مستند الشّيعة - ج ١٥

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٥

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-041-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٩٠

وفي رواية أبي سهل القرشي : عن لحم الكلب ، قال : « هو مسخ » (١).

وبعض الروايات ـ المشعرة بحلّية بعض أفراد ما ذكر أو من السبع أو الحشار (٢) ـ مطروحة أو على التقيّة محمولة.

وقد ظهر منها أنّ المسوخ من حيوانات البرّ ـ غير الطير ـ أربعة عشر : الفيل والذئب والأرنب والكلب والقردة والخنازير والضبّ والفأرة والعقرب والدبّ والوزغ والوبر والورل والدبى ، ومع الطيور الثلاثة ـ الطاوس والوطواط والزنبور ـ تصير ستّة عشر ، ومع الثلاثة البحريّة المصرّح بمسخها في رواية الكلبي (٣) ترتقي إلى تسعة عشر ، وجميعها أمساخ.

وزاد فيها في الفقيه سبعة اخرى : النعامة والدعموص والسرطان والسلحفاة والثعلب واليربوع والقنفذ (٤). ولجواز أن يكون ذلك من كلامه دون تتمّة رواية محمّد ـ كما صرّح به بعضهم (٥) ـ لا حجّية فيه.

نعم ، ذكر بعض المتأخّرين ـ بعد نقل ذلك عن الصدوق ـ : ويؤيّده بعض الأخبار. ولكن لم نعثر عليه ، فلا يفيد.

وفي ذيل رواية أبي سعيد الخدري الطويلة : « إنّ الله مسخ سبعمائة أمّة عصوا الأوصياء بعد الرسل ، فأخذ أربعمائة منهم برّا وثلاثمائة بحرا » (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤٥ ـ ٧ ، التهذيب ٩ : ٣٩ ـ ١٦٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٤.

(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ١٠٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢١ ـ ١٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٣١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٩ ح ٥.

(٤) الفقيه ٣ : ٢١٣ ـ ٩٨٨.

(٥) وهو الفيض الكاشاني في الوافي ١٩ : ٣٣.

(٦) الكافي ٦ : ٢٤٣ ـ ١ ، علل الشرائع : ٤٦٠ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٩.

١٠١

ويحتمل أن تكون تلك العدّة من أنواع العصاة دون المسوخ ، فمسخت عدّة منهم على نوع واحد من الحيوانات.

ويحتمل أن تكون تلك العدّة من أنواع المسوخ ولكن لم يبق للجميع مثال ، كما روى الصدوق في الفقيه : إنّ المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيّام وأنّ هذه مثل لها (١).

المسألة الثالثة : ومن الحيوانات المحرّمة : حشرات الأرض‌ ، جعله في الكفاية من المعروف (٢) ، وفي المسالك : إنّه عندنا موضع وفاق (٣). وفي شرح الإرشاد للأردبيلي : لعلّه إجماعي (٤).

وقيل ـ بعد ذكر حيوانات منها : الحشار كلّها ، والحكم بتحريمها ـ : ولا خلاف في شي‌ء من ذلك (٥).

بل عليه الإجماع في الخلاف والغنية (٦) ، وغيرهما (٧) ، والظاهر كون حرمتها إجماعا محقّقا ، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى المرويّ في الدعائم ـ المنجبر ضعفه بما ذكر ـ : عن علي عليه‌السلام : أنّه نهى عن الضبّ والقنفذ وغيره من حشرات الأرض (٨).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢١٣ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ١٠.

(٢) الكفاية : ٢٤٩.

(٣) المسالك ٢ : ٢٣٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٦٧.

(٥) كما في المسالك ٢ : ٢٣٩.

(٦) الخلاف ٢ : ٥٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٧) كالمفاتيح ٢ : ١٨٣.

(٨) دعائم الإسلام ٢ : ١٢٣ ، المستدرك ١٦ : ١٧٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٦.

١٠٢

مضافا في بعضها إلى أنّه من المسوخ ، وبعضها من الخبائث ، بل عدّ بعضهم جميعها منها (١) ، وبعضها ذو سمّ مضرّ.

قال الشهيد الثاني في حاشية المسالك : الحشار صغار دواب الأرض (٢).

أقول : حشرات الأرض هي الحيوانات التي تأوي ثقب الأرض ، وهي كثيرة لا تكاد تحصر ، ومنها : الفأرة ، والحيّة ، والعقرب ، والجرذ وهي نوع من الفأرة.

واليربوع ، وهي أيضا نوع من الفأرة قصير اليدين جدّا ، طويل الرجلين ، لونه كلون الغزال.

والخنفساء ، بضمّ الأول وفتح الثالث أو ضمّه على لغة مع المدّ.

والصراصر ، وهي التي يقال لها بالفارسيّة : زنجرة.

والقنفذ ، ويسمّى بالفارسيّة : خارپشت.

وسام أبرص ، ويقال بها : سوسمار ، وهو الضبّ.

والعظاية ـ بالظاء المعجمة بعد المهملة ـ دويبة أكبر من الوزغة ، قاله الجوهري (٣). وفي القاموس : أنّها دويبة كسام أبرص (٤).

واللّحكة ـ كهمزة ـ دويبة زرقاء تشبه العظاية ، وليس لها ذنب طويل كذنبها ، وفي السرائر : إنّها دويبة كالسمك تسكن الرمل ، فإذا رأت الإنسان‌

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٢٣٩.

(٢) الحاشية غير موجودة ، لكن في متن المسالك ٢ : ٢٣٢ : المراد بالحشرات ما سكن باطن الأرض من الدواب.

(٣) انظر الصحاح ٦ : ٢٤٣١.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ٣٦٦.

١٠٣

غاصت وتغيّبت فيه ، وهي صقيلة تشبه أنامل العذارى (١).

وبنات وردان ـ بفتح الواو مبنيّا على الفتح ـ وهي دويبة تتولّد في الأماكن النديّة ، وأكثر ما تكون في الحمّامات والسقايات.

والديدان بأنواعها ، والعناكب ، والرّتيلاء ، وما يقال له بالفارسيّة : هزارپا ، والبرغوث ، وغير ذلك.

وفي كثير منها أيضا نصوص خاصّة محرّمة ، كالحيّة والعقرب والفأرة واليربوع والقنفذ والضبّ (٢).

المسألة الرابعة : تحرم القمّل إجماعا ـ لخباثتها ، بل هي من أخبث الخبائث ـ والدود الخارج من الإنسان ، والحيوانات الصغار التي تلصق بأبدان الحيوانات كما يقال لها بالفارسيّة : كنه ومله ، للإجماع والخباثة.

المسألة الخامسة : هل تحرم الديدان المتكوّنة في الفواكه كدود التفّاح والبطّيخ ونحوهما؟

فيه إشكال ، ولا دليل على حرمتها إلاّ الخباثة ، وفي تأمّل يعلم وجهه ممّا مرّ في بيان الخباثة.

المسألة السادسة : صرّح جمع من المتأخّرين بعدم الخلاف في تحريم الخزّ والسمّور والفنك والسنجاب (٣).

أمّا الخزّ ، فقد مرّ تحقيقه في كتاب الطهارة.

وأمّا البواقي ، فصرّح به في الرضوي بتحريمها (٤) ، وضعفه غير‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ١٠٥.

(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ١٠٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢.

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٤٠ ، الفيض في المفاتيح ٢ : ١٨٣.

(٤) فقه الرضا « ع » : ٣٠٢ ، المستدرك ١٦ : ٢٠٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤٧ ح ٢.

١٠٤

ضائر ، لأنّ الاشتهار له جابر ، فما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين من انتفاء المستند لتحريم السمّور والفنك (١) غير جيّد. وبعض الأخبار المشعرة بعدم تحريم السنجاب (٢) مرجوحة ، لمخالفة الطائفة وموافقة العامّة (٣).

المسألة السابعة : حلّية النعم الثلاث الأهليّة ـ الإبل والبقر والغنم ـ من الضروريّات الدينيّة.

قال الله سبحانه ( وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) إلى أن قال سبحانه ( ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ) إلى أن قال عزّ شأنه ( وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ) (٤).

في تفسير علي : فهذه التي أحلّها الله في كتابه ـ إلى أن قال ـ : فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ) عنى الأهلي والجبلي ( وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ) عنى الأهلي والوحشي الجبلي ( وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ) عنى الأهلي والوحشي الجبلي ( وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ ) عنى البخاتي والعراب ، فهذه أحلّها الله » (٥).

وفي معناه خبر آخر في الكافي ، وفيه : « ومن المعز اثنين زوج داجنة يربّيها الناس ، والزوج الآخر الظباء التي تكون في المفاوز » (٦).

المسألة الثامنة : الحقّ المشهور بين الأصحاب حلّية الحمول الثلاثة‌

__________________

(١) كما يستفاد من كلام المحقق السبزواري في الكفاية : ٢٤٩.

(٢) الوسائل ٢٤ : ١٩٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤١.

(٣) المغني والشرح الكبير ١١ : ٧٢.

(٤) الأنعام : ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٤.

(٥) تفسير القمي ١ : ٢١٩ ، المستدرك ١٦ : ٣٤٩ أبواب الأطعمة المباحة ب ١٧ ح ٢.

(٦) الكافي ٨ : ٢٨٣ ـ ٤٢٧.

١٠٥

الأهليّة التي تحمل الأثقال وتركب : الخيل والبغال والحمير. وفي الكفاية : إنّه المعروف بين الأصحاب حتى كاد أن يكون اتّفاقيّا (١). وفي شرح الأردبيلي : كاد أن يكون إجماعيّا (٢). وعن الخلاف الإجماع عليه (٣) ، بل هو إجماع محقّق ظاهرا ، فهو الدليل عليه ، مضافا إلى الأصل ، والعمومات (٤) ، وخصوص المستفيضة (٥).

والأخبار المعارضة لها (٦) مرجوحة جدّا ، لمخالفتها عموم الكتاب وعمل الأصحاب ، وموافقتها لهؤلاء .. (٧).

خلافا للمحكيّ عن الحلبي في البغال ، فحرّمها (٨) ، لبعض الأخبار المشار إليها ، وهي ـ مع ما فيها ممّا ذكر ـ متضمّنة للخيل والحمير أيضا ، وهو لا يقول بحرمتهما ، فالنهي فيها غير باق على ظاهره عنده أيضا.

نعم ، تكره هذه الثلاثة ، حملا للأخبار الناهية على الكراهة ، والظاهر عدم الخلاف فيها وإن اختلفوا فيما هو أشدّ كراهة من الحمير والبغال ، والأمر فيه سهل.

المسألة التاسعة : يحلّ من البهائم الوحشيّة : البقر ، والكباش الجبليّة ـ جمع الكبش والمراد به : الضأن والمعز الجبليّين ـ والغزلان ـ جمع الغزال‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٤٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٥٨.

(٣) الخلاف ٢ : ٥٤٠.

(٤) الأنعام : ١٤٥.

(٥) انظر الوسائل ٢٤ : ١١٧ ، ١٢١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤ ، ٥.

(٦) انظر الوسائل ٢٤ : ١١٨ ، ١٢٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤ ح ٣ و ٤ و ٩ ، وص ١٢١ ، ١٢٢ ب ٥ ح ١ ، ٢ ، ٥.

(٧) انظر بداية المجتهد ١ : ٤٦٩ ، المغني والشرح الكبير ١١ : ٦٦ و ٦٧.

(٨) كما في الكافي في الفقه : ٢٧٧.

١٠٦

وهو الظبي ـ والحمر ، واليحامير ـ جمع يحمور ـ قيل : هو حيوان شبيه بالإبل وليس هو إيّاه (١). وفي عجائب المخلوقات : إنّه دابّة وحشية نافرة لها قرنان طويلان كأنّهما منشاران ينشر بهما الشجر يلقيهما كلّ سنة (٢). وفي القاموس : اليحمور يقال لحمار الوحش ، ولدابّة أخرى ، ولطائر (٣).

ثمَّ حلّية الخمسة ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين ، صرّح به جماعة (٤) ، وفي المفاتيح وشرحه الإجماع عليه (٥).

ويدلّ في الجميع : الأصل والعمومات الكتابيّة والسنّتية.

وفي الثلاثة الأولى : ما يدلّ على حلّية الأزواج الثمانية ، سيّما مع ما سبق في بيانها.

وفي خصوص الأول أو الثاني : مرسلة الفقيه : في إيّل اصطاده رجل فقطعه الناس والذي اصطاده يمنعه ففيه نهي؟ فقال : « ليس فيه نهي وليس به بأس » (٦).

والايّل ـ بكسر الهمزة وضمّها ـ بقر الجبل ، وقيل : هو ـ بالكسر فالفتح ـ ذكر الأوعال ، ويقال : هو الذي يسمّى بالفارسيّة : گوزن (٧) ، وفي كنز اللغة : إيل بز كوهي نر وگوزن.

__________________

(١) قال في لسان العرب ٤ : ٢١٥ هو دابة تشبه العنز.

(٢) لم نعثر عليه في عجائب المخلوقات وهو موجود في حياة الحيوان الكبرى للدميري ٢ : ٤٣٤.

(٣) القاموس المحيط ٢ : ١٤.

(٤) كما في المسالك ٢ : ٢٣٩ ، كشف اللثام ٢ : ٨٣ ، رياض المسائل ٢ : ٢٨٣.

(٥) مفاتيح الشرائع ٢ : ١٨٢.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٠٤ ـ ٩٣٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٥ أبواب الصيد ب ١٧ ح ٤.

(٧) انظر لسان العرب ١١ : ٣٥ و ٣٦.

١٠٧

وفي الثالث والرابع : موثّقة سماعة : عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه ثمَّ كان في طلبه ـ إلى أن قال ـ : فقال عليه‌السلام : « إن علم أنّه أصابه وأنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل ، وإلاّ فلا يأكل » (١).

وفي الرابع : رواية أبي بصير : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن لحوم الحمر الأهليّة ، وليس بالوحشيّة بأس » (٢).

وفي الخامس : المرويّ في محاسن البرقي : عن الآمص فقال عليه‌السلام : « وما هو؟ » فذهبت أصفه فقال : « أليس اليحامير؟ » قلت : بلى ، قال : « أليس تأكلونه بالخلّ والخردل والأبزار (٣)؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس به » (٤).

وقال الصدوق في الفقيه : ولا بأس بأكل الآمص ، وهو اليحامير (٥).

وكلامه هذا يحتمل أن يكون من تتمّة الحديث السابق عليه ، المرويّ عن محمّد ، وأن يكون من كلامه ، كذا قيل (٦).

ثمَّ المستفاد من رواية أبي بصير بقرينة التفصيل : عدم الكراهة في الحمر الوحشيّة.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٠ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٤ ـ ١٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٦ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٩ : ٤٢ ـ ١٧٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥ ح ٧.

(٣) كذا في « ح » والمصدر ، وأمّا في سائر النسخ : والأرز.

(٤) المحاسن : ٤٧٢ ـ ٤٧٠. الآمص والآميص طعام يتخذ من لحم عجل بجلده ، انظر القاموس ٢ : ٣٠٦.

والأبزار جمع البزر وهو التابل يقال لها بالفارسية : ادويه‌جات ، انظر لسان العرب ٤ : ٥٦.

(٥) الفقيه ٣ : ٢١٣.

(٦) قاله الفيض في الوافي ١٩ : ٣٣.

١٠٨

وعن الحلّي والتحرير والدروس : كراهته (١). قيل : وله وجه ، لإطلاق بعض أخبار كراهة الحمار (٢) ، وخصوص رواية نصر بن محمّد : في لحوم حمر الوحش أنّه : « يجوز أكله لوحشته ، وتركه عندي أفضل » (٣).

ولا بأس به وإن كان في الدليلين كلام.

ثمَّ تخصيص الفقهاء هذه الخمسة بالذكر إمّا لشيوع صيدها ، أو لورودها في الأخبار المذكورة. وقال الأردبيلي : وكأنّه للتمثيل والتبيين في الجملة (٤). وإلاّ فلا تختصّ الحلّية بها ، بل كلّ غير ما ذكرت حرمته داخل تحت أصل الإباحة وعمومات الحلّية.

__________________

(١) الحلّي في السرائر ٣ : ١٠١ ، تحرير الأحكام ٢ : ١٥٩ ، الدروس ٣ : ٥.

(٢) كما في الوسائل ٢٤ : ١١٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٣١٣ ـ ١ ، الوسائل ٢٥ : ٥٠ أبواب الأطعمة المباحة ب ١٩ ح ١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٦٥.

١٠٩

الفصل الرابع

في التحريم العارض للحيوانات المحلّلة

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : من موجبات عروض الحرمة : الجلل‌ ، وهو موجب للحرمة على الأشهر ، بل بلا خلاف يذكر ، إلاّ من شاذّ ممّن تأخّر كما ستعرف ، إذ لا ينسب الخلاف إلاّ إلى الخلاف والمبسوط والإسكافي ، حيث تنسب إليهم الكراهة (١).

وحاول جماعة بإرجاع كلامهم إلى المشهور بإرادتهم كراهة ما تكون العذرة أكثر غذائه لا أن ينحصر فيها ، والجلل يختصّ بالأخير (٢). وكلام الخلاف ظاهر في ذلك (٣).

وكيف كان ، فالأقوى هنا : الحرمة ، للمستفيضة :

منها صحيحة أبي حمزة : « لا تأكلوا لحوم الجلاّلات ، وإن أصابك من عرقها فاغسله » (٤).

ومفهوم الشرط في مرسلة ابن أسباط : في الجلاّلات ، قال : « لا بأس بأكلهنّ إذا كنّ يخلطن » (٥).

__________________

(١) نسبه إليهم الفاضل المقداد السيوري في التنقيح ٤ : ٣٧ والمحقق السبزواري في الكفاية : ٢٤٩.

(٢) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٤ : ١٤٩ ، صاحب الرياض ٢ : ٢٨٢.

(٣) الخلاف ٢ : ٥٤١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٠ ـ ١ ، الاستبصار ٤ : ٧٦ ـ ٢٨١ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٧ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٢ ـ ٧ ، الاستبصار ٤ : ٧٨ ـ ٢٨٨ ، التهذيب ٩ : ٤٧ ـ ١٩٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٧ ح ٣.

١١٠

ومفهوم الغاية في مرسلة النميري : في شاة شربت بولا ثمَّ ذبحت ، قال : فقال : « يغسل ما في جوفها ثمَّ لا بأس به ، وكذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلاّلة ، والجلاّلة : التي يكون ذلك غذاؤها » (١).

وفي مرسلة الفقيه : نهى عليه‌السلام عن ركوب الجلاّلات وشرب ألبانها ، وقال : « إن أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله ، والناقة الجلاّلة تربط أربعين يوما ثمَّ يجوز بعد ذلك نحرها وأكلها ، والبقرة تربط ثلاثين يوما » (٢).

المؤيّدة بأخبار أخر متضمّنة للجمل الخبريّة ، كما يأتي بعضها.

ولا تنافيها صحيحة سعد : عن أكل لحوم دجاج الدساكر وهم لا يمنعونها من شي‌ء تمرّ على العذرة مخلّى عنها ، وعن أكل بيضهنّ ، فقال : « لا بأس به » (٣) ، إذ لم يصرّح السائل فيها بأكل العذرة ، والأصل يقتضي عدمه ، وعلى تقدير الأكل لم تعلم الأكثريّة أو الدوام الموجب للجلل ، فالقول بالكراهة ـ كما في الكفاية ـ (٤) ضعيف جدّا.

ثمَّ إنّه يشترط في حصول الجلل أمور ثلاثة : الاغتذاء بعذرة الإنسان ، محضا ، في مدّة يحصل فيها الجلل.

أمّا الأول ، فلمرسلة النميري المتقدّمة ، حيث قال فيها : « التي يكون‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥١ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ٤٧ ـ ١٩٤ ، الاستبصار ٤ : ٧٨ ـ ٢٨٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٤ ح ٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٢١٤ ـ ٩٩١ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٧ ح ٦.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٢ ـ ٨ ، التهذيب ٩ : ٤٦ ـ ١٩٣ ، الاستبصار ٤ : ٧٧ ـ ٢٨٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٧ ح ٤.

الدسكرة : القرية والصومعة والأرض المستوية وبيوت الأعاجم يكون فيها الشراب والملاهي ـ القاموس ٢ : ٣٠.

(٤) الكفاية : ٢٤٩.

١١١

ذلك غذاؤها » ، فإنّ المشار إليه هو العذرة ، مضافا إلى وجوب الاقتصار في التحريم على المعلوم ، ولم يعلم صدق الجلل في الاغتذاء بغير العذرة.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي ، فألحق بالعذرة غيرها من النجاسات (١).

وهو شاذّ مندفع بما مرّ.

وأمّا الثاني ، فللأصل المذكور أيضا ، مضافا إلى مرسلتي النميري وابن أسباط المتقدّمتين ، المنجبرتين لو كان فيهما ضعف. خلافا للمحكيّ عن المبسوط ، فلم يعتبر التمحّض (٢). وهو أيضا شاذّ ضعيف وإن كان النزاع يرجع لفظيّا ، لأنّه يقول فيه بالكراهة.

وأمّا الثالث ، فظاهر ، ولكنّهم اختلفوا في المدّة التي يحصل بها الجلل ، فقدّرها بعضهم بأن ينمو ذلك في بدنه ويصير جزءا (٣) ، وآخر بيوم وليلة (٤) ، وثالث بأن يظهر النتن ، أي رائحة النجاسة التي اغتذت بها في لحمه وجلده (٥) ، ورابع بأن يسمّى في العرف جلاّلا (٦).

وغير الأخير خال عن المستند والدليل ، والأخير وإن كان المحكّم فيما لم يرد به من الشرع تعيين إلاّ أنّ العرف فيه غير منضبط جدّا ، خصوصا عند أهل تلك الأزمنة ، سيّما تلك البلاد العجميّة ، فإنّه لا عرف لهم في لفظ الجلاّل ، إلاّ أن يقال : إن معناه آكل العذرة المعبّر عنه بالفارسيّة : نجاست‌خوار ، وهذا يحتمل معنيين :

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٧٨.

(٢) المبسوط ٦ : ٢٨٢.

(٣) كالشهيد الثاني في الروضة ٧ : ٢٩٠.

(٤) كالمقداد السيوري في التنقيح ٤ : ٣٦.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٨.

(٦) كالمحقق السبزواري في الكفاية : ٢٤٩ وصاحب الرياض ٢ : ٢٨٣.

١١٢

أحدهما : أنّه لا يحترز ولا يتوقّى من أكل النجاسة ، ولا شكّ أنّه يصدق بأكل مرّة ومرّتين ، بل بميله إلى الأكل وإن منع عنه.

وثانيهما : أنّ مأكوله العذرة من غير تقييد بوقت ، ومرادفه في الفارسيّة : خوراك آن نجاست است ، ولا شكّ أنّ هذا بالإطلاق لا يصدق إلاّ إذا اغتذى بالنجاسة مدّة طويلة ، كشهر أو نصف شهر أو نحوهما ، ولا أقلّ من أسبوع أو ثلاثة أيّام ، فصدق الجلاّل في الأقلّ غير معلوم ، والأصل أقوى متّبع ، والإجماع المركّب في أمثال المقام غير معلوم ، ولو أبيت عنه فخذ بأكثر ما قيل من ظهور النتن ، ولو احتطت فخذ بيوم وليلة ، وهو طريق السلامة.

ثمَّ لو انتفى التمحّض ، ولكن كان أكل العذرة أكثر ، كره على المشهور ، فهو الحجّة فيه ، لتحمّله المسامحة.

المسألة الثانية : تحريم الجلاّل ليس بالذات حتى يستقرّ ولم يرتفع ، بل هو لصدق الجلاّل ، فيرتفع بالاستبراء إجماعا ، بأن يربط ويطعم العلف الطاهر في مدّة معيّنة ، وهي في الإبل أربعون يوما اتّفاقا فتوى ونصّا ، وممّا ينصّ عليه مرسلة الفقيه المتقدّمة.

ورواية السكوني : « الدجاجة الجلاّلة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد ثلاثة أيّام ، والبطّة الجلاّلة خمسة أيّام ، والشاة الجلاّلة عشرة أيّام ، والبقرة الجلاّلة عشرين يوما ، والناقة أربعين يوما » (١).

ومرفوعة يعقوب بن يزيد : « الإبل الجلاّلة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما ، والبقرة ثلاثين يوما ، والشاة عشرة أيام » (٢).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥١ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ٤٦ ـ ١٩٢ ، الاستبصار ٤ : ٧٧ ـ ٢٨٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٨ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٢ ـ ٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٨ ح ٤.

١١٣

ورواية يونس المرويّة في الكافي في الدجاج : « يحبس ثلاثة أيّام ، والبطّة سبعة أيّام ، والشاة أربعة عشر يوما ، والبقر ثلاثين يوما ، والإبل أربعين يوما ثمَّ يذبح » (١).

وبسّام : في الإبل الجلاّلة ، قال : « لا يؤكل لحمها ولا تركب أربعين يوما » (٢).

ومسمع : « الناقة الجلاّلة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغتذي أربعين يوما ، والبقرة الجلاّلة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغتذي ثلاثين يوما ، والشاة الجلاّلة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغتذي عشرة أيّام ، والبطّة الجلاّلة لا يؤكل لحمها حتى تربط خمسة أيّام ، والدجاجة ثلاثة أيّام » (٣) ، وفي نسخ التهذيب والاستبصار بدّلت ثلاثين البقرة في هذه الرواية بأربعين ، وعشرة الشاة بخمسة.

وفي رواية الجوهري المرويّة في الفقيه : « إنّ البقرة تربط عشرين يوما ، والشاة تربط عشرة أيّام ، والبطّة تربط ثلاثة أيّام » (٤) قال : وروي ستّة أيّام ، والدجاجة تربط ثلاثة أيّام (٥).

والمرويّ في الدعائم : « الناقة الجلاّلة تحبس على العلف أربعين يوما ، والبقرة عشرين يوما ، والشاة سبعة أيّام ، والبطّ خمسة أيّام ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٢ ـ ٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٨ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٣ ـ ١١ ، التهذيب ٩ : ٤٦ ـ ١٩٠ ، الاستبصار ٤ : ٧٧ ـ ٢٨٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٣ ـ ١٢ ، التهذيب ٩ : ٤٥ ـ ١٨٩ ، الاستبصار ٤ : ٧٧ ـ ٢٨٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٨ ح ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٢١٤ ـ ٩٩٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٨ ح ٦.

(٥) الفقيه ٣ : ٢١٤ ـ ٩٩٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٨ ح ٦.

١١٤

والدجاجة ثلاثة أيّام ، ثمَّ يؤكل بعد ذلك لحومها ، وتشرب ألبان ذوات الألبان منها ، ويؤكل بيض ما يبيض منها » (١).

ثمَّ أكثر أخبار الباب وإن كانت خالية عن الدالّ على وجوب تعيين هذه المدّة ، إلاّ أنّ مفهوم المرسلة الاولى يدلّ على انتفاء الجواز قبلها ، مضافا إلى استصحاب التحريم حتى يعلم جواز الأكل.

فالقول بمتابعة زوال اسم الجلل (٢) غير جيّد ، لأنّه لا يستلزم الحلّ بعد عروض الحرمة ، فيمكن أن يكون الجلاّل حراما مؤيّدا وإن انتفى جلله ، فالمتّبع دليل التحليل ورفع الحرمة في مدّة معيّنة ، وهي ـ كما عرفت ـ في الإبل أربعون يوما.

وأمّا البقرة ، فقد عرفت أنّ أقلّ ما ورد في الروايات في مدّة استبرائها عشرون يوما ، وعليه المشهور المدّعى عليه في الخلاف الإجماع (٣) ، وأوسطه الثلاثون ، وهو المحكي عن الصدوق والإسكافي (٤) ، وأكثره الأربعون ، وهو المنقول عن المبسوط (٥) والقاضي (٦).

فالحقّ : هو الأول ، لا لما قيل من ضعف جميع روايات الباب واختصاص رواية العشرين بالانجبار (٧) ، لمنع الضعف عندنا.

بل لدلالة رواية العشرين على جواز الأكل بعدها ، وعدم دلالة غيرها على عدم الجواز قبل ما ذكر فيها ، غايتها الرجحان والاستحباب.

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢ : ١٧٤ ، المستدرك ١٦ : ١٨٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٩ ح ٣.

(٢) قاله في الروضة ٧ : ٢٩٣.

(٣) الخلاف ٢ : ٥٤٢.

(٤) المقنع : ١٤١ ، حكاه عنهما في المختلف : ٦٧٦.

(٥) المبسوط ٦ : ٢٨٢.

(٦) حكاه عنه في الرياض ٢ : ٢٨٣.

(٧) الرياض ٢ : ٢٨٣.

١١٥

ودليل القولين الآخرين بجوابه ظاهر ممّا ذكر ، مع أنّ الأخبار ـ التي هي حجّة أربابهما ـ مشتملة على ما لا يقولون به في الشاة.

وأمّا الشاة ، فأقلّ ما ورد فيها خمسة ، ولا قائل بها ، وأوسطه عشرة ، وهو المشهور المدّعى عليه الإجماع (١) ، وأكثره أربعة عشر ، وهو المحكيّ عن الإسكافي (٢) ، وقيل فيها بسبعة ، وهو المنقول عن المبسوط (٣) والقاضي (٤) ، وعن الصدوق بعشرين (٥) ، ولا أعرف مستنده ، فهو ساقط ، وكذا السبعة والخمسة ، لضعف روايتهما ، أمّا الأولى فلعدم ثبوتها عن الأصل المعتبر ، وأمّا الثانية فلعدم العامل بها ، مضافا إلى ما عرفت من اختلاف النسخة. فبقي القولان الآخران ، والترجيح للعشرة البتّة ، لما مرّ في البقرة ، مضافا الى أكثريّة الرواية.

وأقلّ مدّة البطّة في الروايات ثلاثة ، وهي المحكيّة عن الصدوق في المقنع (٦) ، وأوسطها الخمسة ، وهي المشهورة فيها ، بل عن الغنية الإجماع عليها (٧) ، وأكثرها السبعة ، وهي مختار الخلاف مدّعيا عليها الإجماع (٨) ، ولو لا ضعف رواية الثلاثة ـ بمخالفة الشهرة العظيمة ـ لكنّا نقول بها ، لما مرّ في البقرة ، ولكنّه يمنعنا فنقول بأقلّ ما فوقها ، وهو الخمسة ، لما ذكر.

__________________

(١) الرياض ٢ : ٢٨٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٦٧٦.

(٣) المبسوط ٦ : ٢٨٢.

(٤) نقله عنه في الرياض ٢ : ٢٨٣.

(٥) المقنع : ١٤١.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٦٧٦.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٨) الخلاف ٢ : ٥٤٢.

١١٦

وأمّا الدجاجة ، فالروايات متفقة فيها على الثلاثة ، فهي المدّة المعيّنة لها ، وأمّا الخمسة ـ كما عن الحلبي (١) ـ أو السبعة ـ كما عن المبسوط (٢) ـ فلا نعرف لهما حجّة.

ثمَّ طرح جميع الروايات ـ للضعف والرجوع الى زوال الجلل عرفا ، كما احتمله بعض المتأخّرين (٣) ـ ضعيف غايته ، لأنّه ـ مع عدم اعتبار ضعف السند بعد اعتبار الأصل عندنا ـ خرق للإجماع المركّب أولا ، وطرح للضعيف المنجبر ـ الذي هو في حكم الصحيح ـ ثانيا ، ورجوع إلى ما لا دليل على مرجعيّته ثالثا ، إذ غاية ما علت مرجعيّته من الدليل استلزام الجلل للحرمة ، وأمّا إيجاب رفعه للحرمة المستصحبة فمن أين يعلم؟! إلاّ بتخريج عامّي ضعيف!! ومنه يعلم ضعف ما قيل فيما لا تقدير له من الرجوع إلى زوال الجلل (٤) ، وقيل بالرجوع فيه الى ما يستنبط من المقدّرات بالفحوى (٥) ، ولا بأس به فيما أمكن فيه ذلك ، والرجوع الى أكثر ما يمكن أن يكون مدّة مقتضى الاستصحاب.

فروع :

أ : لا يحصل الجلل بغير أكل العذرة من النجاسات‌ ، للأصل ، وعدم الدليل. والتعدّي باستنباط العلّة قياس مردود.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٧٧.

(٢) المبسوط ٦ : ٢٨٢.

(٣) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٥٤.

(٤) انظر إيضاح الفوائد ٤ : ١٥٠ ، مسالك الافهام ٢ : ٢٣٩.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٢٨٣.

١١٧

ب : الظاهر عدم اختصاص الجلل بالحيوانات المذكورة‌ ، بل يحصل لكلّ حيوان يغتذي بالعذرة ، لعموم صحيحة أبي حمزة (١). والكلام في استبراء ما ليس له مقدّر كما مرّ.

ج : هل تقع على الجلاّل الذكاة ، أم لا؟

الظاهر : الأول ، للاستصحاب ، والإطلاقات ، وعدم توقّف التذكية على الحلّية كما في السباع.

د : هل يشترط في حصول الاستبراء الربط أو الحبس أو القيد‌ ، كما في أكثر الروايات؟ أو يحصل بمطلق الاغتذاء بغير ما يوجب الجلل ، كما هو ظاهر رواية مسمع (٢)؟

الظاهر : الثاني ، والأحوط : الأول ، بل لا يبعد أن يكون أظهر ، لمفهوم قولهم (٣) : « يجوز » في مرسلة الفقيه (٤) ، والتعدّي في غير موردها بعدم القول بالفصل.

هـ : هل يشترط في حصوله العلف بالطاهر‌ ، أو يحصل بالمتنجّس ، بل بالنجس غير العذرة لو خصّصنا الجلل بالعذرة؟

مقتضى الاستصحاب وظهور الطاهر من الإطلاقات : الأول ، وهو ـ كما قيل (٥) ـ الأشهر.

والمستفاد من إطلاقات النصوص : الثاني ، ولا يبعد أن يكون هو الأظهر.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٠ ـ ١ ، الاستبصار ٤ : ٧٦ ـ ٢٨١ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٧ ح ١.

(٢) المتقدّمة في ص : ١١٤.

(٣) كذا في النسخ ، والظاهر : قوله ..

(٤) المتقدّمة في ص : ١١١.

(٥) انظر كشف اللثام ٢ : ٢٦٢ والرياض ٢ : ٢٨١.

١١٨

و : ظاهر الأصحاب وبعض الروايات المتقدّمة ـ بضميمة الإجماع المركّب ـ حرمة ألبان الجلاّلات وبيضها‌ ، فيجب الاجتناب عنها قبل الاستبراء.

ز : يستحبّ ربط الدجاجة التي يراد أكلها أيّاما ثمَّ ذبحها وإن لم يعلم جللها ، للمرويّ في حياة الحيوان : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أيّاما ثمَّ أكلها (١).

المسألة الثالثة : ومن موجبات عروض الحرمة : وطء الإنسان الحيوان المحلّل‌ ، بلا خلاف فيه يذكر كما في شرح الإرشاد للأردبيلي (٢) ، وبلا خلاف مطلقا كما في شرح المفاتيح وكلام بعض آخر (٣) ، بل هو فتوى الأصحاب المشعر بالإجماع كما في المفاتيح (٤).

والدليل عليه ـ بعد الإجماع المحقّق ظاهرا في الجملة ـ رواية مسمع المنجبر ضعفها ـ لو كان ـ بالعمل : سئل عن البهيمة التي تنكح ، قال : « حرام لحمها وكذلك لبنها » (٥).

وموثّقة سماعة : عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو بقرة أو ناقة ، قال : فقال : « عليه أن يجلد حدّا غير الحدّ ، ثمَّ ينفى من بلاده إلى غيرها ، وذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم ولبنها » (٦).

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ٤٧٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٦١.

(٣) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٨٥.

(٤) المفاتيح ٢ : ١٨٩.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٩ ـ ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٠ ح ٣.

(٦) الكافي ٧ : ٢٠٤ ـ ٢ ، التهذيب ١٠ : ٦٠ ـ ٢١٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٠ ح ٢.

١١٩

وروايات ابن سنان والحسين بن خالد وإسحاق بن عمّار : في الرجل يأتي البهيمة ، فقالوا جميعا : « إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت ، فإذا ماتت أحرقت بالنار فلم ينتفع بها ، وإن لم تكن البهيمة له قوّمت وأخذ ثمنها منه ودفع الى صاحبها وذبحت وأحرقت بالنار ولم ينتفع بها » الحديث (١) ، دلّ النهي عن مطلق الانتفاع بها على حرمتها.

وحسنة سدير : في الرجل يأتي البهيمة ، قال : « يحدّ دون الحدّ ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها ، لأنّه أفسدها عليه ، وتذبح وتحرق وتدفن إن كانت ممّا يؤكل لحمه ، وإن كانت ممّا يركب ظهره أغرم قيمتها وجلد دون الحدّ [ وأخرجها ] (٢) من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد اخرى حيث لا تعرف ، فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها » (٣) ، دلّ التعليل بالإفساد على الحرمة وإلاّ لم يكن فيه إفساد.

ويؤيّده أيضا ما دلّ على ذبحها وإحراقها :

كصحيحة محمّد بن عيسى : عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة ، قال : « إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها ، فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها » (٤).

والمرويّ في تحف العقول : سأل يحيى بن أكثم موسى المبرقع عن‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٠٤ ـ ٣ ، التهذيب ١٠ : ٦٠ ـ ٢١٨ ، الاستبصار ٤ : ٢٢٢ ـ ٨٣١ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٧ أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات والاستمناء ب ١ ح ١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : وأخرجت ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٧ : ٢٠٤ ـ ١ ، الفقيه ٤ : ٣٣ ـ ٩٩ ، التهذيب ١٠ : ٦١ ـ ٢٢٠ ، الاستبصار ٤ : ٢٢٣ ـ ٨٣٣ ، علل الشرائع : ٥٤٨ ـ ٣ ، المقنع : ١٤٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٨ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٤.

(٤) التهذيب ٩ : ٤٣ ـ ١٨٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٠ ح ١.

١٢٠