مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

ورواية زيد بن عليّ ، عن آبائه ، عن عليّ عليه‌السلام : « أنّه أتاه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين ، والله إنّي لأحبّك لله ، فقال له : ولكن أنا أبغضك لله ، فقال : ولم؟ قال : لأنّك تبغي في الأذان وتأخذ على تعليم القرآن أجرا ، وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظّه يوم القيامة » (١).

ورواية إسحاق بن عمّار : إنّ لنا جارا يكتّب وقد سألني أن أسألك عن عمله ، فقال : « مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله : إنّما أنا أعلّمه الكتاب والحساب واتّجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه » (٢) ، والمراد بالكتاب : الكتابة.

ولا تنافيها رواية الفضل بن قرّة : إنّ هؤلاء يقولون : إنّ كسب المعلّم سحت ، فقال : « كذبوا أعداء الله ، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن ، ولو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان حلالا » (٣) ، لأنّ غايتها انتفاء الحرمة ، وهو لا ينافي الكراهة ، مع أنّ المستفاد منها انتفاء الحرمة في مطلق التعليم دون تعليم القرآن ، فتأمّل.

ويجوز قبول الهديّة لمعلّم القرآن إذا لم يكن أجرا وشرطا ، لرواية المدائني : « المعلّم لا يعلّم بالأجر ، ويقبل الهدية » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٠٩ ـ ٤٦١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٦ ـ ١٠٩٩ ، وأورد صدره في الاستبصار ٣ : ٦٥ ـ ٢١٥ ، الوسائل ١٧ : ١٥٧ أبواب ما يكتسب به ب ٣٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٦٤ ـ ١٠٤٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ ـ ٢١٧ ، الوسائل ١٧ : ١٥٥ أبواب ما يكتسب به ب ٢٩ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٢١ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٩ ـ ٣٨٤ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ ـ ١٠٤٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ ـ ٢١٦ ، الوسائل ١٧ : ١٥٤ أبواب ما يكتسب به ب ٢٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٦٥ ـ ١٠٤٧ ، الاستبصار ٣ : ٦٦ ـ ٢١٨ ، الوسائل ١٧ : ١٥٦ أبواب ما يكتسب به ب ٢٩ ح ٥.

٦١

وربّما يقال بكراهة أخذ الهديّة أيضا ، لرواية الأعشى المتقدّمة.

وفيه : أنّها إنّما تدلّ على كراهة قبول الهديّة على قراءة القرآن دون تعليمه.

ثمَّ إنّه يظهر من هذه الرواية كراهة التكسّب بقراءة القرآن.

وقد يقال بكراهة التكسّب بكتابة القرآن أيضا ، لما دلّ على كراهة أخذ الأجرة على تعليمه.

ولا دلالة فيه عليها.

ولما روي : أنّه ما كان المصحف يباع ، ولا يؤخذ الأجر على كتابته في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل كان يخلّى الورقة في المسجد عند المنبر ، وكلّ من يجي‌ء يكتب سورة (١).

ولا دلالة فيه على الكراهة ، إذ لعلّه كان لعدم التعارف ، كما يستفاد من رواية روح : ما ترى أن اعطى على كتابته أجرا؟ قال : « لا بأس ، ولكن هكذا كانوا يصنعون » (٢) ، يعني : يخلّى عند المنبر كما مرّ.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢١ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٦٦ ـ ١٠٥٢ و ١٠٥٣ ، الوسائل ١٧ : ١٥٩ أبواب ما يكتسب به ب ٣١ ح ٤ و ٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٢١ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٦٦ ـ ١٠٥٢ و ١٠٥٣ ، الوسائل ١٧ : ١٥٩ أبواب ما يكتسب به ب ٣١ ح ٩.

٦٢

الفصل الثاني

فيما يحرم التكسّب به‌

وهو أيضا أمور :

منها : المسكر‌ ، خمرا كان أو غيره ، مائعا بالأصالة أو جامدا ، كان التكسّب به بالبيع مطلقا أو غيره ، بل مطلق التصرّف فيه وإمساكه في غير الجامد ، كما صرّح به جماعة (١) ، منهم الحلّي ، قال : والخمر والتصرف فيها حرام على جميع الوجوه ، من البيع ، والشراء ، والهبة ، والمعارضة ، والحمل لها ، والصنعة ، وغير ذلك من أنواع التصرّف (٢).

وأمّا دليل حرمة بيع الخمر مطلقا ، فبعد الإجماع المحقّق ، وقوله سبحانه ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (٣) ، المستفيضة من النصوص :

منها : رواية جابر : « لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخمر عشرة : غارسها ، وحارسها ، وبائعها ، ومشتريها » الحديث (٤).

وفي رواية أخرى بعد عدّ العشرة : « وكذا كلّ نبيذ وكلّ مسكر ، لأنّه نجس ».

وصحيحة عمّار بن مروان : « والسحت أنواع كثيرة ، منها : أجور الفواحش ، وثمن الخمر والنبيذ المسكر » (٥).

__________________

(١) كالمفيد في المقنعة : ٥٨٧ ، والطوسي في النهاية : ٣٦٣.

(٢) السرائر ٢ : ٢١٨.

(٣) المائدة : ٩٠.

(٤) الخصال : ٤٤٤ ـ ٤١ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٥ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٤ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ١٢٦ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٨ ـ ١٠٦٢ ، الوسائل ١٧ : ٩٢ أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ١.

٦٣

والروايات بهذا المضمون في ثمن الخمر كثيرة جدّا.

ورواية يونس : « إن أسلم رجل وله خمر وخنازير ثمَّ مات وهي في ملكه وعليه دين ، قال : يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خمره وخنازيره فيقضي دينه ، وليس له أن يبيعه وهو حيّ ، ولا يمسكه » (١).

ورواية أبي بصير ، وفيها : « إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها ، فأمر بها فصبّ على الصعيد » (٢).

ومرسلة يزيد بن خليفة الطويلة ، وفيها : « انظر شرابك هذا الذي تشربه ، فإن كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله » (٣).

وصحيحة ابن أذينة : عن رجل له كرم أيبيع العنب والتمر من يعلم أنّه يجعله خمرا أو مسكرا؟ فقال : « إنّما باعه حلالا في الإبّان (٤) الذي يحلّ شربه وأكله ، فلا بأس ببيعه » (٥) ، علّل حلّية البيع بحلّية الأكل والشرب ، فينتفي حين انتفائها.

ورواية عمر بن حنظلة الآتية في المسألة الآتية (٦).

والمرويّ في تحف العقول ، ورسالة المحكم والمتشابه للسيّد ، والفصول المهمّة للشيخ الحرّ : « كلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٢ ـ ١٣ ، التهذيب ٥ : ١٣٨ ـ ٦١٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٧ أبواب ما يكتسب به ب ٥٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٧ : ١٣٥ ـ ٥٩٩ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٥ أبواب ما يكتسب به ب ٥٥ ح ٦ ، وفيهما : فصبّت في الصعيد.

(٣) الكافي ٦ : ٤١١ ـ ١٦ ، الوسائل ٢٥ : ٣٤٠ أبواب الأشربة المحرمة ب ١٧ ح ٩.

(٤) إبّان الشي‌ء ـ بالكسر والتشديد ـ : وقته ـ مجمع البحرين ٦ : ١٩٧.

(٥) الكافي ٥ : ٢٣١ ـ ٨ ، الوسائل ١٧ : ٢٣٠ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٥.

(٦) انظر ص : ٧١.

٦٤

من جهة أكله وشربه ، أو كسبه ، أو نكاحه ، أو ملكه ، أو هبته ، أو عاريته ، أو إمساكه ، أو شي‌ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالربا ، والبيع للميتة والدم ولحم الخنزير ولحوم السباع من جميع صنوف سباع الوحش ، أو الطير ، أو جلودها ، أو الخمر ، أو شي‌ء من وجوه النجس ، فهذا كلّه حرام محرّم ، لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه ، فجميع تقلّبه في ذلك حرام » الحديث (١).

والرضويّ : « وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه لوجه الفساد ، مثل : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، والربا ، وجميع الفواحش ، ولحوم السباع ، والخمر ، وما أشبه ذلك ، حرام ضارّ للجسم » الحديث (٢).

والمرويّ في التنقيح و [ الخلاف ] (٣) والمنتهى : « لعن اليهود ، حرّمت عليهم الشحوم فباعوها » (٤).

وفيهما : « إن الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه » (٥).

وفي الغوالي : « إن الله إذا حرّم على قوم أكل شي‌ء حرّم ثمنه » (٦).

وفي تفسير القمّي عن الباقر ـ بعد ذكر الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ

__________________

(١) تحف العقول : ٣٣٣ ، الوسائل ١٧ : ٨٣ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١.

(٢) فقه الرضا «ع» : ٢٥٠ ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٦٤ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ح » و « ق » : المهذّب ، والظاهر أنّه تصحيف والصواب ما أثبتناه ، حيث إنّ الحديثين غير موجودين فيه ، ولكنّهما موجودان في الخلاف.

(٤) التنقيح ٢ : ٥ ، الخلاف ١ : ٥٨٨ ، المنتهى ٢ : ١٠١٠ ، بتفاوت.

(٥) التنقيح ٢ : ٥ ، الخلاف ١ : ٥٨٧.

(٦) الغوالي ٢ : ١١٠ ـ ٣٠١ ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٧٣ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٨.

٦٥

وَالْأَزْلامُ وبيانها ـ : « كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشي‌ء من هذا حرام من الله محرّم » (١).

وضعف بعض تلك الأخبار ـ لانجبارها بالعمل ـ غير ضائر.

وأمّا حرمة سائر أنواع التكسّب بها والتصرّف فيها وإمساكها ، ف ـ بعد الإجماع ـ للآية ؛ حيث إنّ الأمر بالاجتناب يفيد النهي عن جميع ما ذكر.

ومرسلة يزيد بن خليفة ، لمثل ذلك أيضا.

ورواية يونس ، حيث إنّ النهي عن الإمساك يستلزم النهي من جميع أنواع التصرّفات.

ورواية أبي بصير ، حيث إنّ إيجاب الصبّ يقتضي النهي عن جميع أضداده.

والمرويّ في تحف العقول ، والرضوي ، ورواية القمي المتقدّمة.

ورواية الحسين بن عمر بن يزيد : « يغفر الله في شهر رمضان إلاّ لثلاثة : صاحب مسكر ، أو صاحب شاهين ، أو مشاحن » (٢).

ومن هذا يظهر وجوب إهراقها على من كانت بيده ، وعلى كلّ أحد كفاية ـ لو لم يهرق ـ من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأمّا حرمة بيع سائر الأشربة المسكرة والتصرّف فيها والتكسّب بها وحفظها وإمساكها فلأكثر ما ذكر ، بل جميعه ، لكون كلّ نبيذ مسكر خمرا لغة ـ كما صرّح به في القاموس (٣) ـ وشرعا ، كما دلّت عليه الروايات‌

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ١٨٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ١٢.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣٦ ـ ١٠ ، الوسائل ١٧ : ٣١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ٦.

والمشاحن : صاحب البدعة ـ القاموس ٤ : ٢٤١.

(٣) القاموس ٢ : ٢٣.

٦٦

المتكثّرة :

منها : رواية عطا : « كلّ مسكر خمر » (١).

والصحيح : « الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع (٢) من العسل ، والمزر (٣) من الشعير ، والنبيذ من التمر » (٤).

والمرسل : « الخمر من خمسة أشياء : من التمر والزبيب والحنطة والشعير والعسل » (٥).

ورواية أبي الجارود : « عن النبيذ أخمر هو؟ فقال : ما زاد على الترك جودة فهو خمر » (٦).

وفي تفسير القمّي عن الباقر عليه‌السلام في آية ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) (٧) الآية : « أمّا الخمر فكل مسكر من الشراب إذا خمر فهو خمر » إلى أن قال : « وإنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر والتمر ، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقعد في المسجد فدعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فكفأها كلّها وقال : هذه كلّها خمر » إلى أن قال : « فأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شي‌ء » الحديث (٨).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٠٨ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ١١١ ـ ٤٨٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٢٦ أبواب الأشربة المحرّمة ب ١٥ ح ٥.

(٢) البتع والبتع : نبيذ يتخذ من عسل كأنه الخمر صلابة ـ لسان العرب ٨ : ٤.

(٣) المزر : نبيذ الشعير والحنطة والحبوب ـ لسان العرب ٥ : ١٧٢.

(٤) الكافي ٦ : ٣٩٢ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ١٠١ ـ ٤٤٢ ، الوسائل ٢٥ : ٢٧٩ أبواب الأشربة المحرّمة ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٣٩٢ ـ ٢ ، الوسائل ٢٥ : ٢٧٩ أبواب الأشربة المحرّمة ب ١ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٤١٢ ـ ٥ ، الوسائل ٢٥ : ٣٤٣ أبواب الأشربة المحرّمة ب ١٩ ح ٤.

(٧) المائدة : ٩٠.

(٨) تفسير القمي ١ : ١٨٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ١٢.

٦٧

وأمّا ما في بعض الأخبار ـ من تخصيص الخمر بما يكون من العنب ـ فالمراد منه الخمرة الملعونة ، كما صرّح به في الرضويّ : « ولها خمسة أسامي ، فالعصير من الكرم وهي الخمرة الملعونة » (١).

وأمّا حرمة بيع الجامد من المسكر فلصحيحة ابن أذينة ، وما تأخّر عنها من الروايات (٢).

وقد يخصّ ذلك خاصّة بما إذا لم يقصد ببيعه المنفعة المحلّلة ، وإطلاق الصحيح وغيره يضعّفه.

نعم ، الظاهر عدم حرمة التصرّف فيه بالانتفاع به بالمنافع المحلّلة أو إمساكه لذلك ، لعدم دليل عليه إلاّ المرويّ في تحف العقول والرضوي (٣) ، وهما ـ لضعفهما وعدم انجبارهما بالعمل إلاّ مدلولا ـ لا ينهضان حجّة إلاّ في كلّ حكم ثبت اشتهاره ، ولم يثبت ذلك هنا.

ومثل الجامد من المسكر : العصير العنبي بعد الغليان وإن قلنا بطهارته ، لرواية أبي كهمش : لي كرم وأنا أعصره كلّ سنة وأجعله في الدنان وأبيعه قبل أن يغلي ، قال : « لا بأس به ، وإن غلا فلا يحلّ بيعه » (٤).

ويستثنى من التصرّف والتكسّب المحرّمين في الخمر جعله خلاّ وإمساكه لذلك ، كما صرح به الحلّي والفاضل (٥) وغيرهما (٦) ، وتدلّ عليه‌

__________________

(١) فقه الرضا «ع» : ٢٨٠ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٧ أبواب الأشربة المحرمة ب ١ ح ٢.

(٢) راجع ص ٦٤.

(٣) راجع ص : ٦٤ ، ٦٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٣٢ ـ ١٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٣٠ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٦.

(٥) الحلي في السرائر ٢ : ٢١٨ ، الفاضل في التحرير ١ : ١٦٠.

(٦) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٣٥.

٦٨

الروايات المتكثّرة (١).

وهل يجوز بيعها لذلك؟

الظاهر : لا ، لظاهر الإجماع وإطلاق النصوص.

وأمّا موثّقة عبيد بن زرارة : عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلاّ ، قال : « لا بأس به » (٢).

ورواية جميل : يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني بها خمرا ، فقال : « خذها ثمَّ أفسدها » (٣) وزيد في رواية : « واجعلها خلاّ ».

فلا تنهضان حجّتين للتخصيص ، لعدم ظهور الأخذ في كونه على سبيل البيع والشراء ، بل هما أمران زائدان على الأخذ ، فإثباتهما يحتاج إلى الدليل.

ويستثنى أيضا منه التصرّف فيه بالتداوي في حال الضرورة ، لمحافظة النفس كما يأتي في محلّه ، ويظهر منه جواز إمساكه لذلك ، ولكن يشترط في التصرّف والإمساك العلم بالضرورة أو الظنّ المعتبر شرعا ، فلا يجوز إمساكها لتجويز الاحتياج إليها واحتماله ، ولا التصرّف فيها مع إمكان دفع الضرورة بغيرها.

وأمّا اقتناؤها لفائدة محلّلة غير ذلك فلا ، لما مرّ ، وإن أشعرت بجوازه كلمات بعضهم (٤).

ومنها : المائعات النجسة ذاتا أو عرضا ، كان التكسّب بها بالبيع أو غيره ، وإن قصد بها نفع محلّل وأعلم المشتري بحالها إن لم يقبل التطهير ،

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٧٠ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٣١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٢٨ ـ ٣ ، التهذيب ٩ : ١١٧ ـ ٥٠٥ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٠ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٣١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٩ : ١١٨ ـ ٥٠٨ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ ـ ٣٥٨ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧١ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٣١ ح ٦.

(٤) منهم العلاّمة في المنتهى ٢ : ١٠١٠ وصاحب الحدائق ١٨ : ٧٠.

٦٩

إجماعا كما عن الغنية والمنتهى وظاهر المسالك (١).

ومع قبولها له على الأصحّ ، وفاقا لظاهر الحلّي ، بل التهذيب ، بل الخلاف والنهاية للشيخ (٢) ، حيث صرّح فيهما بوجوب إهراق الماء النجس ، بل في النهاية بعدم جواز استعمال شي‌ء من المائعات ووجوب الإهراق في بحث المشارب ، للرواية الثانية من الروايات المتقدّمة في المسألة السابقة (٣) ، وصحيحة ابن أذينة وما تأخّر عنها من الروايات (٤) ، وللأمر بإهراق الماء النجس ـ المستلزم للنهي عن جميع أضداده الخاصّة ، التي منها : بيعه وصلحه وإمساكه وسائر التصرفات ـ في أخبار كثيرة :

كموثّقة سماعة : عن رجل معه إناءان فيهما ماء ، فوقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره ، قال : « يهريقهما جميعا ويتيمّم » (٥).

والأخرى : « وإن كان أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شي‌ء من المني ، وإن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفّيه فليهرق الماء كلّه » (٦).

وموثّقة أبي بصير : « إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس ، إلاّ أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة ، فإن أدخلت يدك في الإناء‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، المنتهى ٢ : ١٠١٠ ، المسالك ١ : ١٦٤.

(٢) الحلبي في السرائر ٢ : ٢١٩ ، التهذيب ١ : ٢٤٨ ، الخلاف ١ : ١٧٥ ، النهاية : ٥ و ٣٦٤ و ٥٨٨.

(٣) في ص : ٦٣.

(٤) راجع ص : ٦٤.

(٥) الكافي ٣ : ١٠ ـ ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ ـ ٧١٣ ، الاستبصار ١ : ٢١ ـ ٤٨ ، الوسائل ١ : ١٥١ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٠٨ ـ ١٠٢ ، الوسائل ١ : ١٥٢ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٠.

٧٠

وفيها شي‌ء من ذلك فأهرق الماء » (١).

وصحيحته : عن الجنب يجعل الركوة (٢) أو التور (٣) فيدخل إصبعه فيه ، قال : « إن كانت يده قذرة فليهرقه » (٤).

وصحيحة البزنطي : عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة ، قال : « يكفئ الإناء » (٥).

وصحيحة البقباق ، وفيها : فقال : « رجس نجس ـ أي الكلب ـ لا تتوضّأ بفضله وأصبب ذلك الماء » الحديث (٦).

ورواية عمر بن حنظلة : في قدح من المسكر يصبّ عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره ، فقال : « لا والله ، ولا قطرة يقطر منه في حبّ إلاّ أهريق ذلك الحبّ » (٧).

وتلك الروايات وإن اختصّت بالماء إلاّ أنّه يثبت الحكم في غيره بعدم القول بالفصل ، مضافا إلى الأمر بإهراق المرقة المتنجّسة بموت الفأرة ودفن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١١ ـ ١ ، الوسائل ١ : ١٥٤ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٤.

(٢) الركوة ـ مثلّثة ـ : زورق صغير ورقعة تحت العواصر ـ القاموس ٤ : ٣٣٨. الركوة بالفتح : هي دلو صغير من جلد. وبالضم : زقّ يتخذ للخمر والخلّ ـ مجمع البحرين ١ : ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٣) التور بالفتح فسكون : إناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه ويتوضأ فيه ويتوكل ـ مجمع البحرين ٣ : ٢٣٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣٠٨ ـ ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٠ ـ ٤٦ ، مستطرفات السرائر : ٢٧ ، الوسائل ١ : ١٥٤ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١١.

(٥) التهذيب ١ : ٣٩ ـ ١٠٥ ، الوسائل ١ : ١٥٣ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٧.

(٦) التهذيب ١ : ٢٢٥ ـ ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ ـ ٤٠ ، الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٤.

(٧) الكافي ٦ : ٤١٠ ـ ١٥ ، التهذيب ٩ : ١١٢ ـ ٤٨٥ ، الوسائل ٢٥ : ٣٤١ أبواب الأشربة المحرّمة ب ١٨ ح ١.

٧١

العجين النجس.

ويظهر من تلك الروايات ورواية تحف العقول السابقة (١) عدم جواز الانتفاع بها منفعة محلّلة أيضا ، ولا اقتنائها ، لذلك ، وهو كذلك ، لذلك.

وفاقا لظاهر الحلّي ، قال : وكلّ طعام أو شراب حصل فيه شي‌ء من الأشربة المحضورة أو شي‌ء من المحرّمات والنجاسات ، فإنّ شربه وعمله والتجارة فيه والتكسّب به والتصرّف فيه حرام محظور (٢).

بل الأكثر فيما لا يقبل التطهير ، كما يظهر من تخصيصهم جواز الانتفاع بالدهن النجس بالاستصباح ، ونسبة القول بتجويز اتّخاذ الصابون منه وطلي الأجرب والدواب إلى نادر (٣).

خلافا للفاضل في أكثر كتبه (٤) ، ويضعّف بما مرّ.

ويستثنى من ذلك الدهن بجميع أصنافه ، فيجوز الاستصباح به وبيعه لذلك ، للإجماع ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها :

ففي صحيحة زرارة : « إذا وقعت الفأرة في السمن وماتت ، فإن كان جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي ، وإن كان ذائبا فلا تأكله واستصبح به ، والزيت مثل ذلك » (٥).

وفي صحيحة ابن وهب : جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل ، فقال : « أمّا السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله ، والزيت يستصبح به » ،

__________________

(١) راجع ص : ٦٤ ، ٦٥.

(٢) السرائر ٢ : ٢١٩.

(٣) حكاه في الحدائق ١٨ : ٩٠ عن بعض الأصحاب.

(٤) كنهاية الإحكام ٢ : ٤٦٤ ، والتحرير ١ : ١٦٠ ، والقواعد ١ : ١٢٠.

(٥) الكافي ٦ : ٢٦١ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٢.

٧٢

وقال في بيع ذلك الزيت : « يبيعه ويبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به » (١).

وموثّقته : في جرذ مات في زيت ، ما تقول في بيع ذلك الزيت؟ قال : « بعه وبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به » (٢).

وصحيحة أبي بصير : عن الفأر تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه ، قال : « إن كان جامدا فتطرحها وما حولها ويؤكل ما بقي ، وإن كان ذائبا فأسرج به وأعلمهم إذا بعته » (٣).

وقريبة من بعض هذه الأخبار صحيحتا الحلبي (٤) والأعرج (٥).

وليس في شي‌ء منها تقييد الاستصباح بتحت السماء كما عن الأكثر (٦) ، وفي المسالك والروضة : أنّه المشهور (٧) ، وعن الحلّي : الإجماع عليه (٨).

ومستنده غير واضح سواه.

وما ادّعاه في المبسوط (٩) من رواية الأصحاب الصريحة في التقييد.

وكونه أظهر أفراد الاستصباح.

ويضعّف الأول : بعدم ثبوته.

والثاني : بعدم حجّيته ، مع أنّ المدّعي اختار خلافه هنا.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٨٥ ـ ٣٥٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤٣ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٧ : ١٢٩ ـ ٥٦٣ ، الوسائل ١٧ : ٩٨ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ٧ : ١٢٩ ـ ٥٦٢ ، الوسائل ١٧ : ٩٨ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ٩ : ٨٦ ـ ٣٦١ ، الوسائل ٢٤ : ١٩٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٩ : ٨٦ ـ ٣٦٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٩٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤٣ ح ٤.

(٦) قال في كشف اللثام ٢ : ٢٦٩ : قطع به الأصحاب.

(٧) المسالك ١ : ١٦٤ ، الروضة ٣ : ٢٠٧.

(٨) السرائر ٣ : ١٢٢.

(٩) المبسوط ٦ : ٢٨٣.

٧٣

والثالث : بالمنع ، بل الغالب عكسه.

وقد يعلّل بنجاسة دخان النجس ، أو بتصاعد شي‌ء من أجزائه مع الدخان ، فينجس السقف.

وفيه : منع نجاسة الدخان أو العلم بتصاعد شي‌ء من أجزاء الدهن أولا ، ومنع حرمة تنجيس المالك ملكه ثانيا.

وأمّا القول : بأنّ ذلك يوجب أن ينجس غالبا ما يشترط فيه الطهارة في الصلاة من الثوب والبدن.

ففيه ـ بعد تسليمه ـ أنّه إن لم يعلم فينفى بالأصل ، وإلاّ فاللازم إزالة النجاسة.

فالتعميم ـ كما في المبسوط والخلاف ، وعن الإسكافي وجماعة من المتأخّرين (١) ـ هو الأقوى.

ثمَّ الحقّ الاقتصار في الاستثناء على الاستصباح أو بيعه ، لرواية تحف العقول (٢) المنجبرة بالشهرة ، ويؤيّده ـ بل يدلّ عليه ـ التعليل في الصحيحة والموثّقة المتقدّمتين بقوله : « ليستصبح ».

خلافا لشاذّ ، فألحق به عمل الصابون وتدهين الأجرب (٣) ، وآخر ، فاحتمل لحوق كلّ انتفاع لم يوجب محرّما (٤) ، بل عن الشهيد في بعض حواشيه (٥) التصريح باللحوق.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢٨٣ ، الخلاف ٢ : ٥٤٣ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٨٥ ، وانظر المسالك ١ : ١٦٤ ، وكفاية الأحكام : ٨٥ ، والحدائق ١٨ : ٨٩.

(٢) المتقدمة في ص : ٦٤ ، ٦٥.

(٣) المسالك ٢ : ٢٤٦.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ١٣.

(٥) نقله عنه في جامع المقاصد ٤ : ١٣.

٧٤

استنادا إلى الأصل.

والخبر المرويّ عن نوادر الراوندي (١).

وحملا للنصوص على النفع الغالب ، أو جعل الإسراج كناية عن استعمال لم يوجب المباشرة.

مع عدم دلالة الأخبار على المنع من غير الاستصباح.

ويندفع الأول : بعموم ما دلّ على المنع من التكسّب به ، خرج المجمع عليه.

والثاني : بالضعف.

والثالث : بعدم دلالته على التعميم.

والرابع : بعدم دليل عليه.

وهل يجب في بيعه الإعلام بالنجاسة ، أم لا؟

المصرّح به في كلامهم (٢) هو : الأول ، وهو كذلك ، للموثّقة والصحيحة المتقدّمتين (٣).

ثمَّ لو تركه هل يقع البيع صحيحا ، أم فاسدا؟

الظاهر هو : الأول ، لعدم دليل على فساده.

وقد يوجّه الفساد بأنّ الإعلام إمّا شرط جواز البيع أو صحّته أو مشكوك في شرطيّته ، والفساد على الأولين ظاهر ، وكذا على الثالث ، لحصول الإجمال في تخصيص عمومات الصحّة ، فلا تكون حجّة في‌

__________________

(١) نوادر الراوندي : ٥٠.

(٢) منهم المحقق في الشرائع ٣ : ٢٢٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٤٦ ، وصاحب الكفاية : ٨٥.

(٣) في ص : ٧٣.

٧٥

موضع الإجمال.

ويضعّف : بأنّ تجويز البيع في الصحيحة مطلق والأصل عدم الاشتراط ، وعطف قوله : « ويبيّنه » لا يثبته (١) ، فلا إجمال.

وفي حكم المائعات النجسة : الجوامد المتنجّسة الغير القابلة للتطهير ، كالعسل والسمن الجامدين ، بلا خلاف ظاهر ، لعموم الأخبار المتقدّمة ، والأمر بإلقائه في المعتبرة المتقدّمة بعضها.

وأمّا القابلة له ـ كالثوب المتنجس والحبوب ـ فيجوز بيعها والتكسّب بها ، بالإجماع ، بل الضرورة ، وفي الأخبار عليه الدلالة.

فرعان :

أ : مقتضى الأصل المستفاد من العمومات واختصاص النصوص المثبتة للاستصباح بالمتنجّس من الدهن عدم جوازه فيما يذاب من شحوم الميتة وألبانها.

مضافا إلى المستفيضة الآتية المصرّحة بعدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقا (٢) ، بل في صحيحة الوشّاء الآتية (٣) إشعار بتحريم الاستصباح بها أيضا ، مع أنّ الظاهر اتّفاقهم عليه كما قيل (٤).

إلاّ أنّ المحكيّ عن الفاضل تجويز الاستصباح به (٥) وتبعه بعض‌

__________________

(١) في « ح » : لا يبيّنه.

(٢) في ص : ٧٨.

(٣) في ص : ٧٩ ، ٨٠.

(٤) انظر المسالك ٢ : ٢٤٦.

(٥) الحاكي هو الشهيد في بعض حواشيه على ما نقله عنه في جامع المقاصد ٤ : ١٣.

٧٦

المتأخّرين (١) ، للمرويّ في السرائر وقرب الإسناد : عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء ، أيصلح أن ينتفع بما قطع؟ قال : « نعم ، يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولا يبيعها » (٢).

ويضعّفه مخالفته لعمل المعظم ، مضافا إلى أنّه خاصّ بالمقطوع من الحيّ ، فيمكن الاختصاص به لو لا معارضة صحيحة الوشّاء (٣).

ب : يظهر من الأخبار جواز بيع المتنجّس على من يستحلّه من أهل الذمّة.

ففي رواية زكريّا بن آدم : عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير ومرق كثير ، قال : « يهراق المرق أو يطعمه لأهل الذمّة أو الكلاب » إلى أن قال : قلت : فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم ، فقال : « فسد » ، قلت : أبيعه من اليهود والنصارى وأبيّن لهم فإنّهم يستحلّون شربه؟

قال : « نعم » (٤).

وفي مرسلة ابن أبي عمير : في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال : « يباع ممّن يستحلّ الميتة » (٥).

وبمضمونها أفتى جماعة ، منهم : صاحب المدارك (٦) ، ووالدي العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ وهو الأقوى ، لما ذكر.

__________________

(١) كالمجلسي في البحار ٧٧ : ٧٧.

(٢) مستطرفات السرائر : ٥٥ ـ ٨ ، قرب الإسناد : ٢٦٨ ـ ١٠٦٦ ، الوسائل ١٧ : ٩٨ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٦.

(٣) الآتية في ص : ٧٩ ، ٨٠.

(٤) الكافي ٦ : ٤٢٢ ـ ١ ، التهذيب ٩ : ١١٩ ـ ٥١٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٥٨ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٢٦ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٤١٤ ـ ١٣٠٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩ ـ ٧٦ ، الوسائل ١ : ٢٤٢ أبواب الأسآر ب ١١ ح ١.

(٦) المدارك ٢ : ٣٦٩.

٧٧

خلافا للشيخ في التهذيب ، حيث قال ـ بعد ذكر المرسلة المذكورة ، ونقل مرسلة أخرى ، هي : « أنّه يدفن ولا يباع » ـ : وبهذا الخبر نأخذ دون الأول (١). انتهى.

والجواب عن المرسلة الأخيرة : أنّها غير صريحة في النهي.

والظاهر أنّه يختصّ جواز البيع بمن يستحلّه ، لاختصاص الحكم في المرسلة والسؤال في الرواية.

وهل يجب البيان لهم؟

مقتضى إطلاق المرسلة : العدم ، ولا يقيّدها ذكر البيان في سؤال الرواية كما لا يخفى.

ويظهر من الرواية أيضا جواز إطعام المتنجّس للكلاب ، فيستثنى أيضا ، ويأتي تمام الكلام في ذلك في كتاب المشارب إن شاء الله سبحانه.

ومنها : الميتة‌ ، وحرمة بيعها وشرائها والتكسّب بها إجماعي ، وفي التذكرة عليه الإجماع (٢) ، وفي المنتهى إجماع العلماء كافّة (٣) ، بل يحرم جميع وجوه الاستمتاع بها كما في المنتهى (٤).

لرواية عليّ بن المغيرة الصحيحة عن السرّاد ـ وهو ممّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه ـ : الميتة ينتفع بشي‌ء منها؟ قال : « لا » (٥).

ورواية فتح بن يزيد الجرجاني : « لا ينتفع من الميتة بإهاب (٦) ولا‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٤.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٤.

(٣) المنتهى ٢ : ١٠٠٨.

(٤) المنتهى ٢ : ١٠٠٨.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٩ ـ ٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٤ ح ١.

(٦) والإهاب : الجلد ما لم يدبغ ، والجمع أهب ـ الصحاح ١ : ٨٩.

٧٨

عصب (١) » (٢).

وصحيحة الكاهلي على طريق الفقيه : عن قطع أليات الغنم ، فقال : « لا بأس بقطعها يصلح بها مالك » ، ثمَّ قال : « إنّ في كتاب عليّ : أنّ ما قطع منها ميتة لا ينتفع به » (٣).

والمستفاد ممّا ذكرنا [ عدم ] (٤) اختصاص التحريم بالبيع ، بل يعمّ جميع وجوه الانتفاع ، كما أنّ المستفاد من الأوليين أنّ حكم جميع أجزاء الميتة حكمها ، كما هو المعروف من مذهبهم.

ويدلّ على جميع ذلك ما مرّ في المسكر من الرضوي ، ورواية تحف العقول (٥) ، كما يدلّ على حرمة بيعها أكثر الروايات المتقدّمة هناك ، والمستفيضة المصرّحة بأنّ ثمن الميتة من السحت (٦).

ويستفاد من الثالثة أنّ حكم الأجزاء المبانة من الحيّ أيضا حكمها ، ولا خلاف فيه ظاهرا.

ويدلّ عليه أيضا كثير ممّا مرّ في المسكر ، ورواية أبي بصير : في أليات الضأن تقطع وهي أحياء : « إنّها ميتة » (٧).

وصحيحة الوشّاء : إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها ، فقال « حرام ، هي ميّت » فقلت : جعلت فداك ، فيستصبح بها؟ فقال :

__________________

(١) العصبة : واحد العصب والأعصاب ، وهي أطناب المفاصل ـ الصحاح ١ : ١٨٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٨ ـ ٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٠٩ ـ ٩٦٧ ، الوسائل ٢٤ : ٧١ أبواب الذبائح ب ٣٠ ح ١.

(٤) في النسخ : من ، والصواب ما أثبتناه.

(٥) المتقدمتين في ص : ٦٤ ، ٦٥.

(٦) الوسائل ١٧ : ٩٢ أبواب ما يكتسب به ب ٥.

(٧) الكافي ٦ : ٢٥٥ ـ ٢ ، الوسائل ٢٤ : ٧٢ أبواب الذبائح ب ٣٠ ح ٣.

٧٩

« أما علمت أنّه يصيب اليد والثوب ، وهو حرام » (١).

وبعض الروايات الدالة بظاهرها على جواز بيع ما يتّخذ من جلودها للسيوف وشرائها.

كموثّقة سماعة : عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت ، فرخّص فيه ، وقال : « إن لم تمسّه فهو أفضل » (٢).

ومكاتبة الصيقل : إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمير الميتة فيصيب ثيابي أفأصلي فيها؟ فكتب إليّ : « اتّخذ ثوبا لصلاتك » (٣).

واخرى : إنّا قوم نعمل السيوف ، ليس لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرّون إليها ، وإنّما علاجنا من جلود الميتة البغال والحمير الأهليّة ، لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا ، ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا لضرورتنا إليها ، فكتب عليه‌السلام : « اجعلوا ثوبا للصلاة » (٤).

أو على جواز الانتفاع بها بجعل الماء ومثله فيها.

كرواية الحسين بن زرارة : في جلد شاة ميتة يدبغ فيصيب فيه اللبن أو الماء فأشرب منه وأتوضّأ؟ قال : « نعم » وقال : « ويدبغ فينتفع به ولا يصلّى فيه » (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٥ ـ ٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٢ ح ١ ، بتفاوت.

(٢) التهذيب ٩ : ٧٨ ـ ٣٣٣ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ ـ ٣٤٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٤ ح ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٧ ـ ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣٥٨ ـ ١٤٨٣ ، الوسائل ٣ : ٤٨٩ أبواب النجاسات ب ٤٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٧٦ ـ ١١٠ ، الوسائل ١٧ : ١٧٣ أبواب ما يكتسب به ب ٣٨ ح ٤.

(٥) التهذيب ٩ : ٧٨ ـ ٣٣٢ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ ـ ٣٤٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٤ ح ٧.

٨٠