مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

خيار الحيوان (١) ـ : أنّه لم يحكم بهذا الجزء من الحديث سوى الإسكافي ، فهو مخالف لشهرة القدماء ، بل الإجماع ، فعن درجة الحجّية ساقطة.

ولم نقف على دليل للشيخ ، سيّما على النقل الأخير.

ثمَّ إنّه تظهر ثمرة الخلاف في الأخذ بالشفعة ، وفي جريانه في حول الزكاة ، وغير ذلك ، وقالوا في النماء المتجدّد في زمان الخيار ، ويأتي بيانه.

فروع :

أ : يظهر منهم أنّ تبعيّة الملكيّة المستقرّة في النماء المتجدّد في زمن الخيار لملكيّة الأصل قاعدة كلّية ثابتة.

ولذا فرّع الأكثر على ملكيّة المشتري كون النماء المتجدّد له وإن فسخ البائع ، وقالوا : ليس له مطالبة المشتري بالنماء ولا بمثله ، أو قيمته مع تلفه.

وقال بعض المتأخّرين ـ بعد نقل صحيحة الحلبي المتقدّمة (٢) ، المصرّحة بوجوب ردّ ثلاثة أمداد للبن الشاة المردودة بعد ثلاثة أيّام ـ إنّ ما مرّ من أنّ الغلّة في زمن الخيار للمشتري فهو مختصّ بخيار الشرط.

وقال بعض آخر ـ بعد نقل موثّقة إسحاق بن عمّار ، الدالّة على أنّ الغلّة للمشتري (٣) ، ونقل الروايات الواردة في خيار العيب ، الدالّة على ما يخالف ذلك ظاهرا ـ : ويمكن الجمع بينهما بحمل الموثّقة ونظائرها ـ الدالّة على أنّ النماء في زمان الخيار إنّما هو للمشتري ـ على خيار الشرط واختصاص الحكم به دون غيره من أنواع الخيار ، وورود تلك الأخبار في‌

__________________

(١) كما في الكفاية : ٩٣.

(٢) في ص : ٣٨٠.

(٣) راجع ص : ٣٨٤.

٤٢١

خيار الشرط مؤيّد لذلك الحمل ، انتهى.

ويظهر منهما عدم كلّية القاعدة.

وهو وإن كان مخالفا لما هو المشهور ، ولمقتضى استصحاب ملكيّة النماء الثابتة حال الخيار قطعا بلا معارض ، إلاّ أنّ صحيحة الحلبي والمستفيضة الواردة في خيار العيب (١) تساعده ، وأظهر منها موثّقة إسحاق ابن عمّار ورواية معاوية بن ميسرة المتقدّمتان (٢) ـ ومخالفة العلّيّة للشهرة بعد اشتهار الحكم الذي هو العلّة واستنادهم في الحكم إلى هذين الخبرين غير ضائر ـ الدالّتان على أنّ النماء لمن عليه التلف ، فهو الأظهر إلاّ أن يثبت الإجماع على الكلّية ، وهو محلّ نظر.

وظاهر الموثّقة والرواية كون النماء لمن عليه التلف وإن لم يفسخ البيع بالخيار ، ولعلّ الحكم به مستبعد.

ب : يجوز للمشتري التصرّف في المبيع ، وللبائع في الثمن ، وإن لم يوجبا البيع على نفسهما قبل التصرّف ، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم.

ولا فرق في التصرّفات بين أنواعها إذا كان الخيار للمتصرّف خاصّة إذا لم يكن متلفا ولا ناقلا ، وإن كان كذلك فإمّا يكون الخيار للمتصرّف ، أو للآخر ، أو لهما.

فإن كان الأول ، فالظاهر جوازه وسقوط خياره مطلقا ، ناقلا كان المتصرّف أو متلفا ، لأنّ الفسخ عبارة عن إبطال البيع ، الذي هو نقل الملكيّة المتحقّقة للمتصرّف ، ووجود الملكيّة فرع بقاء المملوك أو عدم انتقال الملكيّة ، ومع التلف أو النقل لا ملكيّة له حتى يبطلها ، فلا يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٤ و ١٩ أبواب الخيار ب ٥ و ٨.

(٢) في ص : ٣٨٤.

٤٢٢

استصحاب الخيار ، لتغيّر الموضوع.

ولكونه ( باعثا على ) (١) إسقاط حقّ نفسه لا يعارض الخيار أدلّة لزوم النقل.

وإبطال ملكيّة الطرف الآخر بعض المشروط الثابت تحقّقه في ضمن الكلّ ، فلا يمكن استصحابه.

وأمّا جواز الفسخ للبائع الشرطي مع تصرّفه في الثمن وإتلافه إيّاه فهو لأنّه معهود بين المتعاقدين ، فالمشروط حقيقة خيار فسخ ملكيّة الطرف الآخر مع ردّ مثل الثمن لا ملكيّة الطرفين وإن كان الخيار لهما أو للآخر خاصّة.

وأمّا إذا كان للآخر دونه أو لهما ، فقيل : لا يجوز إذا كانت ناقلة ـ كالبيع والوقف والهبة ـ إلاّ بإذن الآخر ، لمنافاتها خياره (٢).

وقال الفاضل في التذكرة : ولو باع أو وقف أو قبض ـ أي المشتري ـ في زمن خيار البائع أو خيارهما بغير إذن البائع فالأولى الوقوف على الإجازة (٣). وهذا تصريح بالجواز وتزلزله في زمان خيار البائع.

وقال في القواعد : ولو باع أو وقف أو وهب في مدّة خيار البائع أو خيارهما لم ينفذ إلاّ بإذن البائع (٤). وهذا يحتمل الوجهين.

وصرّح في السرائر والتذكرة بجواز عتق المشتري العبد في زمان خيار البائع أو خيارهما (٥).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ق » ، وفي نسخة من « ح » : باعها على.

(٢) الرياض ١ : ٥٢٨.

(٣) التذكرة ١ : ٥٣٨.

(٤) القواعد ١ : ١٤٤.

(٥) السرائر ٣ : ٢٤٩ ، التذكرة ١ : ٥٣٨.

٤٢٣

وتردّد في الثاني في كون خصوص العتق كالتلف فيرجع البائع بعد الفسخ إلى المثل أو القيمة ، أو كون العتق على الإجازة موقوفا (١).

وقد يقال : الحقّ صحّة البيع وتوقّفه على إجازة البائع ، فإن فسخ يرجع المبيع إليه ، وإن سقط خياره بأحد مسقطاته لزم.

أمّا الأول ، فلكونه ملكا له ، والناس على أموالهم مسلّطون ، ولعمومات حلّيّة البيع.

وأمّا الثاني ، فلاستصحاب خيار البائع ، فإنّ معنى خياره أو لازمه : تسلّطه على إرجاع المبيع إلى ملكه ، واستصحابه يقتضي جواز أخذه العين ما دامت باقية.

وأيضا ليس البيع إلاّ نقل الملك الثابت للبائع ، وليس للمشتري في زمن الخيار إلاّ الملك المتزلزل ، فلا يترتّب على بيعه إلاّ حصول الملكيّة المتزلزلة الثابتة للمشتري لمن يشتريه ثانيا ، وهي الملكيّة المنتفية بفسخ البائع الأول.

ولا تنافيه أصالة لزوم البيع ، لأنّ مقتضاها لزوم نقل الملك الصادر من البائع ، فيكون نقل الملك المتزلزل الصادر من المشتري لازما ، ومقتضاه عدم تسلّطه على فسخ ذلك النقل حتى لو لم يفسخ البائع الأول لم يلزمه أمر أصلا ، وهذا لا ينافي تزلزل الملك الحاصل ببيع آخر.

ولا يخفى أنّ ذلك لا يجري فيما لا يقبل التزلزل من التصرّفات الناقلة ، كالوقف والعتق ، وكذا في التلف ، ومع ذلك يرد عليه ما مرّ من أنّ الفسخ بالخيار كان فسخ ملكيّة المتصرّف وبعد انتقالها لا وجه لبقاء خيار‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٨.

٤٢٤

الفسخ.

فالحقّ : عدم جواز التصرّفات المتلفة والناقلة مطلقا في هذه الصورة إلاّ بإذن الآخر ، لإيجابها إتلاف حقّ الغير الموجب للضرر والضرار ، وإذا لم يجز لم يترتّب عليها الأثر لو وقعت أيضا.

ج : يجوز للمشتري الانتفاع بالمبيع بنحو الركوب واستخدام العبد وسكنى الدار وزرع الأرض ونحوها ، للأصل.

وهل للبائع أخذ الأجرة منه بعد الفسخ؟

لا شكّ في عدمه إذا كان الخيار للبائع ، لأنّ النماء للمشتري حينئذ.

وإن كان الخيار للمشتري فالظاهر العدم أيضا ، لأصل العدم ، وعدم صدق العلّة التي جعلها في الموثّقة وصاحبتها (١) لمن عليه التلف.

نعم ، لو آجره المشتري فحكم الأجرة حكم النماء ، لصدق العلّة عليها.

د : يجوز للمشتري إجارة المبيع إلى تمام مدّة الخيار والزائد عليها ، وحكمها حكم البيع ، وحكم وجه الإجارة حكم النماء.

نعم ، لو آجره من البائع نفسه في زمن خيار البائع فالظاهر لزوم الإجارة ، لوقوعها بإذنه.

مسألة : إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ عن الغنية والروضة (٢) ، وفي شرح القواعد للشيخ علي وفي التذكرة : أنّه لا خلاف فيه عندنا (٣) ، وفي الكفاية : لا أعرف فيه‌

__________________

(١) المتقدّمتين في ص : ٣٨٤.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، الروضة ٣ : ٤٥٩.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٨ ، التذكرة ١ : ٤٧٣.

٤٢٥

خلافا (١) ، وهو الحجّة فيه.

مضافا إلى النبويّ ورواية عقبة بن خالد المتقدّمتين في تلف المبيع في خيار التأخير (٢) ، وقصورهما سندا ـ لو كان ـ منجبر بالعمل ، فهما ـ بعد الإجماع ـ مخرجان للحكم هنا عن مقتضى قاعدة حصول الملكيّة بمجرّد العقد المستلزم لكون التلف من المشتري.

والمراد بكونه من مال بائعه : أنّه ينفسخ العقد بتلفه من حينه ، ويرجع الثمن إلى ملك المشتري ، وليس للمشتري مطالبة المثل أو القيمة ، لأنّ هذا مقتضى كونه من ماله ، وهو المستفاد من مفهوم الشرط في قوله في رواية عقبة : « فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله » ، فإنّه يدلّ على أنّه ما لم يخرجه ليس ضامنا لحقّه ، الذي هو الثمن.

ثمَّ إنّه لا ريب في الحكم إذا كان التلف بآفة سماويّة.

وأمّا إذا لم يكن كذلك ، بل كان من المشتري أو البائع أو الأجنبي ، فقيل بالرجوع إلى مقتضى القاعدة ، وهو كون التالف من مال المشتري ورجوعه إلى المتلف بالمثل أو القيمة لو لم يكن نفسه ، وقد ينسب ذلك إلى فتوى الجماعة (٣).

وفي الدروس والمسالك وشرح القواعد للشيخ علي : تخيّر المشتري بين الفسخ والرجوع بالثمن ، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة في الأخيرين (٤). وهو مذهب الشيخ ـ على ما في التذكرة ـ في الثالث ، وأمّا في‌

__________________

(١) الكفاية : ٩٣.

(٢) راجع ص : ٤٠١.

(٣) انظر الرياض : ١ : ٥٢٨.

(٤) الدروس ٣ : ٢١٢ ، المسالك ١ : ١٨٢ ، جامع المقاصد ٤ : ٣٠٩.

٤٢٦

الثاني فمذهبه ـ على ما في التذكرة ـ أنّه كالتلف بآفة سماويّة فيفسخ البيع ، بل ذكر في التذكرة وجها في كون الأول أيضا كالتلف بآفة سماويّة ، فعلى المشتري المتلف القيمة للبائع ويستردّ الثمن (١).

وأطلق الحلّي (٢) وجماعة (٣) : أنّه إذا تلف المبيع قبل القبض فهو من مال بائعه. وهو ظاهر في الإطلاق.

وكون المتبادر من التلف كونه بآفة سماويّة ممنوع.

وعلى هذا ، فيكون الإطلاق هو مدلول الروايتين ، مضافا إلى أنّ المفهوم في الأخيرة كاف في إثبات الإطلاق ، فعليه الفتوى.

نعم ، كون إتلاف المشتري من البائع إنّما هو إذا لم يصادف قبضه بل كان بتفريط منه ، وأمّا إذا صادفه فمن المشتري ، والوجه ظاهر ، وجعل مطلق إتلافه بمنزلة القبض لا وجه له.

ثمَّ البائع يعمل مع المتلف ـ إذا كان غيره ـ معاملة صاحب المال مع من أتلفه.

فروع :

أ : النماء بعد العقد قبل التلف للبائع على ما اخترناه ، لأنّ التلف منه.

وعلى المشهور فيه وجهان ، مبنيّان على أنّ التلف هل هو أمارة الفسخ للعقد من أصله ـ كما قيل ، ونسب إلى ظاهر النصّ وعبارة جماعة (٤)

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٤.

(٢) السرائر ٢ : ٢٤١.

(٣) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٣ والعلامة في الإرشاد ١ : ٣٧٥ والشهيد في اللمعة ( الروضة ٣ ) : ٤٥٩.

(٤) انظر الرياض ١ : ٥٢٨.

٤٢٧

ـ أو من حين التلف ـ كما هو ظاهر المسالك (١) وغيره ـ فيقدّرون دخوله في ملك البائع آنا ما ، ويكون التلف كاشفا عنه؟

والحقّ هو : الثاني ، استصحابا للحالة السابقة ، وعدم ظهور النصّ في خلافه.

ب : قال في التذكرة : إتلاف الثمن المعيّن كالمثمن في الأحكام المذكورة (٢). ويظهر ذلك في غيره أيضا. وهو كذلك ، لصدق المبيع عليه لغة. والتفرقة في العرف المتأخّر غير ضائرة ، لأصالة تأخّر الحادث ، مع أنّ استفادة العموم من رواية عقبة ممكنة.

ج : صرّح في التذكرة والدروس : بأنّه لو أبرأ المشتري البائع من الضمان لم يبرأ (٣). وهو كذلك ، للأصل. وكذا لو شرط البراءة ، لكونها مخالفة للسنّة.

د : لو تلف بعض المبيع قبل قبضه ، ففي الدروس : أنّه من مال البائع وللمشتري الفسخ أيضا ، لتبعّض الصفقة (٤).

وفي التذكرة : أنّه إن كان للتالف قسط من الثمن ـ كعبد من عبدين ـ ينفسخ العقد فيه ، ولا يبطل في الآخر ، بل يتخيّر المشتري في الفسخ ، للتبعّض.

وإن لم يكن له قسط من الثمن ـ كما لو سقطت يد العبد ـ فلعلمائنا فيه قولان :

__________________

(١) المسالك ١ : ١٨١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٧٤.

(٣) التذكرة ١ : ٤٧٣ ، الدروس ٣ : ٢١٢.

(٤) الدروس ٣ : ٢١٣.

٤٢٨

أحدهما : تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء مجّانا.

وثانيهما : تخيّره بين الفسخ والإمضاء مع الأرش (١).

أقول : لا ريب في كون التلف من البائع فيما إذا كان للتالف قسط من الثمن ، لصدق المبيع والمباع عليه. وأمّا في غيره ، فمقتضى القاعدة كونه من المشتري ، لأنّه ماله ، وعدم معلوميّة صدق المبيع والمباع الواردين في الخبرين عليه ، مع أنّ الأوّل ضعيف ، وانجباره في مثل ذلك غير معلوم ، والثاني مخصوص بالمسروق ، والتعدّي إلى غيره بعدم الفصل الغير الثابت هنا.

مسألة : إذا تلف المبيع أو الثمن في زمن الخيار ، فمقتضى القاعدة كونه من المشتري في المبيع ومن البائع في الثمن مطلقا ، سواء كان الخيار للمشتري ، أو للبائع ، أو للأجنبي ، أو لاثنين منهما ، أو للثلاثة.

وتدلّ عليه في صورة كون الخيار للبائع موثّقة إسحاق بن عمّار ومعاوية بن ميسرة المتقدّمتين (٢) ، وفي جميع الصور قوله : « فإذا أخرجه من بيته » المتقدّم في رواية عقبة (٣) ، إلاّ أنّه خرج من هذه فيما إذا كان الخيار للمشتري خاصّة بلا خلاف يعرف ، لصحيحة ابن سنان ورواية البصري المتقدّمتين (٤) ، ويبقى الباقي تحت القاعدة.

وظاهر الصحيحة والروايتين كون التلف من الله ، وعلى هذا فيكون غيره ـ من كون التلف من البائع أو المشتري أو من شخص معيّن ـ باقيا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٤.

(٢) في ص : ٣٨٤.

(٣) راجع ص : ٤٠١.

(٤) في ص : ٤١٩.

٤٢٩

على مقتضى القاعدة من كون التلف من مال المشتري ، ويرجع على المتلف إذا كان غيره ، [ لقاعدة ] (١) ضمان التالف.

وهل يبقى الخيار لمن له الخيار بعد التلف ، أم لا؟

مقتضى القاعدة التي ذكرناها ـ من عدم إمكان استصحاب الخيار بعد انتفاء الملكيّة ـ انتفاؤه مطلقا.

__________________

(١) في « ق » و « ح » : إلى قاعدة ، والظاهر ما أثبتناه.

٤٣٠

المقصد الثالث

في النقد والنسيئة‌

٤٣١
٤٣٢

اعلم أنّ البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرهما ـ ولو بساعة ـ والتفريق أربعة أقسام :

الأول : النقد.

والثاني : الكالي بالكالي.

والثالث : النسيئة.

والرابع : السلف.

وما بعض ثمنه نقد وبعضه نسيئة مركّب من النقد والنسيئة ، ومنه ما لو شرط أداء الثمن من حين العقد إلى عشرة أيّام مثلا بقسط الأيّام.

ولو لم يشترط التأخير ، ولكن شرط جواز التأخير إمّا صريحا ـ نحو : بعتك بشرط أن يكون لك التأخير إلى عشرة أيّام ـ أو التزاما ، نحو بعتك : بشرط أن لا تؤخّر الثمن عن عشرة أيّام ، حيث إنّه يفهم منه عرفا أنّ له التأخير ما دون العشرة ، ومنه قوله : بعتك بشرط أن تؤدّي الثمن اليوم ، أو أن تعجّله في اليوم ، فإنّه يستلزم جواز التأخير ما لم يفت اليوم.

ففيه إشكال ، سيّما إذا كان زمان تجويز التأخير قليلا بالنسبة إلى جعله نسيئة نحو ساعة ، مع أنّ شرط التأخير ساعة نسيئة قطعا. أو كان الزمان طويلا بالنسبة إلى احتمال كونه نقدا ، نحو سنة ، فإنّ الظاهر أنّ الأول نقد ، سيّما إذا قال : بشرط أن تؤدّي الثمن اليوم أو الساعة ، والثاني نسيئة ، سيّما إذا قال : بشرط أن يكون لك التأخير إلى سنة أو لا تؤخّر عن السنة ، مع أنّ شرط التأجيل يكون نسيئة من غير فرق بين الزمان القليل والكثير.

٤٣٣

ويحتمل أن يشترط في التعجيل عدم شرط التأخير مطلقا ولا تجويزه إلاّ في مدّة قليلة لا تنافي التعجيل عرفا ، نحو ساعة أو يوم.

ويظهر من المسالك (١) وغيره : أنّ شرط التعجيل في هذا اليوم ـ مثلا ـ نقد ، حيث عيّن مثل ذلك زمان التعجيل.

وتظهر الفائدة في مواضع كثيرة ، منها : في خيار تأخير الثمن عن ثلاثة ، فتأمّل.

ونذكر أحكامها في‌ مسائل :

المسألة الاولى : من اشترى مطلقا ـ من غير ذكر تأخير الثمن ـ كان الثمن حالا من غير خلاف ، كما صرّح به بعضهم (٢).

ولأنّه المتبادر من الإطلاق.

ولأنّه لولاه فإمّا ينصرف إلى أجل معيّن ـ وهو تحكّم باطل ـ أو لا ، فيلزم إبطال المبيع ، وهو فاسد إجماعا ونصّا.

ولانتقاله إلى البائع بالعقد ، لأنّه مقتضاه ، ومقتضى الانتقال تسلّطه على المطالبة حال الانتقال.

ولموثّقة الساباطي : في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثمَّ افترقا ، قال : « وجب البيع والثمن ، إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد » (٣).

ثمَّ لو اشترطا التعجيل لأفاد التأكيد ، ولو أخّر مع الشرط ففي إفادته التسلّط على الفسخ وعدمه أقوال مرّت في فصل أحكام الخيار. وكذا لو‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٨٢.

(٢) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، الحدائق ١٩ : ١١٩ ، الرياض ١ : ٥٢٩.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٦ أبواب العقود ب ١ ح ٢.

٤٣٤

شرط التأجيل إلى أجل معين وأخّر عنه.

المسألة الثانية : بيع النسيئة جائز إجماعا محقّقا ، ومحكيّا في التذكرة (١) وغيره (٢) ، له ، وللمستفيضة ، بل المتواترة معنى ، الآتي كثير منها في تلك المسألة وما بعدها.

ولا فرق فيها بين المدّة القصيرة والطويلة ـ حتى مثل ألف سنة ـ ممّا يسلّم المتعاقدان عدم بقائهما إليه عادة ، بلا خلاف يعتدّ به ، للأصل ، وعمومات البيع والشرط ، وخصوص إطلاقات أخبار النسيئة.

ولا تنافيها رواية أحمد بن محمّد : إذا بعناهم بنسيئة كان أكثر للربح ، فقال : « بعهم بتأخير سنة » ، قلت : فبتأخير سنتين؟ قال : « نعم » ، قلت : بثلاث؟ قال : « لا » (٣).

لعدم دلالتها على الحرمة ، بل غايتها الكراهة ، ويمكن أن يكون ذلك لطول الأمل ، أو صعوبة تحصيل الثمن في هذه المدّة الطويلة ، مع أنّها على فرض الدلالة مخالفة للشهرة العظيمة لو لا الإجماع ، ومثلها ليس بحجّة ، سيّما مع معارضتها من أخبار كثيرة ، وموافقتها ـ كما قيل (٤) ـ لرأي بعض العامّة.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي ، فمنع من التأجيل على زيادة ثلاث سنين (٥) ، ولا مستند له ، والرواية المتقدّمة على مذهبه غير منطبقة ، فهي‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤٦.

(٢) الرياض ١ : ٥٢٩.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٧ ـ ١ ، قرب الاسناد : ١٦٤ ، الوسائل ١٨ : ٣٥ أبواب أحكام العقود ب ١ ح ١.

(٤) انظر الرياض ١ : ٥٢٩.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٣٦٤.

٤٣٥

لحجّته غير صالحة.

المسألة الثالثة : يشترط في صحّة بيع النسيئة تعيين المدّة ، بلا خلاف يعرف.

وفي الكفاية : الظاهر أنّه لا خلاف في أنّه يشترط أن تكون المدّة معلومة لا تتطرّق إليها الزيادة والنقيصة (١).

وفي شرح الإرشاد للأردبيلي ـ في دليل اشتراط تعيين المدّة ـ : وكأنّه الإجماع ، فلو لم يعيّن المدّة أو عيّن أجلا محتملا للزيادة والنقيصة بطل البيع ، واستدلّ له باستلزام عدم التعيين للغرر والجهالة في الثمن ، لأنّ للمدّة قسطا من الثمن عرفا وعادة (٢).

أقول : أمّا الغرر فلزومه في جميع الموارد ممنوع ، وكيف لا غرر في قولك : بعتك إلى آخر الشهر ، مع احتمال تسعة وعشرين وثلاثين؟! ويحصل الغرر بقولك : بعتك إلى تسعة وعشرين الشهر أو ثلاثين ، وكذا في تفاوت عشرة أيّام ونحوها في نسيئة سنة.

نعم ، لا مضايقة في قبول لزوم الغرر فيما يختلف الثمن به عرفا وعادة ، فإنّ الزمان قيد ووصف للثمن يختلف باختلافه ما بإزائه البتّة ، فأدلّة المنع عن بيع الغرر تمنع عن مثل ذلك ، فلو ثبت الإجماع المركّب في جميع الموارد فهو ، وإلاّ فلا وجه للاستدلال ببطلانه بالغرر.

نعم ، يصحّ الاستدلال بالجهل ، بناء على الأصل الذي أصّلناه في كتاب العوائد من أصالة عدم صحّة جعل ما في الذمّة ثمنا إلاّ ما ثبتت فيه الصحّة ، وهو ما كان معلوما قدرا وجنسا ووصفا وقيدا.

__________________

(١) الكفاية : ٩٤.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ٣٢٧.

٤٣٦

ومنه يظهر عدم صحّة جعل الأجل مجي‌ء الغراب أو إدراك الثمرات أو ما يشترك بين زمانين ـ كشهر ربيع أو الجمادى أو يوم جمعة أو يوم خميس ـ لعين ما ذكر.

وقيل بالصحّة في صورة الاشتراك ، ويحمل على الأول ، للتعليق على اسم معيّن متحقّق بالأول (١).

قيل : ولكن ذلك إذا علما بذلك قبل العقد ، حتى يقصد أجلا مضبوطا ، ولا يكفي ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما أو أحدهما به ، ومع القصد لا إشكال في الصحّة وإن لم يكن الإطلاق محمولا عليه.

وتجويز الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع فيه ، قصده أم لا ـ نظرا إلى كون الأجل الذي عيّناه مضبوطا في نفسه شرعا ، وإطلاق اللفظ منزّل على الحقيقة الشرعيّة ـ غير صحيح ، لمنع تنزيل الإطلاق عليها مطلقا ، بل إنّما هو بالنظر إلى إطلاق كلام الشارع خاصّة ، لعدم دليل يدلّ على التعدّي أصلا (٢).

أقول : لا يخفى أنّ مثل الربيع والجمعة إمّا مشترك لفظي أو معنوي.

فإن كان الأول ـ كما هو الظاهر في الربيعين ـ وإن كان لا يحمل اللفظ على الأول إلاّ مع القصد ، ولكن ما ذكره ـ من اقتضاء الشرع ذلك ، وانضباط الأجل في نفسه ، وإثبات الحقيقة الشرعيّة فيها ، وتنزيل كلام الشارع عليها ـ هنا غير صحيح ، إذ لا اقتضاء من الشرع هنا ، ولا انضباط ، ولا حقيقة شرعيّة.

وإن كان الثاني ـ كما هو المستفاد من كلامه ، حيث جعله من باب‌

__________________

(١) الروضة ٣ : ٥١٤.

(٢) انظر الروضة ٣ : ٥١٤ ، الرياض ١ : ٥٢٩.

٤٣٧

الإطلاق ـ فاللازم الحمل على الأول ، لتحقّق المطلق به ، إلاّ إذا علم قصدهما عدمه ، كما هو شأن سائر المطلقات ، ولا دخل له أيضا باقتضاء الشرع والحقيقة الشرعيّة.

فروع :

أ : الاختلاف الموجب للبطلان هو الذي يوجب التفاوت العرفي ولا يتسامح به عرفا ، فلا بأس بالتأجيل إلى آخر ساعة من اليوم الفلاني ، مع أنّ الساعة أيضا لها أجزاء ، بل وكذلك ساعات اليوم ، بل اليوم بالنسبة إلى الشهر والسنة ، ونحو ذلك ، ما لم يصرّح بما يختلف به ، وذلك كما في الوزن ، فإنّ وزن مائة منّ ـ مثلا ـ يختلف غالبا بمثاقيل عديدة وهو مغتفر إلاّ أن يصرّح فيقال : بعت مائة منّ أو مائة منّ إلاّ عشرة مثاقيل بالترديد ، وكذا في تراب الحنطة ونحوه.

والدليل على اغتفار هذا القدر من الاختلاف في جميع ما ذكر : الإجماع ، بل الضرورة.

ب : اللازم ـ كما مرّ في خيار الشرط ـ تعيين المدّة بما يتعارف التعيين به من اليوم والشهر والسنة ، أو إلى الوقت الفلاني ، وإذا عيّن بواحد من هذه الأمور لا يضرّ الاختلاف بالآخر ، فلو عيّن باليوم لا تضرّ جهالة ساعاته ، ولو عيّن بالشهر لم تضرّ جهالة أيّامه ، ولو عيّن إلى عيد الأضحى لم تضرّ جهالة عدد الأيّام إليه ، لما مرّ من اغتفار هذا الاختلاف ، وللأخبار المتضمّنة لمثل السنة والسنتين مع اختلاف أيّامها ، وللإجماع.

ج : لو أجّل بالغاية ، بأن يقول : بعتك نسيئة إلى آخر الشهر ، يحلّ الأجل بمجرّد تمام الشهر ، وكذا لو قال : إلى أول الشهر الفلاني ، أو : إلى يوم الجمعة ، فيحلّ بمجرّد دخوله.

٤٣٨

ولو أجّل بالظرفيّة ، كأن يقول : بعتك بمائة درهم تؤدّيها في يوم أول الشهر الفلاني ، فلا يحلّ بمجرد دخول ذلك اليوم ، بل الظاهر أنّه إن كان ممّا يكون اختلافه قليلا متسامحا به لم يضرّ ، وإلاّ بطل ، فلو قال : بعتك بأن تؤدّي ثمنها في الشهر الآتي ، بطل ، وكذا لو قال : بعتك بأن تؤدّي ثمنها في السنة الآتية ، ولو قال : بعتك بأن تؤدّي ثمنها في يوم أول الشهر أو يوم أول السنة الفلانية ، صحّ ، فتأمّل.

المسألة الرابعة : لو باع بثمن حالاّ وبآخر مؤجّلا ، بطل على الأظهر الأشهر ، كما صرّح به جماعة ممّن تأخّر (١) ، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط والديلمي والحلبي والحلّي وابن زهرة والفاضلان والشهيدان (٢) ، ونسبه بعض معاصرينا إلى المفيد والإسكافي والسيّد والقاضي أيضا (٣).

للجهل الواقعي المانع عن انتقال الثمن.

وللأصل المتقدّم مرارا.

ولموثّقة الساباطي : « فانههم عن بيع ما لم يقبض ، وعن شرطين في بيع » (٤).

وقد فسّر في رواية السكوني الآتية (٥) الشرطين في بيع بذلك.

وفي رواية سليمان : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سلف وبيع ، وعن‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٥٢٩.

(٢) المبسوط ٢ : ١٥٩ ، الديلمي في المراسم : ١٧٤ ، الحلبي في الكافي : ٣٥٧ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٨٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، المحقّق في النافع : ١٢٢ ، العلامة في التبصرة : ٩٢ ، الشهيدين في اللمعة والروضة ٣ : ٥١٤.

(٣) الرياض ١ : ٥٢٩.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣١ ـ ١٠٠٦ ، الوسائل ١٨ : ٥٨ أبواب أحكام العقود ب ١٠ ح ٦.

(٥) في ص : ٤٤١.

٤٣٩

بيعين في بيع » (١) ، وقد فسّره جماعة بذلك ، منهم ابن الأثير في نهايته (٢) ، وإن فسّره بعض آخر بغير ذلك أيضا.

ولقوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة محمّد بن قيس الآتية : « من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا والآخر نظرة فليسمّ أحدهما قبل الصفقة » (٣) ، فإنّ الأمر بالتسمية نهي عن ضدّه ـ وهو الترديد ـ والنهي موجب للفساد.

ولكن يمكن الخدش في الروايتين الأوليين باشتمالهما على ما ليس مطلقا أو كلّيا بمنهيّ عنه تحريما ، فيجب إمّا تجوّز في النهي أو في المنهيّ عنه ، فيدخل الإجمال المسقط للاستدلال ، مضافا في الثانية إلى عدم دليل على إرادة المطلوب من البيعين في بيع ، بل لا يعلم شموله له بالإطلاق أيضا.

وفي الثالثة : بعدم وجوب التعيين قبل الصفقة قطعا ، فيمكن أن يستحبّ ذلك.

فلم تبق إلاّ الأصول المتقدّمة ، وهي كافية في إثبات المطلوب لو لا الدليل الدافع.

ولكن قد روى محمّد بن قيس في الصحيح : « من باع سلعة فقال : إنّ ثمنها كذا يدا بيد وكذا وكذا نظرة فخذها بأيّ ثمن شئت ، وجعل صفقتهما واحدة ، فليس له إلاّ أقلّهما وإن كانت نظرة » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٠ ـ ١٠٠٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٧ أبواب أحكام العقود ب ٢ ح ٤.

(٢) النهاية الأثيريّة ١ : ١٧٣.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٦ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ٤٧ ـ ٢٠١ ، الوسائل ١٨ : ٣٦ أبواب أحكام العقود ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٢٠٦ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٩ ـ ٨١٢ ، التهذيب ٧ : ٤٧ ـ ٢٠١ ، الوسائل ١٨ : ٣٦ أبواب أحكام العقود ب ٢ ح ١ ، بتفاوت.

٤٤٠