مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

حينه ، بل لو كان المراد الإجازة من حين الإذن ـ بمعنى : أنّه يتحقّق البيع حينئذ ـ فهو لم يجز العقد المتقدّم ، إذ المقصود منه وقوع البيع من حينه ، فهذا يحتاج إلى إنشاء جديد.

وإلى أنّه عقد يشمله عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، وليس ما يخرجه ، لأنّ المخرج هو ما إذا لم تلحقه الإجازة.

ويرد على الأول : أنّا نسلّم أنّ معنى الإجازة الرضا بمضمون العقد ، وهو انتقال المبيع إليه من حين العقد ، ولكن لا دليل على كون ذلك الرضا موجبا لتحقّق النقل الشرعي من حينه.

والتوضيح : أنّه لا شكّ أنّ مجرّد الرضا بانتقال شي‌ء إلى آخر في هذا الزمان أو زمان سابق لا يوجب نقله إليه ما لم يتحقّق عقد ، وكذا المفروض أنّا لا نعلم قبل الإجازة والرضا حصول الانتقال من حين العقد ، بل نقول بعدم النقل بذلك العقد لو لم تلحقه الإجازة ، وإنّما علمنا حصول النقل بهما معا ، وأيّ ملازمة شرعيّة بين حصول الرضا بمقتضى عقد في زمان وتحقّق مقتضاه شرعا؟! بل لو لا الدليل الشرعي لم نقل بتحقّقه شرعا من حين الرضا أيضا.

وعلى الثاني : أنّ دلالة الآية على لزوم العقود غير تامّة ، سلّمنا ، ولكنّ الأخبار الدالّة على عدم جواز بيع غير المالك ـ كما مرّ ـ أخرجت هذا العقد منه ، فتحقّق مقتضاه يحتاج إلى دليل آخر ، فيجب الاقتصار على القدر المتيقّن ، وهو حصول النقل من حين الإجازة.

وذهب المحقّق الأردبيلي إلى الأول ، بل قال : إنّه على ما أظنّه ظاهر ، مع أنّي أرى أكثرهم لا يقولون إلاّ بأنّه كاشف ، وما أرى له دليلا.

واستدلّ عليه بأنّ الظاهر من الآيات والأخبار والعقل والإجماع أنّ‌

٢٨١

رضا المالك جزء أو سبب أو شرط ، فكيف يصحّ العقد بدونه ويكون كاشفا لا سببا؟!

وبأنّه إن لم يكن الرضا جزءا ـ والمفروض عدم جزء آخر بالاتّفاق ـ فيلزم الحكم بالصحّة من دون إجازة أيضا.

وبأنّه لو لم يجز المالك يلزم الحكم بفساد العقد مع وجود جميع ما يتوقّف عليه.

وأجيب عن الجميع : بتسليم كون الرضا شرطا ، ولكن لا تجب مقارنته للعقد ، ولا يلزم من صحّة العقد السابق بعد تحقّقها صحّة العقد بدون الشرط ، إذ بعد حصول الإجازة يعلم كون العقد جامعا للشرائط ، وبعدمها يعلم فساد العقد.

ولا منافاة بين تأخّر الشرط عن المشروط ، فإنّ علل الشرع معرّفات.

أقول : توضيحه : أنّ صحّة العقد عبارة عن ترتّب الأثر عليه ، والمراد بالأثر : الانتقال الأعمّ من المتزلزل واللازم ، والمراد بكون الإجازة كاشفة عن الصحّة بأحد المعنيين : أنّ العقد حين إيقاعه صار موجبا لأحد الانتقالين وترتّب عليه هذا الأثر في الواقع ، ولكن لم يكن ذلك معلوما لنا ، فلمّا تحقّقت الإجازة علمنا بأنّ أحد الانتقالين كان متحقّقا حين العقد ، وإن لم يتحقق يعلم فساد العقد أولا.

فإن قيل : إن لم يتوقّف أحد الانتقالين على الإجازة فيحصل العلم به عند العقد ولم تكن الإجازة كاشفة ، وإن توقّف عليها فلا معنى لحصول أحد الانتقالين قبل تحقّق الشرط.

قلنا : الإجازة شرط في ترتّب الأثر واقعا ، ولكن ليس الشرط وجودها عند العقد بل في وقت.

٢٨٢

والحاصل : أنّه يتوقّف تأثير العقد على وجود الإجازة ، لا بمعنى توقّفه على وجودها الفعلي ، بل على وجودها ولو في وقت آخر ، فلو كان العقد في الواقع بحيث تتعقّبه الإجازة بعد مدّة يكون حين الصدور سببا تامّا ، وإذا كان في الواقع بحيث لم تتعقّبه الإجازة يكون فاسدا.

فإذا وقع العقد فهو في الواقع لا يخلو إمّا أن يكون متعقّبا للإجازة ، أو غير متعقّب لها.

فعلى الأول : يكون في الواقع ناقلا من حين العقد وإن لم يعلم به.

وعلى الثاني : يكون فاسدا وإن لم يعلم به.

وإذا تحقّقت الإجازة علمنا أنّه كان في الواقع متعقّبا لها وصحيحا ، فمرادهم من قولهم : السبب الناقل هو العقد المشروط بشرائط التي منها رضا المالك : أنّ العقد المشروط بهذا الشرط المتضمّن لحصوله ولو في وقت سبب ناقل ، لا أنّ العقد المشروط بهذا الشرط المتضمّن لحصوله حين العقد هو السبب الناقل.

وبذلك يظهر توضيح كلام الشهيد الثاني في الروضة عند شرح قول المصنّف : وهي كاشفة عن صحّة العقد (١).

وقد يجاب عن الدليل أيضا : بمنع كون الرضا سببا أو شرطا للانتقال والصحّة ، ولا دلالة لدليل على ذلك أصلا ، بل الانتقال في الجملة الحاصل في ضمن المتزلزل حاصل قبل الإجازة ، والإجازة شرط اللزوم والاستقرار ، نظير انقضاء الخيار في البيع اللازم.

أقول : لو قلنا بكون البيع الفضولي بيعا عرفا ، أو بتماميّة دلالة آية‌

__________________

(١) الروضة ٣ : ٢٢٩.

٢٨٣

الوفاء بالعقود ، وقلنا على التقديرين بعدم تماميّة شي‌ء من الأخبار الدالّة على عدم جواز بيع غير المالك أو عدم شمولها للفضولي ، وخصّصنا دليل اشتراط رضا المالك بالإجماع ، لتمّ كلّ من الجوابين المذكورين ، بل لم يحتج حينئذ في صحّة البيع الفضولي بعد الإجازة إلى دليل أيضا.

وأمّا لو قلنا بأنّ القاعدة المستفادة من الأخبار عدم جواز بيع غير المالك ، وعدم الجواز موجب للفساد ، وأنّ إخراج الفضولي بتوسّط الخبرين المتقدّمين (١) ، فلا يتمّ شي‌ء من الجوابين ، إذ لم يعلم من الخبرين إلاّ حصول الانتقال بعد الإجازة ، وأمّا حصوله قبلها ـ وإن توقّف العلم به على حصولها أو ترتّب الأثر على العقد المذكور وكون الرضا شرطا للّزوم ـ فلا دليل عليه.

ومن هذا وإن ظهر سرّ ما ذهب إليه الأكثر ـ وأنّه مبنيّ على مقدّمتين مقبولتين عندهم ، إحداهما : تماميّة دلالة الآية ، وثانيتهما : عدم تماميّة دلالة الأخبار على عدم صحّة بيع الفضولي ـ ولكن ظهر أنّ الحقّ ـ على القول بكفاية الإجازة وتأثيرها ـ هو كون الإجازة ناقلة من حينها ، لعدم صحّة المقدّمتين.

هـ : ثمَّ على تقدير عدم الإجازة فيما تفيد فيه الإجازة ، ومطلقا فيما لا تفيد فيه ، قالوا : كان للمالك أن يرجع إلى المشتري في عين ماله إذا كان باقيا مع نمائه الباقي ، متّصلا كان أو منفصلا ، وبقيمة ماله ونمائه أو مثلهما مع كونه تالفا بفعل المشتري أو غيرها ، وبعوض منافعها المستوفاة وغيرها ، سواء في كلّ ذلك كون المشتري عالما بأنّه مال الغير ، أو جاهلا.

ولم نعثر على مصرّح بالخلاف في شي‌ء من تلك الأحكام ، وأكثرها‌

__________________

(١) في ص : ٢٧٠ و ٢٧١.

٢٨٤

مصرّح به في كلام الأكثر ، بل مجمع عليه.

ويدلّ على جميع تلك الأحكام ما رواه الشيخ في أماليه ، عن رزيق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل اشترى أرضا لميّت بغير إذن ورثته ، فقال له الرجل المشتري : جعلني الله فداك ، كيف أصنع؟ فقال : « ترجع بمالك على الورثة ، وتردّ المعيشة إلى صاحبها ، وتخرج يدك عنها » ، قال : فإذا أنا فعلت ذلك فله أن يطالبني بغير هذا؟ قال : « نعم ، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة من ثمن الثمار ، وكلّ ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها ، يجب عليك أن تردّ ذلك ، إلاّ ما كان من زرع زرعته أنت ، فإنّ للزارع إمّا قيمة الزرع وإمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع ، فإن لم يفعل كان ذلك له وردّ عليك القيمة وكان الزرع له » ، قلت : جعلت فداك ، وإن كان هذا قد أحدث فيها بناء وغرسا؟ قال : « له قيمة ذلك ، أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه ويأخذه » ، قلت : أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقطع الغرس وهدم البناء؟ قال : « يردّ ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض ، فإذا ردّ جميع ما أخذ من غلاّتها إلى صاحبها وردّ البناء والغرس وكلّ محدث إلى ما كان أو ردّ القيمة كذلك يجب على صاحب الأرض أن يردّ عليه كلّما خرج عنه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة ودفع النوائب عنها ، كلّ ذلك فهو مردود إليه » (١).

وضعفها غير ضائر ، أمّا عندنا فظاهر ، وأمّا على المشهور بين المتأخّرين فلانجبارها بالشهرة بل الإجماع ، ودلالتها ـ على الرجوع في العين الباقية والنماء الباقي وقيمة التالف منهما بفعل المشتري ـ ظاهرة.

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٧٠٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٠ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٣ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٢٨٥

وأمّا دلالتها على الرجوع في التالف من المشتري وفي عوض المنافع المستوفاة وغيرها فقوله عليه‌السلام : « وكلّ محدث إلى ما كان أو ردّ القيمة » يستفاد منه وجوب ردّ كلّ ما يحدث عند المشتري مع إمكانه ، وردّ قيمته إن كانت له قيمة مع عدمه ، سواء كان الحدوث من المشتري أم لا.

ولا شكّ أنّ تلف العين والنماء وإن لم يكن بفعل المشتري أمر محدث فيجب ردّ قيمته ، وكذلك استيفاء المنافع ، بل إثبات المشتري يده على العين إثبات ليده على منافعه مطلقا وتصرّف فيه ، وهذا أيضا أمر محدث فيجب ردّ قيمته.

مثلا : إذا تصرّف المشتري في دار زيد وأثبت يده عليه في شهر فهو تصرّف في حقّ السكنى فيها في ذلك الشهر وإن لم يسكن فيه ، وهذا أمر محدث ، ولمّا لم يمكن ردّ ذلك ـ أي رفع التصرّف في هذا الشهر المخصوص ـ فتجب قيمته ، وهي أجرة المثل.

وترك الاستفصال في الرواية يدلّ على ثبوت الحكم في صورة علم المشتري وجهله ، بل الظاهر من قوله : « إمّا للزارع » إلى آخره ، وقوله : « كذلك يجب على صاحب الأرض » أنّ المشتري كان جاهلا.

وتدلّ على جميع تلك الأحكام أيضا ـ في صورة علم المشتري بأنّه مال الغير ـ صحيحة أبي ولاّد الطويلة ، حيث سأل الراوي : أنّه اكترى بغلة من الكوفة إلى قصر بني هبيرة بمبلغ في طلب غريم ، فلمّا خرج أخبر أنّ الغريم ذهب إلى النيل ، فلمّا ذهب إليه أخبر بتوجّهه إلى بغداد ، فتوجّه إليه وظفر به ورجع ، فأراد إرضاء المالك بالتواضع والتبذّل فلم يرض ، وحكم بعض قضاة العامّية بأنّه لا حقّ له ، فأجاب الإمام عليه‌السلام بأنّ عليه مثل كري البغل ذاهبا وجائيا ، قال : قلت : جعلت فداك ، فقد علفته بدراهم فلي عليه‌

٢٨٦

علفه؟ قال : « لا ، لأنّك غاصب » ، فقلت : أرأيت لو عطب (١) البغل أو نفق (٢) أليس كان يلزمني؟ قال : « نعم ، قيمة بغل يوم خالفته » ، قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر (٣) أو عقر (٤) فقال : « عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه » ، قلت : فمن يعرف ذلك؟ قال : « أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك » الحديث (٥).

وجه الدلالة : أنّ قوله : « لأنّك غاصب » يدلّ على أنّ كلّ من تصرّف في ملك الغير بغير إذنه مع علمه به وإن جوّز رضاه ولو ببذل مال ـ كما في المورد ـ يكون غاصبا. ومن القواعد المعلومة بالإجماع ـ بل الضرورة ـ: أنّه يجب على الغاصب ردّ ما غصبه مع بقائه ، وضمانه للقيمة مع التلف ، وكلّما ثبتت عليه يد المشتري فيما نحن فيه إذا علم أنّه مال الغير من العين والنماء والمنافع المستوفاة وغيرها من هذا القبيل.

بل يدلّ [ عليه ] (٦) أيضا [ قوله ] (٧) : « نعم قيمة بغل » ، لعدم القول‌

__________________

(١) عطب الهدي : هلاكه ، وقد يعبر به عن آفة تعتريه تمنعه من السير ـ مجمع البحرين ٢ : ١٢٤.

(٢) نفقت الدابة من باب قعد تنفق نفوقا : أي هلكت وماتت ـ مجمع البحرين ٥ : ٢٤١.

(٣) الدبر ـ بالتحريك ـ : كالجراحة تحدث من الرجل ونحوه ـ المغرب ١ : ١٧٤ ، مجمع البحرين ٣ : ٢٩٩.

(٤) العقر : الجرح ـ القاموس ٢ : ٩٦ ، المصباح المنير : ٤٢١.

(٥) الكافي ٥ : ٢٩٠ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٢١٥ ـ ٩٤٣ ، الاستبصار ٣ : ١٣٤ ـ ٤٨٣ ، الوسائل ١٩ : ١١٩ أبواب أحكام الإجارة ب ١٧ ح ١.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

٢٨٧

بالفصل بين البغل وغيره من الأموال.

ويدلّ على بعض هذه الأحكام قوله عليه‌السلام : « الناس مسلّطون على أموالهم » (١).

و : « على اليد ما أخذت » (٢).

وموثّقة جميل : في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولّدها ، ثمَّ يجي‌ء مستحقّ الجارية ، فقال : « يأخذ الجارية المستحقّ ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه » (٣).

ورواية زرارة : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل اشترى جارية من سوق المسلمين ، فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا ، ثمَّ أتاها من يزعم أنّها له وأقام على ذلك البيّنة ، قال : « يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ، ويعوّضه في قيمة ما أصابه من لبنها وخدمتها » (٤).

ورواية أخرى له : قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ، ثمَّ يجي‌ء رجل فيقيم البيّنة على أنّها جاريته ولم يبع ولم يهب ، قال : فقال : « يردّ إليه جاريته ويعوّضه ممّا انتفع » (٥).

ويستفاد من الموثّق وجوب دفع قيمة النماء أيضا إذا كان باقيا ولم يمكن دفعه شرعا.

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ : ٢٢٢ ـ ٩٩.

(٢) عوالي اللئالي ١ : ٣٨٩ ـ ٢٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٨٢ ـ ٣٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٤ ـ ٢٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ٥.

(٤) التهذيب ٧ : ٨٣ ـ ٣٥٧ ، الاستبصار ٣ : ٨٥ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٥ : ٢١٦ ـ ١٣ ، التهذيب ٧ : ٦٤ ـ ٢٧٦ ، الاستبصار ٣ : ٨٤ ـ ٢٨٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ٢.

٢٨٨

ولو تلف نماء متّصل وبقيت العين ـ كالسمن ـ وردّ العين ، يجب ردّ قيمة النماء ، لما مرّ ، ولكنّه مخصوص بما إذا كانت له قيمة. والوجه ظاهر.

ثمَّ المستفاد من تلك الأخبار رجوع المالك إلى المشتري ، وقد ذكر كثير منهم تخيّر المالك في صورة تلف العين بين الرجوع إليه أو إلى البائع.

ووجهه ـ في صورة مسبوقيّة تصرّف المشتري بتصرّف البائع في التلف ـ ظاهر.

وأمّا مع عدم المسبوقيّة ـ بأن تكون العين في يد المشتري فباعه البائع أو في يد ثالث ـ فلم أعثر لجواز الرجوع على البائع على وجه ، والظاهر عدم جوازه.

و : وفي القيمة التي يرجع إليها المالك إذا تفاوتت من حين التصرّف إلى زمان الدفع أقوال : مذهب المحقّق في النافع والشيخ في موضع من المبسوط إلى أنّها قيمة يوم التصرّف (١) ، ونسبه في الشرائع إلى الأكثر (٢).

وقال الشيخ في النهاية والخلاف وموضع من المبسوط وابن حمزة والحلي : أنّها أعلى القيم من حين التصرّف إلى التلف (٣) ، ومال إليه في الدروس (٤) ، واختاره في اللمعة والروضة (٥) ، ونسبه في المختلف والتنقيح‌

__________________

(١) النافع : ٢٥٦ ، المبسوط ٣ : ٦٠.

(٢) الشرائع ٣ : ٢٤٠.

(٣) لم نعثر عليه في النهاية ، نعم حكاه عنه في المقتصر : ٣٤٢ والمهذب البارع ٤ : ٢٥٢ ، الخلاف ٣ : ٤٠٣ و ٤١٥ ، المبسوط ٣ : ٧٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٧٦ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٣٢٥ و ٤٨١.

(٤) الدروس ٣ : ١١٣.

(٥) اللمعة والروضة ٣ : ٢٣٤.

٢٨٩

إلى الأكثر (١).

وذهب القاضي والفاضل في المختلف إلى أنّها قيمة يوم التلف (٢) ، ونسبه في الدروس إلى الأكثر (٣).

وقيل : بأنّها أعلاها من حين التصرّف إلى وقت الدفع (٤) ، اختاره بعض المتأخّرين (٥).

والحقّ هو : الأول ، لا لما قيل من أنّه زمان اشتغال ذمّته وضمانه للقيمة (٦) ، لمنع ضمانه للقيمة حينئذ ، وإنّما هو ضامن لردّ العين ، وإنّما يضمن القيمة لو تلفت العين ، بل لصحيحة أبي ولاّد المتقدّمة (٧).

وليس محطّ استدلالنا فيها قوله : « قيمة بغل يوم خالفته » حتى يرد أنّه يحتمل أن يكون قوله : « يوم خالفته » متعلّقا بقوله : يلزم ، المدلول عليه بقوله : « نعم » ويكون المراد : نعم يلزمك ـ لو هلك ـ قيمة البغل من يوم المخالفة ، ويكون دفعا لتوهّم الضمان لو تلف قبل المخالفة.

بل قوله : « أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك » فإنّ معناه : فيلزمك قيمة البغل حين أكرى.

ولا يرد : أنّه ليس حين المخالفة ، فتلزم القيمة قبل المخالفة ، وهو مخالف للإجماع.

__________________

(١) المختلف : ٤٥٥ ، التنقيح ٢ : ١٧٤.

(٢) القاضي في جواهر الفقه : ١١٠ ، المختلف : ٤٥٥.

(٣) الدروس ٣ : ١١٣.

(٤) انظر الرياض ٢ : ٣٠٤.

(٥) حكاه في الرياض ٢ : ٣٠٤ عن العلامة المجلسي.

(٦) انظر التنقيح ٢ : ٣٢.

(٧) في ص : ٢٨٦.

٢٩٠

لأنّه لا فاصلة يعتدّ بها بين وقتي المخالفة والإكراء في المورد ، كما يدلّ عليه صدر الحديث.

والمراد بالمخالفة في الحديث : التصرّف بدون الإذن دون التصرّف مع النهي ، لعدم نهي صاحب البغلة عن التجاوز.

فلا يرد أنّ المخالفة غير متحقّقة فيما نحن فيه ، واختصاصها بالعالم بأنّه ملك الغير غير ضائر ، لعدم القول بالفصل.

احتجّ المخالف الأول بأنّ اشتغال ذمّة المتصرّف يقيني ، ولا يحصل بالبراءة إلاّ بدفع أعلى القيم.

وبأنّه مضمون في جميع حالاته ، التي من جملتها حالة أعلى القيم ، ولو تلف فيها لزم ضمانه ، فكذا بعده.

ويرد على الأول : أنّ المتيقّن اشتغال ذمّته به هو أدنى القيم من القيم الأربعة المذكورة ، لا مطلقا.

وعلى الثاني : أنّ ضمان العين في تلك الحالة غير مفيد ، وضمان القيمة إنّما هو على تقدير التلف لا مطلقا.

وقال صاحب الكفاية لتقوية هذا القول : إنّ المتصرّف في أول زمان التصرّف مكلّف بإيصال العين إلى المالك في ذلك الوقت ، فإن لم يفعل كان عليه أن يجبر النقصان الذي حصل للمالك بسببه ، وهو إمّا بردّ العين في زمان آخر ، أو قيمته في الزمان الأول عند تعذّر ذلك ، وكذلك في الزمان الثاني والثالث ، فإذا فرض زيادة القيمة في بعض هذه الأزمنة كان عليه ردّها عند تعذّر العين (١).

__________________

(١) الكفاية : ٢٥٧.

٢٩١

ويظهر ما فيه ممّا مرّ ، فإنّ مع بقاء العين ليس على المتصرّف إلاّ ردّها ، ولا تشتغل ذمّته بالقيمة مطلقا إلاّ عند التلف.

واحتجّ الثاني : بأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما هو عند التلف ، فيعتبر في تلك الحال.

وفيه : منع استلزام التلف الانتقال إلى القيمة حينه ، إذ لا مانع من تعيين قيمة أخرى بدليل آخر.

وبأنّ اعتبار الأزيد منه لا دليل عليه ، واعتبار الأدون يوجب الضرر المنفي.

وفيه : منع إيجاب اعتبار الأدون للضرر ، إذ ليست القيمة السوقيّة في حال ممّا يحصل بالمنع عن استيفائها ضرر ، ولذا لو منع مانع آخر عن بيع ماله حتى ينقص قيمته لا يحكم بضمانه.

وقد يقال : إنّه قد ورد في الأخبار الأمر بردّ قيمة التالف ، والمتبادر من قيمته قيمة وقت التلف.

وفيه : منع تبادر ذلك ، ولكنّ الظاهر عدم الريب في أنّ المتردّد فيه من أمثال ذلك في العرف إنّما هو قيمة وقت التصرّف ووقت التلف ، وأمّا غيرهما فلا يحتمله أصلا.

ومن هذا يظهر فساد غير القول الأول والثالث مطلقا ، والتردّد إنّما هو بينهما لو لا الصحيح المتقدّم.

وحكم النماء التالف أيضا حكم العين في اعتبار وقت التصرّف.

وأمّا المنافع ، فلكونها تدريجيّة غير قارّة فلا يجري فيها ذلك الخلاف.

هذا كلّه إذا كان التفاوت من جهة السوق وتلفت العين.

٢٩٢

أمّا إذا كانت العين باقية وردّها فلا يضمن التفاوت السوقي ، بلا خلاف ، للأصل.

كما أنّه لا خلاف في ضمان الأعلى إذا كان التفاوت من جهة زيادة عينيّة ـ كالسمن ـ أو وصفيّة ـ كتعلّم صنعة ونسيانها ـ سواء كان حصول الزيادة بفعل المتصرّف أو لا ، وسواء كان نقصها بتفريطه أم لا.

ولا فرق في ضمان قيمة تلك الزيادة عند تلفها بين بقاء العين وردّها وبين تلفها وردّ قيمتها.

نعم ، لو زاد في العين ما لا قيمة له ـ كسمن مفرط ـ فلا ضمان فيه.

وظهر ممّا ذكر أنّه لو كان المبيع فرسا ـ مثلا ـ وكانت قيمته يوم القبض ثلاثين درهما وكان مهزولا ، ثمَّ سمن وتلف وكانت القيمة حينئذ عشرين درهما لأجل السوق ، بحيث لو كان حينئذ مهزولا كالأول كانت قيمته عشرة دراهم ، يجب عليه دفع أربعين درهما : ثلاثون قيمة يوم القبض ، وعشرة قيمة الزيادة التالفة.

وأنّه لو كان حين القبض سمينا وقيمته عشرون درهما ، ثمَّ هزل ولكن كانت قيمته السوقيّة ثلاثين درهما ، وردّه حينئذ ، يجب على المتصرّف دفع التفاوت بين قيمة السمين والمهزول يوم القبض أيضا.

إلى غير ذلك من الفروعات المتكثّرة ، ويجي‌ء شطر منها مع سائر ما يناسب هذا الباب في كتاب الغصب.

ز : ولو اختلفت قيمة العين أو النماء في بلد القبض والتلف أو الدفع ، فالظاهر اعتبار مكان يتحقّق فيه ضمان القيمة ، ويحتمل اعتبار الأدون من قيم الأمكنة الثلاثة ، للأصل.

ح : وعلى تقدير بقاء العين إذا احتاج ردّه إلى مئونة فعلى الدافع ،

٢٩٣

لوجوب الدفع عليه وتوقّفه عليها.

ط : ثمَّ إذا رجع المالك إلى المشتري فيما ذكر ، فإن كان المشتري عالما بأنّه مال الغير ولم يكن البائع يدّعي الإذن فلا يرجع المشتري إلى البائع بغير الثمن الذي أعطاه ممّا اغترمه للمالك ، إجماعا ، للأصل.

وأمّا الثمن ، فإن كان موجودا كان للمشتري الرجوع به على الأقوى ، وفاقا لجماعة ، منهم : المحقّق في بعض تحقيقاته (١) ، والفاضل في المختلف والتذكرة (٢) ، والشهيدان في اللمعة والروضة والمسالك (٣) ، لأصالة عدم الانتقال ، وتسلّط الناس على أموالهم.

وإن لم يكن موجودا فلا يرجع به ، وفاقا للأكثر ، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا (٤) ، لأصالة براءة ذمّته وعدم دليل على ضمانه ، ولم يثبت عموم ضمان كلّ من أتلف مال غيره بحيث يشمل ما نحن فيه أيضا.

وحرمة تصرّف البائع لو سلّمت لا تستلزم الضمان.

وقوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت » (٥) يدلّ على أداء العين لا وجوب العوض.

ورواية الأمالي وموثّقة جميل المتقدّمتان (٦) مخصوصتان بالجاهل ، أمّا الأولى فلما مرّ ، وأمّا الثانية فللأمر فيها بأخذ الولد وإعطاء قيمته.

فإن قيل : إنّ المشتري أذن في التلف بشرط عدم تحقّق أخذ‌

__________________

(١) نقله عنه في المسالك ١ : ١٧٢.

(٢) المختلف : ٣٤٨ ، التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٣) اللمعة والروضة ٣ : ٢٣٥ ، المسالك ١ : ١٧٢.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٥) عوالي اللئالي ١ : ٣٨٩ ـ ٢٢.

(٦) في ص : ٢٨٥ ، ٢٨٨.

٢٩٤

العوض ، وقد انتفى الشرط فينتفي المشروط ، فيكون متلفا لمال الغير بدون إذنه ، وهو موجب للضمان قطعا.

قلنا : الاشتراط ممنوع ، بل نعلم قطعا أنّه يريد تسليمه إيّاه قبل تحقّق استرداد المبيع أو عوضه أن يتصرّف فيه كيف شاء ، كيف؟! ولو كان كما قيل فإن كان المراد اشتراط الإذن بعدم تحقّق استرداده في بعض الآنات فقد حصل الشرط ، وإن كان اشتراطه بعد تحقّق استرداده في شي‌ء من الأزمنة يلزم أن يكون منظورة عدم التصرّف فيه أبدا ، وهو منفي قطعا.

نعم ، مقصوده أخذ العوض لو تحقّق استرداد المبيع أو عوضه ، وذلك القصد غير موجب للضمان ، بل لا دليل على إيجابه له لو كان منظور البائع ردّ عوضه أيضا.

نعم ، لو كان البيع فضولا لأجل المالك ، وسلّم المشتري الثمن إلى البائع ليسلّمه المالك لو أجاز ، وأتلفه البائع ، فالوجه الرجوع إليه ، والوجه ظاهر. أمّا إذا تلف حينئذ لا من جهة البائع فلا رجوع إليه أيضا.

وإن كان المشتري جاهلا فيرجع إلى البائع بالثمن الذي أعطاه البائع مطلقا ، تالفا كان أم باقيا ، لرواية الأمالي وموثّقة جميل (١) أيضا.

وكذا بسائر ما اغترمه للمالك ممّا لم يحصل له في مقابلته له عوض ، بلا خلاف يعرف ، كزيادة الثمن التي يؤدّيها في صورة التلف ، وقيمة النماء التالف ، واجرة ما لم ينتفع به ، وقيمة الولد ، وأمثالها ، ومنها ما صرف في إصلاح المبيع بل تزيينه ، وكلّ ما يجوز لمالك الملك صرفه فيه.

وتدلّ عليه ـ بعد ظاهر الإجماع ـ موثّقة جميل ، بضميمة الإجماع‌

__________________

(١) المتقدمتين في ص : ٢٨٥ و ٢٨٨.

٢٩٥

المركّب ، وعموم قوله عليه‌السلام : « المغرور يرجع على من غرّه » نقله المحقّق الشيخ علي في حاشيته على الإرشاد ، وضعفه غير ضائر ، لأنّ الشهرة بل الإجماع له جابر ، بل هذه قاعدة مسلّمة بين جميع الفقهاء متداولة عندهم ، يستعملونها في مواضع متعدّدة ، كالغصب ، والتدليس في المبيع ، والزوجة ، والجنايات ، وأمثالها.

وتدلّ عليه العلّة المنصوصة في رواية رفاعة : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة زوّجها وليّها وهي برصاء أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها ، وأنّ المهر على الذي زوّجها ، وإنّما صار المهر عليه لأنّه دلّسها » (١).

وأمّا ما اغترمه ممّا حصل له في مقابله نفع ـ كعوض الثمرة واجرة السكنى ـ ففي الرجوع به إلى البائع وعدمه قولان :

الأول : للمحقّق في تجارة الشرائع ، وصاحب التنقيح (٢).

والثاني : للشيخ في المبسوط والخلاف والحلّي (٣).

ولعلّ الأظهر هو الأول ، لما مرّ من رجوع المغرور إلى الغارّ ، والعلّة المنصوصة ، ولكن يجب التخصيص بما إذا كان البائع عالما بأنّه ملك الغير لتحقّق التغرير والتدليس ، وإلاّ فلا يرجع ، للأصل.

وعدم القول بالفصل غير معلوم ، ولو لا إطلاق موثّقة جميل (٤) وظاهر‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٧ ـ ٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٤ ـ ١٦٩٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٥ ـ ٨٧٨ ، مستطرفات السرائر : ٣٦ ـ ٥٣ ، الوسائل ٢١ : ٢١٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢ ح ٢.

(٢) الشرائع ٢ : ١٤ ، التنقيح ٤ : ٧٥.

(٣) المبسوط ٣ : ٧١ ، الخلاف ٣ : ٤٠٣ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٣٢٥.

(٤) المتقدمة في ص : ٢٨٨.

٢٩٦

الإجماع لقلنا بمثل ذلك فيما لم يحصل في مقابلته نفع أيضا.

ي : لا يخفى أنّ ظاهر كثير من عباراتهم أنّ ما ينفقه المشتري في المبيع لإصلاحه ودفع النوائب عنه حكمه حكم ما اغترمه المشتري ولا نفع له ، فيجوز له الرجوع فيها على البائع ، وصريح رواية الأمالي (١) أنّه يجب على المالك ردّ جميع ذلك ، وردّ النصّ الصريح بمجرّد مخالفة جمع من المتأخّرين غير جائز.

نعم ، لو ثبت الإجماع على الأول لكان هو المتعيّن ، ولكنّه غير ثابت ، فالفتوى على الثاني ، ولكنّ ذلك مختصّ بصورة الجهل ، وأمّا مع العلم فلا يرجع به إلى أحد ، كما صرّح به في صحيحة أبي ولاّد (٢).

المسألة الثانية : لو باع المملوك له ولغيره صفقة في بيع واحد ، وقف البيع في غير المملوك على الإجازة ، على القول بصحّة الفضولي ، وبطل على القول المختار ، وصحّ في المملوك مطلقا ، سواء حصلت الإجازة في غيره أم لا.

أمّا الأول فوجهه ظاهر ممّا مرّ.

وأمّا صحّته في المملوك فهو الحقّ المشهور بين أصحابنا ، بل عن الغنية والتذكرة الإجماع عليه (٣) ، وصرّح بعضهم بعدم الخلاف فيه (٤) ، ووجهه ـ على ما ذكرنا من معنى البيع عرفا ـ ظاهر ، فإنّه قد ورد البيع عرفا على هذا البعض المملوك ولو في ضمن وروده على الكلّ ، وانضمام شي‌ء آخر معه لا يخرج هذا البعض عن كونه مبيعا ، ولا البائع عن كونه بائعا له ،

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٢٨٥.

(٢) المتقدمة في ص : ٢٨٦.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٥ ، التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٤) انظر الرياض ١ : ٥١٣.

٢٩٧

فتشمله عمومات صحّة البيع ولزومه (١) ، وصحيحة الصفّار المتقدّمة في أوائل المبحث (٢).

نعم ، يشكل على القول باشتراط تحقّق البيع وصحّته على الشرع ، إذ لا دليل شرعا على أنّ بيع الكلّ بيع لجزئه ، إلاّ أن يدّعى الإجماع في خصوص المسألة ، كما هو الظاهر.

واحتمل بعض المتأخّرين البطلان رأسا (٣) ، أي بعد عدم إجازة مالك البعض الآخر على القول بتأثيرها ، ومطلقا على عدمه.

لأنّ العقد تابع للقصد ، والمقصود هو بيع المجموع لا الجزء.

وأيضا الجزء ليس نفس ما وقع عليه البيع فلا بيع حينئذ فيه.

ويرد على الأول : أنّه إن أريد أنّه لم يقصد بيع الجزء أصلا فبطلانه ظاهر ، لأنّ قصد بيع الكلّ يستلزم قصد بيع جزئه ، وما لا يقصد بيع جزئه لا يقصد بيع كلّه.

وإن أريد أنّه قصد كونه جزءا للمبيع ـ أي بشرط كونه في ضمن الكلّ ـ ففيه : أنّه ممنوع ، غاية الأمر أنّه لا يعلم قصد كونه مبيعا برأسه أيضا ، وهو غير مضرّ.

والتوضيح : أنّه علم قصد بيعه قطعا ولكنّه يحتمل أن يكون مراده بيعه مطلقا ، سواء أجاز مالك البعض الآخر أيضا أم لا ، وأن يكون بيعه منضمّا مع البعض الآخر ، والثابت من عمومات البيع نفوذ البيع مطلقا ، سواء قصد استقلال ما قصد بيعه ، أو جزئيّته لغيره ، أو لم يعلم شي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٣٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١.

(٢) راجع ص : ٢٥٢.

(٣) انظر مجمع الفائدة ٨ : ١٦٢.

٢٩٨

منهما ، خرج ما علم فيه الجزئيّة وانتفاء الجزء الآخر بالإجماع ، فيبقى الباقي.

وعلى الثاني : أنّه يصحّ على القول بوجوب الاقتصار في تحقّق البيع بما علم كونه بيعا شرعا.

وأمّا على ما ذكرنا ـ من أنّه يتحقّق بتحقّق كلّ ما دلّ على نقل الملك به بقصد المبايعة ـ فلا ، إذ هو أعمّ من أن تكون الدلالة بالمطابقة أو التضمّن أو الالتزام ، ولذا لو باع أحد داره وفرسه صفقة يقال : إنّه باع فرسه.

ثمَّ إن أجاز مالك البعض الآخر وقلنا بتأثيرها ، وإلاّ فإن كان المشتري عالما بأنّ بعضه مال الغير ولم يدّع البائع الإذن فلا خيار له ، للأصل.

والكلام في الرجوع على البائع بثمنه وغيره كما تقدّم.

وإن كان جاهلا أو ادّعى البائع الإذن قالوا : كان له الخيار في المملوك أيضا ، واستدلّوا عليه تارة بأنّ تبعّض الصفقة أو الشركة عيب موجب للخيار ، واخرى بأنّهما موجبان الضرر المنفي. وفي إطلاقهما نظر ظاهر ، إلاّ أنّ الظاهر عدم الخلاف.

ولا يبعد أن يستدلّ عليه برواية عمر بن حنظلة الآتية الواردة فيمن باع أرضا على أنّ فيها عشرة أجربة ، فلمّا مسح فإذا هي خمسة أجربة (١).

والمسألة محلّ إشكال ، ولعلّه يأتي الكلام فيها.

فإن فسخ المشتري يرجع كلّ مال إلى مالكه ، وإن أمضى في المملوك فيلزم ويقسّط الثمن على المالين ، وفي كيفيّته كلام.

والوجه ـ كما قيل (٢) ـ أن يقال : إذا لم تكن قيمة المجموع زائدة على‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٥١ ـ ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٣ ـ ٦٧٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٧ أبواب الخيار ب ١٤ ح ١.

(٢) كما في كفاية الأحكام : ٨٩.

٢٩٩

مجموع قيمتي الجزءين يقوّم واحد منهما ، مثل المملوك ، ويقوّم المجموع ، وتراعى النسبة بين قيمته وقيمة المجموع ، ويأخذ البائع من الثمن بتلك النسبة ، ويردّ الباقي على المشتري.

أو يقوّم غير المملوك والمجموع ، وتراعى النسبة ، ويرجع المشتري من الثمن بتلك النسبة ، ويأخذ البائع الباقي.

وإن كانت قيمة المجموع زائدة يقوّم المملوك والمجموع ، وتراعى النسبة بين القيمتين ، ويأخذ البائع من الثمن بتلك النسبة ، ويرجع المشتري بالباقي.

أو يقوّم كلّ منهما والمجموع ، وتراعى النسبة بين مجموع قيمتي الجزءين وقيمة المجموع ، ويجعل من الثمن قدرا بتلك النسبة بإزاء مجموع القيمتين والباقي بإزاء الهيئة التركيبيّة ، ويأخذ البائع من الثمن بنسبة قيمة مملوكه إلى مجموع القيمتين ، ويرجع المشتري على البائع بالباقي.

المسألة الثالثة : لو باع ما يملك مع ما لا يملك مطلقا ـ كالحرّ ـ أو لا يملكه المسلم ـ كالخمر والخنزير ـ فيصحّ البيع فيما يملك دون ما لا يملك ، ويقسّط الثمن عليهما على ما مرّ ، وطريق تقويم الحرّ فرض كونه عبدا بهذه الصفة ، ويقوّم الخمر والخنزير عند مستحلّيهما ، والكلام فيما كان للهيئة الاجتماعيّة مدخليّة ـ كخفّين أحدهما جلد الخنزير ـ كالسابق.

ولا يخفى أنّ تقويم الخمر والخنزير عند مستحلّيهما إنّما هو عند علم المتبايعين بكونه خمرا أو خنزيرا ، أمّا مع ظنّ كونهما خلاّ أو شاة فيقوّم مثله لو كان شاة أو خلاّ على ما هو من الأوصاف ، ويقع الإشكال فيما لم يكن اتّحاد الأوصاف.

ثمَّ إنّ الحكم بصحّة البيع فيما يملك ـ مع جهل المتابعين بفساد البيع‌

٣٠٠