مستند الشّيعة - ج ١٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٩٠

واستدلّ له بعضهم بالجمع بين الآية وبين سائر الأدلّة.

وهو غير جيّد ؛ إذ لا دليل على ذلك الجمع ، ولا ريب أنّه أحوط.

وكيف كان ، فلا يمنع ظنّ الكراهة من الأكل على الأقوى ، وفاقا لتصريح جمع من المتأخّرين (١) ، بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر ، حيث قال : وقيّدت في المشهور بما إذا لم تعلم كراهتهم ؛ لإطلاق الكتاب والسنّة المستفيضة ، بل تصريح بعضها بجواز الأكل من غير إذن ، الشامل لصورة الظنّ بعدمه (٢).

واحتمل المحقّق الأردبيلي اشتراط عدم الظنّ القوي أيضا ، بل جعله ظاهرا (٣).

ولا أرى له دليلا ، وإن كان بالاحتياط أوفق.

ولا فرق في الحكم بين كون دخول البيت بإذنهم وعدمه على الأقوى ، وفاقا للأكثر ؛ عملا بالإطلاقات.

خلافا للحلّي ، فقيّد الدخول بالإذن ، وحرّم الأكل مع الدخول بدونه (٤). ومال إليه صاحب التنقيح (٥).

لأنّ الأكل يستلزم الدخول ، الذي هو بغير الإذن غير جائز ، والنهي عن اللازم نهي عن ملزومه.

وللأصل ، فيقتصر فيه على المتيقّن.

ولأنّ إذن الدخول قرينة على إذن الأكل ، وحيث لا إذن لا قرينة‌

__________________

(١) منهم المحقّق السبزواري في الكفاية : ٢٥٣ وصاحب الرياض ٢ : ٢٩٧.

(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ٢٨٠ أبواب آداب المائدة ب ٢٤.

(٣) مجمع الفائدة ١١ : ٣٠٥.

(٤) كما في السرائر ٣ : ١٢٤.

(٥) التنقيح ٤ : ٦٠.

٤١

فلا يجوز.

ويردّ الأول : بمنع الاستلزام أولا ، وإنّما هو إذا كان يقول : في بيوتكم ، الآية. ومنع استلزام حرمة اللازم لحرمة الملزوم مطلقا ، وإنّما هو فيما يكون التلازم جهة الترتّب دون التوقّف.

والثاني : بأنّ الأصل بعد الدليل المزيل غير ملتفت إليه.

والثالث : بأنّه مرجعه أيضا إلى أصالة عدم الجواز اللازم رفع اليد عنها بما ذكر.

وكذا لا فرق في المأكول بين ما يخشى فساده في يومه وبين غيره ؛ لما ذكر ، مضافا إلى بعض المعتبرة :

كرواية زرارة : « هؤلاء الذين سمّى الله تعالى في هذه الآية تأكل بغير إذنهم من التمر والمأدوم ، وكذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه ، فأمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا » (١).

والمرويّ في المحاسن : ما يحلّ للرجل من بيت أخيه؟ قال : « المأدوم والتمر » الحديث (٢). ولا شكّ أنّ التمر ممّا لا يخشى فساده.

والرضوي : « ولا بأس للرجل أن يأكل من بيت أخيه وأبيه وامّه وصديقه ما لا يخشى عليه الفساد من يومه ، مثل : البقول والفاكهة وأشباه ذلك » (٣).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٧٧ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٩٥ ـ ٤١٣ ، المحاسن : ٤١٦ ـ ١٧٥ ، الوسائل ٢٤ : ٢٨١ أبواب آداب المائدة ب ٢٤ ح ٢.

والإدام : ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا ، وأدمت الخبز وأدمته باللغتين : إذا أصلحت إساغته بالإدام ـ مجمع البحرين ٦ : ٦.

(٢) المحاسن : ٤١٦ ـ ١٧٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢٨٢ أبواب آداب المائدة ب ٢٤ ح ٦.

(٣) فقه الرضا « ع » : ٣٥٥ ، المستدرك ١٦ : ٢٤٢ أبواب آداب المائدة ب ٢١ ح ١ وفيهما : ما لا يخشى عليه.

٤٢

خلافا للمحكيّ عن شاذ (١) ؛ ومستنده غير واضح ، سوى ما في تفسير علي : لمّا هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار ، قال : فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في غزاة أو سريّة يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين ويقول له : خذ ما شئت وكل ما شئت ، فكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربّما فسد الطعام في البيت ، فأنزل الله سبحانه ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً ) يعني : إن حضر صاحبه أو لم يحضر (٢).

ولا يخفى أنّه لا دلالة له على التخصيص ، ومع ذلك لم يسنده إلى رواية.

فروع :

أ : مقتضى الإطلاقات كتابا وسنّة : جواز تناول كلّ مأكول من البيوت المذكورة‌ ، ويظهر من بعضهم الميل إلى الاختصاص بما يعتاد أكله وشاع ، دون نفائس الأطعمة التي تدّخر غالبا ولا يؤكل شائعا ؛ لانصراف المطلق إلى ذلك. وهو أحوط لو لم يكن كذلك.

وكيف كان ، لا يختصّ بما مرّ ذكره في الأحاديث المتقدّمة من التمر والمأدوم والبقول والفواكه ؛ لعدم صلاحيّتها للتخصيص.

أمّا رواية زرارة ، فلاحتمال كون قوله : « ما خلا ذلك » إشارة إلى طعام بيوت المذكورين ومنزل الزوج دون التمر والمأدوم ، مع عدم صراحتها في حرمة المستثنى واحتمال المرجوحيّة ؛ لعدم مصرّح بالتحريم.

__________________

(١) انظر المقنع : ١٢٥ ، وحكاه في الروضة ٧ : ٣٤٢ عن ابن إدريس.

(٢) تفسير القمّي ٢ : ١٠٩ ، الوسائل ٢٤ : ٢٨٣ أبواب آداب المائدة ب ٢٤ ح ٨.

٤٣

وأمّا رواية المحاسن ، فلعدم دلالتها على عدم حلّية غيرهما إلاّ بمفهوم اللقب ، وهو ليس بحجّة.

وأمّا الرضوي ، فلاحتمال كون البقول والفاكهة مثالا لما يخشى فساده ، مضافا إلى عدم حجّيته ، بل وكذلك رواية المحاسن.

ب : النصّ وإن اختصّ بالأكل لكنّهم عمّموه بالنسبة إلى الشرب أيضا ممّا يتعارف شربه ، سيّما مثل الماء ؛ لفحوى ما دلّ على جواز الأكل.

وفيه تأمّل ، والاقتصار فيه على ما يعلم رضا صاحب البيت بشاهد الحال طريق النجاة.

ج : يختصّ الجواز بالأكل من بيوت المذكورين ، فلا يتعدّى إلى ما في غيرها من الأمكنة ؛ للأصل. وبما إذا كان المأكول بنفسه في البيوت ، فلا يتعدّى إلى شرائه من غير البيت بثمن يؤخذ من البيت ؛ للاقتصار فيما يخالف الأصل على القدر المتيقّن ، ويمكن استفادتهما من قوله : « ما خلا ذلك » في رواية زرارة أيضا.

د : المراد ب( بُيُوتِكُمْ ) : بيت الآكل ؛ لأنّه حقيقة.

قيل : يمكن أن تكون النكتة في ذكرها ـ مع ظهور الإباحة ـ التنبيه على مساواة ما بعده له في الإباحة ، وأنّه ينبغي جعل المذكورين كالنفس (١).

وقد يقال : إنّ النكتة بيان حلّية أكل ما يوجد فيها وإن لم يعرف مالكه.

وقيل : بيت الأزواج والعيال (٢).

وقيل : بيت الأولاد (٣) ؛ لأنّهم لم يذكروا في الأقارب مع أنّهم أولى‌

__________________

(١) كما في الروضة البهية ٧ : ٣٤٣.

(٢) كما في مجمع البيان ٤ : ١٥٦ ، التفسير الكبير ٢٤ : ٣٦ ، الكشّاف ٣ : ٢٥٧.

(٣) كما في تفسير الصافي ٣ : ٤٤٨ ، وحكاه في التفسير الكبير ٢٤ : ٣٦ عن ابن قتيبة.

٤٤

منهم ، ولأنّ ولد الرجل بعضه ونسخته وحكمه حكمه ، وهو وماله لأبيه ـ كما في الحديث (١) ـ فجائز نسبته إليه ، وفي آخر : « أطيب ما يأكل الرجل من كسبه ، وإنّ ولده من كسبه » (٢).

ومنه يظهر وجه آخر لإلحاق الأولاد بالأقارب فيما ذكر ، وهو الأولويّة ، وكذا يظهر وجه لصحّة إلحاق الأجداد والجدّات ؛ لأقربيّتهم من الأعمام والأخوال ، مع إمكان إدخالهم في الآباء والأمّهات.

والمراد بما ملكتم مفاتحه : ما يكون وكيلا عليها وفيما يحفظها ، كما صرّح به في مرسلة ابن أبي عمير : في قول الله عزّ وجلّ ( أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ) قال : « الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله فيأكل بغير إذنه » (٣) ، ويدلّ عليه ما مرّ من تفسير علي.

وقيل : هو بيت العبد ؛ لأنّه وماله لمولاه (٤).

وقيل : من له عليه ولاية (٥).

ولا بأس بهما ؛ لصدق اللفظ ، وعدم منافاة الروايتين ، فيكون الجميع مرادا.

وقيل : ما يجد الإنسان في داره ولا يعلم به.

وقيل : بيت الولد (٦).

والمرجع في الصديق إلى العرف.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥ ـ ٤٤ ، الوسائل ١١ : ٩١ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٣٦ ح ١.

(٢) مستدرك الوسائل ١٣ : ٩ أبواب مقدمات التجارة ب ١ ح ١٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) راجع ص : ٤٣.

(٤) كما في الروضة البهية ٧ : ٣٤٤.

(٥) كما في المسالك ٢ : ٢٤٧ ، الرياض ٢ : ٢٩٨.

(٦) انظر المسالك ٢ : ٢٤٧.

٤٥

هـ : لا فرق في الإخوة والأخوات بين كونهم للأبوين أو لأحدهما ؛ للعموم ، وكذلك الأعمام والأخوال.

وهل يختصّ بالنسبي ، أو يتعدّى إلى الرضاعي أيضا؟

الظاهر : الأول ؛ للتبادر ، ومنع الصدق الحقيقي اللغوي ، ومنع حصول الحقيقة الشرعيّة.

و : الحلّية تختصّ بالأكل بنفسه‌ ، فلا يجوز حمل شي‌ء منها ، ولا الإذن للغير في الأكل ؛ للأصل.

ز : اختلفت الروايتان في جواز تصدّق المرأة عن بيت زوجها بغير إذنه.

ففي رواية جميل : « للمرأة أن تأكل وأن تتصدّق ، وللصديق أن يأكل من منزل أخيه ويتصدّق » (١).

وفي رواية علي : عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه؟ قال : « لا ، إلاّ أن يحلّلها » (٢).

ويمكن الجمع بوجوه. والأولى في الجمع ما دلّت عليه موثّقة ابن بكير : عمّا يحلّ للمرأة أن تتصدّق به من مال زوجها بغير إذنه ، قال : « المأدوم » (٣) ، فيخصّص بالتصدّق ومنه بالمأدوم ، وعليه الفتوى. والظاهر الاختصاص بما إذا لم يقارب صريح النهي ، أو العلم بالكراهة.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٧٧ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٩٦ ـ ٤١٧ ، المحاسن : ٤١٦ ـ ١٧٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢٨١ أبواب آداب المائدة ب ٢٤ ح ٣.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٦ ـ ٩٧٤ ، مسائل علي بن جعفر : ١٥٨ ـ ٢٣١ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٠ أبواب ما يكتسب به ب ٨٢ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٧ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٦ ـ ٩٧٣ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٠ أبواب ما يكتسب به ب ٨٢ ح ٢.

٤٦

المسألة العاشرة : وممّا يستثنى أيضا من الأصل الرابع : ما يمرّ به الإنسان من ثمر النخل والشجر أو المباطخ أو الزرع ، فيجوز الأكل منه ، استثناه جماعة من المتقدّمين (١) والمتأخّرين (٢) ، وادّعي الشهرة عليه مستفيضة.

وقيل : لم نقف على مخالف من قدماء الأصحاب إلاّ ما يحكى عن السيّد (٣). وقيل : كاد أن يكون من القدماء إجماعا (٤). بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه (٥).

ومستنده : المستفيضة من الأخبار ، كمرسلة ابن أبي عمير : عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمرة فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال : « لا بأس » (٦).

ومرسلة الفقيه : « من مرّ ببساتين فلا بأس أن يأكل من ثمارها ، ولا يحمل منها شيئا » (٧).

ورواية ابن سنان : « لا بأس بالرجل يمرّ على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد ، قد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارّة » قال : « وكان إذا بلغ نخله أمر بالحيطان فخرقت لمكان المارّة » (٨).

__________________

(١) منهم الصدوق في المقنع : ١٢٤ ، الشيخ في النهاية : ٣٧٠ والمبسوط ٦ : ٢٨٨ ، ابن إدريس في السرائر ٣ : ١٢٦.

(٢) كما في الشرائع ٢ : ٥٥ ، التذكرة ١ : ٥١٠ ، كفاية الأحكام : ٢٥٣.

(٣) انظر الرياض ١ : ٥٥٨.

(٤) كما في الرياض ١ : ٥٥٨.

(٥) الخلاف ٢ : ٥٤٦ ، السرائر ٣ : ١٢٦.

(٦) التهذيب ٧ : ٩٣ ـ ٣٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٩٠ ـ ٣٠٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٦ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٣.

(٧) الفقيه ٣ : ١١٠ ـ ٤٦٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٨ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٨.

(٨) الكافي ٣ : ٥٦٩ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٠٣ أبواب زكاة الغلات ب ١٧ ح ١ ، وج ١٨ : ٢٢٩ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ١٢.

٤٧

ومثلها رواية أبي الربيع ، إلاّ أن زاد فيها : « ولا يحمل » بعد قوله : « لا يفسد » (١).

ورواية محمّد بن مروان : أمرّ بالثمرة فآكل منها ، قال : « كل ولا تحمل » قلت : فإنّهم قد اشتروها ، قال : « كل ولا تحمل » قلت : جعلت فداك ، إنّ التجّار اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : « اشتروا ما ليس لهم » (٢).

ومرسلة يونس : عن الرجل يمرّ بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط عليه ، هل يجوز له أن يأكل من ثمره ، ليس يحمله على الأكل من ثمره إلاّ الشهوة وله ما يغنيه عن الأكل من ثمره؟ وهل له أن يأكل منه من جوع؟ قال : « لا بأس أن يأكل ولا يحمله ولا يفسده » (٣).

وذهب السيّد والفاضل في الإرشاد (٤) وبعض آخر (٥) إلى المنع.

ومستندهم : قبح التصرّف في ملك الغير بغير إذنه شرعا وعقلا ، المعتضد بنصّ الكتاب على النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بغير تراض (٦).

وصحيحة ابن يقطين : عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر ، أيحلّ له أن يتناول منه شيئا ويأكل من غير إذن من صاحبه؟ وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٩ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٠٤ أبواب زكاة الغلات ب ١٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٨٣ ـ ١١٣٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٧ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٣ ـ ١١٣٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٧ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٥.

(٤) نقله عن المسائل الصيداويّة للسيّد المرتضى في المسالك ١ : ٢٠٧ ، الإرشاد ٢ : ١١٣.

(٥) منهم يحيى بن سعيد الحلي في نزهة الناظر : ٧١ ، العلاّمة في المختلف ٢ : ٣٤٣ والقواعد ١ : ١٢٢ ، ولده في الإيضاح ٤ : ١٦٢.

(٦) النساء : ٢٩.

٤٨

القيّم فليس له؟ وكم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال : « لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا » (١).

ومرسلة مروان : الرجل يمرّ على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة ، قال : « لا » قلت : أيّ شي‌ء السنبلة؟! قال : « لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ منه سنبلة كان لا يبقى شي‌ء » (٢).

وصحيحة محمّد الحلبي : عن البستان يكون عليه المملوك أو أجير ليس له من البستان شي‌ء ، أيتناول الرجل من بستانه؟ فقال : « إن كان بهذه المنزلة لا يملك من البستان شيئا فما أحبّ أن يأخذ منه شيئا » (٣).

وأجاب هؤلاء عن الأخبار الأول تارة بضعف السند.

واخرى بعدم صراحة الدلالة ؛ لإمكان حملها على حال الضرورة ، أو على من يجوز الأكل من بيوتهم ، أو على الأكل اليسير جدّا للذوق والامتحان ، أو على ما علم الإذن فيه بالفحوى مطلقا ، أو على البلاد التي يعرف من أرباب بساتينها وزروعها عدم المضايقة في مثله لوفورها عندهم.

وثالثة بمعارضتها مع الأخبار الأخيرة ، ورجحان الأخيرة بموافقة الكتاب ومطابقة الأصول العقليّة والنقليّة.

أقول : يردّ الجواب الأول بعدم ضير ضعف السند عندنا أولا.

وانجبار تلك الأخبار بالشهرة العظيمة القديمة والجديدة المحكيّة والمحقّقة والإجماعات المنقولة ثانيا.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٢ ـ ٣٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٩٠ ـ ٣٠٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٨ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٨٥ ـ ١١٤٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٧ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٦.

وفي المصادر : مروك ، بدل : مروان.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٠ ـ ١١١٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٧١ أبواب ما يكتسب به ب ٨٢ ح ٤.

٤٩

وكون مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد (١) ، وصحّة المرسلة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (٢) ، وكذا رواية أبي الربيع ، ثالثا.

والثاني بأنّها تأويلات بعيدة بلا مأوّل ، وتخصيصات بلا مخصّص يمنع عنها العرف واللغة ؛ مع أنّ أكثرها خلاف صريح النصّ ؛ للتصريح فيه بغير حال الضرورة وبغير الإذن ، وبكون الأكل للجوع والشهوة.

وأما الثالث فحسن ، إلاّ أنّ الأخيرتين من الروايات الأخيرة غير دالّتين على الحرمة ، بل الأخيرة منهما ظاهرة في الكراهة ، ومع ذلك هما أخصّان عن المدّعى ؛ لاختصاص أولاهما بالسنبل وثانيهما بالبستان.

فلم تبق إلاّ الاولى ، وهي لمخالفتها للشهرة العظيمة من القدماء خارجة عن حيّز الحجّية جدّا ، فلا تصلح لمعارضة ما مرّ قطعا ؛ مع أنّ دلالتها على المطلوب غير واضحة ؛ لاحتمال أن يكون قوله : « لا يحلّ أن يأخذ منه شيئا » جوابا عن السؤال الأخير ، أي قوله : وكم الحدّ الذي يسعه أن يتناوله ، فأجاب بأنّه لا يحل له الأخذ ـ أي الحمل ـ فيجوز غيره الذي هو الأكل ، ويشعر بذلك عدوله عن لفظ الأكل الواقع في السؤال إلى الأخذ. ويؤكّده اختصاص أخبار المنع طرّا بالأخذ ، وأخبار الجواز كلاّ بالأكل ، وهذا مراد الشيخ (٣) وأتباعه (٤) من حمل أخبار المنع على الأخذ. ولو قطع النظر عن ذلك فلا شكّ في أنّ للأخذ أفرادا كثيرة يشملها من الأخذ للأكل‌

__________________

(١) انظر عدّة الأصول : ٣٨٧.

(٢) كما في رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٣) كما في التهذيب ٧ : ٩٢.

(٤) انظر المختلف : ٣٤٣.

٥٠

وللحمل ولإعطاء الغير وللبيع ، فتكون تلك الأخبار أعمّ مطلقا من أخبار الجواز ؛ لاختصاصها بالأكل ، فيجب تخصيصها بها قطعا. وأيضا نفي البأس ـ الذي هو العذاب ـ في أخبار الجواز قرينة لحمل عدم الحلّيّة في رواية المنع على المرجوحيّة ، فيتعيّن حملها عليها ، سيّما مع شهادة قوله : « فما أحبّ » الظاهر عرفا فيها في الأخيرة.

وبجميع ما ذكر يجاب عن الأخيرتين أيضا على فرض الدلالة.

ويظهر منه الجواب عن الأصول والآية ، مع أنّ القبح العقلي ممنوع ؛ لأنّ ما في الأرض كلّه لله سبحانه ، فله الرخصة لمن شاء وأراد من العباد ، فيما شاء وأراد ، وملكيّة الغير أمر شرعيّ ، فيثبت منها ما ثبت شرعا ، ولا مدخليّة للعقل فيها ، بل يدلّ قوله في رواية محمّد بن مروان : « اشتروا ما ليس لهم » أنّ قدر حقّ المارّة ليس ملكا للصاحب.

ودلالة الآية أيضا ممنوع ؛ إذ بعد دلالة الأخبار لا يكون ذلك باطلا ، فالقول الأول هو الحقّ ، وعليه المعوّل.

فروع :

أ : المذكور في أخبار الجواز هو النخل والسنبل والثمرة ، فلا يجوز التعدّي إلى غير الثلاثة ، نحو الخضراوات والزروع التي ليس لها سنبل ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النصّ واليقين.

ومنه يظهر عدم جواز التعدّي إلى ما يشكّ في صدق الثمرة عليه من القثّاء والبطّيخ ونحوهما ؛ لأنّ الظاهر أو المحتمل اختصاص الثمرة بما يحصل من الشجر ، سواء كان من الفواكه ، كالرمّان والتين والتفّاح والسفرجل ونحوها ، أو كالجوز واللوز وأمثالهما ، بل في الصدق على‌

٥١

القسم الثاني أيضا تأمّل ، فالاجتناب عنه أحوط ، سيّما مثل السماق ، ولذا خصّ بعضهم بثمرة النخل والفواكه (١) ، وبعض آخر بالنخل (٢). ولم يذكر الأكثر المباطخ ، إلاّ أنّ ظاهر صحيحة ابن يقطين (٣) صدق الثمرة على مثل البطّيخ أيضا ، فالتجويز فيه أيضا قوي.

ب : الرخصة في الأكل في أخبار الجواز غير محدودة بحدّ معيّن ، بل هي مطلقة.

وإبقاؤها على الإطلاق ـ حتى يشمل كلّ قدر أكل ولو كان أكلا فاحشا ، من كلّ ثمرة ولو كانت قليلة ، كشجرة واحدة فيها ثمرة قليلة ، من كلّ مالك حتى فقير لم يملك إلاّ تلك الشجرة ، من كلّ مارّ حتى من عسكر كثير مرّت ببستان صغير من رجل فقير ـ خلاف الإجماع ، بل الضرورة القطعيّة ، سيّما على ما في رواية محمّد بن مروان من قوله : « اشتروا ما ليس لهم » (٤) ، فإنّه على ذلك لا يكون ما لهم معيّنا ، بل لا يكون مال ؛ لاحتمال مرور جماعة تأكل الجميع.

وتخصيصها بحدّ خاصّ معيّن بلا دليل مجازفة غير جائزة.

والتحديد ـ بعدم التضرّر بالمالك لمعارضة أخبارها مع أدلّة نفي الضرر ـ غير جيّد ؛ لتحقّق الضرر في جميع الحالات ، فتكون تلك الأخبار أخصّ مطلقا من أدلّة نفي الضرر.

وبعدم الأكل كثيرا ـ بحيث يؤثّر فيها أثرا بيّنا ، وهو أمر يختلف بكثرة‌

__________________

(١) كصاحب الرياض ١ : ٥٥٨.

(٢) كالشيخ في المسائل الحائريات ( الرسائل العشر ) : ٣٣٠.

(٣) المتقدمة في ص : ٤٨.

(٤) المتقدمة في ص : ٤٨.

٥٢

الثمرة والمارّة وقلّتهما ؛ لقوله : « لا يفسد » في روايتي ابن سنان وأبي الربيع وفي مرسلة يونس (١) ـ كان حسنا لو صدق الإفساد على ذلك لغة أو عرفا ، وهو بعد غير معلوم.

فيشكل الأمر في العمل بمدلول تلك الأخبار ، إلاّ أن يقال : إنّ تلك الأخبار وإن كانت مطلقة إلاّ أنّها غير باقية على إطلاقها قطعا إجماعا ، والحدّ الذي يقطع بانتهاء التقييد والتخصيص إليه غير معيّن البتّة إذا تجاوز عمّا يؤثّر أثرا بيّنا ، فيعلم تخصيصه ولا يعلم القدر المخصّص حينئذ ، فيكون من باب التخصيص بالمجمل ، فلا يكون حجّة في موضع الإجمال ، وهو ما إذا تجاوز عن القدر الذي لا يستبين أثره ولا يعدّ في العرف ضررا بيّنا ، فلا يجوز التجاوز عن ذلك الحدّ ، فعليه الفتوى.

ج : يعتبر للجواز هنا أمور :

أحدها : ما سبق من عدم الإكثار فيه ، بحيث يظهر أثره أثرا بيّنا فيه كما مرّ ، ولو مرّ رجل وأكل ثمَّ مرّ الثاني ثمَّ الثالث فيعتبر ظهور الأثر في اللاحق ، ويجوز الأكل للسابق ما لم يظهر وإن علم مرور غيره أيضا.

نعم ، على اللاحق ترك الأكل إذا علم أكل السابق وأنّ الأكلين معا يوجبان الإفساد بذلك المعنى ، ولو لم يعلم أكل [ السابق ] (٢) لا حرمة عليه ؛ لأصالة عدم أكل الغير.

وثانيها : كون المرور بالثمرة أو البستان اتّفاقيّا ، بمعنى : أن لا يقصدها للأكل ابتداء ، فلو قصدها كذلك لم يجز الأكل منها ، ولعلّه إجماعي ؛ ويدلّ عليه اختصاص أخبار التجويز طرّا بالمرور ، الذي هو العبور عن شي‌ء‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٤٧ و ٤٨.

(٢) في النسخ : اللاحق ، والصحيح ما أثبتناه.

٥٣

لا يقصده أصالة وإن قصده تبعا ، أي لم يقصده لشغل به وإن قصده لأن يمرّ عنه ، فالشرط عدم قصدها لأن يأكل منها ؛ إذ معه لا يعلم صدق المرور ، ولا يضرّ قصدها لأن يمرّ منها.

وعلى ما ذكرنا من معنى المرور ، يعلم عدم منافاة قوله في روايتي ابن سنان وأبي الربيع (١) لذلك الاشتراط ، ولا حاجة إلى تضعيفهما وتفسيرهما بأن المعنى : أنّه لا بأس بالأكل بعد المرور اتّفاقا.

ثمَّ المراد بالمرور بها : عبوره عمّا يقرب منها عرفا وعادة بحيث يعدّ مرورا عرفا ، لا أن يعبر ملاصقا بها قريبا عنها قربا حقيقيّا لا يحتاج إلى التخطّي إليها ولو بخطوات قلائل.

وثالثها : أن لا يحمل معه شيئا ، بل يأكل في موضعه ، والظاهر اتّفاقيّة ذلك أيضا ؛ وتدلّ عليه جميع أخبار المنع بالتقريب الذي قدّمناه ، وقوله : « ولا يحمل منها » و « لا يحمله » في مرسلتي الفقيه ويونس (٢) ، فلا يجوز الحمل ولو لأجل الأكل بعد المضي.

ورابعها : أن لا يكون النخل أو السنبل أو الثمرة محاطا عليها بسور مبوّبة بباب ، فلو كان كذلك لم يجز صعود السور أو خرقه ، ولا فتح الباب أو كسره ؛ لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، ولا إذن من الشارع.

ولا يدلّ نهي الرسول عن الحيطان ـ أو خرق حيطان نخله كما في رواية ابن سنان ـ على جواز التصرّف لو كان محاطا غير مخروق ، مع أنّ النهي ليس للتحريم ؛ لكون نخله محاطا عليه ويخرقه إذا بلغ ، وخرقه حيطان نخله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدلّ على وجوب ذلك على غيره أيضا.

__________________

(١) المتقدمتين في ص : ٤٧ و ٤٨.

(٢) المتقدمتين في ص : ٤٧ و ٤٨.

٥٤

وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز دخول ملك الغير أيضا لو كان الثمر في ملكه.

ولا يتوهّم أنّ الإذن في الأكل يستلزم الإذن في الدخول من الشارع أيضا حيث توقّف عليه ؛ لأنّ هذا إنّما يتمّ لو كان الإذن في المرور أيضا ، وليس كذلك ، بل عرفت أنّه تشترط اتّفاقيّة المرور ، ولا يجوز المرور في ملك الغير بغير إذنه إجماعا.

ويمكن أن يقال : إنّ صدق المرور على الثمرة والسنبل إذا كان في ملكه لا يتوقّف على دخول الملك ؛ لكفاية القرب العرفي في صدق المرور ، فلو مرّ من قرب أرضه يصدق المرور على الثمرة ، فإذا جاز أكلها جاز دخول الأرض أيضا ؛ لتوقّفه عليه.

ولكن فيه : أنّ شرط المباح لا يلزم أن يكون مباحا أيضا.

وممّا ذكرنا ظهر أنّه لو خرج غصن من الشجرة عن السور أو سنبل من الزرع عن الملك يجوز أكل ثمره.

وقد يعتبر أمران آخران أيضا :

أحدهما : عدم علم كراهة المالك ، بل قيل : عدم ظنّها أيضا (١).

وثانيهما : كون الثمرة على الشجرة لا مقطوعة مجزوزة.

والأخبار بالنسبة إليهما مطلقة ، بل في نهي النبيّ عن الحيطان ، وفي قوله : « اشتروا ما ليس لهم » (٢) دلالة على عدم اشتراط الأول ، فالحقّ عدم اعتبارهما.

ثمَّ إنّه لو تخلّف عن أحد الأمور الأربعة المعتبرة ، فإن كان الأول‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٥٥٩.

(٢) المتقدّم في ص : ٤٨.

٥٥

يحرم الإكثار دون القدر المجوّز أكله ، فلا ارتكاب لمحرّم أولا ولو قصد الإكثار.

وإن كان الثاني حرم الأكل مطلقا ؛ لأنّ المعلوم تجويزه إنّما هو في صورة المرور الاتّفاقي دون ما إذا قصد به الأكل ، فيبقى تحت أصل المنع.

ولو كان الثالث فيحرم الأكل أيضا إذا أكله بعد الحمل والنقل ، إذ لم يثبت إلاّ جواز الأكل عند الثمرة ، ولو أكل شيئا وحمل شيئا لم يحرم ما أكل ولو قصد الحمل بعده أيضا.

ولو كان الرابع لم يحرم الأكل إذا ارتكب المحرّم ومرّ بملك الغير لا بقصد الأكل ، أو دخله بقصده بعد تحقّق المرور قبل الدخول.

٥٦

الباب الثاني

فيما يحلّ من الحيوانات ولا يحلّ‌

وهو إمّا بحري أو برّي ، وكلّ منهما إمّا غير طير أو طير ، فهاهنا فصول‌ :

٥٧
٥٨

الفصل الأول

في الحيوان البحري غير الطير‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قالوا : لا يحلّ منه إلاّ ما كان على صورة السمك ، ونسبه المحقّق الأردبيلي إلى المشهور (١) ، وفي الكفاية إلى المعروف من مذهب الأصحاب (٢) ، وفي المسالك نفى الخلاف عنه (٣) ، وعن الخلاف والغنية والسرائر والمعتبر والذكرى (٤) وشرح الشرائع للمحقّق الثاني الإجماع عليه.

فإن ثبت الإجماع وتحقّق فهو المتّبع ، وإلاّ فلا دليل عليه غيره ، كما صرّح به جماعة من المتأخّرين (٥) ، سوى ما ذكره بعض متأخّريهم من عمومات ما دلّ على حرمة الميتة (٦).

وفيه : أنّه مبنيّ على شمول الميتة لكلّ ما خرج روحه كيفما كان ، وهو في محلّ المنع ؛ لجواز اختصاصها لغة بما مات بنفسه ، أو بدون التذكية الشرعيّة الشاملة أدلّتها لحيوان البحر أيضا.

وقد صرّح بذلك بعض شرّاح المفاتيح في بحث نجاسة الميتة ، قال :

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٨٧.

(٢) كفاية الأحكام : ٢٤٨.

(٣) المسالك ٢ : ٢٣٧.

(٤) الخلاف ٢ : ٥٢٤ ، الغنية : ٦١٨ ، السرائر ٣ : ٩٩ ، المعتبر ٢ : ٨٤ ، الذكرى : ١٤٤.

(٥) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٤٨ ، الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٨٤.

(٦) كصاحب الرياض ٢ : ٢٧٩.

٥٩

مع أنّ المعلوم من أدلّة نجاسة الميتة ما يطلق عليه الميتة ويموت حتف أنفه دون ما ذكّي ؛ لعدم إطلاق اسم الميتة عليه بحسب العرف ، بل المستفاد من بعض الأخبار أنّها في مقابلة الذكاة ، كقوله : « إنّ الله أحلّ الخزّ وجعل ذكاته موته ، كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها » (١) ، وفي رواية : « الكيمخت : جلود دواب ، منه ما يكون ذكيّا ومنه ما يكون ميتة » (٢) ، وفي تفسير الإمام : « قال الله تعالى : إنّما حرّم عليكم الميتة التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله » (٣). انتهى. وهو جيّد.

ولا يلزم من شمول الموت لمطلق خروج الروح شمول الميتة أيضا ؛ لجواز اقتضاء الهيئة الاشتقاقيّة لخصوصيّة أخرى ، كما بيّنّاه في العوائد ، ويشعر به جعلها في الأخبار قسيمة للمذكّى مقابلة لها ، وفي الكتاب (٤) لما أهلّ لغير الله وللمنخنقة وما بعدها.

ولو سلّمنا الشمول فيخصّص لا محالة بما لم يذكر اسم الله عليه ، ويعارض بما يأتي من مقتضيات الحلّية ، الموجب للرجوع إلى الأصل الأولي.

ويمكن أن يستدلّ له بموثّقة الساباطي : عن الربيثا ، فقال : « لا تأكلها ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٩ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١١ ـ ٨٢٨ ، الوسائل ٤ : ٣٥٩ أبواب لباس المصلي ب ٨ ح ٤. والخزّ : دابّة من دواب الماء تمشي على أربع ، تشبه الثعلب وترعى من البرّ وتنزل البحر ، لها وبر يعمل منه الثياب ، تعيش بالماء ولا تعيش خارجه ـ مجمع البحرين ٤ : ١٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٤ ، وج ٤ : ٣٥٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٥ ح ٢.

(٣) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٨٥ ـ ٣٤٩ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٤١ أبواب الذبائح ب ١٧ ح ١.

(٤) المائدة : ٣.

٦٠