مستند الشّيعة - ج ١٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٩٠

يخالف الأصل ، وصدق الذبح العرفي بقطع الحلقوم خاصّة ، وإطلاق منطوق صحيحة الشحّام السالفة ـ التي هي أصحّ ما وصل إلينا في ذلك الباب ـ وإطلاق الكتاب والسنّة بحلّ ما تحقّق فيه التذكية.

وحجّة الثاني : أصالة الحرمة ، والإجماع المنقول ، والشهرة ، ومفهوم صحيحة البجلي السابقة التي في صحّتها كلام لمكان إبراهيم بن هاشم وإن لم يلتفت إليه.

أقول : أمّا الأصل فالحقّ فيه مع الأولين ، لأنّه ثبتت على ما ذكرنا أصالة حلّية ما ذكر اسم الله عليه ، ولكن ثبت معه اشتراط شي‌ء آخر لتتحقّق التذكية الشرعيّة ، ولمّا نقول باشتراط قطع الحلقوم فحيث لا نعلم الزائد عليه ننفيه بالأصل.

وإن قلت : هو الذبح كما هو مدلول الأخبار ، فهو إمّا مجرّد قطع الحلقوم كما هو الظاهر ، أو هو أيضا كالتذكية ، فيقتصر فيه على المتيقّن.

ومنه يظهر ضعف الدليل الأول للقول الثاني ، وكذا الثاني والثالث ، لعدم حجّيتهما أصلا ، فبقي الأخير.

وأمّا القول الأول : فدليله الأخير مدخول ، لأنّ الكلام بعد فيما تتحقّق به التذكية.

وأمّا الثلاثة الأول ، فهي وإن كانت تامّة إلاّ أنّها إمّا أصل أو إطلاق يدفع بحسنة البجلي إن كانت دالّة على المطلوب وفارغة عن مكاوحة صحيحة الشحّام ، فاللازم حينئذ التكلّم أولا في دلالة الحسنة ، ثمَّ في حالها مع المعارضة.

فنقول : مفهوم الحسنة ثبوت البأس ـ الذي هو العذاب المثبت للحرمة على الأصحّ ـ بدون فري الأوداج.

٤٠١

ولكن قد يخدش في معنى الفري ، فإنّه بمعنى : الشقّ ، كما هو المحكيّ عن الهروي (١). وقال في القاموس : فرى يفريه شقّه (٢).

وقد يخدش في معنى الأوداج ، هل المراد منه الأربعة ، أو الثلاثة غير الحلقوم ، أو الاثنين غيره وغير المري‌ء؟.

وقد يذبّ عن الأول : بأنّ المستفاد من بعض كتب اللغة تفسيره بما هو ظاهر في القطع.

ويمكن ردّه : بأنّه غير ثابت ، ولو سلّم فمع ما ذكر معارض ، فدلالته على القطع ـ الذي هو المطلوب ـ غير واضحة.

وبأنّ المتبادر من الفري حين يطلق في التذكية هو ما يحصل به القطع بحكم التبادر والغلبة.

ويردّه : أنّه كلام سخيف لا ينبغي الإصغاء إليه ، فإنّه لا يعلم عرف العرب فيه ولا مرادفه من لغاتنا ، وإنّما هو شي‌ء يسبق إلى بعض الأذهان باعتبار ما سمعوا من المتفقّهة من اشتراط القطع في التذكية ، ولا يعلم حال زمان الشارع فيه أصلا.

وبأنّه إن أريد بالأوداج غير الحلقوم فيلزم اشتراط القطع في الحلقوم وكفاية الشقّ في غيره ، ولم يقل به أحد. وإن أريد المجموع فالمراد به في الحلقوم القطع قطعا ، ففي غيره أيضا كذلك ، لئلاّ يلزم استعمال اللفظ في المعنيين. قلنا : للمعترض اختيار الثاني.

وبأنّ الأوداج تشمل المري‌ء أيضا ، وشقّه بدون قطع الودجين غير ممكن ، لأنّهما فوقه ، فثبت اشتراط قطعهما من الحسنة ولو من باب‌

__________________

(١) حكاه عنه في المسالك ٢ : ٢٢٦.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٣٧٦.

٤٠٢

المقدّمة.

ومنه يثبت اعتبار قطع الجميع ، لعدم القول بهذه التفرقة.

وعن الثاني : بأنّ مقتضى الجمعيّة المعرّفة إرادة الجميع إلاّ ما أخرجه الدليل.

أقول : وإن أمكن تخصيص الفري بالقطع ببعض القرائن المذكورة ، إلاّ أنّه ليس بعد بالظهور الذي يطلب في دلالة الألفاظ ، ومع ذلك في صدق الودج على الحلقوم خفاء ومنع ، بل صرّح بعضهم بعدم صدقه عليه ولا على المري حقيقة (١).

وعلى هذا ، فيتعارض مقتضى الجمعيّة مع مقتضى الحقيقة ، وليس أحد التجوّزين أولى ، مع أنّ الجمعيّة تحصل بإدخال المري‌ء أيضا ، فتتعارض الحسنة والصحيحة فيما إذا قطع الحلقوم دون غيره بالعموم من وجه.

ومع ذلك يمكن أن يكون المراد من الحسنة إرادة الحدّة من المروة وإخوتها ، يعني : إذا كانت بحيث تشقّ الودج لا بأس به ، ولكنّه خلاف المعنى الحقيقي ، إذ يصير المعنى : إن كان من شأنه ذلك ، وهو معنى مجازي.

وبالجملة : إثبات المشهور من الحسنة مشكل ، ومقتضى التعارض إمّا التخيير الذي ذكره العماني ، أو الرجوع إلى الأصل ، ولكنّ الظاهر أنّ الأول مخالف للإجماع ، بل لمفهوم الصحيحة ، فيتعيّن الثاني ، فيقوى الاكتفاء بالحلقوم في الذبح ، ولو تعدّى عنه إلى الودجين فلا دليل تامّا على إدخال المري‌ء أصلا.

ومع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط ، والأحوط اعتبار قطع الأربعة ،

__________________

(١) الرياض ٢ : ٢٧٣.

٤٠٣

فتأمّل واحتط.

المسألة الثانية : قيل : محلّ الذبح الحلقوم تحت اللحيين بلا خلاف يظهر ، لأصالة التحريم في غيره ، مع عدم انصراف الإطلاقات إلاّ إلى الحلقوم تحت اللّحيين ، لأنّه المعروف المتعارف ، فيجب حملها عليه ، وفي الصحيح : « لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها » (١). انتهى (٢).

وفي الشرائع : الذبح في الحلق تحت اللحيين (٣).

أقول : الظاهر أنّ تحت اللحيين بيان للحلق أو الحلقوم ، ومقتضاه : أنّه يجب أن يكون قطع الأوداج إنّما هو في الحلق ، أي تحت اللحيين.

وهو كذلك وإن كانت الأدلّة التي ذكرها الأول كلّها مدخولة ، لمنع أصالة الحرمة ، ومنع انصراف الإطلاق من جهة التعارف والعادة بحيث يكون حجّة ، وعدم دلالة الصحيحة ، لأنّ الكلام بعد في تعيين المذبح.

ولكن لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة : « الذبح في الحلق » (٤) ، والحلق تحت اللحيين ، ولا أقلّ من عدم معلوميّة صدقه على غيره.

ولأنّ المأمور به هو الذبح ، وصدقه على قطع الأوداج في غير ما ذكر غير معلوم.

والمعلوم من الحلق أو الحلقوم لغة وعرفا هو العنق ما بين أصل الرأس ومبدأ الصدر ، وهو الوهدة الكائنة تحت الحلق ، وعلى هذا فلو قطع‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٢ أبواب الذبائح ب ٤ ح ١.

(٢) الرياض ٢ : ٢٧٣.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٠٥.

(٤) في ص : ٣٩٩.

٤٠٤

شي‌ء من الذقن أو من الوهدة لم يتحقّق الذبح وإن فرض قطع الأوداج.

المسألة الثالثة : المصرّح به في كلامهم وجوب قطع ما يجب قطعه من الحلقوم أو الأوداج الأربعة كلاّ ، أي قطع تمام كلّ واحد منها ، فلو ترك جلدة يسيرة من واحد منها ولم يقطعها حتى خرج روحه أو زالت حياته المستقرّة عند من يعتبرها حرمت الذبيحة.

وظاهر المحقّق الأردبيلي (١) عدم اعتبار ذلك ، وكفاية قطع البعض الموجب لخروج الروح ، وعدم اشتراط إتمامه بعده.

ولعلّه لصدق الذبح ، وهو كذلك ، إلاّ أنّ صدق القطع المصرّح به في صحيحة الشحّام ـ ولو مع بقاء شي‌ء يسير ـ غير معلوم ، فاعتباره هو الوجه ، ولكنّه مخصوص بالحلقوم ، والإجماع المركّب في أمثال تلك المسائل غير واضح.

واحتمل المحقّق المذكور إرادة المصنّف أيضا اختصاصه بالحلقوم ، ويختصّ أيضا بما إذا لم يتمّه قبل الموت ، وأمّا إذا أتمّه قبله حلّ ولو قلنا باعتبار استقرار الحياة ، كما يظهر وجهه ممّا يذكر في المسألة الآتية.

المسألة الرابعة : تجب متابعة الذبح حتى يستوفي الأعضاء الأربعة قبل خروج الحياة مطلقا ، أو الحياة المستقرّة على القول باعتبارها ، فلو قطع بعض الأعضاء وأرسله ، فانتهى إلى الموت أو إلى حركة المذبوح ، ثمَّ استأنف قطع الباقي ، حرم.

وقيل بالحلّية مع بقاء مطلق الحياة ولو قلنا باعتبار الاستقرار ، لاستناد الإباحة إلى القطعين ، ولأنّه لو أثّر في التحريم لم تحلّ ذبيحة أصلا ولو مع‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ٩٦.

٤٠٥

التوالي ، لانتفاء الحياة المستقرّة بعد قطع البعض لا محالة (١). وهو حسن.

المسألة الخامسة : لا يشترط أن يكون الذبح من القدّام‌ ، للأصل ، والإطلاق ، فلو ذبح ما يذبح من القفاء ، فإذا سرع إلى قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حلّت الذبيحة ، وكذا قبل أن تنتفي حياتها المستقرّة على اعتبارها ، للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة.

وأمّا المرويّ في الدعائم : عن الذبيحة تذبح إن ذبحت من القفاء ، قال : « إن لم يتعمّد ذلك فلا بأس ، وإن تعمّده وهو يعرف سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تؤكل ذبيحته ويحسن أدبه » (٢).

فقاصر عن إثبات الحرمة سندا ودلالة.

ولو شكّ في أنّه هل كان قبل انتفاء الحياة أو تزلزلها يحكم بعدمهما ، للأصل ، والاستصحاب.

المسألة السادسة : لو قطع الأوداج أو واحد منها محرّفا‌ ، فإن كان التحريف بحيث لم يحصل القطع الطولي في عضو ، بل كان بالعرض فقط ، لم يحلّ ، لعدم صدق القطع. وإلاّ حلّ ، للأصل ، وعدم دليل على اشتراط الاستقامة.

المقام الثاني : في بيان محلّ التذكية النحريّة.

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : محلّ النحر : اللّبّة ـ بفتح اللام وتشديد الموحّدة التحتانيّة ـ : أسفل العنق بين أصله وصدره ، ووهدتها : الموضع المنخفض منها ، ويسمّى بالثغرة.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٣١.

(٢) دعائم الإسلام ٢ : ١٨٠ ـ ٦٥٤ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٥٩ أبواب الذبائح ب ٣٨ ح ٦.

٤٠٦

والدليل على أنّها محلّ النحر : الإجماع وصحيحة ابن عمّار المتقدّمة (١).

والنحر : أن يدخل السكّين ونحوها من الآلات الحديديّة في الثغرة من غير قطع الحلقوم.

ودليله : الإجماع ، والمرويّ في الدعائم المنجبر ضعفه : البعير يذبح أو ينحر؟ قال : « السنّة أن ينحر » قيل : كيف ينحر؟ قال : « يقام قائما حيال القبلة ، وتعقل يده الواحدة ، ويقوم الذي ينحره حيال القبلة ، فيضرب في لبّته بالشفرة حتى يقطع ويفري » (٢).

المسألة الثانية : يشترط في الناحر وآلته ما يشترط في الذابح وآلته ، بالإجماع ، وبعض الإطلاقات.

المسألة الثالثة : التذكية بالنحر مخصوصة بالإبل‌ ، وما عداها يذكّى بالذبح ، بلا خلاف ، بل عن الخلاف والغنية والسرائر والشهيد الثاني وغيرهم وفي المفاتيح وشرحه : الإجماع عليه (٣) ، بل هو إجماع محقّق ، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى المستفيضة ، المتضمّنة لإطلاق اسم النحر للإبل والذبح لغيره ، كالأخبار الواردة في الهدي (٤) ، وروايتي أبي بصير (٥) وإسماعيل الجعفي (٦)

__________________

(١) في ص : ٣٩٩.

(٢) الدعائم ٢ : ١٨٠ ـ ٦٥٢ ، والشفرة بالفتح فالسكون : السكين العريض وما عرض من الحديد وحدّد ـ مجمع البحرين ٣ : ٣٥٢ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣٢ أبواب الذبائح ب ٢ ح ٥.

(٣) الخلاف ٢ : ٥٢٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، السرائر ٣ : ١٠٧ ، حكاه عن الشهيد الثاني في الرياض ٢ : ٢٧٤ ، وانظر كشف اللثام ٢ : ٢٥٩ ، المفاتيح ٢ : ٢٠١.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٤٨ أبواب الذبح ب ٣٥.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢١ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٥.

(٦) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٤.

٤٠٧

الواردتين في البعير الممتنع والمتردّي ، والصحيحة (١) والموثّقة (٢) الواردتين في ذبح البقر وإنّ منحوره ليس بذكي ولا يؤكل ، والصحيحتين الواردتين في ذبح الشاة ومطلق الطير.

بل نقول : إنّ إطلاقات الأمر بالذبح كثيرة شاملة لجميع الحيوانات ، خرج منها البعير بما ذكر ، فيبقى الباقي.

والظاهر أنّ الإجماع وعمل الناس وسيرتهم في الأعصار والأمصار ـ بحيث صار ضروريّا لكلّ أحد ـ يكفينا مئونة الاستدلال على ذلك التفصيل.

وما يستفاد من بعض المتأخّرين ـ كالمقدّس الأردبيلي (٣) وصاحب الكفاية (٤) وغيرهما (٥) من عدم قيام دليل صالح على التفصيل ـ من التدقيقات الباردة التي لا ينظر إليها الفقيه.

وممّا ذكرنا ظهر حال الخبر الدالّ على أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحر الفرس (٦) ، فإنّه مخالف للإجماع ، ومع ذلك محمول على التقيّة ، ويشهد له كون بعض رواته من العامّة.

المسألة الرابعة : الواجب اختصاص كلّ حيوان بطريق تذكيته‌ ، فتنحر الإبل ويذبح غيرها ، فلو نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر حرم بالإجماع ، وفي مرسلة الفقيه : « كلّ منحور مذبوح حرام ، وكل مذبوح منحور حرام » (٧).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٨ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢١٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٤ أبواب الذبائح ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢١٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٤ أبواب الذبائح ب ٥ ح ٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٩٨.

(٤) كفاية الأحكام : ٢٤٧.

(٥) كالشهيد الثاني في بعض حواشيه على ما حكاه عنه في الرياض ٢ : ٢٧٤.

(٦) التهذيب ٩ : ٤٨ ـ ٢٠١ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥ ح ٤.

(٧) الفقيه ٣ : ٢١٠ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٤ أبواب الذبائح ب ٥ ح ٣.

٤٠٨

الفصل الرابع

في سائر شرائط الذبح والنحر

وهي أمور تذكر في طيّ مسائل :

المسألة الاولى : من شرائط الذبح والنحر : استقبال القبلة ، إجماعا محكيّا مستفيضا (١) ، ومحقّقا ، وهو الحجّة فيه ، مضافا إلى المستفيضة :

كصحيحة محمّد : « استقبل بذبيحتك القبلة » (٢).

والأخرى : عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجّهها إلى القبلة ، قال : « كل منها » ، قلت له : فإن لم يوجّهها ، قال : « فلا تأكل ، ولا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها » ، وقال عليه‌السلام : « إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة » (٣).

والثالثة : عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة ، فقال : « كل ولا بأس بذلك ما لم يتعمّده » (٤) ، دلّت بالمفهوم على المطلوب.

ومفهوم صحيحة الحلبي : عن الذبيحة تذبح لغير القبلة ، قال :

__________________

(١) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، والمسالك ٢ : ٢٢٦ ، والمفاتيح ٢ : ١٩٩.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ٢٧ أبواب الذبائح ب ١٤ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٦٠ ـ ٢٥٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢٧ أبواب الذبائح ب ١٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٥٩ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ٢٤ : ٢٨ أبواب الذبائح ب ١٤ ح ٤.

٤٠٩

« لا بأس إذا لم يتعمّد » (١).

والمرويّ في الدعائم أنّهما قالا في من ذبح لغير القبلة : « إن كان أخطأ أو نسي أو جهل فلا شي‌ء عليه وتؤكل ذبيحته ، وإن تعمّد ذلك فقد أساء ولا يجب أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمّد خلاف السنّة » (٢).

والأمر في تلك الأخبار محمول على الوجوب الشرطي ، وجعلوا الاستقبال شرطا للحلّية وهو إجماعي ، والإجماع عليه أيضا مصرّح به في كلامهم (٣) ، وهو الدليل عليه ، وإلاّ فإثباته من الأخبار مشكل ، لأنّ المتبادر من الأمر الوجوب الشرعي ، وهو غير مستلزم للحرمة مع ترك المأمور به.

وقوله : « فلا تأكل » في الصحيحة الثانية يحتمل الخبريّة.

نعم ، لو كان المشار إليه ـ في قوله : « بذلك » في الثالثة ـ هو الأكل لدلّت بالمفهوم على ثبوت البأس ـ الذي هو العذاب ـ في أكل ما تعمّد فيه ذلك ، ولكن يحتمل أن يكون إشارة إلى الذبح لغير القبلة.

وكذلك مفهوم جواز الأكل يمكن عدم الجواز بالمعنى الأخصّ.

والظاهر من رواية الدعائم الكراهة ، ولكنها خلاف الإجماع ، فالدليل هو الإجماع المعتضد ببعض ما ذكر.

ثمَّ وجوب الاستقبال والحرمة بدونه إنّما هو مع العلم بالوجوب وتعمّد تركه ، فلا يحرم مع نسيانه إجماعا فتوى ونصّا ، وكذا لو تركه جهلا بالحكم أو بالقبلة أو خطأ فيها ، على المصرّح به في كلام كثير من‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٩ ـ ٢٥١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٨ أبواب الذبائح ب ١٤ ح ٣.

(٢) الدعائم ٢ : ١٧٤ ـ ٦٢٦ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣٨ أبواب الذبائح ب ١٢ ح ٢ ، وفيه : ولا نحب ، بدل : ولا يجب.

(٣) انظر كفاية الأحكام : ٢٤٦ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٥٩.

٤١٠

الأصحاب ، كالإرشاد والدروس والروضة والمفاتيح والكفاية (١) ، بل نسبه المحقّق الأردبيلي إلى كلام الأصحاب (٢) ، لدلالة رواية الدعائم المنجبرة على الجميع. بل تدلّ على الحلّ في صورة الترك مع اعتقاد عدم الوجوب ، لصدق الخطأ والجهل حينئذ أيضا.

ويستدلّون للحكم في صورة الجهل بالصحيحة الاولى.

وفيه نظر ، لاحتمال أن يكون المعنى : أنّ ذبيحة الجاهل بوجوب التوجيه تؤكل إذا وجّه ولا تؤكل إذا علم عدم التوجيه ، بل هو الظاهر من معناها ، فلا دلالة لها.

فروع :

أ : هذه الأخبار وإن اختصّت بالذبيحة ، إلاّ أنّه يتعدّى إلى المنحورة بالمركّب من الإجماع.

ب : هل اللازم استقبال جميع مقاديم الذبيحة القبلة ، أو يكفي استقبال المذبح والمنحر خاصّة؟

ظاهر جماعة : الأول (٣) ، لظاهر الصحيحين الأولين ، لأنّه المتبادر من استقبال الذبيحة ، بل هو معناه.

ودليل الآخرين الأصل ، وهو مدفوع بما مرّ.

ج : هل يشترط استقبال الذابح أو الناحر للقبلة أيضا ، أم لا؟

__________________

(١) إرشاد الأذهان ٢ : ١٠٨ ، الدروس ٢ : ٤١٣ ، الروضة ٧ : ٢١٥ ، المفاتيح ٢ : ٢٠٠ ، كفاية الأحكام : ٢٤٦.

(٢) مجمع الفائدة ١١ : ١١٤.

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٦ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٩٩ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٧٣.

٤١١

فيه قولان ، أظهرهما : الثاني ، للأصل.

ويستدلّ للأول بأنّ المتبادر من التعدية بالباء : المصاحبة ، أي استقبل مع ذبيحتك.

ويردّ بمنع التبادر ، بل الظاهر أنّها مثل التعدية بالهمزة ، فإنّ المتبادر من : « ذهب به » أنّه أذهبه.

نعم روي في الدعائم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذّب البهيمة ، أحدّ الشفرة واستقبل القبلة » (١).

ولكنه ـ لضعفه ـ لا يصلح لإثبات الزائد على الاستحباب. وتقدّمت أيضا روايته الدالّة على رجحان استقبال الناحر (٢).

المسألة الثانية : ومن شرائطهما : التسمية ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ بالاستفاضة (٣) ، والأصل ، وصريح الكتاب.

قال الله سبحانه ( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) (٤).

والسنّة المتواترة معنى ، منها : الأخبار المتكثّرة المتقدّمة كثير منها ، المصرّحة بأنّ الذبيحة بالاسم ولا يؤمن عليها إلاّ مسلم (٥).

ومنها : الأخبار المتقدّمة ، المتضمّنة لحلّ بعض الذبائح بشرط سماع التسمية (٦).

ومنها : صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة في المسألة الرابعة من‌

__________________

(١) الدعائم ٢ : ١٧٤ ـ ٦٢٥ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٣٧ أبواب الذبائح ب ١٢ ح ١.

(٢) في ص : ٤٠٧.

(٣) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، والمسالك ٢ : ٢٢٧ ، والمفاتيح ٢ : ١٩٨.

(٤) الأنعام : ١٢١.

(٥) الوسائل ٢٤ : ٤٨ أبواب الذبائح ب ٢٦.

(٦) في ص : ٣٨٤ و ٣٨٥.

٤١٢

الفصل الأول (١).

وصحيحة محمّد المتقدّمة في المسألة السابقة.

والأخرى : عن الرجل يذبح ولا يسمّي ، قال : « إن كان ناسيا فلا بأس عليه إن كان مسلما وكان يحسن أن يذبح ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما ذبح » (٢).

والثالثة : عن رجل ذبح ولم يسمّ ، فقال : « إن كان ناسيا فليسمّ حين يذكر ويقول : بسم الله على أوله وعلى آخره » (٣).

والرابعة الواردة في ذبيحة المرأة ، وفيها : « ولتذكر اسم الله عليها » (٤).

وصحيحة سليمان : عن ذبيحة الغلام والمرأة ، وفيها : « إذا كانت المرأة مسلمة وذكرت اسم الله تعالى على ذبيحتها حلّت ذبيحتها وكذلك الغلام » (٥).

ورواية محمّد الحلبي : « من لم يسمّ إذا ذبح فلا تأكله » (٦).

ورواية مسعدة : عن ذبيحة الغلام ، [ قال : ] « إذا قوي على الذبح وكان يحسن أن يذبح وذكر اسم الله عليها فكل » (٧) ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٦٠ ـ ٢٥٢ ، الوسائل ٢٤ : ٢٩ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٢ ، والنخع للذبيحة أن يعجل الذابح فيبلغ القطع إلى النّخاع ـ لسان العرب ٨ : ٣٤٨.

(٢) في ص : ٣٨٩.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ٢١١ ـ ٩٧٧ ، التهذيب ٩ : ٥٩ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ٢٤ : ٣٠ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٤.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢١٢ ـ ٩٨١ ، التهذيب ٩ : ٧٣ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٢٤ : ٤٤ أبواب الذبائح ب ٢٣ ح ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٧ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ٢١٢ ـ ٩٨٣ ، التهذيب ٩ : ٧٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٢٤ : ٤٥ أبواب الذبائح ب ٢٣ ح ٧.

(٦) الفقيه ٣ : ٢١١ ـ ٩٨٠ ، الوسائل ٢٤ : ٣٠ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٦.

(٧) الكافي ٦ : ٢٣٧ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٧٣ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ٢٤ : ٤٢ أبواب الذبائح ب ٢٢ ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

٤١٣

ثمَّ التسمية أيضا كالاستقبال في اختصاص وجوبها والحرمة بدونها بصورة التذكّر وتعمّد الترك ، فلا يحرم لو تركها نسيانا ، وبالإجماعين (١) والصحيحين المتقدّمين.

وصحيحة الحلبي : عن الرجل يذبح فينسى أن يسمّي أتوكل ذبيحته؟ فقال : « نعم ، إذا كان لا يتّهم وكان يحسن الذبح قبل ذلك ولا ينخع ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة » (٢).

والمرويّ في تفسير العيّاشي : « إن كان الرجل مسلما فنسي أن يسمّي فلا بأس بأكله إذا لم تتّهمه » (٣) يعني : أنّه ترك التسمية متعمّدا لاعتقاده جواز تركها.

وفي إلحاق الجهل هنا أيضا بالنسيان وعدمه قولان ، صريح المحقّق الأردبيلي : الأول (٤) ، ولم يذكر عليه دليلا.

نعم استدلّ له بعض آخر بكون الجهل كالنسيان في المعنى المسوّغ للأكل ، ولذا تساويا في ترك الاستقبال (٥) ، وهو عين المصادرة.

والثاني ظاهر الأكثر ، حيث لم يذكروه ، وقيل : لم أر من صرّح بالحلّ مع الترك جهلا (٦). ودليله : الأصل ، وإطلاق قوله سبحانه ، والأخبار المعصوميّة. وهو الأقرب.

__________________

(١) الرياض ٢ : ٢٧٣.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ٢١١ ـ ٩٧٩ ، التهذيب ٩ : ٥٩ ـ ٢٥١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٩ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٣.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٧٥ ـ ٨٦ ، الوسائل ٢٤ : ٤٦ أبواب الذبائح ب ٢٣ ح ١١.

(٤) مجمع الفائدة ١١ : ١١٥.

(٥) الرياض ٢ : ٢٧٤.

(٦) الرياض ٢ : ٢٧٤.

٤١٤

فروع :

أ : لا يشترط في التسمية كون الذابح ممّن يعتقد وجوبها‌ ، وفاقا للأكثر ، للإطلاقات ، والعمومات ، والحكم بحلّ ذبيحة المخالف الذي لا يعتقد وجوبها (١) ، بل حلّ شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود واللحوم من غير سؤال (٢).

خلافا للفاضل في المختلف (٣) ، ولا دليل له سوى عدم قصده بالتسمية بناء على اعتقاده.

وفيه : فقد الدليل على اعتبار القصد أيضا.

ب : لا يشترط في التسمية أن تكون في ضمن البسملة‌ ، بل تتحقّق بذكر كلّ ما يشتمل على اسم الله سبحانه ، كما صرّح به جماعة (٤) من غير خلاف بينهم يوجد.

وتدلّ عليه صحيحة محمّد : عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد الله تعالى ، قال : « هذا كلّه من أسماء الله تعالى ولا بأس به » (٥).

والظاهر أنّ المراد أنّ الكلّ متضمّن لاسمه سبحانه ، ولا يثبت من الصحيحة أزيد من كفاية كلّ ما يتضمّن ذكر اسم الله ، سواء كان بسملة أو‌

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ٦٦ أبواب الذبائح ب ٢٨.

(٢) انظر الوسائل ٣ : ٤٩٠ أبواب النجاسات ب ٥٠ ، وج ٢٤ : ٧٠ أبواب الذبائح ب ٢٩.

(٣) المختلف : ٦٨٠.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٧ ، والمحقق السبزواري في الكفاية : ٢٤٧ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٧٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٤ ـ ٥ ، الفقيه ٣ : ٢١١ ـ ٩٧٨ ، التهذيب ٩ : ٥٩ ـ ٢٤٩ ، الوسائل ٢٤ : ٣١ أبواب الذبائح ب ١٦ ح ١.

٤١٥

غيرها.

ولا يشترط ذكر لفظ الاسم ، فيكفي مثل : استغفر الله ، وغيره.

وأمّا كفاية غير ذلك ممّا لا يتضمّن اسم الله ـ كما أن يذكر صفاته العليا ، نحو : من دان له أو خضع له جميع الخلق ، وأمثال ذلك ـ فلا يثبت منها ، بل وكذا غير لفظ الله من أسمائه الحسنى ، نحو : الرحمن ، و : الرحيم ، لجواز أن تكون الإضافة في اسم الله بيانيّة ، بل يمكن الخدش في كون غير لفظ الله اسما حقيقيّا له.

ومنه يظهر أنّ الأقرب اعتبار العربيّة أيضا ، كما به صرّح طائفة (١).

ج : المستفاد من صحيحة محمّد الثالثة : أنّ الناسي للتسمية يذكرها عند الذكر‌ ، بل ظاهرها الوجوب ، ولكن صرّح جماعة بعدم قائل بوجوبه (٢) ، ولذا حملوه على الاستحباب ، وهو جيّد.

وهل الاستحباب مخصوص بالتذكّر حال الاستقبال بالذبح ، أو يعمّ جميع حالات الاشتغال بالذبيحة ، مثل سلخها وتقطيع لحمها؟

مقتضى إطلاق الصحيحة : الثاني ، بل لعلّه يشمل حال الفراغ أيضا.

د : هل يجب أن تكون التسمية مع التذكّر مقارنة للشروع في الذبح ، أم يجوز مقدّمة عليه حين الشروع في مقدّماته ، كأخذ الشاة ، أو ربطها وشدّها ، أو حين القيام للأخذ؟

الظاهر : الأول ، لعدم معلوميّة صدق ذكر اسم الله عليه في غير المقارن للشروع ، ولكن المقارنة العرفيّة كافية قطعا.

__________________

(١) كما في الرياض ٢ : ٢٧٣.

(٢) منهم المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١١ : ١١٧ ، والعلاّمة المجلسي في البحار ٦٢ : ٢٩٨ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٧٣.

٤١٦

هـ : هل يجب أن تكون التسمية بقصد الذبح ، أو لا؟

الظاهر : الأول ، ليعلم تحقّق ذكر اسم الله عليه ، فلو اتّفق مقارنة الشروع في الذبح لذكر اسم الله بقصد آخر لم يكف.

و : يشترط أن يكون المسمّى هو الذابح ، فلا تكفي تسمية غيره مقارنة لذبحه ولو بقصده ، لوقوع الأمر به للذابح في كثير من الأخبار ، مضافا إلى ما مرّ من نوع خفاء في معنى ذكر اسم الله عليه ، فيقتصر على المتيقّن.

ز : صرّح في المسالك بأنّه يكتفي من الأخرس بالإشارة المفهمة للتسمية وقصدها إن كان قادرا عليها ، وإن لم يقدر على الإشارة فهو كغير القاصد لا تحلّ ذبيحته (١).

أقول : إن عمّم ذكر اسم الله بحيث يشمل التذكّر القلبي لكان ما ذكره حسنا ، ولكن لازمه الاكتفاء به في الناطق أيضا ولم يقل به أحد.

وإن خصّ باللفظي ـ كما هو المستفاد من الأخبار ، بل هو حقيقة التسمية المأمور بها في الأخبار ، بل في بعضها : « ويقول : بسم الله على أوله وآخره » وفي بعضها : « سمعته يقول » ـ فلا وجه للاكتفاء بإشارة الأخرس ، وقيامها مقام اللفظ في بعض المواضع بدليل لا يثبت الكلّية ، فالأقوى عدم حلّية ذبيحته ، إلاّ أن يثبت عليه إجماع ، ولم يثبت بعد.

ح : لو اكره على الذبح ، فإن بلغ حدّا يرفع القصد إلى الفعل لم تحلّ ذبيحته ـ كأن يقبض يده ويمرّ مع السكّين على المذبح ـ وإلاّ فتحلّ مع ذكر اسم الله ، للإطلاقات.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٢٥.

٤١٧

المسألة الثالثة : ومن الشرائط أيضا : حركة الذبيحة أو المنحورة حركة الحيّ خاصّة ، عند الصدوق والفاضل في المختلف (١) ، وقوّاه ثاني الشهيدين (٢).

وخروج الدم المعتدل خاصّة لا المتثاقل ـ أي المتقاطر قطرة قطرة مع التثاقل ـ عند الشهيد في الدروس على ما حكي عنه (٣).

ومجموع الأمرين المذكورين عند جماعة ، منهم : المفيد والإسكافي والقاضي والديلمي والحلبي (٤) ، وابن زهرة مدّعيا هو الإجماع عليه (٥).

وأحد الأمرين عند طائفة أخرى ، منهم : الشيخ في النهاية والحلّي والفاضلين (٦) وأكثر المتأخّرين كما في المسالك (٧) ، بل الأكثر مطلقا كما في المفاتيح (٨) وشرحه.

دليل الأولين : المستفيضة المعتبرة :

كموثّقة البصري : « إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرّك الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته » (٩).

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ١٣٩ ، المختلف : ٦٨١.

(٢) في الروضة ٧ : ٢٢٤.

(٣) الدروس ٢ : ٤١٣.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٨٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٨١ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٩ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٢٠.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٦) النهاية : ٥٨٤ ، الحلّي في السرائر ٣ : ١١٠ ، المحقق في المختصر : ٢٥٠ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ١٥٩.

(٧) المسالك ٢ : ٢٢٧.

(٨) المفاتيح ٢ : ٢٠١.

(٩) الكافي ٦ : ٢٣٢ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٧ ـ ٢٣٧ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح

٤١٨

ورواية عبد الله بن سليمان : « إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرّك الذنب وأدركته فذكّه » (١).

ورواية أبان : « إذا شككت في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو تحرّك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال » (٢).

وصحيحة محمّد الحلبي : عن الذبيحة ، فقال : « إذا تحرّك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي » (٣).

ورواية رفاعة : في الشاة « إذا طرفت عينها أو حرّكت ذنبها فهي ذكيّة » (٤).

وصحيحة أبي بصير : عن الشاة تذبح فلا تتحرّك ويهراق منها دم كثير عبيط ، فقال : « لا تأكل ، إنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل » (٥).

ورواية ليث المرادي : « وخير الذكاة إذا كانت العين تطرف والرجل تركض والذنب يتحرّك » (٦).

__________________

ب ١١ ح ٦.

(١) الكافي ٦ : ٢٣٢ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٤ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٧.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٢ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٥٧ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٥ ، والمصع : الحركة والضرب ـ النهاية الأثيرية ٤ : ٣٣٧.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٦ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٣ ـ ٦ ، التهذيب ٩ : ٥٦ ـ ٢٣٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٤.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٠٩ ـ ٩٦٢ ، التهذيب ٩ : ٥٧ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ٢٤ : ٢٤ أبواب الذبائح ب ١٢ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٢٠٨ ـ ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣٣ ـ ١٣١ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ ـ ٢٦٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٠ أبواب الصيد ب ٩ ح ٤.

٤١٩

دلّت غير الأخيرتين منطوقا على كفاية الحركة ، ومفهوما على عدم كفاية غيره ، والأخيرة منطوقا على كفاية الحركة ، وما قبلها على عدم كفاية خروج الدم.

حجّة الثاني : صحيحتا محمّد : عن مسلم ذبح شاة فسبقه السكّين بحدّتها فأبان الرأس ، قال : « إن خرج الدم فكل » (١).

ورواية سماعة ، وفيها : « لا بأس إذا سال الدم » (٢).

ورواية الحسن بن مسلم الواردة في بقرة ضربها رجل بفأس فسقطت ثمَّ ذبحها ، وفيها : « إن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا ، وإن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه » (٣).

دلّت بالمناطيق على كفاية خروج الدم ، وبالمفاهيم على عدم كفاية غيره.

ومستند الثالث ـ بعد أصالة الحرمة ، ولزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقّن المجمع عليه ، وليس إلاّ ما اجتمع فيه الأمران ، والإجماع المنقول (٤) ، والشهرة القديمة المحكيّة (٥) ـ كون ذلك مقتضى تعارض أخبار الطرفين والعمل بقواعد التعارض ، حيث إنّ منطوق كلّ منهما يعارض‌

__________________

(١) الاولى : الكافي ٦ : ٢٣٠ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٦٠ ، التهذيب ٩ : ٥٥ ـ ٢٣٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٧ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٢.

الثانية : التهذيب ٩ : ٥٧ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨ أبواب الذبائح ب ٩ ذيل الحديث ٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٦١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٢ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٥٦ ـ ٢٣٦ ، قرب الإسناد : ٤٤ ـ ١٤٣ ، وفي التهذيب والوسائل ٢٤ : ٢٥ أبواب الذبائح ب ١٢ ح ٢ عن الحسين بن مسلم.

(٤) راجع ص : ٤١٨.

(٥) حكاها صاحب الرياض ٢ : ٢٧٤.

٤٢٠