مستند الشّيعة - ج ١٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-125-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٥٧

الإجازة الموت.

خلافا للمحكيّ عن النهاية (١) ، وقد تأوّل بما يؤول معه إلى الأول.

والمراد بكونها كاشفة : أنّها تكشف عن تحقّق الزوجيّة حال العقد ، ولا ينافيه توقّفها على الإجازة ، وذلك إذ كما أنّه يجوز أن يكون الإيجاب المقارن للإجازة سببا للزوجيّة الحالية يمكن أن يجعل الشارع العقد المتعقّب للإجازة ولو بعد ذلك سببا للزوجيّة الحاليّة .. بمعنى : أنّه يكون السبب العقد المتّصف بهذا التعقيب ، ولمّا كان في الواقع إمّا تعقّبها أم لا فهي في الواقع إمّا حاصلة أو لا ، وتعلم الحقيقة بحصول التعقيب وعدمه.

مسألة : لا تنكح الأمة إلاّ بإذن المولى‌ ، رجلا كان المولى أو امرأة ، دائما كان النكاح أو منقطعا.

إجماعا في الأول ، وعلى الأشهر الأظهر في الثاني مطلقا ، بل بلا خلاف كما عن الحلّي (٢) ، بل بالإجماع ، لعدم قدح مخالفة الشيخ في النهاية فيه (٣) ، سيّما مع رجوعه عنه في المسائل الحائريات (٤).

للأدلّة القطعية من العقل والكتاب والسنّة ، المانعة عن التصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، والروايات المستفيضة ، بل المتواترة في المقام ، المانعة منطوقا أو مفهوما عن تزويج أمة الغير بدون إذنه (٥).

ويؤيّده ـ بل يدلّ عليه أيضا ـ مثل رواية أبي هلال : عن الرجل هل‌

__________________

(١) النهاية : ٤٧٦.

(٢) السرائر ٢ : ٥٩٥.

(٣) النهاية : ٤٩٠.

(٤) المسائل الحائريات ( الرسائل العشر ) : ٢٩٣.

(٥) الوسائل ٢١ : ١١٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٩.

١٨١

تحلّ له جارية امرأته؟ قال : « لا ، حتى تهبها له » (١).

وموثّقة الساباطي : في المرأة تقول لزوجها : جاريتي لك ، قال : « لا يحلّ فرجها إلاّ أن تبيعه أو تهب له » (٢).

دلّتا بالمفهوم على عدم حلّية فرجها بمثل ما نحن فيه.

وخالف فيه الشيخ في النهاية.

لصحيحة سيف بن عميرة المرويّة عن الصادق عليه‌السلام بلا واسطة تارة : « لا بأس بأن يتمتّع الرجل بأمة المرأة ، وأمّا أمة الرجل فلا يتمتّع بها إلاّ بأمره » (٣).

وبواسطة داود بن فرقد اخرى : عن الرجل يتزوّج بأمة بغير إذن مواليها ، فقال : « إن كانت لامرأة فنعم ، وإن كانت لرجل فلا » (٤).

وبواسطة عليّ بن المغيرة ثالثة : عن الرجل يتمتّع بأمة امرأة بغير إذنها ، قال : « لا بأس به » (٥).

وهي ـ مع اضطرابها لاختلافها سندا ومتنا ـ مردودة بالشذوذ كما نصّ عليه جماعة (٦).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٦٣ ـ ١٨٥٧ ، الوسائل ٢١ : ١٢٩ أبواب نكاح العبيد ب ٣٢ ح ٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٤٣ ـ ١٠٦١ ، الاستبصار ٣ : ١٣٧ ـ ٤٩٤ ، الوسائل ٢١ : ١٢٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٢ ح ٥.

(٣) الكافي ٥ : ٤٦٤ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ ـ ١١١٦ ، الاستبصار ٣ : ٢١٩ ـ ٧٩٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٩ أبواب المتعة ب ١٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٥٨ ـ ١١١٥ ، الاستبصار ٣ : ٢١٩ ـ ٨٩٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٩ أبواب المتعة ب ١٤ ح ٣.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٧ ـ ١١١٤ ، الاستبصار ٣ : ٢١٩ ـ ٧٩٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٩ أبواب المتعة ب ١٤ ح ٢.

(٦) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ١٤٣ ، الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٦٨ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٢ ، صاحب الرياض ٢ : ٨٢.

١٨٢

مضافا إلى احتمال إرجاع ضمير : إذنها ، ـ في الأخيرة ـ إلى الأمة ، وظهور التزويج في الثانية في الدائم المجمع على عدم جوازه بدون الإذن مطلقا ، وعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للتمتّع في العقد المنقطع ، فيحتمل أن يراد الوقاع بعد العقد مع الإذن ، ويكون المطلوب جوازه من دون استبراء في أمة المرأة ، دون الرجل ، فيحتاج فيه إلى إذنه أو إخباره بعدم وقاعه.

مسألة : لو أذن المولى لعبده في التزويج :

فإن أطلق المرأة والمهر ، تزوّج من شاء بمهر مثلها أو أقلّ.

لعدم انصراف الإطلاق إلى غير مهر المثل ، فقرينة الحال مقيّدة للإطلاق ، بل لا يبعد تقييد المرأة بمن يليق بحاله ، لما ذكر.

وإن عيّن المرأة خاصّة ، وتزوّجها خاصّة بمهر المثل أو أقلّ.

وإن عيّن المهر ، تزوّج به من شاء وإن تزوّج من مهر مثلها دونه.

وإن عيّنهما تعيّنا.

وممّا ذكرنا ـ من تقييد الإطلاقين بمهر المثل واللائق بالحال ـ يندفع الاستشكال في جواز الإطلاق لتفاوت المهر تفاوتا فاحشا ، فيشكل التزامه على السيّد ، مع أنّه لو لم نقل بالتقييدين فقد قدم السيّد بنفسه عليه ، حيث أطلق له الإذن.

ثمَّ مع تعيين المهر صريحا أو بشاهد الحال لو زاد عنه ، فقيل : النكاح صحيح ، لصحّته مع عدم المهر أو فساده فهنا أولى ، والزائد على المأذون فيه في ذمّة العبد يتبع به بعد الحرّية. نسب إلى المبسوط (١) ، واختاره في‌

__________________

(١) نسبه إليه في كشف اللثام ٢ : ٢٣.

١٨٣

القواعد واللمعة (١).

وفيه إشكال ، إذ لم يثبت إذن المولى في مثل هذا النكاح ، بل تعيين المهر أو شاهد الحال ممّا يصلح قرينة لتقييد إذنه بغير الزائد ، فلم يعلم إذن المولى فيه ، فيقع إمّا باطلا أو فضوليّا.

وهو الأظهر كما مرّ.

وأيضا إن أريد تعلّق الزائد بذمة العبد حينئذ فهو لكونه ملكا للغير يتوقّف على إذنه.

وإن أريد تعلّقه بعد الحرّية ففساده ظاهر ، مع أنّ الزوجة أيضا إن جهلت بالحال أو الحكم فإنّما رضيت بالمسمّى على أن يكون معجّلا لها في ذمّة المولى أو في كسبه.

ولا يرد : أنّ التقصير على جهلها.

إذ لا مؤاخذة على الجهل بأحكام المعاملات.

وأمّا غير الزائد ـ وهو القدر المأذون فيه ـ فمع تصريح المولى بجعله على إحدى الذمّتين فيتعلّق به ، وكذا النفقة ، ووجهه ظاهر.

وإن أطلق ، فذهب الحلّي وابن حمزة والفاضلان والشهيدان (٢) ـ بل الأكثر (٣) ـ إلى أنّهما يستقرّان في ذمّة المولى ، لأنّ الإذن في العقد إذن في لوازمه ، ومنها المهر والنفقة ، وحيث إنّ العبد لا يقدر على شي‌ء كان الإذن‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ٧ ، اللمعة ( الروضة البهيّة ٥ ) : ١٤٤.

(٢) الحلي في السرائر ٢ : ٥٩٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٦ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٣٠٩ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٢٢ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٥ : ١٤٤.

(٣) كالمحقق في الشرائع ٢ : ٣٠٩ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٢٧ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ١٦٤ ، الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٨٣.

١٨٤

موجبا لالتزام ذلك في ذمّة المولى.

والحاصل : أنّه يستحقّ بالعقد ولو لم يجب على المولى لم يمكن استحقاقه ، فإنّ ذمّة العبد الآن مشغولة بتمامها بحقوق المولى فلا يتعلّق بها شي‌ء ، وتجويز أن يتبع به بعد العتق يؤدّي إلى حرمانها رأسا إذا لم يعتق ، ولم يقل به أحد.

ولرواية عليّ بن أبي حمزة الصحيحة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه : في رجل يزوّج مملوكا له امرأة حرّة على مائة درهم ، ثمَّ إنّه باعه قبل أن يدخل عليها ، فقال : « يعطيها سيّده من ثمنه نصف ما فرض لها ، إنّما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيّده » (١).

والدين المستدان بإذن السيّد على ذمّته ، كما في صحيحة أبي بصير : رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين ، قال : « إن كان أذن له أن يستدين فالدين على مولاه ، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي‌ء على المولى ويستسعى العبد في الدين » (٢).

وقد يستدلّ أيضا بموثّقة الساباطي : في رجل أذن لعبده في تزويج امرأة حرّة فتزوّجها ، ثمَّ إنّ العبد أبق فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد ، فقال : « ليس لها على مولاه نفقة وقد بانت عصمتها منه ، فإنّ إباق العبد طلاق امرأته » الحديث (٣).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٨٩ ـ ١٣٧٥ ، التهذيب ٨ : ٢١٠ ـ ٧٤٥ ، الوسائل ٢١ : ١٩٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٨ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٠٣ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ ـ ٤٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١١ ـ ٣١ ، الوسائل ١٨ : ٣٧٣ أبواب الدين والقرض ب ٣١ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٨٨ ـ ١٣٧٢ ، وفي التهذيب ٨ : ٢٠٧ ـ ٧٣١ ، والوسائل ٢١ : ١٩٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٣ ح ١ بتفاوت يسير.

١٨٥

حيث إنّ قوله : « قد بانت » في حكم التعليل لنفي النفقة عن المولى ، فيدلّ على ثبوتها مع عدم حصول مقتضاه ، بل فيها إشعار من جهة أخرى أيضا ، وهي ظهورها في شيوع مطالبة الموالي بنفقات زوجات العبيد.

وبرواية زرارة : عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه فدخل بها ـ إلى أن قال ـ : « وإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلاّ أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا » الخبر (١).

فإنّها ظاهرة في تعلّق الصداق بذمّة المولى ، إذ لولاه لما كان لاشتراط عدم الزيادة والكثرة وجه.

وتعضده أيضا رواية شريح : في عبد بيع وعليه دين ، قال : « دينه على من أذن له في التجارة وأكل ثمنه » (٢).

فإنّ الإذن في التجارة إذا كان موجبا لتعلّق الدين الحاصل منها بذمّة الآذن فكذا النكاح.

ثمَّ هذه الأخبار وإن اختصّت بالمهر أو النفقة ، إلاّ أنّ عدم الفصل يوجب التعدّي إلى الآخر أيضا.

خلافا للمحكي عن المبسوط والقاضي وابن سعيد (٣) وقواه بعض المتأخّرين (٤) ، فقالوا : إنّه على كسب العبد :

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٨ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٨٣ ـ ١٣٤٩ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ ـ ١٤٣١ ، الوسائل ٢١ : ١١٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٤٨ ـ ٨٩٧ ، الاستبصار ٤ : ٢٠ ـ ٦٣ ، الوسائل ٢٣ : ٩٠ أبواب العتق ب ٥٥ ح ٢.

(٣) المبسوط ٤ : ١٦٧ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٢٢٠ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٤٢.

(٤) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤.

١٨٦

إن كان مكتسبا ـ أي في ما يتجدّد من كسبه بعد النكاح ـ وإن كان المهر إلى أجل ففي ما يتجدّد من كسبه بعد الأجل.

وإن لم يكن مكتسبا ، فإمّا على المولى أو على ذمّته ، فيقال لزوجته : إنّ زوجك معسر بالمهر ، فإن صبرت وإلاّ فلك خيار الفسخ.

وعلى هذا ، فيجب على المولى أن يخلّي عبده للتكسّب نهارا والاستمتاع ليلا ، وليس له استخدامه إلاّ أن يلتزم المولى أن ينفق عليه وعلى زوجته من ماله ، فله أن يستخدمه بشرط أن لا يزيد اجرة خدمته عمّا أنفق عليهما ، فلو زادت عليه وجب عليه بذل الزائد إليه ليصرفه في المهر ، وله أيضا استخدامه بقدر الإنفاق خاصّة وإطلاقه في الزائد ليكتسب وتصرف في المهر.

واستدلّ له بأنّ الأصل براءة ذمّة المولى ، والإذن في النكاح لا يستلزم تعلّق لازمه بالذمّة ، وإنّما يستلزم الإذن في لازمه ، وهو الكسب للمهر والنفقة ، وأيضا فغاية العبد المكتسب إذا اذن في النكاح أن يصير في المهر والنفقة بمنزلة الحرّ المكتسب.

وقيل : تتعلّق النفقة ـ أو مع المهر كما يظهر من البعض ـ برقبة العبد ، لأنّ الوطء كالجناية (١).

واختاره الفاضل وقال : إنّه أليق بمذهبنا ، فإن أمكن أن يباع منه كلّ يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل وإلاّ بيع كلّه ـ كما في الجناية ـ ووقف ثمنه ينفق عليها (٢).

__________________

(١) انظر المبسوط ٤ : ١٦٨.

(٢) المختلف : ٥٨١.

١٨٧

أقول : القول الأخير ضعيف دليلا ، إذ ليس له دليل سوى الحمل على الجناية ، وهو قياس مردود.

وأمّا قوله في رواية عليّ بن أبي حمزة المتقدّمة : « يعطيها سيّده من ثمنه ».

فلا يدلّ على تعيين ذلك ، فيمكن أن يكون من باب ذكر أحد أفراد المخيّر المتيقّن حضوره ، ولذلك ذكره.

وأما القول الثاني ، فهو الموافق دليله للأصل ، كما يظهر وجهه ، إلاّ أنّه كان حسنا لو لا أدلّة القول الأول.

وهي أيضا وإن كانت قاصرة غير رواية عليّ بن أبي حمزة ، أمّا الأول فلأنّ الإذن في النكاح يستلزم الإذن في لازمه ، ولكن لازمه حيث يطلق تعلّق المهر والنفقة على الزوج لا غيره ، وهو الأصل الثابت من الأدلّة.

نعم ، لكون ذمّة الزوج هنا مشغولة بحقّ المولى وغير قادر على شي‌ء يستلزم تخلية ذمّته عن حقّه بهذا القدر وقدرته عليه ، لأنّه يقدر بعد إذن المولى.

وبهذا التقرير يندفع ما قيل في تتميم الدليل المذكور من أنّه حيث كان المهر والنفقة لازمين للنكاح ، والعبد لا يملك شيئا ، وكسبه من جملة أموال المولى ، كان الإذن فيه موجبا لالتزام ذلك ، من غير أن يتقيّد بنوع خاصّ من ماله ـ كباقي ديونه ـ فيتخيّر بين بذله من ماله ومن كسب العبد إن وفي به ، وإلاّ وجب عليه الإكمال (١). انتهى.

فإنّ اللازم للنكاح المهر والنفقة على الزوج ، فكان الإذن فيه موجبا لالتزام ذلك في هذا النوع الخاصّ من المال.

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ١١٩.

١٨٨

وأمّا الموثّقة ، فلجواز كون التعليل لسقوط النفقة مطلقا لا عن المولى خاصّة ، فإنّ السقوط المطلق يوجب السقوط عن المولى لو كان عليه أيضا ، وإشعاره بشيوع ذلك ممنوع ، لجواز أن يكون ذلك المولى ينفق عليها لكسب العبد وخدمته أو تبرّعا ، فلذلك طلبتها الزوجة.

وأمّا رواية زرارة ، فظاهرة ، لأنّ المفروض فيها غير المأذون ولا المخيّر ، ولا مهر عليه إجماعا.

وأمّا رواية شريح ، فلابتنائه على حمل النكاح على التجارة ، وهو قياس باطل.

إلاّ (١) أنّ دلالة رواية ابن أبي حمزة على هذا القول واضحة ، سيّما بملاحظة صحيحة أبي بصير ، ولا يضر قوله : « يعطيها سيّده من ثمنه » ، لأنّه لا يدلّ على وجوب ذلك مع أنّ الثمن أيضا مال المولى.

ولذلك يترجّح ذلك القول على القولين الآخرين ، فهو الراجح.

مسألة : إذا زوّج الوليّ المولّى عليه ثبت من جهته التوارث بلا خلاف نعرفه ـ كما قيل (٢) ـ حتى ممّن خيّر الصبيّ عند الإدراك.

قال المحقّق في نكت النهاية : إنّ الخيار عند البلوغ لا ينافي التوارث (٣).

لأنّه عقد صحيح شرعا يصيران به زوجة وزوجا ، فثبت لهما التوارث ، لإطلاق أدلّة توارث المتزاوجين ، والأصل بقاء الصحّة إلى طروّ المعارض ، وهو اختيار الفسخ عند البلوغ.

__________________

(١) هذه تتمّة قوله في الصفحة السابقة : وهي أيضا وإن كانت قاصرة ..

(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ٢٢.

(٣) النهاية ونكتها ٢ : ٣١٥.

١٨٩

وذلك بخلاف الفضولي ، فإنّه لا تتحقّق الزوجيّة قبل الإجازة ، ولذا لا يقال لردّه فسخا ، وهو هنا ممتنع.

ويدلّ عليه ـ مع ذلك ـ الصحيحان : في الصبيّ يتزوّج الصبيّة يتوارثان؟ قال : « إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم » (١).

مسألة : التزويج الفضوليّ إمّا يكون من طرف واحد أو الطرفين.

وعلى التقديرين : إمّا يكون في الكبيرين أو الصغيرين أو المختلفين.

فهذه ستّة أقسام.

وحكم الجميع ـ مع بقاء الطرفين حتى أجاز الفضوليّ منهما أو ردّ ـ واضح.

ولو مات المعقود عليه فضولا قبل الإجازة بطل العقد والمهر والميراث ولو كان أحد الفضوليّين ، سواء بقي الآخر الغير الفضوليّ أو الفضوليّ بعد الإجازة أو قبلها ، ولا مهر ولا ميراث.

للأصل.

ولأنّ شرط الصحّة الإجازة ، ولم يتحقّق ، وبعبارة أخرى : لم تتحقّق العلّة التامّة للزوجيّة ـ ولو لفقد أحد جزئيها وهو الإجازة ـ أو لم تنكشف لنا الصحّة.

ولقوله في صحيحة الحذّاء : فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال : « لا ، لأنّ لها الخيار إذا أدركت » (٢).

ورواية عبّاد بن كثير : عن رجل زوّج ابنا له مدركا من يتيمة في‌

__________________

(١) المتقدمان في ص : ١٢٥ و ١٣١.

(٢) الكافي ٧ : ١٣١ ـ ١ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٦ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢ و ٢٦ : ٢١٩ أبواب ميراث الأزواج ب ١١ ح ١.

١٩٠

حجره ، قال : « ترثه إن مات ولا يرثها ، لأنّ لها الخيار ولا خيار عليها » (١).

وقريب منها في رواية عبيد الآتية.

وهي وإن اختصّت بموارد خاصّة ، إلاّ أنّ التعليل بقوله : « لأنّ لها الخيار » يثبت الحكم في جميع الموارد ، ويبطل بموت ذي الخيار مطلقا.

ولو مات أحد الفضوليّين بعد الإجازة وقبل إجازة الآخر أو ردّه ، أو مات غير الفضوليّ في صورة فضوليّة أحد الجانبين قبل إجازته أو ردّه ، فمقتضى الأصل أيضا : بطلان العقد.

لأنّ الأصل عدم ترتّب الأثر على الإجازة بعد موت أحد الطرفين ، فإنّ جريان أدلّة صحّة الفضوليّ إلى مثل المقام غير معلوم.

مع أنّ بعد موت أحد الطرفين لا معنى لتأثيرها ، إلاّ على القول بكون الإجازة كاشفة ، وهو أيضا أمر على خلاف الأصل غير معلوم إلاّ من جهة دليل ، لعدم قبول المحلّ حين الإجازة للزوجيّة ، وعدم تحقق الزوجيّة قبل الإجازة.

إلاّ أنّه ثبت بالنصّ الصحيح وغيره تأثير إجازة الحيّ الحاصلة بعد موت الآخر إذا كان لازما من طرف الميّت ، بمعنى : أنّها تكشف عن تحقّق الزوجيّة أولا لا بمعنى تحقّقها حينئذ ، وإلاّ لما ثبت التوريث.

وهو صحيحة الحذّاء ، وفيها : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثمَّ مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : « نعم ، يعزل ميراثها منه حتى تدرك ، فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلاّ رضاها‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣٢ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٨٣ ـ ١٣٦٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٩ أبواب ميراث الأزواج ب ١١ ح ٢.

١٩١

بالتزويج ، ثمَّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر » (١).

ورواية عبيد بن زرارة : في الرجل يزوّج ابنه يتيمة في حجره والابن مدرك واليتيمة غير مدركة ، قال : « نكاحه جائز على ابنه ، فإن مات عزل ميراثها منه حتى تدرك ، فإذا أدركت حلفت بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلاّ رضاها بالنكاح ، ثمَّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر » قال : « وإن ماتت هي قبل أن تدرك وقبل أن يموت الزوج لا يرثها الزوج ، لأنّ لها الخيار عليه إذا أدركت ، ولا خيار له عليها » (٢).

وتدلّ عليه أيضا رواية عبّاد المتقدّمة في صدر المسألة ، وذيل صحيحة الحلبي (٣) المتقدّمة في مسألة ولاية الأب على الصغير ، ولا يضرّ كون صدرها في بيان حكم الطلاق الفضولي ، إذ ظاهر أنّ قوله : « حتى يدرك أيّهما بقي فيحلف بالله » وقوله : « إلاّ الرضا بالنكاح » لا ربط له بالطلاق ، فهو أيضا من أحكام النكاح الفضولي.

وهذه النصوص وإن كانت واردة في موارد خاصّة ، إلاّ أنّ منهم من خصّ الحكم بصورة كون المعقود عليهما صغيرين فضوليّين مع موت الزوج. ومنهم من تعدّى إلى سائر الموارد بتنقيح المناط ، حيث يعلم أنّه لا مدخليّة لشي‌ء من الخصوصيات في تأثير الإجازة.

نعم ، مقتضى هذه النصوص بعد ردّ مطلقها إلى مقيّدها : أنّه يشترط أن يكون القبول لأجل الرضا بالنكاح ، بل هو مقتضى الأصل أيضا ، لأنّ المؤثّر هو إجازة النكاح لا غير.

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣١ ـ ١ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٦ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢ و ٢٦ : ٢١٩ أبواب ميراث الأزواج ب ١١ ح ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٢٧ ـ ٧٢١ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٠ أبواب المهور ب ٥٨ ح ١٤.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٢٧ ـ ٧٢٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٢٠ أبواب ميراث الأزواج ب ١١ ح ٤.

١٩٢

وأنّه لا يقبل قول المجيز في كون الإجازة للنكاح إلاّ بعد الحلف ، والظاهر المتبادر أنّ الحلف إنّما هو في القبول ظاهرا ، وأمّا بالنسبة إلى الواقع فلا يحتاج التأثير إلى الحلف ، فلو أجازت الجارية واقعا ولم تحلف تحرم على ابنه وتجب عليها العدّة لو كان المقام مقام العدّة ، ولو أجاز الزوج ولم يحلف تحرم عليه أمّها وعليه أداء مهرها.

وحينئذ ، فهل توقف القبول على الحلف عامّ ، أو يختصّ بموارد التهمة وما احتمل فيه ابتناء القبول على غير الرضا بالنكاح؟

المتبادر هو : الأول (١) ، لظهور أنّ الحلف إنّما هو لبيان الواقع ، فإذا كان الواقع معلوما فلا تترتّب على الحلف فائدة ، وذلك كما إذا أجاز أحدهما قبل اطلاعه على موت الآخر وقد مات واقعا ، أو مع زعمه خلوّه عن الإرث أصلا ثمَّ ظهر له مال ، أو إذا كان الحيّ زوجا وكان ما يجب عليه من المهر أضعاف ما يأخذه من الإرث ولم يتعلّق غرض بإثبات أعيان التركة.

والحاصل : أنّ المناط القطع بعدم ابتناء الإجازة إلاّ على الرضا بالنكاح.

وعلى هذا ، فتعدّي الحكمين ـ أي ثبوت النكاح بالإجازة بعد موت من يلزم من جانبه ، وتوقّف الحكم به ظاهرا على الحلف مع ثبوت التهمة ـ إلى جميع موارد المسألة ، من كون الزوجين صغيرين أو كبيرين ، أو أحدهما صغيرا والآخر كبيرا ، مع كونهما فضوليّين ، أو أحدهما فضوليّا والآخر أصالة أو ولاية أو وكالة ، ودليل التعدّي تنقيح المناط.

__________________

(١) كذا ولعلّ الصحيح : الثاني.

١٩٣

ومنهم من خصّ بما إذا كان المعقود عليه فضولا الصغير ، وعمّم الطرف الآخر بالنسبة إلى الصغير المعقود عليه فضولا أو ولاية أو الكبير المعقود عليه أصالة أو وكالة.

والحاصل : أنّه خصّ أحد الطرفين بالصغير الفضولي ، وهو مختار القواعد والمسالك والروضة (١).

واستدل له بفحوى الخطاب ، للزوم العقد هنا من الطرف الآخر ، فهو أقرب إلى الثبوت وأولى منه ممّا هو جائز من الطرفين ، كما في الصغيرين.

ومنهم من خصّ بالصغيرين الفضوليّين مع تعميم الحكم بالنسبة إلى موت الزوج والزوجة.

إذ من المعلوم أنّ الإرث هنا ليس إلاّ للزوجيّة ، ولا يعقل الفارق بين الزوج والزوجة ، وأيضا إذا ثبتت الزوجيّة لها بعد موته فأولى أن تثبت له ، للزوم المهر عليه (٢).

ومنهم من استشكل مع هذا التخصيص في صورة موت الزوجة أيضا.

لاختصاص النصّ ـ وهو صحيحة الحذّاء ـ بصورة موت الزوج.

ويناقش ذلك في جميع ما مرّ دليلا للتعميم مطلقا أو في بعض موارد المسألة بأنّ الحكم إنّما هو على خلاف الأصل ، فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحد المعقود عليهما بعد اللزوم من طرفه وقبل إجازة الأخر.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٧ ، المسالك ١ : ٤٥٩ ، الروضة ٥ : ١٤٥.

(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ٢٣.

١٩٤

والتعدّي إنّما يتمّ لو علمنا علّة الحكم المنصوص ، وهي غير معلومة ، لأنّها في غير منصوص العلّة أمّا تعلم بالعقل أو الإجماع ، والأول لا مدخليّة له في المقام ، والثاني مفقود.

وعدم تعقّل الفارق لا يدلّ على عدم تحقّقه.

وثبوت الأولويّة المدّعاة أيضا موقوف على العلم بالعلّة ، وهو غير متحقّق.

فينحصر الحكم بما إذا كان المعقود عليهما صغيرين ومات الزوج.

أقول : لا يخفى أنّه لو كان اللازم القصر على المنصوص لما اختصّ بهذه الصورة أيضا ، لثبوت الحكم ـ فيما إذا كان الزوج كبيرا أيضا ـ من روايتي عبّاد وعبيد ، وفي صورة موت الزوجة بصحيحة الحلبي.

بل يثبت الحكم في جميع الموارد بالعلّة المنصوصة في رواية عبّاد بقوله : « لأنّ لها الخيار ولا خيار عليها ».

فإنّها تدلّ على توريث كلّ من كان له الخيار بعد موت من لا خيار له ، وظاهر أنّه لا يكون إلاّ بعد الإجازة.

مع أنّ في عدم جريان تنقيح المناط في الموارد أيضا نظرا.

ولا يلزم من عدم القطع بالعلّة بالدليل العقليّ ولا بالإجماع عدم القطع به أصلا.

إذ قد يعلم بالاستقراء أو عدم معهوديّة اعتبار مثل ذلك الفرق في الأحكام الشرعيّة ، وأكثر ما ينقّح فيه المناط من ذلك القبيل.

فالحقّ : تعميم الحكم بالنسبة إلى جميع الموارد وثبوت الأحكام الواقعيّة المترتّبة على الزوجية فيما بينه وبين الله سبحانه ، ولا يختصّ‌

١٩٥

الحكم بمجرّد التوريث ودفع المهر ، إذ من الظاهر أنّ سببه ليس إلاّ حصول الزوجيّة ، إذ لا سبب آخر له ، مع أنّه لا قائل بالفرق.

نعم ، بقي الكلام في الاحتياج إلى الحلف في غير موارد النصّ بالحلف وعدمه.

والتحقيق : أنّ التعدّي إلى غير المنصوص إن كان لأجل العلّة المنصوصة لم يحتج إلى الحلف ، لأنّها تدلّ على أنّ الخيار وعدم الخيار علّة للتوريث وعدمه ، غاية الأمر أنّه ضمّ إليه الإجازة أيضا بالإجماع ، وضمّ الغير لا دليل عليه ، إلاّ فيما ثبت الحلف أيضا بالنصّ.

وإن كان لأجل تنقيح المناط خاصّة احتاج إليه ، والوجه ظاهر.

فروع :

أ : الحلف مختصّ بصورة التهمة والاحتمال كما مرّ.

لما مرّ من التبادر.

ب : الحلف إنّما هو لحكم الغير بالزوجيّة والتوارث.

وأمّا لو لم يحتج إلى حكم الغير ـ كأن تكون التركة بيد الباقي ولم يعلم به غيره ـ فلا حاجة في توريثه إلى حلفه بعد ما علم من نفسه أنّ الرضا إنّما هو بالنكاح.

لإطلاق قوله في رواية عبّاد : « ترثه إن مات ».

واختصاص صور الحلف بما إذا احتاج إلى دفع الغير.

لقوله : « ثمَّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر ».

ج : المحلوف عليه وإن كان أخذ الميراث ـ للتقييد في النصوص بقوله‌

١٩٦

« ما دعاها إلى أخذ الميراث » ـ ولكن دفع المهر أيضا يتوقّف عليه.

للحكم في النصوص بدفع نصف المهر بعد الحلف ، للإتيان بلفظة : « ثمَّ » الدالّة على التعقيب.

د : وإذ عرفت أنّ مقتضى إطلاق العلّة : ثبوت التوريث الذي هو أمارة الزوجيّة بمجرّد الإجازة ، وأنّ الحلف إنّما هو لحكم الغير في دفع الإرث والمهر.

تعلم أنّه لا حاجة إليه في غيرهما ، فثبت المهر على الزوج إذا كان هو الباقي خاصّة بمجرّد الإجازة من دون الحلف ، مع أنّ الإجازة كالإقرار في حقّ نفسه بالنسبة إلى ما يتعلّق به كالمهر ، وإنّما كان يتوقّف دفع الإرث والمهر على اليمين لقيام التهمة وعود النفع إليه محضا ، فثبت ما يعود عليه دون ماله.

ولا بعد في تبعّض الحكم وإن تنافى الأصلان الموجبان لهذين الحكمين ـ أي الزوجيّة وعدمها ـ وله نظائر كثيرة :

منها : ما مرّ فيما إذا اختلفا في تحقّق النكاح ، فإنّ مدّعيه يحكم عليه بلوازم الزوجيّة دون المنكر ، وإطلاق النصّ بتوقّف الإرث على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر.

فإن قيل : ليس هناك دليل آخر مثبت للمهر ، إذ لا دليل على تأثير الإجازة في الزوجيّة بعد موت أحد الطرفين إلاّ أخبار التوريث ، من جهة أنّ التوريث لا يكون إلاّ للزوجيّة ، فثبوت الزوجيّة ليس إلاّ بواسطة ثبوت التوريث ، فهي موقوفة عليه ، والتوريث فيما فيه الحلف موقوف على الحلف ، فثبوت الزوجيّة الموجبة للمهر موقوف على الحلف.

١٩٧

قلنا : لا نسلّم أنّ التوريث موقوف على الحلف في الواقع ، بل الموقوف عليه هو دفع الميراث لأجل التهمة.

والحاصل : أنّه إن كان صادقا في الرضا بالنكاح يرث ، ولكن لمّا لم يعلم صدقه في موضع التهمة إلاّ بتوسّط حلفه فالدفع إليه يتوقّف عليه ، أمّا فيما ليس موضعا للتهمة ـ كدفعه المهر ـ فلا حاجة إليه ، فهو زوج بإقراره وإن لم نعلمه واقعا ، فيترتّب عليه ما يكفي فيه إقراره لا ما يتوقّف على علمنا.

ثمَّ إنّه هل يرث من ذلك المهر حتى يكون اللازم عليه أداء نصف ما عليه من المهر ، أو لا؟

الظاهر هو : الأول ، كما عن فخر المحقّقين (١) وجماعة (٢) ، إذ إقراره لا يثبت إلاّ ذلك.

والحاصل : أنّ وجوب دفع المهر ليس إلاّ للإقرار بالزوجيّة ، والزوجيّة سواء كانت إقراريّة أو واقعيّة لا تثبت إلاّ نصف المهر ، فالمدّعى أنّه لم يثبت إلاّ النصف ، لا أنّه ثبت الجميع ويرث نصفه بالزوجيّة ، حتى يرد أنّ الإرث يتوقّف على اليمين ، وكيف؟! مع أنّه لا يخلو إمّا أن يكون صادقا في الإجازة أو كاذبا ، فإن كان صادقا فالمهر نصفه له ، وإلاّ فكلّه.

هـ : لو مات الباقي بعد الإجازة وقبل اليمين ، فيما فيه اليمين ، فالظاهر عدم استحقاق وارثه شيئا من إرث الطرف الآخر.

لأنّ استحقاقه فرع استحقاق مورّثه ، الموقوف على الحلف ، الممتنع تحقّقه حينئذ ، وعدم توقيف حلف وارثه ولو ادّعى العلم ، وتمام الزوجيّة‌

__________________

(١) الإيضاح ٣ : ٢٨.

(٢) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٣ وصاحب الرياض ٢ : ٨٣.

١٩٨

بمجرّد الإجازة ـ بحسب علمنا ـ في مقام التهمة ممنوع.

و : لو جنّ الباقي قبل الأمرين أو أحدهما : فمع اليأس عن الإفاقة فكالميّت.

ومع رجائه يعزل نصيبه إلى أن يفيق فيحلف.

لإطلاق الروايات بالعزل إلى الحلف.

ز : لو كانت تركة الطرف الميّت ما لا يمكن عزل نصيب الباقي خاصّة ، بأن يكون ممّا لا يقبل القسمة ، يتصرّف فيه وليّ الطرف الآخر مع سائر الورثة بما أمكن.

والتوضيح : أنّ المراد بالعزل ليس طرحه وإبقاؤه مهملا من جميع الوجوه ، بل المراد : عزله عن القسمة ، فلا يقسّم بين الورثة ، ويكون الحال فيه مشتبها في أنّه هل مال الوارث أو الطرف الآخر ليس إلاّ ، فينبغي أن يتصرّف فيه المأذون عنهما بما يصلح بأن يقوّم على أحدهما أو على ثالث أو نحو ذلك ممّا يجوز للوليّ.

وكذا إذا كان المال ممّا يضيّع بالإبقاء ، ولو لم يتّفقا على أمر واحد يرجع إلى الحاكم الشرعي.

ح : النكاح إذا كان فضوليا من طرف واحد وبالمباشرة لنفسه أو لموكّله أو لمن يلي أمره من طرف آخر ، يلزم من ذلك الطرف ولا خيار له.

لما مرّ في الأخبار المتكثّرة من قوله : « ولا خيار عليها » (١).

ط : إذا كان أحد طرفي العقد فضوليّا والآخر لازما ، صرّح جماعة‌

__________________

(١) راجع : ١٩٢.

١٩٩

ـ منهم : الفاضل في القواعد والهندي في شرحه (١) ، وطائفة من معاصرينا (٢) ـ بأنّه يثبت تحريم المصاهرة في حقّ اللاّزم ، بمعنى : أنّه في حكم المتزوّج بالعقد اللاّزم من الطرفين ، فيحرم عليه ما يحرم عليه.

فإن كان اللزوم من جانب الزوج يحرم عليه تزويج أخرى دائما إن كانت هذه رابعة وتزويج أخت هذه المرأة وبنتها وأمّها.

وإن كان من جانب الزوجة فلا يجوز لها التزويج بغيره.

كلّ ذلك لصدق التزويج والنكاح على ذلك وإن كان فضوليّا من الطرف الآخر ، فإنّه نكاح صحيح ، بل لازم من ذلك الطرف ، بل صرّح في الروايات بأنّه نكاح صحيح ، وأنّه نكاح جائز ، وأنّه تزويج ، ونحو ذلك ، فتشمله أخبار حرمة نكاح أخت المنكوحة وأمّها وبنتها وخامستها ونكاح المتزوّجة ونحو ذلك.

فإن قيل : فعلى هذا يلزم ثبوت تحريم المصاهرة في حقّ غير اللاّزم أيضا وكذا الفضوليان ، لصدق النكاح.

قلنا : إتيان الفضوليّ بما يحرم على اللاّزم ردّ للعقد فلذا يجوز ، مع أنّ لنا أن نسلّم اللاّزم لو لا الدليل على خلافه ، ولكنّه قائم ، وهو الإجماع على عدم التحريم من جانب الفضولي ، بل تدلّ عليه أيضا الأخبار المصرّحة بصحّة العقد الأخير أيضا إذا زوّج فضوليّان على واحد وبأنّه لو أجاز الأخير يلزم (٣) ، ولو كان يحرم على الفضوليّ ما يحرم على اللاّزم لكان العقد الأخير باطلا لا تنفع فيه الإجازة.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٧ ، كشف اللثام ٢ : ٢٣.

(٢) كصاحب الحدائق ٢٣ : ٢٨٨ وصاحب الرياض ٢ : ٨٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٧ ـ ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٨٧ ـ ١٥٥٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٢ أبواب عقد النكاح ب ٨ ح ١.

٢٠٠