مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

فيما لا يملك ـ ظاهر.

وأمّا مع علم أحدهما أو كليهما فظاهر إطلاق الأكثر الصحّة ، إلاّ أنّ الفاضل في التذكرة نفى البعد عن الحكم بالبطلان مع علم المشتري (١) ، واستشكل في المسالك الحكم بالصحّة حينئذ أيضا ، لإفضائه إلى الجهل بالثمن حال البيع (٢) ، واخرى في الروضة الإشكال في صورة علم البائع وحده أيضا (٣).

قيل : الفرق بين ذلك وبين ما تكون الضميمة مال الغير : أنّه يبتاع ملك الغير مع مملوك البائع ، والثمن إنّما هو بإزاء المجموع ، والبيع في المجموع صحيح.

أقوال : على القول بعدم تأثير الإجازة أو كونها ناقلة لم يتحقّق البيع الصحيح في المجموع أو إلاّ حال الإجازة ، وأمّا قبلهما فلم يتحقّق بيع صحيح في المجموع ، فيتحقّق الجهل بثمن المملوك حال البيع ، فيلزم فساد البيع فيه حينئذ ، ولا تفيد الإجازة المتحقّقة بعد ذلك.

وكذا على القول بكون الإجازة كاشفة مع عدم الإجازة ، فإنّه يكشف عن فساد البيع في المجموع حال البيع ، فيتحقّق الجهل بثمن المملوك أيضا.

نعم ، لو قلنا بكون الإجازة موجبة للّزوم وعدمها للانفساخ لظهر الفرق ، ولكنّه خلاف ما صرّح به الأكثر وما ذكروه في النماء المتخلّل.

أقول : الصواب التفرقة ، بالإجماع وصحيحة الصفّار المتقدّمة (٤) ، ثمَّ المتّجه في محلّ النزاع : الفساد في صورتي علم البائع أو المشتري ، لما ذكر.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٦٥.

(٢) المسالك ١ : ١٧٣.

(٣) الروضة ٣ : ٢٤٠.

(٤) في ص : ٢٥٢.

٣٠١

المسألة الرابعة : لا فرق في اشتراط المالكيّة بين المثمن والثمن ، فلو اشترى شيئا بثمن غير مملوك له بطل البيع ، لما مرّ.

والمراد بالشراء بالثمن الغير المملوك : أن اشترى السلعة بهذا الثمن المعيّن ، أمّا لو اشترى بثمن غير مشخّص ثمَّ أعطى ثمنا غير مملوك له لم يبطل البيع.

ثمَّ في صورة بطلان البيع كان لمالك الثمن الرجوع بعين ثمنه إلى البائع مع بقائه ، وإلى كلّ من المتبايعين بمثله مع تلفه ، وليس له غير ذلك من الأجرة أو المنافع شيئا ، إلاّ إذا كان الثمن ممّا له نفع.

ويرجع البائع بالمبيع ونمائه المتّصل والمنفصل مع البقاء إلى المشتري مطلقا ، ومع التلف إن كان البائع جاهلا بأنّ الثمن ملك الغير ، ويرجع إليه حينئذ بالمنافع المستوفاة وغيرها ، وإن كان عالما فلا رجوع بشي‌ء من التالف أصلا ، ووجهه ظاهر ممّا مرّ.

ومنها : المغايرة الحقيقيّة بين المتعاقدين ، قال بعضهم باشتراطها في الجملة.

والتوضيح : أنّه سيأتي في مباحث الحجر والتفليس جواز بيع الأب والجدّ للأب ووصيّهما إن فقدا وشرائهم للأطفال والسفهاء والمجانين المتّصل سفههم وجنونهم بالبلوغ.

ثمَّ من الحاكم وأمينه إن لم يوجدوا ، [ ومطلقا ] (١) إن طرأ السفه أو الجنون بعد البلوغ ، وكذلك الغائب.

ثمَّ من آحاد المؤمنين مع تعذّر الحاكم وأمينه مع المصلحة.

__________________

(١) في « ح » و « ق » : مطلقا ، والصحيح ما أثبتناه.

٣٠٢

وكذا يأتي في بحث الوكالة جواز بيع الوكيل وشرائه.

وليس كلامنا في هذا المقام في شي‌ء من ذلك ، وإنّما الكلام في أنّه هل يجوز لهؤلاء تولّي طرفي المبايعة؟ وذلك يكون على وجهين :

أحدهما : أن يتولّى كلّ منهم طرفي العقد ـ أي الإيجاب والقبول ـ بأن يكون موجبا وقابلا معا ، كأن يتوكّل الوكيل عن البائع والمشتري ، أو عن أحدهما مع كونه الآخر بنفسه ، ويتوكّل الولي في المبايعة لمن له عليه الولاية عن الطرف الآخر ، أو كان نفسه هو الآخر.

وثانيهما : أن يبيع كلّ منهم عن نفسه أو يشتري له ، أي يبيع مال نفسه بالمولّى عليه أو الموكّل الذي وكّله في شراء ذلك ، أو اشترى نفسه مال المولّى عليه أو مال الموكّل الذي وكّله في بيعه.

أمّا الأول ، فالحق فيه الجواز ، ولعلّه الأشهر ، لصدق البيع والشراء عرفا ، إذ ليس البيع إلاّ نقل الملك إلى آخر ، وهو صادق في المورد ، لتغاير الناقل والمنتقل إليه حقيقة وإن كان الموجب والقابل منهما واحدا ، فيكون جائزا ولازما بالعمومات ، ولا دليل على اشتراط المغايرة بين موجد النقل وموجد قبوله.

وما قد يتشبّث به لاعتبار التعدد هو أصالة عدم الانتقال.

وأنّ الإيجاب نقل الملك عن الموجب ، والقبول نقله إليه ، فيجتمع الضدّان.

وفي الأول : أنّ العمومات مخرجة عن الأصل.

وفي الثاني : أنّ الإيجاب لنقل الملك عن المالك دون الموجب ، كما أنّ القبول للانتقال إلى مالك الثمن ـ أي المشتري ـ دون القابل.

وأمّا الثاني ، فيأتي الكلام فيه في مباحث الحجر والوكالة والوصاية.

٣٠٣

الفصل الثالث

في شرائط العوضين‌

وهي أيضا أمور :

منها : أن يكونا مملوكين ـ أي ممّا يصحّ تملّكه ـ لما مرّ في اشتراط المالكيّة.

والمرجع في كون شي‌ء ملكا ومالا إلى العرف ، حيث إنّه لا دليل شرعا على بيانه وإن ثبت من الشرع عدم تملّك بعض الأشياء ، فيشترط في صحّة البيع كون كلّ من العوضين ملكا عرفا وعدم دليل شرعيّ على عدم صحّة تملكه ، فلا يصحّ بيع ما لا يملك شرعا ـ كالحرّ ـ أو عرفا ـ كالأشياء التي لا ينتفع بها ـ فإنّها لا تسمّى مالا في العرف ، لصحّة السلب ، وتبادر الغير ، ولأنّ الملكيّة أو الماليّة ربط حادث بين المالك والمملوك ، فهو مخالف للأصل لا يحكم به إلاّ مع الثبوت ، ولم يثبت فيما لا نفع فيه.

والنفع المعتبر في صدق المال هو ما كان معتبرا في نظر العقلاء ، فلا اعتبار بما لم يكن كذلك ، إمّا لكونه نفعا يسيرا لا يعتني به العاقل ، أو يعدّ مثله لغوا عنده لا نفعا ، للأصل المتقدّم.

وهل يشترط كونه معلوم الترتّب على العين ، أو يكفي الظنّ أو الاحتمال أيضا؟

وعلى التقديرين هل يشترط عدم ندرة الانتفاع به ، أو يكفي مجرّد الترتّب وإن كان نادرا؟

الحقّ : كفاية الظنّ ومجرّد الترتّب ، ولذا تعدّ أكثر العقاقير التي توجد‌

٣٠٤

عند الأطبّاء والمعاجين التي يصنعونها مالا ، مع أنّ ترتّب المنافع المذكورة لها عليها ليس إلاّ ظنّيا ، ولا يحتاج إلى كثير منها إلاّ نادرا.

نعم ، الظاهر عدم كفاية الاحتمال ، للأصل ، ولهذا قالوا : لا يصحّ بيع مثل الخفافيش (١) والعقارب والجعلان (٢) والقنافذ ونحوها ، ولا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها ، فإنّه لا يحصل ممّا أورد علم ولا ظنّ ، ولو فرض حصول العلم أو الظنّ لا نقول بعدم صحّة بيعها ، وعدم عدّها مالا لأجل عدم الظنّ ، ولو حصل يلتزم عدّها من المال.

وعلى هذا ، فلو فرض وقوع مرض بين أهل بلدة اجتمعت حذّاق الأطبّاء ، بل لو قال طبيب حاذق : أنّ علاجه دهن العقرب أو دم الخفّاش ، ولم يتهيّأ لكلّ أحد جمعهما ، فيجوز لمن أخذهما بيعهما ، ويكون صحيحا.

وقد يكون الشي‌ء ممّا ينتفع به ويكون مالا ، ولكن يبلغ في القلّة حدّا لا ينتفع به ولا يعدّ مالا عرفا ، كالحبّة والحبّتين من الحنطة ، وصرّح جماعة بعدم جواز بيعه (٣).

قال في التذكرة : لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه ، لأنّه ليس مالا ، فلا يؤخذ في مقابلته المال ، كالحبّة والحبّتين من الحنطة ، ولا نظر إلى ظهور الانتفاع إذا انضمّ إليها أمثالها ، ولا إلى أنّها قد توضع في الفخ أو تبذر ، ولا فرق بين زمان الرخص والغلاء ، ومع هذا فلا يجوز أخذ حبّة من صبرة‌

__________________

(١) في نسخة من « ح » : الخنافيس.

(٢) الجعل : دويبة معروفة تسمى الزعقوق ، تعضّ البهائم في فروجها فتهرب ، وهو أكبر من الخنفساء ، شديد السواد ، في بطنه لون حمرة ، للذكر قرنان ـ حياة الحيوان ١ : ٢٧٨.

(٣) انظر الإرشاد ١ : ٣٦١ والحدائق ١٨ : ٤٣٠.

٣٠٥

الغير ، فإن أخذ وجب الردّ ، وإن تلفت فلا ضمان ، لأنّه لا ماليّة لها (١). انتهى.

وربما يظهر من بعضهم التأمّل في عدم كونه مالا (٢) ، ويدلّ عليه عدم جواز أخذه ووجوب الردّ ، وعدم كونه من الأفراد المتعارفة من المال أو بيعه من أفراد البيع المتعارفة لا يوجب بطلانه ، غاية الأمر عدم جواز بذل المال بإزائه أزيد منه لئلاّ يكون سفها وتبذيرا ، فقد يشتري حبّة ويجتمع عنده ما يحصل فيه نفع كثير.

والتحقيق : اختلافه باختلاف الأحوال والقصود ، فقد يمكن أن يكون بيعه ممّا تترتّب عليه فائدة مقصودة للعقلاء.

ومنها : أن يكونا عينين ، فلو كانا منفعة ـ كسكنى الدار مدّة ـ لم ينعقد ، للإجماع ، وعدم معلوميّة صدق البيع على نقل ملك المنفعة عرفا.

وتجويز الشيخ في المبسوط بيع خدمة العبد (٣) شاذّ غير قادح في الإجماع.

ورواية إسحاق بن عمار (٤) ـ المجوّزة لبيع سكنى الدار ـ شاذّة غير معمول بها ، مع ما في متنها من تجويز بيع السكنى ، مع عدم كون السكنى فيها ملكا للبائع بعد عدم تجويزه بيع ما ليس له في جواب السؤال عن بيع أصل الدار.

ومنها : أن لا يكونا ممّا يشترك فيه جميع المسلمين ، من المباحات العامّة ـ كالكلأ والماء ـ قبل حيازتها وضبطهما لنفسهما ، وكالسموك في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٥.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ١٦٧.

(٣) حكاه عنه في المفاتيح ٣ : ٥٠.

(٤) التهذيب ٧ : ١٣٠ ـ ٥٧١ ، الوسائل ١٧ : ٣٣٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١ ح ٥.

٣٠٦

البحار والأنهار ، والوحوش في البراري ، للإجماع ، ولانتفاء الملكيّة فيها ، للأصل.

هذا إذا كانت المذكورات واقعة في مباح عامّ ، أمّا لو كان الكلأ في أرضه أو الماء في بئره فلا خلاف في صحّة بيعه استقلالا وتبعا لما هو فيه ، وهذا هو المراد من رواية موسى بن إبراهيم : عن بيع الماء والكلأ ، قال : « لا بأس » (١).

ومنها : أن لا يكونا من الأراضي المفتوحة عنوة ، وتحقيق الكلام فيها قد مرّ مستوفى.

ومنها : أن لا يكون ممّا سبق عدم جواز التكسّب به مطلقا عن الأعيان النجسة ونحوها.

ومنها : أن يكون ملكا طلقا ، فلا يجوز بيع الوقف ولا الرهن ولا أمّ الولد.

أمّا الوقف فعدم جواز بيعه في الجملة إجماعي ، وبالإجماع كذلك صرّح جماعة ، كالسيّد والحلّي والمسالك (٢) وغيرهم (٣) ، وهو الحجّة فيما عدا محلّ النزاع ، مضافا إلى أصالة عدم جواز بيع غير ما يملكه البائع كما مرّ.

وعموم الصحيح : « الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها » (٤).

وخصوص صحيحة أبي علي بن راشد : اشتريت أرضا إلى جنب‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٧ ـ ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤١ ـ ٦٢٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢١ أبواب إحياء الموات ب ٩ ح ٣ بتفاوت.

(٢) السيد في الانتصار : ٢٢٧ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٥٣ ، المسالك ١ : ١٧٤.

(٣) كالعلامة في التذكرة ١ : ٤٦٥.

(٤) الكافي ٧ : ٣٧ ـ ٣٤ ، الوسائل ١٩ : ١٧٥ كتاب الوقوف والصدقات ب ٢ ح ٢.

٣٠٧

ضيعتي بألفي درهم ، فلمّا وزنت المال خبّرت أنّ الأرض وقف ، فقال : « لا يجوز شراء الوقوف » (١).

ويؤيّده ما ورد في وقوف أرباب العصمة ، كقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في وقف ينبع ، كما في صحيحة الحذّاء : « هي صدقة بتّة بتلا في حجيج بيت الله وعابر سبيل الله ، لا تباع ولا توهب ولا تورث ، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » الحديث (٢).

وفي رواية ربعي : « هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب وهو حيّ سوي ، تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السموات والأرض » (٣).

وفي صحيحة البجلي : « تصدّق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو صحيح صدقة حبسا بتلا بتّا لا مشوبة فيها ولا ردّ أبدا ، ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها أو شيئا منها ، ولا يهبها ولا ينحلها ، ولا يغيّر شيئا منها ممّا وصفته عليها ، حتى يرث الله الأرض وما عليها » (٤).

ومقتضى تلك الأدلّة وإن كان عموم المنع ـ كما ذهب إليه الإسكافي‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٧ ـ ٣٥ ، الفقيه ٤ : ١٧٩ ـ ٦٢٩ ، التهذيب ٩ : ١٣٠ ـ ٥٥٦ ، الاستبصار ٤ : ٩٧ ـ ٣٧٧ ، الوسائل ١٩ : ١٨٥ كتاب الوقوف والصدقات ب ٦ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٥٤ ـ ٩ ، التهذيب ٩ : ١٤٨ ـ ٦٠٩ ، الوسائل ١٩ : ١٨٦ كتاب الوقوف والصدقات ب ٦ ح ٢ ، بتفاوت يسير. وصدقة بتّة بتلة ، أي مقطوعة عن صاحبها لا رجعة له فيها ـ مجمع البحرين ٢ : ١٩٠.

(٣) الفقيه ٤ : ١٨٣ ـ ٦٢٤ ، التهذيب ٩ : ١٣١ ـ ٥٦٠ ، الاستبصار ٤ : ٩٨ ـ ٣٨٠ ، الوسائل ١٩ : ١٨٧ كتاب الوقوف والصدقات ب ٦ ح ٤.

(٤) الكافي ٧ : ٥٣ ـ ٨ ، الفقيه ٤ : ١٨٤ ـ ٦٤٧ ، التهذيب ٩ : ١٤٩ ـ ٦١٠ ، الوسائل ١٩ : ٢٠٢ كتاب الوقوف والصدقات ب ١٠ ح ٤.

٣٠٨

والحلّي مدّعيا عليه الإجماع (١) ، وفخر المحقّقين على ما حكي عنه (٢) ـ إلاّ أنّ أكثر الأصحاب على اختلاف شديد بينهم استثنوا منه مواضع :

الأول : إذا خرب الوقف مطلقا وتعطّل ، حكي عن المفيد والسيّد والخلاف والديلمي وابن حمزة والمحقّق الشيخ علي في بيع شرح القواعد (٣) ، واستحسنه ثاني الشهيدين وصاحب المفاتيح (٤) ، إلاّ أنّ المفيد قيّده بما إذا لم يوجد له عامر.

الثاني : إذا ذهبت منافعه بالكلّية ، استثناه الأولان ووقف التحرير (٥). ويمكن إرجاع ذلك أيضا إلى الأول ، إلاّ أنّ المفيد جعله قسيما له.

الثالث : مع حاجة الموقوف عليه الضروريّة إلى البيع ، وهو منقول عن الأولين والرابع والخامس والسادس ونهاية الشيخ (٦) ، إلاّ أنّ الثاني قيّد الحاجة بكونها إلى الثمن لشدة الفقر ، والسادس بأن لم يكن لهم ما يكفيهم من غلّة ، والأخير بأن يكون معها البيع أصلح.

الرابع : إذا كان بيعه أصلح وأعود ، استثناه الأول (٧) ، وظاهر الكفاية‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في الانتصار : ٢٢٧ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٥٣.

(٢) الإيضاح ٢ : ٣٩٢.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٥٢ ، السيد في الانتصار : ٢٢٦ ، الخلاف ٣ : ٥٥١ ، الديلمي في المراسم : ١٩٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٠ المحقّق الشيخ علي في جامع المقاصد ٤ : ٩٧.

(٤) الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٥٤. المفاتيح ٣ : ٢١٢.

(٥) المفيد في المقنعة : ٦٥٢ ، السيد في الانتصار : ٢٢٦ ، التحرير ١ : ٢٩٠.

(٦) المفيد في المقنعة : ٦٥٢ ، السيد في الانتصار : ٢٢٦ ، الديلمي في المراسم : ١٩٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٩٨ ، نهاية الشيخ : ٦٠٠.

(٧) المفيد في المقنعة : ٦٥٢.

٣٠٩

التردّد فيه (١).

الخامس : إذا علم أداء بقائه إلى خرابه بحيث يعطّل لأجل اختلاف الموقوف عليهم ، قاله صاحب التنقيح (٢).

السادس : الخامس بشرط كون البيع أعود ، خصّه في بيع القواعد والشرائع (٣).

السابع : إذا خيف خرابه مطلقا ، استثناه في المبسوط والنهاية (٤) ، ونسبه في المهذّب إلى المحقّق والعلاّمة مقيّدا بعدم التمكّن من عمارته (٥).

الثامن : إذا خيف الخراب لاختلاف أربابه خاصّة ، ذكره في وقف التحرير والشرائع (٦).

التاسع : مع خلف بين أربابه ، استثناه صاحب الكفاية والمفاتيح والمحقّق الشيخ علي (٧) ، إلاّ أنّ الأخير قيّده بما إذا كان مخوّفا لتلف الأموال ، ونسبه المهذّب إلى المحقّق والعلاّمة مقيّدا بكونه موجبا لفساد لا يمكن استدراكه.

العاشر : مع خوف الخلف ، عن المبسوط والنهاية (٨) ، إلاّ أنّ الأخير قيّده بما يؤدّي إلى فسادهم.

__________________

(١) الكفاية : ١٤٢.

(٢) التنقيح ٢ : ٣٣٠.

(٣) القواعد ١ : ١٢٦ ، الشرائع ٢ : ٢٢٠.

(٤) المبسوط ٣ : ٣٠٠ ، النهاية : ٥٩٩.

(٥) المهذب البارع ٣ : ٦٦ وهو في المختصر : ١٥٨ والمختلف : ٤٨٩.

(٦) التحرير ١ : ٢٩٠ ، الشرائع ٢ : ٢٢٠.

(٧) الكفاية : ١٤٢ ، المفاتيح ٣ : ٢١٢ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٩٧.

(٨) المبسوط ٣ : ٣٠٠ ، النهاية : ٦٠٠.

٣١٠

ومنهم من فرّق بين المؤبّد وغيره ، فلم يجوّز في الأول مطلقا ، وفي الثاني جوّز في الصور التي نقلناها عن النهاية ، وهو المنقول عن الصدوق والقاضي والحلبي (١) ، وقد يجوّز في الثاني خاصّة مع الاتّفاق مع الواقف أو وارثه ، ذهب إليه صاحب التنقيح (٢). والذي وصل إليّ في هذا الباب من الأخبار صحيحة علي بن مهزيار :

قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : أنّ فلانا ابتاع ضيعة فوقفها وجعل لك في الوقف الخمس ، ويسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض ، يقوّمها على نفسه بما اشتراها به ، أو يدعها موقوفة؟ فكتب إليّ : « أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حقّي من الضيعة وإيصال ثمن ذلك إليّ ، وأنّ ذلك رأيي إن شاء الله ، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له » ، وكتبت إليه : أنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف هذه الضيعة عليهم اختلافا شديدا ، وأنّه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كلّ إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته ، فكتب بخطّه إليّ : « وأعلمه أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن بيع الوقف أمثل ، فإنّه ربّما جاء في الاختلاف ما فيه تلف الأموال والنفوس » (٣).

ورواية جعفر بن حنّان الصحيحة عن ابن محبوب ـ الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ـ : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) نقله عنهم في المختلف : ٤٨٩ وهو في الفقيه ٤ : ١٧٩ والمهذب ٢ : ٩٢ والكافي : ٣٢٥ ، وقال في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٥٨ ما نسبوه إلى الحلبي من موافقته للقاضي غير صحيح.

(٢) التنقيح ٢ : ٣٢٩.

(٣) التهذيب ٩ : ١٣٠ ـ ٥٥٧ ، الاستبصار ٤ : ٩٨ ـ ٣٨١ ، الوسائل ١٩ : ١٨٧ كتاب الوقوف والصدقات ب ٦ ح ٥ ، ص ١٨٨ ب ٦ ح ٦ ، بتفاوت يسير.

٣١١

الرجل أوقف غلّة له على قرابة من أبيه وقرابة من امّه ، وأوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلّة بثلاثمائة درهم ـ إلى أن قال عليه‌السلام ـ : « جائز للذي أوصى له بذلك » ـ إلى أن قال ـ قلت : أرأيت إن مات الذي أوصى له؟ قال : « إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم ، فإذا انقطع ورثته كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت ، يردّ ما يخرج من الوقف ، ثمَّ يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا وبقيت الغلّة » قلت : فللورثة من قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟ قال : « نعم ، إذا كانوا رضوا كلّهم وكان البيع خيرا لهم باعوا » (١).

وما رواه الطبرسي في الاحتجاج ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن صاحب الزمان عليه‌السلام : أنّه كتب إليه : روي عن الصادق عليه‌السلام خبر مأثور : « إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح ، لهم أن يبيعوه » ، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع ، أم لا يجوز إلاّ أن يجتمعوا كلّهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه ، فأجاب عليه‌السلام : « إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه ، وإذا كان على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرّقين إن شاء الله » (٢).

وليس محطّ الاستدلال بالأولى صدرها الدالّ على جواز بيع الحصّة الموقوفة على الإمام عليه‌السلام ، لجواز أن تكون غير مقبوضة ، بل هو الظاهر من‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٥ ـ ٢٩ ، الفقيه ٤ : ١٧٩ ـ ٦٣٠ ، التهذيب ٩ : ١٣٣ ـ ٥٦٥ ، الوسائل ١٩ : ١٩٠ كتاب الوقوف والصدقات ب ٦ ح ٨ ، بتفاوت.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٤٩٠ بتفاوت ، الوسائل ١٩ : ١٩١ كتاب الوقوف والصدقات ب ٦ ح ٩.

٣١٢

الخبر.

ولا يمكن الحكم بالعموم فيه لترك الاستفصال ، لعلمه عليه‌السلام بالحال في حقّه ، مع أنّ غاية ما يستفاد من السؤال جعل الواقف شيئا له عليه‌السلام ، وهو أعمّ من الوقف ، فلعلّ الرخصة في البيع لعدم الوقف.

ولا ينافيه قوله : أو يدعها موقوفة ، لجواز أن يراد به معناه اللغوي ـ أي متروكة بحاله ـ حيث لم تثبت الحقيقة الشرعيّة في الوقف.

ومن ذلك يظهر ضعف تضعيف الرواية أو ترجيح معارضها عليها بخروج صدرها عن الحجّية ، حيث ليس ثمّة شي‌ء من الأسباب المجوّزة للبيع.

بل الاستدلال بتجويز بيع حصّة الباقين واحتمال عدم القبض فيها وإن كان جاريا أيضا إلاّ أنّ ترك الاستفصال يقتضي العموم وعدم الفرق.

وترجيح الحمل على عدم القبض ـ باعتبار وقوع البيع في الخبر من الواقف ، وهو ظاهر في بقائه في يده ، وباعتبار ظهور عدم القبض في حصّته عليه‌السلام ، والظاهر اتّحاد حال الجميع ـ ضعيف ، لجواز كون الواقف ناظرا ، وعدم استلزام عدم القبض في حقّه عدمه في حقهم.

كما أنّ ترجيح الحمل على الأعمّ أو القبض ـ بأنّه لولاه لكان الأنسب التعليل بعدم القبض دون تلف الأموال والنفوس ولولاه لم يقع الاختلاف في الوقف ـ ضعيف أيضا.

أمّا الأول ، فبأنّه إنّما يصحّ لو كان التعليل لجواز البيع ، ولكنّه تعليل لأمثليّته ، وعدم القبض لا يصلح علّة لها.

وأمّا الثاني ، فلعدم تصريح في الخبر بكون الاختلاف في الوقف ، وعلى تسليمه لا يتوقّف على القبض ، فيمكن أن يكون المراد : أنّ الواقف‌

٣١٣

لمّا رأى بينهم اختلافا شديدا في أمر تلك الضيعة قبل الدفع إليهم ، أو في أمر آخر ، وليس يأمن أنّه إذا دفعها إليهم يتفاقم الأمر بينهم ، فهل يدعها موقوفة ، أو يرجع عن الوقف ويدفع إليهم ثمنها ، وأيّهما أفضل؟

وعلى هذا ، فمقتضى ترك الاستفصال جعل الرواية أعمّ من القبض وعدمه ، وتخصّص بها أخبار المنع.

ولا يتوهّم أنّ تعارضها مع أخبار المنع المتقدّمة (١) بالعموم من وجه ، حيث إنّ لأخبار المنع جهة خصوص ، لكون المراد منها بعد القبض قطعا ، كما أنّ الصحيحة أيضا مختصّة بحال الاختلاف ، ولا مرجّح لأحدهما يمكن الاعتماد عليه ، فالتعويل على تلك الرواية فقط في بيع الوقف مشكل.

لأنّ المناط في التعارض هو ظاهر الخبر ، دون ما يؤول إليه بعد الجمع بينه وبين سائر المعارضات ، كما بيّنا في كتاب عوائد الأيّام (٢) ، وعلى هذا فتكون أخبار المنع أعمّ مطلقا ، لأعمّيتها من القبض وعدمه ، والصحيحة مخصوصة بحال الاختلاف.

ومنه يظهر جواز البيع في تلك الحال.

هذا هو المستفاد من الاولى.

وتدلّ الثانية على جواز بيعه مع احتياج الموقوف عليه ، وكون البيع خيرا ، واتّفاق الكلّ مع التعدّد. وهي مختصّة بما بعد القبض ، من جهة كون الحكم لورثة القرابة ، ولأجل دلالة المفهوم على عدم الجواز مع عدم رضا الكلّ وعدم الخيريّة ، وليس قبل القبض كذلك.

ومنه أيضا يظهر عدم جواز حمل الأرض على حصّة الرجل الذي‌

__________________

(١) في ص : ٣٠٨.

(٢) عوائد الأيام : ١١٩.

٣١٤

أوصى له وانقطعت ورثته فينتقل إلى ورثة الميّت ملكا ، أو حمل الورثة على ورثة الواقف وجعل الوقف منقطع الآخر باختصاصه بالقرابة دون عقبهم.

وعلى هذا ، فتكون هذه أيضا أخصّ مطلقا من أخبار المنع ، فبها تخصّص تلك الأخبار أيضا.

ومقتضاها جواز البيع مع كونه خيرا واتّفاق الكلّ ، إلاّ أنّ الظاهر منها أنّ اشتراط رضا الكلّ إنّما هو في بيع تمام الأرض التي هي وقف على الجميع ، لأنّه المسؤول عنه ، ولا شكّ أنّه موقوف على رضا الكلّ ، فلا يثبت منها اشتراط رضا الكلّ في بيع حصّة كلّ واحد.

وأمّا الثالثة فمحطّ الاستدلال فيها موضعان ، أحدهما : « وإذا » الثالث.

وليس موضع الاستدلال منه قول الصاحب ، لأنّه لا يدلّ إلاّ على أنّ ما يقدرون على بيعه يجوز لهم بيعه مجتمعين أو متفرّقين ، فيكون بيانا لحكم الاجتماع والافتراق ، ولا يظهر منه ما يجوز بيعه وما لا يجوز ، حيث إنّ ما لم يثبت جواز بيعه شرعا لا يقدر على بيعه ، لأنّه نقل الملك ، ولا يحصل النقل إلاّ بإمضاء الشارع.

بل محطّ الاستدلال هو الخبر المأثور عن الصادق عليه‌السلام ، وهو أنّه إذا كان وقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم يجوز بيعه مع اتّفاق الكلّ وكونه أصلح.

والتوضيح : أنّ المعلوم المستفاد من الرواية : أنّ الراوي الثقة كتب إلى الإمام : أنّه ورد خبر مأثور عن الصادق عليه‌السلام : أنّه يجوز بيع الوقف مع كونه خيرا واتّفاق الكلّ ، وأنّ هذا معلوم لنا ظاهر عندنا ، ولكن لا نعلم حكم بيع البعض والشراء منه إذا لم يجتمع الكلّ ، ولا نعلم أنّ الوقف الذي ورد عدم‌

٣١٥

جواز بيعه أيّ وقف ، فقرّره الصاحب على صحّة ما ورد.

وأجاب عن الحكم الأول : بجواز بيع البعض ما يقدر شرعا على بيعه ، أي وجد المشتري له وإذا كان أصلح ، حيث إنّه ثبت معه جواز البيع بقول الصادق عليه‌السلام.

وعن الثاني : بأنّه الوقف على إمام المسلمين ، فيدلّ قول الصادق عليه‌السلام ـ الذي رواه الثقة المعتضد بتقرير الإمام الموافق لرواية جعفر بن حنّان ـ على جواز بيع الوقف إذا كان أصلح ، فيجب اتّباعه ، ولإطلاقه بالنسبة إلى الاجتماع والافتراق يحكم بالإطلاق.

ولا يتوهّم دلالة مفهوم الثانية على عدم جواز البيع بدون اجتماع الكلّ.

لما عرفت من أنّه في بيع الكلّ ، مع أنّه لو سلّمنا دلالتها على كون بيع مطلق الوقف مقيّدا باجتماع الكلّ ، وكان مفهومه عدم الجواز بدونه ، ولكن لعموم المفهوم يخصّص بخصوص جواب الإمام ـ الذي هو الموضع الثاني من موضعي الاستدلال بالثالثة ـ بل وكذا لو لا الخصوصيّة أيضا ، لكون الثالثة أحدث ، فيقدّم على الأقدم ، كما هو القاعدة المنصوصة في الترجيح.

ولا يتوهّم أنّ قوله أيضا : « فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه » لا يفيد أزيد من جواز بيع ما يقدر على بيعه ، وما لم يثبت جواز بيعه شرعا لا يقدر على بيعه ، لأنّه نقل الملك ولا ينقل إلاّ بإمضاء الشارع ، ولا يثبت منه ما يجوز وما لا يجوز.

لأنّه ثبت ما يجوز بصدره ، وهو ما كان البيع فيه أصلح ، حيث صرّح فيه بالجواز.

وعلى هذا ، فثبت من هذه الرواية جواز بيع الوقف إذا كان أصلح مع‌

٣١٦

الاجتماع والافتراق.

ولا يتوهّم أنّه يخصّص بصورة الاحتياج ، لمفهوم رواية ابن حنّان.

لأنّ قيد الاحتياج إنّما هو في كلام السائل دون الإمام ، غاية ما في الباب أنّ تصديق الجواز يكون مقيّدا به ، حيث إنّ السؤال كان عنه ، ولا يعتبر المفهوم في مثل ذلك ، إذ اعتباره إنّما هو إذا لم يظهر للتقييد سبب ، واختصاص السؤال هنا سبب ظاهر لاختصاص الجواب.

فالحكم بمضمون الرواية عندنا متعيّن ، وهو بيع الوقف مع كون بيعه أصلح مجتمعين أم منفردين حصّته.

نعم ، حيث لم يظهر قائل بهذا العموم سوى المفيد (١) ، فالحكم بعمومه ـ كما هو الموضع الرابع من المواضع العشرة المتقدّمة ـ مشكل مخالف للاحتياط ، ولكن لا إشكال في جواز البيع في سائر المواضع ظاهرا ، فعليه الفتوى عندنا ، بل على الموضع الرابع أيضا مع إشكال.

ولا يضرّ عندنا عدم كون الثالثة في الكتب الأربعة أو صحيحا باصطلاح المتأخّرين ، مع أنّ رواية ابن حنّان المذكورة في الكافي والفقيه والتهذيب (٢) موافقة لذلك في الجملة ، صحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، ومثله في حكم الصحيح عندهم.

فروع :

أ : لا يخفى أنّ هذا الحكم مختصّ بالوقف الخاصّ ، كما هو مورد الأخبار.

__________________

(١) المقنعة : ٦٥٢.

(٢) راجع ص : ٣١١ و ٣١٢.

٣١٧

أمّا الثاني فظاهر.

وأمّا الأول فلقوله : ويدفع إلى كلّ إنسان ما وقف له ، ويؤكّده وقوع الاختلاف بينهم.

وأمّا الثالث فلعطف قوله : « وأعقابهم » ، ويؤكّده ذكر اجتماع الكلّ أيضا.

ومن ذلك يحصل ضعف للمعارض أيضا ، حيث إنّ أخبار وقوف الأئمّة واردة في الوقف للجهة العامّة ، وينفرد غيرها بالتعارض.

ب : ثمَّ المستفاد من الروايتين أنّ المتولّي للبيع هو الموقوف عليه ، كما أنّ ظاهر قوله : إذا احتاجوا ولم تكفهم الغلّة ، في رواية جعفر ، أنّه يصرف الثمن في حوائجه ، بل يصرّح به قوله في الرواية الاولى : ويدفع إلى كلّ إنسان منهم ، فالقول بهما متعيّن.

وجعل المتولّي الناظر الخاصّ ـ إن كان ـ لا وجه له ، إذ لم يثبت له إلاّ جواز النظر إلى الوقف من حيث هو وقف ، فلا يتخطّى عنه إلاّ بدليل.

وكذا لا وجه للحكم بأن يشتري بثمنه ما يكون وقفا على ذلك الوجه إن أمكن مع تحصيل الأقرب إلى صفة الموقوف فالأقرب ، مع أنّه لو لا استفادة الصرف إلى الموقوف عليه من الرواية لا يستفاد ذلك الحكم من حجّة أصلا.

وأمّا ما قيل من أنّه لعلّ المستند عدم العلم بجواز التصرّف واستصحاب المنع إلاّ في ذلك.

ففيه : أنّ عدم العلم بالمنع من التصرّف كاف في جوازه ، ولم يكن منع في التصرّف فيه حتى يستصحب ، والمنع عن التصرّف في الوقف غير مفيد ، لتغيّر الموضوع.

٣١٨

ج : ما ذكر ـ كما عرفت ـ إنّما هو الوقف الخاصّ ، وأمّا العامّ فلا يجوز بيعه ، إلاّ إذا بطل عن الانتفاع به فيما وقف عليه ، بحيث لا ينتفع به فيه بوجه من الوجوه مطلقا مع بقاء عينه ، كجذع منكسر وحصر خلق ونحوهما.

أمّا عدم جواز البيع في غير ما استثني فلما مرّ.

وأمّا استثناء ما ذكر فهو المصرّح به في كلام جماعة.

وقد يستند فيه إلى أنّه إحسان محض.

و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١).

وأنّ الأمر بعدم بيعه تضييع للمال وتجويز للعبث ، وأنّه تحصيل لغرض الواقف.

ويرد على الأول : منع كونه إحسانا شرعا بعد أصالة المنع ، ومنع استلزام نفي السبيل للزوم البيع وصحّته.

وعلى الثاني : أنّ تضييع المال وتجويز العبث إن كانا محرّمين فيلزمهما وجوب البيع ، ولا قائل به ، وإلاّ فلا يثبتان شيئا.

وعلى الثالث : أنّ غرضه استيفاء المنفعة من نفس العين الموقوفة ، وأمّا غير ذلك فلم يظهر كونه غرضا له.

وقد يوجّه بأنّ شاهد الحال يدلّ على رضا الواقف حين الوقف بالبيع مع سلب الانتفاع.

وفيه : أنّه لو سلمنا دلالته على ذلك فنقول : لا يكفي رضاه في ذلك.

والتوضيح : أنّ شاهد الحال إنّما يفيد فيما ثبت به ما علم ترتّب حكم‌

__________________

(١) التوبة : ٩١.

٣١٩

عليه ، كما في الإذن في التصرّف في المال ، فإنّه علم جواز التصرّف في مال شخص مع إذنه ورضاه ، فإذا علم الإذن بشاهد الحال يجوز التصرّف فيه. بخلاف ما إذا علم به رضاه ببيع ماله بثمن معيّن ، فإنّه غير كاف في لزوم البيع ، بل يتوقّف على التوكيل أو الإجازة بعد البيع ، فلو بعنا متاع الغير ـ الذي نعلم أنّه يريد بيعه بثمن معيّن بأزيد منه من غير توكيل في البيع ـ لا يحكم بلزومه من غير إجازة. وما نحن فيه من هذا القبيل ، إذ رضا الواقف ببيع الوقف من غير ذكره واشتراطه لا يكفي في لزومه ، بل في صحّته ، مع اقتضاء نفس الوقف عدم الجواز.

فالصواب الاستناد في الاستثناء إلى عدم كونه وقفا ، لأنّ الوقف شرعا وعرفا تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ، بل لا معنى للوقف على جهة إلاّ صرف منفعته فيها ، ولا يتحقّق إلاّ فيما يمكن فيه تحقّق الوصفين ، ولا يتحقّقان فيما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ، فلا يكون وقفا ، بل يختصّ بحال الانتفاع.

وأيضا يشترط في الموقوف : إمكان الانتفاع به مع بقاء عينه ابتداء إجماعا ، فهذا ممّا لا يمكن وقفه في مدّة انتفاء المنفعة بخصوصها ، فكذا في ضمن المدّة الشاملة لها.

ولو نوقش في ذلك وفرّق بين وقف لا منفعة فيه بخصوصه ، وما فيه منفعة في وقت ، فنقول : يكفي لنا عدم العلم بكونه وقفا بعد بطلان المنفعة ، فإنّ القدر المسلّم هو كون ذلك وقفا خارجا عن ملك الواقف ما دامت فيه منفعة ، وأمّا بعده فغير معلوم ولا دليل عليه.

وأمّا استصحاب الوقفيّة فلا حجّية فيه ، لمعارضته مع استصحاب عدمها الثابت قبل الوقف ، كما بيّنا تحقيقه في كتبنا الأصولية ، وبمثله صرح‌

٣٢٠