مستند الشّيعة - ج ١٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٩٠

مسائل :

المسألة الأولى : الحقّ المشهور ـ كما في المسالك والكفاية والمفاتيح (١) وشرحه ، بل في الأخير وعن الشهيد أنّه لا يعلم في ذلك مخالف (٢) ، وفي المفاتيح : أنّه مذهب الكلّ ـ : ورود التذكية على السباع من الوحوش والطيور ، وهي ما يفترس الحيوان بنابه أو مخلبه للأكل ، أو ما كان ذات مخلب أو ناب يفترس به الحيوان ، أو ما يغتذي باللحم ، كالأسد والنمر والفهد والذئب والثعلب والسنّور والضبع وابن آوى والصقر والبازي والعقاب والباشق.

لا للأصل ، لما عرفت.

ولا لما قيل من أنّ السبب في وقوعها على المأكول إنّما هو الانتفاع منه بلحمه وجلده ، وهو متحقّق فيما نحن فيه بالنظر إلى جلده خاصّة (٣) ، لكونه علّة استنباطيّة لا يتحقّق تمامها في المورد أيضا.

بل لاستعمال المسلمين قاطبة من الصدر الأول إلى زماننا هذا لجلودها من غير نكير ، بحيث يمكن فهم انعقاد الإجماع عليه.

ولموثّقتي سماعة المعتضدتين بعمل الجماعة :

إحداهما : عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال : « إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا » (٤).

والثانية : عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : « أمّا لحوم السباع والسباع من‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٣٢ ، كفاية الأحكام : ٢٤٧ ، المفاتيح ١ : ٦٩.

(٢) نقله عنه في الروضة ٧ : ٢٣٧.

(٣) المفاتيح ١ : ٦٩.

(٤) التهذيب ٩ : ٧٩ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٤ ح ٤.

٤٤١

الطير فإنّا نكرهه ، وأمّا الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه » (١).

ويؤيده ما ورد في جواز لبس جلود السمّور والثعالب ونحوهما في غير الصلاة (٢) ، فإنّه دليل على وقوع الذكاة عليها ، إذ لا يجوز استعمال شي‌ء من الميتة.

وتدلّ عليه أيضا رواية أبي مخلّد : إنّي رجل سرّاج أبيع جلود النمر ، فقال : « مدبوغة هي؟ » قال : نعم ، قال : « ليس به بأس » (٣).

وظاهر المسالك الميل إلى عدم وقوع الذكاة عليها ، لاستضعاف الموثّقتين بكون سماعة واقفيّا ، والروايتان موقوفتان مضمرتان (٤).

وفيه : أنّ الوقف في الراوي غير مضرّ ، سيّما بعد كونه ثقة ، والإضمار في الرواية غير ضائر ، سيّما مع كونها في طريق آخر مسندة ، فإنّ الثانية في الفقيه مسندة وإن كانت مضمرة في التهذيب ، هذا مع كونهما منجبرتين بالاشتهار التامّ.

المسألة الثانية : الحقّ عدم وقوع الذكاة على المسوخات ـ وقد مرّ عددها في كتاب المطاعم ـ وفاقا لكلّ من قال بنجاستها ـ كالشيخ والديلمي وابن حمزة (٥) ـ وجماعة من القائلين بطهارتها ـ كالمحقق والشهيد الثاني (٦) ـ

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٧٩ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٢٤ : ١١٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٥٢ ، ٣٥٥ أبواب لباس المصلّي ب ٥ و ٧.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢٧ ـ ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ ـ ١٠٨٧ ، الوسائل ١٧ : ١٧٢ أبواب ما يكتسب به ب ٣٨ ح ١.

(٤) المسالك ٢ : ٢٣٢.

(٥) الشيخ في الخلاف ٢ : ٥٣٨ ، والمبسوط ٦ : ٢٨٠ ، الديلمي في المراسم : ٥٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٧٨.

(٦) المحقق في الشرائع ١ : ٥٣ ، الشهيد الثاني في الروضة ٧ : ٢٣٧.

٤٤٢

للأصل المتقدّم ذكره الخالي عن الدافع.

وخلافا للسيّد والشهيد (١) وجماعة (٢) ، لما أشير إليه من الأصل ، ووجود المقتضي.

ولورود روايات بحلّ الأرنب والقنفذ والوطواط (٣) ، وهي مسوخ ، وليس ذلك في لحمها عندنا فيكون في جلدها.

ولدلالة رواية عبد الحميد بن سعد على حلّ بيع عظام الفيل وشرائها واتّخاذ الأمشاط منها ، بل اتّخاذ الإمام عنها مشطا أو أمشاطا (٤).

وضعف الكلّ ظاهر :

أمّا الأولان فلما مرّ.

وأمّا الثالث ، فلأنّ الروايات إنّما تدلّ على حلّ الأكل ، وهو عندنا ـ معاشر الإماميّة ـ باطل.

وأمّا الرابع ، فلعدم توقّف استعمال العظم على التذكية ، لعدم كونها ممّا تحلّ فيه الحياة.

نعم ، استدلّوا على تلك الرواية بطهارة الفيل ، وهو صحيح.

المسألة الثالثة : الحشرات ، والمراد منها : ما يسكن باطن الأرض ، واحدها : الحشرة ـ بالتحريك ـ كاليربوع والفأرة والحيّة ، والبحث في وقوع‌

__________________

(١) حكاه عن السيد في المسالك ٢ : ٢٣١ ، الشهيد في الدروس ٢ : ٤١٠.

(٢) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ١٥٩ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٤ : ١٣٠ ، والهندي في كشف اللثام ٢ : ٧٧.

(٣) التهذيب ٩ : ٤٢ و ٤٣ ـ ١٧٦ و ١٧٧ و ١٨٠ ، الوسائل ٢٤ : ١١٢ و ١٢٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ و ٥ ح ٢٠ و ٢١ و ٦.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٦ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ ـ ١٠٨٣ ، الوسائل ١٧ : ١٧١ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ٢.

٤٤٣

الذكاة عليها وعدمه كالبحث في المسوخ بعينها. إلاّ أنّ أكثر الأصحاب هنا على عدم الوقوع ـ كما صرّح به جماعة (١) ـ للتقريب السابق.

المسألة الرابعة : غير الثلاثة من الحيوانات ، وهو على قسمين ، لأنّه إمّا حرام عارضي ـ كالجلاّل والموطوءة ـ أو ذاتي ، كبعض أنواع الغراب على القول بحرمته.

أمّا الأوّل : فالحقّ وقوع التذكية عليه ، كما مرّ في مسألة الجلاّل ، لاستصحاب وقوعها عليها ، وهو الرافع لأصالة عدم التذكية التي هي العمدة في ذلك المقام.

وأمّا الثاني : فالحقّ عدم وقوعها ، لأصالة عدم ورودها عليه.

__________________

(١) انظر الكفاية : ٢٤٧.

٤٤٤

الفصل السادس

في بعض الأحكام المتعلّقة بالذبائح

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : تستحبّ في التذكية أمور‌ ، بعضها خاصّ ببعض ، وبعضها عامّ في الكلّ.

أمّا الخاصّ : فالمستحبّ في ذبح الغنم : أن تربط يداه وإحدى رجليه وتطلق الأخرى ، وأن يمسك صوفه أو شعره حتى يموت ويبرد من دون إمساك يده أو رجله.

وفي ذبح البقر : أن تعقل يداه ورجلاه جميعا ويطلق ذنبه يتحرّك.

وفي نحر الإبل : أن يشدّ خفّها إلى آباطها وتطلق رجلاها.

وفي ذبح الطير : أن يرسل بعد ذبحه.

وأن تنحر الإبل قائمة من قبل يمينها.

وتدلّ على جميع ذلك فتوى الجماعة ، والاشتهار بين الطائفة.

مع رواية حمران بن أعين في الأكثر ، وفيها : « إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف ، ولا تقلب السكّين لتدخلها من تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق ، والإرسال للطير خاصّة » إلى أن قال : « وإن كان شي‌ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ولا تمسكنّ يدا ولا رجلا ، وأمّا البقر فاعقلها وأطلق الذنب ، وأمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه وأطلق رجليه » الحديث (١).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢٦ أبواب الذبائح ب ١٣ ح ٢ ، والمراد بجملة : ولا تكتف : عدم شدّ يد الحيوان إلى خلفه بحبل ونحوه ـ مجمع البحرين ٥ : ١١٠.

٤٤٥

ورواية الدعائم المتقدّمة في نحر الإبل (١).

ورواية الكناني : كيف تنحر البدنة؟ قال : « تنحر وهي قائمة من قبل اليمين » (٢).

ورواية ابن سنان : في قول الله سبحانه ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) (٣) قال : « ذلك حين تصفّ للنحر تربط يديها ما بين الخفّ إلى الركبة » (٤).

ورواية أبي خديجة : أنّه رأى أبا عبد الله عليه‌السلام وهو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى ، ثمَّ يقوم به من جانب يدها اليمنى (٥).

وليس في شي‌ء من هذه الروايات حكاية ربط إحدى رجلي الغنم مع يديه ، فالدليل فيه منحصر بفتوى الأصحاب ، وكذا تقييد إمساك صوفه أو شعره إلى وقت الموت والبرد.

ويظهر من عطف الشعر على الصوف إرادة مطلق الشاة من الغنم.

وعقل البقر وإن كان مطلقا في الرواية ، إلاّ أنّ الظاهر من إطلاقها ما ذكروه من عقل اليدين والرّجلين ، ويشعر به تخصيص الإطلاق بالذنب.

وأمّا شدّ يد الإبل من الخفّ إلى الركبتين فالمراد به إمّا ما قيل من أن‌

__________________

(١) في ص : ٤٠٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ ـ ٧٤٤ ، الوسائل ١٤ : ١٤٩ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٢.

(٣) الحجّ : ٣٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٧ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ ـ ٧٤٣ ، الوسائل ١٤ : ١٤٨ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٩٨ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ ـ ٧٤٥ ، الوسائل ١٤ : ١٤٩ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٣.

٤٤٦

تجمع اليدان معا وتربطان من الخفّ إلى الركبة ، أي تربط إحداهما بالأخرى وتلفّان بحبل من غير أن تردّ اليد إلى الإبط ، ويلصق خفّه بإبطه ، ويشدّ ما بين الركبة والخف (١).

أو تردّ إحدى اليدين إلى الإبط وتشدّ.

والأول : هو محتمل روايتي حمران وابن سنان ، بل ظاهر المحقّق الأردبيلي : أنّه مصرّح به في رواية (٢).

والثاني : هو مدلول روايتي أبي خديجة والدعائم.

وأمّا ردّ اليدين معا وشدّهما من الخفّ إلى الركبة فهو وإن كان أحد احتمالي روايتي حمران وابن سنان ، ولكنّه لا يلائم ما هو المشهور ـ كما صرّح به بعضهم (٣) ـ من استحباب نحر الإبل قائمة ، ودلّت عليه روايتي الدعائم والكناني المتقدّمتين.

ولا ينافيه المرويّ في قرب الإسناد : عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة؟ قال : « يعقلها ، فإن شاء قائمة وإن شاء باركة » (٤).

لأنّ الاستحباب لا ينافي التخيير. وأمّا حمل القيام على مقابل الاضطجاع حتى يشمل البروك أيضا أو تخصيص ردّ اليدين بما إذا نحره باركا فلا دليل عليه ، فالمستحبّ فيه أحد الأمرين إمّا جمع اليدين وشدّهما ، أو ردّ إحداهما من الخفّ إلى الركبة بحيث يجتمع نصفها الأسفل مع الأعلى.

وأمّا العامّ ، فمنها : تحديد الشفرة وسرعة الفعل ، وأن يوارى الشفرة عن‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٢٨.

(٢) مجمع الفائدة ١١ : ١٣٣.

(٣) انظر المسالك ٢ : ٢٢٨.

(٤) قرب الإسناد : ٢٣٥ ـ ٩٢١ ، الوسائل ١٤ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٥.

٤٤٧

البهيمة ، للمرويّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحدّ أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته » (١).

والآخر : أنّه أمر أن يحدّ الشفار ، وأن توارى عن البهائم ، وقال : « إذا ذبح أحدكم فليجهز » (٢).

والمرويّ في الدعائم : « من ذبح ذبيحة فليحدّ شفرته ، وليرح ذبيحته » (٣).

والآخر : « إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذّب البهيمة ، أحدّ الشفرة واستقبل القبلة » (٤).

ومنها : استقبال الذابح للقبلة ، للرواية الأخيرة في الذبيحة ، ورواية الدعائم السابقة في المنحورة (٥) ، وقول الأصحاب فيهما معا.

ومنها : ترك الذبيحة في مكانها إلى أن يفارقها الروح من غير تحريكها ، ولا جرّها من مكان إلى آخر ، وأن تساق إلى المذبح برفق بعد عرض الماء عليها ، وأن يمرّ السكّين في مذبحها بقوّة ، ويجدّ في الإسراع ليكون أسهل وأوحى ، أي أسرع وأعجل.

كلّ ذلك لموافقته للإراحة وإحسان الذبح المأمور بهما فيما تقدّم ، ولترك التعذيب المنهيّ عنه ، وللرفق المأمور به في المرويّ في الدعائم : « يرفق بالذبيحة ولا يعنف بها قبل الذبح ولا بعده » (٦).

__________________

(١) صحيح مسلم ٥ : ١٥٤٨ ـ ١٩٥٥ ، سنن ابن ماجه ٢ : ١٠٥٨ ـ ٣١٧٠.

(٢) سنن ابن ماجه ٢ : ١٠٥٩ ـ ٣١٧٢.

(٣) الدعائم ٢ : ١٧٤ ـ ٦٢٤ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣١ أبواب الذبائح ب ٢ ح ١.

(٤) الدعائم ٢ : ١٧٤ ـ ٦٢٥ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣٢ أبواب الذبائح ب ٢ ح ٢.

(٥) في ص : ٤٠٧.

(٦) الدعائم ٢ : ١٧٩ ـ ٦٤٨ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣٢ أبواب الذبائح ب ٢ ح ٣.

٤٤٨

المسألة الثانية : يكره في الذباحة أيضا أمور :

منها : إبانة الرأس ، وقطع الجزء ، وسلخ الذبيحة ، وقد مرّ ما يدلّ عليها وقول طائفة بالحرمة فيها وأنّ الأقوى الكراهة.

ومنها : كسر الرقبة قبل البرد ـ وهو أعمّ من إبانة الرأس ـ لرواية الدعائم المتقدّمة (١) ، وصحيحة الحلبي ، وفيها : « ولا تنخع ولا تكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة » (٢).

ومنها : نخع الذبيحة قبل الموت ، أي إبلاغ السكّين إلى أن يتجاوز منتهى الذبح ، فيصيب النخاع ـ مثلث النون ـ وهو الخيط الأبيض وسط الفقار ـ بالفتح ـ ممتدّا من الرقبة إلى عجز الذنب ـ بفتح العين المهملة وسكون الجيم ـ وهو أصله.

لصحيحتي محمّد والحلبي (٣) المتقدّمتين ، وصحيحة محمد الحلبي : « لا تنخع الذبيحة حتى تموت ، فإذا ماتت فانخعها » (٤).

وذهب جماعة ـ منهم : الدروس (٥) والمحقّق الأردبيلي (٦) ـ إلى الحرمة ، لظاهر النهي في تلك الصحاح.

__________________

(١) الدعائم ٢ : ١٧٥ ـ ٦٣٢ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣٤ أبواب الذبائح ب ٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ٢١١ ـ ٩٧٩ ، التهذيب ٩ : ٥٩ ـ ٢٥١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٩ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٥ أبواب الذبائح ب ٦ ح ١. الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٩ ـ ٢٥١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٨ أبواب الذبائح ب ١٤ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٦ ، التهذيب ٩ : ٥٥ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٦ أبواب الذبائح ب ٦ ح ٢.

(٥) الدروس ٢ : ٤١٥.

(٦) مجمع الفائدة ١١ : ١٣٠.

٤٤٩

وفيه : منع صراحة النهي فيها ، لاحتمال الجملة الخبريّة.

ومنها : قلب السكّين في الذبح ليدخلها تحت الحلقوم ويقطعه من خارج عكس المتعارف ، فيقطع من التحت إلى الفوق ، لقوله في رواية حمران : « ولا تقلب السكّين لتدخلها من تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق » (١) ، والحمل على الكراهة ، لما مرّ غير مرّة من احتمال الخبريّة.

وعن النهاية والقاضي والغنية : الحرمة (٢) ، للنهي المذكور. وجوابه ظاهر. بل عن الغنية : تحريم الذبيحة أيضا ، مدّعيا عليه إجماع الإماميّة.

ولا دليل عليه ظاهرا ، بل لم نعثر على موافق له في أصل الفتوى ، ويحتمل إرجاعها في عبارته ـ كما قيل ـ إلى شي‌ء آخر غير ما نحن فيه.

ومنها : الذبح من القفاء ، لرواية الدعائم المتقدّمة في بحث محلّ التذكية (٣) ، وهو غير تقليب السكّين المتقدّم ذكره أو أخصّ منه.

ومنها : إيقاع الذباحة ليلا ويوم الجمعة قبل الصلاة ، إلاّ مع الضرورة ، بلا خلاف فيها ، له ، وللنبويّ : نهى عن الذبح ليلا (٤).

والعلوي : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يمرّ بالسمّاكين يوم الجمعة فينهاهم عن أن يتصيّدوا من السمك يوم الجمعة قبل الصلاة » (٥).

ورواية أبان : « لا تذبحوا حتى يطلع الفجر ، فإنّ الله جعل الليل سكنا لكلّ شي‌ء » قال : قلت : جعلت فداك وإن خفت؟ فقال : « إن خفت الموت‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢٦ أبواب الذبائح ب ١٣ ح ٢.

(٢) النهاية : ٥٨٤ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٣) في ص : ٤٠٦.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي ٩ : ٢٩٠.

(٥) الكافي ٦ : ٢١٩ ـ ١٧ ، التهذيب ٩ : ١٣ ـ ٤٩ ، الوسائل ٢٤ : ٣٨٣ أبواب الصيد ب ٣٠ ح ١.

٤٥٠

فاذبح » (١).

ورواية محمّد الحلبي : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكره الذبح وإراقة الدماء يوم الجمعة قبل الصلاة إلاّ من ضرورة » (٢).

ومنها : ذبح الذبيحة وحيوان آخر ينظر إليها من جنسه ، لرواية غياث ابن إبراهيم : « لا تذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور عن الجزور وهو ينظر إليه » (٣).

ورواية طلحة : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان لا يذبح الشاة » إلى آخر الحديث (٤).

وهما ـ لقصور دلالتهما على الحرمة ـ لا تثبتان الأزيد من الكراهة ، كما عليه الأكثر.

خلافا للمحكيّ عن النهاية ، فحرّمه (٥).

والمستفاد من الروايتين : كراهة ذبح كل واحد من الإبل والغنم إذا نظر إليه غيره من جنسه ، فلا يكره ذبح الشاة إذا نظر إليه الجزور وبالعكس ، بل يحتمل التخصيص بالشاة والجزور أيضا ، إلاّ أنّ فتوى الأصحاب بالتعميمين يكفي لإثبات الكراهة.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٦ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٦٠ ـ ٢٥٤ ، الوسائل ٢٤ : ٤١ أبواب الذبائح ب ٢١ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٦ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٦٠ ـ ٢٥٥ ، الوسائل ٢٤ : ٤٠ أبواب الذبائح ب ٢٠ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٧ ، التهذيب ٩ : ٥٦ ـ ٢٣٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٦ أبواب الذبائح ب ٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٨٠ ـ ٣٤١ ، الوسائل ٢٤ : ١٦ أبواب الذبائح ب ٧ ذيل الحديث ١.

(٥) النهاية : ٥٨٤.

٤٥١

ومنها : أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم ، للنهي عنه في الخبر (١) المحمول على الكراهة إجماعا ، ولعلّه لإيراثه قساوة القلب ، والله أعلم.

المسألة الثالثة : وإذ عرفت أنّ حلّ الذبائح والصيود يتوقّف على أمور وجوديّة مسبوقة بالأعدام ، تعلم أنّ الأصل في كلّ ذبيحة : عدم التذكية‌ ، إلاّ إذا علم تحقّقها بجميع شرائطها ، ودلّت على ذلك الأصل أيضا أخبار معتبرة ، مرّت في بحث الجلود من كتاب الطهارة.

وأمّا تأمّل المحقّق الأردبيلي في ذلك الأصل (٢) ـ لمعارضته مع أصالة الحلّ والطهارة في جميع الأشياء إلاّ ما خرج بالدليل ، وحصر المحرّمات في أمور ـ فغير سديد البتّة ، لاندفاع الأصل الثاني بالأخبار المشار إليها وبالأصل الأول ، لكونه مزيلا للثاني ولا عكس ، ولدخول ما لم يعلم تذكيته بأدلّة الاستصحاب الواردة من أهل بيت العصمة وحكّام الشريعة فيما علم خروجه من الأصل الثاني بالدليل.

ولكن خرج من تحت الأصل الأول ما أخذ من يد مسلم لم يخبر عن عدم التذكية ، وما أخذ في سوق المسلمين ولو من يد مجهول الحال ، أو في سوق مجهول الحال ، بل الكفّار في بلد غالب أهله المسلمون ، أو ما وجد في أرض المسلمين ، أو في أرض كان الغالب عليها المسلمين ، أو من يد مجهول الحال إذا أخبر بالتذكية.

ومرّ دليل كلّ واحد من ذلك في البحث المذكور ، فلا حاجة إلى التكرار.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٤٤ ـ ٢٠ ، التهذيب ٥ : ٤٥٢ ـ ١٥٧٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٨ أبواب الذبح ب ٦١ ح ١.

(٢) مجمع الفائدة ١١ : ٨٧.

٤٥٢

وتدلّ على خروج الأول أيضا ـ مضافة إلى ما مرّ ـ المستفيضة المتقدّمة في بيان شرائط الذبيحة ، المصرّحة بأنّه لا يؤمن على الذبيحة إلاّ المسلم ، كروايتي الحسين بن منذر (١) ، والحسين بن عبد الله (٢) ، وصحيحة قتيبة (٣) ، فإنّ مفهومها : أنّ المسلم مؤتمن عليها.

ويظهر من بعض الأخبار المتقدّمة الإشارة إليها عدم استحباب الاجتناب عن كثير ممّا ذكر أيضا ، كما صرّح به في الدروس (٤) ، بل قال في شرح الشرائع بكراهة الفحص والسؤال حتى في المأخوذ عن مجهول الحال أو عن المسلم المستحل لذبيحة الكتابي (٥).

وهو جيّد ، سيّما نفي الاستحباب ، لقوله عليه‌السلام في بعض تلك الأخبار : « ولا تسأل عنه » (٦) ، وفي بعض آخر : « ليس عليكم المسألة » (٧) ، وفي البعض : « إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم وإنّ الدين أوسع من ذلك » (٨).

ولا وجه لاستبعاد المحقّق الأردبيلي الناشئ عن كثرة تورّعه ووفور احتياطه ، حيث قال بعد نقل ما ذكر : وليت شعري كيف صار سوق الإسلام‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٩ ـ ٢ ، الوسائل ٢٤ : ٤٨ أبواب الذبائح ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٩ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ٢١١ ـ ٩٧٥ ، التهذيب ٩ : ٦٦ ـ ٢٨٠ ، الوسائل ٢٤ : ٤٩ أبواب الذبائح ب ٢٦ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢٤١ ـ ١٧ ، الوسائل ٢٤ : ٥٠ أبواب الذبائح ب ٢٦ ح ٦.

(٤) الدروس ٢ : ٤١٦.

(٥) المسالك ٢ : ٢٢٨.

(٦) الكافي ٦ : ٢٣٧ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢١١ ـ ٩٧٦ ، التهذيب ٩ : ٧٢ ـ ٣٠٦ ، الوسائل ٢٤ : ٧٠ أبواب الذبائح ب ٢٩ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ١٦٧ ـ ٧٨٧ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ذيل الحديث ٣.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٣.

٤٥٣

بهذه المثابة؟! مع العلم بأحوال الناس من عدم التقييد والمذاهب المشتبهة ، ومن أين سقط الاحتياط والزهد والورع والملاحظة؟! حتى قالوا : يستحبّ الاجتناب عن الحائض المتّهمة وعدم الوضوء بسؤرها ، بل قيل عن مطلق المتّهم ومن كان ماله لا يخلو عن شبهة (١). انتهى.

فإنّ بعد أمر الشارع بعدم المسألة لا يبقى محلّ للتورّع والاحتياط ، فإنّ بعد تصريحه بحلّية ما ذكر والنهي عن السؤال يكون المأخوذ عن يد من ذكر بعينه كالمعلوم تذكيته.

فإنّ بعد حلّية الحيوان بعد قطع الأوداج مثلا بحكمه وانتفاء الاحتياط فيه وعدم اقتضاء التورّع لترك اللحم ، لم لا يحلّ بحكمه بحلّية المأخوذ عن يد فلان فلا ينبغي الاحتياط ، وأيّ تفرقة بين الحكمين؟! فإنّ من يحلّ مقطوع الأوداج مثلا بحكمه من غير اقتضاء الورع والاحتياط تركه كذلك يحلّ المأخوذ عن يد المسلم أو في سوقهم بحكمه كذلك ، ويكون ذلك قائما مقام مشاهدة قطع الأوداج والاستقبال والتسمية إلى آخر الشرائط.

وليت شعري لم ينفي الأول الاحتياط دون الثاني؟! وأين ترك قاعدة نفي العسر والحرج وسهولة الملّة الحنيفيّة ونحو ذلك؟!

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ١٢٦.

٤٥٤

الباب الثالث

في التذكية التبعيّة‌

وهي تحصل للجنين في بطن امّه بعد تذكية الامّ.

وتفصيل الكلام فيه : أنّ الجنين ـ الذي يكون في بطن الحيوان ويخرج ـ إمّا يخرج من بطن الحيّ ، أو من بطن الميّت ، أو من بطن المذكّى.

والأخير : إمّا لم تتمّ خلقته بعد ولم يشعر ولم يؤبر ، أو تمّت وأشعر وأوبر.

وعلى التقدير الثاني : إمّا لم يولج فيه الروح أو أولج.

وعلى الثاني : إمّا يخرج روحه قبل خروجه من البطن ، أو لا يخرج.

فإن خرج من بطن الحيّ أو الميّت ، فإن لم يكن حيّا لم يحلّ بلا خلاف ، سواء لم يلج فيه الروح أو ولج وخرج.

٤٥٥

لا للأصل ـ كما قيل ـ لأنّه في صورة عدم ولوج الروح غير معلوم ، بل مقتضي أصالة حلّية الأشياء : حلّيته ، واستصحاب حرمته حال كونه نطفة أو علقة غير صحيح ، لتغيّر الموضوع. نعم ، هو يصحّ إن علم ولوج الروح فيه وخروجه ، لصدق الميتة.

بل لأنّه إن لم تتمّ خلقته فيحرم مع ذكاة امّه ـ كما يأتي ـ فبدونها أولى ، وإن تمّت فصرّح في الأخبار الآتية : أنّ ذكاته ذكاة أمّه ، فإذا لم تذكّ امّه لم يكن مذكّى ، مع دلالة قوله : « فذكاته » على توقّف حلّه على الذكاة ، فيكون حراما.

وتدلّ على الحرمة مع خروجه عن الميّت الأخبار الكثيرة ، المتضمّنة لـ : أنّه لا ينتفع من الميتة بشي‌ء ، والحاصرة لما يحلّ من الميتة بأشياء مخصوصة (١) ليس ذلك منها ، ومفهوم العلّة في رواية الثمالي الطويلة ، المعلّلة لحلّية إنفحة الميتة : بأنّه « ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم » (٢).

وإن كان حيّا فيحلّ مع تذكيته بنفسه ، وإلاّ فيحرم ، والوجه فيهما واضح.

وإن خرج من بطن المذكّى فقد عرفت أنّ أقسامه أربعة :

الأول : أن لم تتمّ خلقته ولم يشعر ولم يؤبر ، وهو حرام لا يجوز أكله ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب يعرف ـ كما في الكفاية (٣) ـ بل بلا خلاف مطلقا ـ كما في شرح الإرشاد للأردبيلي (٤) ـ بل عن الانتصار (٥)

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ١٧٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٦ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ١.

(٣) كفاية الأحكام : ٢٤٨.

(٤) مجمع الفائدة ١١ : ١٥١.

(٥) الانتصار : ١٩٥.

٤٥٦

وغيره (١) الإجماع عليه.

ويستدلّ له بصحيحة الحلبي : « إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تامّا فكل ، وإن لم يكن تاما فلا تأكل » (٢).

وصحيحة يعقوب : عن الحوار تذكّى أمّه ، أيؤكل بذكاتها؟ فقال : « إذا كان تامّا ونبت عليه الشعر فكل » (٣).

وصحيحة ابن مسكان : في الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد ، قال : « إن كان تامّا فكله ، فإنّ ذكاته ذكاة امّه ، وإن لم يكن تامّا فلا تأكله » (٤) ، ونحوها خبر جرّاح المدائني (٥).

ورواية مسعدة بن صدقة : في الجنين « إذا أشعر فكل ، وإلاّ فلا تأكل » يعني : إذا لم يشعر (٦).

ولا يخفى أنّ هذه الروايات عن إفادة حرمة الجنين الغير التامّ قاصرة ، لمكان الجملة الخبريّة أو ما يحتملها.

ولا يفيد مفهوم الشرط في صحيحة يعقوب ، لجواز كون الحكم في المفهوم نفي الإباحة بالمعنى الأخصّ.

__________________

(١) كالغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، والتنقيح ٤ : ٢٧.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٤ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٥٨ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ٢٤ : ٣٤ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٤ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٩ ـ ٢٤٦ ، الوسائل ٢٤ : ٣٣ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ١ ، الحوار : بالضم وقد يكسر ، ولد النّاقة ساعة تضعه ـ القاموس ٢ : ١٦.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٠٩ ـ ٩٦٥ ، التهذيب ٩ : ٥٨ ـ ٢٤٣ ، الوسائل ٢٤ : ٣٤ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٦.

(٥) التهذيب ٩ : ٥٩ ـ ٢٤٥ ، الوسائل ٢٤ : ٣٥ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٧.

(٦) الكافي ٦ : ٢٣٥ ـ ٥ ، قرب الإسناد : ٧٦ ـ ٢٤٧ ، الوسائل ٢٤ : ٣٤ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٥.

٤٥٧

ولذا قال المحقّق الأردبيلي مشيرا إلى هذا القسم : وأمّا الأول فإن كان إجماعيّا وإلاّ ففيه تأمّل ، للأصل ، والعمومات ، مع عدم ما يدلّ على التحريم (١). انتهى.

وهو جيّد ، والاجتناب أحوط.

والثاني : أن تتمّ خلقته وأشعر وأوبر ولم يلجه الروح ، والظاهر عدم الخلاف في حلّيته وكون ذكاته ذكاة امّه ، وتدلّ عليه جميع الروايات المتقدّمة.

مضافة إلى صحيحة محمّد : عن قول الله عزّ وجلّ ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) (٢) فقال : « الجنين في بطن امّه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة امّه » (٣).

وموثّقة سماعة المضمرة : عن الشاة نذبحها وفي بطنها ولد وقد أشعر ، فقال عليه‌السلام : « ذكاته ذكاة امّه » (٤).

ولعلّ اختلاف تلك الروايات باعتبار اشتراط تمام الخلقة وحده في بعضها ، والإشعار وحده أو مع الإيبار في بعض آخر ، أو ذكر الأمرين معا ـ كما في ثالث ـ إنّما هو لتلازم الأمرين ، وكذا اختلاف كلمات الأصحاب.

ولو قلنا بعدم التلازم ، كما هو ظاهر الجمع بينهما في صحيحة يعقوب ، وهو أيضا ظاهر كلام الصدوق في المقنع (٥).

فقيل بتعيّن اعتبار الأمرين معا ، للأصل ، والجمع بين الأخبار بتقييد بعضها ببعض بشهادة الصحيح الجامع ، أي صحيحة يعقوب (٦).

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ١٥١.

(٢) المائدة : ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٤ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ٣٣ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٥ ـ ٤ ، الوسائل ٢٤ : ٣٣ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٢.

(٥) المقنع : ١٣٩.

(٦) الرياض ٢ : ٢٧٩.

٤٥٨

وفيه نظر ، لمنع الأصل ، بل هو مع الحلّية كما مرّت إليه الإشارة ، والأخبار ـ مع كونها منطوقا ومفهوما متعارضة ـ عن إفادة الحرمة ـ كما مرّ ـ قاصرة ، إلاّ بضميمة الإجماع ، الذي لو ثبت في صورة انتفاء الأمرين فعدمه مع تحقّق أحدهما واضح ، فالحلّ من أحد الأمرين أقرب.

والثالث : أن تتمّ خلقته أو أشعر وأوبر وأولجه الروح ، ولكن لم يخرج من البطن حيّا ، بل مات في بطنه ، وهو أيضا كسابقه في الحلّية على الأقوى ، وفاقا للمحكيّ عن الصدوق والعماني والسيّد والمحقّق (١) ، وعليه كافة متأخّري أصحابنا (٢).

لإطلاقات جميع النصوص السابقة الشاملة لصورة ولوج الروح ، بل الظاهرة منها خاصّة ، لأنّ الروح لا ينفكّ عن تمام الخلقة عادة ، كما صرّح به جماعة ، منهم : المختلف والروضة (٣).

وخصوص موثّقة الساباطي : عن الشاة تذبح ويموت ولدها في بطنها ، قال : « كله فإنّه حلال ، لأنّ ذكاته ذكاة امّه ، فإن خرج وهو حيّ فاذبحه وكله ، فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله ، وكذلك البقر والإبل » (٤).

خلافا للمحكيّ عن الشيخ والقاضي وابن حمزة والديلمي والحلّي (٥) ،

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ١٣٩ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٦٨١ ، السيد في الانتصار : ١٩٥ ، المحقق في النافع : ٢٥١.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٠ ، والهندي في كشف اللثام ٢ : ٧٨ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٧٩.

(٣) المختلف : ٦٨٢ ، الروضة ٧ : ٢٥٤.

(٤) التهذيب ٩ : ٨٠ ـ ٣٤٥ ، الوسائل ٢٤ : ٣٥ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٨.

(٥) الشيخ في النهاية : ٥٨٤ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٦١ ، الديلمي في المراسم : ٢١٠ ، الحلي في السرائر ٣ : ١١٠.

٤٥٩

فاشترطوا في الحلّية ـ مع تمام الخلقة والإشعار ـ عدم ولوج الروح فيه ، لأدلّة اشتراط تذكية الحيّ مطلقا ، فتعارض بها الإطلاقات المتقدّمة ، وترجّح الاولى بالأكثريّة وموافقة الكتاب والسنّة ، حيث لم يذكر اسم الله على ذلك الجنين ، بل من حيث إنّه ميتة أيضا ، بل هو مقتضى الأصل الذي يرجع إليه لو لا الترجيح لصدق الميتة.

وهو كان حسنا لو لا الموثّقة الخاصّة ، ولكن معها يجب تخصيص أدلّة التذكية ، مع أنّ ذلك أيضا مذكّى ، مضافا إلى إمكان الخدش في انصراف مطلقات الذبح والتذكية إلى مثل ذلك ، لندرته جدّا.

والرابع : أن يخرج حيّا ، وهو إن كان حيّا مستقرّ الحياة يتّسع الزمان لتذكيته لم يحلّ إلاّ بالتذكية إجماعا ، لعدم دخول مثله في النصوص المتقدّمة ، فيشمله عموم ما دلّ على حرمة الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه ، مضافا إلى الموثّقة المتقدّمة.

وكذا إن كان غير مستقرّ الحياة ولا يتّسع الزمان للتذكية على الأظهر ، لإطلاق الموثّقة ، ومعارضة العمومات المشار إليها مع إطلاقات الأخبار السابقة.

وهل تجب المبادرة إلى شقّ جوف الذبيحة لإخراج ما ولج فيه الروح زائدا على المعتاد ، أم لا؟

الأقرب : الثاني ، للأصل ، والأحوط : الأول.

هذا إذا علم الولوج.

ولو لم يعلم واحتمله فلا تجب المبادرة إلى الشقّ البتّة ، لأصالة عدم الولوج.

٤٦٠