مستند الشّيعة - ج ١٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٩٠

الشرط الآتي ، والمتقدّم بعضها فيما سبق ، المتضمّنة للنهي عن أكل ما وجد كلب غير معلّم مع المعلّم أو كلب غريب مع المعلّمات ، أو أكل ما غاب ولم يعلم أنّ سلاحه أو سهمه هو الذي قتله أو رميته هي التي قتلته ، أو أكل ما وقع في ماء أو تدهده من جبل.

وفيه : أنّه يحتمل أن يكون النهي عن الأكل في المذكورات لاحتمال استقلال غير الآلة المحلّلة في القتل واستناده إلى ما ليس بمحلّل ، وهو غير مفروض المسألة. إلاّ أن يقال بثبوت المطلوب من عموم تلك الأخبار أو إطلاقاتها ، فإنّها شاملة لما إذا لم يعلم استقلال شي‌ء منهما وعلم مدخليّتهما ، أو شكّ في استناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة ، أو إليهما معا ، وحينئذ فيتمّ التقريب.

ثمَّ إنّه فرّع بعضهم (١) على تلك المسألة ما إذا أثبت الصيد بآلة غير محلّلة ، أي جعلته غير قادر على الامتناع والعدو ، وصار مثل الأهلي ، وصار أخذه سهلا ، ثمَّ قتلته الآلة المحلّلة ، فاجتمع فيه سببان : محلّل ومحرّم.

وفرّع ذلك بعض آخر على اشتراط الحلّية بالصيد كونه وحشيّا غير مقدور عليه بالسهولة كما مرّ.

وليس شي‌ء من التفريعين بجيّد.

أمّا الأول : فلأنّ السبب الأول ليس سببا لإزهاق الروح ، ولا مدخليّة له فيه أصلا ، وليس هو إلاّ مثل إعطاء الكافر سهمه أو كلبه للمسلم ، أو تنفير أحد صيدا من مكان يصعب الاصطياد فيه إلى مكان يسهل فيه ، أو كثرة عدو الصيد بحيث يعجز عن الفرار عن الكلب أو خوفه منه ، مع أنّه‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ٢٦.

٣٤١

لا يعدّ شي‌ء منها من باب اجتماع السببين.

وأمّا الثاني : فلأنّ تعجيز أحد الآلتين للصيد لا يخرجه عن صدق الصيد عليه عرفا إذا كان ذلك مقارنا لأثر الآخر أو قريبا منه ، والمنع عن المقدور عليه إنّما كان للخروج عن صدق الصيد ، كما مرّ.

هذا ، مع أنّه روي في قرب الإسناد عن عليّ ، عن أخيه عليه‌السلام : عن ظبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل ، ثمَّ رماه بعد ما صرعه آخر ، قال : « كله ما لم يتغيّب إذا سمّى ورماه » (١).

ومنها : أن يعلم استناد موت الصيد إلى السبب المحلّل‌ ، فلا يحلّ ما شكّ فيه واحتمل استناده إلى غيره أو إليهما معا ، بلا خلاف فيه كما صرّح به غير واحد.

ويتفرّع على ذلك : أنّه لو أرسل كلبان أو كلاب أو سهمان أو سهام أو كلب وسهم ، سمّي على أحدهما دون الآخر ، ولم يعلم استقلال المسمّى عليه في الموت ، لم يحلّ ، وكذا لو أرسل كلب وباز كذلك.

وأنّه لو غاب الصيد بعد عضّ الكلب أو إصابة السهم ثمَّ وجد مقتولا لم يحلّ ، إلاّ إذا علم استناد الموت إلى آلته المحلّلة.

وأنّه لو رماه بسهم ، فتردّى من جبل أو حائط أو وقع في ماء ومات ، لم يحلّ إذا احتمل استناد الموت إلى كلّ منهما أو كليهما.

والدليل عليه : أصالة عدم التذكية ، الثابتة بما مرّ في الأصل الثالث من الأصول المذكورة في المقدّمة.

مضافة إلى صحيحتي سليمان وحريز وموثّقة سماعة ، المتقدّمة جميعا‌

__________________

(١) قرب الإسناد ٢٧٨ ـ ١١٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٧ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٧.

٣٤٢

في المقدّمة (١) ، ورواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة الثانية من البحث الأول من الفصل الأول ، المعلّلة بقوله : « لأنّك لا تدري أخذه معلّم لا « لا » (٢) ، وصحيحة محمّد بن قيس ومرسلتي الفقيه وروايتي زرارة وعيسى ابن عبد الله ، المتقدّمة جميعا في المسألة الاولى من البحث الثاني من الفصل الأول (٣) ، ومرسلة الفقيه المتقدّمة في الشرط السابق (٤).

وإلى صحيحة الحذّاء في من يسرح كلبه المعلّم ، وفيها : « وإن وجد معه كلبا غير معلّم فلا يأكل منه » (٥).

وصحيحة محمّد بن قيس : في صيد وجد فيه سهم وهو ميّت لا يدري من قتله ، قال : « لا تطعمه » (٦).

ورواية زرارة : « إذا رميت فوجدته وليس به أثر غير السهم وقد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل ، غاب عنك أو لم يغب » (٧).

وموثّقة سماعة : عن الرجل يرمي الصيد وهو على الجبل ـ إلى أن قال ـ : « فإن وقع في ماء أو تدهده من الجبل فمات فلا تأكله » (٨).

__________________

(١) في ص : ٢٧٧ و ٢٧٨.

(٢) تقدّمت في ص : ٢٨٥.

(٣) في ص : ٣١٠ و ٣١١.

(٤) في ص : ٣٤٠.

(٥) الكافي ٦ : ٢٠٣ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٦ ـ ١٠٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٢ أبواب الصيد ب ٥ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٢١١ ـ ٨ ، الفقيه ٣ : ٢٠٤ ـ ٩٢٩ ، التهذيب ٩ : ٣٥ ـ ١٤١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٨ أبواب الصيد ب ١٩ ح ١.

(٧) الكافي ٦ : ٢١١ ـ ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣٤ ـ ١٣٩ ، مستطرفات السرائر : ١٨ ـ ٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٧ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٥.

(٨) الكافي ٦ : ٢١١ ـ ١١ ، التهذيب ٩ : ٣٤ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٩ أبواب الصيد ب ٢٠ ح ١.

٣٤٣

وروايته ، وفيها : « فإن وقع في الماء من رميتك ومات فلا تأكل منه » (١).

ثمَّ بعض تلك الروايات وإن كانت مطلقة في النهي عن أكل الصيد بعد موته غائبا ـ كما حكي عن الشيخ في النهاية (٢) ـ أو موته في الماء أو بعد السقوط عن مثل الجبل ـ كما حكي عنه أيضا (٣) ـ إلاّ أنّ بعد حمل المطلقات على المقيّدات يظهر أنّه إذا لم يعلم استناد الموت إلى السبب المحلّل ، ولو علم ذلك حلّ ، ويؤكّده أيضا ما دلّ على أكل الصيد الواقع في الماء إذا كان رأسه خارجا عنه ، كمرسلة الفقيه المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني (٤) ، وصحيحة زرارة : « إن ذبحت ذبيحة ، فأجدت الذبح ، فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك أو جبل ، إذا كنت قد أجدت الذبح فكل » (٥).

وجعل من أسباب حصول العلم بالاستناد إلى الآلة المحلّلة : صيرورتها باعث عدم استقرار حياة الصيد بعد إصابة الآلة ثمَّ وقوعه في الماء أو سقوطه عن الجبل.

وفيه نظر ، لإمكان تعجيل خروج الروح بالوقوع أو السقوط وإن كان لا يعيش لو لا ذلك أيضا.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٥ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٣٨ ـ ١٥٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٩ أبواب الصيد ب ٢٠ ح ٢.

(٢) النهاية : ٥٨١.

(٣) النهاية : ٥٨١.

(٤) في ص : ٣١٠.

(٥) التهذيب ٩ : ٥٨ ـ ٢٤١ ، تفسير العياشي ١ : ٢٩١ ـ ١٦ ، الوسائل ٢٤ : ٢٦ أبواب الذبائح ب ١٣ ح ١.

٣٤٤

وممّا ذكرنا يظهر ما في كلام جماعة ـ منهم : صاحب الكفاية (١) والمقدّس الأردبيلي (٢) ـ من تقييد حرمة الغائب أو المتردّي أو الواقع في الماء بما إذا كانت حياته مستقرّة ، والحكم بالحلّ إذا لم يكن كذلك ، مع حكمهم بأنّ المناط : العلم بالاستناد إلى الآلة المحلّلة وعدمه ، فإنّه قد يحصل العلم مع الحياة المستقرّة ، وقد لا يحصل مع عدمها.

وممّا تدلّ على ما ذكرنا أيضا حسنة حمران في الذبيحة ، وفيها : « فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه ، فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح » (٣) ، إذ ظاهر أنّ مع الذبح لا تبقى حياة مستقرّة ، فالصواب ترك ذلك القيد الذي ليس في الأخبار أيضا عنه ذكر.

وهل يقوم الظنّ الغالب في المقام مقام العلم ، أم لا؟

الحقّ : هو الثاني ، للأصل ، والتقييد في كثير من الأخبار ـ كصحيحتي سليمان ومحمّد بن قيس وموثّقة سماعة ورواية أبي بصير ومرسلة الفقيه ـ بالعلم أو الدراية.

وحكي عن بعض الاكتفاء بالظنّ (٤) ، ولعلّه لقوله في رواية زرارة : « وقد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك » ، وللاكتفاء بخروج الرأس عن الماء أو إجادة الذبح ، والتفصيل بين الأكل منه وعدمه بعد الغيبوبة في رواية عيسى ابن عبد الله السابقة (٥) ، فإنّ شيئا منها لا يفيد غير الظنّ.

وهو حسن ، ويؤيّده عدم حصول غير الظنّ الغالب غالبا ، لجواز‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٤٥.

(٢) مجمع الفائدة ١١ : ٢٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢٦ أبواب الذبائح ب ١٣ ح ٢.

(٤) كما في كشف اللثام ٢ : ٧٢ ، والكفاية : ٢٤٥ ، والمفاتيح ٢ : ٢١٣.

(٥) في ص : ٣١١.

٣٤٥

استناد الموت إلى خوف حصل له عند وصول الآلة ، أو سبب آخر من الأمراض يخرج به روحه ، فتكون هذه الوجوه قرينة لإرادة الظنّ الغالب من العلم.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ المعتبر هو العلم العادي أو ما يقوم مقامه شرعا ، ومنه أصالة عدم حدوث أمر آخر صالح لإزهاق الروح ، أو عدم تأثير الأمر الحادث في الإزهاق.

ولازمه الحلّية إذا صلحت الآلة المحلّلة الحادثة للإزهاق ، كإجادة الذبح أو شقّ البطن وخروج الحشو وفتق القلب ، ولم يعلم حدوث ما يصلح له ، أو تأثير الحادث فيه ، كالوقوع في الماء مع خروج الرأس.

والحرمة إذا صلح الأمران الحادثان للتأثير ، كما إذا دخل الرأس في الماء أو قطع بعضه وأكله ، والظاهر تلازم الأمرين غالبا ، أي العمل بالظنّ والأصل في المسألة ، والأحوط عدم التعدّي عن العلم أو ما يقوم مقامه.

ومنها : عدم إدراك الصائد المتمكّن من التذكية والذبح مع اتّساع الوقت لها للصيد حيّا‌ ، فإن أدركه كذلك لم يحلّ الصيد بدون التذكية الذبحيّة.

أمّا اشتراط التذكية ـ مع إدراكه حيّا ولو بحياة غير مستقرّة وإمكان التذكية واتّساع الزمان لها ـ فلا يعرف فيه خلاف مع استقرار الحياة.

ويدلّ عليه قوله في صحيحة محمّد وغير واحد : « إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه ، وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكل » (١).

وفي صحيحة الحذّاء : « فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه » (٢).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٢ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٢٢ ـ ٨٩ ، الاستبصار ٤ : ٦٧ ـ ٢٤١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤١ أبواب الصيد ب ٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٠٣ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٦ ـ ١٠٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٠ أبواب الصيد ب ٤ ح ١.

٣٤٦

وفي رواية أبي بصير : « وإن أدركت صيده وكان في يدك حيّا فذكّه ، فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه فكل » (١).

وفي الأخرى في البعير الممتنع المضروب بالسيف أو الرمح : « فكل ، إلاّ أن تدركه ولم يمت بعد فذكّه » (٢).

وفي رواية عبد الله بن سليمان : « إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذنب وأدركته فذكّه » (٣).

والرضوي : « إذا أردت أن ترسل الكلب على الصيد فسمّ الله ، فإن أدركته حيّا فاذبحه أنت ، وإن أدركته وقتله كلبك فكل منه » (٤).

وبهذه الأخبار يخصّ عموم الكتاب والسنّة ، مع أنّ أكثرها معلّق للحلّ على القتل.

لا يقال : الأمر بالتذكية لا يدلّ إلاّ على وجوبها أو رجحانها ، لا على اشتراطها في الحلّية الثابتة لمقتول الكلب ـ مثلا ـ بالعمومات.

قلنا : تثبت الحرمة بدونها بالإجماع المركّب ، بل تثبت بالمفهوم في بعض الأخبار المذكورة أيضا.

وأمّا عدم اشتراطها مع عدم إمكان التذكية ـ لعدم وسعة الوقت ، أو لعدم حضور الآلة ، أو امتناع الصيد ببقيّة قوّته حتى مات ، أو نحو ذلك ـ فعلى الحقّ الموافق لجماعة ، منهم : الصدوق والإسكافي (٥) والشيخ في النهاية (٦)

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٨ ـ ١١٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤١ أبواب الصيد ب ٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢١ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٥.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٢ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٤ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٧.

(٤) فقه الرضا « ع » : ٢٩٦ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١١١ أبواب الصيد ب ١١ ح ٢.

(٥) الصدوق في المقنع : ١٣٨ ، حكاه عن الإسكافي في المفاتيح ٢ : ٢١٥.

(٦) النهاية : ٥٨١.

٣٤٧

والمختلف والكفاية والمفاتيح (١) وجمع أخر من القدماء (٢) والمتأخّرين (٣).

وتدلّ عليه إطلاقات الكتاب والسنّة الخالية عن المقيّد سوى ما مرّ من أوامر التذكية ، وهي غير مفيدة ، لتقييد الأمر الشرعي المثبت للشرطي هنا بالإمكان قطعا.

مع أنّه على فرض الدلالة مطلقة يجب تقييدها بصحيحة جميل : عن الرجل يرسل الكلب إلى الصيد فيأخذه وليس معه سكّين يذكّيه بها ، أيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال : « لا بأس » الحديث (٤).

وروايته : أرسل الكلب واسمّي عليه فيصيد وما بيدي شي‌ء أذكّيه ، فقال : « دعه حتى يقتله وكله » (٥).

ومرسلة الفقيه : « إن أرسلت كلبك على صيد فأدركته ولم يكن معك حديدة تذبحه بها فدع الكلب يقتله ثمَّ كل منه » (٦) ونحوها في الرضوي (٧).

والمخالف في الأول فرقتان :

إحداهما : من استشكل في اعتبار التذكية مع إدراك الحياة مطلقا ، وهو صاحب الكفاية ، حيث قال : وإن بقيت فيه حياة مستقرّة فظاهرهم وجوب المبادرة بالمعتاد إلى تذكيته ، وفي إثباته إشكال (٨). انتهى.

__________________

(١) المختلف : ٦٧٦ ، الكفاية : ٢٤٦ ، المفاتيح ٢ : ٢١٤.

(٢) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٦.

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٢ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٦٧.

(٤) الكافي ٦ : ٢٠٤ ـ ٨ ، التهذيب ٩ : ٢٣ ـ ٩٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٤ أبواب الصيد ب ٦ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ٢٠٦ ـ ١٧ ، التهذيب ٩ : ٢٥ ـ ١٠١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٨ أبواب الصيد ب ٨ ح ٢.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٠٥ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٨ أبواب الصيد ب ٨ ح ٣.

(٧) فقه الرضا « ع » : ٢٩٦ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٠٨ أبواب الصيد ب ٨ ح ١.

(٨) كفاية الأحكام : ٢٤٦.

٣٤٨

ولعلّه مبنيّ على قاعدته من الاستشكال في دلالة الأوامر الشرعيّة على الوجوب. ولا وجه له.

إلاّ أن يقال : الوجوب الشرعي ـ الذي هو حقيقة الأوامر ـ منفيّ هنا ، فيحمل على المجاز ، وإذ لا يتعيّن فيحتمل مجرّد الرجحان.

ولكن يرد عليه : أنّ المدلول عليه بالقرائن الحاليّة في أمثال المقام كون التجوّز هو الوجوب الشرطي ، وهو مراد الأصحاب أيضا من وجوب التذكية هنا ، مع أنّ في انتفاء الوجوب الشرعي هنا أيضا نظرا ، لكون ترك التذكية إتلافا للمال المحترم وتضييعا له ، وهو الإسراف المحرّم بالكتاب والسنّة ، فيكون فعل ضدّه واجبا ، وقد صرّح بذلك المحقّق الأردبيلي قدس‌سره في المسألة (١).

وثانيتهما : من قال بعدم اعتبارها مع الحياة الغير المستقرّة ، وتخصيص وجوبها بالحياة المستقرّة المعتبرة في بعض كلماتهم بما يمكن البقاء يوما أو يومين (٢) ، بل في بعضها : الأيّام (٣) ، وفي بعض آخر : يوما أو بعض يوم. وهو المحكيّ عن المبسوط (٤) ، بل عن المشهور بين المتأخّرين كما في شرح المفاتيح وغيره (٥) ، بل مطلقا كما في المفاتيح (٦) ، وهو المصرّح به في كلام الفاضلين (٧).

واستدلّ له بأنّ ما لا تستقرّ حياته قد صار بمنزلة المقتول ، وهو‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ٤٩.

(٢) التحرير ٢ : ١٥٦ ، الإيضاح ٤ : ١٢٠.

(٣) كما في كشف اللثام ٢ : ٧٥.

(٤) المبسوط ٦ : ٢٦٠.

(٥) كالرياض ٢ : ٢٦٨.

(٦) المفاتيح ٢ : ٢١٤.

(٧) المحقق في الشرائع ٣ : ٢٠٧ ، والعلاّمة في المختلف : ٦٧٦ ، والتحرير ٢ : ١٥٦.

٣٤٩

اجتهاد فاسد في مقابلة النّص.

وقد يتوهّم أنّ القتل ـ الذي علّقت عليه الحلّية ـ يتحقّق عرفا مع انتفاء استقرار الحياة ، فيقال لمن ضرب شخصا ضربا يقطع بموته بعد لحظة أو لحظتين : إنّه قتله.

وفيه ـ مع أنّ ذلك تجوّز يراد به أنّه أشرفه على القتل ، ويراد أنّه يتحقّق قطعا ـ : أنّ ذلك لو سلّم فليس في عدم استقرار الحياة بالمعنى المتقدّم ، فإنّه يقال لمن قطع بموته غدا أو بعد غد : إنّه لم يقتله بعد.

نعم ، لو توهّم فإنّما هو إذا أريد منه أحد المعاني الأخر الذي ذكروه كما قيل : إنّ غير مستقر الحياة ما لم يتّسع الزمان للتذكية مع حضور الآلة ، أو ما كانت حركته حركة المذبوح ، أو ما لم تطرف عينه ولم تركض رجله ولم يتحرك ذنبه ، ذكر هذه المعاني المحقّق الأردبيلي (١). أو ما قطع حلقومه أو فتق قلبه أو شقّ بطنه ، ذكره بعض آخر (٢). ومع ذلك أيضا لا يفيد ، لتعليق الحكم في روايتي أبي بصير المتقدّمتين بالموت وعدم الموت ، وعدم صدق الموت مع بقاء مطلق الحياة ظاهر.

ولو لا هاتان الروايتان لكنّا نفسّر الحياة المستقرّة بما هو ظاهر معناها ، أي الحياة التي لم تشرع بعد في الخروج ولها استقرار في البدن ، وغير المستقرّة بما تزلزل عن مستقرّه وشرع في النقصان والانتفاء والخروج وإن بقي منه شي‌ء بعد.

وهذا المعنى هو الراجع إلى أحد المعاني الأربعة الأخيرة ، ونحكم باشتراط وجوب التذكية بالحياة المستقرّة ، لصدق القتل عرفا بل لغة مع‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ٥٠ ـ ٥١.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٢٢٢ ، والرياض ٢ : ٢٦٦.

٣٥٠

جعل الحيوان بهذه المثابة ، ولا دليل على توقّف صدق القتل لغة على خروج تمام الروح ، مع عدم صحّة السلب عمّا خرج شي‌ء من روحه ويتدرّج في الخروج إلى أن يتمّ ، ولبقاء هذه الحياة الغير المستقرّة للذبائح بعد التذكية ولا يحتاج إلى تذكية أخرى.

ولذا قالوا بعدم إبانة الرأس بعد التذكية وقبل خروج الروح ، فيعلم منه أنّه تحصل التذكية بما يجعل الحياة غير مستقرّة بهذا المعنى ، فتكون حاصلة في الصيد أيضا.

ولا تضرّ أخبار طرف العين أو ركض الرّجل أو حركة الذنب في ذلك أصلا ، لأنّ أكثرها ـ كما يأتي ـ واردة في خصوص الذبيحة ، ونادر منها يحتملها ويحتمل الإطلاق أيضا ، والمراد منها بيان وقت إدراك ذكاة ما لم يذكّ بعد ويراد تذكيته ، لا ما وردت عليه تذكية صيديّة أو ذبحيّة.

وبالجملة : واردة فيما لم يكن مسبوقا بتذكية ، أو ما يحتمل كونه تذكية.

ومنه يظهر حال رواية ليث المرادي الواردة في صيد الصقور والبزاة : « كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته ، [ وآخر ] الذكاة إذا كانت العين تطرف والرّجل تركض والذنب يتحرّك » (١) فإنّه هذه الذكاة أيضا غير مسبوقة بتذكية. فهو كالذبيحة ولا يشترط فيها حياة مستقرة إلاّ أنّ الروايتين المذكورتين تصدّنا عن الحكم بذلك الأمر المناسب للاعتبار.

ولعلّ المتأخّرين ـ لبنائهم في العمل على تنويع الأخبار بأنواعها‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٨ ـ ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣٣ ـ ١٣١ ، الاستبصار ٤ : ٧٣ ـ ٢٦٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٠ أبواب الصيد ب ٩ ح ٤ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : وخير ، وما أثبتناه من المصدر.

٣٥١

المعروفة ، وعدم العمل بالضعيف ـ أطرحوا الخبرين من البين ، وحكموا بالفرق بين الحياتين.

وأمّا القدماء ، فلعدم معرفتهم في الأخبار بهذه التفرقة لم يذكروا ذلك ، وعلّقوا الحكم على الحياة والموت بالإطلاق.

وترك جماعة ـ منهم : الشهيدان (١) ، ومن تبعهما ممن تأخّر عنهما (٢) ، وابن حمزة كما حكي عنه في المختلف والتنقيح (٣) ـ اعتبار استقرار الحياة.

ولذا قال الشهيدان ـ كما حكي عنهما في شرح المفاتيح ـ : إنّه ليس في كلام قدمائنا حكاية استقرار الحياة.

وحكي عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب (٤).

وهو الظاهر ـ كما قيل ـ (٥) من الشيخ والحلّي أيضا ، حيث نسبا مفاد الأخبار ـ الذي هو الإطلاق ـ إلى الأصحاب ، أو إلى رواياتهم ، فتأمّل.

ويحتمل أن يكون هذا الكلام منهم في الذبيحة دون الصيد ، كما هو الظاهر ، وخلط في المقامين من لم يفهم الفرق بين التذكيتين ، فإنّ الظاهر أنّ بناء الأصحاب في غير الصيد عدم الاعتناء بالحياة المستقرّة والاكتفاء بطرف العين ومثله لبقاء الحياة ، وفي الصيد اعتبار استقرار الحياة بالمعنى الذي ذكرناه في لزوم التذكية لئلاّ ترد تذكية على تذكية ، فإنّ بقاء الحياة الغير المستقرّة بعد الذبح كما لا يحتاج بعده إلى تذكية فيلزم أن يكون‌

__________________

(١) الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٤١٥ ، الشهيد الثاني في الروضة ٧ : ٢٢٧.

(٢) كالفيض في المفاتيح ٢ : ٢١٤ ، وصاحب الرياض ٢ : ٢٦٨.

(٣) المختلف : ٦٧٦ ، التنقيح ٤ : ٧ ، وهو في الوسيلة : ٣٥٦.

(٤) حكاه عنه في الدروس ٢ : ٤١٥.

(٥) في الرياض ٢ : ٢٦٨ ، وهو في المبسوط ٦ : ٢٦٠.

٣٥٢

كذلك في الصيد. ولذا اشترطوا في لزوم تذكيته بقاء الحياة المستقرّة ، ولم يشترطوه في الذبيحة ومثلها ، ومنه صيد الصقور والبزاة ، وغير الماهر في الفنّ قد يرى في كتب المحقّقين من العلماء اشتراط المستقرّة في الصيد دون غيره ، فيحكم بالتنافي بين الموضعين ، ولقد كنّا نحكم بالتفصيل أيضا لو لا الروايتان كما ذكرنا.

وأمّا المخالف في الثاني فهو أيضا بين طائفتين :

أولاهما : من يقول باشتراط التذكية في حلّية الصيد مع استقرار حياته ولو لم يتّسع الوقت لها ، فلو تركها والحال ذلك حتى مات حرم ، حكي عن الخلاف والسرائر والمختلف (١) ، لإطلاقات الأمر بالتذكية مع الحياة.

وأجيب بلزوم تقييد الأمر بها بالقدرة ، ومع عدم اتّساع الوقت لا تكون مقدورة (٢).

وفيه : أنّ لزوم التقييد بالقدرة إنّما هو في الأمر بمعنى الوجوب الشرعي دون الشرطي ، إلاّ أن يقال بالشرعيّة هنا بالتقريب الذي تقدّم منّا ، فيقيّد بالقدرة ، ويبقى حال عدمها تحت عمومات حلّية الصيد.

هذا ، مع أنّ قوله ـ : « فإن عجّل عليك » في ذيل رواية أبي بصير ـ صريح في الحلّية مع عدم اتساع الوقت ، منجبر بحكاية الشهرة في المسالك والروضة (٣) لو قيل بضعف الرواية ، فبه تقيّد الأوامر لو كانت شرطيّة مطلقة.

وثانيتهما : من يقول باشتراطها في الحلّية لو كان عدم إمكانها لعدم حضور الآلة ، فلو لم يذكّها لعدم حضور الآلة لم تحلّ ، ذهب إليه المحقّق‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٥١٨ ، السرائر ٣ : ٨٥ ، المختلف : ٦٧٦.

(٢) كما في الرياض ٢ : ٢٦٧.

(٣) المسالك ٢ : ٢٢٣ ، الروضة ٧ : ٢٠٧.

٣٥٣

في كتابيه (١) ، وحكي عن الحلّي وابن حمزة (٢) ، بل نسب إلى المشهور (٣) ، لأصالة الحرمة ، والأخبار المتقدّمة الدالّة على اعتبار الذبح بعد إدراكه مطلقا.

ويردّه ما مرّ من إطلاقات الكتاب والسنّة ، ومن صحيحة جميل وما تعقّبها من الروايات المتقدّمة (٤).

وأجيب عن الأول : بمنع إطلاق الكتاب والسنّة استنادا إلى أنّه لو كان كذلك لجاز ترك التذكية مع وجود [ آلة ] (٥) الذبح (٦).

وهو مردود بأنّه نعم كان كذلك لو لا الإجماع والأخبار الموجبة للتذكية مع إدراكها.

والقول بأنّ الأخبار المذكورة شاملة لمفروض المسألة أيضا ، لأنّ غايتها التقييد بالإمكان وعدم العذر ، وفقد الآلة ليس بعذر ، كما في الحيوان الغير الممتنع الممكن فيه التذكية (٧).

مردود بأنّه لم ليس فقد الآلة عذرا؟! مع أنّه لا يمكن الذبح بدونها البتّة ، مع أنّه قد يكون فقدها لنسيان أخذها ، أو عدم إرادة صيد أولا ، أو افتقارها بعد الأخذ ، أو انكسارها. وعدم كونه عذرا في غير الممتنع لأنّه لا يقبل العذر أصلا ، ولذا لو مات قبل وصول المالك إليه ـ ولو عجّل في‌

__________________

(١) المختصر النافع : ٢٤٩ ، والشرائع ٣ : ٢٠٣.

(٢) الحلي في السرائر ٣ : ٩٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٦ ، حكاه عنهما في المختلف : ٦٧٤.

(٣) في الرياض ٢ : ٢٦٧.

(٤) في ص : ٣٤٨.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(٦) انظر الإيضاح ٤ : ١٢٢.

(٧) الرياض ٢ : ٢٦٧.

٣٥٤

الوصول غاية التعجيل ـ لم يحلّ ، وكيف يكون عدم اتساع الزمان عذرا كما ذكره هذا القائل ولا يكون ذلك عذرا؟! والتفرقة بينهما ـ بصدق الإدراك مع فقد الآلة عرفا وعدم صدقه مع عدم اتّساع الزمان ـ فاسدة ، لأنّه إن أريد إدراك الذكاة فلم يدركها في شي‌ء من الحالين ، وإن أريد إدراك الحياة فقد أدركها في الحالين ، مع أنّه استدلّ للتقييد باتّساع الزمان بعدم المقدورية بدونه ـ وهو هنا يتحقّق قطعا ـ لا بعدم صدق الإدراك.

وعن الثاني : بمنع دلالة الروايات المتقدّمة ، لأنّها لا تدلّ على الأزيد من أخذ الكلب للصيد ، وهو غير صريح في إبطال امتناعه ، بل يجوز أن يكون الصيد بعد باقيا على الامتناع والكلب ممسك له ، فإذا قتله حينئذ فقد قتل ما هو ممتنع ، فيحلّ بالقتل (١).

وفيه : أنّ قوله : ولا يكون معه سكّين ، وقوله : فيذكّيه بها ، وقوله : أيدعه؟ و : « دعه » قرائن موجبة لصراحته في صورة إبطال الامتناع ، سيّما أنّ الغالب بطلانه بمجرّد الأخذ ، وتتضمن المرسلة لقوله : « فأدركته » الذي هو بعينه عبارة أدلّة الأمر بالتذكية.

والقول بأنّ غاية ما يفيد تلك القرائن الظهور ، وهو لا ينافي الحمل على صورة بقاء الامتناع جمعا بين الأدلّة.

فاسد جدّا ، إذ هل تكون الأدلّة الشرعيّة إلاّ الظواهر؟! وبها تخصّص العمومات وتقيّد الإطلاقات ، ولا يقول أحد بارتكاب خلاف الظاهر في الخاص أو المقيّد جمعا بينه وبين العام أو المطلق.

__________________

(١) الإيضاح ٤ : ١٢٢.

٣٥٥

وأفسد منه ما قيل : إنّه على تقدير الصراحة أيضا يقوى القول باعتبار التذكية مع فقد الآلة ، لاعتضاده بالشهرة العظيمة ، التي هي من المرجّحات الشرعية (١).

فإنّه أين ثبتت الشهرة فضلا عن العظيمة؟! غايتها المحكيّة ، وهي ليست بتلك المثابة ، مع أنّ المرجّح ليس هذه الشهرة ، بل هي الشهرة في الرواية ، وهي هنا مفقودة.

وأيضا الاحتياج إلى المرجّح إنّما هو مع التعارض المحتاج إليه ، وبعد تسليم الصراحة تكون الصحيحة وما بمضمونها خاصّة ، فتكون مقدّمة البتّة ، سيّما مع عمل فحول القدماء بها.

ولو سلّم التعارض فلا يكون مرجّح ، فيرجع إلى أصل الإباحة والتذكية بعد التسمية.

فروع :

أ : المشهور ـ كما قيل (٢) ـ وجوب المسارعة العرفيّة بالمعتاد إلى الصيد بعد إرسال الآلة أو بعد إصابتها الصيد شرطا أو شرعا.

وتأمّل فيه جماعة من المتأخّرين ، كالمحقّق الأردبيلي (٣) وصاحب الكفاية (٤) وشارح المفاتيح وبعض مشايخنا المعاصرين (٥) ، مصرّحين بعدم وجدانهم دليلا عليه.

__________________

(١) الرياض ٢ : ٢٦٧.

(٢) الرياض ٢ : ٢٦٨.

(٣) مجمع الفائدة ١١ : ٤٩.

(٤) الكفاية : ٢٤٦.

(٥) صاحب الرياض ٢ : ٢٦٨.

٣٥٦

إلاّ ما ذكره الأول من أنّه لو لا المسارعة لاحتمل إصابة الآلة ومجرّد الجرح بها ثمَّ الموت بعده لا بذلك الجرح فقط فلا يكون مقتولا بالآلة فيحرم. أمّا مع المسارعة فإن أدركه حيّا يذكّيه ، وإلاّ فيعلم أنّه مقتول الآلة.

وما ذكره الأخير من أصالة الحرمة ، وعدم انصراف الإطلاقات إلى صيد لم تتحقّق إليه المسارعة المعتادة ، لأنّ المتبادر منها ما تحقّقت فيه ، وإلاّ لحلّ الصيد مع عدمها ولو بقي غير ممتنع سنة ثمَّ مات بجرح الآلة ، مع أنّ الثابت من استقراء النصوص دوران حلّ الصيد بالاصطياد وحرمته مدار حصول موته حال الامتناع به وعدمه مع القدرة عليه ، فيحلّ في الأول دون الثاني إلاّ مع تذكيته.

وعن الحلّي الإجماع عليه ، حيث قال : ولا يحلّ مقتول الكلب إلاّ مع الامتناع إجماعا ، فلو أخذته الآلة وصيّرته غير ممتنع توقّف حلّها على التذكية ، فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة (١).

ويرد على الأول : أنّ الاحتمال المذكور جار مع المسارعة أيضا ، وقد يعلم استناد الموت بدون المسارعة مع القرائن ، وبالجملة : العلم باستناد الموت إلى الاصطياد أمر آخر وراء المسارعة.

وعلى الثاني : منع أصالة الحرمة بعد إرسال الآلة وإجراء التسمية ، وعدم تفاوت الإطلاقات بالنسبة إلى ما تحقّقت إليه المسارعة أو لم تتحقّق ، ونسلّم حلّية ما مات بالجرح ولو بعد سنة وإن ادّعي الإجماع على خلافه فهو فيه الحجة ، ومنع دلالة الاستقراء على ما ذكره ، وأيّ نصّ أو ظاهر فيه عليه الدلالة؟!

__________________

(١) حكاه عنه في التنقيح ٤ : ١٤ ، والرياض ٢ : ٢٦٨ ، وهو في السرائر ٣ : ٩٣.

٣٥٧

ومراد الحلّي بيان ما يحلّ بالصيد ـ أي الحيوان الممتنع ، كما ذكرنا أيضا ـ لا وقوع الموت والقتل للممتنع حال الامتناع ، فإنّه غير محقّق غالبا ، إذ بعد الأخذ والإصابة يضعف الصيد شيئا فشيئا حتى يموت.

وعلى هذا ، فما ذكروه من خلوّ ذلك عن الدليل مطابق للواقع ، والأصل يقتضي العدم ، إلاّ أنّ بعد مشاهدة الصائد إصابة الآلة إلى الصيد وإيجابه عجزه وضعفه وإبطال امتناعه يصدق إدراكه حيّا وتجب تذكيته ، فتلزم المسارعة إليه ، لئلاّ يموت الصيد المدرك حياته ، ولا يبعد أن يكون مرادهم ذلك أيضا.

ب : قال بعض شرّاح المفاتيح باختصاص أدلّة وجوب التذكية مع إدراك الصيد حيّا بما صيد بالآلة الحيوانيّة‌ ، قال : ووجوب التذكية فيما صيد بالآلة الجماديّة مع إدراكه حيّا ووجوب المسارعة إليه بالمعتاد فمستنده غير واضح.

أقول : تدلّ عليه رواية أبي بصير الثابتة في البعير الممتنع ، المتقدّمة في صدر هذا الشرط (١).

إلاّ أن يقال : إنّها مخصوصة بما تجب ذكاته أصلا ورخّص في الضرب بالسيف والرمح لمكان العذر ، فإذا ارتفع وحياته باقية يعمل فيه بمقتضى أصله ، بخلاف ما لم يكن أصله كذلك ، والإجماع المركّب غير ثابت.

وعلى هذا ، فلا ينبغي الريب في حلّ مقتول الآلة الجماديّة إذا أدركه مع الحياة الغير المستقرّة بالمعنى الذي ذكرناه من شروع الروح في‌

__________________

(١) في ص : ٣٤٧.

٣٥٨

الخروج ، للإطلاقات وعدم المقيّد في المقام ، وأمّا فيما أدركت حياته المستقرّة فالأحوط التذكية مع الإمكان واتّساع الزمان ووجود الآلة ، كما في المقتول بالآلة الحيوانيّة.

ج : اعلم أنّ ما ذكر إنّما هو إذا لم يقطع بعض أعضاء الحيوان بالآلة ، وأما إذا قطع وأبين منه فهو مسألة أخرى ، لتعارض أخبار الأجزاء المبانة من الحيّ مع بعض الإطلاقات ، فلها حكم آخر غير حكم هذه المسألة ، وما أصاب من جعل المسألتين من باب واحد ، ولذا أشكل عليه المقام وأمّا على ما ذكرنا فلا إشكال كما يأتي.

* * *

٣٥٩

الفصل الخامس

في سائر أحكام الصيد وما يتعلّق به

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لا يشترط في حلّ الصيد اصطياده بآلة مباحة ، فلو غصب كلبا أو سهما أو غيرهما من الآلات فاصطاد به صيدا لم يحرم الصيد وإن فعل حراما ، للأصل ، والإطلاقات ، وعدم دلالة النهي في أمثال المقام من المعاملات على الفساد وإن دلّ عليه في العقود والإيقاعات.

المسألة الثانية : الحقّ المشهور : أنّ موضع عضّ الكلب من الصيد نجس يجب غسله‌ ، لما ثبت من نجاسة الملاقي للكلب بالرطوبة.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط والخلاف (١) ، فقال بطهارة موضع العضّ ، لظاهر قوله سبحانه ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) (٢) من غير أمر بالغسل.

وفيه : أنّ الإذن في الأكل لا ينافي توقّفه على أمر آخر إذا ثبت بدليل آخر.

المسألة الثالثة : المشهور كراهة رمي الصيد بآلة أكبر منه ـ كقتل العصفور بالسيف والرمح ـ لمرفوعة محمّد بن يحيى : « لا يرمي الصيد بشي‌ء هو أكبر منه » (٣).

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢٥٩ ، الخلاف ٢ : ٥١٧.

(٢) المائدة : ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢١١ ـ ١٢ ، التهذيب ٩ : ٣٥ ـ ١٤٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٠ أبواب الصيد ب ٢١ ح ١.

٣٦٠