مستند الشّيعة - ج ١٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٩٠

الميتة أيضا على مطلق ما خرج روحه ، لاقتضاء الهيئة الاشتقاقيّة معنى ، فلعلّه ما يقيّد المطلق ، كما بيّنّاه مفصّلا في العوائد (١) وغيره ، ويثبته عطف ما أهلّ لغير الله في آيتين من كتاب الله سبحانه على الميتة ، وكذا المنخنقة وسائر أخواتها (٢).

وأمّا رابعا : فلأنّ قوله : ودعوى عدم صدق الميتة ، إلى آخره ، فيه : أنّ عدم توقّف صدق لفظ الميتة على عدم التذكية لا يثبت صدقه على كلّ ما خرج روحه ، لاحتمال توقّف صدقه على حتف الأنف ، أو عدم مدخليّة إنسان في فنائه ، أو غير ذلك ، مع أنّه يمكن أن يكون الميتة مقابل المذكّى ، والتذكية أمر ثابت في كلّ شريعة من لدن آدم ، كما نصّ عليه في بعض أسفار التوراة فيما يخبر عن خطابه سبحانه مع نوح النبيّ صلّى الله على نبيّنا وعليه.

وتقدّم سبق لغة الميتة على كلّ الشرائع ممنوع ، ولو سلّم ذلك بحسب اللغة فنقول : إنّه يظهر للمتتبّع في أخبار الأطهار وكلمات الأبرار أنّ الميتة صارت حقيقة شرعيّة فيما يقابل المذكى ، فندّعي الاختصاص شرعا أو عرفا عامّا.

وأمّا خامسا : فلأن ما ذكره ـ من عدم عموم السلاح لغة ، لأنّه نكرة مثبتة ـ مردود بأنّه واقع موقع الشرط ، ومثله يفيد العموم لغة ، كما في قولك : إذا جاءك رجل فأكرمه ، و : من جاءني برجل أكرمه. مع أنّ هذا القول لا يجري في قوله : إذا كان ذلك سلاحه أو مرماته ، والله سبحانه هو العالم.

__________________

(١) عوائد الأيام : ٢١١.

(٢) الاولى في البقرة : ١٧٣ ، النّحل : ١١٥ ، الثانية في المائدة : ٣.

٣٢١

الفصل الثاني

في المصيد‌

أي الحيوان الذي يحلّ بالصيد الانتفاع منه أكلا أو غير أكل ، كجلود السباع.

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الصيد المحلّل لا يتحقّق إلاّ فيما يقبل الذكاة من الحيوانات ، أمّا ما لا يقبلها ـ كالمسوخات والحشرات ونجس العين ـ فلا يتحقّق فيه الصيد بذلك المعنى ، والوجه واضح.

المسألة الثانية : كلّ حيوان وحشيّ بالأصل ، غير مستأنس بالعارض ، غير مقدور عليه غالبا ، يحلّ منه بالصيد ما يحلّ منه بالذبح‌ ، بلا خلاف كما في الكفاية وشرح الإرشاد (١) ، بل هو موضع وفاق بين المسلمين.

وهو بإطلاقه يشمل مأكول اللحم وغيره ، والتقييد بالمحلّل في بعض العبارات (٢) كأنّه أريد به المحلّل بالصيد ما يحلّل به من أكل أو انتفاع آخر.

وأخبار الباب وإن كان معظمها ـ بل غير نادر منها ـ مختصّة بالمأكول ، لتضمّنه الأكل ، إلاّ أنّه يمكن أن يستدلّ لغير المأكول أيضا باستصحاب طهارة الجلد.

وبخصوص موثّقة سماعة : عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال : « إذا‌

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٢٤٤ ، انظر مجمع الفائدة ١١ : ٥ ، ٤٠.

(٢) كما في المسالك ٢ : ٢١٧.

٣٢٢

رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا » (١).

وعموم مرسلتي الفقيه المتقدّمتين في المسألة الاولى من البحث الثاني (٢). وموثّقة زرارة وإسماعيل ورواية زرارة المتقدّمتين في الخامسة منه (٣). ولكنّها مخصوصة بالآلات الجماديّة ، فليس في الكلب إلاّ أحد الإجماعين لو ثبت والاستصحاب.

ويمكن أن يستدلّ له برواية زرارة : « إذا أرسل الرجل كلبه ونسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يسمّي ، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي أن يسمّي » (٤) ، فتأمّل.

المسألة الثالثة : كلّ حيوان مقدور عليه غالبا ـ كأطفال الحيوانات الوحشيّة الغير القادرة على العدو ، والفراخ الغير القادرة على الطيران ـ لا يحلّ بالصيد ما لم يذكّى بالذبح وإن كان وحشيّا بالأصل ، بلا خلاف فيه يعرف ، بل بالإجماع ، وهو الدليل عليه.

مع رواية الأفلح : « ولو أنّ رجلا رمى صيدا في وكره فأصاب الطير والفراخ جميعا فإنّه يأكل الطير ولا يأكل الفراخ ، وذلك أنّ الفرخ ليس بصيد ما لم يطر ، وإنّما يؤخذ باليد ، وإنّما يكون صيدا إذا طار » (٥).

ويظهر من التعليل حكم الكلب أيضا ، بل وحكم صغار الحيوانات الغير الطير.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٧٩ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ٣ : ٤٨٩ أبواب النجاسات ب ٤٩ ح ٢.

(٢) في ص : ٣١١.

(٣) في ص : ٣١٨.

(٤) الكافي ٦ : ٢٠٦ ـ ١٨ ، الفقيه ٣ : ٢٠٢ ـ ٩١٥ ، التهذيب ٩ : ٢٥ ـ ١٠٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٧ أبواب الصيد ب ١٢ ح ٢.

(٥) التهذيب ٩ : ٢٠ ـ ٨٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٣ أبواب الصيد ب ٣١ ح ١.

٣٢٣

وظهر ممّا ذكر أنّه لا تحلّ بدون التذكية الذبيحة الوحشيّة الغير القادرة على العدو ، لانكسار رجليها أو عمى عينيها أو دخولها في حصار لا يمكن لها الفرار ، أو طير لا يقدر على الطير لانكسار جناحيه أو دخوله بيتا يمكن أخذه بسهولة ، ونحو ذلك.

المسألة الرابعة : كلّ حيوان مستأنس لا يحلّ بالصيد ما لم يذبح ، سواء كان استئناسه أصليّا ـ كالبعير والبقر والشاة والهرّة ونحوها ـ أو عارضيّا ـ كالظبي المستأنس والطير كذلك ـ للإجماع ، وعدم صدق الصيد ، والعمومات المتضمّنة لوجوب التذكية فيما أدركت ذكاته ، كرواية عبد الله بن سليمان : « إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذنب وأدركته فذكّه » (١).

المسألة الخامسة : كلّ وحشيّ بالعارض ـ كالشاة العاصية أو المتوحّشة ، والبعير العاصي أو المتوحّش ، ونحوهما ـ يحلّ بما يحلّ به الوحشي الأصلي من الاصطياد بالآلة الجماديّة أو الحيوانية ، وكذا الصائل من البهائم الإنسيّة ، والمتردّي منها في بئر ونحوه إذا تعذّر ذبحه ونحره. بلا خلاف يعرف بيننا كما في الكفاية (٢) ، بل مطلقا كما في غيرها (٣) ، بل هو موضع وفاق منّا ومن أكثر العامّة كما في المسالك (٤) ، بل بالإجماع في المتوحّش والعاصي كما في شرح الإرشاد للأردبيلي (٥).

وتدلّ عليه ـ في المتوحّش والعاصي والصائل ـ رواية أبي بصير : « إذا‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٢ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٤ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٧.

(٢) الكفاية : ٢٤٦.

(٣) كما في المفاتيح ٢ : ١٩٤.

(٤) المسالك ٢ : ٢٢١.

(٥) مجمع الفائدة ١١ : ٥ ، ٤٠.

٣٢٤

امتنع عليك بعير وأنت تريد أن تنحره فانطلق منك ، فإن خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته برمح بعد أن تسمّي فكل ، إلاّ أن تدركه ولم يمت بعد فذكّه » (١).

وصحيحة العيص : « إنّ ثورا ثار بالكوفة فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه ، فأتوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فسألوه ، فقال : ذكاة وحيّة ولحمه حلال » (٢) ، وقريبة منها صحيحة محمّد الحلبي (٣) ، وموثّقة البقباق والبصري (٤).

وصحيحة الحلبي : في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها وقد سمّى حين ضرب ، فقال : « لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح في مذبحها » يعني : إذا تعمّد لذلك ولم يكن حاله حال اضطرار ، وأمّا إذا اضطرّ إليها واستصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك (٥).

والظاهر من الاضطرار فيها عدم التمكّن من الذبح ، لا الاضطرار إلى الأكل.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢١ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٥٧ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٩ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٢. والمراد بالوحيّة : السريعة ـ مجمع البحرين ١ : ٤٣٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٩ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٥٦ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٦ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٥٣ ـ ٢٢١ ، الوسائل ٢٤ : ١٢ أبواب الذبائح ب ٤ ح ٣.

٣٢٥

والمرويّ في قرب الإسناد : « إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها ، فإن لم تقدروا أن تعرقبوها فإنّه يحلّها ما يحلّ الوحش » (١).

والنبويّ المشهور : « كلّ إنسيّة توحّشت فذكّها ذكاة الوحشيّة » (٢).

وآخر : يا رسول الله ، إنّ لي كلابا مكلّبة فأفتني في صيدها ، قال : « كل ما أمسكن عليك » قلت : ذكي وغير ذكي ، قال : « ذكي وغير ذكي » (٣).

وفي المتردّي رواية إسماعيل الجعفي : بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال : « تدخل الحربة فتطعنه بها وتسمّي وتأكل » (٤).

وموثّقة زرارة : عن بعير تردّى في بئر فذبح من قبل ذنبه ، قال : « لا بأس إذا ذكر اسم الله عليه » (٥).

والمرويّ في قرب الإسناد : « أيّما إنسيّة تردّت في بئر فلم يقدر على منحرها فلينحرها من حيث يقدر عليها ويسمّي الله عليها » (٦).

وأكثر الأخبار المذكورة وإن اختصت من الآلات بالجماديّة ، ومن الحيوانات بالبعير والثور والشاة ، إلاّ أنّ رواية قرب الإسناد الاولى والنبويّين تشمل جميع الحيوانات وتمام الآلات ، بل أحد النبويين مصرّح بالكلب.

وضعفها ـ بعد ما عرفت من الاشتهار وحكايات الإجماع ونفي‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٤٥ ـ ٥٢٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢٢ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٩.

وعرقبت الدابة : قطعت عرقوبها ، وهو : عبارة عن الوتر خلف الكعبين بين مفصل الساق والقدم ـ مجمع البحرين ٢ : ١٢٠.

(٢) كنز العمّال ٦ : ٢٦١ ـ ١٥٦٠٠.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ١١٠ ـ ٢٨٥٧ ، مسند أحمد ٢ : ١٨٤.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣١ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٤ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٤.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٠٨ ـ ٩٥٨ ، الوسائل ٢٤ : ٢١ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٦.

(٦) قرب الإسناد : ١٠٦ ـ ٣٦٠ ، الوسائل ٢٤ : ٢١ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٨.

٣٢٦

الخلاف ـ لا يضرّ.

نعم ، هي مخصوصة بغير المتردّي.

وأمّا المتردّي ، فتعميم الحيوان فيه لعلّه بالإجماع المركّب ، مع أنّ في صحيحة الحلبي ذكر الشاة أيضا ، بل يمكن إثبات التعميم فيه بالنسبة إلى الحيوان برواية قرب الإسناد الثانية ، فإنّ المراد بالنحر هو معناه اللغوي ، كما يدلّ عليه قوله : فلينحرها من حيث شاء.

وبالنسبة إليه وإلى الآلة : بروايته الاولى وبالنبويّ الأخير ، إلاّ أنّ ضعفهما في تعميم الآلة غير معلوم الانجبار ، إذ لم يعلم من كلام الأصحاب تعميمهم في ذلك بالكلاب أيضا ، فإنّ إرسال الكلب إلى المتردّي غير متعارف ، بل غير ميسّر غالبا ، فالحكم به مشكل.

* * *

٣٢٧

الفصل الثالث

في الصائد

ويشترط فيه أمور :

منها : أن يكون مسلما ، سواء كان مرسلا للكلب أو صائدا بالآلة الجماديّة ، فلا يحلّ صيد الكافر مطلقا ، سواء كان حربيّا أو ذميّا ، إجماعا في الأول ، وعلى الحقّ المشهور في الثاني ، بل فيه أيضا الإجماع عن الانتصار (١).

لتعليل حرمة ذبيحة الكفّار في أخبار كثيرة ، كروايتي قتيبة (٢) ، ورواية الحسين بن المنذر (٣) الآتية في الذبيحة بأنّه لا يؤمن على الاسم إلاّ مسلم.

ولصحيحة محمّد : عن نصارى العرب أتوكل ذبيحتهم؟ فقال : « كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام ينهى عن ذبائحهم وصيدهم ومناكحتهم » (٤).

وصحيحة الحلبي : عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال : « كان عليّ عليه‌السلام ينهاهم عن أكل ذبائحهم وصيدهم » (٥).

__________________

(١) الانتصار : ١٨٨.

(٢) الاولى : الكافي ٦ : ٢٤١ ـ ١٧ ، الوسائل ٢٤ : ٥٠ أبواب الذبائح ب ٢٦ ح ٦ ، الثانية : الكافي ٦ : ٢٤٠ ـ ١٢ ، التهذيب ٩ : ٦٣ ـ ٢٦٧ ، الاستبصار ٤ : ٨١ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ٢٤ : ٥٤ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٨.

(٣) التهذيب ٩ : ٦٣ ـ ٢٦٨ ، الاستبصار ٤ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٢٤ : ٥١ أبواب الذبائح ب ٢٦ ح ٧.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٩ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٦٥ ـ ٢٧٨ ، الاستبصار ٤ : ٨٣ ـ ٣١١ ، الوسائل ٢٤ : ٥٤ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ٦.

(٥) التهذيب ٩ : ٦٤ ـ ٢٧١ ، الاستبصار ٤ : ٨١ ـ ٣٠٤ ، الوسائل ٢٤ : ٥٨ أبواب الذبائح ب ٢٧ ح ١٩.

٣٢٨

واختصاصهما بنصارى العرب غير ضائر ، للإجماع المركّب ، ومفهوم رواية عيسى بن عبد الله : عن صيد المجوسي ، قال : « لا بأس إذا أعطوكه حيّا والسمك أيضا ، وإلاّ فلا تجز شهادتهم إلاّ أن تشهده » (١).

وأمّا الأخبار الواردة في أكل ذبائحهم (٢) فلا تضرّ هنا ، لأنّ الذبيحة غير الصيد ، مع أنّها فيها أيضا غير مفيدة كما يأتي.

ومنها : العقل ، فلا يحلّ صيد المجنون ، للإجماع ، وعدم الائتمان على الاسم.

ومنها : التمييز ، فلا يحلّ صيد الصبي الغير المميّز ، للدليلين المذكورين.

ومنها : أن لا يكون غاليا ، للإجماع ، وعدم كونه مسلما فلا يؤتمن بالاسم.

ومنها : أن لا يكون ناصبيّا ، للإجماع ، والعموم الناشئ عن ترك الاستفصال في رواية أبي بصير : عن الرجل يشتري اللحم من السوق وعنده من يذبح ويبيع من إخوانه فيتعمّد الشراء من النصّاب ، فقال : « أيّ شي‌ء تسألني أن أقول؟! ما يأكل إلاّ مثل الميتة والدم ولحم الخنزير » ، قلت : سبحان الله ، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير؟! فقال : « نعم وأعظم عند الله » (٣).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٧ ـ ٨ ، التهذيب ٩ : ١٠ ـ ٣٣ ، الاستبصار ٤ : ٦٤ ـ ٢٢٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٦ أبواب الصيد ب ٣٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٤ : ٥٢ أبواب الذبائح ب ٢٧.

(٣) التهذيب ٩ : ٧١ ـ ٣٠٣ ، الاستبصار ٤ : ٨٧ ـ ٣٣٤ ، الوسائل ٢٤ : ٦٧ أبواب الذبائح ب ٢٨ ح ٤.

٣٢٩

ولا يشترط فيه البلوغ ولا الذكورة ولا الإيمان ، بلا خلاف في الأولين ، بل بالإجماع وهو الحجّة فيهما ، مضافا إلى الأصل الذي ذكرنا مرارا ، وإلى عمومات الحلّ بالصيد بالحيوان وبالآلة الشاملة لصيدهما ، وإلى ما سيأتي من حلّ ذبيحتهما الموجب لحلّ صيدهما بالطريق الأولى ، فتأمّل.

وعلى الأظهر الأشهر في الثالث ، للثلاثة الأخيرة.

خلافا لظاهر من يحرّم ذبيحة المخالف ، لما دلّ عليه ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

* * *

٣٣٠

الفصل الرابع

في سائر شرائط الصيد

وهي أمور :

منها : أن يكون الصيد باستعمال الصائد للآلة‌ ، كالإرسال في الكلب ، وكالرمي في السهم ، والطعن في الرمح ، والضرب بالسيف ، والرمي في التفنگ ، ونحو ذلك ممّا يصدر من الصائد بقصد.

فلو لم يستعمله هو ـ بأن يسترسل الكلب بنفسه ، أو يخرج التفنگ من قبل نفسه ، أو أخرج السيف ونحوه من غير اختيار وقصد ـ لم يفد الحلّ بلا خلاف يعرف ، وفي الكفاية في الأول : إنّه المعروف بينهم (١). وعن الخلاف فيه الإجماع (٢).

لا لأصالة الحرمة ـ كما قيل (٣) ـ لما ذكرنا من الأصل الثاني المقتضي لأصالة الحلّية بعد التسمية ، كما ذكره المحقّق الأردبيلي أيضا (٤).

بل لمفهوم الشرط في النبويّ : « إذا أرسلت كلبك المعلّم فكل » (٥).

وضعفه بالعمل منجبر. وكون الشرط مورد الغالب لا يضرّ في حجّية المفهوم ، خصوصا مثل تلك الغلبة التي لا توهن في تبادر المفهوم.

ولرواية القاسم بن سليمان : عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه ،

__________________

(١) الكفاية : ٢٤٥.

(٢) الخلاف ٢ : ٥١٩.

(٣) في الرياض ٢ : ٢٦٣.

(٤) مجمع الفائدة ١١ : ٢٧.

(٥) صحيح البخاري ٧ : ١١١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥٢٩ ـ ١٩٢٩.

٣٣١

فصاد فأدركه صاحبه وقد قتله ، أيأكله؟ قال : « لا » (١).

واحتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية لا إلى الاسترسال يمنعه ترك الاستفصال ، وإن قلت بتلازم عدم التسمية والاسترسال فهو بنفسه يكون دليلا على المطلوب.

وتقوية الاحتمال المذكور ـ بقول الراوي في ذيل الرواية : وقال عليه‌السلام : « إذا صاد وقد سمّى فليأكل وإن صاد ولم يسمّ فلا » ـ ضعيفة جدّا ، لأنّ المراد من الذيل بيان ما يعتبر مع الإرسال ، ولا أقلّ ذلك من الاحتمال ، وهو كاف في بقاء العموم الناشئ من ترك الاستفصال.

ولمرسلة أبي بصير : « لا يجزي أن يسمّي إلاّ الذي أرسل الكلب » (٢).

وفي رواية زرارة : « لا يسمّي إلاّ صاحبه الذي أرسله » (٣).

وجه الدلالة : أنّه لو لم يرسله فلا تكون تسميته مجزية بدلالة الروايتين ، إذ لا يكون مرسل حتى تكون التسمية ممّن أرسله ، وإذا لم تكن تسمية لم يحلّ أصلا وإجماعا وكتابا وسنّة.

ولرواية السكوني المتقدّمة في كلب المجوسي : « لا تأكل صيده إلاّ أن يأخذه المسلم فيعلّمه ويرسله » (٤) ، وجه الدلالة واضح.

ولمفهوم قوله في رواية سليمان بن خالد المتقدّمة : « إن كان يعلم أنّ‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٥ ـ ١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٠٢ ـ ٩١٤ ، التهذيب ٩ : ٢٥ ـ ١٠٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٦ أبواب الصيد ب ١١ ح ١.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٦ ـ ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٩ أبواب الصيد ب ١٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٦ ـ ١٠٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٩ أبواب الصيد ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٠٩ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٠ ـ ١٢٠ ، الاستبصار ٤ : ٧١ ـ ٢٥٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦١ أبواب الصيد ب ١٥ ح ٣.

٣٣٢

رميته هي التي قتلته فليأكل » (١).

ويدلّ عليه أيضا نهيه سبحانه في الكتاب والسنّة عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، والتصريح باشتراط ذكر اسم الله عليه ، فإنّ في تحقّق ذكر اسم الله على الصيد ـ الذي ليس في يد الذاكر بل قد يبعد عنه كثيرا ـ خفاء وإجمالا ، ولا يعلم متى يتحقّق ذكر اسم الله عليه ، ولازمه الأخذ بالمتيقّن ، وهو إذا صادف الإرسال والاستعمال ، وأمّا بدونه فلا يعلم تحقّق ذكر اسم الله عليه.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ المسألة واضحة المأخذ بحمد الله سبحانه ، فمناقشة جمع من المتأخرين ـ كالأردبيلي (٢) وصاحب الكفاية (٣) وشارح المفاتيح ـ في بعض أدلّتها غير ضائرة.

فرعان :

أ : لو استرسل الكلب بنفسه فزجره صاحبه ، فإن لم ينزجر فلا يحلّ صيده‌ ، لعدم صدق الإرسال قطعا. وإن انزجر ووقف ثمَّ أغراه صاحبه حلّ ، لصدق الإرسال.

ب : لو استرسل بنفسه ثمَّ أغراه صاحبه ، فإن لم يزد في عدوه فلا يتحقّق الإرسال قطعا‌ ، إذ لم يظهر أثر لإغرائه.

واحتمال كونه إرسالا ـ لجواز كون ذهابه بعد الإغراء بإذن المالك ـ ضعيف ، لتوقّف الحلّ على العلم بذلك ، مع أنّه خلاف الأصل.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٠ ـ ٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٥ أبواب الصيد ب ١٨ ح ١.

(٢) مجمع الفائدة ١١ : ٢٨.

(٣) الكفاية : ٢٤٥.

٣٣٣

وإن زاد في عدوه ، فقال الأردبيلي : فيه وجهان : من حيث إنّ زيادة العدو وسرعته بمنزلة الإرسال ، فيكفي. ومن حيث إنّ هذا العدو مركّب من إرسال واسترسال وليس هو إرسالا ، فلا يكون محلّلا ، كالقتل بالكلب المعلّم وغير المعلّم (١).

والتحقيق : أنّ زيادة العدو بالإغراء لا يسمّى في العرف إرسالا ، ولا أقلّ من عدم معلوميّة ذلك ، مع أنّه شرط في الحلّية.

ومنها : أن يقصد بإرساله الكلب أو رميه السهم الصيد المحلّل بلا خلاف فيه ، فلو أرسل كلبه لينظر عدوه ، أو رمى السهم إلى هدف ، أو أرسل ورمى للامتحان أو اللعب أو المشق ، فاتّفق أنّه أصاب صيدا وقتله ، أو أرسل الأول ورمى الثاني إلى غير محلّل ـ كخنزير أو مسوخ ـ فصاد الأول أو أصاب الثاني ظبيا اتّفاقا ، لم يحلّ ، لما أشير إليه سابقا من دلالة الكتاب والسنّة المتواترة على اشتراط حلّية الحيوانات على ذكر اسم الله عليه ، ولا يعلم ذكر اسم الله عليه ، إلاّ إذا قصده بخصوصه حين الإرسال والرمي ، فلا يحلّ إلاّ معه.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما استظهره المحقّق الأردبيلي (٢) من الحكم بالحلّ في هذه الصور ، للعمومات ، وخلوّ الأدلّة عن قصد الصيد ، وتخصيص الحرمة بما هو الغالب في هذه الصور من ترك التسمية وجعل البحث مع فرضها.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكرنا عدم الحلّية مع عدم قصد الصيد المعيّن مطلقا وإن قصد جنسه أو صيدا آخر محلّلا أو أحد هذه الظباء ، إلاّ أنّ هذه الصور خارجة بالإجماع ، وبرواية عبّاد بن صهيب المتقدّمة في المسألة الاولى من‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ٢٨ ـ ٢٩.

(٢) مجمع الفائدة ١١ : ٢٧.

٣٣٤

البحث الثاني من الفصل الأول (١).

ولو سمّى بعد مشاهدته ميل الكلب أو السهم إلى المحلّل لم يفد ، لعدم معلوميّة كون ذلك ذكر اسم الله عليه ، فيقتصر على موضع الإجماع.

نعم ، لو أرسله إلى غير محلّل ، فزجره عنه وأوقفه ، ثمَّ أغراه إلى المحلّل وسمّى ، حلّ.

لا يقال : لا يتمّ ذلك لو نسي التسمية ، حيث إنّه لا يشترط حينئذ.

قلنا : يثبت الحكم حينئذ بالإجماع المركّب ، مضافا إلى أنّ الثابت من معذوريّة ناسي التسمية إنّما هي إذا قصد المعيّن بالإرسال أو الرمي ونسي التسمية لا مطلقا ، لعدم شمول مطلقات معذوريّة الناسي لمثل ذلك ولو لأجل ندرته ، فتأمّل.

ومنها : أن يسمّي عند إرسال الآلة أو استعمالها مطلقا ـ حيوانا كانت أو جمادا ـ بلا خلاف فيه عندنا بل بالإجماع ، له ، وللأصل ، والآيات العديدة من الكتاب (٢) ، والمتواترة من الأخبار ، كالصحاح الأربع لمحمّد بن قيس وسليمان بن خالد والحلبي (٣) ، والموثّقات الثلاث للبصري وسماعة وزرارة (٤) ، وحسنة محمّد بن قيس ومرسلة الفقيه (٥) ، والروايات الثلاث لأبي بصير وعبد الله بن سليمان المتقدّمة (٦) جميعا وغيرها.

فلو ترك التسمية لم يحلّ الصيد ، لأصالة عدم التذكية بدونها ، كما مرّ‌

__________________

(١) في ص : ٣١٢.

(٢) المائدة : ٤ ، الأنعام : ١١٩.

(٣) المتقدّمة في ص : ٣١١ و ٢٨٥ و ٣٠٩.

(٤) المتقدّمة في ص : ٢٩٤ و ٢٧٦ و ٣٢٦.

(٥) المتقدمتين في ص : ٢٨٥ و ٣١٥.

(٦) في ص : ٢٩٣ و ٢٨٥ و ٢٨٤.

٣٣٥

في الأصل الثاني من المقدّمات (١) ، ولتقييد الحلّية منطوقا أو مفهوما بالتسمية ، بل في مفهوم موثّقة زرارة إثبات البأس في الأكل بدون التسمية ، وفي إحدى صحيحتي الحلبي : « من أرسل كلبه ولم يسمّ فلا يأكله » (٢).

ثمَّ إنّه لا خلاف نصّا وفتوى في إجزائها إذا وقعت عند الإرسال ، أي ما يسمّى مقارنا له عرفا ، مقدّما عليه أو مؤخّرا بما لا ينافي المقارنة العرفيّة ، كما تدلّ عليه الصحاح الستّ المتقدّمة (٣) ـ ثلاث منها لسليمان والحذّاء ومحمّد بن علي الحلبي ، وثلاث للحلبي ـ :

ففي الأولى : « فيسمّي حين يرسله ».

وفي الثانية : « ويسمي إذا سرحه ».

وفي الثالثة : « وقد سمّى حين فعل ذلك ».

وفي الرابعة : « وقد سمّى حين يرمي ».

وفي الخامسة : « وقد كان سمّى حين رمى ».

وفي السادسة : « وقد سمّى حين ضرب ».

وهل يجزي إذا سمّى بعد الإرسال ما بينه وبين عضّ الكلب أو إصابة السهم؟

فيه خلاف ، فالشهيدان (٤) بل أكثر الأصحاب ـ كما في شرح المفاتيح ـ إلى الإجزاء ، للعمومات ، وأولويّته بالإجزاء من حال الإرسال لقربه من وقت التذكية.

و [ مذهب ] (٥) جماعة ـ ونسبه بعض مشايخنا (٦) إلى ظاهر كثير ـ منّا‌

__________________

(١) في ص : ٢٧٥.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٧ ـ ١٠٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٨ أبواب الصيد ب ١٢ ح ٥.

(٣) في ص : ٢٨٥ و ٢٩١ و ٣٠٩ و ٣٢٥.

(٤) الشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ٣٩٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٧ : ١٩٩.

(٥) في النسخ : ذهب ، والصحيح ما أثبتناه.

(٦) كما في الرياض ٢ : ٢٦٤.

٣٣٦

عدمه ، وهو الأقوى ، لأصالة عدم وقوع ذكر اسم الله على الصيد حتى يعلم وقوعه عليه ، فإنّ في معناه خفاء كما مرّ ، فيقتصر على القدر الثابت ، ولمفهوم قوله عليه‌السلام في رواية أبي بصير السابقة في المسألة الثالثة من الفصل الأول من البحث الأول : « إن أصبت كلبا معلّما أو فهدا بعد ان تسمّي فكل » (١).

وعمومات التسمية إنّما كانت مفيدة لو لم تكن مقيّدة بكونها واقعة على الصيد ، الموجب لإبهام معناه ، المستلزم للاقتصار على القدر المعلوم.

والأولويّة المدّعاة ممنوعة ، لعدم معلوميّة العلّة.

فروع :

أ : ما ذكرنا من اشتراط التسمية والحرمة بدونها إنّما هو إذا كان متذكّرا لوجوبها وتركها عمدا‌ ، أمّا لو اعتقد وجوبها ونسيها ولم يتذكّر قبل إصابة الآلة إلى الصيد فيحلّ الصيد بلا خلاف كما في شرح الإرشاد والمفاتيح (٢) وشرحه وغيرها (٣) ، لموثّقة البصري المتقدّمة في المسألة الثالثة من الفصل الأول (٤) ، ورواية زرارة المتقدّمة في الثانية من الثاني (٥) ، المعتضدتين بما ذكر وبثبوت الحكم في الذبيحة ـ كما يأتي ـ فهاهنا أولى ، وبهما تقيّد إطلاقات النهي عمّا لم يسمّ عليه في الكتاب والسنّة.

ب : لو نسيها حال الإرسال وتذكّر قبل الإصابة‌ ، فعلى القول باتّساع‌

__________________

(١) مرّت في ص : ٢٩٣.

(٢) مجمع الفائدة ١١ : ١٩ ، المفاتيح ٢ : ٢١٠.

(٣) كالرياض ٢ : ٢٦٤.

(٤) في ص : ٢٩٤.

(٥) في ص : ٣٢٣.

٣٣٧

الوقت ما بين الإرسال والإصابة تجب التسمية ، والوجه واضح ، لبقاء وقت الوجوب. ولو تركها حينئذ فيكون كمتعمّد الترك عند الإرسال.

وكذا على المختار ، كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني ، حيث حصر محلّ الخلاف السابق في محل التسمية في المتذكّر عند الإرسال. وأمّا الذاهل عنها حينه المتفطّن لها قبل الإصابة فلم يجعل وجوب التسمية فيه محلّ الخلاف ، بل كما قيل : قطع به في المسالك والروضة (١) ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه حينئذ. وجعله في الكفاية قولا واحدا (٢).

ويدلّ عليه ما أشرنا إليه من إبهام معنى ذكر اسم الله على الصيد ، وكون التخصيص بحال الإرسال للأخذ بالمتيقّن ، وهو يحصل حينئذ بالتسمية في الأثناء ، فإذا تركها حينئذ لا يعلم أنّه ناسي التسمية المطلوبة ، فيبقى على أصالة الحرمة.

ج : هل النسيان ـ الذي يعذر تارك التسمية معه ـ هو الذي كان مع اعتقاد الوجوب ، أو لا؟

صرّح المحقّق في النافع والشيخ ـ طاب ثراه ـ في النهاية (٣) والحلّي والقاضي (٤) بالأول ، حيث قيّدوا النسيان بذلك القيد.

وظاهر الأكثر : الثاني ، حيث لم يقيّدوه به. وظاهر التنقيح التردّد (٥).

دليل الثاني : إطلاق النسيان.

وحجّة الأول : تبادر معتقد الوجوب منه ، وهو قريب ، فإنّه لا يقال‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢١٩ ، الروضة ٧ : ١٩٨.

(٢) الكفاية : ٢٤٥.

(٣) النافع : ٢٤٨ ، النهاية : ٥٨١.

(٤) الحلّي في السرائر ٣ : ٩٣ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٣٨.

(٥) التنقيح ٤ : ٩.

٣٣٨

لتارك شي‌ء لا يعتقد وجوبه مع عدم تذكّره وعدم التفاته إليه : إنّه تركه نسيانا ، فإنّ المتبادر منه أن يكون الترك لأجل النسيان فقط.

د : لو تركها جهلا ، ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي وجهان‌ ، أوجههما الأول ، لأصالة الحرمة قبل ذكر اسم الله عليه الخالية عن الدافع ، ولصدق عدم التسمية الذي صرّحت الأخبار منطوقا ومفهوما بعدم الحلّية معه ، وعدم صدق النسيان الذي قام مقامها بالدليل.

ووجه الثاني : إلحاقه بالناسي ، وهو قياس فاسد. ومثل قوله : الناس في سعة ممّا لم يعلموا (١). وضعفه ظاهر.

هـ : يشترط أن تكون التسمية من المرسل ، فلو أرسل واحد كلبه ولم يسمّ وسمّى غيره لم يحلّ الصيد بدون التذكية ، لعدم معلوميّة كون ذلك ذكر اسم الله عليه ، فيندرج تحت أصالة الحرمة ، وللأخبار :

كصحيحة محمّد الحلبي : « من أرسل كلبه ولم يسمّ فلا يأكله » (٢) ، فإنّ إطلاقها يشمل ما لو سمّى غيره أيضا.

ومرسلة أبي بصير : « لا يجزي أن يسمّي إلاّ الذي أرسل الكلب » (٣).

ورواية محمّد : عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد ، فيكون الكلب لرجل منهم ، ويرسل صاحب الكلب كلبه ويسمّي غيره ، أيجزي عن ذلك؟ قال : « لا يسمّي إلاّ صاحبه الذي أرسله » (٤).

ومنها : أن يستقلّ السبب المحلّل في إزهاق الروح.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٩٧ ـ ٢ ، الوسائل ٢٤ : ٩٠ أبواب الذبائح ب ٣٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٧ ـ ١٠٩ ، الاستبصار ٤ : ٦٩ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٨ أبواب الصيد ب ١٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٦ ـ ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٩ أبواب الصيد ب ١٣ : ح ٢.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٦ ـ ١٠٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٩ أبواب الصيد ب ١٣ ح ١.

٣٣٩

ويتفرّع عليه : أنّه لو أرسل المسلم والكافر آلتيهما وقتل الصيد بهما ـ بحيث علم أنّ لكل واحد دخلا في قتله ـ حرم ، سواء اتّفقت آلتيهما ـ كالكلبين ـ أو اختلفت ، كالكلب والسهم.

وأنّه لو أرسل كلبان ـ معلّم وغير معلّم ـ وقتلاه معا ، أو قتله كلبان ـ مرسل وغير مرسل ـ لم يحلّ.

وأنّه لو رمى صيدا ، فوقع في الماء ، أو تردّى من جبل وقتل بهما معا ، لم يحلّ أيضا.

وأنّه لو رمي سهمان ، أو أرسل كلبان سمّي على أحدهما ولم يسمّ على الآخر ، أو قصد الجنس المحلّل بأحدهما دون الآخر وقتل بهما معا ، حرم أيضا.

والدليل على اشتراط ذلك ـ بعد ظاهر الوفاق ـ أنّ الثابت من أدلّة الشروط اشتراط الحلّية بوقوع القتل من السبب الجامع للشرائط ، وهو في مفروض المسألة أحد السببين المختلفين ولم يحصل منه القتل ، وما حصل منه هو مجموع الأمرين ، وهو غير جامع لها. ولو تنزّلنا لقلنا : لا نعلم كون الأمرين جامعا لها ، فلا يعلم حصول الشرائط المعتبرة ، فلا يحكم بحصول المشروط.

وتدلّ على المطلوب أيضا مرسلة الفقيه : « إذا أرسلت كلبك على صيد وشاركه كلب آخر فلا تأكل منه إلاّ أن تدرك ذكاته » (١) ، ونحوها الرضوي بعينه (٢).

واستدلّ على المطلوب أيضا بالأخبار الكثيرة ، الآتية بعضها في‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٠٥ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٣ أبواب الصيد ب ٥ ح ٣.

(٢) فقه الرضا « ع » : ٢٩٧ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٠٧ أبواب الصيد ب ٥ ح ٢.

٣٤٠