مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

فيه من خيار الثلاثة.

الثالث : خيار الشرط الثابت به.

وهو بحسب ما يشترط لأحدهما ، أو لكلّ منهما ، أو لأجنبيّ عنهما ، أو عن أحدهما ، أو له مع أحدهما عنه ، أو عن الآخر ، أو عنهما ، أو له كذلك معهما ، بلا خلاف كما في كلام جماعة ـ منهم : الكفاية والحدائق (١) ـ بل بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ في الخلاف والانتصار والغنية والتذكرة (٢) ، وهو الحجّة.

مضافا إلى صحيحة ابن سنان ، وفيها : « وإن كان بينهما شرط أيّاما معدودة ، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط ، فهو من مال البائع » (٣).

ورواية السكوني : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار ، فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : ليشهد أنّه قد رضيه واستوجبه ثمَّ ليبعه إن شاء ، فإن أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب عليه » (٤).

والمستفيضة الآتية الواردة في اشتراط الفسخ بردّ الثمن (٥).

__________________

(١) الكفاية : ٩١ ، الحدائق ١٩ : ٣٨.

(٢) الخلاف ٣ : ٣١ ، الانتصار : ٢٠٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، التذكرة ١ : ٥٢١.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٤ ـ ١٠٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٠ أبواب الخيار ب ٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٣ ـ ١٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ ـ ٩٨ ، الوسائل ١٨ : ٢٥ أبواب الخيار ب ١٢ ح ١.

(٥) الآتية في ص ٣٨٤.

٣٨١

وبتلك الأدلّة تخصّص عمومات لزوم البيع ، وعموم ما يدلّ على عدم وجوب الوفاء بشرط خالف السنّة ، حيث إنّه مخالف لما يدلّ على لزوم البيع مطلقا ، أو مع الافتراق مطلقا.

ومن هذا يظهر ضعف الاستدلال بعمومات وجوب الوفاء بالشرط (١) ، كما يظهر وجه اشتراط ضرب المدّة للخيار وكونها مضبوطة غير محتملة للزيادة والنقيصة ، لأنّه الثابت من الإجماع والأخبار المذكورة.

فلو شرطا خيارا وأطلقا من دون بيان المدّة ، أو معه مع احتمالها للزيادة والنقصان ولو بيوم ، بطل الشرط قولا واحدا في الثاني ، وعلى الأظهر في الأول ، بل الأشهر بين من تأخّر (٢) ، لما مرّ ، ولعدم انصرافها إلى واحد معيّن ، لبطلان الترجيح بلا مرجّح ، فيكون مجهولا واقعا فيبطل ، بل يوجب جهل العوضين أو أحدهما أيضا واقعا ، وهو مبطل للبيع.

خلافا للمفيد والخلاف والانتصار والقاضي والحلبي وابن زهرة ، فقالوا بكون الخيار إلى ثلاثة أيّام (٣) ، وظاهر الثانيين ـ كصريح الآخر ـ الإجماع عليه ، بل ادّعى الثاني وجود النصّ فيه ، وهو ـ كالإجماع ـ غير محقّق ، فلا حجّية فيهما.

فروع :

أ : إذا بطل الشرط بالجهل يبطل العقد على الأشهر الأظهر ، لكون‌

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦.

(٢) كما في المسالك ١ : ١٧٩ والكفاية : ٩١ والرياض ١ : ٥٢٤.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٩٢ ، الخلاف ٣ : ٢٠ ، الانتصار : ٢٠١ ، القاضي في جواهر الفقه : ٥٤ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

٣٨٢

العقود تابعة للقصود. وقد رفعنا النقاب عن وجه هذا المرام في كتابنا المسمّى بعوائد الأيّام (١).

ب : لا يشترط تعيين المدّة بالأيّام ، فلو عيّنها بالشهر أو السنة أو إلى العيد الأضحى ـ مثلا ـ جاز وإن احتمل الزيادة والنقصان بحسب الأيّام من جهة نقصان الشهور ، للأخبار الآتية في شرط خيار الفسخ بردّ الثمن ، حيث إنّ المدّة المضروبة فيها سنة ، ولا فصل بين السنة والشهر.

والسرّ : أنّ اللازم تعيين المدّة بما يتعيّن به لا بخصوص عدد الأيّام ، وهو يتعيّن بما ذكر أيضا ، ولذا يصحّ لو عيّن بالأيّام مع أنّه قد لا يتعيّن حينئذ بحسب الشهور.

ج : إطلاق الشرط ينصرف إلى الخيار المتّصل بالعقد ، بحكم التبادر ، فقول الشيخ ـ بأنّ ابتداءه انقضاء المجلس (٢) ـ ضعيف.

نعم ، لو اشترطا الانفصال أو المجلس مع تحديد مدّة الانفصال (٣) جاز ، لإطلاق صحيحة ابن سنان (٤).

د : اشتراط الخيار للأجنبي تحكيم لا توكيل عمّن جعله عنه ، فلا خيار له معه ، للأصل.

هـ : قالوا : يجوز اشتراط مؤامرة الغير والرجوع إلى أمره (٥) ، وفي التذكرة الإجماع عليه (٦) ، وإطلاق صحيحة ابن سنان يدلّ عليه ، وحينئذ‌

__________________

(١) عوائد الأيام : ٥١.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٣.

(٣) في « ق » : الانقضاء.

(٤) راجع ص ٣٨١.

(٥) كما في جامع المقاصد ٤ : ٢٩٢ والكفاية : ٩١ والرياض ١ : ٥٢٤.

(٦) التذكرة ١ : ٥٢١.

٣٨٣

يلزم العقد من جهة المتبايعين ويتوقّف على أمر الغير ، فإن أمر بالفسخ جاز للمشروط له الفسخ ولا يتعيّن عليه ، وإن أمر بالالتزام فليس له الفسخ وإن كان أصلح ، والوجه ظاهر.

و : يجوز اشتراط الخيار مدّة مضبوطة للبائع بشرط ردّ الثمن ، بلا خلاف ، وفي المسالك عليه الإجماع (١) ، وتدلّ عليه الروايتان المتقدّمتان.

وصحيحة سعيد بن يسار : إنّا نخالط أناسا من أهل السواد وغيرهم ، فنبيعهم ونربح عليهم العشرة اثنى عشر والعشرة ثلاثة عشر ، ونؤخّر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها ، ويكتب لنا الرجل على داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراء بأنّه قد باع وقبض الثمن منه ، فبعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينه أن نردّ عليه الشراء ، وإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا ، فما ترى في ذلك الشراء؟ قال : « أرى أنّه لك إن لم يفعل ، وإن جاء بالمال للوقت فردّ عليه » (٢).

وموثّقة إسحاق بن عمّار : رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه ، فقال له : أبيعك داري هذه على أن تشترط لي أنّي إذا جئتك بثمنها إلى سنة تردّها عليّ ، قال : « لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه » ، قلت : فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلّة؟ فقال : « الغلّة للمشتري ، ألا ترى أنّها لو احترقت لكانت من ماله » (٣).

ورواية معاوية بن ميسرة : رجل باع دارا له من رجل ، وكان بينه وبين‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٧٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٢ ـ ١٤ ، التهذيب ٧ : ٢٢ ـ ٩٥ ، الوسائل ١٨ : ١٨ أبواب الخيار ب ٧ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٥ : ١٧١ ـ ١٠ ، التهذيب ٧ : ٢٣ ـ ٩٦ ، الوسائل ١٨ : ١٩ أبواب الخيار ب ٨ ح ١.

٣٨٤

الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر ، فشرط أنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك ، فأتاه بماله ، قال : « له شرطه » ، قال له : فإنّ ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين ، فقال : « هو ماله » ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أرأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون الدار دار المشتري » (١).

وقال في المسالك : فإذا ردّ البائع الثمن أو مثله مع الإطلاق فسخ البيع ، ولا يكفي مجرّد الردّ (٢).

أقول : ما ذكره من عدم كفاية مجرّد الردّ هو ظاهر الأصحاب كما قيل (٣) ، فإن أرادوا عدم كفايته في انفساخ العقد فهو كذلك ، وإن أرادوا في عدم عود المبيع إلى البائع فهو غير متّجه.

والتحقيق : أنّ المشروط تارة يكون ثبوت الخيار للبائع مع ردّ الثمن ، واخرى ردّ المشتري المبيع إليه معه أو كونه له ، وكلّ منهما يصحّ ويلزم.

أمّا الأول ـ وهو من باب خيار الشرط ـ فلما مرّ من الإجماع والروايتين (٤) ، وعليه لا يكفي الردّ في الفسخ ، لأنّ الردّ لا يثبت سوى الخيار ، فالفسخ يتوقّف على اختياره. ولا يفيد قصد الفسخ بالردّ أو شهادة الحال له به ، إذ تحقّق الخيار يتوقّف على الردّ ، فحين الرد لا خيار له ، إذ لا يعلم من الشرط إلاّ تحقّق الخيار بعد الردّ لا حينه ، فالخيار يحصل بعد الردّ ، فلا يفيد الردّ ولو قصد به الفسخ ، إذ لم يثبت الخيار له بعد.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٧٦ ـ ٧٨٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٠ أبواب الخيار ب ٨ ح ٣.

(٢) المسالك ١ : ١٧٩.

(٣) كما في الحدائق ١٩ : ٣٥.

(٤) أي صحيحة ابن سنان ورواية السكوني المتقدّمتين في ص ٣٨١.

٣٨٥

نعم ، لو شرط الانفساخ بالردّ وقلنا بجوازه ينفسخ بالردّ ، ولكن جواز هذا الشرط محلّ نظر.

وأمّا الثاني ، فلعمومات الوفاء بالشرط (١) ، وخصوصات الروايات الثلاث المذكورة (٢) ، وهو ليس من باب خيار الشرط ، بل المشروط هو ردّ المشتري المبيع ، فيجب عليه ـ لما ذكر ـ من غير احتياج إلى فسخ ، كما هو المستفاد من تلك الروايات.

ومن ذلك يظهر أنّ الاستدلال بها على خيار الشرط ـ كبعض المتأخّرين (٣) ـ في غير موقعه.

نعم ، يشترط على الثاني كون ردّ الثمن لأجل ذلك ، فلو ردّه بقصد آخر لم يجب الردّ.

ثمَّ في قوله : أو مثله مع الإطلاق ، دلالة على عدم كفاية ردّ المثل مع التصريح بردّ خصوص الثمن المأخوذ ، وهو كذلك ، والوجه فيه ظاهر ، كما في كفاية المثل مع التصريح به أيضا. وأمّا كفايته مع الإطلاق فلعلها لأنّه المتبادر ، وهو كذلك ، سيّما مع ما هو الغالب من احتياج البائع إلى الثمن والتصرّف فيه ، كما هو مورد الأخبار أيضا.

وكيف كان ، فالمناط هو منظور المتعاقدين وما يدلّ عليه من القرائن الحاليّة أو المقاليّة.

ومنه يظهر الحكم في اشتراط المشتري ارتجاع الثمن مع ردّ المبيع في مدّة مضبوطة ، إلاّ أنّ الغالب فيه إرادة ردّ شخصه عند الإطلاق.

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦.

(٢) راجع ص ٣٨٤.

(٣) وهو صاحب الحدائق ١٩ : ٣٣.

٣٨٦

وقال أيضا : ولو اشترط ارتجاع بعضه ببعض الثمن أو الخيار في البعض ففي صحّته نظر ، من مخالفة النصوص ، وعموم : « المسلمون عند شروطهم » ، وهو أوجه (١).

أقول : وقد تنظّر فيه في الدروس أيضا (٢).

والتحقيق : أنّه إن كان الشرط ردّ البعض دون ثبوت الخيار فالأوجه الصحّة ، لعموم الوفاء بالشرط.

وإن كان ثبوت الخيار في البعض ففيه نظر ، لما عرفت من أنّ دليله الإجماع ـ وتحقّقه في البعض غير ثابت ـ والروايتان ، وشمولهما له غير ظاهر ، بل عدم الشمول أظهر ، أمّا الأولى (٣) فلحكمه عليه‌السلام بأنّ جميع المبيع لو تلف إنّما هو من البائع ، وأمّا الثانية (٤) فلأنّها قضية في واقعة.

ومنه يظهر فساد الشرط لو شرط خيار فسخ البعض في مدّة وفسخ البعض الآخر في مدّة أخرى ، أو خيار فسخ الجميع بعضه في مدّة وبعضه في الأخرى.

ز : يسقط هذا الخيار بالإسقاط في المدّة ، إجماعا كما في الغنية (٥) ، وتدلّ عليه رواية السكوني المتقدّمة.

ويسقط أيضا بالتصرّف ممّن له الخيار في العوض المنتقل إليه ، كما أنّ التصرّف في ماله المنتقل إلى صاحبه يفسخ العقد ، إذا كان الأول مفهما للرضا والثاني للفسخ لا مطلقا.

__________________

(١) المسالك ١ : ١٧٩.

(٢) الدروس ٣ : ٢٦٩.

(٣) راجع صحيحة ابن سنان المتقدمة في ص : ٣٨١.

(٤) راجع رواية السكوني المتقدمة في ص : ٣٨١.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

٣٨٧

أمّا الفسخ بالثاني فظاهر.

وأمّا اللزوم بالأول فتدلّ عليه ـ مضافة إلى ما مرّ في خيار الحيوان من العلّة المذكورة ـ رواية السكوني المتقدّمة.

وأمّا عدم اللزوم بمطلق التصرّف ، فللزوم الاقتصار فيما خالف ما دلّ على ثبوت الخيار على القدر الثابت من النصّ ، ولم يظهر منه الأزيد من الدالّ على الرضا كما مرّ.

مضافا إلى الأخبار المتقدّمة المجوّزة للبيع الشرطي بشرط ردّ الثمن ، فإنّ الثمن ممّا يتصرّف فيه البتّة.

ومن هذا يظهر أنّ تصرّف البائع في الثمن الواقع في الأغلب في البيع الشرطي في أمثال زماننا لا يوجب سقوط خياره.

ح : ثبوت خيار الشرط في العقود اللازمة مخالف لمقتضى الأصل ، لكونه مخالفا لما دلّ على اللزوم ، فلا يثبت إلاّ فيما دلّ دليل على ثبوته فيه ، وقد ثبت في البيع كما مرّ ، ويثبت في عقود أخر أيضا ، كما يأتي في موضعه.

وقد يتوهّم أصالة ثبوته في كلّ عقد ، لعموم أدلّة الوفاء بالشرط.

وفيه : أنّه أمر مخالف للسنّة ، فلا تجري فيه العمومات كما مرّ.

الرابع : خيار الغبن.

وثبوته للمغبون هو المشهور بين الأصحاب ، خصوصا المتأخّرين منهم (١) ، بل عليه الإجماع في الغنية والتذكرة (٢) ، وكثير من المتقدّمين ـ بل‌

__________________

(١) منهم ابن فهد في المهذب ٢ : ٣٧٤ والكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٤٣ والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٦٣.

(٢) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، التذكرة ١ : ٥٢٢.

٣٨٨

أكثرهم كما في الدروس (١) ـ لم يذكروه ، ونقل في الدروس عن المحقّق في درسه القول بعدمه ، ونسبه إلى ظاهر الإسكافي ، وظاهر الكفاية التردّد فيه (٢).

والحقّ : ثبوته ، لا لقوله سبحانه ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٣) ، حيث إنّه لو علم المغبون لم يرض ، لأنّ غاية ما يدلّ عليه جواز الأكل فيما كان تجارة عن تراض وعدم جوازه بالباطل ، وأين هذا من الخيار؟! ومن أين يثبت كون هذا بدون التراضي باطلا؟ مع أنّ ظاهر قوله : ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) ـ كما صرّح به الأردبيلي في آيات الأحكام ونقله عن الكشّاف ومجمع البيان (٤) ـ اشتراط التراضي حين العقد ، فالآية على عدم الخيار أدلّ.

ولا لما روته العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلقّي الركبان من أنّه إن تلقّاهم متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق (٥) ، المنجبر ضعفه بالشهرة ، لعدم دلالته على كون الخيار لأجل الغبن ، بل هو مطلق كما صرّح به في المنتهى ، وقال : لأجل إطلاقه أفتى بعض العامّة مختار المتلقّى وإن لم يغبن (٦) ، وإنّما خصّه فيه وفي غيره بصورة الغبن من جهة استنباط العلّة‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٧٥.

(٢) الكفاية : ٩٢.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) زبدة البيان : ٤٢٧.

(٥) عوالي اللئالي ٣ : ٢١٠ ـ ٥٦.

(٦) المنتهى ٢ : ١٠٠٦.

٣٨٩

والمناسبة ، وهو عندنا غير صالح للاستناد.

ولا للنصوص المصرحة بحرمة غبن المسترسل ، والمؤمن ، والنهي عنه (١) ، لعدم دلالتها على الخيار.

بل لنفي الضرر والضرار في أحكام الإسلام ، كما ورد في المتواترة من الأخبار (٢).

والمراد منه ـ كما بيّناه في موضعه ـ : أن كلّ حكم مستلزم للضرر فهو ليس من أحكام الشرع ، ولا شكّ أنّ لزوم البيع هنا مستلزم للضرر ، فهو ليس حكما للشرع ، بخلاف صحة البيع ، فإنّها حكم آخر غير اللزوم ولا يستلزم ضررا ، فهي ثابتة قطعا ، وهذا معنى الخيار.

ولا تضرّ معارضة أدلّة لزوم البيع لأخبار نفي الضرر ، إذ لو رجّحنا الثانية بالأكثريّة والأشهريّة في المورد ومعاضدتها للاعتبار فهو ، وإلاّ فيرجع إلى الأصل ، ومقتضاه انتفاء اللزوم.

فإن قلت : الضرر كما يندفع بالخيار يندفع بالتسلّط على أخذ التفاوت أيضا ، فاللازم من نفي الضرر عدم كون اللزوم وعدم التسلّط على التفاوت معا من حكم الشرع ، بل يتعيّن انتفاء أحدهما ، ولا دليل على كون المنفي هو الأول.

قلنا : يتعيّن الأول بالإجماع على بطلان الثاني ، مع أنّه لو قطع النظر عن الإجماع تتعارض أدلّة لزوم البيع مع أدلّة تسلّط الغابن على ماله ـ الذي منه التفاوت ـ والترجيح مع الثاني ، لموافقة الكتاب ، على أنّه لو لا الترجيح لعمل بالأصل المقتضي لعدم اللزوم.

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٩٥ أبواب آداب التجارة ب ٩ ، وج ١٨ : ٣١ أبواب الخيار ب ١٧.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣١ أبواب الخيار ب ١٧.

٣٩٠

نعم ، يحصل الإشكال ـ كما في القواعد والتذكرة (١) ـ فيما إذا بذل الغابن التفاوت ، ولذا قيل بعدم الخيار حينئذ ، اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم العقد على المتيقّن المجمع عليه والمتحقّق به الضرر ، وليس منهما محلّ الفرض (٢) ، واحتمله بعض المتأخّرين (٣) ، وهو الأقوى ، لذلك.

خلافا للمشهور ، لاستصحاب الخيار الثابت بالإجماع في موضع النزاع.

ولأنّ دفع التفاوت لا يخرج المعاوضة المشتملة على الغبن على اشتمالها عليه ، لأنّه هبة مستقلّة.

وفيهما نظر ، أمّا الأول فلمنع ثبوت الخيار أولا حتى يستصحب ، بل نقول : ثبت بالمبايعة المشتملة على الغبن أحد الأمرين : إمّا بذل الغابن التفاوت أو خيار المغبون ، والإجماع على ثبوته أولا مطلقا ممنوع.

وأمّا الثاني ، فلمنع كونه هبة مستقلّة ، بل هو من مقتضى المعاوضة ، لا بمعنى أنّه مقتضاها معيّنا ، بل بمعنى أنّه مقتضى أحد الأمرين ، ومع ذلك فخروج المعاوضة عن اشتمالها على الغبن ظاهر.

فروع :

أ : يشترط في ثبوت هذا الخيار أمران :

أحدهما : جهالة المغبون بالقيمة وقت العقد ، فلو عرفها ثمَّ زاد أو نقص فلا خيار ، والظاهر عدم الخلاف فيه ، وفي المسالك الإجماع‌

__________________

(١) القواعد ١ : ١٤٣ ، التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٢) قال به في الرياض ١ : ٥٢٥.

(٣) الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٧٤.

٣٩١

عليه (١) ، ومنه يظهر الوجه فيه.

مضافا إلى خروج مثل ذلك عن عمومات نفي الضرر بالإجماع القطعي ، بل الضرورة ، فإنّ لكلّ أحد هبة ماله وإباحته وصلحه وبيعه بأقلّ من ثمن المثل ، بل يدلّ عليه كلّ ما دلّ على لزوم ذلك ، كأكثر الأخبار الدالّة على أنّ منجّزات المريض من الأصل أو الثلث (٢) ، وكذا يدلّ عليه عموم : « الناس مسلّطون على أموالهم » وغير ذلك.

هذا إذا قلنا بكونه ضررا ، وأمّا لو لم نقل به ـ كما هو المحتمل ، لأنّ غير السفيه لا يفعل مثل ذلك إلاّ لغرض فيجبر الضرر به ـ فالأمر أوضح.

وثانيهما : الزيادة أو النقصان الفاحش الذي لا يتسامح بمثله عادة ، فلو كان التفاوت يسيرا يتسامح بمثله في العادة فلا خيار ، ولم أعثر فيه على خلاف أيضا.

ويدلّ عليه : أنّ المسامحة العاديّة تكون شاهد حال على الرضا بذلك التفاوت ، وقد عرفت خروج الضرر مع الرضا عن عمومات نفيه.

بل نقول : إنّ ما يتسامح به عادة لا يوجب الزيادة أو النقصان في القيمة ، لأنّ القيمة ليست شيئا معيّنا ، بل هي ما يقابل به الشي‌ء عند أهل خبرته ، فإذا تسامحوا بشي‌ء فيه لا يكون هذا تفاوتا في القيمة ، بل القيمة تكون هي الواقع بين طرفي عدم التسامح ، ولا يجب كونها أمرا معيّنا غير قابل للزيادة والنقصان ، مع أنّ صدق الضرر على مثل ذلك عرفا ممنوع.

ب : الأقوى ـ كما في الدروس والمسالك (٣) ـ فوريّة هذا الخيار ،

__________________

(١) المسالك ١ : ١٧٩.

(٢) الوسائل ١٩ : ٢٩٦ أبواب أحكام الوصايا ب ١٧.

(٣) الدروس ٣ : ٢٧٥ ، المسالك ١ : ١٧٩.

٣٩٢

لأدلّة لزوم كلّ بيع ، ومعناه عدم جواز نقضه في شي‌ء من الأوقات ، خرج قدر الضرورة بالدليل فيبقى الباقي.

وظاهر المحقّق في الشرائع أنّه على التراخي (١) ، للاستصحاب. وهو غير صالح لمقاومة العموم.

نعم ، لو جهل أصل الخيار أو الفوريّة عذر إلى حين العلم بها.

ج : إذا حصل التصرّف ، فإمّا يكون من الغابن خاصّة ، أو من المغبون كذلك ، أو منهما.

فإن كان من الغابن ، فإمّا أن تكون العين باقية في ملكه بلا مانع من الردّ ولا تغيير ، فحكمه ظاهر.

أو تكون كذلك مع التغيّر بالزيادة ، فللمغبون الفسخ ، لنفي الضرر ، ويشترك الغابن بالنسبة إن كانت الزيادة عينيّة من ماله ، لأصالة بقاء ماله في ملكه ، ويبيع العين إن كانت عينيّة من الله ـ كالنماء المتّصل ـ أو وصفيّة مطلقا.

نعم ، إن كانت زيادة الوصفيّة بعمل الغابن يحتمل قويّا استحقاقه اجرة عمله ، لنفي الضرر.

أو بالنقيصة ، إذ ليس دليل على ضمان الغابن لها وإن كان النقص بعمله ، لكونه مأذونا من الشرع بالتصرّف فيه بأي نحو كان ، والأصل عدم ضمانه وعدم حلّيّة ماله إلاّ بطيب نفسه.

وإن كان النقص مساويا للتفاوت الحاصل بالغبن أو أكثر منه فليس للمغبون الفسخ ، إذ كان دليله نفي الضرر والفسخ لا يجبره ، فنفي الضرر لا‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٢.

٣٩٣

يثبته.

وإن كان أقلّ منه فيفسخ ، ولا شي‌ء له بإزاء النقص ، لما مرّ.

أو بالمزج ، فإن كان بحيث يتميّز عمّا امتزج به عرفا ، أو كان المزج مع المساوي من جنسه ، فللمغبون الفسخ ويشترك الغابن بالنسبة ، وإلاّ فيكون حكمه حكم التالف ، لأنّ الموجود طبيعة ثالثة.

أو تكون العين باقية في ملكه مع المانع من الردّ ، فإن كان مانعا من ردّ الملكيّة ـ كالاستيلاد ـ فليس للمغبون الفسخ ، لأنّه عبارة عن إرجاع الملك إلى المغبون والمفروض عدم إمكانه ، ولا شي‌ء آخر ، للأصل. وإن كان مانعا من ردّ العين دون الملكيّة ـ كالإجارة ـ فله الفسخ وانتظار الانقضاء. ويحتمل عدم الخيار إن كان ضرر الانتظار مساويا لضرر الغبن أو أزيد ، لما مرّ.

هذا على فرض ثبوت المانعيّة في الصورتين وترجيح أدلّتها على دليل نفي الضرر ، وإلاّ فيتعارضان وتبقى أصالة عدم مانعيّة الاستيلاد وعدم لزوم الإجارة وعدم لزوم أصل البيع ، فللمغبون الفسخ والاسترداد.

أو تكون العين باقية لا في ملكه ، بل إمّا ينقلب ملكها إلى الغير بأحد وجوه النقل أو بالعتق أو الوقف أو نحوهما ، والظاهر حينئذ أنّ للمغبون فسخ البيع الأول والعقد الطاري مطلقا ، لتعارض أدلّة نفي الضرر ونفي ضمان المثل والقيمة مع أدلّة لزوم هذه العقود ، والمرجع إلى الأصل ، ومقتضاه ما ذكرنا.

مع أنّه إذا كان بنقل الملك إلى الغير فهو قد نقل الملك الثابت له وهو المتزلزل ، ومقتضى لزوم هذا النقل عدم جواز نقضه من هذا الناقل لا عدم جوازه من الناقل الأول أيضا.

٣٩٤

أو تكون العين تالفة ، والظاهر أنّه ليس له الفسخ ، لما مرّ في النقيصة ، سواء في ذلك تلف الكلّ أو البعض ، إلاّ إذا كان البعض التالف أقلّ من التفاوت الحاصل بالغبن.

وإن كان التصرّف من المغبون خاصّة ، فإن كان بعد العلم بالغبن والخيار فيسقط الخيار ، لمنافاته الفوريّة ، ولأنّه رضا منه ، وهو للخيار مسقط كما يأتي.

وإن كان قبلهما فالحكم كما إذا كان المتصرّف الغابن ، إلاّ في صورة النقيصة فليس له الفسخ مطلقا ، لإيجابه ضرر الغابن ، فيتعارض الضرران ويبقى لزوم البيع بحاله ، وهو الوجه ، لعدم الخيار في صورة التلف مطلقا.

وتضمينه المثل أو القيمة لا دليل عليه.

وممّا ذكرنا يظهر الحكم فيما إذا كان المتصرّف كليهما.

هذا كلّه إنّما هو مقتضى الأصول وإن لم ينصّ الأكثر على فتوى في أكثرها أو جميعها ، وخالف في كثير منها جماعة.

د : يسقط هذا الخيار باشتراط عدم الفسخ للغبن لو ظهر ، لعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١).

وبإسقاطه بعد العلم بالغبن والخيار ، لإيجابه التراضي ، ولأنّه رضا منه ، وهو موجب لسقوط الخيار ، للعلّة المنبّهة عليه في صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة (٢) ، ولأنّ الرضا بالضرر مسقط لحكم نفي الضرر ، ولأجل ذلك يسقط بالإسقاط قبل العلم أيضا ، إلاّ أن يكون إسقاطه لاعتقاده عدم الغبن ، فإنّه لا يسقط حينئذ بالإسقاط ، لعدم دليل عليه ، وعدم كونه رضا بالضرر.

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦ ح ١ و ٢ و ٥.

(٢) في ص ٣٧٢.

٣٩٥

هـ : ظاهر الأصحاب صحّة البيع المشتمل على الغبن مطلقا ، سواء قصد الغابن الغبن وخدع المغبون أم لا.

وفي رواية ميسر : « غبن المؤمن حرام » (١).

وفي أخرى : « غبن المسترسل حرام » (٢).

وفي ثالثة : « لا تغبن المسترسل ، فإنّ غبنه لا يحلّ » (٣).

وفي مجمع البحرين : الاسترسال : الاستئناس والطمأنينة إلى الإنسان والثقة فيما يحدّثه (٤). انتهى.

ولا شكّ أنّ البيع أو الشراء الصادر عمّن قصد الغبن والخديعة إمّا عين الغبن أو ملزومه ، وأيّهما كان يبطل البيع ، لمكان النهي ، فإنّه يفسد المعاملة على الأقوى.

و : لو علم المغبون مرتبة من الغبن ، ولا يعلم الأزيد ، وثبت الأزيد ، فالغبن في الزائد عمّا يعلم.

ولو أسقط الخيار في مرتبة وثبت الأزيد كان الخيار له ، لنفي الضرر.

الخامس : خيار تأخير إقباض الثمن والمثمن عن ثلاثة أيّام.

فمن باع ولم يقبض الثمن ولا قبض المبيع فالبيع لازم ثلاثة أيّام ، فإن جاء المشتري بالثمن وإلاّ فللبائع الخيار ، بالإجماع المحقّق ، والمنقول‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٣ ـ ١٥ ، التهذيب ٧ : ٨ ـ ٢٢ ، الوسائل ١٨ : ٣٢ أبواب الخيار ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٥٣ ـ ١٤ ، الوسائل ١٨ : ٣١ أبواب الخيار ب ١٧ ح ١ ، وفيهما : غبن المؤمن سحت.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٨٥ أبواب آداب التجارة ب ٢ ح ٧.

(٤) مجمع البحرين ٥ : ٣٨٣.

٣٩٦

مستفيضا في كلام جماعة ، كالانتصار والغنية والتنقيح والتذكرة والدروس والمسالك (١) ، وظاهر السرائر والمهذب (٢) ، ومع ذلك فالنصوص به مستفيضة :

كصحيحة زرارة : الرجل يشتري من الرجل المتاع ثمَّ يدعه عنده ، يقول : حتى آتيك بثمنه ، قال : « إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام وإلاّ فلا بيع له » (٣).

وصحيحة علي بن يقطين : عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن ، قال : « الأجل بينهما ثلاثة أيّام ، فإن قبض بيعه وإلاّ فلا بيع بينهما » (٤).

وموثّقة إسحاق بن عمّار : « من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيّام ولم يجي‌ء فلا بيع بينهما » (٥).

وفي رواية : « من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيّام وإلاّ فلا بيع له » (٦).

__________________

(١) الانتصار : ٢١٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، التنقيح ٢ : ٤٨ ، التذكرة ١ : ٥٢٣ ، الدروس ٣ : ٢٧٣ ولم يدّع الإجماع صريحا ، المسالك ١ : ١٨٠.

(٢) السرائر ٢ : ٢٧٧ ، المهذب البارع ٢ : ٣٧٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٧١ ـ ١١ ، الفقيه ٣ : ١٢٧ ـ ٥٥٤ ، التهذيب ٧ : ٢١ ـ ٨٨ ، الاستبصار ٣ : ٧٧ ـ ٢٥٨ ، الوسائل ١٨ : ٢١ أبواب الخيار ب ٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٢ ـ ٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٧٨ ـ ٢٥٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٢ أبواب الخيار ب ٩ ح ٣.

(٥) الفقيه ٣ : ١٢٦ ـ ٥٥٢ ، التهذيب ٧ : ٢٢ ـ ٩١ ، الاستبصار ٣ : ٧٨ ـ ٢٦٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٢ أبواب الخيار ب ٩ ح ٤ ، وفي الجميع : فلا بيع له.

(٦) الكافي ٥ : ١٧٢ ـ ١٦ ، التهذيب ٧ : ٢١ ـ ٩٠ ، الوسائل ١٨ : ٢١ أبواب الخيار ب ٩ ح ٢.

٣٩٧

وأكثر تلك الأخبار وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى إقباض المبيع وعدمه ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على اشتراط عدمه ، بل عبارات نقلة الإجماع مصرّحة به ، فهو المقيّد للمطلقات.

مضافا إلى قوله : « فإن قبض بيعه » في الصحيحة الثانية ، فإنّه يدلّ على عدم الخيار مع قبض المبيع ، سواء كان بعد الثلاثة أو قبلها.

وفي الغنية نسب ذلك إلى رواية الأصحاب ، ولعلّه إشارة إلى هذه الصحيحة.

نعم ، عن الشيخ القول بالخيار مع تعذّر قبض الثمن وإن قبض المبيع (١) ، وقوّاه في الدروس (٢) ، لنفي الضرر.

وفيه : أنّ دفع الضرر بأخذ العين مقاصّة ممكن إن أمكن ، وإلاّ فليس للفسخ فائدة.

وظاهر النصوص ـ كما ترى ـ بطلان البيع بعد الانقضاء لا ثبوت الخيار ، كما هو المنقول عن الإسكافي (٣) وأحد قولي الشيخ (٤) ، ومال إليه صاحب الكفاية (٥).

ومنع الظهور بورود النفي هنا مورد توهّم لزوم المعاملة فلا يفيد سوى نفيه لا وقع له ، إذ لا دليل على كون المورد مورد توهّم اللزوم ، بل يمكن أن يكون مورد توهّم الصحة.

وكذا لا إشعار لتخصيص النفي في بعض تلك الأخبار بالمشتري‌

__________________

(١) حكاه عنه في الدروس ٣ : ٢٧٤ وانظر المبسوط ٢ : ١٤٨.

(٢) الدروس ٣ : ٢٧٤.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٥١.

(٤) المبسوط ٢ : ٨٧.

(٥) الكفاية : ٩٢.

٣٩٨

بقوله : « فلا بيع له » إلى الخيار ، لعدم انتفاء البيع له بثبوت الخيار عليه.

ولكنّ الحق ـ مع ذلك كلّه ـ في ثبوت الخيار ، لأنّ البيع هو فعل صادر من البائع ، ونفيه حقيقة غير صادق ، لتحقّق البيع في السابق ، ونفيه بعد الثلاثة لا معنى له ، إذ لا بيع حينئذ مطلقا ، فالمراد معناه المجازي ، وهو إمّا المبيع أو حكم البيع مطلقا أو استمراره أو صحّته حينئذ أو لزومه ، وإذا تعدّدت المجازات فيؤخذ بالمتيقّن ـ الذي هو نفي اللزوم ـ ويعمل في الباقي بالأصل.

والحمل على نفي الصحّة ـ لكونها أقرب المجازات ـ غير جيّد ، إذ لا دليل على تعيّن الحمل على مثل ذلك الأقرب.

ويشترط في ثبوت هذا الخيار عدم اشتراط التأجيل في الثمن أو المثمن أو بعض كلّ واحد منهما ولو ساعة ، فلا يثبت ذلك الخيار في السلف والنسية مطلقا ، بالإجماع.

مضافا في الأول إلى عدم إطلاق البيع المطلق على السلف في الأخبار ، وإلى ظهور الصحيحتين في غيره ، لمكان قوله : ثمَّ يدعه ، في أولاهما ، و : « إن قبض بيعه » في الثانية.

وفي الثاني إلى ظهور جميع الأخبار في غيره ، حيث إنّ مبدأ الثلاثة أيّام فيها ـ بحكم التبادر ـ وقت البيع ، فالحكم ـ بأنّه إن لم يجي‌ء بالثمن فيها يكون البائع ذا خيار ـ قرينة على إرادة غير النسية.

هذا كلّه ، مع أنّه على القول بشمول تلك الأخبار للنسية والسلف تكون الأخبار الدالّة على لزوم كلّ من النسية والسلف ـ المذكورة في ثانيهما ـ معارضة مع تلك الأخبار بالعموم من وجه ، فلو لم ترجّح الأوليين فالمرجع إلى أصالة لزوم مطلق البيع.

٣٩٩

فروع :

أ : قبض البعض كلا قبض ، لصدق عدم قبض الثمن وإقباض المثمن مجتمعا ومنفردا.

ب : شرط القبض المانع كونه بإذن المالك ، فلا أثر لما يقع بدونه ، كما لو ظهر الثمن أو بعضه مستحقّا للغير.

ج : قال في المسالك : ولا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة وإن كان قرينة الرضا بالعقد ، عملا بالاستصحاب (١).

واستشكل فيه بعضهم مع القرينة (٢) ، لمفهوم صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة (٣). وهو في محلّه ، بل السقوط أظهر.

ومنه يظهر الوجه في سقوطه بالإسقاط ونحوه ممّا يدلّ على الرضا.

د : لو بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل الفسخ ، ففي سقوط الخيار وجهان ، منشأهما زوال الضرر والاستصحاب ، والثاني أظهر ، لأنّ كون الضرر مناطا استنباطيّا لا عبرة به.

هـ : لو تلف المبيع بعد الثلاثة وثبوت الخيار ، كان من مال البائع ، إجماعا محقّقا ومنقولا (٤) متواترا.

وتدلّ عليه ـ مضافا إليه وإلى ما يأتي ـ صحيحة ابن سنان : « لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط ويصير المبيع له » (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٨٠.

(٢) انظر الرياض ١ : ٥٢٦.

(٣) راجع ص ٣٧٢.

(٤) كما في المهذب البارع ٢ : ٣٨٠ ، المقتصر : ١٦٩ ، كشف الرموز ١ : ٤٥٩ ، المسالك ١ : ١٨٠ ، الرياض ١ : ٥٢٦.

(٥) الفقيه ٣ : ١٢٦ ـ ٥٥١ ، الوسائل ١٨ : ١٤ أبواب الخيار ب ٥ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

٤٠٠