مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

وكذا لو تلف قبل الثلاثة ، على الأشهر الأقرب ، بل في الخلاف الإجماع عليه (١).

للنبويّ : « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع » (٢).

ورواية عقبة بن خالد : في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه ، غير أنّه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، قال : آتيك غدا إن شاء الله ، فسرق المتاع ، من مال من يكون؟ قال : « من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله إليه » (٣).

وذهب المفيد والسيّد والديلمي (٤) ومن تبعهم ـ بل في الانتصار والغنية الإجماع عليه (٥) ، وعن نكت الإرشاد الميل إليها أيضا ـ إلى أنّ تلفه من المشتري.

نظرا إلى ثبوت الناقل من غير خيار.

ولكون النماء له فيكون التلف عليه ، لتلازم الأمرين ، كما يستفاد من موثّقة إسحاق بن عمّار ورواية معاوية بن ميسرة الواردتين في خيار الشرط (٦).

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٠.

(٢) عوالي اللئالي ٣ : ٢١٢ ـ ٥٩ ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٣٠٣ أبواب الخيار ب ٩ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ١٧١ ـ ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ ـ ٨٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٣ أبواب الخيار ب ١٠ ح ١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٩٩ ، السيد في الانتصار : ٢١٠ ، الديلمي في المراسم : ١٧٢.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٦) راجع ص ٣٨٤.

٤٠١

والأول مردود بما مرّ من الدليل.

والثاني بأنّه لا يدلّ على التلازم من الجانبين ، بل على أنّ كون التلف من ماله مستلزم لكون الغلّة له دون العكس. فلا يفيد.

وقد يستدلّ بالإجماعين المحكيّين ، وضعفه عندنا ظاهر.

وعن ابن حمزة وظاهر الحلبي : أنّ البائع إن عرض تسليمه على المشتري فلم يقبله فالثاني ، وإلاّ فالأول (١). ونفي عنه البأس في المختلف (٢). ولا مستند تامّا له.

السادس : خيار ما يفسد من يومه.

فلو اشترى أحد ما يفسد من يومه يلزم البيع إلى الليل ، فإن أتى المشتري بالثمن وإلاّ فللبائع الخيار ، لمرسلة محمّد بن أبي حمزة أو غيره : في الرجل يشتري الشي‌ء الذي يفسد من يومه ، ويتركه حتى يأتيه بالثمن ، قال : « إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن وإلاّ فلا بيع له » (٣). وإثبات الخيار بها مع ظهورها في البطلان قد مرّ وجهه.

وفي رواية زرارة : « والعهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل » (٤).

والمستفاد من هذا التمثيل أنّ المراد بالفساد هنا مطلق النقص والتنزّل ولو في الوصف والطراوة ، وتكون لفظة : « من » بمعنى : في ، أي ما ينقص‌

__________________

(١) ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٩ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٣.

(٢) المختلف : ٣٥١.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٢ ـ ١٥ ، التهذيب ٧ : ٢٥ ـ ١٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٧٨ ـ ٢٦٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٤ أبواب الخيار ب ١١ ح ١.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٧ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٥ أبواب الخيار ب ١١ ح ٢.

٤٠٢

بحسب الوصف في يومه ، أو تكون ابتدائية ، أي ينقص وصفا مبتدئا من يومه ، فإنّ ما مثّل به كذلك ، فإنّ أحسن ما يكون هو عليه هو أول يومه ، ثمَّ ينقص شيئا فشيئا إلى أن يفسد بالمرّة.

وإنّما قلنا : أنّ المستفاد منه ذلك ، إذ لا شكّ أنّ ما مثّل به ليس ممّا يفسد بالمرّة في اليوم قطعا.

نعم ، ينقص وصفه من الطراوة ونحوها.

وفساده في يومه نادرا غير مفيد ، إذ ما من شي‌ء إلاّ وهو كذلك.

وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا وقع لما استشكله في المسالك وغيره من أنّ الغرض من إثبات هذا الخيار تلافي ضرر البائع قبل تلف المبيع بأن يفسخ البيع ويبيعه لغيره قبل تلفه ، وهذا المعنى يقتضي أن يكون الفسخ قبل التلف ، وإذا كان مبدأ الخيار دخول الليل فليس المبيع ممّا يفسد ليومه ، والحال أنّ المسألة مفروضة فيما يفسد ليومه ، والرواية أيضا دالّة عليه ، وحينئذ فثبوت الخيار بعد فساده لا وجه له ، وإنّما ينبغي ثبوته إذا خيف فساده بحيث يتلافى أمره قبله (١). انتهى.

ووجه الدفع : أنّ المراد بالفساد ليس التلف حتى لا يكون وجه للخيار ، بل ضرب من النقص ، ولمّا كان النقص الحاصل في ظرف اليوم لم يكن ممّا يوجب كثير تفاوت وإنّما يحصل ذلك بمضيّ الليل على المبيع فأثبت الخيار بعد مضيّ اليوم.

وقد يستدلّ على ثبوت ذلك الخيار بخبر الضرار.

وهو غير جيّد ، لأنّه إن أريد ضرر المشتري فهو ممّا أقدم نفسه عليه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٨٠ والروضة ٣ : ٤٥٩.

٤٠٣

حيث تركه ولم يأخذه ، مع أنّ البيع من قبله ممكن.

وإن أريد ضرر البائع فهو إنّما يكون لو جعلنا الفاسد من ماله ، ولكن لو قلنا : إنّه من مال المشتري ، فلا ضرر عليه.

وكون التلف قبل القبض من مال البائع مطلقا ـ حتى فيما كانت العين باقية وإن فسدت ـ غير ثابت.

ولو سلّم فالضرر إنّما هو من الحكم بكون التلف قبل القبض من البائع لا من الحكم باللزوم ، إذ مقتضى اللزوم كون التلف من المشتري ، فلا ضرر لأجله على البائع ، فالحكم الموجب للضرر كون التلف من البائع ، فلو أثّر نفي الضرر لأثّر في رفع هذا الحكم دون اللزوم.

هذا ، والتحقيق : أنّ كون التلف قبل القبض على البائع نوع من الضرر ، فدليله أخصّ مطلقا من أدلّة نفي الضرر ، فيجب تخصيصها به ، ولكون الضرر الحاصل في المقام من أفراد هذا النوع فلا يكون منفيّا في الشرع ولا داخلا تحت أدلّة نفي الضرر ، فلا وجه للاستدلال بها في المقام.

ومن ذلك يظهر ضعف ما ارتكبه جماعة من المتأخّرين من إثبات الخيار في كلّ ما يتسارع إليه الفساد عند خوف ذلك وعدم تقييده بالليل ، والتأخير فيما يفسد في يومين إلى حين خوف الفساد (١) ، وغير ذلك من التفريعات.

فرع : يشترط في هذا الخيار ما اشترط في سابقة ، من عدم قبض المثمن ، وإقباض الثمن ، وعدم التأجيل في أحدهما ، أمّا الأولان فلأنّهما مورد النص ، وأمّا الثالث فلما مرّ في السابق.

__________________

(١) كما في الدروس ٣ : ٢٧٤ وجامع المقاصد ٤ : ٢٩٩ والمسالك ١ : ١٨٠.

٤٠٤

السابع : خيار الرؤية.

وهو إنّما يثبت في بيع الأعيان الموجودة في الخارج من غير مشاهدة حال البيع إذا كان بالوصف وظهر عدم المطابقة ، أو برؤية قديمة إذا ظهر بخلافها ، فإن ظهرت النقيصة كان الخيار للمشتري إن كان هو الموصوف له ، وإن ظهرت الزيادة كان للبائع إن كان هو كذلك.

وكأنّه لا خلاف فيه كما في الكفاية (١) ، بل بلا خلاف كما في شرح الإرشاد للأردبيلي وغيره (٢) ، بل بالاتّفاق كما في الحدائق (٣) ، بل بالإجماع كما في شرح المفاتيح ، [ بل ] (٤) بالإجماع المحقّق ، له.

ولصحيحة جميل : رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها ، فلمّا أن نقد المال وصار إلى الضيعة فقلبها ثمَّ رجع فاستقال صاحبه فلم يقله ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّه لو قلب منها أو نظر إلى تسع وتسعين قطعة ثمَّ بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية » (٥).

وهي وإن كانت خالية عن ذكر التوصيف والمخالفة ، إلاّ أنّه لا بدّ من [ تقييدها ] (٦) ، للإجماع على اختصاص خيار الرؤية بتلك الصورة ، أو لأنّ ذلك معنى خيار الرؤية.

__________________

(١) الكفاية : ٩٢.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ٤١٠.

(٣) الحدائق ١٩ : ٥٦.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.

(٥) الفقيه ٣ : ١٧١ ـ ٧٦٦ بتفاوت ، التهذيب ٧ : ٢٦ ـ ١١٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٨ أبواب الخيار ب ١٥ ح ١.

(٦) في النسخ : تقديرها ، والأنسب ما أثبتناه.

٤٠٥

مضافا إلى أنّ إطلاقها أيضا لو كان لكفى ، لشموله المطلوب وخروج ما خرج بالدليل ، أو يتعدّى إلى المطلوب بالأولويّة ، كما يتعدّى بها أو بعدم الفصل إلى غير مورد الصحيحة ، وهو الذي لم ير شيئا من المبيع إن جعل المشار إليه بذلك تمام الضيعة لا خصوص القطعة الغير المرئيّة ، وفيما إذا ظهرت الزيادة وكان الخيار للبائع.

ويدل على المطلوب أيضا النبويّ المنجبر بما ذكر : « من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار » (١).

وما رواه في التذكرة عن طريق الخاصّة : أنّهم سألوا عن بيع الجرب (٢) الهرويّة ، فقال : « لا بأس به إذا كان لها بارنامج ، فإن وجدها كما ذكرت وإلاّ ردّها » (٣) ، أي يجوز له ردّها ، مع أنّ الردّ ليس على الوجوب إجماعا ، بل المعنى : إن شاء ، وهو معنى الخيار.

وقد يستدلّ على المطلوب في جميع الصور بنفي الضرار والضرر بضميمة عدم قول يجبره بنحو آخر.

وفيه نظر ، لأنّه أخصّ من المدّعى ، لاختصاصه بما تضمّن الغبن ، وحينئذ فليس هو غير خيار الغبن ، إلاّ أن يقال بشموله لما لم يكن ذو الوصف المخالف مطلوبا للمشتري أصلا مع عدم المغبونيّة أيضا ، وحينئذ فيمكن إتمام الاستدلال بضميمة الإجماع المركّب.

وقد يستدلّ أيضا بما ورد من كراهة شراء ما لم يره (٤) ، ومن ثبوت‌

__________________

(١) سنن الدارقطني ٣ : ٤ ـ ٨ و ١٠.

(٢) الجراب : وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحبّ والدقيق ونحوهما ومنه : الجراب الهروي ، والجمع : جرب ـ مجمع البحرين ٢ : ٢٣.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٤.

(٤) الوسائل ١٨ : ٣٣ أبواب الخيار ب ١٨.

٤٠٦

الخيار في شراء سهام القصّابين.

وفيهما نظر ، لعدم دلالة الأول على ثبوت الخيار ، وخروج الثاني عن مورد المسألة.

فروع :

أ : هل هذا الخيار على الفور ، أو التراخي؟

فيه وجهان ، أشهرهما ـ كما قيل (١) ـ : الأول ، اقتصارا فيما خالف أدلّة لزوم العقد على أقلّ ما يندفع به الضرر.

وقد يقال : وهو كان حسنا لو كان المستند مجرّد أدلّة نفي الضرر ، ولكنّك عرفت النصّ المطلق أيضا ، فإطلاقه يثبت الثاني.

أقول : إنّه كان حسنا لو كان النصّ مطلقا ، ولكنّه لا إطلاق فيه ، إذ غايته إثبات خيار الرؤية ، ويكفي في ثبوته وتحقّقه ثبوته في وقت واحد ، فيقتصر فيه على القدر المعلوم ، إلاّ أن يتمسّك بالاستصحاب ، ولكن يعارضه استصحاب حال العقل ، حيث إنّ قبل ظهور المخالفة لم يكن خيار أصلا ، ولم يعلم بالظهور أزيد من ثبوته في الوقت المتّصل بوقت الظهور ، فالأصل عدم ثبوته بعده.

فإذن الأجود ما عليه الأكثر.

ب : لو كان التوصيف من ثالث وزاد ونقص باعتبارين ، كان الخيار للمتبايعين ، فإن فسخا فهو وإلاّ يقدّم الفاسخ ، والوجه ظاهر.

ج : لو رأى البعض ووصف الباقي تخيّر في الجميع مع عدم‌

__________________

(١) قال به في الرياض ١ : ٥٢٧.

٤٠٧

المطابقة ، لصحيحة جميل المتقدّمة (١). واحتمال رجوع الإشارة إلى خصوص القطعة غير مضرّ ، لإمكان الإتمام بدخول الضرر بتبعّض الصفقة في بعض الصور الغير المنجبر بما ذكر إجماعا ، والتعدّي إلى البواقي بالإجماع المركّب.

وتدلّ عليه أيضا الرواية المنقولة عن التذكرة (٢) ، لشمول إطلاقها لما ذكر.

ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان المجموع جنسا واحدا أو جنسين إذا بيع بعقد واحد.

د : لو نقص وصف ولكنّه زاد آخر ـ بحيث يجبر الناقص ـ ثبت خيار المشتري أيضا ، لإطلاق النص.

هـ : هل يجوز اشتراط إسقاط هذا الخيار حين العقد ، أم لا؟

استشكل فيه الفاضل في التحرير (٣).

وقطع الشهيد الثاني بعدم سقوطه (٤).

واستقرب في الدروس بطلان العقد به (٥). وهو الأقرب ، لبطلان الشرط ، لكونه مخالفا للسنّة.

نعم ، لو شرط عدم الفسخ ـ لو ثبت له الخيار ـ جاز ولزم ، ولم يؤثّر الفسخ لو فسخ.

و : لو شرط البائع إبدال المبيع إن ظهرت المخالفة فاستقرب في‌

__________________

(١) في ص ٤٠٥.

(٢) راجع ص ٤٠٦.

(٣) التحرير ١ : ١٦٧.

(٤) المسالك ١ : ١٨٢.

(٥) الدروس ٣ : ٢٧٦.

٤٠٨

الدروس الفساد (١) ، وقال في الحدائق بالصحّة مع عدم الظهور والفساد معه (٢).

والتحقيق : أنّه إن كان المشروط عدم الفسخ وتملّك البدل بهذا العقد فهو فاسد قطعا ، لبطلان الشرط.

وإن كان الإبدال بعقد آخر بعد ردّ المبدل منه وفسخه فلا فساد فيه ، لأنّه شرط سائغ وكان مرادا من الأول ، فيكون صحيحا.

وأمّا ما في الحدائق فهو غير جيّد جدّا.

الثامن : خيار الاشتراط.

وهو خيار مخالفة الشرط.

وتوضيحه : أنّه إذا لم يف المشروط عليه بالشرط الواقع في متن العقد ففيه أقوال :

الأول : عدم عصيانه وعدم وجوب الوفاء بالشرط عليه ، بل للمشروط له خيار الفسخ ، وفائدة الشرط جعل العقد عرضة للزوال عند فقد الشرط ، نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور.

الثاني : وجوب وفائه به وعصيانه بتركه وعدم ثبوت الخيار له إلاّ مع تعذّر التوصّل إلى الشرط ولو بإجبار المشروط عليه ورفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذّر ثبت له الخيار ، ذهب إليه جماعة ، منهم : المسالك وكفاية الأحكام (٣) ، وعن السرائر والغنية الإجماع عليه (٤).

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٧٦.

(٢) الحدائق ١٩ : ٥٩.

(٣) المسالك ١ : ١٩١ ، الكفاية : ٩٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

٤٠٩

الثالث : وجوب الوفاء ، ولو لم يف فالمشروط له مخيّر بين الإجبار مع الإمكان والفسخ ، وإن لم يمكن فله الفسخ.

الرابع : وجوب الوفاء ، فإن امتنع فله الفسخ ، وهو ظاهر الدروس (١).

الخامس : إنّ الشرط إن كان ممّا يكفي العقد في تحقّقه من دون احتياج إلى صيغة أخرى ـ كشرط الوكالة في عقد الرهن ـ فهو لازم ، ولا خيار فيه إلاّ مع تعذّر تحصيل الشرط ، وإن احتاج إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد ـ كشرط الرهن على الثمن ، أو العتق ـ فلا يجب الوفاء به ، بل يجعل العقد اللازم جائزا. نسب إلى الشهيد (٢).

ولا أرى على هذا التقرير فرقا بين هذا التفصيل والقول الأول ، إذ ما يكفي العقد في تحقّقه فيتحقّق الشرط بتحقّق العقد ، فلا يكون الشرط منتفيا حتى يبقى خيار.

ثمَّ إنّهم استدلّوا للأول بأصالة عدم وجوب الوفاء.

وعدم لزوم العقد بدون الشرط.

وكون الانتقال معلّقا على الشرط ، فلا يحصل الانتقال اللازم بدونه.

ويردّ الأصل الأول بأدلّة وجوب الوفاء بالشرط ، سيّما في ضمن العقد ، كما ذكرناها في كتاب عوائد الأيّام.

والثاني بعمومات لزوم البيع.

والثالث بمنع كون الانتقال معلّقا ، وإنّما هو إذا كان الشرط بالمعنى الأصولي ، وليس كذلك ، بل هو بالمعنى اللغوي ، الذي هو الإلزام والالتزام ، مع أنّه لو أريد به المعنى الأصولي لاقتضى انتفاء البيع انتفاء الشرط من غير‌

__________________

(١) انظر الدروس ٣ : ٢١٤.

(٢) نسبه في المسالك ١ : ١٩١ والروضة ٣ : ٥٠٧ إلى بعض تحقيقاته.

٤١٠

حاجة إلى الفسخ ، بل يكون العقد من رأسه باطلا ولو وفى بالشرط ، لإيجابه التعليق.

ودليل الثاني : أمّا على وجوب الوفاء فما مرّ.

وأمّا على التسلّط على الإجبار فلكونه تاركا للواجب.

وأمّا على التسلّط على الفسخ مع التعذّر فكأنّه الإجماع المنقول ، وأدلّة نفي الضرر.

والأولان صحيحان.

وأمّا الثالث ، فيردّ بعدم حجّيّة الإجماع المنقول ، وإمكان جبر الضرر بغير الخيار من تقاصّ ونحوه ، مع أنّ كلّ شرط ليس ممّا يتضمّن انتفاؤه الضرر.

وأدلّة سائر الأقوال تظهر ممّا مرّ.

أقول : ويمكن أن يستدلّ للمقام برواية أبي الجارود : « إن بعت رجلا على شرط ، فإن أتاك بمالك وإلاّ فالبيع لك » (١).

وجه الاستدلال : أنّ الشرط فيها مطلق يعمّ جميع الشروط ، فإن جعلت لفظة « ما » في قوله : « مالك » موصولة ، و « اللام » جارّة ، يثبت المطلوب في جميع الموارد.

وإن جعلت لفظة « ما » جزءا للكلمة وكذلك « اللام » ، فإمّا يراد بالمال المشروط مطلقا مجازا ، أو يخصّ الشرط بالماليّة ويتعدّى إلى الغير بالإجماع المركّب ويثبت تمام المطلوب ، وكذلك في الشروط التي للمشتري وخياره.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣ ـ ٩٧ ، الوسائل ١٨ : ١٨ أبواب الخيار ب ٧ ح ٢.

٤١١

وأمّا إرادة الثمن من المال فهو ـ مع كونه تخصيصا بلا مخصّص ـ يوجب لغويّة قوله : « على شرط » ، إلاّ أن يخصّ بشرط إتيان الثمن في وقت معيّن خاصّة ، وهو أيضا تخصيص بلا مخصّص ، مع أنّه أيضا يثبت المطلوب بضميمة الإجماع المركّب.

وأمّا تخصيص الشرط بشرط خيار الفسخ مع عدم الإتيان بالثمن فهو تخصيص لا وجه له ، بل إخراج للأكثر.

وأمّا إرادة الخيار من قوله : « فالبيع لك » فبمثل التقريب المتقدّم في قوله : « لا بيع له » (١) ، وعلى هذا فيكون الخيار ثابتا له ، وله الإجبار أيضا ، لأدلّة عموم لزوم الوفاء بالشرط ، واستحقاق المشروط له ، وعدم منافاة ثبوت الخيار له أيضا.

فإذن الحقّ هو القول الثالث.

ولو تلف المبيع قبل الوفاء بالشرط انتفى الخيار بالتقريب المتقدّم ، وبقي حقّ المطالبة والإجبار.

والظاهر فوريّة هذا الخيار أيضا ، للاقتصار على القدر المتيقّن.

والتمسّك بإطلاق النصّ ، فيه ما مرّ سابقا ، والله العالم.

مسألة : إن مات من له الخيار انتقل الخيار إلى الوارث ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ في موضعين من التذكرة وظاهر السرائر (٢) ، ونفى عنه الشبهة في المسالك (٣) ، وقيل : بلا خلاف (٤) ، وقيل : ولا يعرف في ذلك‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٩٧.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٦ و ٥٣٧ ، السرائر ٢ : ٢٤٩.

(٣) المسالك ١ : ١٨١.

(٤) الرياض ١ : ٥٢٧.

٤١٢

خلاف ، وهو الحجّة في المقام.

وقد يستدلّ بالنبوي : « ما ترك الميّت من حقّ فهو لوارثه » (١).

وهو يتمّ لو ثبت كون الخيار ممّا ترك وبقاؤه بعد الموت.

واستصحابه غير صحيح ، لتغيّر الموضوع.

ومنه يظهر ضعف الاستدلال بعمومات الإرث (٢).

والاحتجاج باستصحاب تزلزل ملكيّة الطرف الآخر ـ الموجب لثبوت الخيار للوارث بالإجماع المركّب ـ يضعف بمعارضته بأصالة عدم حدوث خيار للوارث أو غيره المزيل للتزلزل ، لأنّه ليس إلاّ كون الملك بحيث يثبت فيه الخيار لأحد.

كما يضعف الاحتجاج بأنّ ملكيّة ذي الخيار لمّا انتقل إليه كانت متزلزلة فيجب كونها كذلك للوارث أيضا ، بمنع الملازمة ، فإنّ ملكيّة الوارث ثابتة بعمومات الإرث ، وهي ظاهرة في المستقرّة ، ولو منع الظهور فالأصل عدم تسلّطه على الطرف الآخر.

فروع :

أ : قال في التحرير : لو جعل الخيار لأجنبي فمات ، فالوجه عدم سقوط الخيار ، بل ينتقل إلى الوارث لا إلى المتعاقدين (٣). انتهى.

أقول : كان الوجه ما ذكره لو كان المناط في الانتقال النبوي المتقدّم أو آيات الإرث ، وأمّا على ما ذكرنا ـ من أنّه الإجماع ـ فالوجه السقوط ، حيث‌

__________________

(١) سنن ابن ماجه ٢ : ٩١٤ ـ ٢٧٣٨ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٣ ، بتفاوت.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٦٣ أبواب موجبات الإرث ب ١.

(٣) التحرير ١ : ١٦٨.

٤١٣

لم يثبت الإجماع هنا.

ب : لو شرط عدم انتقال الخيار إلى الوارث ، فالوجه صحّته وعدم الانتقال ، لأنّ الثابت من الإجماع انتقال ما ليس كذلك من الخيارات.

نعم ، تشكل الصحّة لو تمّت دلالة الظواهر على الانتقال ، لأنّ الشرط حينئذ يكون مخالفا للسنّة.

ج : إن كان الخيار خيار شرط ثبت للوارث في بقيّة المدّة المضروبة ، فلو كان غائبا أو حاضرا ولم يبلغه الخبر حتى انقضت المدّة سقط خياره.

د : إن كان الخيار خيار غبن اعتبر فيه الفوريّة ، لعدم ثبوت الزائد منها عن الإجماع. والظاهر أنّ الفوريّة المعتبرة فيه من حين بلوغ الخبر وعلمه بالفوريّة.

هـ : لا يثبت من أدلّة انتقال الخيار إلى الوارث أزيد من أنّه كما كان للمورّث ينتقل إلى مجموع الورثة ، لأنّ الخيار نفسه ليس ممّا يتخصّص بالحصص ، ولا دليل على تخصيصه بالنسبة إلى ما فيه الخيار ، بأن يكون لكلّ وارث فسخ حصّته منه ، على أنّ مورّثهم لم يملك إلاّ فسخ الجميع والمنتقل إليهم إنّما هو حقّه.

وعلى هذا ، فليس للوارث مع التعدّد التفريق ، بأن يفسخوا في البعض ويجيزوا في البعض ، بل لهم إمّا فسخ الجميع أو قبوله.

ولو اختلفت الورثة في الفسخ والإجازة ، قيل : يقدّم الفسخ (١) ، فبفسخه ينفسخ الجميع أو حصّته خاصّة مع تخيّر الآخر ، لتبعّض الصفقة.

وتنظّر فيه جماعة (٢) ، وهو في موقعه ، بل الحقّ تقديم الإجازة ، فإذا‌

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ١٨١ والحدائق ١٩ : ٧١.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ٩٣ وصاحب الرياض ١ : ٥٢٧.

٤١٤

أجاز واحد لزم البيع في الجميع ، إذ لم يثبت أثر إلاّ لفسخ الجميع ، الذي هو بمنزلة فسخ المورّث ، فإذا أجاز واحد بقي خيار الآخر بلا أثر ، بل لا خيار لهم ، إذ لم يثبت إلاّ خيار الجميع ، وينتفي الكلّ بانتفاء جزئه.

وكونه موجبا لإبطال حقّ من يريد الفسخ ـ مع معارضته بكون تقديم الفسخ أيضا مبطلا لحقّ إجازة الآخر ـ مردود بمنع كون الخيار حقّا للبعض ، وإنّما هو أمر ثابت للجميع من حيث هو ، على أن لا حجر في إبطال حقّ يستلزمه استيفاء حقّ.

و : إذا كان الخيار في بيع الأرض أو شرائها ، فهل للزوجة الخيار ، أم لا؟ استشكل فيه في القواعد (١) ، واستبعد في شرحه للشيخ علي في إرثها من الخيار في الأرض المشتراة (٢).

وإذ عرفت أنّ الخيار إنّما هو للجميع دون كلّ واحد تعلم دخولها في أهل الخيار ، إذ لم يثبت من أدلّة الانتقال إلاّ الانتقال إلى الجميع ، الذين منهم الزوجة ، فلم يعلم الانتقال إلى من سواها خاصّة.

نعم ، لو انحصر الوارث فيها فالحقّ ـ على ما ذكرنا من انحصار الدليل بالإجماع ـ عدم انتقال الخيار إليها ، وأمّا على الاستدلال بالظواهر يجب الحكم بالثبوت ، لعدم مخرج لإرث الزوجة عن الخيار.

ثمَّ في صورة عدم الانحصار ، فإن كان ذو الخيار المورّث بائعا ، فإن لم تجوّز الزوجة الفسخ ترث حصّتها من الثمن ، وإن اختارت الفسخ مع سائر الورثة لم ترث من الأرض ولا من ثمنها ، لأنّ بعد الفسخ يستحقّ المشتري الثمن من مال البائع ، إذ انتقاله إليه كان من جهة البيع وقد انفسخ ،

__________________

(١) القواعد ١ : ١٤٣.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٦.

٤١٥

وانتقال حصّتها من الثمن إليها قبل الفسخ كان انتقالا متزلزلا.

هذا إذا كان الشرط مطلقا.

وإن كان مقيّدا بردّ الثمن ، فيتبع الحكم ما قرّرته الزوجة أولا ، فإن اختارت الفسخ مع ردّ الثمن من مال الميت تنقص حصّتها من الثمن ، وإن اختارته مع ردّه من مال سائر الورثة لم تنقص.

وإن كان ذو الخيار مشتريا ، فإن اختارت الزوجة الإجازة لم ترث من الأرض ، وإن اختارت الفسخ ورثت من الثمن.

ز : لو أسقط بعض الورثة ماله من الخيار ليس له الرجوع بعده ، لأنّ الثابت من الإجماع خيار غير مثل ذلك الشخص. ولا يفيد الاستصحاب ، لأنّ الثابت له أولا لم يكن إلاّ حقّه قبل الإسقاط ـ أي ما لم يسقط ـ فيتعارض الاستصحابان.

ح : لو كان الوارث صغيرا أو مجنونا قام وليّه مقامه ، وكذا لو جنّ ذو الخيار.

مسألة : ذهب أكثر الأصحاب [ إلى أنّ المبيع يملك بالعقد ] ـ بل عن ظاهر السرائر وصريح موضع من التذكرة الإجماع عليه ـ [ إلى ] (١) أنّ المبيع يملك بالعقد (٢).

وعن الإسكافي : أنّه يملك بانقضاء الخيار مع عدم الفسخ (٣) ، وهو المحكيّ عن الشيخ إذا كان الخيار لهما أو للبائع ، وإلاّ فكالأول على ما في الخلاف (٤) ، أو يخرج من ملك البائع وإن لم يدخل في ملك المشتري ، كما‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين ، أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) السرائر ٢ : ٢٤٨ ، التذكرة ١ : ٥٣٣.

(٣) حكاه عنه في الدروس ٣ : ٢٧٠.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٢.

٤١٦

عن المبسوط (١).

والحقّ هو : الأول ، لصدق البيع المقتضي للملك شرعا بعموماته.

وفقد المانع المعلوم ، إذ ليس إلاّ ثبوت الخيار ، ومنافاته له غير معلومة ، بل عدمها معلوم كما في خيار العيب.

ولإطلاق كثير من النصوص (٢) ، الدالّة على جواز بيع المبتاع قبل القبض مطلقا كما في بعض ، ومن البائع كما في آخر ، وأنّ ربحه للمشتري البائع ثانيا ، وفي بعضها صرّح بعدم قبض شي‌ء من الثمن والمثمن.

وجه الاستدلال : أنّه يدلّ على جواز بيع المشتري لنفسه ، وأنّ ربحه له ، المستلزم لكونه ملكا له ، سواء كان له خيار أو لا ، إلاّ أنّ دلالته إنّما هو فيما إذا كان الخيار للبائع ، لمعارضته مع ما هو أخصّ منه مطلقا ممّا يدلّ على عدم جواز البيع فيما إذا كان الخيار للمشتري إلاّ مع إسقاطه الخيار ، كرواية السكوني المتقدّمة في خيار الشرط : في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار ، فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : « ليشهد أنّه قد رضيه واستوجبه ، ثمَّ ليبعه إن شاء » (٣).

ورواية الشحّام : عن رجل ابتاع ثوبا من أهل السوق لأهله وأخذه بشرط فيعطى به ربحا ، قال : « إن رغب في الربح فليوجب على نفسه الثوب ، ولا يجعل في نفسه إن ردّه عليه أن يردّه على صاحبه » (٤).

ويؤيّد المطلوب ـ بل يدلّ عليه أيضا ـ إطلاق ما يدلّ على [ أنّ ] (٥)

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٨٣.

(٢) الوسائل ١٨ : ٦٥ أبواب أحكام العقود ب ١٦.

(٣) تقدّمت في ص : ٣٨١.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٦ ـ ١١١ ، الوسائل ١٨ : ٢٥ أبواب الخيار ب ١٢ ح ٢ ، بتفاوت.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

٤١٧

مال العبد للمشتري مطلقا ، أو مع علم البائع ، أو مع الشرط (١).

وقد يستدلّ أيضا بمفهوم النصوص الآتية ، الدالّة على أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه من دون تقييد بمضيّ زمان الخيار (٢) ، فإنّه يدلّ على أنّ التالف بعد القبض من مال المشتري وإن كان له خيار ، ولو لا أنّه ملكه لم يكن كذلك.

وبخصوص موثّقة إسحاق بن عمّار ورواية معاوية بن ميسرة ، المتقدّمتين (٣) في خيار الشرط ، المصرّحتين : بأنّ كلاّ من النماء والتلف في مدّة الخيار من مال المشتري. واختصاصهما بنوع من الخيار بعدم القول بالفصل منجبر.

وبتعليق إباحة التصرّف في الكتاب والسنّة على المراضاة والمبايعة ، فلو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق عليه.

وبأنّ الصحّة هنا ترتّب الأثر ، فإن وصف المبيع بها حال وقوعه ثبت المطلوب ، وإلاّ فلا معنى للخيار.

وبأنّه لو لا انتقال الملك إلى المشتري لكان موقوفا ، فلم يكن فرق بين بيع المالك والفضولي ، وهو باطل (٤).

وفي الكلّ نظر : أمّا الأول ، فلكون إطلاق مفهومه معارضا مع إطلاق المنطوق الذي هو أقوى ، مضافا إلى معارضته مع ما هو أصحّ منها سندا ، كصحيحة ابن‌

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٢٥٢ أبواب بيع الحيوان ب ٧.

(٢) انظر ص : ٤١٨.

(٣) في ص : ٣٨٤.

(٤) انظر الرياض ١ : ٥٢٧.

٤١٨

سنان : عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد ، ويشترط إلى يوم أو يومين ، فيموت العبد أو الدابّة أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك؟ فقال : « على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري ، شرط له البائع أو لم يشترط ، وإن كان بينهما شرط أيّاما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع » (١) ، وقريبة منها رواية البصري (٢).

واختصاصهما بخيار الحيوان أو الشرط غير ضائر ، لما مرّ.

وأمّا الثاني ، فلمعارضته من جهة التلف مع ما تقدّم ، ومن جهة النماء مع صحيحة الحلبي المتقدّمة في خيار الحيوان : في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمَّ ردّها ، قال : « إن كان في تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء » (٣).

وترجيح الموثّقة وأختها على الصحيحة وصاحبتها بالشهرة ومخالفة العامّة ـ كما وقع عن بعضهم (٤) ـ غريب ، لأنّ أصل الحكم في النوعين ـ وهو بكون التلف ممّن لا خيار له ، وهو المشتري في النوع الأول ، والبائع في الثاني ـ مشهور بين الأصحاب ، بل ـ كما صرّحوا به ـ عليه إجماعهم ، فلا يوجب كون ما يدّعى لزومه شرعا لأحدهما مشهورا مخالفا للعامّة ترجيحا من هاتين الحيثيّتين ، كما هو ظاهر جدّا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٩ ـ ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٤ ـ ١٠٣ ، الوسائل ١٨ : ١٤ ، ١٥ أبواب الخيار ب ٥ ح ٢ ، ٣ وأورد ذيله في ص ٢٠ ب ٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٧١ ـ ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٤ ـ ١٠٤ ، الوسائل ١٨ : ١٤ أبواب الخيار ب ٥ ح ١.

(٣) راجع ص : ٣٨٠.

(٤) انظر الرياض ١ : ٥٢٨.

٤١٩

وأغرب منه الترجيح بصراحة الدلالة ، فإنّها في النوعين على نسق واحد ، بل دلالة الثاني أتمّ بواسطة مفهوم قوله : « ويصير المبيع للمشتري » ، مضافا إلى ترجيحه بصحّة السند.

والتحقيق : انتفاء اللزوم بين الحكم بكون التلف من أحدهما وثبوت الملكيّة له ، لعدم دليل عليه من عقل أو شرع ، ولذا يكون التلف من البائع قبل القبض وإن لم يكن خيار فيه أيضا ، وكذا في زمن الخيار للمشتري عند القائلين بتملّكه. فالاستدلال بذلك ساقط رأسا ، بل وكذلك في النماء أيضا ، فإنّه لا دليل على استلزام كون النماء لشخص كون الملك له أيضا.

وأمّا الثالث ، فلمنع الملازمة المذكورة بقوله : لو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق.

وأمّا الرابع ، فلمنع قوله : ثبت المطلوب ، إذ يكفي في الصحة كون الأثر هو الملكيّة الحاصلة بمضيّ مدّة الخيار.

وأمّا الخامس ، فلمنع لزوم عدم الفرق إن أريد مطلقا ، ومنع بطلان اللازم إن أريد من وجه.

دليل الإسكافي : الأصل. المندفع بما مرّ.

وما يدلّ على أنّ التّلف من البائع كما سبق. وضعفه قد ظهر.

ومفهوم قوله : « ويصير المبيع للمشتري ».

وجوابه ـ بعد كونه أخصّ من مدّعاه ، حيث إنّه يختصّ بالخيار الثابت للمشتري خاصّة وبخيار الحيوان وعدم ثبوت الإجماع المركّب ، ولذا أفتى بعض المتأخّرين بوضوح الحكم في خيار الشرط ، واستشكل في‌

٤٢٠