مستند الشّيعة - ج ١٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-125-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٥٧

في المقام غير معلوم ، كيف؟! ومذهب أكثر القدماء فيه غير محقّق.

هذا ، ثمَّ إنّه عطف في النافع والروضة (١) الدخول بالسكرى وإقرارها إيّاه بعد الإفاقة على التزويج والإفاقة في النسبة إلى الرواية ، والرواية عنه خالية.

ولا يلحق بالسكرى السكران ، للأصل.

وكذا يشترط في العاقد : الحريّة.

أو إذن المولى ولو بشاهد الحال.

للأصل المتقدّم.

وعدم وجود دليل شامل لغير المأذون من المماليك.

وقد يقال : إنّ عقد المملوك تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، فيكون منهيّا عنه ، والنهي موجب لفساد المعاملة.

وفيه : منع دليل على حرمة مثل ذلك التصرّف بدون إذن المولى.

ولا تشترط فيه الذكوريّة ، فيصحّ عقد الأنثى أصالة ووكالة ، إيجابا وقبولا.

بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ (٢).

ولرواية تزويج خديجة وكثير من الروايات المتقدّمة في المسألة الاولى (٣) ، وهي وإن دلّت على الجواز في الجملة ، إلاّ أنّه يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

__________________

(١) النافع : ١٧٠ ، الروضة ٥ : ١١٢.

(٢) كما في المفاتيح ٢ : ٢٦٠ ، كشف اللثام ٢ : ١٣.

(٣) في ص : ٨٦.

١٠١

المسألة الثالثة : يشترط في صحّة النكاح تعيين الزوج والزوجة بالإشارة الذهنيّة أو الخارجيّة ، أو الاسم أو الوصف القاطعين للشركة.

ولا بدّ في الإشارة الذهنيّة من أمر خارجيّ دالّ على المعيّن الذهني ، كإضافة ، أو لام ، أو تقديم ذكر ، أو مثل : التي قصدناها ، وأمّا بدون ذلك فلا يصحّ ، كما لو قصد الوليّ الكبرى واتّفق قصد الزّوجة لها أيضا بالإجماع ، له ، وللأصل المتقدّم.

فلو لم يتعيّن أحدهما عند أحد العاقدين بطل النكاح ، فإن اختلفا : فإمّا أن يكون الاختلاف في تعيين الزوجة أو الزوج.

وعلى التقديرين : إمّا يكون الاختلاف بين الزوجين.

أو بين وليّهما. أو بين الزوج ووليّ الزوجة.

أو بالعكس إذا كان الزوج صغيرا.

والحكم في الجميع الرجوع إلى القواعد المقرّرة للمرافعات في أحكام المدّعي والمنكر ، مثلا : إذا اختلف وليّ الزوجة والزوج في تعيين الزوجة فله ثلاث صور :

إحداها : أن يتّفقا على التعيين عندهما وتنازعا في المعيّن مع اتّفاقهما على التعيين عندهما في الواقع ، كأن يقول الزوج للأب : عيّنّا الصغرى وعقدنا عليها ، وقال الولي : عيّنّا الكبرى وعقدنا عليها ، فحينئذ إن ادّعى الزوج نكاح الصغرى يكون الوليّ منكرا فيحلف وتتخلّص الصغرى ، فإن لم يتكلّم الوليّ في حقّ الكبرى بدعوى فلا نزاع ، وإن ادّعى في حقّها يكون الزوج منكرا فيحلف.

١٠٢

والثانية : أن يتّفقا على التعيين عندهما ، ولكن اختلفا واقعا في المعيّن من غير نزاع ، كأن يقصد الوليّ الكبرى والزوج الصغرى ، وصدّق كلّ منهما الآخر في ذلك القصد ، والنكاح حينئذ. باطل ، لعدم ورود الإيجاب والقبول على محلّ واحد.

والثالثة : أن يتعيّن عند الوليّ دون الزوج ، ولكن علم الزوج تعيّنها عند الوليّ وقبل ما عيّنه ، ثمَّ اختلفا فيمن عيّنه ، فقال الوليّ : إنّي قصدت الكبرى ، وقال الزوج : بل أنت قصدت الصغرى ، والحكم حينئذ كما في الصورة الاولى.

ومن ذلك تظهر كيفيّة الحكم والمرافعة في سائر الصور.

وقد خالف في صورة الاختلاف مع وليّ الزوجة في التعيين جماعة ، منهم : النهاية والقاضي والشرائع والنافع والفاضل واللمعة (١) ، بل الأكثر كما في المسالك (٢) ، فقالوا بالتفصيل فيه ، بأنّه : يقدّم قول الوليّ مع حلفه إن كان الزوج رآهنّ جميعا ، ويبطل العقد إن لم يكن رآهنّ.

واستندوا فيه إلى صحيحة الحذّاء (٣).

وهي مردودة لا بما قيل من أنّها مخالفة للقواعد المرعيّة من التفرقة بين صورة الرؤية وعدمها ، لأنّ القواعد كما بالأدلّة الشرعيّة تؤسّس كذلك بها تخصّص.

__________________

(١) النهاية : ٤٦٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٩٦ ، الشرائع ٢ : ٢٤٧ ، النافع : ١٧٠ ، الفاضل في القواعد ٢ : ٤ ، اللمعة ( الروضة البهيّة ٥ ) : ١١٣.

(٢) المسالك ١ : ٤٤٥.

(٣) الكافي ٥ : ٤١٢ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢٦٧ ـ ١٢٦٨ ، التهذيب ٧ : ٣٩٣ ـ ١٥٧٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٩٤ أبواب عقد النكاح ب ١٥ ح ١.

١٠٣

بل بالإجماع ، لاحتمالها كلاّ من الصور الثلاث ، فيكون معنى قوله فيها : فقال الزوج : إنّما تزوّجت منك الصغيرة ، على الاولى : أنّ قرارنا كان على الصغيرة وكان قصدك وقصدي الصغيرة ، فهي التي صارت زوجتي وإن لم يسمّ حين التزويج حتى يسمعه الشهود.

وعلى الثانية : أنّ مقصودي كان الصغيرة وتزوّجتها ويظهر من إدخالك الكبرى أنّك قصدتها.

وعلى الثالثة : أنّ مقصودك هي الصغيرة فهي صارت زوجتي بقبولي تزوّج من قصدت دون الكبيرة.

وعلى هذا ، فلا تكون الرواية حجّة في شي‌ء من الصور وإن كانت في أحد الوجهين الأولين أظهر ، لمكان قوله : « وعليه فيما بينه وبين الله تعالى ».

مسألة : المعتبر في التعيين : القصد‌ ، فلا عبرة بالاسم لو أخطئ فيه ويرجع النكاح إلى المقصود.

لرواية محمّد بن شعيب : كتبت إليه : أنّ رجلا خطب إلى عمّ له ابنته ، فأمر بعض إخوانه أن يزوّجه ابنته التي خطبها ، وإنّ الرجل أخطأ باسم الجارية فسمّاها بغير اسمها ، وكان اسمها فاطمة فسمّاها بغير اسمها ، وليس للرجل ابنة باسم التي ذكر المزوّج ، فوقّع : « لا بأس به » (١).

المسألة الرابعة : اختلفوا في ثبوت ولاية الأب على البكر البالغة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٦٢ ـ ٢٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٨ ـ ١٢٧٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٩٧ أبواب عقد النكاح ب ٢٠ ح ١.

١٠٤

الرشيدة في النكاح الدائم على ثلاثة أقوال :

الأول : سقوطها عنها واستقلالها.

وهو مذهب السيّد والإسكافي والحلّي والمفيد في أحكام النساء والديلمي والمحقّق والفاضل والشهيدين (١) وشرح القواعد والتنقيح (٢) ، بل في الانتصار والناصريّات (٣) الإجماع عليه.

ونسب هذا القول إلى التبيان والوسيلة (٤) ـ والحقّ : قصور كلامهما عن الدلالة عليه ـ وهو مذهب أبي حنيفة من العامّة (٥).

الثاني : ثبوتها عليها واستقلال الأب.

وهو مختار الصدوق والمعاني والصهرشتي (٦) والنهاية والتهذيب والاستبصار والخلاف والمبسوط (٧) والقاضي والراوندي في فقه القرآن (٨) ، وهو ظاهر موضع من الوسيلة (٩) ـ حيث جعل نكاح البكر الرشيدة على نفسها‌

__________________

(١) السيد في الانتصار : ١٢٢ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٣٤ ، الحلي في السرائر ٢ : ٥٦١ ، أحكام النساء ( مصنّفات الشيخ المفيد ٩ ) : ٣٦ ، الديلمي في المراسم : ١٤٨ ، المحقق في النافع : ١٧٣ ، الفاضل في التحرير ٢ : ٦ ، الشهيدين في اللمعة والروضة ٥ : ١١٦.

(٢) جامع المقاصد ١٢ : ٨٣ ، ٨٥ ، ١٢٣ ، ١٢٧ ، التنقيح ٣ : ٣١.

(٣) الانتصار : ١٢٢ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٠.

(٤) التبيان ٢ : ٢٥٠ ، ٢٧٣ ، الوسيلة : ٢٩٩.

(٥) انظر بداية المجتهد ٢ : ٨ ، والمغني والشرح الكبير على متن المقنع ٧ : ٣٣٧.

(٦) الصدوق في الهداية : ٦٨ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٥٣٤ ، حكاه عن الصهرشتي في الحدائق ٢٣ : ٢١١.

(٧) النهاية : ٤٦٥ ، التهذيب ٧ : ٣٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٤ ، الخلاف ٤ : ٢٥٠ ، المبسوط ٤ : ١٦٢.

(٨) القاضي في المهذب ٢ : ١٩٣ ، فقه القرآن ٢ : ١٣٨.

(٩) الوسيلة : ٣٠٠.

١٠٥

مع حضور وليّها فضوليّا موقوفا على الإجازة ـ والكفاية وشرح النافع لصاحب المدارك (١) ، وجمع من علمائنا البحرانيين (٢) ، والمحدّث الكاشاني في رسالة أفردها للمسألة ، ويميل إليه كلام الهندي في شرح القواعد (٣) ، وإليه ذهب مالك والشافعي من العامّة (٤).

الثالث : عدم استقلال واحد منهما ، بل اشتراكهما.

وهو الذي ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة والحلبي وابن زهرة (٥) ، وقد ينسب إلى التهذيبين أيضا (٦) ، وهو المحكيّ عن الحدائق (٧) ، بل عن المسالك : إنّه متين (٨) ، وقوّاه في شرح المفاتيح.

دليل الأول : الأصل.

والآيات : كقوله سبحانه ( فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٩).

وقوله تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما

__________________

(١) الكفاية : ١٥٥ ، حكاه عن شرح النافع في الحدائق ٢٣ : ٢١١.

(٢) انظر الحدائق ٢٣ : ٢١١.

(٣) كشف اللثام ٢ : ١٨.

(٤) انظر الأم ٥ : ١٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٨.

(٥) المقنعة : ٥١٠ ، الحلبي في الكافي : ٢٩٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

(٦) نسبه إليهما في كشف اللثام ٢ : ١٨.

(٧) راجع الحدائق ٢٣ : ٢٢٦.

(٨) المسالك ١ : ٤٥٢.

(٩) البقرة : ٢٣٤.

١٠٦

أَنْ يَتَراجَعا ) (١).

فإنّ المراد : التراجع بالعقد ، وإلاّ فالرجعة من عمل الزوج.

وقوله عزّ شأنه ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ ) (٢).

والروايات وهي كثيرة :

منها : صحيحة الفضلاء : « المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة والمولّى عليها إنّ تزويجها بغير وليّ جائز » (٣).

وجه الاستدلال : أنّ غير السفيهة ـ إلى آخره ـ إمّا بيان للتي ملكت نفسها بكونه صفة موضحة أو بدلا أو عطف بيان ، أو يكون استثناء ، وعلى التقديرين لا يمكن أن يكون المولّى عليها المولّى عليها في التزويج أو الأعمّ منه ومن التصرّف في المال ، لأنّ غير المولّى عليها حينئذ من جاز تزويجه بغير وليّ ، فيصير المعنى : من يجوز تزويجها بغير وليّ يجوز تزويجها بغير وليّ ، وحزازته معلومة ، فالمراد : المولّى عليها في المال.

فالمعنى على الأول : التي ملكت نفسها ـ وهي غير السفيهة والمحجور عليها في المال ـ يجوز تزويجها بغير وليّ ، سواء كانت باكرة أم لا.

وعلى الثاني : التي ملكت نفسها ـ أي كانت بالغة ـ يجوز تزويجها بغير وليّ. إلاّ إذا كانت سفيهة أو مولّى عليها في المال.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٠.

(٢) البقرة : ٢٣٢.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩١ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥١ ـ ١١٩٧ ، التهذيب ٧ : ٣٧٧ ـ ١٥٢٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ـ ٨٣٧ ، الوسائل ٢٠ : ١٠٠ أبواب مقدمات النكاح ب ٤٤ ح ٢.

١٠٧

ومنها : خبر زرارة : « إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت ، فإنّ أمرها جائز ، تزوّج إن شاءت بغير إذن وليّها ، وإن لم يكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلاّ بإذن وليّها » (١).

فإنّ الظاهر منها أنّ قوله : « تبيع » وما عطف عليه جملة مفسّرة ، وقوله : « فإنّ أمرها » جزاء الشرط ، فدلالتها ظاهرة.

ومنها : خبر أبي مريم : « الجارية التي لها أب لا تتزوّج إلاّ بإذن أبيها » وقال : « إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت من شاءت » (٢).

وموثّقة البصري : « تتزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها ، فإن شاءت جعلت وليّا » (٣).

فإنّ المراد بـ : « المالكة أمرها » التي لا وليّ عليها في المال ، بقرينة خبر زرارة المتقدّم.

ومنها : صحيحة ابن حازم : « تستأمر البكر وغيرها ولا تنكح إلاّ بأمرها » (٤).

ومنها : خبر سعدان : « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها » (٥).

ومنها : العامّيان ، أحدهما : « الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها ، والبكر‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٨ ـ ١٥٣٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٤ ـ ٨٤٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٥ أبواب عقد النكاح ب ٩ ح ٦.

(٢) الكافي ٥ : ٣٩١ ـ ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٣ أبواب عقد النكاح ب ٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٢ ـ ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٠ أبواب عقد النكاح ب ٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٨٠ ـ ١٥٣٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٤ أبواب عقد النكاح ب ٩ ح ١.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٨٠ ـ ١٥٣٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٦ ـ ٨٥٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٥ أبواب عقد النكاح ب ٩ ح ٤.

١٠٨

تستأذن في نفسها وإذنها صماتها » (١).

والآخر : إنّ جارية بكرا جاءت إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : إنّ أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أجيزي ما صنع أبوك » فقالت : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، قال : « فاذهبي فانكحي من شئت » فقالت : لا رغبة لي عمّا صنع أبي ، ولكن أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي‌ء (٢).

أقول : أمّا الأصل فيرد عليه المنع ، لأنّ المراد : إمّا أصالة عدم اختيار الأب ، أو عدم ترتّب الأثر على فعله ، أو أصالة جواز نكاح البنت ، والكلّ معارض بأصالة عدم ثبوت اختيار التزويج للبنت ، لأنّه أمر شرعيّ يحتاج إلى مثبت ، وأصالة عدم ترتّب الأثر على فعلها ، وأصالة جواز نكاح الأب إن أريد من الجواز الإباحة ، ورجوعه إلى ترتّب الأثر إن كان المراد الصحّة وأصالته ممنوعة ، مع أنّ الأصل الاستصحابي مع ثبوت الولاية له وصحّة فعله وعدم اختيارها ، بل أصل العدم أيضا ، لأنّ الأصل عدم ثبوت الاختيار للبكر.

وأمّا الآيات فيرد عليها جميعا : أنّ النسبة كما تصحّ مع استقلالهنّ تصحّ بدونه أيضا ، مع أنّ المعروف في الأولى يصرفها عن الإطلاق لو كان ، إذ لا يعلم أنّ النكاح بدون إذن الوليّ معروف ، مع أنّها واردة في المعتدّة ، وهي لا تكون إلاّ مدخولة.

ومفاد الثانية ـ على فرض التسليم ـ : أنّها لا تحلّ حتى تنكح بنفسها‌

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٧ ـ ١٤٢١ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٣٢ ـ ٢٠٩٨. والأيّم : الذي لا زوج له من الرجال والنساء. الجمع : الأيامى ـ مجمع البحرين ٦ : ١٥.

(٢) سنن النسائي ٦ : ٨٦ ، سنن ابن ماجه ١ : ٦٠٢ ـ ١٨٧٤ ، بتفاوت يسير.

١٠٩

زوجا ، لا أنّ لها نكاح نفسها مطلقا ، فلو ثبتت الولاية عليها تكون حلّية الباكرة المطلّقة ثلاثا بعد تزويج الأب بدليل خارجي ، ونمنع كون عقد نفسها نكاحا حينئذ ، ثمَّ التراجع بعد هذا النكاح لا يكون إلاّ للمدخولة.

والأخيرة واردة في المعتدّة المطلّقة أيضا ، وهي مدخولة.

وأمّا الروايات ، فالأخيرتان منها عامّيتان ، وعن حيّز الحجّية خارجتان ولو قلنا بأنّهما بنحو من الشهرة منجبرتان ، لأنّ الجبر إنّما يفيد في رواياتنا وأمّا في العامّيات فلا ، كيف؟! وأمرنا بترك رواياتهم ، بل ترك ما يوافق رواياتهم من رواياتنا.

والبواقي عامّة بالنسبة إلى صورة عضل الأب إيّاها وغيبته المضرّة لها ، بل غير خبر سعدان عامّ بالنسبة إلى البكر والثيّب ، بل بالنسبة إلى فاقدة الأب وواجدته.

والضمير في قوله : « إذا كانت » في خبر أبي مريم لا يجب أن يكون راجعا إلى الجارية التي لها أب ، بل راجع إلى الجارية.

كما أنّ الولي في قوله : « بغير إذن وليّها » في خبر زرارة لا يتعيّن أن يكون أبا ، لإطلاق الوليّ على أقرب الناس ، كالأخ والعمّ والخال أيضا كما يظهر من أولياء الصلاة على الميّت ، مع أنّه لو كان المراد الأب ليس صريحا في وجود الأب لها وإن كان له نوع إشعار به ، فيمكن أن يكون ذلك في مقام الردّ على ما ورد من أنّه لا نكاح إلاّ بإذن الوليّ ، فيصحّ أن يقال : من لا وليّ لها يجوز نكاحها بدون إذن الوليّ.

ومنه يظهر ثبوت هذا العموم لخبر سعدان أيضا.

هذا ، مع ما في صحيحة الفضلاء من عدم الدلالة ، إذ لا دليل على اختصاص المولّى عليها في القيد بالمولّى عليها في المال ، بل يمكن أن‌

١١٠

يكون الأعمّ أو خصوص التزويج.

ولا يلزم حزازة أصلا ، إذ ليس معنى غير المولّى عليها : من يجوز تزويجها بغير وليّ ، بل : من لا وليّ لها ، إمّا لسقوط الولاية عليها أو لفقد الوليّ ، فيكون المعنى : التي ملكت نفسها ـ وهي غير السفيهة وغير من لها وليّ ، أو البالغة سوى السفيهة وسوى من لها وليّ ـ يجوز تزويجها بغير وليّ.

وتكون الفائدة : الردّ على عموم قول من قال : لا نكاح إلاّ بوليّ ، أو دفع توهّم أنّه لا يجوز نكاح غير المولّى عليها ، لما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه : « لا نكاح إلاّ بوليّ » (١).

هذا ، مع احتمال أن يكون المراد بـ « المولّى عليها » الباكرة ، أو من [ لها أب ] (٢) ، لجواز شيوع استعماله فيها ، وهو ليس بأبعد من إرادة البالغة من : « التي ملكت نفسها » ، ويتأكّد إرادة من لا أب لها منها بملاحظة رواية أبي مريم ، حيث جعل المالكة لأمرها مقابلة للتي لها أب.

ومنه يظهر الخدش في رواية زرارة أيضا ، لمنع ظهور كون قوله : « تبيع » وما بعده مفسّرا ، بل يجوز أن يكون خبرا ثانيا.

والقول ـ بأنّه لا داعي لذلك ـ مردود بأنّ الاحتمالين بالنسبة إليه متساويان ، وليس الأول موافقا لأصل حتى يحتاج الثاني إلى الداعي.

والمراد بـ : « المالكة أمرها » : الخالية عن الولي في النكاح أو الثيّب ، فلا حزازة في العبارة كما مرّ ، ويناسبه قوله : « فإنّ أمرها جائز » حيث فسّره‌

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢ : ٢١٨ ـ ٨٠٧ ، مستدرك الوسائل ١٤ : ٣١٧ أبواب عقد النكاح ب ٥ ح ١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : لا أب لها.

١١١

بقوله : « تزوّج إن شاءت » ، دلّ على أنّ المراد بالأمر : التزويج ، وفائدة : « تبيع » وما عطف عليه إخراج السفيهة ، كما نصّ عليه في الصحيحة الاولى.

ومن هذا يظهر الخدش في رواية أبي مريم والموثّقة أيضا ، مع أنّ التقابل في الرواية كالتصريح بأنّ المراد بالمالكة أمرها : من لا أب لها ، وتخصيص البكر بالصغيرة خلاف الظاهر وتخصيص بلا موجب.

بل لا يخلو الاستدلال بصحيحة ابن حازم عن نظر ، لأنّها لا تثبت أزيد من استحباب استئمارها وعدم نكاحها إلاّ مع أمرها ، لمكان الجملة الخبريّة ، مع أنّه لو سلّمت دلالتها على الوجوب لم يثبت منها استقلالها ، لجواز التشريك.

ودعوى ظهور : « لا تنكح إلاّ بأمرها » في استقلالها إنّما يتمّ لو كانت الباء سببيّة ، وهي ممنوعة ، بل الظاهر كونها للمصاحبة ، ومقتضى الحصر ليس إلاّ حصر النكاح الجائز أو المستحبّ بما كان مع أمرها ، لا حصر الأمر في أمرها.

نعم ، مقتضى إطلاق مفهوم الاستثناء جواز النكاح مع أمرها ، سواء كان معه أمر آخر أو لا ، ولكن في إطلاقه نظرا ، ولو سلّم فغايته العموم الإطلاقي.

هذا كلّه ، مع ما في كثير من هذه الروايات من اشتمالها للفظ المرأة وصدقها على الباكرة محلّ نظر ، بل قيل : إنّها تختصّ بالثيّب ، ويشعر به بعض الروايات الآتية.

ثمَّ على تقدير تسليم دلالة الجميع ، فلا تدلّ إلاّ على جواز نكاح البنت وكفاية إذنها ، لا على عدم جواز نكاح الأب وعدم كفاية إذنه ، كما هو‌

١١٢

أحد جزئي مطلوبهم.

حجّة القول الثاني ـ بعد بعض الاعتبارات ـ : الاستصحاب.

وأصالة عدم اختيارها في التزويج.

وعموم قوله سبحانه ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (١).

وقوله تعالى ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) (٢).

والنصوص المستفيضة :

الأولى : صحيحة محمّد : « لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس لها مع الأب أمر » وقال : « يستأمرها كلّ أحد عدا الأب » (٣).

والمراد بالجارية : البالغة ، بقرينة قوله : « مع الأب » ، فإنّ الصغيرة ليس لها أمر سواء كانت مع الأب أم لا ، وبقرينة قوله : « يستأمرها » ، فإنّ الضمير للجارية المتقدّمة ، والصغيرة لا يستأمرها أحد ، بل لا يزوّجها غير الأب ، بل يدلّ ذلك على عدم كونها سفيهة ، ولا تضرّ الجملة الخبريّة هنا أيضا ، إذ جواز عدم استئمارها كاف لإثبات المطلوب.

والثانية : موثّقة البقباق : « لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أن يزوّجها هو أنظر لها ، وأمّا الثيّب فإنّها تستأذن وإن كانت بين أبويها » (٤) ، والمراد : الجارية الكبيرة الرشيدة بالتقريب المتقدّم.

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٣ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٨٠ ـ ١٥٣٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ ـ ٨٤٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٣ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٤ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩٤ ـ ٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ٦. والثيّب : يقال للإنسان إذا تزوّج ، وإطلاقه على المرأة أكثر ، لأنّها ترجع إلى أهلها بغير الأول ـ مجمع البحرين ٢ : ٢١.

١١٣

والثالثة : صحيحة ابن الصلت ، وفيها : عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء إلها مع أبيها أمر؟ قال : « لا ما لم تثيّب » (١) ، هذا على نسخ التهذيب.

وفي بعض نسخ الكافي : « ما لم تكبر » مقام : « ما لم تثيّب ».

والظاهر أنّ الأول هو الأصحّ ، لما في الثاني من فهاهة المعنى ، ولذا اقتصر في الوافي على الأول (٢) مع نقله من الكافي أيضا.

والرابعة : حسنة الحلبي : في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضاها ، قال : « ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة » (٣).

وظاهر التقييد بقوله : « مع أبيها » وقوله : « وإن كانت كارهة » أنّها بالغة.

الخامسة : رواية عبيد : « لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، فإذا كانت ثيّبا فهي أولى بنفسها » (٤).

السادسة : رواية ابن ميمون : « إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر ، وإن كانت قد تزوّجت لم يزوّجها إلاّ برضا منها » (٥).

والمراد بها هنا وفي السابقة : الكبيرة ، بقرينة التقييد بقوله : « مع أبويها » ، والرشيدة بقرينة قوله : « إلاّ برضا منها » وقوله : « فهي أولى بنفسها ».

السابعة : رواية أبان : « إذا زوّج الرجل ابنه كان ذلك إلى ابنه ، وإذا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٤ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٨١ ـ ١٥٤٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٦ ـ ٨٥١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٦ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٦ ح ٣.

(٢) الوافي ٣١ : ٤٠٦ ـ ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٣ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٨١ ـ ١٥٣٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٥ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٩ ح ٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٥ ـ ١٥٤٧ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧١ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ١٣.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٨٠ ـ ١٥٧٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ ـ ٨٤٨ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٤ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٩ ح ٣.

١١٤

زوّج ابنته جاز ذلك » (١) ، والمراد بالابن : الكبير قطعا ، فكذا البنت.

وبمضمونها موثّقة البقباق ، وفيها : « إذا زوّج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه ، وإذا زوّج الابنة جاز » (٢).

الثامنة : صحيحة ابن أبي يعفور : « لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلاّ بإذن آبائهنّ » (٣).

وهي بالمنطوق وإن لم يثبت سوى رجحان الإذن من الأب ، إلاّ أنّ مفهوم الاستثناء : أنهنّ ينكحن بإذن آبائهنّ وإن لم يكن معه إذنهنّ.

التاسعة : صدر رواية أبي مريم المتقدّمة (٤) ، والتقريب كما في السابقة.

العاشرة : الرواية المتقدّمة في تزويج الجواد عليه‌السلام (٥) ، بضميمة أصالة عدم توكيلها أبيها.

الحادية عشرة والثانية عشرة : صحيحة زرارة (٦) وموثّقة محمّد (٧) : « لا ينقض النكاح إلاّ الأب ».

الثالثة عشرة : المرويّ في كتاب عليّ : عن الرجل هل يصلح أن‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٩٣ ـ ١٥٧٦ ، الوسائل ٢٠ : ٢٩٣ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ١٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٠ ـ ١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٧ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٦ ح ٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٣ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ ـ ١١٩٠ ، التهذيب ٧ : ٣٧٩ ـ ١٥٣١ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٧ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٦ ح ٥.

(٤) في ص : ١٠٨.

(٥) راجع ص : ٨٦.

(٦) الكافي ٥ : ٣٩٢ ـ ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧٩ ـ ١٥٣٢ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ ـ ٨٤٦ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٢ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٤ ح ١.

(٧) التهذيب ٧ : ٣٧٩ ـ ١٥٣٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ ـ ٨٤٧ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٣ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٤ ح ٥.

١١٥

يزوّج ابنته بغير إذنها؟ قال : « نعم ، ليس يكون للولد أمر إلاّ أن يكون امرأة قد دخلت بها قبل ذلك ، فتلك لا يجوز نكاحها إلاّ أن تستأمر » (١).

الرابعة عشرة : صحيحة الحذّاء المتقدّمة (٢) ، الحاكمة بتقديم قول الأب مع الاختلاف في التعيين ، فإنّ الظاهر منها وقوع النكاح بدون إذن البنت كما لا يخفى.

الخامسة عشرة : مفهوم الشرط في مرسلة ابن بكير : « لا بأس أن تزوّج المرأة نفسها إذا كانت ثيّبا بغير إذن أبيها إذا كان لا بأس بما صنعت » (٣) أي لم تكن سفيهة.

السادسة عشرة إلى العشرين : مفهوم صحيحتي الحلبي (٤) وصحيحة ابن سنان (٥) وموثّقة البصري (٦) وروايتي عبد الخالق (٧) وابن زياد (٨) : في‌

__________________

(١) مسائل علي بن جعفر : ١١٢ ـ ٣١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٦ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٩ ح ٨.

(٢) في ص : ١٠٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٨٦ ـ ١٥٤٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٥ ـ ٨٤٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٢ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ١٤.

(٤) الاولى في : الكافي ٥ : ٣٩٢ ـ ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٧٧ ـ ١٥٢٧ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ٤.

الثانية في : الوسائل ٢٠ : ٢٧١ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ١١.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٨٥ ـ ١٥٤٦ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ٤.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٨٤ ـ ١٥٤٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧١ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ١٢.

(٧) الفقيه ٣ : ٢٥١ ـ ١١٩٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٨ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ٢.

(٨) الكافي ٥ : ٣٩٢ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٧٨ ـ ١٥٢٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٣ ـ ٨٤٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ٤.

١١٦

شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله ».

ويدلّ عليه أيضا عموم المستفيضة الواردة في نكاح الأب والجدّ.

كرواية السكوني : « إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضا أن يزوّجها » الحديث (١).

وصحيحة هشام : « إذا زوّج الأب والجدّ كان التزويج للأول » (٢).

وموثّقة عبيد : الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل ويريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر ، فقال : « الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّا إن لم يكن الأب زوّجها قبله » (٣) إلى غير ذلك.

وتؤيّده أيضا الأخبار الكثيرة الواردة في باب الكفاءة وغيرها ، المتضمّنة لأمرهم عليهم‌السلام بعض الآباء بتزويج البنات (٤).

والجواب عن هذه الأخبار ـ بالحمل على الندب أو المتعارف ، مع إباء بعضها عنهما ـ مردود بأنّه خلاف الأصل والظاهر ، مع أنّه يجري في كثير من أخبار القول الأول أيضا ، فلا وجه لارتكابه في ذلك بخصوصه.

أقول : أمّا الاستصحاب والأصل ، فلا يخلوان عن المعارض.

وأمّا الآيتان ، فغير تامّتين ، كما يظهر على المتأمّل.

وأمّا الروايات العشرون ، فالخامسة عشرة إلى آخر الأخبار لا تثبت‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٥ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ ـ ١٥٦١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ١١ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٩٥ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ ـ ١١٩٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ ـ ١٥٦٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ١١ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٥ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ ـ ١١٩٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ ـ ١٥٦٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ١١ ح ٢.

(٤) الوسائل ٢٠ : ٦١ أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ٢٣.

١١٧

استقلال الأب ، وإن كان ظاهرها ينفي استقلال البنت.

والرابعة عشرة محتملة لكون البنات المذكورة فيها صغارا.

والثالثة عشرة ضعيفة غير صالحة للاستناد.

والمتقدّمتان عليها غير دالّتين إلاّ على نقض الأب النكاح في الجملة ، فيمكن أن يكون ذلك في الصغيرة أو السفيهة.

فلم تبق إلاّ العشرة الاولى ، وهي وإن كانت دالّة ، إلاّ أنّ الأخيرتين منها عامّتان بالنسبة إلى ضمّ إذن البنت وعدمه والصغيرة والسفيهة.

بل الحقّ احتمال عموم الكلّ بالنسبة إلى السفيهة ، وما مرّ دليلا للاختصاص بالرشيدة لم يثبت أزيد من احتماله لدوران الأمر بين تخصيص الجارية بها أو تخصيص المستتر ، فالكلّ محتمل ، بل الكلّ ـ سوى صحيحة ابن الصلت ـ أعمّ من الصغيرة أيضا ، وما مرّ دليلا على التخصيص بالكبيرة فإنّما كان بمفهوم غير معتبر. والصحيحة أيضا موهونة باختلاف النسخ كما مرّ.

وعلى هذا ، فلو كان بين الفريقين من الأخبار تعارض فيعارض هذه الأخبار مع ما كان دالاّ من أخبار القول الأول ـ كخبر سعدان وصحيحة منصور ـ ولا مرجّح مقبولا لأحدهما ، لأنّه لا موافق تامّا لأحدهما من الكتاب ، ولا مخالفة تامّة لأحدهما للعامّة ، بل كلّ يوافق فريقا منهم.

والشهرة المحقّقة ـ سيّما من القدماء ـ على أحد الطرفين غير معلومة بحيث توجب الترجيح ، وأمّا المحكيّة منها ومن الإجماع فصلاحيّتهما للترجيح غير ثابتة ، مع أنّ الظاهر أنّ الشهرة رواية ـ التي هي المرجّح حقيقة ـ مع القول الثاني ، وكذا الأصحيّة ، إلاّ أنّ الحكم بالترجيح بهما مشكل جدّا.

وعلى هذا ، فإمّا يجب الرجوع إلى أصالة عدم ترتّب الأثر على نكاح‌

١١٨

واحد منهما ، ومقتضاه القول بتشريكهما.

وتؤيّده أيضا موثّقة صفوان : استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه‌السلام في تزويج ابنته لابن أخيه ، فقال : « افعل ويكون ذلك برضاها ، فإنّ لها في نفسها نصيبا » قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه‌السلام في تزويج ابنته عليّ بن جعفر ، فقال : « افعل ويكون ذلك برضاها ، فإنّ لها في نفسها حظّا » (١).

أو القول بالتخيير ، بمعنى : صحّة عقد كلّ منهما وكفايته وإن لم يأذن الآخر.

ولكن المرجع عند اليأس عن الترجيح عند أهل التحقيق هو التخيير ، فهو الحقّ عندي في المسألة ، ولا يضرّ عدم قول أحد ممّن تقدّم به لو سلّم ، لظنّهم ترجيح أحد الطرفين وحكم الإمام بالتخيير عند التعارض ، مع أنّ قوله في الواقع ليس إلاّ أحد المتعارضين.

مع أنّ ها هنا كلاما آخر ، وهو : أنّه لا تعارض بين هذه الأخبار أصلا.

إذ أخبار الأول لم تدلّ إلاّ على تجويز نكاح البنت وكفايته ، من غير دلالة ولا إشعار بعدم تجويز نكاح الأب وكفايته.

وأخبار الثاني لم تدلّ إلاّ على تجويز نكاح الأب وكفايته ، من غير دلالة على عدم جواز نكاح البنت.

ولا منافاة بين الحكمين أصلا ، لجواز كفاية نكاح كلّ منهما ، كما في الأب والجدّ في نكاح الصغيرة.

ولا يتوهّم قوله : « ليس لها مع أبيها أمر » ـ في الروايات الاولى والثالثة‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٩ ـ ١٥٣٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٤ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٩ ح ٢.

١١٩

والرابعة والسادسة من روايات القول الثاني ـ يدلّ على نفي اختيارها ، إذ المراد : أنّه ليس مع إذن أبيها أمر ، وهو كذلك ، ألا ترى أنّه إذا وكلّ أحد زيدا وعمروا مستقلاّ في أمر يصحّ أن يقال : ليس لزيد مع إذن عمرو أمر وبالعكس.

أو المراد : أنّه ليس لها منضمّة مع أبيها أمر ، وليس المراد أنّه ليس لها مع وجود أبيها أمر ، إذ قوله : « إذا كانت بين أبويها » كان دالاّ على وجود الأب ، فلا معنى لقوله : « مع الأب » بل يكون لغوا.

فالمراد : أنّه إذا كانت بين أبويها فليس مع إذن الأب أو تزويجه أو حضوره أو انضمامه أمر ، وهو كذلك ، ولا أقلّ من احتمال ذلك ، فلا يدلّ على انتفاء الأمر لها مطلقا ، وإنّما يدلّ على انتفائه مع الأب.

وكذا لا يتوهّم أنّ قوله : « لا تنكح إلاّ بأمرها » (١) أو : « لا تنكح إلاّ بإذن آبائهنّ » (٢) [ يدلاّن ] (٣) على انتفاء استقلال أحدهما ، إذ غاية ما يدلاّن عليه رجحان ذلك ، وهو مسلّم.

ولا أنّ قوله في الرواية السادسة عشرة وما بعدها : « هي أملك بنفسها بعد أن نكحت قبله » يدلّ على عدم اختيارها ، إذ مفهومه أنّ قبل النكاح ليست بأملك ، وهو كذلك ، لأنّ الأب أيضا مالك لها.

نعم ، مفهوم قوله في الخامسة عشرة : « لا بأس أن تزوّج نفسها إذا كانت ثيّبا » أنّها إذا كانت بكرا يكون بأس في تزويجها ، وإذا لوحظ ذلك مع‌

__________________

(١) راجع ص : ١٠٨.

(٢) راجع ص : ١١٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

١٢٠