مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

في المسالك في بيان حكم ما لو وقف على مصلحة فبطل رسمها (١).

وعلى هذا ، فتبقى العين بعد بطلان منفعتها رأسا على ملك مالكها الأول ، فإن كان حيّا يجوز له بيعها وصرف ثمنها في حوائجه ، وإلاّ فتنتقل إلى وارثه حين انتفاء المنفعة ، فإن كانوا معلومين لهم بيعها كذلك ، وإلاّ فيلحقها حكم مجهول المالك.

ويشترط في جواز بيعه كذلك : عدم رجاء عود المنفعة بوجه من الوجوه ، فلو علم عود نفعه لا يجوز ، إذ لا تشترط ـ في تسبيل المنفعة ـ الفعليّة ، بل تكفي اللاحقة.

وكذا لو احتمل ، لإمكان تسبيل المنفعة المحتملة بمعنى أنّها مسبّلة لو حصلت ، ولذا يصحّ وقف الأشجار المثمرة للمارّة في بدو الغرس مع إمكان عدم بقائها إلى زمان حمل الثمر.

ولو توقّف عود منفعته إلى نفقة لا يرجى عودها بدونها لم يجز بيعه ، لأنّ الانتفاع به بعد الإنفاق أيضا منفعة فعليّة ، فتكون مسبّلة ، فلا يجوز بيع الدار التي كانت وقفا إذا خربت ، والقنوة إذا هدمت ، والقدر الوقف إذا انكسر ، وأمثال ذلك.

ومن هذا يظهر أنّ أخبار وقوف الأئمّة المقيّدة بقوله : « لا يباع » (٢) وفي بعضها : « لا ردّ فيه أبدا حتى يرث الله الأرض » (٣) لا تنافي جواز البيع فيما ذكرنا ، لأنّها فيما لا يمكن فيه بطلان المنفعة بحيث لا يرجى عودها ولو بعد العمارة ، مع أنّها واردة في أعيان مخصوصة ووقوف خاصّة ، ونحن‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٥١.

(٢) كما في صحيحة الحذّاء ورواية ربعي المتقدمتين في ص : ٣٠٨.

(٣) كما في صحيحة البجلي المتقدمة في ٣٠٨.

٣٢١

لا ننكر عدم جواز بيع وقف بطلت منفعته رأسا إذا علم تصريح الواقف بذلك في ضمن عقد الوقف ، لأنّه على ما ذكرنا يكون ملكا له ، فله اشتراط ما يريد فيه من الشروط المجوّزة.

وفي حكم بطلان المنفعة رأسا بطلان المنفعة التي سبّلها بخصوصها وإن بقيت في العين منافع اخرى يمكن استيفاؤها مع بقاء العين ، والوجه ظاهر ممّا مرّ.

وقد يجوز بيع الوقف على مصلحة إذا بطل رسمها ، وتحقيقه يطلب من بحث الوقف.

وأمّا الرهن فلا يجوز للمالك بيعه إلاّ بإذن المرتهن ، ولا للمرتهن إلاّ بإذن الراهن ، أو الحاكم لو لم يمكن إذن الراهن ، أو من باب المقاصّة لو لم يبنه أحدهما ، وقال المحقّق الأردبيلي بجواز بيع الراهن مطلقا للاقتضاء (١).

ويجي‌ء تفصيل الكلام فيه في موضعه.

وأمّا أمّ الولد ، فعدم جواز بيعها إجماعي إلاّ فيما استثني ، ويذكر في مواضعه.

ومنها : القدرة على تسليم كلّ من العوضين بلا خلاف ، بل بالإجماع ، كما هو المحقّق ، والمحكيّ في الغنية والتذكرة (٢) ، وهو الحجّة ، مضافا إلى أنّه بيع غرر وقد نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر ، كما رواه الفريقان (٣) ، والمراد به : بيع موجب لحصول المال في معرض التلف.

__________________

(١) انظر مجمع الفائدة ٩ : ١٦٤.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٥ ، التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٣) عوالي اللئالي ٢ : ٢٤٨ ـ ١٧ ، عيون أخبار الرضا «ع» ٢ : ٤٥ ـ ١٦٨ ، وقد رواه أحمد في مسنده ٢ : ١٤٤ و ٣٧٦.

٣٢٢

وضابط الغرر ـ كما يستفاد من كلام اللغويين (١) والفقهاء ، وصرّح به الشهيد في شرح الإرشاد ـ احتمال. مجتنب عنه عرفا لو تركه بحاله وبّخ عليه واستحقّ اللوم في العرف.

وفي صحيحة البجلي : « لا بأس ببيع كلّ متاع كان تجده في الوقت الذي بعته فيه » (٢).

قال صاحب الوافي : تجده ، أي تقدر عليه (٣).

دلالتها وإن كانت بمفهوم الوصف ـ وهو ليس بحجّة عندنا ـ إلاّ أنّها صالحة للتأييد.

والاستدلال بما دلّ على النهي عن بيع ما ليس عندك (٤) كان حسنا لو لا معارضته مع ما دلّ على جوازه.

فلو باع الحمام الطائر ، أو غيره من الطيور المملوكة ، لم يصحّ ، إلاّ أن تقضي العادة بعوده فيصحّ وفاقا لجماعة (٥) ، لعموم الأدلّة ، وانتفاء المانع من الإجماع ، للخلاف مع شهرة الجواز ، والغرر ، لانتفائه عرفا بتنزيل اعتبار العود فيه منزلة التحقّق.

خلافا للفاضل في النهاية (٦) ، فاحتمل بطلانه.

وكذا لا يصحّ بيع الآبق إجماعا ، وتدلّ عليه صحيحة رفاعة : أيصلح‌

__________________

(١) انظر الصحاح ٢ : ٧٦٨ ، مجمع البحرين ٣ : ٤٢٣ ، لسان العرب ٥ : ١٤.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٠ ـ ٤ ، الوسائل ١٨ : ٤٧ أبواب أحكام العقود ب ٧ ح ٣.

(٣) الوافي ١٨ : ٦٩٩.

(٤) الوسائل ١٨ : ٣٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١.

(٥) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ١٧ والكركي في جامع المقاصد ٤ : ٩٢ وقوّاه الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٧٤ والكاشاني في المفاتيح ٣ : ٥٨.

(٦) نهاية الإحكام ٢ : ٤٨١.

٣٢٣

لي أن اشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطهم الثمن فأطلبها أنا؟ قال : « لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا ، فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا ، فإنّ ذلك جائز » (١).

وموثّقة سماعة : في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله ، قال : « لا يصلح إلاّ أن يشتري معه شيئا آخر ويقول : أشتري منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه » (٢).

وصريح الروايتين جواز بيع الآبق مع الضميمة ، وهو كذلك ، لذلك ، وعليه الإجماع في الانتصار والغنية والتنقيح (٣). فلو وجد الآبق ، وإلاّ كان الثمن بإزاء الضميمة طرّا ، كما يستفاد من الموثّق ، وعليه الأصحاب من غير خلاف يعرف.

ويشترط في الضميمة ما يشترط في غيرها من كونها ممّا يصحّ بيعه منفردا بالإجماع ، كما يشترط في الآبق أيضا سائر الشرائط غير القدرة على التسليم من كونه معلوما موجودا عند العقد ، لعموم الأدلّة ، فلو ظهر كونه حين العقد تالفا ، أو لغير البائع ، أو مخالفا للوصف ، بطل البيع فيما يقابله من الثمن في الأول ، وتخيّر المشتري في الثانيين إن لم يجز مالكه في الثاني على صحّة الفضولي.

ولا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه ، كالبعير الشارد والفرس الغائر والمملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق وغيرها ، على الأشهر الأقوى ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٤ ـ ٩ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ـ ٥٤١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١١ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٩ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ ـ ٦٢٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ـ ٥٤٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١١ ح ٢.

(٣) الانتصار : ٢٠٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، التنقيح ٢ : ٣٥.

٣٢٤

اقتصارا فيما خالف أصالة عدم جواز بيع الغرر على المنصوص ، فلا يجوز بيعه منفردا ولا منضمّا ، إلاّ أن تكون الضميمة مقصودة بالذات ، كما يأتي.

وهل يجوز بيع غير المقدور على التسليم مطلقا كما قيل؟.

أو خصوص البعير الشارد والفرس الغائر كما في المسالك (١)؟.

أو الضالّ والمجحود كما في اللمعة (٢) ، منفردا أو منضمّا مراعى بالتسليم ، أي مع شرط الخيار لو لم يقدر على التسليم ، أم لا؟.

الظاهر في الآبق هو : الثاني ، لعموم الروايتين ، فإن ثبت عدم القول بالفصل يثبت الحكم في غيره أيضا ، وإلاّ ـ كما هو الواقع ـ فيصحّ في غيره إذا أمكن القدرة عادة ، لعموم الأدلّة ، وعدم المانع لانتفاء الغرر حينئذ ، وعدم ثبوت الإجماع في غير البيع اللازم.

وهل يلحق ما يتعذّر تسليمه إلاّ بعد مدّة معتدّ بها عرفا بالمقدور مطلقا ، أم لا؟.

الظاهر : الثاني ، لانتفاء المانع من الإجماع ، لأنّ المشهور الجواز ، والغرر ، لأنّه على ما مرّ كون أحد العوضين في معرض التلف والخطر ، وليس كذلك هنا ، للعلم بالقدرة على التسليم بعد مدّة.

نعم ، لو لم يعلم المشتري بالحال كان له الخيار دفعا للضرر.

وعلى التقديرين ، لو لم يتعيّن وقت الإمكان واحتمل طول الزمان بقدر لا يرضى به المشتري لو علمه ، اتّجه الفساد ، لصدق الغرر.

وفي لحوق ما إذا قدر المشتري على تحصيله دون البائع بغير‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٧٤.

(٢) اللمعة ( الروضة ٣ ) : ٢٥١.

٣٢٥

المقدور مطلقا قولان ، المصرّح به في كلام بعضهم : الثاني (١) ، فيصحّ البيع ، وربما ظهر من الانتصار أنّه ممّا انفردت به الإماميّة (٢) ، وهو كذلك ، لما مرّ من عموم الأدلّة ، وانتفاء الموانع من الإجماع أو الغرر.

خلافا للشيخ (٣) ، بل الشيخين كما في [ المختلف ] (٤) بل حكاه عن القاضي والحلبي والديلمي وابن حمزة (٥) ، لإطلاق الروايتين (٦).

وفيه نظر ، لظهورهما ـ سيّما الموثّق ـ في عدم القدرة مطلقا ، مع أنّهما مختصّان بالآبق ، فالتعدّي غير لائق.

ومنها : معلوميّة كلّ من العوضين ، فلا يصحّ بيع المجهول والمبهم ، ولا بالمجهول والمبهم.

وتحقيق المقام : أنّ جهل أحدهما وإبهامه إمّا يكون بحسب الواقع ـ بمعنى : أن لا يكون أمرا متعيّنا متميّزا في الواقع أيضا ، كأحد الشيئين أو الأشياء ـ أو يكون بحسب الظاهر فقط ، أي يكون مبهما عند أحد المتبايعين أو كليهما.

وعلى التقديرين : إمّا يكون الجهل والإبهام في القدر ، أو الجنس ، أو الوصف.

__________________

(١) كما صرّح به صاحب الحدائق ١٨ : ٤٣٤.

(٢) الانتصار : ٢٠٩.

(٣) الخلاف ٣ : ١٦٨.

(٤) في « ح » و « ق » : المهذّب ، والظاهر ما أثبتناه.

(٥) حكاه عنهم في المختلف : ٣٧٩.

(٦) الاولى في : الكافي ٥ : ١٩٤ ـ ٩ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ـ ٥٤١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١١ ح ١.

الثانية في : الكافي ٥ : ٢٠٩ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ ـ ٦٢٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ـ ٥٤٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١١ ح ٢.

٣٢٦

وعلى التقادير : إمّا يكون الجهل موجبا للغرر ، أم لا.

فإن كان الجهل موجبا للغرر فبطلان البيع به محلّ الإجماع ، ويدلّ عليه ما مرّ من الرواية المتّفق عليها بين الفريقين (١).

وكذا إن كان بحسب الواقع ، لأنّ البيع إنّما هو لإثبات ملكيّة المشتري في المبيع والبائع في الثمن ، والملكيّة لكونها صفة وجوديّة معيّنة لا بد لها من موضع معيّن ، لامتناع قيام المعيّن بغير المعيّن ، ولأنّ غير المعيّن لا وجود له لا خارجا ولا ذهنا ولا واقعيّة له ، وقيام الصفة الوجوديّة بمثل ذلك محال.

وإن كان بحسب الظاهر ولم يكن هناك غرر أصلا ، فإن كان بحسب الكمّ والقدر وهو موجب لبطلان البيع مطلقا أيضا إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا ، فلا يجوز بيعه إلاّ بما يقدّر به ، فيشترط كيل المكيل ووزن الموزون وعدّ المعدود ، ولو باعه جزافا بطل.

خلافا للمنقول عن المبسوط مطلقا (٢) ، وعن السيّد في مال السلم خاصّة (٣) ، وعن الإسكافي (٤) فيما إذا كان المبيع صبرة مشاهدة ، وكذا الثمن مع اختلافهما جنسا ليسلم عن الربا ، وربّما يظهر التردّد من بعض المتأخّرين (٥).

لنا ـ بعد الإجماع المحقّق والمحكيّ في التذكرة (٦) على بطلان ما‌

__________________

(١) عوالي اللئالي ٢ : ٢٤٨ ـ ١٧. راجع ص : ٣٢٢.

(٢) نقله عنه في الدروس ٣ : ١٩٥ ، انظر المبسوط ٢ : ١٥٢.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٧.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٣٨٦.

(٥) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٧٦.

(٦) التذكرة ١ : ٤٦٧.

٣٢٧

يوجب منه الغرر ـ : ما مرّ.

وعلى بطلانه مطلقا : رواية محمد بن حمران : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اشترينا طعاما ، فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه وأخذناه بكيله ، فقال : « لا بأس » ، فقلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ فقال : « لا ، أمّا أنت فلا تبعه حتى تكيله » (١).

وتخصيص السؤال ببيعه كما اشتراه ـ فيمكن أن يكون المراد بالوزن الذي اشتراه ، فيخرج عن محلّ الكلام ، لأنّه إنّما هو في البيع جزافا ـ لا يضرّ ، لأنّ العبرة بعموم قوله : « فلا تبعه حتى تكيله ».

وما رواه الفاضل في التذكرة : من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الطعام مجازفة (٢).

وفي السرائر : روي النهي عن الجزاف (٣) ، من غير تقييد بالطعام.

وفي مجمع البحرين قوله عليه‌السلام : « لا تشتر لي شيئا من مجازف » (٤).

وضعفها سندا ـ كاختصاص بعضها بالطعام ـ غير ضائر ، لانجبار الأول بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع ، والثاني بالإجماع المركّب.

وصحيحة الحلبي : في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم ، ثمَّ إنّ صاحبه قال للمشتري : ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل ، فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته ، قال : « لا يصلح إلاّ أن يكيل » ، وقال :

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧ ـ ١٥٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٤.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٩.

(٣) السرائر ٢ : ٣٢٢.

(٤) مجمع البحرين ٥ : ٣٢.

٣٢٨

« ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فإنّه لا يصلح مجازفة ، هذا ممّا يكره من بيع الطعام » (١).

والإيراد ـ بعدم ظهور نفي الصلاح في الفساد ـ باطل ، لأنّ نفي الصلاح : الفساد ، صرّح به اللغويون ، وبيّنّاه مستوفى في كتاب العوائد.

نعم ، لا يتمّ الاستدلال بجزئها الأخير ، وهو قوله : « ما كان من طعام » إلى آخره ، لجواز أن يراد ممّا سمّي فيه الكيل ما بيع بوزن معيّن.

وقد يستدلّ أيضا بمرسلة ابن بكير : عن رجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه ويأخذ البقيّة بغير كيل ، فقال : إمّا أن تأخذه كلّه بتصديقه ، وإمّا أن تكيله كلّه » (٢).

وموثّقة سماعة : عن شراء الطعام ممّا يكال أو يوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟ فقال : « أما إن تأتي رجلا في طعام قد كيل أو وزن فتشتري منه مرابحة فلا بأس إن أنت اشتريته ولم تكله أو تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن فقلت عند البيع : إنّي أربحك كذا وكذا وقد رضيت بكيلك ووزنك فلا بأس به » (٣) ، دلّت بالمفهوم على البأس ـ الظاهر في التحريم ـ فيما إذا لم يكله المشتري الأول ولم يزنه.

وبالأخبار الناهية عن صاع غير صاع المصر (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٩ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ١٣١ ـ ٥٧٠ ، التهذيب ٧ : ٣٦ ـ ١٤٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٢ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٤ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٥ ـ ١٣ ، التهذيب ٧ : ١٢٥ ـ ٥٤٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٤ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٨ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ٣٧ ـ ١٥٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٧ ، بتفاوت يسير.

(٤) الوسائل ١٧ : ٣٤٧ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٦.

٣٢٩

وبما ورد من الأمر بكيل الطعام ، معلّلا بأنّه أعظم للبركة (١).

وفي الكلّ نظر :

أمّا في الأول ، فلكونه إخبارا في مقام الإنشاء ، ودلالته على الوجوب غير ظاهرة.

وأمّا في الثاني ، فلأنّ مفهومه إثبات البأس مع عدم كيل المشتري الأول إذا اشتراه الثاني مرابحة ، ولا يدلّ على منع بيع التولية ، فلا يثبت اشتراط الكيل والوزن مطلقا ، بل ذلك حكم مخصوص ببيع ما اشترى مرابحة ، كما فصّل في الأخبار المتكثّرة (٢) ، فحرّم في المرابحة وجوّز في التولية.

وبذلك يظهر النظر في الاستدلال بالأخبار الدالّة على المنع عن بيع ما لم يقبض قبل الكيل والوزن (٣).

وأمّا في الثالث ، فلعدم الملازمة بين عدم جواز البيع بصاع غير صاع المصر وبين عدم جواز البيع بغير صاع مطلقا.

وأمّا في الرابع ، فلعدم دلالته على رجحان الكيل حين البيع ، بل يستفاد منه أنّ كيل الطعام موجب للبركة ، وظاهره ـ كما في بعض رواياته (٤) ـ أنّه عند أخذه للحاجة يرجّح كيله.

وبما ذكر وإن ظهر قصور تلك الأدلّة عن صلاحيّة الاحتجاج ، ولكن لا ريب في كونها مؤيّدة لما ذكرناه حجة جدّا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٠ ـ ٥ ، الفقيه ٣ : ١٢٣ ـ ٥٣٦ ، التهذيب ٧ : ١١٠ ـ ٤٧٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٢ أبواب آداب التجارة ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٤٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٤٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥.

(٤) الوسائل ١٧ : ٣٩٢ أبواب آداب التجارة ب ٧.

٣٣٠

ثمَّ إنّ أكثر ما ذكر وإن كان واردا في الكيل والوزن وفي المبيع ، إلاّ أنّه يثبت الحكم في المعدود والثمن أيضا بالإجماع المركّب.

وقد صرّح جماعة بعدم الفصل بين المكيل والموزون وبين المعدود (١) ، كما صرّح الفاضل في التذكرة بعدم الفرق في فساد البيع بالجزاف بين الثمن والمثمن عندنا (٢) ، مع أنّ روايات التذكرة والسرائر والمجمع (٣) شاملة للجزاف في المعدود والثمن أيضا.

مضافا في الأول إلى ظاهر التقرير في صحيحة الحلبي : عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه فيكال بمكيال ثمَّ يعدّ ما فيه ، ثمَّ يكال ما بقي على حساب ذلك العدد ، فقال : « لا بأس به » (٤).

وفي الثاني إلى العلّة المنصوصة في رواية حمّاد بن ميسر ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « أنّه كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم ، لأنّه لا يدري كم الدرهم من الدينار » (٥).

وأمّا صحيحة رفاعة : ساومت رجلا بجارية ، فباعنيها بحكمي ، فقبضتها منه على ذلك ، ثمَّ بعثت إليه بألف درهم ، فقلت : هذه الألف درهم حكمي عليك ، فأبى أن يقبلها منّي ، وقد كنت مسستها قبل أن أبعث‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٧٥ ، الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٥٣ ، صاحب الرياض ١ : ٥١٤.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٩.

(٣) المتقدمة في ص : ٣٢٨.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٣ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ٦١٧ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ ـ ٥٣٣ وفيه : عن الحلبي ، عن هشام بن سالم وعلي بن النعمان ، عن ابن مسكان جميعا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، الوسائل ١٧ : ٣٤٨ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٧ ح ١.

(٥) التهذيب ٧ : ١١٦ ـ ٥٠٤ ، الوسائل ١٨ : ٨١ أبواب أحكام العقود ب ٢٣ ح ٤ ، بتفاوت.

٣٣١

عليه بالألف درهم ، قال : فقال : « أرى أن تقوّم الجارية قيمة عادلة ، فإن كان قيمتها أكثر ممّا بعثت إليه كان عليك أن تردّ عليه ما نقص من القيمة ، وإن كانت قيمتها أقلّ ممّا بعثت إليه فهو له » ، قال : فقلت : أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد ما مسستها؟ قال : « ليس لك أن تردّها ، ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة والعيب » (١).

فهي غير ناهضة ، لضعفها بمخالفتها لعمل الأصحاب ـ حيث تضمّنت البيع بحكم المشتري ـ بل الإجماع كما في المختلف والتذكرة (٢) ، مع ما فيها من ضعف الدلالة.

وإن كان الجهل بغير ما ذكر ، فليس البيع باطلا لأجله ، للأصل.

سواء كان في القدر إذا كان يقدّر بالمساحة ، أو في الجنس ، أو الوصف.

وسواء كان الجهل في الجنس باعتبار عدم معرفة أحد المتبايعين (٣) بالجنس مع كونه مشاهدا حاضرا وقت البيع ، كأن يكون هناك جنس حاضر ولم يعرفه المشتري ـ أو مع البائع ـ أنّه الإهليلج (٤) أو الأملج (٥) ، وكانت قيمتهما متساوية ، وكان المشتري طالبا لهما ، فيصحّ له أن يشتري هذا الجنس الموجود.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠٩ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ١٤٥ ـ ٦٤٠ ، التهذيب ٧ : ٦٩ ـ ٢٩٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٤ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٨ ح ١ بتفاوت.

(٢) المختلف : ٣٨٥ ، التذكرة ١ : ٤٦٩.

(٣) في « ق » : المتساومين.

(٤) الإهليلج : ثمر منه أصفر ومنه أسود ومنه كابلي ، له نفع ، ويحفظ العقل ـ القاموس المحيط ١ : ٢٢٠.

(٥) الأملج : نوع من الأدوية يتداوى به ـ مجمع البحرين ٢ : ٣٣٠.

٣٣٢

أو كان مشاهدا قبل البيع مع معرفته ، كأن يكون هناك إهليلج وأملج ، ورآهما المشتري قبل وقت المبايعة ، فسرق أحدهما ولم يعلم بالتعيين ، فيجوز شراء الباقي إذا تساويا قيمة ووزنا.

أو لم يكن مشاهدا أصلا ، بل كان مذكورا بالوصف ، كما إذا كان لأحد إهليلج وأملج ، ووصفه لغيره بما ينتفي به الغرر ، وسرق أحدهما ولم يعلم بعينه ، فيصحّ شراء الباقي أيضا مع تساوي الوزن والقيمة.

ولو اختلفا وزنا وتساويا قيمة ـ كأن يكون أحدهما رطلا والآخر رطلين ، وساوى قيمة رطل من ذلك قيمة رطلين من هذا ـ لم يصحّ البيع ، للجهل بوزن المبيع.

وقد تلخّص ممّا ذكرنا أنّ الجهل الداخل في البيع إنّما يفسده إذا كان بأحد الوجوه الثلاثة :

الأول : أن يكون موجبا للغرر.

الثاني : أن يكون بحسب الواقع.

الثالث : أن يكون في القدر إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا.

وأمّا ما سوى ذلك من أقسام الجهل المذكورة فلا دليل على كونه مبطلا.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا هو الأصل الكلّي والقاعدة الكلّيّة ، وقد يستفاد من الأخبار في الموارد الجزئيّة حكم آخر من الصحّة أو الفساد ، فيجب اتّباعه ، كما ورد في بعض الموارد : البيع مع الضميمة ، مع كونه غررا ، وهكذا.

فروع :

أ : لا يكفي في الكيل والوزن المكيال الغير المتعارف والصنجة‌

٣٣٣

المجهول قدرها ، سواء كان مشاهدا حاضرا ـ كهذه القصعة وهذه الصنجة ـ أو لا ، كخمس قصعات ، أو ما يساوي خمس صنجات ، لعدم صدق الكيل والوزن معه عرفا ، ولصحيحة الحلبي (١) وروايته (٢) المصرّحتين بعدم صلاحيّة البيع بغير صاع المصر ، وفي الأخيرة نفي الحلّيّة ، والمستفاد منهما اشتراط اشتهار المكيال ـ كما هو المشهور ـ فلا يكفي الكيل النادر.

والظاهر أنّ المراد : اشتراط اشتهاره وعدم حلّيّة غيره إذا أطلق ، فلا يجوز قصد غيره من أحدهما ، أو الإعطاء بغيره مع إطلاق الكيل ، فإذا باع عشرة أكيال ـ مثلا ـ لا يجوز قصد غير الكيل المشهور من أحدهما أو إعطائه ، وإلاّ فالظاهر عدم الإشكال في جواز البيع بما يكال به في بعض الأمصار ولو نادرا مع التعيّن عند المتبايعين.

ب : الظاهر عدم الخلاف في جواز الاعتماد في الكيل والوزن على قول البائع ، والنصوص به مستفيضة (٣) ، ولكن يجب التقييد بكونه مؤتمنا مصدّقا ، فلو لا كذلك لم يجز ، كما هو المفهوم من الروايات (٤).

ج : المحكيّ عن الأصحاب ـ على ما قيل (٥) ـ اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمان الشارع ولو لم يبع الآن كذلك. قيل : وإثباته من النصّ مشكل (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٤ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٠ ـ ٥٦٥ ، التهذيب ٧ : ٤٠ ـ ١٦٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٧ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٦ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٤ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٠ ـ ١٧٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٧ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٤٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥.

(٤) الوسائل ١٧ : ٣٤٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥.

(٥) انظر الرياض ١ : ٥١٥.

(٦) انظر الرياض ١ : ٥١٥.

٣٣٤

أقول : لا شكّ في أنّ ما يباع الآن كيلا أو وزنا يعدّ بيعه بدونهما جزافا عرفا ، وقد ثبت نهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه (١) ، فيجب اعتباره فيه البتّة.

إنّما الإشكال فيما يباع كذلك في زمانه ولم يكن كذلك الآن ، والأمر فيه هيّن ، لأنّ ما علم فيه ذلك في زمانه ـ مثل : الطعام والزيت والجصّ وأمثالهما ـ يباع الآن كذلك أيضا وإن غيّر الكيل بالوزن في بعضها والعكس في آخر ، ولا بأس به بناء على ما يأتي من جواز التبديل مطلقا.

د : لبيع بعض الشي‌ء صور ، لأنّ ذلك الشي‌ء إمّا متساوي الأجزاء ، أو مختلفها.

وعلى التقديرين : إمّا معلوم بما يعتبر في صحّة بيعه ، أو لا.

وعلى التقادير : إمّا يكون المبيع جزءا معلوما بالنسبة ، كنصفه أو ثلثه مشاعا.

أو يكون جزءا مقدّرا منه غير معيّن ، كذراع من ثوب ، أو قفيز (٢) من صبرة.

أو يكون جزءا مقدّرا من أجزائه المعيّنة المقدّرة معيّنا ، كهذه الذراع منه ، أو هذا القفيز.

أو غير معيّن ، كذراع واحدة لا على التعيين من هذه الذراع المعيّنة من هذا الثوب بعد تقسيمه إلى أذرع ، أو صاع واحد من هذه الصيعان المعيّنة من الصبرة بعد تفريق الصيعان ، ومرجعه إلى واحد مخصوص لا على التعيين من هذه الوحدات المخصوصة.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٩.

(٢) القفيز : مكيال يتواضع الناس عليه ، وهو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك.

والمكوك : المدّ ، وقيل : الصاع ـ مجمع البحرين ٤ : ٣١ وج ٥ : ٢٨٩.

٣٣٥

فهذه ست عشرة صورة :

الاولى والثانية : أن يباع الجزء المشاع بالنسبة من الشي‌ء المعلوم ، سواء كان متساوي الأجزاء أو مختلفها ، وهو صحيح ، لعدم المانع.

الثالثة والرابعة : أن يباع ذلك من الشي‌ء المجهول قدرا ، وهو لا يصحّ ، سواء تساوت أجزاء ذلك الشي‌ء أو اختلفت ، لسريان جهل الكلّ في الجزء ، والمفروض إيجابه لبطلان بيع الكلّ ، فكذا الجزء.

وقال المحقّق الشيخ علي في حاشية الإرشاد بصحّته من المجهول إذا لم يكن مكيلا أو ما في حكمه. ولعلّه حمل الجهل على الجهل بالقدر ، مع أنّ المراد الجهل الموجب لبطلان بيع الكلّ كيفما كان ، ولا ريب أن معه يبطل بيع الجزء منه أيضا.

الخامسة والسادسة : أن يباع جزء مقدّر غير معيّن من متساوي الأجزاء معلوم أو مجهول علم اشتماله عليه ، وهو يصحّ ، لأنّه بيع شي‌ء معيّن ، وهو الكلّي ، فيتخيّر في التسليم ، ولا مانع من الصحّة ، وتدلّ عليه أيضا صحيحة [ بريد بن معاوية ] (١) الآتية (٢).

السابعة والثامنة : أن يباع ذلك من مختلف الأجزاء ، وهو باطل ، لاستلزامه الغرر ، لأنّ التخيير في بيع الكلّي إن كان للبائع فالغرر على المشتري ، إذ لعلّ البائع يسلّم الردي‌ء. وإن كان للمشتري فعلى البائع ، لمثل ذلك.

والقول بالصحّة ـ إذا لوحظ الجميع وحصل الرضا بأيّ جزء كان لانتفاء الغرر ـ غفلة عن معنى الغرر ، وموجب للصحّة في كلّ ما يوجب‌

__________________

(١) في « ح » و « ق » : معاوية بن وهب ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في ص : ٣٣٨.

٣٣٦

الغرر إذا تحقّقت الملاحظة والرضا.

نعم ، لو قدّر الجزء وقصد مع ذلك الإشاعة فلا شكّ في صحّته من المعلوم ، وأمّا من المجهول فالظاهر من كلام جماعة ـ كالفاضل في القواعد والتذكرة والمحقّق الشيخ علي والمسالك (١) ـ البطلان.

ووجهه : أنّ الجزء المقدّر ـ كالقفيز والذراع ـ حقيقة إمّا في الكلّي أو المعيّن باعتبار كون الكلّي في ضمنه ، ولا يتحقّق شي‌ء منهما مع الإشاعة ، أمّا المعيّن فظاهر ، وأمّا الكلّي فلأنّ مقتضاه التخيير وعدم تلف شي‌ء من المشتري لو تلف بعض المبيع ، وليست الإشاعة كذلك ، فيكون المراد معناه المجازي ، وهو ما تكون نسبته إلى الكلّ كنسبة القفيز أو الذراع إليه ، وهذا مجهول ، فيلزم منه الغرر.

وربّما يشعر كلام بعض المتأخّرين بالصحّة (٢). ولعلّ وجهه : أنّ ذلك وإن كان مجهولا من حيث النسبة ـ أي لا يعلم أنّه النصف أو الثلث أو غيرهما ـ ولكن بعد تقديره بما قدّر لا يستلزم غررا عرفا ، ولا دليل على اشتراط العلم بخصوص النسبة إذا لم يستلزم الجهل بالقدر. وهو قويّ جدّا.

وما ذكر من حكم قصد الإشاعة في المقدّر جار في متساوي الأجزاء أيضا.

وأمّا الثمانية الباقية فيصحّ البيع في الأربعة الأولى منها بلا خلاف ، كما لا يصحّ في الأربعة الأخيرة منها كذلك.

هـ : إذا كانت الصبرة معلومة يجوز بيعها بأجمعها كلّ قفيز منها‌

__________________

(١) القواعد ١ : ١٢٧ ، التذكرة ١ : ٤٦٧ ، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد ٤ : ١٠٥ ، المسالك ١ : ١٨٦.

(٢) انظر المختلف : ٣٨٦.

٣٣٧

بكذا ، لعدم المانع.

ولا يجوز بيع كلّ قفيز منها بكذا ، للجهل الواقعي بالمبيع.

وأمّا مع الجهل فلا يصحّ شي‌ء منهما عند الأكثر.

وحكي عن الشيخ الحكم بالصحّة في الأول مطلقا وإن كان مجهولا (١) ، وهو الأظهر ، لعدم المانع من الجهل الواقعي أو الغرر.

و : ولو باع الجزء المقدّر ـ كقفيز من الصبرة أو ذراع من الثوب ـ وأطلق ، فهل ينزّل على الإشاعة ، أو في الجملة؟

وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعض الكلّ ، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة ، وعلى الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره.

لا شكّ أنّ مقتضى حقيقة اللفظ : الثاني ، على ما مرّ.

وتدلّ عليه أيضا صحيحة [ بريد بن معاوية ] (٢) : رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طنّ (٣) [ قصب ] في أنبار بعضه على بعض من أجمة (٤) واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طنّ ، فقال المشتري : قد قبلت واشتريت ورضيت ، فأعطاه من ثمنه ألف درهم ووكّل المشتري من يقبضه ، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طنّ وبقي عشرة آلاف طنّ ، فقال : « عشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري ، والعشرون التي احترقت من مال البائع » (٥).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١١٩.

(٢) في « ح » و « ق » : معاوية بن وهب ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الطنّ : حزمة من حطب أو قصب ـ مجمع البحرين ٦ : ٢٧٨.

(٤) الأجمة : الشجر الملتف ـ مجمع البحرين ٦ : ٦.

(٥) التهذيب ٧ : ١٢٦ ـ ٥٤٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٩ ح ١ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٣٣٨

والظاهر من جمع من الأصحاب اختصاص ذلك بمتساوي الأجزاء (١) ، كما هو مورد الصحيح.

وأمّا في مختلفها فيرجّحون الإشاعة مع دعوى قصدها إذا كان الكلّ معلوما ، ترجيحا لجانب الصحّة ، وهو حسن لو ثبت عموم حمل أفعال المسلمين على الصحّة ، بحيث يجري في المورد ولم تعارضه أصالة الحقيقة.

وأمّا مع عدم العلم بالكلّ ، فلو قلنا بصحّة الإشاعة ـ كما ذكرناه ـ فيكون كالعلم ، ولو قلنا بعدمها ـ كما هو المشهور ظاهرا ـ فتبقى أصالة الحقيقة خالية عن المعارض ويبطل البيع.

وعلى هذا ، فالفائدة التي ذكروها في متساوي الأجزاء مختصّة بصورة العلم بالكلّ ، وأمّا مع الجهل فالفائدة صحّة البيع وبطلانه.

ز : يجوز أن يعتبر المعدود بمكيال ويعدّ ما فيه ، ثمَّ يؤخذ بحسابه ، وكذا الموزون ، للأصل ، حيث إنّ دليل المنع غير جار ها هنا ، لانتفاء الغرر والمجازفة المنهي عنهما عرفا ـ مع أنّ عدم العلم بثبوتهما كاف ، وهو ممّا لا شكّ فيه ـ ولاختصاص عدم القول بالفصل بينهما وبين المكيل بغير ذلك.

وتدلّ على الأول صحيحة الحلبي الواردة في الجوز (٢) ، المتقدّمة ، وتقيّدها بعدم الاستطاعة إنّما هو في كلام الراوي فلا يضرّ ، وتقرير المعصوم لو أفاد لا يفيد أزيد من رجحان العدّ مع الاستطاعة ، وهو غير بعيد ، لكونه أضبط.

__________________

(١) منهم صاحبي الحدائق ١٨ : ٤٧٨ والرياض ١ : ٥١٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٣ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ٦١٧ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٨ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٧ ح ١.

٣٣٩

فالجواز مطلقا هو الأقوى ، كما عليه الشهيد الثاني (١) والمحقّق الأردبيلي ، لا مع التعذّر كالمحقّق والعلاّمة (٢) ، بل كثير من الأصحاب كما في الروضة (٣) ، ولا مع التعسّر كبعضهم (٤).

وتدلّ على الثاني أيضا رواية عبد الملك بن عمرو : فيمن اشترى مائة راوية من زيت ، فاعترض راوية أو اثنتين ووزنهما ، ثمَّ أخذ سائره على قدر ذلك ، قال : « لا بأس » (٥).

وتعسّر وزن مائة راوية غير معلوم ، كتخصيص الصور المتعارفة من العدول من العدّ والوزن إلى الاعتبار بالمكيال الواحد بما إذا تعذّرا أو تعسّرا ، إلاّ أنّ مورد الرواية وزن راوية واحدة وأخذ البواقي بهذا القدر ، وهو غير ما نحن فيه ، لأنّه ما إذا وزن ما في راوية واحدة وأخذ البواقي بهذه الراوية على ذلك الوزن.

ويمكن أن يقال : إنّه إذا اغتفر التفاوت المحتمل مع اختلاف الروايات فيكون مغتفرا في الراوية الواحدة بالطريق الأولى ، لأنّ الجهل في الأول باعتبارين ، وفي الثاني باعتبار واحد مندرج في الأول.

وأمّا جواز وزن المكيل فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ، لمكان أضبطيّته ، فالنهي عن البيع قبل الكيل في رواية ابن حمران (٦) المتقدّمة‌

__________________

(١) الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٦٢.

(٢) المحقق في الشرائع ٢ : ١٨ ، العلامة في التذكرة ١ : ٤٦٩.

(٣) الروضة ٣ : ٢٦٦.

(٤) كصاحبي الحدائق ١٨ : ٤٧٤ والرياض ١ : ٥١٥.

(٥) الكافي ٥ : ١٩٤ ـ ٧ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ ـ ٦٢٥ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ ـ ٥٣٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٧ ـ ١٥٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٤.

٣٤٠