مستند الشّيعة - ج ١٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٩٠

مفهوم الآخر بالعموم من وجه ، والمرجّح في البين مفقود ، فيرجع في موضع التعارضين ـ وهما ما تحرّك ولم يخرج الدم ، أو خرج الدم ولم يتحرّك ـ إلى أصالة الحرمة.

ومستمسك الرابع ـ بعد أصالة الحلّية الحاصلة بذكر اسم الله عليه ، والشهرة الجديدة أو المطلقة المحكيّة ـ تعارض أخبار الطرفين ـ كما مرّ ـ وعدم المرجّح ، فيحكم في موضع التعارض بالتخيير ، كما هي القاعدة.

أقول ـ ومن الله التوفيق ـ : لا ينبغي الريب في دلالة نصوص كلّ من الطرفين ، إلاّ أنّ الأخبار الأولى أصرح دلالة وأوضحها ، وذلك لما قيل (١) من أنّ الصحيحين ورواية سماعة ـ من الأخبار الثانية ـ واردة في غير المشتبه حياته وموته ، بل المستقرّ حياته استقرارا يظنّ ببقائه زمانا يحتمله.

وإنّما إشكال السائل فيها من حيث قطع الرأس بسبق المدية (٢) ، ولا ريب أنّ الغالب في مثل هذه الذبيحة تحقّق الحركات المزبورة منها.

والرواية الأخيرة فهي وإن كانت في المشتبه الذي هو مفروض المسألة ـ كما صرّح به جماعة (٣) ـ إلاّ أنّها مع قصور سندها غير صريحة بل ظاهرة ، لاحتمالها الحمل على ما إذا حصلت الحركة بعد التذكية ، سيّما مع كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلا ، وليس كذلك الذبيحة المشتبهة بعدها حركة ما جزئيّة ، فإنّه غير معلوم خروج الدماء عنها معتدلة.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّه لا دليل على كون الصحيحين ورواية‌

__________________

(١) في الرياض ٢ : ٢٧٤.

(٢) المدية : الشفرة ـ الصحاح ٦ : ٢٤٩٠.

(٣) منهم الشهيد في الدروس ٢ : ٤١٤ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٧٤.

٤٢١

سماعة واردة في غير المشتبه.

نعم ، هي مطلقة ، وكثير من الأخبار الأولى أيضا كذلك ، فتكون أخبار الطرفين من تلك الجهة في مرتبة واحدة من الوضوح وعدمه.

نعم ، تترجّح الاولى بالخلوّ عن المعارض الأخصّ ولا كذلك الثانية ، لأنّ صحيحة أبي بصير المذكورة الناصّة على عدم التحرّك أخصّ مطلقا من الثانية ، فيخصّص عموم مناطيقها بما إذا حصل مع خروج الدم ، كما هو الغالب ، ولازمه اختصاص مفاهيمها ، لأنّ المفهوم تابع للمنطوق. وحينئذ فتبقى الأخبار الأولى بلا معارض ، إلاّ أنّه يخدشها : أنّ اللفظ الوارد في صحيحة أبي بصير ليس صريحا في النهي ، لاحتمال الخبريّة ، وحينئذ لا تكون الصحيحة معارضة للأخبار الثانية في الحكم.

وقد ظهر ممّا ذكر أنّ الصواب ترك الكلام في تضعيف ظهور دلالة تلك الأخبار أو تخصيصها ، والرجوع إلى ما يقتضيه تعارضهما ، كما فعله أرباب القولين الأخيرين ، فنقول : إنّ ما ذكره أهل القول الثالث ـ من الرجوع إلى الأصل ـ تماميّته تتوقّف على فقد المرجّح لأحد الطرفين أولا ، وصحّة أصل الحرمة ثانيا ، وكلاهما ممنوعان.

أمّا الأول : فلأنّ من المرجّحات المنصوصة : الشهرة رواية ، وهي مع الأخبار الاولى في الجملة وإن لم تكن بمرتبة توجب الحكم البتّة ، فتأمّل.

وأمّا الثاني : فلما عرفت مرارا من أنّ الأصل ـ بعد ذكر اسم الله ، سيّما مع الذبح أو النحر ـ مع الإباحة.

وما ذكره أصحاب القول الرابع من الرجوع إلى القاعدة ـ التي هي التخيير ـ وإن كان صحيحا ، إلاّ أنّ في كون مقتضى التخيير ـ الذي هو القاعدة عند التعارض وفقد المرجّح ـ الاكتفاء بأحد الأمرين ، خفاء ، إلاّ أنّه‌

٤٢٢

إن كان كذلك ثبت مطلوبهم ، وإلاّ فيكون التخيير بالمعنى الآخر منفيّا هنا قطعا ، للإجماع ، فيبقى الرجوع إلى الأصل ، وهو كما عرفت مع الإباحة.

فإذن الأقوى هو القول الرابع ، وعليه الفتوى.

فروع :

أ : المستفاد من الأخبار المتقدّمة كفاية واحدة من الحركات الثلاث أو الأربع‌ ، من طرف العين ، أو حركة الاذن ، أو الرجل ، أو الذنب ، فعليها العمل ، ولا تنافيها رواية ليث المتضمّنة للفظة « الواو » المقتضية للجمع ، لأنّ الموضوع فيها خير الذكاة دون مطلقها.

ب : اللازم في تلك الحركات حركة الحيّ ، فلا تفيد غيرها ـ كالتقلّص ونحوه ـ للإجماع ، ولأنّها المتبادر من حركة الحيوان ، سيّما إذا أضيفت الحركة إليه ، كما في روايتي أبان ورفاعة.

ج : المصرّح به في كلام جماعة ـ منهم : المحقّق الأردبيلي (١) ، وبعض مشايخنا عطّر الله مراقدهم ـ أنّ كون هذه الحركة أو الدم أو كليهما ـ على اختلاف الأقوال ـ علامة للحلّ إنّما هو فيما اشتبهت حياته وموته‌ ، فلو علمت حياته قبل الذبح ، فذبح ولم يوجد شي‌ء منها ، يكون حلالا ، لأنّه قد علمت حياته وذبح على الوجه المقرّر ، وإن علم موته وذبح ووجد بعض هذه العلامات لم يحلّ ، وهو كذلك.

وقد صرّح في رواية أبان بأنّ الرجوع إلى العلامات عند الشكّ في الحياة ، ويشعر به أيضا قوله : فقد أدركته وأدركت ذكاته ، في روايتي‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ١٢٢.

٤٢٣

البصري وعبد الله بن سليمان.

ويدلّ على أنّ المعلوم حياته لا يحتاج إلى وجود العلامات : ما دلّ على كفاية الحياة في التذكية ، كقوله في صحيحة محمّد بن قيس الواردة فيما أخذت بالحبالة : « وكلوا ما أدركتم حياته وذكرتم اسم الله عليه » (١).

وفي موثّقة البصري : « وما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمَّ كل منه » (٢).

وعلى أنّ المعلوم موته لا يفيد فيه وجود العلامات : عمومات حرمة الميتة وإطلاقاتها (٣).

وقوله في رواية أبي بصير الواردة في البعير الممتنع : « إلاّ أن تدركه ولم يمت بعد فذكّه » (٤).

هذا ، مع أنّ الحكم في المقامين إجماعي ، ومع ذلك ، الفرض الذي ذكر فيهما فرض نادر إن لم نقل بأنّه محال عادي ، ولا يلتفت إلى مثله في الاستدلال بالأخبار.

د : محلّ الحركة التي بها تعرف الحلّية هل هو قبل الذبح ، أو بعده؟

صرّح في المسالك بالثاني (٥) ، ونسب بعضهم إلى الأصحاب كافّة (٦) ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٤ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ أبواب الصيد ب ٢٤ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٤ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٧ ـ ١٥٥ و ١٥٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ أبواب الصيد ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢٤ : ٩٩ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢١ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٥.

(٥) المسالك ٢ : ٢٢٧.

(٦) الرياض ٢ : ٢٧٤.

٤٢٤

وعن الغنية ادّعاء إجماع الإماميّة عليه (١) ، وهو ظاهر صحيحة أبي بصير ، حيث قال : تذبح فلا تتحرّك (٢).

ويمكن استفادته من صحيحة محمّد الحلبي ورواية رفاعة أيضا ، حيث قال : « إذا تحرّك .. فهو ذكي » (٣).

ولو أراد الحركة القبليّة لكان يقول : يقبل الذكاة.

إلاّ أنّ ظاهر روايتي أبان وعبد الله بن سليمان (٤) كفاية القبليّة.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ غاية ما تدلاّن عليه : أنّه إذا تحرّك قبل التذكية يقبلها ، وأمّا توقّف الحلّية بعدها على حركة أخرى بدليل آخر فلا ينافي ذلك أصلا ، فتأمّل.

المسألة الرابعة : اشتهر بين جماعة من المتأخّرين ـ منهم : المحقّق في الشرائع والفاضل تبعا للشيخ ـ اشتراط استقرار حياة الذبيحة قبل الذبح (٥) ، وفسّر في الشرائع الحياة المستقرّة ـ التي شرطها ـ بالتي يمكن أن يعيش مثلها اليوم والأيّام.

وظاهر عبارات القدماء عدم اعتباره ، حيث لم يذكروه ولم يتعرّضوا له ، وهو ظاهر المحقّق في النافع والشهيدين والصيمري (٦) ومعظم متأخّري‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٢) المتقدّمة في ص : ٤١٩.

(٣) المتقدّمتين في ص : ٤١٩.

(٤) المتقدّمتين في ص : ٤١٩.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٠٧ ، الفاضل في القواعد ٢ : ١٥٥ ، والتحرير ٢ : ١٥٩ ، الشيخ في المبسوط ٦ : ٢٧٥.

(٦) النافع : ٢٤٩ ، الشهيد في الدروس ٢ : ٤١٥ ، الشهيد الثاني في الروضة ٧ : ٢٢٧ ، وحكاه عن الصيمري في الرياض ٢ : ٢٧٥.

٤٢٥

المتأخّرين (١) ، بل نقل عن نجيب الدين يحيى بن سعيد أنّه قال : إنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب ولم ينقل للمشترطين له حجّة قابلة للتعويل عليها (٢).

واستدلّ بعضهم له بأنّ ما لا تستقرّ حياته قد صار بمنزلة الميتة.

وبأنّ إسناد موته إلى الذبح ليس بأولى من إسناده إلى السبب الموجب لعدم استقرارها ، بل السابق أولى ، فصار كأنّ هلاكه بذلك السبب ، فيكون ميتة (٣).

وزاد بعض آخر ، فقال باعتضاد ما ذكر بأصالة الحرمة ، واختصاص الإطلاقات كتابا وسنّة بحلّ المذكّى ـ بحكم التبادر والغلبة ـ بما له حياة مستقرّة (٤).

ويردّ الأول : بمنع صيرورته بمنزلة الميتة في عدم قبول التذكية ، وليس هو غير المصادرة والاجتهاد في مقابلة ظواهر الكتاب والسنّة.

ويردّ الثاني أيضا من جهة أنّ مقتضى النصوص سببيّة ذبح الحي لحلّيته وإن مات بعده بسبب آخر.

سلّمنا ، غايته اشتراط عدم العلم باستناده إلى غير الذبح ، وهو في المقام حاصل ، مع أنّه قد يعلم استناده إلى خصوص الذبح ، كما إذا كانت الحياة الغير المستقرّة ممّا يعلم معها بقاؤه وتعيّشه ، أو يظنّ ذلك ساعة أو ساعتين ، فيذبح بحيث يعلم أنّه عجّل في إزهاق روحه.

__________________

(١) كالمحقق السبزواري في الكفاية : ٢٤٨ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٠١ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٧٥.

(٢) حكاه عنه في الدروس ٢ : ٤١٥ ، والمفاتيح ٢ : ٢٠٢.

(٣) كما في المسالك ٢ : ٢٢٩.

(٤) كصاحب الرياض ٢ : ٢٧٥.

٤٢٦

وكأنّه إنّما دعاه إلى الاستدلال بهذا الدليل : النصوص الواردة في الصيد الذي سقط من جبل أو وقع في ماء قبل زهوق روحه فمات ، حيث إنّها حكمت بعدم أكله (١).

ولقائل أن يقول : إنّ ثبوته في الاصطياد لا يستلزم ثبوته في الذبح أيضا ، فإنّه يمكن أن تكون التذكية الصيديّة هي ما يخرج روحه بالاصطياد وليس غيره اصطيادا مع الحياة ، ولا كذلك التذكية الذبحيّة ، بل المعتبر فيها قطع الأوداج مع الحياة بالشرائط من أيّ سبب كان خروج الروح.

ولذا فرّق بينهما في الروايات أيضا ، فحكمت بحرمة الصيد المذكور بخلاف الذبحيّة ، بل حكمت فيها بالحلّية كما في صحيحة زرارة : « إن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك أو جبل إذا كنت قد أجدت الذبح فكل » (٢).

وهل هذا من الشارع إلاّ التفرقة بين الصيد والذبح؟! وهذا ظاهر جدّا ، ويؤكّد ذلك ما يأتي من اختلافهم في حلّية الذبيحة التي أبين رأسها قبل خروج روحها ، فإنّ إبانة الرأس أقوى سبب في خروج الروح ، مع أنّ من حكم فيها بالحرمة استند لها بالخبر الناهي عن أكله ، لا باستناد الموت إلى الإبانة.

ويردّ الثالث : بمنع أصالة الحرمة ، بل الأصل مع الحلّية ، كما ذكرناه غير مرّة.

والرابع : بمنع تبادر ما تستقرّ حياته وغلبته بحيث تنصرف الإطلاقات‌

__________________

(١) كما في الوسائل ٢٣ : ٣٧٨ أبواب الصيد ب ٢٦.

(٢) التهذيب ٩ : ٥٨ ـ ٢٤١ ، تفسير العياشي ١ : ٢٩١ ـ ١٦ ، الوسائل ٢٤ : ٢٦ أبواب الذبائح ب ١٣ ح ١.

٤٢٧

إليها ، مع أنّ من نصوص الحلّية بالذبح ما هو ظاهر أو صريح في غير مستقرّ الحياة أو الغالب فيه ذلك.

منها : صحيحة زرارة المتقدّمة آنفا.

ومنها : الأخبار المذكورة في المسألة الثالثة المكتفية بطرف العين أو ركض الرجل أو حركة الاذن أو الذنب ، فإنّ الاعتبار بهذه الحركات الجزئيّة إنّما يكون غالبا فيما لا حياة مستقرّة له ، سيّما بضميمة قوله : « فقد أدركت ذكاته ».

مع أنّ رواية أبان وردت فيما شكّ في حياته (١) ، ولا ريب أنّ الشكّ لا يكون مع الحياة المستقرّة ، وإن كان فهو نادر شاذّ جدّا.

ورواية الحسن بن مسلم واردة في المضروبة بالفأس بحيث سقطت وشكّ في قبولها الذبح (٢) ، ولا شكّ أنّ الحياة في مثلها غير مستقرّة دائما أو غالبا.

ومنها : بعض الأخبار الواردة فيما أخذته الحبالة وأنّها إذا قطعت منه شيئا لا يؤكل ، وما يدرك من سائر جسده حيّا يذكّى ويؤكل (٣) ، فإنّه لو لم يكن الغالب في المأخوذ بالحبالة المنقطع بعض أجزائه الحياة الغير المستقرّة فلا شكّ في عدم غلبة المستقرّة ولا تبادرها.

ومنها : الأخبار الواردة في وجوب ذبح ما يدرك حياته من الصيود ، فإنّ الغالب فيها لو لم يكن عدم الاستقرار ليس الاستقرار قطعا ، بل في بعضها إشعار بعدمه ، كرواية أبي بصير المتضمّنة لقوله : « فإن عجّل عليك‌

__________________

(١) تقدّمت في ص : ٤١٩.

(٢) تقدّمت في ص : ٤٢٠.

(٣) الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ أبواب الصيد ب ٢٤.

٤٢٨

فمات قبل أن تذكّيه فكل » (١) ، فإنّ التعجيل مشعر بعدم كونه مستقرّ الحياة.

ومنها : رواية أبي بصير الواردة في البعير الممتنع المضروب بالسيف أو الرمح بعد التسمية ، وقوله : « فكل إلاّ أن تدركه ولم يمت بعد فذكّه » (٢) ، فإنّ الظاهر فيه رفع استقرار الحياة بالضرب بالسيف أو الرمح.

ومنها : الأخبار الواردة فيما قطع بالسيف أو المعراض قطعتين ، المجوّزة لأكل الأكبر أو ما يلي الرأس أو المتحرّك من القطعتين ، أي بعد التذكية الذبحيّة (٣) ، وظاهر أنّ الغالب في مثل ذلك عدم استقرار الحياة.

ومنها : الأخبار الواردة في النطيحة والمتردّية وما أكل السبع والموقوذة (٤) ، المصرّحة بأنّها لا تؤكل إلاّ مع التذكية ، مع أنّ الغالب فيها عدم استقرار الحياة.

بل منها ما هو ظاهر فيه ، وهو صحيحة زرارة : « كل من كلّ شي‌ء من الحيوان ، غير الخنزير والنطيحة والمتردّية وما أكل السبع ، وهو قول الله عزّ وجلّ ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (٥) فإن أدركت شيئا منها وعين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله » (٦).

وقوله : « والنطيحة » معطوف على الحيوان أو كلّ شي‌ء ، فإنّ الحكم‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٨ ـ ١١٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤١ أبواب الصيد ب ٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢١ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٥.

(٣) انظر الوسائل ٢٣ : ٣٨٦ أبواب الصيد ب ٣٥.

(٤) الموقوذة : هي المضروبة حتى تشرف على الموت ثمَّ تترك حتى تموت وتؤكل بغير ذكاة ـ مجمع البحرين ٣ : ١٩٢.

(٥) المائدة : ٣.

(٦) التهذيب ٩ : ٥٨ ـ ٢٤١ ، تفسير العياشي ١ : ٢٩١ ـ ١٦ ، الوسائل ٢٤ : ٣٧ أبواب الذبائح ب ١٩ ح ١.

٤٢٩

بإدراك ذكاة المذكورات بهذه الحركات الجزئيّة دالّ على عدم الحياة المستقرّة ، بل ما ورد في تفسير هذه الألفاظ صريح في عدم اعتبار استقرار الحياة.

ومنه تظهر دلالة الاستثناء بقوله عزّ شأنه ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) على ذلك أيضا ، سيّما بضميمة ما في المجمع عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ قوله : ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) يرجع إلى جميع ما تقدّم ذكره من المحرّمات ، سوى ما لا يقبل الذكاة من الخنزير والدم (١).

ومنه تظهر دلالة الكتاب والسنّة المتواترة معنى على عدم اشتراط استقرار الحياة ، فالمسألة بحمد الله واضحة غاية الوضوح.

والذي يختلج ببالي أنّه قد اختلط الأمر في ذلك المقام على بعضهم ، وذلك لما قد أشرنا إليه في مسألة تذكية الصيد المدرك ذكاته ، من أنّ المراد بعدم استقرار الحياة : صيرورتها في شرف الزوال وشروعها في الخروج.

ولا يبعد أن يكون ذلك مرادهم من قولهم : لا يمكن أن يعيش اليوم والأيّام ، فإنّه ما لم يشرع في الخروج لا يمكن الحكم بعدم الإمكان ، والصيد الذي صار كذلك بالاصطياد يصدق عليه أنّه مقتول الآلة ، سيّما إذا ترك حتى خرج تمام روحه.

ومن يحكم بلزوم الذبح حينئذ فليس نظره إلاّ إلى بعض الأخبار كما مرّ ، ومن لم يعتبر هذه الأخبار حكم بعدم لزوم الذبح حينئذ ، واشترط في لزوم ذبح الصيد الحياة المستقرّة لما ذكرنا ، فاختلط الأمر على غيره ، وآل الأمر إلى أن تعدّى بعضهم إلى الذبيحة من غير استبصار ، والله العالم.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ١٥٨.

٤٣٠

المسألة الخامسة : هل يشترط في حلّية الذبيحة أو أجزائها ـ بعد وقوع الذبح عليها حيّا ـ خروج روحها بذلك الذبح‌ ، فلو خرج روحها بعد الذبح بسبب آخر أو شكّ في ذلك لا يحلّ ، أو لا يشترط فيحلّ؟

كلامهم في ذلك المقام لا يخلو عن اضطراب واختلاف.

قال المحقّق في الشرائع في مسألة ما إذا قطع بعض الأعضاء وأرسله ثمَّ استأنف قطع الباقي : هل يحلّ أو يحرم؟ ويمكن أن يقال : يحلّ ، لأنّ إزهاق الروح بالذبح لا غير (١).

ظاهر تعليله : أنّه يشترط في الحلّية كون إزهاق الروح بالذبح.

وقال الشهيد الثاني في مسألة ما إذا أخذ الذابح في الذبح والآخر في انتزاع الحشو معا وبيان وجه حكم المصنّف بالحرمة وأنّه عدم العلم بسبب الموت : هذا إذا اعتبرنا استقرار الحياة ، وإلاّ كفى في حلّه الذبح أو ما يقوم مقامه وإن تعدّد سبب الإزهاق (٢).

وظاهر ذلك الكلام عدم اشتراط استقلال الذبح ولا العلم بكونه سببا للإزهاق.

وقال في مسألة إبانة الرأس قبل الموت بعد حكمه بتحريم الفعل وحلّية الذبيحة ردّا على من حرّمها لأنّه كما إذا مات بقطع عضو من أعضائه : ويضعّف بأنّ قطع الأربعة قد حصل فحصل الحلّ به ، ولا يلزم من تحريم فعل الزائد تحريم الذبيحة (٣).

فإنّ مقتضى كلامه حصول الحلّ بقطع الأعضاء الأربعة مطلقا ولو كان‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٠٩.

(٢) المسالك ٢ : ٢٣١.

(٣) المسالك ٢ : ٢٢٧.

٤٣١

الموت مستندا إلى إبانة الرأس ، التي هي غير الذبح ، بل فعل محرّم.

وقال المحقّق الأردبيلي في مسألة قطع بعض الأعضاء أولا ثمَّ قطع الباقي بعد نقل الحلّية عن الفاضل والحرمة عن الشهيد : إن اعتبر إزالة الحياة المستقرّة بقطع الأعضاء الأربعة ـ كما هو الظاهر ـ ينبغي التحريم ، وإن لم يعتبر ، بل المعتبر قطع الجميع وإزالة الحياة ، حلّ (١).

وظاهر ذلك الترديد في لزوم استناد الموت إلى قطع الأعضاء الأربعة وكذا ظاهر كلّ من يقول بكراهة إبانة الرأس قبل الموت أو حرمتها مع حلّ الذبيحة عدم اشتراط الاستناد إلى الذبح ، إذ لا شكّ أنّ تمام الروح يخرج بالإبانة.

وكذا كلامهم في كراهة العضو المقطوع قبل الموت ، بل كلّ من يقول بعدم اشتراط استقرار الحياة ظاهره عدم الاشتراط ، لأنّ بعد عدم استقرارها لا يعلم استناد خروج الروح إلى الذبح.

وكيف كان ، فالظاهر عدم الاشتراط ، للأصل ، والإطلاقات ، وصحيحة زرارة المتقدّمة (٢) ، الواردة في الذبيحة الواقعة في النار أو الماء أو من البيت أو الجبل ، ونحوها روى العيّاشي في تفسيره.

والمرويّ في الدعائم : عن ذبيحة تتردّى بعد أن تذبح من مكان عال ، أو تقع في ماء ، أو في نار ، فقال : « إن كنت قد أجدت الذبح وبلغت الواجب فيه فكل » (٣).

بل كثير من الأخبار المتقدّمة في المسألة السابقة ، من المتضمّنة‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ١١٠.

(٢) في ص : ٤٢٧.

(٣) الدعائم ٢ : ١٧٩ ـ ٦٤٩ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣٧ أبواب الذبائح ب ١١ ح ١.

٤٣٢

للمضروبة بالفأس والمشكوك حياته والنطيحة وأخواتها ، فإنّ الغالب فيها عدم العلم بسبب خروج الروح من السبب السابق أو اللاحق أو الذبح.

نعم ، في رواية حمران بن أعين الواردة في الذبيحة : « فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه ، فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح » (١).

ولكنّها ـ مع معارضتها لما هو أصحّ منها سندا ، كما مرّ ـ قاصرة عن إفادة الحرمة ، لمكان احتمال الجملة الخبريّة ، ولذا احتمل المحقّق الأردبيلي حملها على الكراهة أو على ما إذا لم يقطع الأعضاء الأربعة.

ولعلّ الحمل الأخير ـ باعتبار المعارضة مع صحيحة زرارة ، وأخصّيتها باعتبار قوله : « وأجدت الذبح » ـ أولى.

وبالجملة : الظاهر عندي عدم الإشكال في المسألة ، وأنّ القدر الواجب هو ورود الذبح على الحيّ بأحد الحياتين ، ومعه تحلّ الذبيحة إمّا مطلقا ، أو بعد خروج الروح عنه كيف كان.

نعم ، يحصل الإشكال فيما لو ورد السببان المستقلاّن لإزهاق الروح ، أحدهما الذبح ، والآخر غيره ، كإخراج ما في الحشو في زمان واحد.

ثمَّ ما ذكرناه إنّما هو على سبيل الأصل ، فلا ينافيه ما لو ثبتت الحرمة في مورد خاصّ بدليل ، كما يأتي في إبانة الرأس ، أو سلخ الذبيحة ، أو قطع جزء من الذبيحة قبل موتها.

المسألة السادسة : قد ظهر ممّا ذكر في المسألة السابقة وفي مسألة عدم اشتراط استقرار الحياة : عدم اشتراط كون الذبح سببا مستقلا في إزهاق الروح.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢٦ أبواب الذبائح ب ١٣ ح ٢.

٤٣٣

المسألة السابعة : هل يشترط في حلّية الذبيحة خروج روحها ، أم لا ، بل تحل بمجرد قطع الأوداج بالشرائط ولو لم يخرج روحها بعد ، فيجوز قطع جزء منها وإبانة رأسها قبل موتها وأكلها؟

ذهب الشيخ في النهاية والقاضي وابنا حمزة وزهرة إلى الاشتراط (١) ، حيث حكموا بحرمة أكل ما قطع منها من الأجزاء والرأس قبل الموت.

وذهب الشيخ في الخلاف والحلّي والراوندي والفاضلان والشهيد الثاني في المسالك وصاحب الكفاية (٢) وجمع آخر من المتأخّرين (٣) إلى عدم الاشتراط ، ونسبه الأخيران وشارح المفاتيح إلى الأكثر ، بل عن الخلاف ادّعاء إجماع الصحابة عليه.

وهو الحق ، لإطلاقات الكتاب والسنّة ، والنصوص المجوّزة لأكل ما قطع رأسه قبل الموت ، حيث إنّ الرأس أيضا جزء مقطوع قبل خروج الروح ، فلو اشترط الموت في الحلّية لم يكن حلالا.

ومن تلك النصوص : صحيحة الحلبي : عن رجل ذبح طيرا فيقطع رأسه ، أيؤكل منه؟ قال : « نعم ، ولكن لا يتعمّد قطع رأسه » (٤).

وصحيحة الفضيل : عن رجل ذبح فسبقه السكّين فقطع رأسه ، فقال : « هو ذكاة وحيّة لا بأس به وبأكله » (٥).

__________________

(١) النهاية : ٥٨٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤٤٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٢) الخلاف ٢ : ٥٣١ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٠٨ ، المحقق في الشرائع ٣ : ٢٠٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ١٥٥ ، المسالك ٢ : ٢٢٧ ، الكفاية : ٢٤٧.

(٣) كفخر المحققين في الإيضاح ٤ : ١٣٧ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٠٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٠٩ ـ ٩٦٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٨ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٠ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٥٩ ، التهذيب ٩ : ٥٥ ـ ٢٢٩ ، الوسائل

٤٣٤

وصحيحة محمّد : عن مسلم ذبح شاة فسبقه السكّين بحدّتها فأبان الرأس ، فقال : « إن خرج الدم فكل » (١).

ورواية سماعة ، وفيها : « لا بأس به إذا ذكر اسم الله عليه » وقال : « لا بأس إذا سال الدم » (٢).

والمرويّ في الدعائم عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام : عمّن نخع الذبيحة قبل أن تموت ـ يعني كسر عنقها ـ فقال : « قد أساء ولا بأس بأكلها » (٣).

حجّة المشترطين : مرفوعة محمّد بن يحيى : « إذا ذبحت الشاة وسلخت أو سلخ شي‌ء منها قبل أن تموت لم يحلّ أكله » (٤).

ورواية مسعدة : عن الرجل يذبح فيسرع السكّين فيبين الرأس ، فقال : « الذكاة الوحيّة لا بأس بأكله إذا لم يتعمّد ذلك » (٥).

وصحيحة محمّد : « ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما ذبح » (٦).

__________________

٢٤ : ١٧ أبواب الذبائح ب ٩ ح ١ ، والوحيّ بتشديد الياء : السريع ـ مجمع البحرين ١ : ٤٣٢.

(١) الكافي ٦ : ٢٣٠ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٦٠ ، التهذيب ٩ : ٥٥ ـ ٢٣٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٧ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٦١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٤ ، صدر الرواية غير موجود في المصدر.

(٣) الدعائم ٢ : ١٧٥ ـ ٦٣٢ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣٤ أبواب الذبائح ب ٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٠ ـ ٨ ، التهذيب ٩ : ٥٦ ـ ٢٣٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٧ أبواب الذبائح ب ٨ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٠ ـ ٣. التهذيب ٩ : ٥٦ ـ ٢٣١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٣.

(٦) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٦٠ ـ ٢٥٢ ، الوسائل ٢٤ : ٢٩ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٢.

٤٣٥

والجواب عن الاولى : أنّ تماميّة دلالتها إنّما هي إذا كان السلخ بمعنى القطع ، أو الضمير في : « أكله » راجعا إلى الجلد الذي انفصل بالسلخ ، وإلاّ لا يتم ، إذ لا وجه لحرمة الشاة أو الجزء المسلوخ بمجرّد السلخ ، الذي هو أعمّ ممّا يوجب موت الشاة أو الجزء.

هذا ، مع معارضتها مع الأخبار السابقة المبيحة للرأس والذبيحة بإبانة الرأس قبل الموت ، فيرجع إلى الأصل.

وبذلك يجاب عن الرواية الثانية ، فإنّها معارضة ـ سيّما مع رواية سماعة ـ بالعموم من وجه ، فالمرجع الأصل.

وقد ظهر من ذلك عدم حرمة الذبيحة ولا الجزء المقطوع لو أبين الرأس ، أو قطع الجزء قبل الموت.

وهل يجوز أصل الفعل أو يحرم؟

في كلّ واحد من الرأس والجزء قولان :

فالأول في الأول : للخلاف والحلّي والفاضلين (١) وغيرهم (٢) ، ونفى الحلّي عنه الخلاف بين المحصّلين.

والثاني فيه : للإسكافي والمفيد وابن حمزة والقاضي والشيخ في النهاية والفاضل في المختلف والشهيدان (٣) وغيرهما (٤).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٥٣١ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٠٨ ، المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٠٦ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ١٥٩.

(٢) كالشهيد في الدروس ٢ : ٤١٥ ، والفيض في المفاتيح ٢ : ٢٠٣.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٨٠ ، المفيد في المقنعة : ٥٨٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٠ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠ ، النهاية : ٥٨٤ ، المختلف : ٦٨٠ ، الشهيد في الدروس ٣ : ٤١٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٧.

(٤) كفخر المحققين في الإيضاح ٤ : ١٣٧.

٤٣٦

والأول في الثاني : للحلّي والمحقّق (١) وعامّة من تأخّر (٢) ، بل الأكثر.

والثاني : للنهاية والقاضي وابني حمزة وزهرة (٣) وبعض آخر (٤).

والحقّ في كلّ منهما : الأول ، للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة ، أمّا في الجزء فظاهر ، وأمّا في الرأس فلأنّ ما يظنّ تعارضه منحصر في صحيحتي الحلبي ومحمّد الأخيرة ـ وهما لمقام الجملة الخبريّة عن إفادة الحرمة قاصرتان ـ ورواية الدعائم المذكورة ، والأخرى : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن أن تسلخ الذبيحة أو يقطع رأسها حتى تموت (٥). وهما ـ لمكان الضعف الخالي عن الجابر ـ عن صلاحيّة المعارضة عاجزتان.

__________________

(١) الحلي في السرائر ٣ : ١١٠ ، المحقق في الشرائع ٣ : ٢٠٥.

(٢) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ١٥٥ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٠٣ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٧٦.

(٣) النهاية : ٥٨٤ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٤) كالشهيد في الدروس ٢ : ٤١٥.

(٥) الدعائم ٢ : ١٧٥ ـ ٦٣٠ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣٤ أبواب الذبائح ب ٦ ح ١.

٤٣٧

الفصل الخامس

فيما تقع عليه الذكاة

وفيه مقدّمة ومسائل.

المقدّمة :

اعلم أنّ الحيوانات على قسمين : مأكول اللحم وغيره ، وغير مأكول اللحم على قسمين : نجس العين وغيره ، وغير نجس العين على قسمين : آدمي وغيره ، وغير الآدمي على قسمين : مالا نفس سائلة له وماله نفس ، والأخير باعتبار الخلاف في قبول التذكية وعدمه على أربعة أقسام : السباع والمسوخات والحشرات وغيرها.

ثمَّ المراد بالتذكية في مأكول اللحم الذي لا نفس له ـ كالسمك والجراد ـ : ما يصير به جائز الأكل بعد عدم جوازه ، وفي مأكول اللحم الذي له نفس : ما يصير به جائز الأكل ويبقى على طهارته الحاصلة له في الحياة ، وفي غير المأكول الذي له نفس : ما يبقى معه على طهارته ، وفيما لا نفس له منه لا يظهر لها أثر فيه ، لأنّه طاهر ذكّي أم لم يذكّ.

ثمَّ الأصل في القسم الأول ـ وهو مأكول اللحم ـ وقوع التذكية عليه ، لأنّه مقتضى كونه مأكول اللحم ، وللإجماع ، ولقوله سبحانه ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (١) وقوله ( فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) (٢) ، ولإطلاقات الأخبار الواردة في الصيود والذبائح ، وهي غير محصورة جدّا.

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) الأنعام : ١١٨.

٤٣٨

والقسم الأول من القسم الثاني ـ وهو نجس العين ـ لا يقبل الذكاة إجماعا ، فهو الأصل فيه ، ويدلّ عليه ـ مع الإجماع ـ استصحاب النجاسة.

وكذا القسم الأول من القسم الثالث ـ أيّ الآدمي ـ فإنّ عدم وقوع التذكية عليه إجماعي ، بل ضروري.

وأمّا القسم الأول من الرابع ـ وهو ما لا نفس له من غير المأكول ـ فقد عرفت أنّه لا معنى للتذكية فيه.

فبقي الكلام في الأربعة الأخيرة من جهة الأصل.

فنقول : الأصل في بادئ النظر في الجميع قبول التذكية ، إذ عرفت أنّ التذكية إنّما هي ما تبقى معه الطهارة ، ومقتضى الأصل والاستصحاب بقاؤها إلاّ فيما علم فيه ارتفاعها ، وليس هو إلاّ ما لم تقع عليه التذكية ، أي الصيد أو الذبح مع شرائطهما المقرّرة ، فكلّ حيوان ممّا ذكر صيد أو ذبح كذلك يكون طاهرا بالاستصحاب ، فيكون مذكّى ، وهو المراد بقبول التذكية.

فإن قيل : التذكية أمر توقيفيّ شرعيّ موقوف على توقيف الشارع في كيفيّته وأثره ومورده ، فكلّما وقع فيه الشكّ من هذه الأمور فالأصل عدمه ، وهذا الأصل وإن عارضه أصل الطهارة ولكن تعارضهما من باب تعارض الاستصحابين ، اللذين أحدهما مزيل للآخر ولا عكس ، فإنّ عدم التذكية رافع للطهارة ، بخلاف الطهارة ، فإنّها ليست سببا للتذكية ، كما بيّن تحقيقه في الأصول ، ولازم ذلك تقديم أصالة عدم التذكية.

قلنا : أصالة عدم التذكية بذلك المعنى وإن كان مقدّما على أصالة الطهارة ولكن الكلام في كون عدم التذكية أصلا هنا ، وهو ممنوع ، وذلك لأنّا لا نقول : إنّ الطهارة هنا أمر يتوقّف حصوله على تذكية جعليّة من الشارع. بل نقول : إنّ الطهارة الحاصلة أمر محكوم ببقائها ، إلاّ إذا علم‌

٤٣٩

المزيل ، ولم يعلم إلاّ مع الموت حتف أنفه ، أو الموت بدون الصيد أو الذبح المقرونين بالأمور المعهودة من الاستقبال والتسمية ، ومع أحد الأمرين لا يعلم ارتفاع الطهارة ، فيحكم ببقائها من غير حاجة إلى جعل من الشارع وتأثير من ذلك الجعل.

والحاصل : أنّ مع هذه الأعمال المعيّنة المقطوع حصولها لا دليل على ارتفاع الطهارة.

فإن قيل : عمومات نجاسة الميتة تدلّ على ارتفاعها ، خرج ما اقترن بما جعله الشارع مطهّرا ، فيبقى الباقي.

قلنا : هذا إذا سلّمنا كون ذلك ميتة لم لا يجوز أن تكون الميتة هي ما خرج روحه حتف أنفه؟! هذا غاية ما يمكن أن يقال في ذلك المقام ، ولكنّ الإنصاف أنّه لا يخلو عن جدل واعتساف ، لأنّ الظاهر أنّه انعقد الإجماع القطعيّ على أنّ التذكية المبقية للطهارة ـ المانعة عن حصول النجاسة ، المخرجة للمذكّى عن مصداق الميتة ـ هي التي اعتبرها الشارع ورتّب عليها تلك الآثار ، وأنّ إبقاءها ومنعها موقوف على اعتبار الشارع إيّاها آثارا وأجزاء وشرائط وموردا ومحلاّ خصوصا أو عموما أو إطلاقا ، وما لم يتحقّق فيه اعتباره وملاحظته وجوده كعدمه ، ومع عدمه يكون المورد ميتة ، ومعها يكون نجسا.

ويظهر من ذلك أنّ الأصل في جميع الموارد عدم قبول التذكية إلاّ بدليل شرعي عامّ أو خاصّ ـ كما في مأكول اللحم ـ فيحكم في كلّ مورد بأصالة عدم قبوله التذكية إلاّ بدليل.

وإذ عرفت أنّ الأقسام التي يراد معرفتها من جهة ورود التذكية وعدمه أربعة : السباع والمسوخات والحشرات وغيرها ، فنبيّن أحكامها في أربعة‌

٤٤٠