مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

فوزن مع الجلد وكان مائة رطل ، وعلم أنّ الجلد ثمانية ، فلا يصحّ حسابه عشرة وإعطاء اثنين وتسعين بعنوان البيع ، لأنّ المبيع تسعون ، ولا خمسة وأخذ ثمن [ خمسة ] (١) وتسعين بعنوان البيع ، بل يجوز ذلك بعنوان الإباحة والتراضي. بخلاف ما إذا كان المسقط محتملا للزيادة والنقصان ، فإنّه يجوز بناء البيع على ما يبقى بعد إسقاطه بحكم النصّ ، ولعدم معلوميّة الزيادة أو النقصان.

وأمّا ما قيل من أنّ مرادهم : أنّ الجهالة بهذا المقدار لا تضرّ ، وأنّه لو تراضى المتبايعان بأصل المبايعة مع الظرف بقصد الإندار (٢) تخمينا ، ولم يرض البائع بالفسخ أيضا ، فلا يشترط رضاه بذلك (٣).

فهو كذلك ، إلاّ أنّه لا يفيد في التفرقة بين الصورتين بالتقييد بالتراضي في إحداهما دون الأخرى.

ثمَّ لا يخفى أنّه كما ثبت ممّا ذكر أنّ الإندار مع التخمين غير مضرّ في البيع مع تضمّنه الجهالة في الجملة ، كذلك ظهر حلّية المبيع والثمن للمتبايعين ولو كان المبيع زائدا عمّا ذكر من الوزن أو ناقصا في الواقع ، وكذا لو ظهر التفاوت لأحدهما بعد الإندار فيجوز له التصرّف في الزائد.

وهل يحصل بذلك اللزوم ـ يعني : لو أندر تخمينا ، فأراد أحدهما التحقيق بعده أو ظهر التفاوت بعد الإندار ، بأن يزيد الظرف مثلا على ما أندر ، فطلب المشتري الناقص ، أو ينقص فطلب البائع الزائد ، فلا يكون له ذلك ـ أو لا يحصل فيكون؟.

__________________

(١) في النسخ : ثلاثة ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) وأندره غيره ، أي أسقطه. يقال أندر من الحساب كذا ـ الصحاح ٢ : ٨٢٥.

(٣) انظر المسالك ١ : ١٧٦.

٣٦١

الحقّ هو : الثاني ، للأصل ، إلاّ أن يكون الإندار مشروطا في العقد.

كب : لا يختلف في حكم الإندار التخميني أو مع الاختلاف المعلوم فيما إذا جرت العادة بإندار قدر معيّن للظرف أو لم تجر ، والوجه ظاهر بعد التأمّل.

كج : الظرف بعد إنداره يكون باقيا على ملك البائع ، إلاّ مع شرط كونه للمشتري ، أو كونه متعارفا بين الناس بحيث يتبادر بتبعيّته للمبيع ، فيكون مثل الحجارة في الأرض.

كد : اعلم أنّ كلّ ما حكم فيه ببطلان البيع لأجل الغرر فإنّما هو في البيع اللازم ، أمّا لو باع بشرط الخيار لو لا على النحو المقصود الرافع للضرر فلا يبطل من هذه الجهة ، لعدم الغرر عرفا.

ومنها : أن يكون المبيع موجودا حال البيع ، لما مرّ من اشتراط المالكيّة حين البيع ، وما لا وجود له لا يكون مملوكا.

نعم ، ثبت بالأخبار والإجماع الجواز في السلم وبيع المعدوم مع الضميمة في الجملة ونحوهما ، فمثل ذلك خارج بالدليل.

والحاصل : أنّ القاعدة عدم جواز بيع المعدوم حال البيع فيستثنى منه ما استثناه الدليل.

( ويأتي بعض أحكام أخر لكلّ من العوضين في المباحث الآتية ، كبحث بيع الثمار ، وبيع الزرع ، وبيع الحيوان ، والسلم ، وغير ذلك ) (١).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ح ».

٣٦٢

المقصد الثاني

في الخيار‌

وفيه فصلان‌ :

٣٦٣
٣٦٤

الفصل الأول

في أقسامه‌

وهي ثمانية :

الأول : خيار المجلس.

والمراد به خيار المتبايعين ما لم يفترقا ، سواء جلسا في موضع ، أو قاما ، أو مشيا ، أو غير ذلك.

والأصل في ثبوته ـ بعد الإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا في التذكرة (١) وغيره (٢) ـ الأخبار المتضمّنة لقوله : « البيّعان بالخيار حتى يفترقا » ، [ كالصحاح الأربعة لزرارة (٣) ومحمّد (٤) وابن يزيد (٥) والفضيل (٦) ] (٧) وفي الأخيرة : « فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما ».

أو : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٥.

(٢) كالمفاتيح ٣ : ٦٨ والحدائق ١٩ : ٥ والرياض ١ : ٥٢٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٤ ، الوسائل ١٨ : ٥ أبواب الخيار ب ١ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٥ ، الوسائل ١٨ : ٥ أبواب الخيار ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٤ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦ ـ ١١٠ الوسائل ١٨ : ٧ أبواب الخيار ب ١ ح ٦.

(٦) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٠ ـ ٨٥ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ١٨ : ٦ أبواب الخيار ب ١ ح ٣.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في « ح » : كصحيحة زرارة أن المتبايعان كذلك كالصحاح الأربعة لزرارة ومحمد والفضيل ، وفي « ق » : كصحيحة زرارة أو البيّعان كذلك ، كالصحاح الأربعة لزرارة ومحمّد والفضيل ، والظاهر ما أثبتناه.

٣٦٥

بيع حتى يفترقا » كصحيحة محمّد (١).

وفي صحيحة الحلبي : « أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا ، فإذا افترقا فقد وجب البيع » (٢).

وما في بعض الأخبار ـ من اللزوم بعد الصفقة على الإطلاق أو إن لم يفترقا (٣) ـ شاذّ مطروح ، أو على التقيّة محمول ـ فإنّه فتوى أبي حنيفة (٤) ـ أو بصورة انتفاء الخيار مخصوص.

وهاهنا فروع :

أ : لا إشكال في ثبوت الخيار إذا وقع البيع من المالكين.

وإن وقع من وكيليهما ، فهل الخيار للمالكين ، أو الوكيلين ، أو لهما؟

والمستفاد من كلام بعضهم أنّه يبني على صدق « البيّعين » و « المتبايعين » ، فإن قلنا بصدقهما على أحدهما فالخيار له ، وإن قلنا بصدقهما عليهما فلهما.

ثمَّ إنّ الظاهر من بعضهم أنّهما لا يصدقان إلاّ على المالكين (٥) ، ويظهر من آخر اختصاصهما بالوكيلين (٦) ، ومن ثالث صدقهما عليهما (٧).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣ ـ ٩٩ ، الوسائل ١٨ : ١٠ أبواب الخيار ب ٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٠ ـ ٨٦ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ ـ ٢٤١ ، الوسائل ١٨ : ٩ أبواب الخيار ب ٢ ح ٤.

(٣) كخبر غياث بن إبراهيم المروي في التهذيب ٧ : ٢٠ ـ ٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ١٨ : ٧ أبواب الخيار ب ١ ح ٧.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٧٠ ، المحلّى ٨ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ١٨٤.

(٥) انظر المسالك ١ : ١٧٦.

(٦) انظر الحدائق ١٩ : ١٢.

(٧) الرياض ١ : ٥٢٢.

٣٦٦

ولا يخفى أنّ البيع ـ كما عرفت ـ هو نقل الملك بنحو مخصوص ، وهو أعمّ من أن يكون نقلا لملك نفسه أو غيره وقد صدر من الوكيل نقل الملك ، فلا ينبغي الريب في صدقه عليه إذا كان التعيين والقبض والإقباض بيده.

نعم ، يشكل فيما إذا كانا وكيلين في خصوص إجراء الصيغة فقط ، ولا يبعد الصدق حينئذ أيضا.

وأمّا المالكان ، فالظاهر الصدق إذا كانا بنفسهما مباشرين لتعيين الثمن والمثمن والقبض والإعطاء وإن وكّلا في إجراء الصيغة غيرهما.

وأمّا إذا لم يباشرا ذلك ، وكان الجميع بيد الوكيلين ، فالظاهر عدم الصدق.

وأما جواز القول : بأنّ فلانا باع فرسه ، فهو مجاز ، لصحّة السلب ، فيقال : لم يبعه هو بل باعه غيره ، ولأنّه يجوز أن يقال : باع فلان فرس فلان ، ولم يتحقّق إلاّ بعمل واحد وهو من الوكيلين حقيقة قطعا ، لعدم صحّة السلب.

فالظاهر صدق البائعين على الوكيلين ، إلاّ إذا كانا وكيلين في مجرّد الصيغة ، ففيه إشكال.

ثمَّ إنّا لو قلنا بثبوته للمالكين مطلقا أو في بعض الصور يختصّ بما إذا كانا مجتمعين في محلّ البيع ، لأنّ المستفاد من الروايات ـ بقرينة قولهم عليهم‌السلام : « حتى يفترقا » ـ ثبوته للبائعين المجتمعين حال البيع ، بل في محلّه.

وأمّا المتفرّقان حال البيع ، أو المجتمعان لا في مجلس البيع ، فلا‌

٣٦٧

خيار لهما مطلقا ، كما أنّ الوكيلين أيضا ـ على ما قيل (١) ـ لا خيار لهما مع صدق البائعين عليهما أيضا إلاّ مع إذن المالك عموما أو صريحا في الخيار ، إذ بدونه يحصل التعارض بين أخبار خيار البائع وأدلّة عدم جواز تصرّف الوكيل إلاّ فيما وكّل فيه ، والترجيح للثاني ، ولولاه فالأصل معه.

وهو عندي محلّ نظر ، لأنّ الفسخ بالخيار ليس تصرّفا عرفا. سلّمنا ، ولكن بعد تسليم صدق البائع عليه يكون الإذن حاصلا له من قبل الشارع ، فالأقوى جواز فسخه.

ثمَّ لو قلنا بعدم صدق البائع على الوكيلين ، وعدم ثبوت الخيار لهما لأجل ذلك ، فهل يثبت لهما مع التوكيل في الخيار أيضا على وجه يصحّ ، أم لا؟

صرّح بعضهم بالأوّل (٢) ، لعمومات الوكالة ، وهو إنّما يتمّ مع ثبوته للمالكين ، وأمّا بدونه مطلقا أو مع عدم الاجتماع فلا ، إذ لا يجوز التوكيل إلاّ فيما يجوز فعله للموكّل.

بل في الثبوت بالتوكيل مع ثبوته للموكّل أيضا نظر ، لعدم ثبوت جواز التوكيل في كلّ ما يجوز للموكّل فعله ، والأصل يقتضي عدم ترتّب الأثر إلاّ فيما ثبت فيه جواز التوكيل.

مع أنّ هاهنا كلاما آخر ، وهو أنّ الثابت من الأخبار ثبوت الخيار للموكّلين إذا لم يفترقا ، فلو جاز التوكيل فيه لجاز إذا كانا مجتمعين ولم يفترقا بعد ، لا أن يجوز التوكيل في الخيار إذا لم يفترق الوكيلان ، وهذا ظاهر جدّا ، وظاهر المجوّز إرادة الأخير.

__________________

(١) انظر المسالك ١ : ١٧٨.

(٢) كصاحب الحدائق ١٩ : ١٢.

٣٦٨

وحكم المتفرّقين ـ بأن يكون أحد المتبايعين وكيلا والآخر مالكا ـ يظهر ممّا مرّ.

ب : هذا الخيار يثبت في جميع أقسام البيع ، كالسلف والنسية والتولية والمرابحة ، وبالجملة : جميع ما يصدق عليه البيع ، لعموم الروايات.

ج : يسقط هذا الخيار بأمور :

الأول : مفارقتهما أو أحدهما عن صاحبه ولو بخطي ، بلا خلاف ، للأخبار المتقدّمة (١) ، وصحيحة محمّد : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « بايعت رجلا ، فلمّا بعته قمت فمشيت خطى ثمَّ رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا » (٢) ، وقريب منها غيرها (٣).

بل نفي الخلاف عن الخطوة أيضا (٤) ، فإن ثبت الإجماع عليها ، وإلاّ فسقوط الخيار بالافتراق بها ـ بل وبالخطوتين ـ مشكل ، لعدم تبادر مثلهما عن الافتراق عرفا وعادة ، بل وكذا الخطوات الثلاث ، ولا يفيد لفظ الخطى في الصحيح ، إذ لا يتعيّن فيه أقلّ الجمع ، لأنّه إخبار عن فعله عليه‌السلام.

فالمناط : حصول الافتراق عرفا ، والظاهر حصوله بنحو من خمسة أو ستة وما زاد ، سواء كان ذلك بالمشي ، أو جذب نفسه إلى ورائه بهذا المقدار.

ولا يسقط بالتماشي والتقارب بخطي.

__________________

(١) في ص : ٣٦٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٧١ ـ ٨ ، الوسائل ١٨ : ٨ أبواب الخيار ب ٢ ح ٣.

(٣) الفقيه ٣ : ١٢٧ ـ ٥٥٧ ، التهذيب ٧ : ٢٠ ـ ٨٤ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ١٨ : ٨ أبواب الخيار ب ٢ ح ٢.

(٤) الرياض ١ : ٥٢٣.

٣٦٩

والمستفاد من الصحيح : سقوط الخيار بالافتراق ولو قصد الرجوع أو السقوط ، فالاستشكال في التباعد لا بقصد الافتراق لا وجه له ، كما لا وجه للإسقاط بالأخذ في الافتراق بقصد المفارقة ولو لم تحصل المفارقة العرفيّة بعد. وكونه تسليما للّزوم ممنوع.

ثمَّ إنّ القدر الثابت من الأخبار والظاهر من كلام الأصحاب ـ بل المصرّح به في عبارات جماعة (١) ـ اعتبار المباشرة والاختيار في الافتراق ، فلو أكرها أو أحدهما عليه لم يسقط ، سواء منع من التخاير والفسخ أو لا.

وقيّده جماعة بالأول (٢). ولا وجه له ، لأنّ عدم الفسخ في حال يثبت معها الخيار لا يثبت الالتزام ، فإذا زال الإكراه فلهما الخيار.

وهل هو فوريّ ، أو يستمرّ باستمرار مجلس الزوال؟

قيل بالأول (٣) ، لرفع الضرورة به ، فيقتصر على مخالفة مقتضي اللزوم عليه.

وفيه : أنّ المسلّم هو اللزوم بعد حصول الافتراق الظاهر في الاختياري ، وأصالة اللزوم مطلقا ممنوعة.

وأيضا لو كان الأصل اللزوم ، فأيّ ضرورة في القول بالخيار عند الإكراه على الافتراق؟! فإن كان سبب الضرورة هو إثبات الخيار في الأخبار قبل حصول الافتراق الظاهر في الاختياري فهو بعد موجود.

وهذا حجة القول الثاني ، مضافا إلى الاستصحاب ، مع أنّ السقوط‌

__________________

(١) منهم صاحب الحدائق ١٩ : ١١ وصاحب الرياض ١ : ٥٢٣.

(٢) منهم العلاّمة في القواعد ١ : ١٤٢ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٤٩ وصاحب الرياض ١ : ٥٣٣.

(٣) كما في التذكرة ١ : ٥١٦.

٣٧٠

بزوال مجلس زوال الإكراه أيضا مشكل ، أمّا إذا كان زواله بنحو التقارب فظاهر ، وأمّا إن كان بالتباعد فلأنّ المفروض حصول الفرقة بالإكراه ، فلا معنى لحصول الافتراق الموجب لزوال الخيار بعدها ، إذ لا يكون افتراق إلاّ من الاجتماع.

والمسألة محلّ الإشكال ، وللتوقّف فيها مجال.

ثمَّ الإكراه الموجب لعدم السقوط هل هو ما يترفع معه القصد ـ كحمل البائعين وجرّهما عن المجلس ـ أو يشمل نحو التهديد على الجلوس ونحو الافتراق للخوف من الجلوس أيضا؟

يحتمل كلامهم الإطلاق ، بل هو المصرّح به في كلام بعضهم (١) ، والظاهر من الأخبار : الثاني ، لصدق الافتراق لعدم اعتبار الرضا فيه قطعا وإن احتمل اعتبار المباشرة فيه ، ولذا يستصحب الخيار مع عدمها.

ولو فارق أحدهما مجلس العقد ومنع الآخر من مصاحبته كرها ففيه إشكال ، لعدم ثبوت الافتراق منهما ، سيّما مع منعه عن التكلّم.

الثاني : اشتراط سقوط الخيار في ضمن العقد ، بلا خلاف يعرف كما في كلام جماعة (٢) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٣) وغيره (٤) ، لوجوب الوفاء بالشرط ، لعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (٥).

__________________

(١) كصاحب الحدائق ١٩ : ١٩.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ٩١ وصاحب الحدائق ١٩ : ٧ وصاحب الرياض ١ : ٥٢٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٤) كالتذكرة ١ : ٥١٩ والحدائق ١٩ : ١٩.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٩ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ٢٢ ـ ٩٤ ، الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦ ح ١.

٣٧١

وكون هذا الشرط مخالفا للسنّة المثبتة للخيار أو لمقتضى العقد ممنوع ، لأنّه إنّما هو إذا شرط عدم ثبوت الخيار لا سقوطه المستلزم للثبوت أولا ، فيشترط أنّه يسقط بمجرّد ثبوته ، وهذا لا يخالف سنّة ولا مقتضى العقد.

نعم ، لو شرط عدم ثبوت الخيار فالظاهر فساده ، ولكن لا يبعد القول باستلزامه للإيجاب ، لدلالته التزاما على الالتزام المسقط للخيار.

ولو شرط عدم الفسخ فيجب الوفاء به ، ولو فسخ حينئذ لم ينفسخ ، للنهي عن الفسخ الموجب لعدم ترتّب الأثر عليه.

ويدلّ على زوال الخيار بهذا الاشتراط أنّه التزام للعقد ، وسيأتي أنّه موجب لسقوط الخيار.

والظاهر عدم الفرق في السقوط فيما إذا كان الشرط في ضمن العقد أو قبله ، وفاقا للشيخ (١) ، لإطلاق بعض ما مرّ.

الثالث : إسقاطهما أو أحدهما إيّاه بعد العقد بكلّ لفظ يدلّ عليه ، بالإجماع المحقّق والمحكيّ مستفيضا (٢) ، وبه يقيّد إطلاق المستفيضة المثبتة للخيار.

مضافا إلى العلّة المنبّهة عليه في صحيحة علي بن رئاب الواردة في خيار الحيوان ، وفيه : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أو لم يشترط ، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة فذلك رضا منه فلا شرط له » ، قيل : وما الحديث؟ قال : « إن لامس أو قبّل أو نظر إلى ما‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥١٣.

(٢) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ والتذكرة ١ : ٥١٧ والرياض ١ : ٥٢٣.

٣٧٢

كان محرّما عليه قبل الشراء » (١).

ولو اختار أحدهما الإمضاء والآخر الفسخ تقدّم الفسخ ، والوجه ظاهر.

الرابع : التصرّف ، فإن كان من المشتري في المبيع فيسقط خياره ، كما يسقط خيار البائع إن تصرّف في الثمن.

وإن كان من كلّ منهما أو أحدهما في ما كان له أولا فيسقط خيارهما ، بمعنى انفساخ البيع الذي هو محلّ الخيار.

أمّا الثاني فظاهر.

وأمّا الأول فتدلّ عليه صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة ، ولكن لا يثبت منها أزيد من السقوط بالتصرّف المفهم للالتزام وعدم إرادة الفسخ ، أو المفهم للفسخ وعدم الرضا بالبيع ، والإجماع المركّب غير ثابت ، فالاقتصار على الأول لازم.

وعلى هذا ، فهو أيضا التزام للبيع كالثالث ، إلاّ أنّه قوليّ وهذا فعليّ.

الخامس : الأقوى عدم ثبوت هذا الخيار للعاقد عن اثنين ولاية أو وكالة ، لعدم صدق المتبايعين حقيقة ، ودليل ثبوته ضعيف.

الثاني : خيار الحيوان.

وهو ثلاثة أيّام للمشتري ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ في التذكرة (٢) وغيره (٣) ، والمستفيضة ، كصحيحة علي بن رئاب المتقدّمة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٩ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٤ ـ ١٠٢ ، الوسائل ١٨ : ١٣ أبواب الخيار ب ٤ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ٥١٩.

(٣) كالسرائر ٢ : ٢٤٤ والتحرير ١ : ١٦٦ وكشف الرموز ١ : ٤٥٧ والتنقيح ٢ : ٤٤.

٣٧٣

وصحيحة ابن سنان : عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد ، ويشترط إلى يوم أو يومين ، فيموت العبد أو الدابّة ، أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك؟ فقال : « على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ويصير المبيع للمشتري ، شرط له البائع أو لم يشترط » (١).

وصحيحتي زرارة (٢) ومحمّد (٣) : « البيّعان بالخيار حتى يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام ».

وصحيحة الفضيل : ما الشرط في الحيوان؟ فقال : « ثلاثة أيّام للمشتري » قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ قال : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » (٤).

وصحيحة الحلبي : « في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري ، وهو بالخيار فيها إن اشترط أو لم يشترط » (٥).

وصحيحة ابن أسباط : « الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري ، وفي غير الحيوان أن يتفرّقا » (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٩ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ١٢٦ ـ ٥٥١ ، التهذيب ٧ : ٢٤ ـ ١٠٣ ، الوسائل ١٨ : ١٤ أبواب الخيار ب ٥ ح ٢ ، بتفاوت.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٤ ، الوسائل ١٨ : ٥ أبواب الخيار ب ١ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٥ ، الوسائل ١٨ : ٥ أبواب الخيار ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٠ ـ ٨٥ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ ـ ٢٤٠ ، الخصال : ١٢٧ ـ ١٢٨ ، الوسائل ١٨ : ١١ أبواب الخيار ب ٣ ح ٥ وأورد ذيلها في ص ٣٤٦ ب ١ ح ٣.

(٥) الفقيه ٣ : ١٢٦ ـ ٥٤٩ ، التهذيب ٧ : ٢٤ ـ ١٠١ ، الوسائل ١٨ : ١٠ أبواب الخيار ب ٣ ح ١.

(٦) الكافي ٥ : ٢١٦ ـ ١٦ ، التهذيب ٧ : ٦٣ ـ ٢٧٤ ، الوسائل ١٨ : ٩ أبواب أحكام العيوب ب ٢ ح ٤.

٣٧٤

وموثّقة ابن فضّال : « صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام » (١).

فروع :

أ : هل هذا الخيار للمشتري خاصّة ، أو له وللبائع؟

الأقوى هو : الأول ، وهو الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر (٢) ، وفاقا للإسكافي والصدوق والشيخين وأبي علي والديلمي والقاضي والحلّي (٣) ، وعليه الإجماع عن الغنية والدروس (٤) ، بل لا يبعد دعوى الإجماع المحقّق فيه ، فهو ـ بعد الأصل ـ الحجّة في الاختصاص.

مضافا إلى ظهور « اللام » في الروايات كلّها في الاختصاص ، وأظهر منه التفصيل في الصحاح الأربعة لزرارة ومحمد والفضيل وابن أسباط ، بل هي كالنصوص في ذلك ، كما يشهد به العرف الذي هو الحجّة في المقام.

والمذكور في الأوليين وإن كان صاحب الحيوان إلاّ أنّ المراد منه المشتري ، للتفسير به في الموثّقة ، ولأنّهما بحسب السياق ـ كما عرفت ـ ظاهران في اختصاص الخيار بأحدهما ، وهو مخالف الإجماع إن أريد به البائع ، لعدم الانحصار فيه ، مع أنّ المشتق حقيقة في المتلبّس على التحقيق‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٦٧ ـ ٢٨٧ ، الوسائل ١٨ : ١٠ أبواب الخيار ب ٣ ح ٢.

(٢) كالمحقق في الشرائع ٢ : ٢٢ ، العلامة في التبصرة : ٩٠ والإرشاد ١ : ٣٧٤ ، السيوري في التنقيح ٢ : ٤٥ ، الشهيد الأول في اللمعة ( الروضة ٣ ) : ٤٥٠ ، الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٤٣.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٥٠ ، الصدوق في المقنع : ١٢٣ ، المفيد في المقنعة : ٥٩٢ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ٧٨ ، نقله عن أبي علي في المختلف : ٣٥٠ ، الديلمي في المراسم : ١٧٣ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٥٣ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢٢١.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، الدروس ٣ : ٢٧٢.

٣٧٥

في مثله.

ويدلّ على الاختصاص أيضا الصحيح المرويّ في قرب الإسناد : عن رجل اشترى جارية لمن الخيار ، للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال : « الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة أيّام ، فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء » (١).

خلافا للسيّد ، فأثبته للبائع أيضا (٢) ، وتبعه بعض المتأخرين (٣).

لصحيحة محمّد : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا » (٤).

وهي ضعيفة ، لمخالفتها لشهرة القدماء (٥) ، فلا تصلح حجّة ، مع أنّها معارضة بما مرّ ، فلو لم يرجّح ما مرّ بالأكثريّة والأشهريّة فتوى لتعيّن العمل بالأصل ، وهو مع الاختصاص. وقد توجّه بوجوه لا بأس بها في مقام التأويل.

نعم ، لو باع حيوانا بحيوان فالظاهر المصرّح به في كلام جماعة (٦) ثبوت الخيار لهما ، لا لاتّحاد العلّة ، لكونها مستنبطة ، بل لإطلاق صحيحتي زرارة ومحمّد (٧) ، بل عموم صحيحة محمّد الأخيرة ، خرج ما خرج فيبقى‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ٧٨ ، الوسائل ١٨ : ١٢ أبواب الخيار ب ٣ ح ٩.

(٢) السيد في الانتصار : ٢٠٧.

(٣) انظر مفاتيح الشرائع ٣ : ٦٨.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣ ـ ٩٩ ، الوسائل ١٨ : ١٠ أبواب الخيار ب ٣ ح ٣.

(٥) في « ح » و « ق » زيادة : بل عدم ثبوت قرب الإسناد. ولم نعرف لها معنى مناسبا للمورد.

(٦) منهم الشهيد في الدروس ٣ : ٢٧٢ ، الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٤٢ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٥٠ ، صاحب الرياض ١ : ٥٢٤.

(٧) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٤ ـ ١٠٠ ، الوسائل ١٨ : ١١ أبواب الخيار ب ٣ ح ٦.

٣٧٦

الباقي.

ومنه تظهر قوّة ثبوت الخيار للبائع لو كان الثمن حيوانا.

ب : هل ذلك الخيار يعمّ جميع الحيوانات ، أم يختصّ بغير الإماء.

ذهب الأكثر إلى الأول (١) ، وهو الحقّ ، لإطلاق النصوص ، وصحيحة ابن رئاب بالخصوص (٢) ، وخصوص صحيحة قرب الإسناد.

وتضعيف الإطلاق ـ باختصاص الحيوان بغير الإنسان عرفا ـ ضعيف ، للعموم لغة ، بل عرفا أيضا ، كما تدلّ عليه هذه الصحيحة.

وخلافا للحلبي وابن زهرة ، فجعلا المدّة في الإماء مدّة الاستبراء (٣) ، ومستندهما غير واضح ، سوى الإجماع الذي ادّعاه الثاني ، وهو ممنوع.

ج : مبدأ هذا الخيار من حين العقد ، لأنّه المتبادر من اللفظ ، والظاهر من الأخبار المفصّلة بأنّ الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام ، وفي غيره حتى يفترقا.

خلافا للشيخ والحلّي ، فجعلاه من حين التفرّق (٤) ، بناء على حصول الملك به عنده.

د : خيار المجلس ثابت في الحيوان لكلّ من المتبايعين ، لعموم أدلّته.

__________________

(١) منهم العلامة في القواعد ١ : ١٤٢ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٧٨ ، صاحب الرياض ١ : ٥٢٤.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٩ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٤ ـ ١٠٢ ، الوسائل ١٨ : ١٣ أبواب الخيار ب ٤ ح ١.

(٣) الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ): ٥٨٧.

(٤) الشيخ في المبسوط ٢ : ٨٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٤٧.

٣٧٧

هـ : يسقط هذا الخيار بشرط سقوطه ، أو إسقاط المشتري إيّاه بعد العقد ، لما مرّ ، وبتصرّف المشتري فيه في الجملة ، بلا خلاف كما في المسالك (١) ، بل عن التذكرة الإجماع عليه (٢).

وتدلّ عليه صحيحة ابن رئاب المتقدّمة ، وصحيحة الصفّار : في الرجل اشترى من رجل دابّة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، إله أن يردّها في الثلاثة أيّام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقّع عليه‌السلام : « إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء » (٣).

ثمَّ التصرّف إن كان مفهما للرضا والالتزام يقينا أو ظهورا عرفا فلا إشكال في اللزوم به ، وهو مجمع عليه ، وقوله في الصحيحة الأولى : « فذلك رضا منه فلا شرط له » يدلّ عليه ، وكذلك ما فسّر به الحدث فيها ، وهو من باب التمثيل بقرينة كون الكلام في صدر الحديث في جميع الحيوانات ، فالمراد ما يماثل ذلك ممّا لا يليق إلاّ بالمالك مستقرّا ، أو يظهر منه الاستقرار والرضا.

وإن لم يكن كذلك ، فالظاهر من كلام الفاضلين (٤) وجماعة (٥) والمصرّح به في كلام بعضهم عدم إيجابه اللزوم (٦) ، للأصل ، وكون‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٧٩.

(٢) التذكرة ١ : ٥١٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٧٥ ـ ٣٢٠ ، الوسائل ١٨ : ١٣ أبواب الخيار ب ٤ ح ٢.

(٤) المحقق في الشرائع ٢ : ٢٢ ، العلامة في التذكرة ١ : ٥١٩.

(٥) منهم الشهيد في الدروس ٣ : ٢٧٢ والمحقق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٢٩١ والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٥٢.

(٦) كما في المسالك ١ : ١٧٩.

٣٧٨

التصرّفات المذكورة في الصحيحين مفهمة للالتزام.

ويؤيّده توقّف تحقّق مقتضى حكمة وضع الخيار على نوع تصرّف.

وخالف فيه جماعة (١) ولعلّهم الأكثر ، فقالوا باللزوم بمطلق التصرّف ، لعموم الحدث في الحديثين.

ولا يخفى أنّ الحدث فيهما وإن كان عامّا إلاّ أنّ صدقه على كلّ تصرّف ممنوع ، كما يدلّ عليه جعله عليه‌السلام إحداث الحدث رضا من المشتري في الحديث الأول ، فإنّه لا شكّ في أنّ كلّ تصرّف ليس رضا ، وكذا عطف الركوب على الحدث في الثاني ، مع أنّ الظاهر من إحداث الحدث في شي‌ء تصرّف يوجب تغييرا فيه ، كالنعل وأخذ الحافر وجزّ الشعر وأمثالها.

نعم ، التمثيل للحدث في الأول باللمس والتقبيل والنظر وإن كان يفهم نوع تعميم فيه إلاّ أنّه ـ لكونه خلاف المعنى الظاهر من إحداث الحدث في شي‌ء ، ولما مرّ من جعله دالاّ على الرضا ، وعطف الركوب عليه ـ لا يثبت الإطلاق.

والتحقيق : أنّ الصحيحة الأولى مجملة من هذه الجهة ، لجواز تقيّد الحدث فيها بالدالّ على الرضا وإبقاء قوله : « فذلك رضا منه » على حاله ، [ أو ] (٢) إرادة حكم الرضا من قوله « ذلك » وإبقاء الحدث على حاله ، فاللازم الأخذ بالمتيقّن ، وهو الدالّ على الرضا.

ولا ينافيه تفسير الحدث فيها ، لأنّه تفسير لأصل الحدث ، فيكون‌

__________________

(١) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ والحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٣ وصاحب الحدائق ١٩ : ٣٠.

(٢) في النسخ : إذا ، والظاهر ما أثبتناه.

٣٧٩

المعنى : والحدث الذي دلّ على الرضا يوجب اللزوم ذلك ، أو تكون هذه الأمور في الأمة موجبة للرضا.

وأمّا الصحيحة الثانية فجواب الإمام فيها عامّ ، ولكن إطلاق الحدث على كلّ تصرّف غير معلوم كما ذكرنا ، بل غاية ما يعلم منه أنّه ما أوجب إحداث أمر في شخص المبيع.

وأمّا التفسير المذكور في الأولى فلكونه خلاف المعنى الظاهر من الحدث لا يوجب التعدّي عنه ، لجواز كونه ممّا يدلّ على الرضا ، أو لأجل كونه ممّا يوجب حصول ارتباط بين المشتري والمبيع ، فتأمّل.

ومن ذلك يظهر أنّ الظاهر سقوط هذا الخيار بالتصرّف المفهم للرضا بدوام البيع واستمراره ، أو بالتصرّف المعلوم صدق الحدث عليه ممّا يوجب تغييرا في شخص المبيع ، [ و ] (١) لا يجوز التعدّي عمّا مثّل به في غير ما يعلم صدق الحدث عليه.

وظهر من ذلك [ أنّ ما يشكّ ] (٢) في دخوله في ذلك فالأصل فيه بقاء الخيار.

وقد يستدلّ له أيضا بصحيحة الحلبي : عن رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمَّ ردّها ، قال : « إن كان تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء » (٣).

وفيه نظر ، للتصريح فيها بأنّ الردّ بعد ثلاثة أيّام ، فهو ليس ممّا نحن‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء المعنى.

(٢) في « ح » : وما يشك. وفي « ق » : التصرّف الذي وما يشك. والظاهر ما أثبتناه.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٣ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ٢٥ ـ ١٠٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٦ أبواب الخيار ب ١٣ ح ١.

٣٨٠