مستند الشّيعة - ج ١٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٩٠

رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها ، فلمّا بصر بصاحبها خلّى سبيلها فدخلت في الغنم ، كيف يذبح؟ وهل يجوز أكلها أم لا؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن الثالث عليه‌السلام فقال : « إنّه إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّم الغنم نصفين وساهم بينهما ، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر ، فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان ، فيقرع بينهما ، فأيّهما وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم » (١).

فروع :

أ : قالوا : كما يحرم لحمها ولبنها كذلك يحرم لحم نسلها المتجدّد بعد الوطء. ونسبه في الكفاية وشرح المفاتيح الى المشهور (٢) ، ونفى بعض من تأخّر عنهما الخلاف فيه (٣).

وربّما يستفاد ذلك من النهي عن الانتفاع بها بقول مطلق شامل للاستنسال أيضا. وهو حسن ، ويؤكده التعليل بإفسادها عليه ، ويستأنس له بالأمر بالذبح والإحراق.

وهل يختصّ تحريم النسل بنسل الموطوءة الأنثى ، أو يحرم نسل الفحل الموطوء أيضا على تقدير التعدّي في الحكم إلى وطء دبر البهيمة أيضا؟

صرّح المحقّق الأردبيلي في كتاب الحدود من شرحه باحتمال التعدّي إلى الفحل أيضا ، ولعلّه استند في ذلك إلى أنّ حلّية نسله أيضا نوع انتفاع.

__________________

(١) تحف العقول : ٣٥٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٠ ح ٤.

(٢) الكفاية : ٢٥٠ ، المفاتيح ٢ : ١٨٩.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٤٩٨.

١٢١

ولا يخفى أنّه خلاف الظاهر المتبادر ، وإن لم يكن في التعدّي إليه كثير بعد.

ب : صرّح الشهيد الثاني والمحقّق الأردبيلي (١) بشمول الواطئ ـ الموجب وطؤه للتحريم ـ للبالغ وغيره ، والأول بشموله للمنزل وغيره ، والثاني بشموله للحرّ والعبد ، والعاقل والمجنون ، والجاهل بالحكم والعالم.

وهو كذلك ، لإطلاق رواية مسمع وصحيحة محمّد بن عيسى بالنسبة إلى الجميع ، وإطلاق البواقي بالنسبة إلى غير التعميم الأول ، لاختصاصها بالرجل ، ولكنّه لا يخصّص الأوليين أيضا ، لأنّ التخصيص إنّما هو في السؤال ، بل وكذلك لو كان في الجواب أيضا ، مع أنّه لو دلّت على الاختصاص أيضا لكان لأجل اشتمالها على أحكام لا تجري على غير البالغ من الحدّ وأخذ الثمن.

ج : صرّح الثاني بشمول الوطء للدبر والقبل ودبر الأنثى والفحل (٢).

ويمكن أن يستدلّ لها بإطلاق النكاح والإتيان والنزو الشاملة لوطء الدبر أيضا ، إلاّ أنّ بعض الروايات المشتملة للّبن أيضا وضميره الراجع إلى البهيمة يخصّصها بالمؤنّث ، ولكن يكفي إطلاق الباقي بضميمة الإجماع المركّب في الأحكام الغير المذكورة فيه.

د : هل يعمّ الموطوءة كلّ حيوان من ذوات الأربع وغيرها ـ كالطير ـ كما هو المشهور؟ أو يختصّ بالأولى كما حكي عن الفاضل (٣) ، ويميل إليه‌

__________________

(١) الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٩ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٦١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٦١.

(٣) القواعد ٢ : ١٥٧.

١٢٢

كلام جمع ممّن تأخّر عنه (١)؟

حجّة الأكثر : صدق البهيمة على كلّ حيوان لغة ، قال الزجّاج : هي كلّ ذات الروح التي لا تميّز ، سمّيت بذلك لذلك (٢).

ودليل الباقين : الأصل ، وعدم انصراف الإطلاق إلى مثل الطيور ، مع أنّه صرّح جماعة ـ منهم الشهيد الثاني في المسالك ـ : أنّ البهيمة لغة ذات الأربع من حيوان البرّ والبحر (٣).

وهو الأقوى ، لذلك ، مضافا الى اشتمال بعض الأخبار المتقدّمة للّبن المخصوص بذوات الأربع ، واختصاص بعضها بالشاة.

هـ : الواطئ إمّا مالك البهيمة أو غيره‌ ، وعلى التقديرين إمّا تكون البهيمة ممّا يقصد منها لحمها ولبنها ـ كالشاة والبقرة والغنم ـ أو ظهرها وركوبها ، كالخيل والبغال والحمير.

فعلى الأول : تذبح وتحرق بالنار ، كما هو مدلول روايات أبناء سنان وخالد وعمّار ، ويدلّ عليه إطلاق صحيحة ابن عيسى أيضا ، ولا معارض لها سوى موثّقة سماعة ، حيث دلّت على النفي من البلد دون الإحراق ، إلاّ أنّه يمكن أن يكون المنفيّ عنها فيها هو الواطئ دون الموطوء ، وعدم قائل به إن سلّم يجري في الموطوء المذكور أيضا.

وعلى الثاني : قالوا : تنفى الى غير بلد الوطء وتباع فيه. وفي أخذ الثمن منه وعدمه ـ ثمَّ مصرف الثمن ـ خلاف ، ولا دليل على شي‌ء من‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٩ والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٨٥.

(٢) نقله عنه في لسان العرب ١٢ : ٥٦.

(٣) المسالك ٢ : ٢٣٩.

١٢٣

ذلك ، إذ لا دليل على النفي سوى حسنة سدير ، وهي ظاهرة في تغاير المالك والواطئ ، إلاّ أنّ بعضهم نفى الخلاف فيه (١).

وقد يتوهّم شمول التعليل بعدم التعيير في الحسنة لصورة الاتّحاد أيضا.

وفيه نظر ، لأنّ مثل ذلك يستحقّ التعيير ، بل ظاهر التعليل التخصيص بصورة التغاير ، حيث أراد الشارع أن لا يعيّر به عار بفعل غيره ، فإن ثبت الإجماع وإلاّ فالأصل يقتضي العدم ، وهو الأقوم خصوصا في أخذ الثمن منه ، سيّما في التصدّق به المخالف لاستصحاب ملكيّته.

وعلى الثالث : تذبح وتحرق بالنار ، ويغرم الواطئ بثمنها يوم الوطء لمالكها ، للروايات والحسنة والصحيحة ورواية تحف العقول ، المتقدّمة جميعا من غير معارض.

وعلى الرابع : تخرج البهيمة من البلد وتغرم قيمتها ، ثمَّ تباع في البلد المخرجة إليه ، للحسنة المخصّصة للروايات بغير ما يركب ظهرها.

ولا يضرّ ورود تلك الأحكام بالجملة الخبرية الغير المثبتة للزائد عن الرجحان ، لاستلزامه الوجوب في المقام بالإجماع المركّب ، وكذا فيما يأتي من التقسيم والإقراع.

ثمَّ القيمة ـ التي أغرمها الواطئ ـ للمالك ، لأنّه معنى الإغرام.

وأمّا الثمن الحاصل بالبيع فقد قيل بتصدّقه (٢) ، ولا دليل عليه أصلا.

وقيل بالرجوع إلى المالك (٣) ، لأصالة بقاء ملكيّته ، وعدم دلالة‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٤٩٨.

(٢) المقنعة : ٧٩٠.

(٣) الرياض ٢ : ٤٩٩.

١٢٤

الإغرام على خروجها عنها.

ولزوم الجمع بين العوض والمعوّض باطل ، لمنع التعويض ، فإنّه إنّما هو إذا كان دليل على التعويض.

واحتمل بعضهم الرجوع إلى الواطئ ، لتملّكه لها بالإغرام (١).

وفيه منع ظاهر ، قيل : لأنّ المالك لا يملكها لأخذه القيمة ، وعدم جواز كون الملك بلا مالك (٢).

قلنا : مجرّد الأخذ لا يدلّ على الخروج.

ثمَّ لو كانت الدابّة ممّا يقصد منها الأمران ـ كالناقة ، سيّما عند العرب ـ يحتمل فيها التخيير ، لعدم المرجّح ، ويحتمل ملاحظة الغالب فيها.

و : لو اشتبه الموطوء بغيره يقسّم المجموع نصفين ويقرع عليه مرّة بعد اخرى حتى يبقى واحد فيذبح ويحرق‌ ، وفي تغاير الواطئ والمالك يغرم ، على المعروف من مذهب الأصحاب ، وفي المسالك وشرح المفاتيح نسبته الى عمل الأصحاب (٣) ، وفي المفاتيح إلى فتواهم (٤) ، معربين عن دعوى الإجماع عليه.

وتدلّ عليه صحيحة ابن عيسى ورواية تحف العقول المتقدّمتين ، المنجبر ضعف سندهما ـ لو كان ـ بما ذكر ، وضعف دلالتهما لعدم صراحتهما في الوجوب بعدم الفصل.

ثمَّ إن كان العدد زوجا قسّم نصفين متساويين ، كما هو مدلول‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٤ : ٤٩٨.

(٢) الرياض ٢ : ٤٩٩.

(٣) المسالك ٢ : ٢٣٩.

(٤) المفاتيح ٢ : ١٨٩.

١٢٥

الروايتين ، وإن كان فردا اغتفرت زيادة الواحدة في أحد النصفين ، بل الظاهر أنّ المراد فيهما مطلقا القسمان المتقاربان.

هذا إذا كان الاشتباه في العدد ، الذي كان ممكن الحصر والتقسيم ، كما هو مورد الروايتين ، وإلاّ سقط الحكم ويرجع الى الأصل.

ثمَّ هذا الحكم وإن كان واردا في الروايتين بخصوص الشاة إلاّ أنّه يتعدّى الى غيرها بالإجماع المركّب.

المسألة الرابعة : لو شرب الحيوان المحلّل لحمه خمرا فالمشهور أنّه لا يؤكل ما في بطنه من الأمعاء والقلب والكبد ، بل يطرح ، ويؤكل لحمه بعد غسله وجوبا.

ولو شرب بولا نجسا لم يحرم شي‌ء منه ، بل يغسل ما في بطنه ويؤكل.

ومستند الأول : رواية زيد الشحّام : في شاة شربت الخمر حتى سكرت ثمَّ ذبحت على تلك الحال ، [ قال : ] « لا يؤكل ما في بطنها » (١).

ومستند الثاني : مرسلة النميري المتقدّمة في المسألة الاولى (٢).

ولا يخفى أنّ مورد الاولى ما إذا شربت بقدر سكرت ، فلا يحرم ما في البطن بمطلق الشرب الخالي عن الإسكار.

وما إذا ذبحت حال السكر ، فلا يحرم ما إذا ذبحت بعدها ، ولا دلالة لها على غسل اللحم ، والبواطن لا تنجس بالملاقاة ، مع أنّ الملاقاة مع اللحم غير معلومة ، والأصل يقتضي عدمه.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥١ ح ٤ ، التهذيب ٩ : ٤٣ ـ ١٨١ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٤ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) في ص : ١١١.

١٢٦

والاستناد إلى مرسلة النميري فاسد ، لاختصاصها بالبول ، ودلالتها على غسل ما في الجوف دون اللحم ، ومع ذلك كلّه خالية عن الدالّ على الحرمة ، ولذا ذهب الحلّي إلى كراهة ما في البطن (١) ، واستقر به في الكفاية (٢) ، وحكي عن المسالك (٣) ، ومال إليه الأردبيلي (٤). وهو الأقوى.

وأمّا الثانية ، فهي أيضا على الوجوب غير دالّة ، والإجماع غير ثابت وإن لم يظهر المخالف.

نعم ، يمكن أن يستند في وجوب الغسل بوجود عين البول مع ما في البطن إذا ذبحت في الحال ، كما صرّح بالاختصاص به جماعة (٥) ، فلا يجوز الأكل قبل إزالته.

ومنه يعلم أنّه لو دلّت الرواية على الوجوب أيضا لم يدلّ على نجاسة البواطن ، مضافا الى احتمال كونه تعبّديّا.

المسألة الخامسة : لو أرضع جدي (٦) أو عناق (٧) أو عجل من لبن إنسان حتى فطم لم يحرم‌ ، للأصل ، والمستفيضة النافية للبأس عنه (٨) ، إلاّ أنّ فيها : أنّه فعل مكروه. ويحتمل أن يكون المراد بالفعل المكروه هو الإرضاع ، وأن يكون أكل لحمه ولبنه.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٩٧.

(٢) الكفاية : ٢٥٠.

(٣) المسالك ٢ : ٢٣٩ ، حكاه عنه في الرياض ٢ : ٢٨٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٦٠.

(٥) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٩ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ١١ : ٢٦١ ، صاحب الكفاية : ٢٥٠.

(٦) الجدي : من أولاد المعز ، وهو ما بلغ ستة أشهر أو سبعة ـ مجمع البحرين ١ : ٨١.

(٧) العناق : الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول ـ مجمع البحرين ٥ : ٢١٩.

(٨) انظر الوسائل ٢٤ : ١٦٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٦.

١٢٧

الفصل الخامس

في مسائل متفرّقة ممّا يتعلّق بالحيوانات وأجزائها‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الميتات من الحيوانات ـ أي الخارج روحه بغير التذكية المعتبرة شرعا ، سواء كان ممّا لا تقع عليه التذكية ولا يقبلها شرعا كالكلب والخنزير ، أو كان يقبلها وتقع عليه في الشرع ، ولكن لم تقع عليه ومات قبلها ـ محرّمة إجماعا ، والآيات (١) والسنّة المتواترة (٢) ناطقتان بحرمتها ، وفي تفسير الإمام عليه‌السلام : قال الله تعالى ( إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ) (٣) « التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله فيها » (٤).

وفي حكم الميتة في الحرمة أجزاؤها المقطوعة منها أو من الحيّ إن كانت الأجزاء ممّا تحلّه الحياة بلا خلاف ، كما صرّح به غير واحد (٥) ، لصدق الاسم عليها ، ولنجاستها كما مرّ في كتاب الطهارة ، ولخصوص رواية أبي بصير (٦) وصحيحة الوشّاء (٧) المتقدّمتين في حكم الميتة من كتاب‌

__________________

(١) البقرة : ١٧٣ ، المائدة : ٣ ، النحل : ١١٥.

(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ٩٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١.

(٣) البقرة : ١٧٣.

(٤) تفسير العسكري عليه‌السلام : ٥٨٥.

(٥) منهم الفيض في المفاتيح ٢ : ١٩١ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٨٦ ، صاحب الرياض ٢ : ٢٨٧.

(٦) الكافي ٦ : ٢٥٥ ـ ٢ ، الوسائل ٢٤ : ٧٢ أبواب الذبائح ب ٣٠ ح ٣.

(٧) الكافي ٦ : ٢٥٥ ـ ٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٢ ح ١.

١٢٨

المكاسب.

وتدلّ عليه أخبار الحبالة ، كرواية محمّد بن قيس : « ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنّه ميّت ، وكلوا ما أدركتم حياته وذكرتم اسم الله عليه » (١).

ورواية البصري : « ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميّت ، وما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمَّ كل منه » (٢).

وأخبار القطع بالسيف ، كمرسلة النضر بن سويد : في الظبي وحمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدّان ، فقال : « لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين ، فإن تحرّك أحدهما فلا يؤكل الآخر ، لأنّه ميتة » (٣) ، وغير ذلك.

وكما يحرم أكل الميتة تحرم جميع وجوه الانتفاعات منها ـ كما مرّ في المكاسب ـ حتى الانتفاع بجلدها للاستقاء في غير مشروط الطهارة.

خلافا فيه لجماعة (٤) ، وهم محجوجون بما مرّ.

المسألة الثانية : قد مرّ في بحث الطهارة : طهارة ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة وعددها‌ ، وهو وإن كان أكثر ممّا ذكر ـ لكون البول والروث‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٤ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ أبواب الصيد ب ٢٤ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٤ ـ ٢ و ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٠٢ ـ ٩١٨ ، التهذيب ٩ : ٣٧ ـ ١٥٥ و ١٥٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ أبواب الصيد ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٥ ـ ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٧ ـ ٣٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٧ أبواب الصيد ب ٣٥ ح ٣.

(٤) منهم المحقق في المختصر النافع ٢ : ٢٥٤ والمحقق السبزواري في الكفاية : ٢٥٢.

١٢٩

والدم والبصاق والقيح أيضا ممّا لا تحلّه الحياة ـ إلاّ أنّ الدم منها قد عدّوه في النجاسات إذا كان ممّا له نفس ، والبواقي مائعات تنجس بملاقاة الميتة ، فلا وجه لذكر طهارتها ، ولم يدلّ دليل خارجي على (١) عدم تنجّسها كما في اللبن والإنفحة ، فلذا لم يذكروها.

نعم ، كان عليهم ذكر مثل البعرة (٢) القابلة للتطهير أيضا كما ذكروا العظم والسنّ ونحوهما (٣). ويمكن أن يكون الوجه في عدم ذكرها : أنّ الكلام في الميتة مطلقا سواء كان ممّا يؤكل أو لا يؤكل ، والبعرة إنّما تطهر ممّا يؤكل خاصّة وقد ذكروها ، بل ذكر طهارتها حال الحياة مع انفصالها يدلّ عليها بعد الموت أيضا وإن احتاجت إلى الغسل بالملاقاة.

ثمَّ ما ذكر في البحث المذكور إنّما هو طهارة تلك الأمور المعدودة ، وأمّا حلّيتها فالظاهر ـ المقتضي للأصل المصرّح به في بعض العبارات ، كالشرائع والنافع (٤) وغيرهما (٥) ـ الحلّية ، وعلى هذا فهي حلال أيضا إذا لم تحرم من جهة أخرى ، من إيجاب ضرر أو خباثة معلومة أو نصّ ، كبيض ما لا يؤكل لحمه ، وقد مرّ في البحث المذكور ما يدلّ على حلّ بعضها.

وتدلّ عليه أيضا روايتا ابن أبي يعفور وداود المتقدّمتين في المسألة الثامنة من الفصل الأول (٦) ، مضافا إلى الأصل والعمومات السليمة عن المعارض ، لعدم صدق الميتة عليها ، إذ لا روح لها حتى تصير بخروجه ميتة.

__________________

(١) هنا زيادة لفظ : طهارة ، في جميع النسخ ، ولم نعرف له وجها.

(٢) البعرة : وهي من البعير والغنم بمنزلة العذرة من الإنسان ـ مجمع البحرين ٣ : ٢٢٧.

(٣) انظر الروضة ٧ : ٣٠١ ، المسالك ٢ : ٢٤٣ ، كشف اللثام ٢ : ٨٥.

(٤) الشرائع ٣ : ٢٢٢ ، المختصر النافع : ٢٥٣.

(٥) انظر المسالك ٢ : ٢٤٢ ، الكفاية : ٢٥٠.

(٦) في ص : ٧٠.

١٣٠

ومنها : اللبن ، وحلّيته هي الأشهر ، كما يظهر من صريح اللمعة (١) ، وظاهر الدروس ، حيث نسب رواية الحرمة إلى الندرة (٢) ، وعن الخلاف الإجماع عليه (٣) ، وحكي عن الغنية أيضا (٤) ، وتدلّ عليه طائفة من الأخبار المشار إليها (٥) المعتضدة بالشهرة العظيمة.

خلافا للحلّي والديلمي والصيمري والشرائع والنافع والتنقيح وجملة من كتب الفاضل ، فحرّموه (٦) ، لنجاسته بملاقاته للنجس بالرطوبة ، ولرواية وهب بن وهب (٧) المتقدّمة في بحث الطهارة.

والأول مدفوع بمنع النجاسة كما مرّ. والثاني بمعارضته مع الأخبار المتكثرة وموافقته للعامّة (٨).

ومنها : البيض قبل اكتسائها القشر الأعلى الصلب ، ولا يضرّ فيها رواية غياث (٩) المتقدّمة في ذلك البحث المثبتة لبأس فيها قبله ، لعدم معلوميّة البأس ، وإجماله وإن كان مضرّا للعمومات ولكن لا يضرّ‌

__________________

(١) اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٣٠٦.

(٢) الدروس ٣ : ١٥.

(٣) الخلاف ٢ : ٥٣٣.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٥) انظر الوسائل ٣ : ٥١٣ أبواب النجاسات ب ٦٨.

(٦) الحلّي في السرائر ٣ : ١١٢ ، الديلمي في المراسم : ٢١١ ، حكاه الصيمري في الرياض ٢ : ٢٨٨ ، الشرائع ٣ : ٢٢٣ ، المختصر النافع ٢ : ٢٥٣ ، التنقيح ٤ : ٤٤ ، الفاضل في التحرير ٢ : ١٦١ والقواعد ٢ : ١٥٧.

(٧) التهذيب ٩ : ٧٦ ـ ٣٢٥ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ ـ ٣٤٠ ، قرب الإسناد : ١٣٥ ـ ٤٧٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ١١.

(٨) المغني والشرح الكبير ١ : ٩٠ ، مغني المحتاج ١ : ٨٠.

(٩) الكافي ٦ : ٢٥٨ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٧٦ ـ ٣٢٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ٦.

١٣١

الأصل.

فرع : البول وإن كان ممّا لا تحلّه الحياة ولكنّه إن كان ممّا يحلّ أكله يحرم من ميتته‌ ، لتنجّسه بالملاقاة ، لكونه مائعا لاقى نجسا. وأمّا اللبن فالحكم بطهارته من الميتة وعدم تنجّسه بالملاقاة لأدلّة خاصّة به.

المسألة الثالثة : تحرم من أجزاء الحيوان المحلّل ـ وإن ذكّي ـ أشياء بعضها متّفق على حرمته ، وبعضها مختلف فيها.

فالأول خمسة : الدم ، والطحال ـ وهو الذي يقال له بالفارسيّة : سپرز ـ والقضيب وهو الذكر ، والأنثيان وهما البيضتان ، والروث. ودعوى الإجماع ونفي الخلاف فيها مستفيضة ، وجعل بعضهم حرمة الطرفين من الضروريّات الدينيّة (١).

وتدلّ عليه في الجميع مرسلة ابن أبي عمير : « لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء : الفرث ، والدم ، والطحال ، والنخاع ، والعلباء ، والغدد ، والقضيب ، والأنثيان ، والحياء ، والمرارة » (٢).

ومرسلة الفقيه (٣) ، وهي كالأولى إلاّ أنّ فيها بدل « العلباء والمرارة » : « الأوداج والرحم ».

__________________

(١) كصاحب الرياض ٢ : ٢٨٧.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٤ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٧٤ ـ ٣١٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ٤.

والفرث : الكرش من السّرجين ـ مجمع البحرين ٢ : ٢٦١.

العلباء : هو عصب في العنق يأخذ إلى الكاهل ، وهما علباوان يمينا وشمالا ، وما بينهما منبت عرف الفرس ـ انظر النهاية ٣ : ٢٨٥.

الحياء : الفرج من ذوات الخفّ والظلف ـ راجع النهاية ١ : ٤٧٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٢١٩ ـ ١٠١٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ٨.

١٣٢

ورواية الخصال (١) ، وهي كالثانية إلاّ أنّ الراوي قال بعد « الأوداج » : أو قال : العروق.

والمرويّ في محاسن البرقي : « حرّم من الذبيحة سبعة (٢) أشياء » إلى أن قال : « فأمّا ما يحرم من الذبيحة : فالدم ، والفرث ، والغدد ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان ، والرحم » الحديث (٣).

مضافة في الأربعة الأولى إلى مرفوعة الواسطي : مرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بالقصّابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة ، نهاهم عن بيع الدم ، والغدد ، وآذان الفؤاد ، والطحال ، والنخاع ، والخصى ، والقضيب. الحديث (٤).

ورواية ابن مرّار : « لا يؤكل ممّا يكون في الإبل والبقر والغنم وغير ذلك ممّا لحمه حلال الفرج بما فيه ظاهره وباطنه ، والقضيب ، والبيضتان ، والمشيمة وهو موضع الولد ، والطحال لأنّه دم ، والغدد مع العروق ، والمخّ الذي يكون في الصلب ، والمرارة ، والحدق والخرزة التي تكون في الدماغ ، والدم » (٥).

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد : « حرّم من الشاة سبعة أشياء : الدم ، والخصيتان ، والقضيب ، والمثانة ، والغدد ، والطحال ، والمرارة » (٦).

__________________

(١) الخصال : ٤٣٣ ـ ١٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ٤.

(٢) في المصدر : عشرة.

(٣) المحاسن : ٤٧١ ـ ٤٦٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ٢٠.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٣ ـ ٢ ، التهذيب ٩ : ٧٤ ـ ٣١٥ ، الخصال : ٣٤١ ـ ٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٧١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٤ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٧٤ ـ ٣١٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ٣.

(٦) الكافي ٦ : ٢٥٣ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٧٤ ـ ٣١٤ ، المحاسن : ٤٧١ ـ ٤٦٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٧١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ١.

١٣٣

وفي الثلاثة الأولى إلى المرويّ في الخصال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكره أكل خمسة : الطحال ، والقضيب ، والأنثيين ، والحياء وآذان القلب (١).

وفي الأولين موثّقة سماعة : « لا تأكل الجرّيث و [ لا ] المارماهي ، ولا طافيا ، ولا طحالا لأنّه بيت الدم » (٢).

وعمّار : عن الطحال أيحلّ أكله؟ قال : « لا تأكله فهو دم » (٣).

والمرويّ في العيون : « وحرّم الطحال لما فيه من الدم » (٤) ، دلّت بالتعليل على حرمة الدم أيضا.

وفي الدم خاصّة إلى الآيات (٥) والأخبار الغير العديدة (٦).

وفي الطحال خاصّة إلى صحيحة محمّد : « أنهاكم عن الجرّي والزمّير والمارماهي والطافي والطحال » (٧).

وقصور بعض الأخبار عن إفادة الحرمة غير ضائر بعد تصريح بعض آخر بالتحريم ، فهو قرينة على إرادة الحرمة من البواقي أيضا.

ثمَّ قول الإسكافي بكراهة الطحال (٨) ليس صريحا في المخالفة ، لأنّها‌

__________________

(١) الخصال : ٢٨٣ ـ ٣٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ١٠.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٠ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٤ ـ ٨ ، الاستبصار ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٩ : ٨٠ ـ ٣٤٥ ، الاستبصار ٤ : ٩١ ـ ٣٤٨ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤٩ ح ٢.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤٨ ح ٢.

(٥) البقرة : ١٧٣ ، المائدة : ٣ ، النحل : ١١٥.

(٦) الوسائل ٢٤ : ٩٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١.

(٧) الكافي ٦ : ٢١٩ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ١.

(٨) حكاه عنه في المختلف : ٦٨٢.

١٣٤

في عرف القدماء أعمّ من الحرمة.

وأمّا المختلف فيه فكثيرة :

منها : النخاع ـ مثلّثة النون ـ وهو : الخيط الأبيض الذي في وسط فقار الظهر ، منظّم خرزة ، وهو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه.

والمثانة ، وهو : مجمع البول.

والغدد ، وهي : كلّ عقدة في الجسم يطاف بها شحم ، وكلّ قطعة صلبة بين القضيب ، وهي تكون في اللحم مدوّرة تشبه البندق في الأغلب.

والمرارة ـ بفتح الميم ـ وهي : التي تجمع المرّة الصفراء معلّقة مع الكبد كالكيس.

والمشيمة ، وهي : موضع الولد يخرج معه.

وهي حرام على الأقوى الأشهر ، كما صرّح به في المختلف والتحرير (١) ، وبعض من تأخّر (٢).

لمرفوعة الواسطي المتقدّمة ، والمرويّ في العلل : قال : قلت له : كيف حرّم الله النخاع؟ قال : « لأنّه موضع الماء الدافق من كلّ ذكر وأنثى ، وهو المخّ الطويل الذي يكون في فقار الظهر » (٣) في الأول.

وضعفهما ـ لو كان ـ ينجبر بما ذكر ، وبضميمتهما يتمّ الاستدلال بالروايات الثلاث الأولى أيضا.

ولرواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدّمة في الثانية والرابعة.

وللمرفوعة ورواية المحاسن المتقدّمتين ورواية مسمع : « إذا اشترى‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٦٨٢ ، التحرير ٢ : ١٦١.

(٢) كصاحب الرياض ٢ : ٢٨٨ ، غير أنّ فيه أيضا كالمختلف ادعاء الشهرة العظيمة.

(٣) العلل : ٥٦٢ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ١١.

١٣٥

أحدكم لحما فليخرج منه الغدد » (١) في الثالث.

ولرواية المحاسن المنجبرة في الخامسة ، فإنّ المراد بالرحم فيها كما ذكروا المشيمة.

خلافا للمحكيّ عن جماعة ، فبين غير متعرّض لها ، وبين مصرّح بالكراهة (٢) ، لأصالتي البراءة والإباحة ، وعمومات الكتاب والسنّة ، اللازم رفع اليد عن الأوليين وتخصيص الثاني بما مرّ.

ومنها : الفرج ، والعلباء ، بكسر العين المهملة ، ثمَّ اللام الساكنة ، ثمَّ الباء الموحّدة ، عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عجب الذنب.

وذات الأشاجع ، وهي : أصول الأصابع التي تتّصل بعصب ظهر الكف.

وخرزة الدماغ ، وهي في المشهور : المخّ الكائن في وسط الدماغ ، شبه الدودة بقدر الحمّصة تقريبا ، يخالف لونها لونه ، وهي تميل إلى الغبرة.

وحبّة الحدق ، وهو : الناظر من العين لا جسم العين كلّه.

حرّم هذه الخمسة جماعة (٣) ، بل نسب إلى الشهرة (٤) ، وكرهها آخرون (٥) ، وهو الأقوى فيها ، لخلوّ الروايات الصريحة في التحريم عنها بالمرّة ، وقصور ما يتضمّنها عن إفادة الحرمة جدّا.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٤ ـ ٥ ، العلل : ٥٦١ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ٦.

(٢) كالمحقق السبزواري في الكفاية : ٢٥١.

(٣) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ١٤١ والشهيد في الدروس ٣ : ١٤.

(٤) الرياض ٢ : ٢٨٨.

(٥) منهم المحقق في الشرائع ٣ : ٢٢٣ والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٤٣.

١٣٦

وقد ظهر ممّا ذكر أنّ الأقوى : أنّ المحرّم من أجزاء المذكّى عشرة : الدم ، والفرث ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان ، والنخاع ، والمثانة ، والغدد ، والمرارة ، والمشيمة.

والمكروه خمسة : الفرج ، والعلباء ، وذات الأشاجع ، وخرزة الدماغ ، وحبّة الحدقة.

وتكره أيضا الكليتان ـ وتسمّى الكلوتين أيضا ـ لما في مقطوعة سهل : إنّه كره الكليتين ، وقال : « لأنّهما مجمع البول » (١).

وفي الصحيحة الرضويّة عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : « كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأكل الكليتين من غير أن يحرّمهما ، لقربهما من البول » (٢).

وكذا تكره إذنا القلب ، والعروق ، لبعض الروايات المتقدّمة. وتعلّق النهي ببيع آذان الفؤاد في بعضها غير مفيد لإثبات الحرمة ، لعدم قول بها فيها.

وبضميمة هذه الثلاثة مع الخمسة المختلف في وجوبها (٣) تصير المكروهات ثمانية.

فروع :

أ : اعلم أنّ ما ذكر من تحريم الأشياء المذكورة فإنّما هو إذا كانت من الذبيحة والمنحورة‌ ، وأمّا ما لا يذبح ولا ينحر ـ كالسمك والجراد ـ

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٤ ـ ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٥ ـ ٣١٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٤٠ ـ ١٣١ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣١ ح ١٨.

(٣) يعني وجوب الاجتناب عنها.

١٣٧

فلا يحرم منه غير الرجيع والدم البتّة ، للأصل ، وعمومات الحلّ ، سيّما ( مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) ، واختصاص ما يثبت منه التحريم من الأخبار المتقدّمة بغيرهما. وأمّا رجيعهما ، فالأصل يقتضي الحلّية ، والخباثة غير معلومة ، وما يتراءى من التنفّر ففي الأكثر لمظنّة الحرمة أو كون أكله خلاف العادة ، وأمّا دم السمك فيأتي حكمه.

ب : إطلاق تحريم المذكورات في كثير من العبارات يشمل كبير الحيوان المذبوح كالجزور والبقر والشاة ، وصغيره كالعصفور وفرخه ، بل عن جماعة التصريح بالتعميم ، ومنهم الشهيد الثاني في الروضة ، إلاّ أنّه قال : ويشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميّزه لاستلزامه تحريم جميعه أو أكثره للاشتباه ، والأجود اختصاص الحكم بالنعم من الحيوان والوحشي دون مثل العصفور (١).

قيل بعد نقله : وهو جيّد فيما كان مستند تحريمه الإجماع ، لعدم معلوميّة تحقّقه في العصفور وشبهه ، مع اختصاص عبارات جماعة ـ كالصدوق وغيره ، وجملة من النصوص ـ بالشاة والنعم ، وعدم انصراف باقي الإطلاقات إليهما (٢).

أقول : لا شكّ أنّ الدالّ على الحرمة من الأخبار الحجّة بنفسها أو بالانجبار لا يشمل مورد النزاع إلاّ في الدم والطحال ، أو مع الرجيع على تسليم استخباثه ، فالتعدّي إلى الغير مشكل ، وتحليل الجميع من مورد النزاع أشكل ، والإجماع المركّب غير معلوم ، فتخصيص المحرّم من هذه الحيوانات الصغار بالدم والطحال أو مع الرجيع حسن ، والاحتياط أحسن.

__________________

(١) الروضة ٧ : ٣١١.

(٢) الرياض ٢ : ٢٨٨.

١٣٨

ج : الأصل في الدم كلّه الحرمة‌ ، كما صرّح به في المسالك (١) ، لإطلاقات الكتاب والسنّة.

قال الله سبحانه في سورة المائدة ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) الآية (٢).

وقال في سورة البقرة ( إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) (٣).

وفي مرسلة محمّد بن عبد الله ، وروايتي المفضّل وعذافر ـ الواردة في علل تحريم الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ـ : « وأمّا الدم فإنّه يورث أكله الماء الأصفر » (٤).

وفي المرويّ في العيون : « حرّم الله الدم كتحريم الميتة » الحديث (٥).

وقد مرّ مطلقات تعليل حرمة الطحال بأنّ فيه الدم. إلى غير ذلك.

ولكنّه خرج من تحت الأصل ما يتخلّف في لحم الحيوان المأكول ممّا لا يقذفه المذبوح ، فإنّه حلال بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ في كلمات جماعة (٦) ، المعاضد بالاعتبار ، لاستلزام تحريمه العسر والحرج المنفيّين‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٤٥.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) البقرة : ١٧٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٤٢ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢١٨ ـ ١٠٠٩ ، المحاسن : ٣٣٤ ـ ١٠٤ ، العلل : ٤٨٣ ـ ١ ، أمالي الصدوق : ٥٢٩ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ٩٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١ ح ١.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١ ح ٣.

(٦) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٩ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٤٥ ، صاحب الرياض ٢ : ٢٩٣.

١٣٩

شرعا وعقلا ، لعدم خلوّ اللحم عنه وإن غسل مرّات.

ولانحصار دليله بالإجماع يجب الاقتصار في استثنائه على ما ثبت فيه الإجماع ، وهو المتخلّف عن الذبيحة المأكول من غير الخلط بالمسفوح بجذب نفس أو علوّ رأس ، كما مرّ في بحث الطهارة ، فلا يحلّ المخلوط به ، ولا دم غير الذبيحة وإن كان ممّا لا نفس له ولو من السمك.

فيحرم ما عدا ما ذكر مطلقا ، للأصل ، لا للاستخباث ، لمنعه جدّا ، فإنّ الدم لو كان خبيثا لكان كلّه كذلك ، مع أنّه لا يستخبث المتخلّف من الذبيحة.

نعم ، تثبت حرمة بعض أفراد الغير المتخلّف بواسطة النجاسة أيضا.

ومن الأصحاب من توقّف في حرمة الدم المتخلّف في غير المأكول ، ومنهم من حكم بحلّية ما عدا المسفوح من الدماء ، كدم الضفادع والقراد والسمك ممّا لا نفس له (١) ، وظاهر المعتبر والغنية والسرائر والمختلف والمنتهى والنهاية : حلّية دم السمك (٢) ، بل ظاهر الأول دعوى الإجماع عليها.

ولا أعرف لهم دليلا سوى الأصل ، والعمومات ، وقوله سبحانه في سورة الأنعام ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) (٣) حيث قيّد الدم المحرّم بالمسفوح.

والأولان بما ذكر مندفعان. والثالث لا يدلّ إلاّ على عدم الوجدان فيما اوحي إليه ، أو فيما أوحي إليه حين نزول الآية ، فلا ينافي تحريم المطلق‌

__________________

(١) انظر السرائر ١ : ١٧٤.

(٢) المعتبر ١ : ١١٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، السرائر ١ : ١٧٥ ، المختلف : ٥٩ ، المنتهى ١ : ١٦٣ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٦٨.

(٣) الأنعام : ١٤٥.

١٤٠