مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

مخصوص بما إذا لم يوزن أيضا ، فالتبديل في الثلاثة جائز.

وأمّا صحيحة الحلبي ـ المتقدّمة (١) في العدل يؤخذ بمثل ما في العدل الآخر ـ فهي غير منافية لما ذكرنا ، لعدم صراحتها في النهي ، وعدم كونها من قبيل ما نحن فيه لمثل ما مرّ ، فإنّ كلامنا في كيل الموزون أو وزن المكيل ، وهي صريحة في الأخذ بغير كيل ووزن ، فهي من قبيل أخذ روايا الزيت المتقدّمة ، والأولويّة المذكورة فيها غير جارية هنا كما لا يخفى.

نعم ، يحصل حينئذ بين هذه الصحيحة ورواية الزيت نوع تعارض لو كانت الصحيحة صريحة في النهي ، ولكن عرفت أنّها ليست كذلك ، مع أنّ تعارضها لنا غير ضائر ، لأنّ عدم الدليل على المنع كاف في التجويز.

ح : قالوا : لا يشترط العلم بالذراع فيما يذرع ـ كالكرباس (٢) ونحوه ـ وبالمساحة فيما يمسح ، بل تكفي المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة.

وفي التذكرة : أنّه إجماعيّ (٣) ، وهو كذلك ، للأصل ، وعموم الأدلّة إلاّ إذا توقّف ارتفاع الغرر به ، فيجب.

ولا يبعد حمل إيجاب الخلاف (٤) المساحة في بيعهما على صورة الغرر ، جمعا بين الفتاوى ، كما لا يبعد تنزيل كلمة الأصحاب المطلقة في جواز بيعهما من دون مساحة على صورة عدمه.

ثمَّ المشاهدة لا بدّ أن تكون بحيث ينتفي معها الغرر ، فهي تختلف‌

__________________

(١) في ص : ٣٢٨.

(٢) الكرباس : القطن ـ مجمع البحرين ٤ : ١٠٠.

(٣) التذكرة ١ : ٤٧٠.

(٤) انظر الخلاف ٣ : ١٩٨ ، وحكاه عنه في الدروس ٣ : ١٩٨.

٣٤١

باختلاف المبيع ، فقد يحتاج الثوب إلى النشر وملاحظة المجموع ، وقد يكتفي بتقليبه على وجه يوجب معرفته المطلوبة.

ط : قد أشرنا فيما تقدّم إلى اشتراط معرفة الأوصاف في العوضين إذا أوجب الجهل بها الغرر ، بأن تختلف القيمة بوجود الوصف وعدمه.

ويكون الوصف في كلّ شي‌ء بحسب ما يطلب في المعاملة به عادة ، بحيث تكون المعاملة بدون معرفته فيه غررا ومجازفة ، ففي الفرس بنحو الصغر والكبر دون مقدار اللحم ، وفي الثوب أوصافه التي تتفاوت بتفاوتها القيمة ، وهكذا.

ولو كان الوصف ممّا تتفاوت بتفاوته الأغراض دون القيمة ، فهل تجب معرفته ، أم لا؟

الظاهر : الثاني ، للأصل.

نعم ، لو كان ذلك المبيع بحيث لم يكن له طالب شراء ، فلو انتفى فيه الوصف المقصود للمبتاع بقي عنده بلا فائدة ، فالظاهر اشتراط التعيين ، لتحقّق الغرر عرفا حينئذ.

ي : معرفة الوصف اللازمة في البيع إمّا تكون بالمشاهدة والحسّ ، أو بالوصف الرافع للجهالة من المتبايعين أو أحدهما.

والمشاهدة السابقة كافية في الصحّة إذا لم يحتمل التغيّر عادة احتمالا ملتفتا إليه في العرف ، إلاّ إذا مضت مدّة يتغيّر فيها عادة.

و [ لا ] (١) يبنى على الاستصحاب مع الاحتمال ، لتحقّق الغرر بالاحتمال العادي.

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

٣٤٢

والاستصحاب الشرعي لا يكفي في دفع الغرر العرفي ، لأنّه يتحقّق مع احتمال تغيّر الوصف واقعا في العرف احتمالا لا يتسامح فيه أهل العرف ، والاستصحاب لا يجدي في دفع ذلك الاحتمال.

والحاصل : أنّ الغرر هو احتمال عادي أو واقعي مجتنب عنه عرفا ، والنهي متعلّق بذلك ، والاستصحاب يدفع الاحتمال شرعا لا عادة وواقعا ، ولذا لو نذر أحد أن يجتنب عمّا احتمل عنده ملاقاته للبول لا يجوز له ملاقاة ما يحتمله بدفع الاحتمال بالأصل ، ولو نذر أن يجتنب عمّا أخبر زيد بنجاسته لا يجوز له ملاقاته لاستصحاب عدم نجاسته وعدم حجّية خبر زيد.

يا : إذا اكتفى بالمشاهدة السابقة فيما يجوز له الاكتفاء به فظهر الخلاف بما يوجب اختلاف الثمن نقصا أو زيادة بما لا يتسامح به عادة ، فالمصرّح به في كلام الأكثر ثبوت الخيار للمشتري مع النقص في المثمن وللبائع منع الزيادة ، وفي الثمن بالعكس (١).

واستشكل المحقّق الأردبيلي في جميع ذلك بأنّ مقتضى القاعدة البطلان ، فإنّ العقد إنّما وقع على الموصوف ، وغير الموصوف لم يقع عليه العقد ، فيكون باطلا (٢).

وقد مرّ في بيع المملوك وغيره ما يدفع به ذلك ، إلاّ أنّ الكلام في دليل الخيار ، قيل : ولعلّه ما يدلّ على خيار العيب ولزوم الضرر (٣).

أقول : الأول إنّما يتمّ لو كان مطلق انتفاء الوصف عيبا ، أو كان‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٦٧ وصاحب الحدائق ١٨ : ٤٧٨.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ١٨٣.

(٣) انظر الحدائق ١٨ : ٤٨٢.

٣٤٣

الوصف ممّا يكون انتفاؤه عيبا ، وسيجي‌ء تحقيقه في بحث عيوب المبيع.

وأمّا الثاني ، فهو حسن فيما يوجب لزوم البيع الضرر ، وقد لا يكون كذلك ، كما إذا تغيّر بنقص وصف وزيادة آخر ، فالمتّجه الحكم بالخيار فيما تضمّن الضرر عرفا لا مطلقا ، مع أنّ جبر الضرر لا ينحصر بالخيار ، بل جبره بنقص ما يقابل الوصف ممكن ، والإجماع على انتفائه غير ثابت ، فتعيين الخيار لأجله غير معلوم.

يب : لو اختلفا في التغيّر وعدمه فالمشهور ـ على ما قيل (١) ـ تقديم قول المشتري مع يمينه ، فكونه منكرا في المعنى وإن كان مدّعيا في الصورة لأصالة عدم وصول حقّه إليه ، وعدم انتقال الثمن منه ، وعدم رضاه بالوصف الموجود ، وعدم اطّلاعه عليه ، والبائع يدّعي الجميع.

وتردّد فيه المحقّق ، لأصالة لزوم العقد ، وعدم التغيّر (٢).

وردّ الأول : بمنع أصالة اللزوم ، وإنّما هي إذا ثبت لزوم وشكّ في كون شي‌ء موجبا لتزلزله ، وأمّا إذا ثبت كون بيع لازما وكون بيع متزلزلا ، وشكّ في أنّ الواقع هل هو من أفراد اللازم أو المتزلزل ، فليس أحدهما موافقا للأصل ، وهذا البيع من ثبوت التغيّر متزلزل ومع عدمه مستقر ، فالشك هنا بين كون الواقع من أيّ القسمين لا في كون عدم العلم موجبا للتزلزل أم لا ، والأحكام تابعة للأسماء ، والألفاظ أسامي للأمور النفس الأمريّة ، فلا بدّ من بذل الجهد في تحصيل ما هو الواقع ، فلمّا لم يثبت وكان اللزوم مخالفا للأصول المتقدّمة فيعمل بالأصل ، وهو مع المشتري ، كما أنّه مع البائع لو انعكست الدعوى وادّعى البائع التغيّر الموجب للزيادة.

__________________

(١) انظر الحدائق ١٨ : ٤٨٢.

(٢) الشرائع ٢ : ١٨.

٣٤٤

وردّ الثاني : بأنّ أصالة عدم التغيّر تنفع لو ثبت أنّ البيع الواقع من أفراد اللازم ، فهذا الأصل يستصحب لزومه ، وأمّا مع الشكّ في كونه لازما فأصالة عدم التغيّر لا تنفع في جعله لازما ، فتكون خالية عن الفائدة.

ويرد على الردّ الأول : أنّ الألفاظ وإن كانت أسامي للواقع ولكنّها مقيّدة بالعلم أو ما يقوم مقامه في الأحكام التكليفية ، ولا شكّ أنّ لزوم البيع هو وجوب العمل بمقتضاه ، كما أنّ تزلزله عدم وجوبه ، فيكون معنى قوله : كلّ بيع لازم : أنّ كلّما علمتم كونه بيعا فاعملوا فيه بمقتضى اللزوم ، ومعنى قوله : كلّ بيع وقع على المتغيّر فهو متزلزل : أنّ كلّما علمتم تغيّره فاحكموا بتزلزله. ولا شكّ أنّ عموم الأول يشمل ما علم تغيّره ، وما علم عدم تغيّره ، وما لم يعلم فيه شي‌ء منهما ، خرج ما علم تغيّره بالثاني ، فيبقى الباقي على اللزوم بعموم أدلّته.

ولو سلّم عدم أصالة اللزوم والشكّ في كونه من أفراد اللازم أو المتزلزل ولزم بذل الجهد في تحصيل الواقع من أدلّته ، فنقول : من الأدلّة : أصالة عدم التغيّر ، وهي معيّنة للفرد اللازم ، فيجب القول به.

إلاّ أنّ في صحة أصالة عدم التغيّر مطلقا كلاما ، وهو أنّ المتبايعين إمّا متّفقان في حصول التغيّر ولكنّ البائع يدّعي حصوله وقت المشاهدة والمشتري يدّعي تأخّره ، كما إذا رأى عبدا سابقا ثمَّ اشتراه ، وكان في وجهه آثار الجدري ، وادّعى المشتري عدمها عند المشاهدة.

أو غير متّفقين ، بل يدّعي المشتري التغيّر ، والبائع ينكره ويقول : إنّه كان كذا عند وجوده في الخارج ، وهذا أيضا على قسمين :

لأنّ التغيّر المدّعى إمّا أمر زائد على قول البائع ، بمعنى : أنّ المشتري يدّعي وصفا زائدا على ما يقبله البائع ، كما إذا اشترى فرسا بعد مشاهدته‌

٣٤٥

سابقا ، وادّعى أنّه كان حين المشاهدة سريعا في مشيه وعدوه ، وتغيّر عدوه ولا يعدو حينئذ ، وقال البائع : لم يكن كذلك ، بل كان سريعا في مشيه فقط.

أو ليس بأمر زائد عليه ، بل القولان أمران متقابلان ، كأن يدّعي المشتري : أنّ العبد المبتاع كان قبل المشاهدة حسن الوجه وصار قبيحا ، وقال البائع : بل تولّد قبيحا.

فإن اتّفقا في التغيّر فالأصل مع المشتري ، لأصالة تأخّر الحادث.

وإن اختلفا في أصل التغيّر ، فإن كان من القسم الأول فالأصل مع البائع ، لأصالة عدم الزائد. وقد يمكن أن يكون الأصل في هذا القسم مع المشتري ، بأن يكون الأمر الزائد موجبا لنقص في الثمن ـ كأن تكون في العبد المبتاع سلعة (١) ، ادّعى المشتري حدوثها بعد المشاهدة ، والبائع كونها معه من بدو الوجود ـ فالأصل مع المشتري ، لأصالة عدمها.

وإن كان من القسم الثاني ، فنسبة الأصل إليهما على السواء ، بل يتعارض فيه الأصلان ولا مرجّح.

وعلى هذا ، فالعمل بأصالة عدم التغيّر مطلقا غير صحيح ، بل يكون الأصل في بعض الصور مع المشتري ، ولكون الأصل دليلا شرعيّا يحكم لأجله بالتغيّر ، فيكون كالمعلوم ويخرج البيع عن اللزوم ، وفي بعض آخر مع البائع ، وهو يكون معاضدا لأصالة لزوم البيع ، ولا يكون مع واحد منهما في بعض آخر فيعمل بمقتضى أصالة اللزوم.

وهذا هو الكلام في أصالة لزوم البيع وعدم التغير.

__________________

(١) السلعة ـ بكسر السين ـ : زيادة في الجسد ، كالغدّة ، وتتحرك إذا حرّكت ـ مجمع البحرين ٤ : ٣٤٦.

٣٤٦

وأمّا الأصول الأربعة السابقة (١) فالأولان منهما مرتفعان بلزوم البيع (٢) في كلّ صورة كان فيها الأصل لزومه.

أمّا الثاني ، فظاهر.

وأمّا الأول ، فلثبوت كون هذا الموجود حقّا له بلزوم البيع وأصالة عدم حقّ آخر له.

والثالث معارض بمثله.

وأمّا الأخير ، فإن لم يشترط صحّة البيع على الاطلاع به أو بمقابلة فتغيّره غير مضرّ ، وإن اشترط فتعارض أصالة عدم الاطلاع به عدم الاطلاع بمقابله ، وتبقى أصالة لزوم البيع بلا معارض.

هذا ، وقد يتفاوت بعض تلك الأصول إذا كان البائع مدّعي التغيّر أو المشتري في الثمن ، وبعد الإحاطة بما ذكرنا يعلم الحال في الجميع.

ثمَّ لا يخفى أنّ ما ذكر كلّه إنّما هو إذا لم يتحقّق العلم العادي بالتغيّر أو عدمه ، وإلاّ فالعمل على المعلوم ، ولا أثر للأصول المعارضة له.

يج : إذا اتّفقا على التغيّر بعد المشاهدة ، واختلفا في تقدّمه على البيع وتأخّره ، فالحقّ : تقديم مدّعي التأخّر ، لأصالة تأخّر الحادث ، إلاّ إذا لم يعلم زمان البيع أيضا ، فتتعارض أصالة التأخّر فيهما ، وتبقى أصالة لزوم البيع ، ولا تعارضها أصالة عدم الانتقال ، لكون الأول رافعا له.

يد : يظهر من المسالك عدم الخلاف في بطلان شراء ما يراد طعمه وريحه بدون المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة من غير جهة الطعم والريح (٣).

__________________

(١) في ص : ٣٤٤.

(٢) في « ق » زيادة : كما.

(٣) المسالك ١ : ١٧٥.

٣٤٧

واستشكله المحقّق الأردبيلي واحتمل البناء على الأصل والغالب مطلقا ، فلو علم أنّ الغالب في دبس بلد نوع خاصّ من الثخن وغيره ، لا حاجة إلى المشاهدة أو الوصف (١).

وهو كذلك إذا بلغت الغلبة حدّا يوجب العلم أو الظنّ أيضا ، لانتفاء الغرر عرفا ، وعدم دليل آخر على الاشتراط في هذه الأوصاف.

يه : لا شكّ في رجحان اختبار ما يراد منه الطعم أو الريح بالذوق والشمّ إذا لم يفسدا بالاختبار ، كاللبن والعسل ونحوهما ، قطعا للنزاع وتأكيدا للوضوح ، ويجوز الشراء بوصف الطعم والريح إجماعا كما في الغنية (٢) وغيره كغيره (٣) ، للأصل ، واندفاع الغرر.

وهل يجوز الشراء بدون الاختبار ذوقا وشمّا ولا وصفهما ، بل بمجرّد المشاهدة أو الوصف من غير جهة الطعم والريح من الأوصاف التي يعتبر علمها من اللون والقوام وغيرهما ممّا تختلف القيمة باختلافه؟

المشهور : نعم ، وظاهر التنقيح أنّه قول جميع المتأخّرين (٤) ، احالة على مقتضى الطبع ، فإنّه أمر مضبوط عرفا لا يتغيّر غالبا ، ومع ذلك يندفع الغرر.

ولما رواه الحلّي في سرائره والحلبي ، قالا : روي : أنّه لا يجوز بيعه بغير اختباره ، فإن بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح والمتبايعان فيه بالخيار ، فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس (٥). بحمل عدم الجواز على‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ٨ : ١٨٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٣) كالرياض ١ : ٥١٦.

(٤) التنقيح ٢ : ٢٨.

(٥) السرائر ٢ : ٣٣١ ، ولم نعثر على رواية الحلبي لها.

٣٤٨

المرجوحيّة ، والصحّة على اللزوم بقرينة إثبات الخيار.

وحكى في المهذّب والتنقيح عن القاضي والديلمي والحلبي عدم الجواز (١) ، وفي الأول عن الشيخين وابن حمزة أيضا (٢).

وعبارات أكثرهم غير صريحة في المنع ، بل بالجواز أشبه ، فإنّ القاضي والحلبي والشيخين وإن صرّحوا بعدم الصحّة (٣) ، ولكنّهم عقّبوه بالخيار مع البيع ، فإرادة اللزوم من الصحّة ممكنة وإن احتمل تجوّز في الخيار.

وظاهر الحلّي عدم الجواز إذا كان حاضرا مشاهدا ، والجواز مع الغيبة (٤).

دليل المنع : الغرر ، ورواية محمّد بن العيص : عن رجل يشتري ما يذاق ، أيذوقه قبل أن يشتريه؟ قال : « نعم ، فليذقه ولا يذوق ما لا يشتري » (٥).

وردّ : بمنع الغرر ، وضعف الخبر ، وقصوره عن إفادة الوجوب ، لورود الأمر فيه في محلّ توهّم الحظر ، فلا يفيد سوى الإباحة ، مع كونه معارضا بالرواية المتقدّمة (٦).

__________________

(١) التنقيح ٢ : ٢٨ ، المهذب البارع ٢ : ٣٥٨.

(٢) المهذب البارع ٢ : ٣٥٨.

(٣) لم نعثر عليه في المهذب وجواهر الفقه ، نعم حكاه عنه في المختلف : ٣٨٩ ، الحلبي في الكافي : ٣٥٤ ، المفيد في المقنعة : ٦٠٩ ، الطوسي في النهاية : ٤٠٤.

(٤) السرائر ٢ : ٣٣١.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٣٠ ـ ١٠٠٤ ، المحاسن : ٤٥٠ ـ ٣٦١ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٥ ح ١.

(٦) في ص : ٣٤٨.

٣٤٩

أقول : انتفاء الغرر مطلقا غير معلوم ، فإنّ من المطعومات والمشمومات المتّفقة في كثير من الأوصاف ما يختلف الطعم والرائحة فيه اختلافا موجبا لاختلاف القيمة والرغبات ، والجميع من مقتضى طبعه ، وليس فيها طعم غالب ، ففي مثله يلزم الغرر.

وأمّا ضعف خبر ابن العيص سندا فعندنا غير ضائر ، والأمر فيه وإن كان واردا في معرض توهّم الحظر ، ولكنّ الحقّ عندي إفادته الوجوب أيضا.

والرواية المتقدّمة للمعارضة غير صالحة ، لعدم تعيّن كون ذكر الخيار قرينة للتجوّز في الصحّة ، لجواز العكس ، بل هو أولى ، لإمكان إرادة الخيار في الاسترداد وفي البقاء على مقتضى البيع على وجه التراضي المحض دون البيع ، وعدم ثبوت حقيقة شرعيّة في الخيار في التخيير في إبقاء العقد وعدمه.

وعلى هذا ، فتكون الرواية دليلا آخر على المنع أيضا ، فهو أقوى ، سيّما إذا كان المبيع ممّا تختلف أفراده أو أصنافه في الطعم أو الرائحة ، كالبطّيخ والخلّ وماء الورد.

إلاّ أنّ المعلوم من الشواهد الحاليّة أن الأمر بالذوق لمعرفة الطعم ، سيّما مع ذكر الاختبار في الرواية فإنّه يكون لتحصيل المعرفة ، ومع تجويز البيع بوصف الطعم بالإجماع والأخبار المجوّزة للسلف في الطعام (١).

وعلى هذا ، فيختصّ اشتراط الذوق بما لم تحصل معرفته من جهة معرفة سائر الأوصاف عادة ، فلو حصلت لم يحتج إلى الذوق.

ويفترق ما قلنا مع المشهور في حصول المعرفة الظنّية لأجل الغلبة ،

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٨ أبواب الخيار ب ٧.

٣٥٠

فالظاهر منهم اعتبارها ، وعلى ما ذكرنا لا بدّ من العلم العادي.

يو : إذا كان ما يراد طعمه أو ريحه ممّا يفسد بالاختبار ويخرج عمّا هو عليه ـ كالجوز والبيض ـ جاز بيعه بغير اختبار بعد تعيينه بوجه آخر ، للأصل ، واختصاص الخبر بما يذاق ، وهذا ليس منه ، بل الجواز هنا أولى ممّا تقدّم ، لاستلزام المنع منه العسر والحرج.

ويدلّ عليه أيضا : أنّا نعلم قطعا من الصدر الأول إلى هذا الزمان تحقّق شراء مثل الجوز والبطّيخ والبيض من غير الاختبار في جميع الأمصار ، حتى من العلماء ، بل الأئمّة فعلا أو تقريرا ، فهو يكون إجماعا.

نعم ، وقع الخلاف في جوازه مطلقا كما هو الأشهر ، أو مع اشتراط الصحّة كما عن بعض (١) ، أو البراءة من العيب كما عن آخر (٢) ، أو أحدهما كما عن جماعة (٣). والأول أقوى ، للأصل ، وعموم الأدلّة.

واحتمال العيب فيلزم الغرر مدفوع بأنّ احتمال الخروج عن أصل الطبيعة ليس غررا ، لأصالة بقائه ، وعدم كون هذا الاحتمال ملتفتا إليه في العرف ما لم يكن له شاهد.

نعم ، لو كان طعمه بحسب أصل الطبيعة مختلفا اختلافا موجبا لتفاوت القيمة اتّجه القول بالاختبار ، للزوم الغرر.

يز : لا يجوز بيع سمك الآجام ولبن الضرع والحمل وأمثالها بدون ضميمة ، للغرر ، وعليه الإجماع في الروضة (٤) ، وقيل : لا خلاف فيه (٥).

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ١٩ والعلاّمة في القواعد : ١٢٦.

(٢) ابن حمزة في الوسيلة : ٢٤٧.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٤٠٤ وانظر المختلف : ٣٨٩.

(٤) الروضة ٣ : ٢٨٢.

(٥) كما في الرياض ١ : ٥١٦.

٣٥١

وقد يقال باحتمال الجواز لو حصل الظنّ بحصول ما يقابل الثمن ، لانتفاء الغرر.

ويدفعه الإجماع المحقّق والمنقول في كلام جماعة ، منهم الفاضل في التذكرة (١) ، مضافا إلى إطلاق النهي عن شراء اللبن في الضرع بدون الضميمة في موثّقة سماعة الآتية (٢) ، ونهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الملاقيح ـ وهو ما في بطون الأمّهات ـ والمضامين ـ وهو ما في أصلاب الفحول (٣) ـ رواه جماعة من الفريقين ، وانجبر ضعفه بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع.

وأمّا مع الضميمة المعلومة ففيه أقوال :

الجواز مطلقا ، ذهب إليه الشيخ في النهاية (٤) وجماعة (٥) ، بل عليه في الأول الإجماع في الغنية (٦) ، واختاره بعض المتأخّرين ظاهرا (٧) ، ونفى في الكفاية البعد عن الأول ، واستحسن الثاني ، واستوجه الثالث (٨).

وعدمه كذلك ، نسب إلى الأشهر (٩).

والتفصيل بالجواز مع كون المقصود بالذات هو الضميمة والمجهول‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٨.

(٢) في ص : ٣٥٣.

(٣) معاني الأخبار : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٢ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٠ ح ٢ ، وانظر الموطأ ٢ : ٦٥٤ ـ ٦٣.

(٤) النهاية : ٤٠٠.

(٥) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٢٤٦ ، ونقله عن ابن البراج في المختلف : ٣٨٧.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦.

(٧) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٨٦ ، الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٥٦ ، صاحب الحدائق ١٨ : ٤٩٢.

(٨) الكفاية : ٩١.

(٩) كما في الرياض ١ : ٥١٧.

٣٥٢

تابعا ، والبطلان مع العكس والتساوي ، وإليه ذهب أكثر المتأخّرين (١).

الحقّ هو : الأول ، أمّا في الأول فلرواية أبي بصير : في شراء الأجمة وليس فيها قصب ، إنّما هي ماء ، قال : « يصيد كفّا من سمك فيقول : أشتري منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا وكذا » (٢).

ورواية البزنطي : « إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج شي‌ء من السمك فيباع وما في الأجمة » (٣).

وأمّا في الثاني فلموثّقة سماعة : عن اللبن يشترى وهو في الضرع ، قال : « لا ، إلاّ أن يحلب لك سكرجة (٤) فيقول : أشتري منك هذا اللبن الذي في السكرجة وما بقي في ضروعها بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع شي‌ء كان ما في السكرجة » (٥).

وأمّا في الثالث فلرواية الكرخي : ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما؟ فقال : « لا بأس بذلك ، إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف » (٦).

__________________

(١) منهم العلاّمة في المختلف : ٣٨٧ ، ابن فهد في المقتصر : ١٦٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٧٦.

(٢) التهذيب ٧ : ١٢٦ ـ ٥٥١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٢ ح ٦ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٤ ـ ١١ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ـ ٥٤٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٤ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٢ ح ٢.

(٤) السكرجة : إناء صغير يؤكل فيه الشي‌ء القليل من الأدم ـ مجمع البحرين ٢ : ٣١٠.

(٥) الكافي ٥ : ١٩٤ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ١٤١ ـ ٦٢٠ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ ـ ٥٣٨ ، الاستبصار ٣ : ١٠٤ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٩ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٨ ح ٢ ، بتفاوت.

(٦) الكافي ٥ : ١٩٤ ـ ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ ـ ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ٤٥ ـ ١٩٦ و ١٢٣ ـ ٥٣٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٥١ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٠ ح ١.

٣٥٣

وتضعيف الأخبار بالإرسال أو الإضمار أو جهالة الراوي عندنا ضعيف.

احتجّ المانع بأنّ الجهالة موجبة للغرر المنهيّ عنه ، وتعيين البعض غير مفيد ، لأنّ ما بعضه مجهول كلّه مجهول.

والجواب : أنّ فساد بيع الغرر لعموم النهي ، وتخصيصه بالأخصّ لازم ، ولو سلّم العموم من وجه بين ما دلّ على حرمة بيع الغرر وهذه الأخبار ـ كما قيل ـ فلو رجّحنا تلك الأخبار بمخالفة العامّة وموافقة عموم الكتاب فهو ، وإلاّ فيتكافآن ويرجع إلى عمومات البيع.

استدلّ المفصّل بأنّ مع عدم كون المجهول مقصودا بالذات فإمّا لا يكون مبيعا ـ بل يكون تابعا له ـ أو لا يكون في شرائه غرر.

وذلك لأنّ دخول شي‌ء في المبيع مع عدم القصد إليه بالذات : تارة يكون بأن لا يكون مقصودا ولا مستشعرا به أصلا ، كحجر في جوف أرض ابتاعها ، وكلأ واقع في شاطئ النهر الواقع في ضيعة اشتراها.

واخرى بأن يكون مقصودا بالبيع ولكن لم يكن مقصودا ذاتيّا ، كمن أراد شراء دار قيمتها ألف دينار ، فشراها مع السمك الذي في حوض بألف دينار ودرهم.

وفي الأول ليس المجهول مبيعا حقيقة وإن كان تابعا له شرعا ، فلا تضرّ جهالته.

وفي الثاني وإن كان مبيعا ولكنّه لا يعدّ غررا عرفا ، فيكون البيع صحيحا ، بخلاف ما إذا كان مقصودا بالذات ، فإنّه يوجب الغرر.

والجواب : أنّه وإن أوجبه ولكنّ الرواية خصّصته ، فلا حرج في هذا الغرر ، كما في العبد الآبق مع الضميمة.

على أنّه قد يتحقّق الغرر في القسم الثاني أيضا ، كما إذا كان ما يقابل‌

٣٥٤

المجهول الغير المقصود بالذات من الثمن كثيرا ، كمن اشترى الدار التي قيمتها مائة دينار ويحتاج إليها مع سمك في أجمة لا يبيعها المالك إلاّ معه بمائتي دينار.

هذا ، وتنزيل الروايات (١) على التفصيل لا شاهد عليه ، مع أنّه في الروايتين الأوليين غير ممكن.

ثمَّ إنّ جواز بيع المجهول مع الضميمة هل عامّ في كلّ مجهول ، أو يختصّ بما ذكر؟

رجّح بعض المتأخّرين العموم ، ونسبه إلى الشيخ (٢).

وظاهر بعضهم الاختصاص بما ورد فيه النصّ ـ كما ذكر ـ والثمار.

وهو الأظهر ، اقتصارا على موضع النصّ في ارتكاب الغرر.

نعم ، لو كان المقصود بالبيع هو الضميمة ، وكان المجهول تابعا في البيع من غير قصد إليه ـ بأن يكون المبيع هو الضميمة وإن تبعه المجهول شرعا أو عرفا ـ فلا شكّ في العموم ، إذ لا غرر في البيع.

ولو كانا مقصودين بالبيع ولكن كان المقصود بالذات هو الضميمة ، وكان شراء المجهول أو بيعه مقصودا بالعرض ، يجب البناء على قاعدة الغرر ، كما أشير إليه.

وقد يستدلّ على العموم بروايتي الهاشمي.

إحداهما : في الرجل يتقبّل بجزية رؤوس الجبال وخراج النخل والآجام والطير ، وهو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شي‌ء أبدا ، أو يكون ،

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٣٥٣.

(٢) انظر مجمع الفائدة ٨ : ١٨٥ و ١٨٦.

٣٥٥

قال : « إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنّه قد أدرك ، اشتراه وتقبّل به » (١) ، وزاد في الأخرى : والشجر والمصائد والسمك (٢).

وفيه : أنّ إرجاع الضمير في : « اشتراه » إلى ما أدرك ممكن ، فلا يدلّ على المطلوب.

وهل يجب أن تكون الضميمة ما في النصّ من بعض السمك في الأول وما يحلب منه في الثاني والأصواف في الثالث ، أو تصحّ كلّ ضميمة؟

مقتضى الأصل : الأول ، إلاّ أنّ ظاهر الجماعة : الثاني (٣) ، بل الظاهر عدم القول بالفصل ، وفي التذكرة الإجماع على جواز بيع الحمل مع امّه ، آدميّا كان أو غيره (٤).

يح : يصحّ بيع القصب في الأجمة والصوف والوبر والشعر على الأظهر إذا كانت مشاهدة وإن كانت الثلاثة الأخيرة موزونا في الجملة ، لاختصاص الوزن فيها بما بعد الجزّ عرفا دون ما إذا كانت على الظهر. وفاقا للمفيد والحلّي والفاضل في التذكرة (٥) وأكثر المتأخّرين (٦) ، للأصل ، وفقد المانع.

وخلافا لجماعة ، منهم : الشيخ والحلبي والقاضي (٧) ، وفي التذكرة :

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٥ ـ ١٢ ، الفقيه ٣ : ١٤١ ـ ٦٢١ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ـ ٥٤٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٢ ح ٤ ، بتفاوت.

(٢) الفقيه ٣ : ١٤١ ـ ٦٢١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب عقد البيع ب ١٢ ذ. ح ٤.

(٣) منهم العلاّمة في الإرشاد ١ : ٣٦٢ وصاحب الرياض ١ : ٥١٦.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٨.

(٥) المفيد في المقنعة : ٦٠٩ ، الحلي في السرائر ٢ : ٣٢٢ ، التذكرة ١ : ٤٦٨.

(٦) منهم فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٤٢٢ ، وانظر مجمع الفائدة ٨ : ١٨٨.

(٧) الشيخ في المبسوط ٢ : ١٥٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٦ ، نقله عن القاضي في المختلف : ٣٨٦.

٣٥٦

أنّه الأشهر (١) ، لما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه نهى أن يباع صوف على ظهر (٢) ، نقله في التذكرة.

والرواية عاميّة مرسلة ، والشهرة الجابرة لها غير معلومة.

وقيّد الشهيد الجواز بشرط الجزّ أو كونها بالغة أوانه (٣).

ولا وجه له ، لأنّ ذلك لا مدخل له في الصحّة ، بل غايته مع تأخّره الامتزاج بمال البائع ، وهو لا يقتضي بطلان البيع ، كما لو امتزجت لقطة الخضر بغيرها ، فيرجع إلى الصلح.

ولو شرط تأخيرها عن وقت البيع مدّة معلومة وتبعيّة المتجدّد لها بني على الغرر ، فإن أوجبه بطل ، وإلاّ صحّ.

يط : قال في المسالك بعدم جواز بيع الجلد على الظهر منفردا (٤) ، وتأمّل فيه في الكفاية (٥) ، واستدلّ في التذكرة للمنع عن بيع الرأس والجلد بالجهالة (٦).

وهو حسن ، لاختلاف الجلود في الثخانة والرقّة ، ولأنّ باطنها غير مشاهد ، وقد يختلف بما تختلف به القيمة.

ك : إذا باع شيئا مكيلا أو موزونا بظرفه كالزيت في الزقاق (٧) والسمن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٨.

(٢) سنن الدارقطني ٣ : ١٤ ـ ٤٠.

(٣) الدروس ٣ : ١٩٦.

(٤) المسالك ١ : ١٧٦.

(٥) الكفاية : ٩١.

(٦) التذكرة ١ : ٤٧١.

(٧) الزّقّ : السقاء ، أو جلد يجزّ ولا ينتف للشراب أو غيره ، وجمعه : زقاق وزقّان ـ مجمع البحرين ٥ : ١٧٧.

٣٥٧

في الجلد معهما كلّ رطل بدرهم ، فان عرف قدر كلّ منهما تفصيلا صحّ ، لعدم المانع ، ورضاء المشتري أن يشتري الظرف كلّ رطل بكذا.

وإن لم يعرف قدر كلّ منهما ولا المجموع بطل ، لعدم العلم بالقدر.

وإن عرف وزن المجموع دون كلّ واحد فجوّزه في التذكرة والمسالك (١).

والوجه : المنع ، لا للغرر ، بل لعدم تحقّق ما يشترط في بيع المكيل والموزون من الكيل والوزن ، إذ المتبادر من اشتراطهما والأمر بهما معرفة قدر المكيل والموزون بخصوصه لا مع غيره ، فلو وزن حنطة مع بطّيخ وكانا عشرة أرطال ولم يعلم وزن البطّيخ لم يصدق وزن الحنطة ، إذ المراد بزنته ليس محض المقابلة مع شي‌ء ، بل هي مع معرفة مقداره بخصوصه ، كما يشهد به العرف. ولا يفيد كون المقصود بالذات بيع المظروف ، لأنّه لو أفاد إنّما يفيد في دفع الغرر والجهالة دون الكيل والوزن.

نعم ، لا يبعد الاكتفاء بوزن المجموع إذا صار وزنهما معا معتادا ، بحيث يكون الظرف والمظروف معا في العرف شيئا موزونا على حدة غير المظروف منفردا. والأحوط وزن المظروف حينئذ أيضا.

وفي حكم الظرف كلّ ما يجتمع مع المبيع في الكيل والوزن من غير جنسه ولو كان مكيلا أو موزونا وكانا متّفقين قيمة ، فلو وزن الإبريسم والغزل معا من غير معرفة التفصيل لم يصحّ البيع ، لعدم صدق وزن الإبريسم مع كونه موزونا. إلاّ أن يكون في غاية القلّة ، بحيث يتسامح به عادة في الكيل والوزن ، كالتراب القليل في الحنطة ، أو حصلت من جمعهما حقيقة ثالثة مركّبة منهما ، كالسكنجبين وسائر ما يتركّب من الموزونات.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧١ ، المسالك ١ : ١٧٦.

٣٥٨

ولو تعارف وزنهما معا ، بأن يكونا في العرف معا موزونا على حدة وإن لم يحصل التركيب الحقيقي ، فلا يبعد الاكتفاء بزنة المجموع ، كما مرّ في الظرف.

والتوضيح : أنّه كما قد يخرج الموزون عن كونه موزونا بتغيّر خاصّ فيه كبعض النبات ، يمكن أن يخرج عن كونه موزونا منفردا بضمّ شي‌ء آخر معه ، فحينئذ يكفي وزن المجموع ، وإن كان الأحوط وزن كلّ منهما إذا كانا موزونين ، سيّما إذا تعارف الأمران ، أي وزن كلّ منهما ووزنهما معا.

كا : لو باعه في ظرفه لا معه ووزنه معه ـ بأن يزن الظرف بعده وأسقطه بحسابه ـ جاز قطعا.

ولو باعه كذلك ولكن لم يزن الظرف ، بل يسقط شيئا بإزائه ، فإن كان ممّا علم زيادته عن المسقط أو نقصه فلا يجوز الإسقاط إلاّ مع التراضي ، أي بالإسقاط. والوجه ظاهر ، وتدلّ عليه الروايتان الآتيتان.

وإن لم يعلم ذلك ، بل كان بالتخمين ، واحتمل الزيادة والنقصان ، فهو جائز ، لموثّقة حنّان : إنّا نشتري الزيت في زقاقه ، فيحسب لنا النقصان فيه لمكان الزقاق ، فقال له : « إن كان يزيد وينقص فلا بأس ، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه » (١).

وأمّا رواية علي بن أبي حمزة : يطرح ظروف السمن والزيت لكلّ ظرف كذا وكذا رطلا ، فربّما زاد وربما نقص ، فقال : « إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس » (٢) ـ حيث دلّت بالمفهوم على عدم الجواز بدون‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٣ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ١٢٨ ـ ٥٥٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٧ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٠ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٧ : ١٢٨ ـ ٥٥٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٦ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٠ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٣٥٩

التراضي ـ فإرادة التراضي بأصل البيع فيها ممكنة ، بل يمكن أن يكون المراد بقوله : ربما زاد وربما نقص : السؤال عن الزيادة والنقيصة المعلومتين دون المحتملتين ، بل الأول مقتضى حقيقة اللفظ ، ولا كلام في اشتراط التراضي حينئذ كما مرّ.

فإن قيل : ما وجه تقييد الجواز بالتراضي في صورة العلم بالزيادة أو النقصان دون صورة الاحتمال ، مع أنّ فيها أيضا لا يتمّ الأمر بدون التراضي ، سواء أريد التراضي قبل المبايعة أو بعدها؟! قلنا : المراد بالتراضي هنا مقابل البيع ، والمعنى : أنّه لا يجوز أخذ المشتري الزيادة المعلومة في المظروف ولا البائع الزيادة المعلومة في الثمن بعنوان المبايعة ، وإنّما يجوز الأخذ بعنوان المراضاة ، بخلاف المحتملة ، فإنّ أخذه بالمبايعة جائز.

والتوضيح : أنّه إذا وزن سمن مع جلوده فكان مائة رطل ، فباع كلّ رطل منه بدرهم ، وعلم أنّ الجلد ثمانية أرطال ، فلو أسقط خمسة بإزائه كان المبتاع خمسة وتسعين رطلا من السمن ، وكان ما بيده اثنين وتسعين ، فيكون بعض الثمن ـ الذي هو ثلاثة دراهم ـ لا يكون بإزائه المثمن ، أمّا لو أعطاه الثلاثة دراهم بعنوان التراضي ـ لا بعنوان بيع كلّ رطل من السمن بدرهم ـ يكون جائزا.

وكذا إذا أسقط في المثال بإزاء الجلد عشرة أرطال ، فيبقى السمن المبتاع تسعون رطلا مع أنّه يزيد برطلين ، فيبقى الرطلان عنده بلا ثمن ، فلا يكون مبيعا. وأمّا لو أعطى المالك الرطلين بعنوان المراضاة والإباحة فيكون جائزا.

وكذا إذا كان البيع قبل الوزن ، كأن يبيعه تسعين رطلا من السمن ،

٣٦٠