مستند الشّيعة - ج ١٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-125-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٥٧

وإن كذّبها فيكون منكرا ، لأنّ الزوجة حينئذ مدّعية لفساد نكاح هذا الزوج : فإن أقامت الزوجة البيّنة التي شهدت بالتفصيل المتقدّم فيحكم لها.

وكذا إن حلفت اليمين المردودة.

وإلاّ فيحلف الزوج الأول ويحكم له.

وإن كذّبها الثاني فعليها البيّنة ، فإن إقامتها فيحكم لها ، وإلاّ فلها تحليفه ، فإن حلف وإلاّ فيحكم لها.

وثمرته تظهر فيما يترتّب على الزوجيّة وفي الدعوى على الزوج الأول ، وعلى جميع التقادير يؤخذ بما يختصّ بها باعترافها بفساد نكاح الأول.

ومنه يظهر الحكم لو ادّعى رجل له زوجة زوجيّة من لا يجتمع مع هذه الزوجة ، كامّها أو أختها أو الخامسة.

المسألة الثامنة عشرة : لو اجتمعت دعويان غير ممكن الاجتماع صدقهما في الزوجيّة : كأن تدّعي امرأة زوجيّة رجل ورجل آخر زوجيّتها.

أو ادّعى رجل زوجيّة امرأة وأختها أو بنتها أو خامستها أيضا زوجيّته.

وكان الرجل الأول في الدعوى الاولى والمرأة الاولى في الثانية منكرا ، لأنّ مع تصديقه يرجع إلى المسألة السابقة ، سواء كان التصديق مسبوقا بإنكار فرجع أو لا.

١٦١

فتكون هناك دعويان ، تكون المرأة والرجل الثاني في المثال الأول والرجل والمرأة الثانية في الثاني مدّعيين في إحدى الدعويين منكرين في الأخرى ، فلا يخلو : إمّا أن تكون للمدّعيين البيّنة.

أو لا تكون لشي‌ء منهما بيّنة ، أو تكون لأحدهما خاصّة.

فعلى الأخير : تكون لذي البيّنة إقامة بيّنة ولفاقدها حلف المدّعى عليه على الأقوى.

فإن سبق الأول في إقامة البيّنة وحكم له ، يكون الثاني من باب مسألة دعوى المزوّجة زوجا آخر ، أو دعوى الرجل زوجيّة المزوّجة ، أو دعوى المرأة زوجيّة رجل له زوجة لا تجتمعان ، أو الرجل زوجيّة امرأة لا تجتمع مع زوجته ، وقد مرّ حكم الجميع ، إلاّ أنّه لا تطلب البيّنة هنا من ذي البيّنة الذي أقامها ثانيا فيما كان الحكم في السابق طلب البيّنة منه ، لأنّه قد أقامها أولا.

وإن سبق الثاني في الحلف ، فإن حلف المنكر فحكمه ظاهر ، وإن نكل أو ردّ تثبت دعوى المدّعي.

وترجع المسائل الأربع ـ الحاصلة باعتبار المثالين والمدّعيين ـ إلى بعض المسائل المتقدّمة التي ظهر حكمها أيضا ..

مثلا : لو نكل الرجل الذي تدّعي [ المرأة ] (١) زوجيّته قبل إقامة الرجل الآخر البيّنة على زوجيّتها ، تصير من باب مسألة مدّعي زوجيّة المزوّجة ، وهكذا ، ولا يمين على ذي البيّنة حينئذ فيما شهدت له البيّنة ، للأصل.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : الرجل ، والصحيح ما أثبتناه.

١٦٢

وتوهّم شيخنا الشهيد الثاني في الروضة حكم المصنّف به (١) ، فنسبه إليه وتبعه بعض آخر (٢) ، ولم يذكره أحد قبله كما صرّح به في الروضة ، مع أنّ الظاهر أنّ مراد المصنّف : الحلف للدعوى الآخر ، لا على ذي البيّنة ، كما فهمه الشارح وحمل الآخر على ذي البيّنة ، مع أنّ المراد منه الادّعاء الآخر.

وعلى الثاني ـ وهو إن لم يكن لهما بيّنة ـ : فلكلّ واحد منهما تحليف المدّعى عليه ، ولا يخلو : إمّا يحلفان.

أو يحلف أحدهما والآخر يردّ أو ينكل.

أو هما معا يردّان أو ينكلان.

فإن حلفا فالحكم ظاهر.

وإن حلف أحدهما وردّ الآخر أو نكل ، فإمّا يسبق التحليف أو الردّ والنكول.

فإن سبق التحليف فترجع المسائل الأربع إلى أربع من المسائل المتقدّمة.

مثلا : [ إن ] (٣) حلفت المرأة لمدّعي زوجيّتها أولا ، ثمَّ حلفت هي اليمين المردودة من الرجل الآخر المنكر زوجيّتها ، يرجع إلى ما إذا ادّعت المرأة التي ليس زوج لها زوجيّة رجل وحلفت يمينا مردودة. وإن حلف الرجل المدّعي لأخت من يدّعي زوجيّتها يرجع إلى ما إذا ادّعى الرجل زوجيّة امرأة لا مانع لها ، وهكذا.

__________________

(١) الروضة ٥ : ١٣٠ و ١٣٢.

(٢) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

١٦٣

وإن سبق الردّ والنكول التحليف يرجع إلى مسائل أربع أخرى من المسائل المتقدّمة.

مثلا : إن نكلت الزوجة أولا ثمَّ أرادت حلف الرجل المدّعى عليه يرجع إلى مسألة دعوى المرأة المزوّجة زوجيّة رجل آخر ، وهكذا.

وإن ردّا أو نكلا معا فيرجع إلى أربع مسائل أخرى من المسائل المتقدّمة.

مثلا : لو نكل الرجل الذي يدّعي عليه أخت الزوجة التي يدّعي هو عليها بعد ردّه الحلف ، تصير مسألة ما إذا ادّعى الرجل المزوّج زوجيّة من لا يجتمع مع زوجته ، وهكذا.

وعلى الأول ـ وهو أن تكون لكلّ منهما بيّنة ـ :

فإمّا تكونان مؤرختين فيعمل بالسابق ، ووجهه ظاهر ، مضافا إلى قوله في ذيل رواية الزهري الآتية : « إلاّ بوقت قبل وقتها ».

أو أحدهما خاصّة ، فيعمل بمقتضاه خاصّة.

لأصالة تأخّر الحادث.

والرواية الزهري الشاملة بإطلاقها لما إذا كانت بيّنة الزوج مؤقّتة ، بل ظهورها فيها من جهة قوله : « لأنّ الزوج قد استحقّ بضع هذه المرأة » وقوله : « قبل وقتها » ، فإنّهما ظاهران في توقيت بيّنة الزوج.

أو ليس شي‌ء منهما مؤرخا ، فتتعارضان.

وظاهر أنّه لا يمكن العمل بالبيّنتين ، للتناقض.

ولا بأحدهما من دون مرجّح ، لبطلان الترجيح بلا مرجّح.

فمقتضى القاعدة‌ :

١٦٤

إمّا طرحهما ، فتصير مثل ما إذا لم تكن لهما بيّنة أصلا ، وقد عرفت حكمه.

أو يقرع بينهما إن جازت القرعة إذا تعارضت البيّنتان ، لأنّها لكلّ أمر مشكل.

إلاّ أنّه ورد في رواية الزهري : في رجل ادّعى على امرأة أنّه تزوّجها بوليّ وشهود ، وأنكرت المرأة ذلك ، وأقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البيّنة أنّه تزوّجها بوليّ وشهود ولم توقّت وقتا : « إنّ البيّنة بيّنة الزوج ولا تقبل بيّنة المرأة ، لأنّ الزوج قد استحقّ بضع هذه المرأة ، وتريد أختها فساد هذا النكاح ولا تقبل بيّنتها إلاّ بوقت قبل وقتها أو دخول بها » (١).

وضعفها منجبر بالشهرة ، بل دعوى عدم الخلاف والإجماع (٢) ، ومقتضاها : استثناء صورة من توقيت إحدى البيّنتين وصورة من انتفاء التوقيت فيهما عن الحكم الذي ذكرنا ، وهي ما إذا كان الزوج قد دخل بالمدّعية.

فإنّه حينئذ تقدّم بيّنة الزوجة ، سواء وقّت بيّنة الزوج أم لا ، لأنّ الظاهر كون الدخول لزوجته ، فيقدّم الظاهر على الأصل في الصورة الأولى ، ويقدّم المقارن للظاهر على الفاقد له في الثانية بالنصّ المذكور ، لأنّه إمّا ظاهر في صورة توقيت بيّنة الزوج ـ كما مرّ ـ فيثبت الحكم في الأولى بالصراحة وفي الثانية بالأولويّة ، أو شامل لها فيثبته في الصورتين بالإطلاق.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٦٢ ـ ٢٦ ، التهذيب ٧ : ٤٣٣ ـ ١٧٢٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٩٩ أبواب عقد النكاح ب ٢٢ ح ١.

(٢) كما في الرياض ٢ : ٧٠.

١٦٥

ولا يرد الإشكال : بأنّ الزوج منكر فلا وجه لتقديم بيّنته ، لأنّه مدّع بالنسبة إلى المرأة الأخرى وهي منكرة ، كما صرّحت به الرواية ، فاعتبار بيّنته إنّما هو بالإضافة إليها ، لكونه مدّعيا في مقابلها.

ولكن الحكم مخصوص بمورد الرواية ـ أي ما كان الرجل مدّعيا على امرأة وأختها عليه ـ ولا يتعدّى إلى غيره ، حتى إلى ما إذا كانت المدّعية على الرجل بنتها أو أمّها ، بل الحكم في سائر الشقوق بأجمعها ما ذكرنا من القواعد.

فالقول بالحكم للمدّعية في المثال الثاني مع يمينها في صورة انتفاء البيّنة وتحقّق الدخول بها ترجيحا للظاهر على الأصل مطلقا ، وله مع البيّنتين مطلقا ، لرجحان بيّنته على بيّنتها ، لإنكارها فعله الذي لا يعلم إلاّ من قبله ، فلعلّه عقد على المنكرة قبل عقده على المدّعية.

غير صحيح ، لمنع ترجيح الظاهر على الأصل بإطلاقه ، ومنع عدم إمكان العلم إلاّ من قبله ، مع أنّه غير جار في صورة توقيت البيّنتين بوقتين متساويين.

ثمَّ إنّ بعد تقديم بيّنة المنصوص هل عليه اليمين أيضا؟

الحقّ : لا ، للأصل ، فإنّ مشروعيّة اليمين توقيفيّة ، ولم يوقف في المورد.

وقيل : نعم ، لجواز وقوع لم يطلع عليه البيّنة (١).

قلنا : هذا القدر غير كاف في إثبات اليمين ، بل اللازم في إثباتها الدليل الشرعي ، والجواز ـ بعد حكم الشارع بالتقديم ـ غير مضرّ ، وإلاّ فمع‌

__________________

(١) انظر المسالك ١ : ٤٤٧.

١٦٦

اليمين أيضا لا ينتفي الاحتمال.

نعم ، لو ادّعى عليه سبق عقد حتى تتحقّق دعوى اخرى اتّجه الحكم باليمين.

مسألة : الظاهر وجوب مراعاة الوليّ عدم المفسدة في النكاح.

لظاهر الإجماع.

وعمومات نفي الضرر ، المعارضة مع عمومات لزوم تزويج الوليّ ، الراجحة عليها بموافقة الكتاب والسنّة وأصالة عدم ترتّب الأثر ، فلا يجوز معها ، ولو زوّج والحال هذه بطل.

وهل تجب مراعاة المصلحة في النكاح؟

الظاهر : لا ، للأصل ، والعمومات.

نعم ، لو قلنا بوجوب مراعاة المصلحة في التصرّفات الماليّة يجب على الزوج مراعاتها في المهر ، بل يحتمل التعدّي إلى الإنفاق أيضا ، والمصلحة المراعاة إنّما هي بحسب وقت النكاح لا ما يتجدّد بعده.

مسألة : لا يشترط في تزويج المولّى عليها أن يكون بمهر المثل أو أزيد ، للأصل ، وإطلاقات تزويج الوليّ.

ولا يتوهّم أنّ الأصل عدم تحقّق التزويج ، إذ لا كلام في أنّ الاختلاف هنا ليس لعدم صدق التزويج. فلو زوّج بدونه صحّ العقد ولزم وإن لم تراع فيه مصلحتها ما لم تكن لها فيه مفسدة ، للإطلاقات ، والعمومات :

كصحيحة الحلبي : في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضا منها ، قال : « ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة » (١).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٣ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٨١ ـ ١٥٣٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٥ أبواب عقد النكاح ب ٩ ح ٧.

١٦٧

وصحيحة ابن الصلت وصحيحة ابن بزيع وغيرها ، المتقدّمة في بحث وليّ العقد (١).

ولا يعارضها ما دلّ على ثبوت الخيار ـ كصحيحة محمّد (٢) ـ لما مرّ من مرجوحيّتها.

وربّما قيل ببطلان العقد مع عدم رعاية المصلحة ، لأنّه عقد جرى على خلاف المصلحة.

وفيه : أنّ وجوب عدم كون العقد مخالفا للمصلحة غير معلوم ، بل هو أول النزاع ، مع أنّ عدم رعاية المصلحة غير كونه خلاف المصلحة.

وقيل : بأنّ لها خيار فسخه ، لفساد المهر الذي جرى عليه العقد ، لعدم رضائها به.

وفيه أولا : منع اقتضاء فساد المهر للخيار في النكاح ، للرجوع إلى مهر المثل.

وثانيا : منع فساده المهر ، بل الحقّ صحّة المهر المسمّى ولزومه أيضا ، لمثل ما ذكر من الأصل ، والعمومات ، وعمومات لزوم المهر المسمّى كملا أو نصفا ، المذكورة في أبواب ما يوجب المهر وما إذا ماتت المرأة أو طلّقت قبل الدخول.

المعتضدة كلّها بقوله تعالى ( أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) (٣) ، فإذا ساغ له العفو فنقصه ابتداء أولى ، وفاقا للمحكيّ عن‌

__________________

(١) راجع ص : ١٢٥.

(٢) المتقدّمة في ص : ١٣١.

(٣) البقرة : ٢٣٧.

١٦٨

المبسوط والخلاف (١).

وقيل بالبطلان ـ نقله في المبسوط (٢) ـ لأنّ عليه مراعاة القيمة في مالها ففي بضعها أولى.

وهو ممنوع.

وعن المحقّق وفي القواعد والتحرير (٣) : إثبات الخيار لها فيه ، سواء اعتبرت فيه المصلحة أم لا ، لأنّه عوض لها في بضعها ، فالنقص فيه ضرر منفيّ في الشرع ، فينجبر بتخييرها في فسخ المسمّى والرجوع إلى مهر المثل.

وفيه : أنّ النكاح ليس في الحقيقة معاوضة ، ولذا لا يشترط فيه المهر أيضا ، فإذا قبل الخلوّ عنه يقبل النقص بالطريق الأولى ، وليس المهر عوضا حتى يلزم من نقصه الضرر ، بل المطلوب الأصليّ في النكاح بقاء النسل وتحصين الفرج ، فلا ينظر إلى ما يقابله من العوض الواقع بالعرض.

وفي الروضة قوّى اللزوم في المسمّى مع مراعاة المصلحة ، والخيار مع عدم مراعاتها (٤) ، واستوجهه في المفاتيح (٥) وشرحه ، لأنّ الأصل في تصرّف الوليّ : مراعاة مصلحة المولّى عليه ، فحيث أوقعه على خلاف المصلحة كان لها الخيار.

وفيه : منع الأصل في المورد ، للأصل.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٧٩ ، الخلاف ٤ : ٣٩٢.

(٢) المبسوط ٤ : ١٧٩.

(٣) المحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٨ ، القواعد ٢ : ٧ ، التحرير ٢ : ٦.

(٤) الروضة ٥ : ١٤٠.

(٥) المفاتيح ٢ : ٢٦٩.

١٦٩

مسألة : لو زوّج الولي المولّى عليه بأكثر من مهر المثل :

فإن كان من مال الوليّ صحّ ولزم بلا خلاف ـ كما قيل ـ وإن دخل المهر حينئذ في ملك المولّى عليه ضمنا.

وكذا إن كان ذلك مقتضى مصلحة ، لأنّها للضرر جابرة.

وإلاّ فالحقّ ثبوت الخيار له ، لأنّه إضاعة للمال ، وضرر منفيّ في الشرع ومفسدة ، فيجب دفعه ، وهو بالخيار يدفع.

بل يمكن أن يقال : إنّه مناف للمصلحة التي يستفاد من الأخبار لزوم مراعاتها على قيّم الصغار ، بل لم يثبت من دليل جواز مثل ذلك التصرّف في أموالهم ، فيبطل أصل المهر.

ويحتمل ضمان الوليّ له إن كان أبا.

لإطلاق قوله في صحيحة الحذّاء : « والمهر على الأب للجارية » (١).

وفي صحيحة محمّد : « فإنّ المهر على الأب » (٢).

خرجت عنه الصور التي تتعلّق بذمّة المولّى عليه بالدليل ، فيبقى الباقي ، ومنه المورد ، سيّما إذا كان أطلق ولم يصرّح بتعلّقه بمال الصبي.

ثمَّ إن قلنا ببطلانه أو بثبوت الخيار له ولم يجزه بل أبطله ، فهل يبطل العقد؟

أو لا يبطل ويكون لازما ويثبت لها مهر المثل؟

أو يثبت لها الخيار فيه؟

الأول : مقتضى تبعيّة العقود للقصود.

__________________

(١) المتقدمة في ص : ١٣١.

(٢) المتقدمة في ص : ١٢٦.

١٧٠

والثاني : مبنيّ على عدم فساد النكاح بفساد المهر أو الشرط.

والثالث : لا وجه له ، لأنّه إن ثبت عموم صحّة النكاح مع فساد المهر أو الشرط بحيث يشمل المورد فالثاني وإلاّ فالأوّل ، ويأتي تحقيقه في بحث المهور.

هذا إذا لم تعلم المرأة فساد المهر ، أو تخيّر الزوج حين النكاح.

وأمّا لو علمته ، فيصحّ النكاح ويلزم البتّة.

لعدم المقتضي للبطلان أو الخيار ، فإنّ مع علمها لا يعلم قصدها النكاح بالمهر المخصوص البتّة ، فلا يؤثّر فساد المهر ، كما بيّنّا وجهه مفصّلا في عائدة : العقود تابعة للقصود من كتاب عوائد الأيّام (١).

مسألة : لو زوّج الوليّ الأنثى أو الذكر بمن فيه أحد العيوب الموجبة للفسخ‌ ، كان للمولّى عليه الفسخ بعد الاطّلاع والكمال ، سواء علم به الولي حين العقد أو لا ، وسواء كان العقد مقتضى المصلحة أم لا.

لأدلّة ثبوت الخيار مع أحد هذه الأوصاف والجهل به :

كصحيحة الحلبي : « يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل » (٢).

وقريب منه في صحيحتيه الأخريين (٣).

__________________

(١) عوائد الأيّام : ٥٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٢٤ ـ ١٦٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ ـ ٨٨٠ ، الوسائل ٢١ : ٢١٠ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ١٠.

العفل والعفلة : بالتحريك فيهما : شي‌ء يخرج من قبل النساء. الصحاح ٥ : ١٧٦٩.

(٣) الاولى في : الكافي ٥ : ٤٠٦ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ ـ ١٢٩٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٦ ـ ١٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٧ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٩ أبواب العيوب

١٧١

وغيرها من أخبار العنّين والمجنون الآتية في بحثها.

وقد يستشكل في خيار المولّى عليه مع علم الوليّ بالعيب ، لأنّه إن راعى الغبطة مضى تصرّفه وإلاّ كان باطلا أو فضوليّا.

ويضعّف بمنع الشرطيّتين ، لإطلاق أدلّة التخيير بالعيوب ، وعدم الدليل على اعتبار الغبطة زيادة على التزويج ، والتضرّر بالعيب المنفيّ يجبر بالخيار ولا معارض غيره.

وعن ظاهر الخلاف : عدم الخيار (١).

ولا وجه له بعد ما عرفت.

وقد يوجّه : بأنّه مبنيّ على وجوب اعتبار المصلحة على الوليّ ، فبعد رعايتها لزم العقد ورفع الاختيار.

وفيه : منع الوجوب أولا ، وعدم إيجابه لتخصيص أدلّة الخيار ثانيا.

مسألة : لو زوّجها الوليّ بغير كفو : فإن كان عدم الكفاءة مما يوجب الخيار ـ كالإعسار الذي لا يقدر معه على الإنفاق على القول بالخيار فيه ـ كان لها الخيار أيضا.

وإن كان ممّا يمنع عن التزويج ـ كالكفر ونحوه ـ بطل العقد.

والوجه فيهما ظاهر.

مسألة : الوكيل إن كان مقيّدا تجب عليه متابعة القيد‌ ، فإن خالف وقع فضوليّا.

__________________

والتدليس ب ١ ح ٦.

الثانية في : نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٨٠ ـ ١٧١ ، الوسائل ٢١ : ٢١٦ أبواب العيوب والتلبيس ب ٤ ح ٢.

(١) الخلاف ٤ : ٢٨٤.

١٧٢

وإن كان مطلقا يختار ما شاء ومن أراد ، إلاّ أن تدلّ قرينة حاليّة على إرادة قيد فيجب اتّباعه ، وإن خالفه فيكون كما إذا خالف المقيّد.

مسألة : النكاح الفضولي صحيح غير لازم‌ ، يلزم بالإجازة من وليّ العقد ، فإن أجاز لزم وإلاّ بطل في الحرّ والعبد.

وفاقا للمفيد والعماني والسيّد والنهاية والتهذيب والاستبصار والديلمي والقاضي (١) ( والحلبي والحليّ والفاضلين ) (٢) ، وجميع من تأخّر عنهما ، بل هو على الأشهر الأظهر ، بل في الناصريات الإجماع عليه مطلقا (٣) ، وفي السرائر في الأول ، وعن الخلاف في الثاني (٤).

للمستفيضة من النصوص ، منها في الأول ، كموثقة البقباق ، وفيها : « إذا زوّج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه » (٥).

وصحيحة الحذّاء ، وفيها : عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين ، فقال : « النكاح جائز ، وأيّهما أدرك كان له الخيار » الحديث (٦).

وفي ذيلها ما يصرّح بأنّ المراد بالوليّ غير الأب.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥١١ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٥٣٥ ، السيّد في الانتصار : ١٢١ ، النهاية : ٤٦٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ و ٣٨٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٩ ، الديلمي في المراسم : ١٤٨ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٩٥.

(٢) الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٩٢ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٦٤ ، ٥٦٥ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٨ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٧. وما بين القوسين غير موجود في : « ق ».

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١١.

(٤) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٢٢ ، وهو في الخلاف ٤ : ٢٦٦.

(٥) الكافي ٥ : ٤٠٠ ـ ١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٧ أبواب عقد النكاح ب ٦ ح ٤.

(٦) الكافي ٥ : ٤٠١ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٨٢ ـ ١٣٦٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٩ أبواب ميراث الأزواج ب ١١ ح ١.

١٧٣

وإثبات الخيار وإن لم يكن صريحا في الفضولي ـ لجواز إرادة خيار الفسخ ـ ولكنّه يثبت المطلوب بضميمة الأصل.

لأنّ خيار الفسخ مع الفضولي مشتركان في كثير من الأحكام ، ويزيد الأول بأحكام مخالفة للأصل ، فثبت المشترك ، وينفى الزائد بالأصل.

مع أن تتمّه الصحيحة ، وهي قوله : « وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلاّ أن يدركا ورضيا » قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟

قال : « يجوز ذلك عليه إن هو رضي » قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثمَّ مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال : « نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلاّ رضاها بالتزويج » الحديث.

صريح في أنّ النكاح فضولي ، إذ لو كان المراد خيار الفسخ لكان عدم الفسخ كافيا في التوريث من غير حلف ، ولم يسقط التوارث بالموت قبل الإدراك.

ورواية محمّد : رجل زوّجته امّه وهو غائب ، قال : « النكاح جائز ، إن شاء المتزوّج قبل وإن شاء ترك ، وإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لامّه » (١).

وصحيحة ابن بزيع المتقدّمة في تزويج الوصي (٢). وغير ذلك.

ومنها في الثاني ، كحسنة زرارة : عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده ، فقال : « ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما » ، فقلت : أصلحك‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠١ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٧٦ ـ ١٥٢٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٥ أبواب المهور ب ٤٧ ح ١.

(٢) راجع ص : ١٣٩.

١٧٤

الله ، إنّ الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد فلا تحلّ إجازة السيّد إليه ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إنّه لم يعص الله ، إنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز » (١).

وروايته : عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه ، فدخل بها ثمَّ اطّلع على ذلك مولاه ، فقال : « ذلك إلى مولاه ، إن شاء فرّق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما » الحديث (٢).

وتدلّ عليه أيضا صحيحة ابن وهب (٣) المرويّة بطرق عديدة ، وصحيحته الأخرى أيضا (٤) ، وروايتان عليّ بن جعفر (٥) وعبيد بن زرارة (٦) ، وغيرها ممّا يظهر للمتتبّع في الموضعين.

خلافا لأحد قولي الشيخ في الخلاف والمبسوط ، فأفسد الفضولي هنا من أصله (٧).

ولفخر المحقّقين ، فأفسده في جميع العقود التي منها النكاح (٨).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٨ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٥٠ ـ ١٦٧٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ ـ ١٤٣٢ ، الوسائل ٢١ : ١١٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٨ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٨٣ ـ ١٣٤٩ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ ـ ١٤٣١ ، الوسائل ٢١ : ١١٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٨ ـ ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٦٩ ـ ٩٧٨ ، الوسائل ٢١ : ١١٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٨ ـ ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٠٤ ـ ٧١٩ ، الوسائل ٢١ : ١١٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٥٢ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٢١ : ١١٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٧ ح ١.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٨٩ ـ ١٣٧٤ بتفاوت يسير ، التهذيب ٨ : ٢٠٧ ـ ٧٣٢ ، الوسائل ٢١ : ١١٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٥ ح ١.

(٧) الخلاف ٤ : ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، المبسوط ٤ : ١٦٣.

(٨) الإيضاح ٣ : ٢٧.

١٧٥

للأصل ، وبعض الأخبار العامّية (١) ، والروايات الخاصّية :

منها : الروايات المتقدّمة المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : « ولا تنكح إلاّ بأمرها » (٢).

وقوله : « لم يزوّجها إلاّ برضا منها » (٣).

وقوله : « لا تزوّج ذوات الآباء من الأبكار إلاّ بإذن آبائهنّ » (٤) ونحوها.

ومنها : رواية البقباق : الأمة تتزوّج بغير إذن أهلها ، قال : « يحرم ذلك عليها وهو الزنى » (٥).

والأخرى الرجل يتزوّج الأمة بغير علم أهلها ، قال : « هو زنى ، إنّ الله يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) » (٦).

والأصل يندفع بما مرّ.

والعامّيات مردودة بعدم الحجّيّة.

والخاصّيات المتقدّمة كلّها عن الدالّ على الحرمة خالية ، مع أنّها أعمّ مطلقا من أدلّة الجواز ـ لاشتمالها الفضولي وغيره ـ فتخصّص بها.

وروايتا البقباق غير ناهضتين ، إذ لا شكّ أنّ التزويج ليس زنى ،

__________________

(١) كما في سنن أبي داود ٢ : ٢٩٩ ـ ٢٠٨٣ ، سنن ابن ماجه ١ : ٦٠٥ ـ ١٨٧٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٨٠ ـ ١١٠٨.

(٢) راجع ص : ١٣٩.

(٣) المتقدم في ص : ١١٤.

(٤) راجع ص : ١١٥.

(٥) الكافي ٥ : ٤٧٩ ـ ١ ، الوسائل ٢١ : ١٢٠ أبواب عقد نكاح العبيد والإماء ب ٢٩ ح ٢.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٨٦ ـ ١٣٦١ ، التهذيب ٧ : ٣٤٨ ـ ١٤٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٢١٩ ـ ٧٩٤ ، تفسير العياشي ١ : ٢٣٤ ـ ٩١ ، الوسائل ٢١ : ١١٩ أبواب عقد نكاح العبيد والإماء ب ٢٩ ح ١ ، والآية في : النساء : ٢٥.

١٧٦

فيكون المراد منه الوطء ، وحمل الزنى على أنّه مثله مجازا ليس بأولى ممّا ذكرنا.

مع أنّهما معارضتان بصحيحة ابن حازم : في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه ، أعاص لله؟ قال : « عاص لمولاه » ، قلت : حرام هو؟ قال : « ما أزعم أنّه حرام ، قل له : أن لا يفعل إلاّ بإذن مولاه » (١).

ولا يتوهّم دلالة مفهوم صحيحة محمّد المتقدّمة ـ القائلة بأنّه : « إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز ولكن لهما الخيار إذا أدركا » الحديث (٢) ـ على عدم جواز الفضولي من غير الأبوين ، لاحتمال كون المراد خيار الفسخ دون الردّ أو الإجازة في الفضولي.

ولمن أبطل الفضولي في المملوك خاصّة.

لرواية عامّية مردودة.

ولقبح التصرّف في ملك الغير بدون إذنه وكونه منهيّا عنه.

ويردّ بمنع النهي عن هذا بعد ما مرّ ، بل منع كون ذلك تصرّفا فيه.

ثمَّ على المشهور المختار ، فهل يصحّ الفضولي مطلقا ، أي من كلّ من كان؟

أو يختصّ بالبعض؟

المشهور هو : الأول ، لما مرّ.

وعن ابن حمزة (٣) : اختصاصه بتسعة مواضع : عقد البكر الرشيدة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٨ ـ ٥ ، الوسائل ٢١ : ١١٣ أبواب عقد نكاح العبيد والإماء ب ٢٣ ح ٢.

(٢) راجع ص : ١٣١.

(٣) الوسيلة : ٣٠٠.

١٧٧

على نفسها مع حضور وليّها ، وعقد الأبوين على الابن الصغير ، وعقد الجدّ مع عدم الأب ، وعقد الأخ والأمّ والعمّ على صبيته ، وتزويج الرجل عبد غيره بغير إذن سيّده ، وتزويجه من نفسه بغير إذن سيّده ، لتوقيفية العقود ، واختصاص ما مرّ بهذه المواضع ولا دليل في غيرها.

وهو كذلك ، فإنّي إلى الآن لم أعثر على خبر يتجاوز عنها ، بل لا يبعد اختصاص قول (١) القدماء أيضا ببعض المواضع ، لخلوّ كلام كثير منهم عمّا يفيد التعميم.

ولعلّ مستند المشهور في التعدّي : الإجماع المركّب أو تنقيح المناط.

والثاني منظور فيه.

وأمّا الأول ، فإن ثبت ـ كما هو المظنون ـ فهو ، وإلاّ فللتأمّل في التعميم مجال واسع ، وأمر الاحتياط واضح.

بل في صحيحة الحذّاء : في رجل أمر رجلا أن يزوّجه امرأة من أهل البصرة من بني تميم ، فزوّجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم ، قال : « خالف أمره وعلى المأمور نصف الصداق لأهل المرأة ولا عدّة عليها ولا ميراث بينهما » (٢).

وهي ـ بترك الاستفصال ـ تدلّ على بطلان التزويج ولو قبله الزوج.

نعم ، في عموم روايتي عبّاد وعبيد الآتيتين (٣) ـ الحاصل بترك الاستفصال ـ دلالة على جواز نكاح غير من ذكر مطلقا الصغيرة فضولا ،

__________________

(١) في « الأصل » و « ح » زيادة : بعض.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٤ ـ ١٢٥٩ ، التهذيب ٧ : ٤٨٣ ـ ١٩٤٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٠٢ أبواب عقد النكاح ب ٢٦ ح ١.

(٣) في ص : ١٩٠ و ١٩٢.

١٧٨

ومعه تقرب دعوى الإجماع المركّب في الجميع ، إذ الظاهر ـ بعد التجاوز عن التسعة ـ عدم القول بالفصل.

وعلى الاختصاص تكون فضوليّة التسعة إنّما هو على القول بعدم استقلال البكر ، وعدم ولاية الأب على الابن ، ولا الجدّ مع عدم الأب.

وأمّا على الأقوال الأخر فتنقص مواضع الفضولي عن التسعة.

فروع :

أ : المراد بالعقد الفضولي : الصادر عمّن لا يملك أمر المعقود عليه أصالة أو ولاية أو وكالة ، فالصادر عن أحد الثلاثة لا يكون فضوليّا.

وهل يجوز لأحد الأخيرين إيقاعه فضوليّا فيما له فيه الاختيار ، بأن يقصد إيقاعه من جانب المعقود عليه ، فإن شاء أجاز وإن شاء ردّ؟

الظاهر : لا ، لعدم ثبوت جواز الفضولي عنه ، ولأنّ قصده لا يؤثّر في سقوط اختياره للأصل ، ومع الاختيار لا يكون في النكاح خيار.

نعم ، لو أوقع أحدهما ما ليس له فيه الاختيار فضوليّا ـ كتجاوز الوكيل عمّا وكلّ فيه ، أو الوليّ فيما له فيه الولاية ، كالعقد بأزيد من مهر المثل ـ جاز وإن لم يجز ولاية.

ب : هل يشترط في صحّة الفضولي قصد كونه فضوليّا ، أو عدم قصد كونه بالاختيار ، أم لا؟

وتظهر الفائدة فيما إذا ظنّ الفضولي ـ كالأمّ أو الأخ ـ كونه وليّا أو الوكيل عموم وكالته ، أو الوليّ عموم ولايته لما يفعل أيضا ، ولم يكن كذلك.

١٧٩

الظاهر : الأخير ، لإطلاقات أخبار الفضولي.

ج : الظاهر عدم الخلاف في عدم اشتراط التصريح بالفضوليّة في اللفظ ، ولو قال الوكيل المتعدّي عمّا له الوكالة فيه فضولا : زوّجت موكّلتي ، جاز ، لصدق كونها موكّلة ، وكذا الوليّ ، ولو قال من ليس له وكالة أصلا كذلك لم يصحّ ، إلاّ إذا صحّ التجوّز وقصد المعيّن.

د : لو سبق العقد الفضولي بالإنكار أو إظهار الكراهة ـ كأن استأمر من يريد تزويجه فلم يأذن وأنكر ـ فهل [ لا ] (١) يؤثر الفضولي عنه بعده ـ إلاّ بعد مضيّ زمان أو حدوث أمر جوّز معه الرضا ـ أم لا؟

هـ : يشترط في تحقّق الإجازة علم المجيز بالخيار ، فلو لم يعلمه وظنّ اللزوم ولأجله رضي ومكّن لم يسقط خياره ولم يكن ذلك إجازة ، لعدم الصدق ، واستصحاب الخيار.

و : ليس الخيار في الفضوليّ فوريّا ، فلو اطّلع وسكت ، له الخيار كلّما أراد ، للأصل ، والاستصحاب ، بل الإطلاق.

ز : لو قبل العقد الفضولي وأجازه لزم من جهته.

وليس له بعده ردّه إلاّ بالطلاق إجماعا.

ولو ردّه لم تؤثّر بعده الإجازة ، للبطلان بالردّ بالإجماع ، فلم يبق شي‌ء تؤثّر معه الإجازة.

ح : الإجازة كاشفة لا استئناف للعقد.

كما تدلّ عليه صحيحة الحذّاء (٢) ، الحاكمة بالتوارث مع لحوق‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(٢) المتقدمة في ص : ١٧٣ و ١٧٤.

١٨٠