مستند الشّيعة - ج ١٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٩٠

الحديث (١).

ومرسلة ابن أبي عمير : عن ذبيحة أهل الكتاب ، قال : فقال : « والله ما يأكلون ذبائحكم ، فكيف تستحلّون أن تأكلوا ذبائحهم؟! » الحديث! (٢).

دلّت بالاستفهام الإنكاري على عدم استحلال أكل ذبائحهم.

ومن الثانية موثّقة سماعة المشار إليها آنفا ، والأخبار الكثيرة المتضمّنة لـ : أنّ الذبيحة اسم ولا يؤمن عليه أو عليها إلاّ أهل التوحيد أو إلاّ مسلم ، وهي قريبة من عشرة أخبار صحيحة وغير صحيحة (٣).

ورواية الشحّام : عن ذبيحة الذمّي ، فقال : « لا تأكله إن سمّى وإن لم يسمّ » (٤).

ورواية إسماعيل بن جابر : « لا تأكل من ذبائح اليهود والنصارى ، ولا تأكل في آنيتهم » (٥).

والأخرى : « لا تأكل ذبائحهم ، ولا تأكل في آنيتهم » يعني أهل الكتاب (٦).

ورواية محمّد بن عذافر : رجل يجلب الغنم من الجبل ، يكون فيها الأجير المجوسي والنصراني ، فتقع العارضة ، فيأتيه بها مملّحة ، قال :

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤١ ـ ١٥ ، التهذيب ٩ : ٦٥ ـ ٢٧٧ ، الاستبصار ٤ : ٨٢ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٢٤ : ٥٣ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٢٤١ ـ ١٦ ، الوسائل ٢٤ : ٥٣ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٤.

(٣) راجع الوسائل ٢٤ : ٤٨ أبواب الذبائح ب ٢٦.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٨ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٦٥ ـ ٢٧٦ ، الاستبصار ٤ : ٨٢ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ٢٤ : ٥٤ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٢٤٠ ـ ١١ ، الوسائل ٢٤ : ٥٤ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٧.

(٦) الكافي ٦ : ٢٤٠ ـ ١٣ ، التهذيب ٩ : ٦٣ ـ ٢٦٩ ، الاستبصار ٤ : ٨١ ـ ٣٠٢ ، الوسائل ٢٤ : ٥٥ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ١٠.

٣٨١

« لا تأكلها » (١).

وصحيحة أبي بصير : « لا يذبح أضحيتك يهودي ولا نصراني ولا المجوسي » الحديث (٢).

وغير ذلك من الروايات الكثيرة المتضمّنة للجمل المحتملة للخبريّة والإنشائيّة وإن صارت ظاهرة في الحرمة بالقرائن المذكورة.

وحجّة الثاني : أصل الإباحة.

وعموم قوله سبحانه ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) (٣).

وقوله ( وَما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) (٤).

وقول أبي بصير في صحيحة العقرقوفي المتقدّمة ـ بعد نهي الإمام عليه‌السلام كما تقدّم ـ : كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته وسمعت أباه جميعا يأمران بأكلها.

وصحيحة محمّد الحلبي : عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم ، فقال : « لا بأس به » (٥).

ورواية عن إسماعيل بن عيسى : عن ذبائح اليهود والنصارى وطعامهم ، قال : « نعم » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٢ ـ ٦٠٣ ، الوسائل ٢٤ : ٥١ أبواب الذبائح ب ٢٦ ح ٨.

(٢) التهذيب ٩ : ٦٤ ـ ٢٧٣ ، الاستبصار ٤ : ٨٢ ـ ٣٠٦ ، الوسائل ٢٤ : ٥٢ أبواب الذبائح ب ٢٦ ح ١١.

(٣) المائدة : ٥.

(٤) الأنعام : ١١٩.

(٥) التهذيب ٩ : ٦٨ ـ ٢٩٠ ، الاستبصار ٤ : ٨٥ ـ ٣٢٢ ، الوسائل ٢٤ : ٦٢ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٣٤.

(٦) التهذيب ٩ : ٧٠ ـ ٢٩٧ ، الاستبصار ٤ : ٨٦ ـ ٣٢٩ ، الوسائل ٢٤ : ٦٤ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٤١.

٣٨٢

ورواية يونس بن بهمن : أهدى إليّ قرابة لي نصراني دجاجا وفراخا وقد شواها وعمل لي فالوذجة ، فآكله؟ قال : « لا بأس » (١).

ورواية عبد الملك بن عمرو : ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال : « لا بأس بها » قلت : فإنّهم يذكرون عليها اسم المسيح!! فقال : « إنّما أرادوا بالمسيح الله » (٢) ، وقريبة منها رواية أبي بصير (٣).

وصحيحة جميل ومحمّد بن حمران : عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس ، فقال : « كل » فقال بعضهم : إنّهم لا يسمّون!! فقال : « إن حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا » قال : « وإذا غاب فكل » (٤).

وقد يستدلّ أيضا بصحيحة الأعشى الواردة في ذبيحة اليهودي : « لا تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها » إلى أن قال : فقال له الرجل : قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « كان أبي يقول : إنّما هو الحبوب وأشباهها » (٥) حيث أضاف الثمن فيها إلى الذبيحة ، فيدلّ على حلّية بيعها ، وإلاّ لم يكن ثمنا.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٦٩ ـ ٢٩٦ ، الاستبصار ٤ : ٨٦ ـ ٣٢٨ ، الوسائل ٢٤ : ٦٤ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٤٠.

والفالوذج : تجعل السمن والعسل ثمَّ قسوطه حتى ينضج ، فيأتي كما ترى ـ عن مكارم الأخلاق في مجمع البحرين ٢ : ٣٢٥.

(٢) الفقيه ٣ : ٢١٠ ـ ٩٧٢ ، التهذيب ٩ : ٦٨ ـ ٢٩١ ، الاستبصار ٤ : ٨٥ ـ ٣٢٣ ، الوسائل ٢٤ : ٦٢ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٣٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٦٩ ـ ٢٩٢ ، الاستبصار ٤ : ٨٥ ـ ٣٢٤ ، الوسائل ٢٤ : ٦٢ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٣٦.

(٤) التهذيب ٩ : ٦٨ ـ ٢٨٩ ، الاستبصار ٤ : ٨٥ ـ ٣٢١ ، الوسائل ٢٤ : ٦٢ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٣٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٤٠ ـ ١٠ ، التهذيب ٩ : ٦٤ ـ ٢٧٠ ، الاستبصار ٤ : ٨١ ـ ٣٠٣ ، الوسائل ٢٤ : ٤٨ أبواب الذبائح ب ٢٦ ح ١.

٣٨٣

وبالأخبار المخصّصة للحرمة بنصارى العرب ، فإنّه لو لا إباحة ذبيحة غيرهم لما كانت للتخصيص فائدة ، سيّما ما تضمّنت منها للتعليل : بأنّهم ليسوا من أهل الكتاب ، أو أنّهم من مشركي العرب (١).

وبالأخبار الناهية عن ذبحهم الضحايا (٢) ، حيث دلّت بالمفهوم على جواز ذبح غير الضحايا ، فالنهي عنها يكون من جهة أخرى ، ككون الضحايا من متعلّقات العبادة.

ومستند الثالث : الأخبار المستفيضة أيضا :

كحسنة حمران : في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني : « لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله عليه » إلى أن قال : قلت : المجوسي ، فقال : « نعم ، إذا سمعته يذكر اسم الله » الحديث (٣).

وصحيحة حريز : في ذبائح أهل الكتاب : « فإذا شهدتموهم وقد سمّوا اسم الله فكلوا ذبائحهم ، وإن لم تشهدوهم فلا تأكلوا ، وإن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنّهم سمّوا فكل » (٤).

وروايته : عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس ، فقال : « إذا سمعتهم يسمّون أو شهد لك من رآهم يسمّون فكل ، وإن لم تسمعهم ولم يشهد عندك من رآهم يسمّون فلا تأكل ذبيحتهم » (٥) ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ٥٢ أبواب الذبائح ب ٢٧.

(٢) الوسائل ٢٤ : ٥٨ ، ٦١ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٢٠ ، ٢١ ، ٢٩.

(٣) التهذيب ٩ : ٦٨ ـ ٢٨٧ ، الاستبصار ٤ : ٨٤ ـ ٣١٩ ، الوسائل ٢٤ : ٦١ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٣١.

(٤) التهذيب ٩ : ٦٩ ـ ٢٩٤ ، الاستبصار ٤ : ٨٦ ـ ٣٢٦ ، الوسائل ٢٤ : ٦٣ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٣٨.

(٥) التهذيب ٩ : ٦٩ ـ ٢٩٥ ، الاستبصار ٤ : ٨٦ ـ ٣٢٧ ، الوسائل ٢٤ : ٦٣ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٣٩.

٣٨٤

أقول : وإن اتّسعت دائرة الكلام في أدلّة القولين الأخيرين دلالة وسندا وتماميّة ، إلاّ أنّا لا نطوّل الكلام بذكر جميع وجوه الضعف وعدم التماميّة ، ونقتصر على ما يكفي في ردّهما لعدم الاحتياج إليه.

ونقول : أمّا أدلّة القول الثاني ، فأصل الإباحة إنّما هو مسلّم إذا علم ذكر اسم الله عليه ، وهو لا يعلم إلاّ بسماعه ، اكتفي بفعل المسلم في ذبيحته إجماعا وضرورة ، ولا دليل عليه في غيره ، فإطلاق حلّية ذبيحته مخالف للأصل.

وأمّا الآية الأولى ، فالطعام فيها مفسّر في أحاديث سادتنا الكبراء بالحبوب ، فلا دلالة لها أصلا ، وجعله بعيدا اجتهاد في مقابلة النصّ يجب ردّه ، لأنّهم الراسخون في العلم ولا ينبّئك مثل خبير.

وأمّا الثانية ، فيظهر عدم دلالتها ، بل دلالتها على خلاف مطلوبهم بما ذكرنا في ردّ الأصل.

فلم تبق إلاّ تلك الأخبار ، وهي لو قطع النظر عمّا يمكن في أكثرها من الخدش التامّ والنظر ، بل ظهور ضعف دلالة بعضها جدّا ، نقول : إنّها بإطلاقها مخالفة للكتاب بالتقريب الذي ذكرناه.

بل تدلّ على المخالفة صحيحة شعيب العقرقوفي المتقدّمة ، حيث قال فيها : « قد سمعتم ما قال الله في كتابه » ، وهو إشارة إلى ما ذكرنا.

وموافقة للعامّة ، كما صرّح به علماؤنا الأخيار ، قيل (١) : دلّت عليه رواية الشيباني : عن ذبائح اليهود والنصارى والنصّاب فلوى شدقه وقال : « كلها إلى يوم ما » (٢).

__________________

(١) في الاستبصار ٤ : ٨٧.

(٢) التهذيب ٩ : ٧٠ ـ ٢٩٩ ، الاستبصار ٤ : ٨٧ ـ ٣٣١ ، الوسائل ٢٤ : ٦٠ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٢٨ ، والشدق : بالفتح والكسر ، جانب الفم ـ المصباح المنير : ٣٠٧.

٣٨٥

ومخالفة للشهرة العظيمة الجديدة والقديمة ، بل على خلافها يمكن دعوى الإجماع المحقّق ، سيّما ذبائح مطلق الكتابي ، حيث إنّ العماني صرّح بحرمة ذبيحة المجوس.

فلم يبق إلاّ الإسكافي ، الذي هو شاذّ نادر معلوم النسب ، ومثل هذه لا حجّية فيه أصلا ، فيجب رفع اليد عن تلك الأخبار بالمرّة وطرح ذلك القول بلا شبهة.

وأمّا القول الثالث وإن كان موافقا لأصل الإباحة ولظاهر الآية إلاّ بأن يقال باعتبار القصد في التسمية ، ولكنّه لا دليل عليه ولا حجّة ، وكانت أخباره أخصّ من أكثر أخبار الحرمة ، بل من جميع ما تتمّ فيه الدلالة.

إلاّ أن ما ذكرنا أخيرا لتضعيف القول الثاني ـ من مخالفة الشهرة بل الإجماع ـ هنا أيضا متحقّق ، ولأجله تخرج تلك الأخبار أيضا عن حيّز الحجّيّة ، فلا تصلح لمعارضة أخبار الحرمة.

مضافا إلى ما يخرجها عن الدلالة بالمرّة ، وهو رواية ابن وهب المنجبرة : عن ذبائح أهل الكتاب ، فقال : « لا بأس إذا ذكر اسم الله تعالى ، ولكنّي أعني منهم من يكون على أمر موسى وعيسى عليهما السّلام » (١).

فإنّها صريحة على اختصاص ذلك بأهل الكتاب الذين كانوا من قبل بعثة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو بعدها قبل قيام الحجّة عليهم ، لأنّ تهوّدهم وتنصّرهم اليوم مانع من كونهم على أمرهما ، لأنّهم مأمورون من قبلهما باتّباع نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أن تكون لهم شبهة مانعة عن الاهتداء بالحقّ.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤٠ ـ ١٤ ، الوسائل ٢٤ : ٥٥ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ١١.

٣٨٦

وصرّح بذلك الشيخ المفيد رحمه‌الله في رسالة الذبائح ، قال بعد نقل الرواية : ثمَّ إنّه شرط فيه أيضا اتّباع موسى وعيسى ، وذلك لا يكون إلاّ بمن آمن بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واتّبع موسى وعيسى في القبول منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاعتقاد بنبوّته (١). انتهى.

ولعلّ ذلك الكلام من الإمام والعناية منه أيضا إشارة إلى التقيّة في الإطلاق ، فأفهمهم أنّ مرادي من الإطلاق غير ما يفهم ظاهرا ، كما أنّ التفصيل بين سماع التسمية منهم وعدمه أيضا نشأ من ذلك ، حيث إنّ ذكر اسم الله لوقوعه في الكتاب العزيز ممّا لا يمكن للعامّة الكلام فيه.

هذا ، مع أنّ ـ في أخصّية هذه الأخبار مطلقا عن جميع أخبار الحرمة التي تتمّ فيها الدلالة ـ نظرا ، لأنّ منها صحيحة زكريّا بن آدم المتقدّمة في صدر المسألة (٢) ، المخصّصة للجواز بحال الضرورة ، فهي أخصّ من وجه من تلك الأخبار.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف التشبّث بتلك الأخبار وبقاء أخبار الحرمة بلا معارض يصلح للمعارضة.

ومنه يظهر الجواب عن أصل الإباحة وعن إطلاق الآية الكريمة ، لوجوب تخصيص عامّ الكتاب بخاصّ الرواية.

وإذ ظهر ضعف القولين يظهر أنّ الحقّ ما عليه معظم الطائفة من الحرمة.

المسألة الثانية : ويشترط فيه أيضا أن لا يكون من النواصب ، أي معاديا لأهل البيت عليهم‌السلام معلنا بعداوتهم ، ومنهم الخوارج ، بلا خلاف فيه ـ كما‌

__________________

(١) رسالة الذبائح ( مصنفات الشيخ المفيد ٩ ) : ٣٢.

(٢) في ص : ٣٧٨.

٣٨٧

قيل (١) ـ بل عن المهذّب وغيره الإجماع عليه (٢).

لموثّقتي أبي بصير ، إحداهما : « ذبيحة الناصب لا تحلّ » (٣).

والأخرى : « لم تحلّ ذبائح الحرورية » (٤).

والحرورية : فرقة من الخوارج منسوبة إلى الحروراء ـ بالمدّ والقصر ـ قرية.

وروايته الواردة في من يتعمّد شراء اللحم من النصّاب ، وفيها : « ما يأكل إلاّ مثل الميتة والدم ولحم الخنزير » الحديث (٥).

وأمّا حسنة حمران : « لا تأكل ذبيحة الناصب إلاّ أن تسمعه يسمّي » (٦).

وصحيحة الحلبي : عن ذبيحة المرجئ والحروري ، قال : « كل وأقرّ واستقرّ حتى يكون ما يكون » (٧).

فلمخالفتهما للإجماع ظاهرا ولا أقلّ من شهرة القدماء لا تصلحان للحجيّة ومعارضة ما مرّ ، مع أنّهما موافقتان للعامّة ، كما تشعر به الصحيحة.

المسألة الثالثة : يشترط فيه أيضا التميّز ، أي كونه بحيث يصحّ منه‌

__________________

(١) في الرياض ٢ : ٢٧٢.

(٢) حكاه عنه في الرياض ٢ : ٢٧٢ ، وهو في المهذب ٤ : ١٦٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٧١ ـ ٣٠١ ، الاستبصار ٤ : ٨٧ ـ ٣٣٢ ، الوسائل ٢٤ : ٦٧ أبواب الذبائح ب ٢٨ ح ٢.

(٤) التهذيب ٩ : ٧١ ـ ٣٠٢ ، الاستبصار ٤ : ٨٧ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٢٤ : ٦٧ أبواب الذبائح ب ٢٨ ح ٣.

(٥) التهذيب ٩ : ٧١ ـ ٣٠٣ ، الاستبصار ٤ : ٨٧ ـ ٣٣٤ ، الوسائل ٢٤ : ٦٧ أبواب الذبائح ب ٢٨ ح ٤.

(٦) التهذيب ٩ : ٧٢ ـ ٣٠٤ ، الاستبصار ٤ : ٨٧ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ٢٤ : ٦٨ أبواب الذبائح ب ٢٨ ح ٧.

(٧) الكافي ٦ : ٢٣٦ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢١٠ ـ ٩٧٠ ، التهذيب ٩ : ٧٢ ـ ٣٠٥ ، الاستبصار ٤ : ٨٨ ـ ٣٣٧ ، الوسائل ٢٤ : ٦٨ أبواب الذبائح ب ٢٨ ح ٨.

٣٨٨

قصد التسمية والعلم بشرائط الذبح ، فلا يصحّ من الطفل الغير المميّز ولا المجنون كذلك ، والوجه فيه ظاهر ، فإنّ المتبادر من الذبح المحلّل هو الصادر من القاصد.

ويظهر من المحقّق الأردبيلي التردّد في اشتراط التميّز أو لا (١) ، حيث إنّه جعل دليله أولا : اشتراط كونه ذبيحة المسلم ، وغير المميّز ليس مسلما ، وردّه : بأنّ الثابت حرمة ذبيحة الكافر دون اشتراط الإسلام.

وهو كان حسنا لو لا فهم اعتبار القصد عرفا.

المسألة الرابعة : لا يشترط فيه الإيمان على الأقوى الأشهر ـ كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (٢) ـ للأصل المشار إليه غير مرّة ، والآية (٣) ، وصحيحة الحلبي المتقدّمة ، فإنّ المرجئ يطلق على مقابل الشيعة ، من الإرجاء ، بمعنى : التأخير لتأخيرهم عليّا عليه‌السلام عن درجته.

وصحيحة محمّد بن قيس : « ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلّى ، لكم حلال ، إذا ذكر اسم الله عليه » (٤).

والأخبار المحلّلة لذبيحة المرأة إذا كانت مسلمة (٥).

وتعضده أيضا الروايات المتكثّرة ، المعلّلة للنهي عن أكل ذبائح أهل الذمّة بأنّها اسم ولا يؤمن عليها إلاّ المسلم ، لظهورها في حصول الأمانة في‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ٨٦.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٥ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٩٧ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٧١.

(٣) الأنعام : ١١٩.

(٤) التهذيب ٩ : ٧١ ـ ٣٠٠ ، الاستبصار ٤ : ٨٨ ـ ٣٣٦ ، الوسائل ٢٤ : ٦٦ أبواب الذبائح ب ٢٨ ح ١.

(٥) الوسائل ٢٤ : ٤٣ أبواب الذبائح ب ٢٣.

٣٨٩

التسمية إذا كانت الذبيحة من مسلم.

وكذا يعضده ـ بل يدلّ عليه ـ ما دلّ على حلّية ما يشترى من اللحوم والجلود في أسواق المسلمين (١).

خلافا للمحكي عن القاضي وابن حمزة (٢) ، فقالا باشتراط كون الذابح مؤمنا اثنى عشريّا.

والحلبي (٣) ، فخصّ المنع بالجاحد للنصّ منهم ، فجوّز ذبيحة المستضعف.

ودليلهم إن كان كفر المخالف مطلقا أو غير المستضعف منهم فالكلام معهم في ذلك ، وقد مرّ في بحث الطهارة.

وإن كان أصالة عدم الإباحة إلاّ بعد ذكر اسم الله ، وعدم حصول العلم به إلاّ بالسماع أو ما يقوم مقامه من الدليل الشرعي ، فجوابه : أنّ ما مرّ من الأدلّة أيضا دليل شرعي كما في المؤمن ، سيّما مفاهيم الاستثناء في الأخبار الغير المحصورة ، المتضمّنة لائتمان مطلق المسلم في التسمية ، وسيّما أخبار حلّية ما يشترى في أسواق المسلمين.

وإن كان صحيحة زكريّا بن آدم المتقدّمة في صدر المسألة (٤) ، فجوابه : أنّه يمكن أن يكون المراد من الدين : الإسلام ، مع أنّ ظاهر السياق ـ من حيث تخصيص زكريّا بالنهي واستثناء حال الضرورة ـ يشعر بالكراهة دون الحرمة.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٩٠ أبواب النجاسات ب ٥٠.

(٢) القاضي في المهذّب ٢ : ٤٣٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٦١.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٧٧.

(٤) في ص : ٣٧٨.

٣٩٠

وإرادة الإيمان من الدّين ـ وجعل هذه الصحيحة أخصّ مطلقا من صحيحة محمّد بن قيس وتخصيصها بها ـ غير جيّد ، لعدم دليل على هذه الإرادة ، مع أنّه يوجب تخصيص الأكثر ، وهو غير جائز.

وإن كان المرويّ في العيون : « من زعم أنّ الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلّفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته » (١) ، فمع كونه أخصّ من المدّعى من وجه ـ لاختصاصه بالأشاعرة خاصّة ـ وأعمّ من وجه آخر ـ لشموله للمؤمن إذا قال بهذه المقالة ـ محمول على الكراهة ، لمعارضة ما مرّ.

المسألة الخامسة : لا يشترط في الذابح بعد إسلامه كونه ممّن يعتقد وجوب التسمية عند المعظم ، للأصل ، والإطلاقات ، سيّما إذا علم صدور التسمية منه تبرّكا أو استحبابا.

خلافا للمحكيّ عن المختلف ، فاشترط فيه اعتقاده وجوبها (٢) ، واستدلّ له فيما إذا لم تعلم منه التسمية بأنّ مقتضى اشتراط التسمية حصول العلم بها ، ومقتضى الأخبار المعلّلة بأنّه لا يؤمن عليها إلاّ مسلم اعتبار حصول الأمن بتحقّقها ، وهو لا يحصل في ذبيحة من لا يعتقد وجوبها.

وهو حسن لو لا إطلاقات ائتمان المسلم بالاسم وحلّية ما في أسواق المسلمين. إلاّ أن يقال : بأنّ إطلاق الأول لغلبة معتقدي وجوبها بل تبادره ، وكذا الثاني ، والاحتياط في الأخذ عن خصوص يد من علم عدم اعتقاده الوجوب أولى.

المسألة السادسة : لا تشترط فيه الذكورة ، ولا الفحولة ، ولا البلوغ ،

__________________

(١) عيون أخبار الرضا « ع » ١ : ١٠٠ ـ ١٦ ، الوسائل ٢٤ : ٦٩ أبواب الذبائح ب ٢٨ ح ٩.

(٢) المختلف : ٦٨٠.

٣٩١

ولا كمال العقل ، ولا الحريّة ، ولا الطهارة عن الحيض والجنابة ، ولا طهارة المولد ، ولا البصر.

فتحلّ ذبيحة المرأة ، والخصيّ ، والطفل والمجنون المميّزين ، والعبد ، والجنب ، والحائض ، وولد الزنا ، والأعمى ، بلا خلاف في شي‌ء منها يعرف.

للأصل ، والإطلاقات ، والأخبار :

كصحيحة الحلبي : « كانت لعلي بن الحسين عليهما السّلام جارية تذبح له إذا أراد » (١).

وكصحيحتي سليمان بن خالد (٢) ومحمّد (٣) ورواية مسعدة (٤) في ذبيحة الصبي والمرأة ، وكمرسلة أحمد (٥) في ذبيحة الصبي والمرأة والخصيّ ، ورواية صفوان (٦) في المرأة والصبي وولد الزنا ، ومرسلة ابن أبي عمير (٧) في الجنب ، ومرسلة ابن أذينة (٨) في المرأة والصبي والأعمى ، وغير‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٨ ـ ٧ ، التهذيب ٩ : ٧٤ ـ ٣١٣ ، الوسائل ٢٤ : ٤٥ أبواب الذبائح ب ٢٣ ح ٩.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٧ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ٢١٢ ـ ٩٨٣ ، التهذيب ٩ : ٧٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٢٤ : ٤٥ أبواب الذبائح ب ٢٣ ح ٧.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢١٢ ـ ٩٨١ ، التهذيب ٩ : ٧٣ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٢٤ : ٤٤ أبواب الذبائح ب ٢٣ ح ٥.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٧ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٧٣ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ٢٤ : ٤٤ أبواب الذبائح ب ٢٣ ح ٦.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٨ ـ ٤ ، الوسائل ٢٤ : ٤٦ أبواب الذبائح ب ٢٣ ح ١٠.

(٦) الفقيه ٣ : ٢١٠ ـ ٩٦٩ ، الوسائل ٢٤ : ٤٧ أبواب الذبائح ب ٢٥ ح ١.

(٧) الكافي ٦ : ٢٣٤ ـ ٦ ، الوسائل ٢٤ : ٣٢ أبواب الذبائح ب ١٧ ح ١.

(٨) الكافي ٦ : ٢٣٨ ـ ٥ ، الفقيه ٣ : ٢١٢ ـ ٩٨٢ ، التهذيب ٩ : ٧٣ ـ ٣١١ ، الوسائل ٢٤ : ٤٥ أبواب الذبائح ب ٢٣ ح ٨.

٣٩٢

ذلك.

ولا يضرّ تقييد الصبي في بعض الأخبار بقوله : « إذا قوي » أو : « إذا أحسن » والأعمى بقوله : « إذا سدّد » ، لأنّ الكلام في صورة تحقّق الشرط ، وإلاّ فلا كلام في عدم الصحّة.

نعم ، قيّد الأول في بعضها ببلوغ خمسة أشبار ، والمراد منه القوّة ، لعدم اشتراطه بخصوصه إجماعا.

وأمّا اشتراط ذبيحة المرأة والصبي والخصيّ وولد الزنا في بعضها بما إذا لم يوجد من يذبح أو بصورة الاضطرار ، فإنّما هو مبنيّ على الرجحان دون الوجوب ، للإجماع ، ولأنّ الحرام لا يحلّ بعدم وجود ذابح آخر.

وكذا لا يضرّ اشتراط ذبيحة المرأة والصبي بذكر اسم الله في بعض الأخبار ، الموجب لاشتراط سماعه منهما وإلاّ لما يعلم الذكر ، لأنّ الكلام في عدم اعتبار الذكورة والبلوغ ، وهو يثبت ممّا ذكر ، وأمّا اشتراط ذكر اسم الله فلا كلام فيه ، وأمّا الاكتفاء بفعل المسلم أو من بحكمه فهو أمر آخر يأتي بيانه.

نعم ، شرط بعضهم (١) في ولد الزنا كونه بالغا مظهرا للشهادتين ، إذ ليس له أبوان شرعا حتى يكون بحكم المسلم. ولا بأس به‌

__________________

(١) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١١ : ٨٢.

٣٩٣

الفصل الثاني

في الآلة

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لا تجوز التذكية إلاّ بالحديد مع الاختيار ، فلا يجزئ غيره ولا تقع به الذكاة وإن كان من المعادن المنطبعة ، كالنحاس والرصاص والذهب والفضّة وغيرها ، بلا خلاف بيننا ـ كما صرّح به جماعة ـ بل بالإجماع المحكيّ مستفيضا (١) ، بل المحقّق عند التحقيق ، وهو الحجّة فيه.

مضافا إلى المستفيضة الخالية عن المعارض بالمرّة.

منها صحيحة محمّد : عن الذبيحة بالليطة والمروة ، فقال : « لا ذكاة إلاّ بحديدة » (٢).

والليطة ـ بفتح اللام كما ذكره الشهيد الثاني (٣) ، وبكسرها كما في القاموس (٤) ـ : قشر القصبة الأعلى. والمروة : الحجر مطلقا ، أو حجر تقدح بها النار.

وصحيحة الحلبي : عن الذبيحة بالعود والحجر والقصبة ، قال : « فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : لا يصلح الذبح إلاّ بالحديدة » (٥).

__________________

(١) كما في كفاية الأحكام : ٢٤٦ ، وكشف اللثام ٢ : ٧٨ ، والرياض ٢ : ٢٧٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٧ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥١ ـ ٢١١ ، الاستبصار ٤ : ٧٩ ـ ٢٩٤ ، الوسائل ٢٤ : ٧ أبواب الذبائح ب ١ ح ١.

(٣) في المسالك ٢ : ٢٢٦.

(٤) القاموس المحيط ٢ : ٣٩٨.

(٥) الكافي ٦ : ٢٢٧ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٥١ ـ ٢١٢ ، الاستبصار ٤ : ٨٠ ـ ٢٩٥ ، الوسائل ٢٤ : ٧ أبواب الذبائح ب ١ ح ٢.

٣٩٤

ورواية الحضرمي : « لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة » (١).

وموثّقة سماعة : عن الذكاة ، [ فقال ] : « لا يذكّى إلاّ بحديدة ، نهى عن ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام » (٢).

وتدلّ عليه أيضا مفاهيم الأخبار المجوّزة لغير الحديد عند الضرورة كما يأتي. وقد يستدلّ له أيضا بأصالة الحرمة وحكم التبادر والغلبة ، وفيهما نظر.

المسألة الثانية : تجوز التذكية في حال الاضطرار بغير الحديدة‌ ، من مروة أو ليطة أو قصب أو زجاجة أو عود أو غير ذلك أو عظم ، سوى السنّ والظفر ، إجماعا محكيّا (٣) ومحقّقا ، له ، وللمستفيضة :

كصحيحة البجلي : عن المروة والقصبة والعود أيذبح بهنّ إذا لم يجدوا سكّينا؟ قال : « إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك » (٤).

وصحيحة الشحّام : عن رجل لم يكن بحضرته سكّين أيذبح بقصبة؟ قال : « اذبح بالقصبة وبالحجر وبالعظم وبالعود إذا لم تصب الحديدة ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به » (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٧ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٥١ ـ ٢٠٩ ، الاستبصار ٤ : ٧٩ ـ ٢٩٢ ، الوسائل ٢٤ : ٨ أبواب الذبائح ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٧ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٥١ ـ ٢١٠ ، الاستبصار ٤ : ٧٩ ـ ٢٩٣ ، الوسائل ٢٤ : ٨ أبواب الذبائح ب ١ ح ٤.

(٣) المسالك ٢ : ٢٢٦.

(٤) الكافي ٦ : ٢٢٨ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٥٤ ، التهذيب ٩ : ٥٢ ـ ٢١٤ ، الاستبصار ٤ : ٨٠ ـ ٢٩٧ ، الوسائل ٢٤ : ٨ أبواب الذبائح ب ٢ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٢٢٨ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٥١ ـ ٢١٣ ، الاستبصار ٤ : ٨٠ ـ ٢٩٦ ، الوسائل ٢٤ : ٩ أبواب الذبائح ب ٢ ح ٣.

٣٩٥

وصحيحة ابن سنان : « لا بأس أن تأكل ما ذبح بالحجر إذا لم تجد حديدة » (١).

وموثّقة محمّد : في الذبيحة بغير حديدة ، قال : « إذا اضطررت إليها فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر » (٢).

والمستفاد من تلك الأخبار حصول الاضطرار بعدم وجود الحديدة وخوف فوات الذبيحة وإن لم يضطرّ إلى الأكل ، وهو كذلك.

المسألة الثالثة : هل يجوز الذبح بالسنّ والظفر المتّصلين أو المنفصلين عند الاضطرار؟

الأكثر على الجواز ، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه (٣).

وعن الإسكافي (٤) والشيخ في الخلاف والمبسوط والغنية (٥) : المنع ، واستقربه في الشرح ، وتردّد فيه المحقّق (٦) ، وعن المبسوط والغنية : الإجماع عليه.

دليل الجواز : ظواهر النصوص المتقدّمة ، حيث اعتبر فيها قطع الحلقوم وفري الأوداج وخروج الدم لا خصوصية القاطع ، وكون السنّ عظما ، وقد صرّح فيه بالجواز في الصحيحة المتقدّمة.

ودليل الثاني : رواية رافع بن خديج العاميّة : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٥٥ ، الوسائل ٢٤ : ٩ أبواب الذبائح ب ٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٨ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥٢ ـ ٢١٥ ، الاستبصار ٤ : ٨٠ ـ ٢٩٨ ، الوسائل ٢٤ : ٩ أبواب الذبائح ب ٢ ح ٤.

(٣) السرائر ٣ : ٨٦.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٦٧٣.

(٥) الخلاف ٢ : ٥٢١ ، المبسوط ٦ : ٢٦٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٦) في المختصر النافع : ٢٤٩.

٣٩٦

« ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنّا أو ظفرا » (١).

والمرويّ في المجازات النبويّة للسيّد : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الذبح بالسنّ والظفر (٢).

والمرويّ في قرب الإسناد للحميري : « لا بأس بذبيحة المروة والعود وأشباهها ، ما خلا السنّ والعظم والظفر » (٣).

ويمكن جبر ضعف تلك الأخبار بالإجماعين المنقولين ، فيخصّ بها إطلاق ظواهر النصوص المتقدّمة ، مع أنّ في إطلاقها نظرا ظاهرا ، كانصراف العظم إلى الظفر أيضا ، فالمنع أقرب.

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٥٥٨ ـ ٢٠ ، صحيح البخاري ٧ : ١١٩.

(٢) المجازات النبوية : ٤٣٠ ـ ٣٤٨.

(٣) قرب الإسناد : ١٠٦ ـ ٣٦٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٠ أبواب الذبائح ب ٢ ح ٥ ، عبارة : والظفر ، غير موجودة في المصدر.

٣٩٧

الفصل الثالث

في محلّ التذكية الذبحيّة والنحريّة وكيفيّتهما

وهاهنا مقامان :

المقام الأول : في محلّ التذكية الذبحيّة. وفيه مسائل :

المسألة الأولى : يجب في التذكية قطع الحلقوم‌ ، وهو مجرى النفس دخولا وخروجا ، بلا خلاف فيه يعلم كما في الكفاية (١) ، بل مطلقا كما في المسالك (٢) ، بل هو إجماع محقّق ، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى وجوب الذبح وتوقّف الحلّية عليه ، كما هو المجمع عليه والمدلول بالأخبار ، كما في صحيحة محمّد : « ولا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها » (٣).

وفي صحيحة الحلبي : « لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها » (٤).

وفي رواية أبان : « إذا شككت في حياة شاة » إلى أن قال : « فاذبحها فهو لك حلال » (٥).

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٢٤٦.

(٢) المسالك ٢ : ٢٢٦.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٢ أبواب الذبائح ب ٤ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢٢١ ، الوسائل ٢٤ : ١٢ أبواب الذبائح ب ٤ ح ٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٢ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٥٧ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٥.

٣٩٨

وفي رواية يونس : « لا تأكل إلاّ ما ذبح » (١).

وقد مرّ في الفصل السابق أيضا ما يدلّ على اشتراط الذبح وتوقّف صدق الذبح على قطع الحلقوم ، إذ لا ذبح عرفا بدونه ، ولا أقلّ من عدم معلوميّة تحقّقه بدونه ، فيجب.

وتدلّ عليه أيضا صحيحة ابن عمّار : « النحر في اللّبّة والذبح في الحلق » (٢).

والحلق هو الحلقوم ، مع أنّ في بعض النسخ : « والذبح في الحلقوم ».

وتدلّ عليه أيضا صحيحة الشحّام المتقدّمة في الفصل السابق.

ويؤكّده ـ بل يدلّ عليه أيضا ـ قوله في حسنة حمران الواردة في كيفيّة الذبح : « ولا تقلب السكين لتدخلها من تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق » (٣) فإنّه لو لا اعتبار قطع الحلقوم لما ذكر أدب قطعه وطريقته.

وهل يكتفى به ويجزي الاقتصار عليه؟ كما حكي عن الإسكافي (٤) ، وعن الخلاف أيضا (٥) ، ونسب في شرح الإرشاد ميل الفاضل إليه (٦) ، وكذا مال إليه المحقّق والشهيد الثاني (٧) ، وهو ظاهر جمع من متأخّري‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢١٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٤ أبواب الذبائح ب ٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٨ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢١٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٢ أبواب الذبائح ب ٤ ح ٢ ، واللبّة : المنحر وموضع القلادة ـ مجمع البحرين ٢ : ١٦٥.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٥٥ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٠ أبواب الذبائح ب ٣ ح ٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٦٩٠.

(٥) الخلاف ٢ : ٥٢٢.

(٦) مجمع الفائدة ١١ : ٩٦.

(٧) المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٠٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٦.

٣٩٩

المتأخّرين ، كالمحقّق الأردبيلي وصاحب الكفاية والمفاتيح (١) وشرحه.

أو لا يكتفى به ، بل يجب معه قطع المري‌ء ـ بالهمز كأمين ، وهو مجرى الطعام والشراب المتّصل بالحلقوم من تحته ـ والودجان ـ بفتح الواو والدالّ ، وهما عرقان محيطان بالحلقوم ـ على ما ذكره جماعة (٢).

أو بالمري‌ء خاصّة على ما ذكره بعضهم (٣)؟ كما هو مشهور بين الأصحاب ، صرّح به جماعة ، منهم : المحقّق في الشرائع والمسالك والمقدّس الأردبيلي والكفاية والمفاتيح (٤) وشرحه ، بل عن المهذّب والصيمري الإجماع عليه (٥) ، وحكي عن الغنية أيضا (٦) ، ولكنّه فيما عدا المري‌ء.

ومنه يستفاد وجود قول ثالث أيضا ، وهو اعتبار قطع الحلقوم والودجين ، وحكي ميل الفاضل في المختلف إليه أيضا (٧).

وهنا قول رابع محكيّ عن العماني (٨) ، وهو التخيير بين قطع الحلقوم وشقّ الودجين.

دليل الأولين : الأصل ، ولزوم الاقتصار على القدر المتيقّن فيما‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ٩٦.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٢ : ٥٢٩ ، والعلاّمة في المختلف : ٦٩٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٦.

(٣) كما في المفاتيح ٢ : ٢٠١ ، وكشف اللثام ٢ : ٧٨.

(٤) الشرائع ٣ : ٢٠٥ ، المسالك ٢ : ٢٢٦ ، المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ١١ : ٩٥ ، الكفاية : ٢٤٦ ، المفاتيح ٢ : ٢٠١.

(٥) حكاه عنهما في الرياض ٢ : ٢٧٢.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٧) راجع المسالك ٢ : ٢٢٦.

(٨) حكاه عنه في الرياض ٢ : ٢٧٣.

٤٠٠