدم الفطام أيضا (٣).

وثانيهما : باعتبار الرضاع المنفيّ بعدهما أو المثبت قبلهما ، إذ ظاهر أنّه ليس المراد الرضاع الحقيقيّ لغة ، والحقيقة الشرعيّة غير ثابتة ، فيمكن أن يكون نفي الرضاع المجوّز ، أو الوارد في الكتاب ، أو غير ذلك من المجازات ، وكذلك في الإثبات.

ولا فرق في التحريم الحاصل بالرضاع قبل الحولين بكونه بعد الفطام أو قبله ، للأصل الثابت من العمومات.

خلافا للمحكيّ عن العماني (٤) ، فلم يحرّم بما كان قبلهما بعد الفطام ، لبعض تلك الروايات المجملة.

كما لا فرق في عدمه بعدهما بينهما ، للإجماع.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٤ ، الفقيه ٣ : ٣٠٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣١٧ ـ ١٣١١ ، الاستبصار ٣ : ١٩٧ ـ ٧١٤.

(٣) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠١ ، الحلبي في الكافي : ٢٨٥.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٥١٩.

٢٥١

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي (١) ، فحرّم بما كان بعدهما متّصلا قبل الفطام ، لبعض الروايات المذكورة المانع إجماله عن الاستدلال ، مضافا إلى شذوذها لو كان دالاّ.

والمراد بكون الرضاع قبل الحولين : عدم وقوع شي‌ء من القدر المعتبر بعد تمام الحولين.

وبالحولين : الهلاليّتان ، لأنّها المتعارف المتبادر شرعا ، وابتداؤهما من حين انفصال تمام الولد ، ولو كان في أثناء الشهر يتمّ المنكسر من الشهر الخامس والعشرين ثلاثين يوما ، للأصل المتقدّم.

والحقّ : عدم اعتبار الحولين في ولد المرضعة ، فينشر الحرمة لو وقع الرضاع بعد حولية إذا كان قبل حولي المرتضع ، وفاقا للأكثر ، بل ادّعى بعضهم عليه الإجماع (٢).

لعموم أدلّة نشر الحرمة بالرضاع.

وللاستصحاب.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي وابني حمزة وزهرة (٣) ، بل عن الأخير الإجماع عليه ، له.

وللأصل.

وما نقل عن ابن بكير.

وظهور الأخبار المتقدّمة في العموم.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٥١٩.

(٢) كما في الرياض ٢ : ٨٨.

(٣) الحلبي في الكافي : ٢٨٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

٢٥٢

والأول ممنوع وبمثله معارض.

والثاني بالعمومات مدفوع.

والثالث ليس بحجّة ، ومع ذلك يعارضه ما ذكره الكليني والصدوق.

والرابع مردود بالإجمال وانتفاء العموم.

مع أنّه لو حمل على العموم ـ بأن يراد الإرضاع بعد شي‌ء من الحولين أو شي‌ء من الفطام ـ يلزمه خروج الأكثر ، إذ لا يبقى له مورد سوى حولي هذا المرتضع وولد مرضعته وفطامه ، ويخرج جميع سائر الأفراد ، فتأمّل.

الشرط السادس : أن تكون الرضعة كاملة في الرضعات العدديّة والزمانيّة.

أمّا في الأولى ، فلأنّها المتبادر إذا أضيف مثلها إلى العدد ، فلا يقال : عشر رضعات ، إلاّ مع كون كلّ واحدة كاملة ، ولو نقص بعضها يصحّ السلب ويقال : إنّها ليست بعشر.

ولتقييد عشر رضعات في رواية الفضيل السالفة (١) بالتي تروّي الصبي ـ أي كلّ واحدة منها ـ ولا يضرّ اشتمالها على اليوم أيضا ، كما مرّ.

وأمّا في الثانية ، فلما عرفت من عدم دليل تامّ على التقدير الزماني ، سوى الإجماع إن ثبت ، فيجب الاقتصار فيه على المجمع عليه ، وهو ما إذا كانت الرضعات في اليوم والليلة كاملة.

وأمّا في حصول الأثرين ، فصرّح بعضهم بعدم اعتبار كمال الرضعة (٢) ، بل يحرم لو علم حصولهما بالرضعات الناقصة ـ كما إذا‌

__________________

(١) في ص : ٢٤٥.

(٢) كما في الرياض ٢ : ٨٧.

٢٥٣

انحصرت رضعاته في أيّام كثيرة بالناقصات ـ لصدق حصول الأثرين.

ولا تنافيه مرسلة ابن أبي عمير وخبر ابن أبي يعفور المتقدّمين (١) ، لأنّ مدلولهما عدم حصول الإنبات بدون كمال الرضعة ، فلو فرض حصول العلم به بدونه يجب حمل الرواية على الغالب أو محمل آخر ، وإن لم يحصل العلم فلا تنافي.

ومنهم من استدلّ على اعتبار الكمال في الرضعات العدديّة والزمانيّة بهاتين الروايتين ، مع تصريحه بعدم اعتباره في الوصفيّة (٢).

وهو غير جيّد جدّا ، لأنّ مفادهما اعتبار الكمال في حصول الوصف لا في العدد والزمان ، والأصل عدم تعلّقه بهما ، مع أنّه إذا لم يعتبر ذلك في الوصف ـ الذي هو صريح الروايتين ـ كيف يعتبر في غيره لأجلهما؟! والمراد بالرضعة الكاملة : ما عدّه العرف كاملا ، وهو الذي يروّي الصبيّ وكان من شأنه إنامته كما في رواية الفضيل ، والذي يتضلّع معه الصبيّ وتنتهي نفسه ، فهما مع ما يعدّه العرف متّحدان أو متقاربان.

ثمَّ إنّه تحسب الرضعات المتخلّلة بينها لفظ الثديين للتنفّس أو الملاعبة أو المنع من المرضعة مع المعاودة وحصول الكمال بعدها رضعة واحدة إن لم يطل الفصل ، وإلاّ احتسب الجميع كالآحاد رضعات ناقصات ، فلا ينشر حرمة.

الشرط السابع : أن لا يفصل بين الرضعات رضاع من امرأة أخرى في الرضعات العدديّة.

فلو تخلّلت رضعة اخرى بينها ـ كأن يرتضع من امرأة تسع رضعات‌

__________________

(١) في ص : ٢٤١.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٨٧.

٢٥٤

ومن أخرى رضعة ، ثمَّ من الأولى رضعة اخرى ـ لم ينشر الحرمة.

إجماعا كما في التذكرة وعن الخلاف والغنية (١).

للتصريح في روايتي مسعدة وعمر بن يزيد (٢) بـ : أنّ الرضعات المتفرّقات لا تحرّم ، واشتراط التوالي في موثّقة زياد السابقة (٣).

وأمّا تخلّل غير الرضاع من المأكول والمشروب فغير مانع عن نشر التحريم هنا ، كما هو ظاهر المقنعة والنهاية والتذكرة والنافع وصريح السرائر والقواعد (٤) ، وشرح النافع لصاحب المدارك ، وغيرها (٥) ، بل في الثاني الإجماع عليه ، بل لعلّه إجماعي ، فإن ثبت فهو ، وإلاّ فإثبات التحريم مع تخلّل الأكل والشرب بدليل آخر مشكل.

إذ ليس إلاّ موثّقة زياد ، حيث خصّ الفصل بالرضعة.

وما قالوا من عدم صدق التفرّق إلاّ مع تخلّل الرضعة ، كما يصدق صيام الأيّام المتتالية ما لم يتخلّل عدم صوم يوم آخر ، ولا يضرّ تخلّل الليلة ، فإنّ المتبادر من المتفرّقات ما تخلّل بينها من جنسها ، وإلاّ فتوقّف حصول التعدّد على تخلّل شي‌ء ظاهر.

وفي الأول : أنّه لم يخصّ بالرضعة ، بل ذكر أولا قوله : « متواليات ». وكون ما بعده تفسيرا لذلك غير معلوم.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٢٠ ، الخلاف ٢ : ٣١٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

(٢) المتقدمتين في ص : ٢٣٨ و ٢٤٥.

(٣) في ص : ٢٤٢.

(٤) المقنعة : ٥٠٢ ، النهاية : ٤٦١ ، التذكرة ٢ : ٦٢٠ ، النافع : ١٧٥ ، السرائر ٢ : ٥٢٠ ، القواعد ٢ : ١٠.

(٥) كالمسالك ١ : ٤٦٨.

٢٥٥

وفي الثاني : منع عدم صدق التفرّق وعدم التوالي مع تخلّل المأكول والمشروب ، سيّما مع طول مدّة التخلّل.

ولا يرد : أنّه لو لم يعلم عدم صدق التفرّق فلا يعلم التفرّق أيضا ، فيبقى تحت عمومات التحريم بمطلق الرضاع بلا معارض.

إذ على هذا تبقى (١) عمومات عدم التحريم ما لم ينبت اللحم والعظم أيضا بلا معارض ، وهي أخصّ من الاولى ، والمسألة مشكلة جدّا والاحتياط لا يترك.

هذا في الرضعات العدديّة.

وأمّا الزمانيّة ، فصرّح الأكثر بأنّه يشترط فيها أن لا يفصل بين الرضعات رضعة ولا مأكول ولا مشروب آخر (٢).

لعدم صدق رضاع اليوم والليلة مع تخلّل رضعة أخرى أو أكل أو شرب ، إذ معنى رضاع اليوم والليلة من امرأة : أنّ الرضاع المتعارف في اليوم والليلة يكون منها ، ومع تخلّل أكل أو شرب لا يكون كذلك ، مع أنّ الدليل التامّ على اعتباره الإجماع لو ثبت ، وما ثبت اعتباره بالإجماع ما لم يتخلّل شي‌ء أصلا.

وأمّا في حصول الأثرين ، فلا يشترط عدم تخلّل أصلا ، كما صرّح به في شرح النافع والمسالك (٣) ، بل ينشر مع حصول العلم بالإنبات من هذا اللبن الخاصّ ولو تخلّله رضعة أو مأكول أو مشروب ، للأصل ، وصدق الوصف.

__________________

(١) في النسخ زيادة : ولا يضرّه ، وقد أسقطناها لاستقامة المتن.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٦٨ ، السبزواري في الكفاية : ١٥٩ ، صاحب الرياض ٢ : ٨٧.

(٣) المسالك ١ : ٤٦٨.

٢٥٦

ولكن في حصول العلم بذلك مع التخلّل إشكالا ، بل الظاهر ـ كما قيل (١) ـ عدم حصول الإنبات حينئذ باللبن الواحد وحده ، ولذا صرّح بعضهم باشتراط عدم التخلّل في الرضعات الوصفيّة أيضا (٢).

وهل يشترط في منع الرضعة المتخلّلة عن نشر الحرمة كونها كاملة كما في التذكرة (٣)؟

أو لا ، بل يحصل بأقلّ الرضعة أيضا ، كما في القواعد والمسالك والروضة (٤)؟

الظاهر هو : الثاني ، لصدق التفرّق مع غير الكاملة أيضا ، وتبادر الكاملة ـ كما قيل (٥) ـ ممنوع.

وهل يشترط في التوالي اتّحاد المرضعة؟

أم يكفي اتّحاد الفحل؟

الحقّ هو : الأول.

لظاهر موثّقة زياد.

وصدق التفرّق مع تخلّل لبن امرأة أخرى.

وللتصريح في بعض الأخبار بأنّه : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضع من ثدي واحد » (٦).

ولا يضرّ زيادة حولين أو سنة بعد ما ذكر مع أنّه خلاف الإجماع ، إذ‌

__________________

(١) انظر كشف اللثام ٢ : ٢٩.

(٢) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٩.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٢٠.

(٤) القواعد ٢ : ١٠ ، المسالك ١ : ٤٦٨ ، الروضة ٥ : ١٦٣.

(٥) انظر المسالك ١ : ٤٦٨ ، الرياض ٢ : ٨٧.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٠٧ ـ ١٤٧٦ ، التهذيب ٧ : ٣١٧ ـ ١٣١٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٧ ـ ٧١٣ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٦ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٨ وب ٢ ح ١٣ و ١٧.

٢٥٧

فساد جزء من الخبر لا يفسد غيره ، مع أنّ فساده غير معلوم ، لإمكان الحمل على محامل صحيحة.

فرع : لو أرضعت امرأة خمسا كاملة ثمَّ واحدة ناقصة ثمَّ خمسا كاملة ، فهل ينشر ، أو يستأنف النصاب؟

الظاهر : الأول ، لعدم صدق التفرّق.

الشرط الثامن : أن يرتضع من الثدي.

فلو وجر في حلقه أو سعط به أو احتقن أو أكله جبنا لم ينشر الحرمة.

على المشهور بين الأصحاب ، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه (١) ، وفي المسالك : لا نعلم فيه خلافا لأحد من أصحابنا إلاّ ابن الجنيد (٢).

لأنّه المتبادر من الإرضاع ، بل لا يحصل مسمّى الرضاع والإرضاع والارتضاع إلاّ بذلك ، فإنّه لا يقال لمن شربه من غير الثدي : إنّه ارتضع ، فكيف بمن احتقن به أو أكله جبنا؟! بل يقال للوجور : أشربه اللبن.

ولذا ورد في مرسلة الصدوق الآتية : أنّ الوجور بمنزلة الرضاع ، فليس هو نفس الرضاع.

ولذا لم يستعمل في الصحيحين الآتيين ـ المتضمّنين لسقي الزوجة زوجها أو جاريته ـ الرضاع ، بل استعمل السقي.

ويؤيّده أيضا ما ورد في الصحيحين :

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦١٧.

(٢) المسالك ١ : ٤٦٨.

٢٥٨

أحدهما : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » (١).

والآخر : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضع من ثدي واحد سنة » (٢).

وفي الآخرين ، أحدهما : عن امرأة حلبت من لبنها فسقت زوجها لتحرم عليه ، قال : « أمسكها وأوجع ظهرها » (٣).

والآخر : إنّ امرأتي حلبت من لبنها في مكوك فسقته جاريتي ، فقال : « أوجع امرأتك وعليك بجاريتك » (٤).

وإنّما جعلناها مؤيّدة لا أدلّة ـ كما فعله بعضهم (٥) ـ إذ لا دلالة في قوله : « من ثدي » في الأولين على المصّ منه ، لصدقه مع كون اللبن منه كيف ما شرب ، ولأنّ الظاهر من الثانيين وقوع الشرب بعد الحولين وعدم وصوله أحد المقدّرات الثلاثة وإن أمكن التعميم بترك الاستفصال ، ولكنّه بعيد جدّا.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي (٦) ، فاكتفى بالوجور ، وهو مختار‌

__________________

(١) المتقدّم في ص : ٢٥٧.

(٢) التهذيب ٧ : ٣١٨ ـ ١٣١٥ ، الاستبصار ٣ : ١٩٨ ـ ٧١٨ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٨ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ١٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٤٣ ـ ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٥ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٤٥ ـ ٥ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٣ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٧ ح ١.

والمكوك : المدّ ، وقيل : الصاع ، والأول أشبه لما جاء مفسّرا بالمدّ ـ مجمع البحرين ٥ : ٢٨٩.

(٥) كالعلاّمة في المختلف : ٥٢٠.

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥١٩.

٢٥٩

مواضع من المبسوط (١) ، مدّعيا في بعضها ما يظهر منه الإجماع ، وإن وافق المشهور في موضع آخر منه (٢). وقوّاه في المفاتيح (٣) وشرحه.

لأنّ الغاية المطلوبة ـ التي هي إنبات اللحم وشدّ العظم ـ قد تحصل منه.

ولمرسلة الصدوق : « وجور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع » (٤).

ويردّ الأول : بمنع كون الغاية هو الإنبات من حيث هو هو خاصّة ، لاحتمال كون الرضاع والمصّ من الثدي له مدخليّة في نشر الحرمة ، كما أنّ للولادة أو الحمل مدخليّة فيه ، وليست العلّة بنفس الإنبات منصوصة ، وتعليل عدم التحريم بعدم الإنبات في بعض الروايات (٥) لا يدلّ على تعليل التحريم بالإنبات.

نعم ، يستفاد من الأخبار نشر الحرمة من الرضاع الموجب للإنبات ، وغاية ما يمكن أن يقال فيه العلّة المستنبطة ، وهي عندنا غير حجّة.

والثاني : بمنع الدلالة ، لأنّها فرع ثبوت عموم المنزلة ، وهو ممنوع ، فيمكن أن يكون في حرمة الرضاع بعد الفطام.

الشرط التاسع : أن يرتضع المرتضع الحدّ المعتبر من لبن فحل واحد من مرضعة واحدة.

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٢٩٤.

(٢) المبسوط ٥ : ٢٩٥.

(٣) المفاتيح ٢ : ٢٣٨.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٠٨ ـ ١٤٨٥ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٧ : ٣١٣ ـ ١٢٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٩٥ ـ ٧٠٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ٢.

٢٦٠