مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

وإن لم يقصده قبله ، فمقتضى الأصول وإن كانت براءة ذمّته عن المثل أو القيمة لعدم كونه غاصبا ، وجواز رجوعه إلى عينه للأصل ، إلاّ أنّ الإجماع ونفي الضرر يمنعان عن الأمرين معا ، فلا بدّ من أحدهما ، ولكن تعيين أحدهما مشكل.

وتعيين الاشتغال مطلقا أو على كون المعاطاة إباحة محضة لقاعدة الغصب كعدم الرجوع على كونها تمليكا لئلاّ يلزم الجمع بين المالين باطل ، لمنع صدق الغصب ، وتسليم جواز جمع المالين إذا اشتغلت ذمّته بمثل أحدهما أو قيمته ، إلاّ أن تعيّن الاشتغال بإثبات جواز الرجوع بمثل : « الناس مسلّطون على أموالهم » (١) و : « على اليد ما أخذت » (٢).

ولو كان التالف بعض أحدهما أو كليهما ففيه احتمالات قد تختلف باختلاف كونهما مثليّين أو قيميّين ، أو التالف بعضه في صورة التلف من أحدهما مثليّا والآخر قيميّا أو بالعكس ، وكون التالفين متساويين أو مختلفين في صورة التلف منهما.

ولو لم تتلف العين ولكن وقع التصرّف فيها ، فإن كان بنقل الملك اللازم فكالتلف ، لأنّه سلّطه على ذلك.

وإن كان بالمتزلزل فيحتمل اللزوم أو الإلزام بالاسترداد أو بالمثل أو القيمة.

والتصرّف فيه بالإباحة للغير كالموجود ، وبمثل اللبس والركوب لا يمنع الرجوع في العين.

وهل يجوّزه بالأجرة؟ يحتمل الجواز ، لنفي الضرر. والعدم ،

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ : ٢٢٢ ـ ٩٩.

(٢) عوالي اللئالي ١ : ٣٨٩ ـ ٢٢.

٢٦١

للأصل واستناد الضرر الى تقصير مالكه في التحفّظ بإيجاب البيع ، ولعلّه الأظهر ، إلاّ إذا قصد الرجوع قبل التصرّف فيصير غصبا.

وكذا لا يمنع الرجوع تغيير العين ، كطحن الحنطة وقصّ الثوب.

وليس للمغيّر الرجوع إلى أجرة العمل ، إلاّ إذا كان الرجوع من الآخر على إشكال ، ومثله ما لو حدث بالتغيير أثر متجدّد في العين كصبغ الثوب ، وكذا الاشتباه بالغير أو الامتزاج بحيث ( لم يمكن ) التمييز ، وامتناع الرادّ بعينه غير ضائر ، أو يكون الحكم حينئذ كالحكم فيما إذا اشتبه أو امتزج عدوانا أو خطأ ، ولا رجوع بالنماء الحاصل إذا تلف ، ويرجع به مع بقائه.

٢٦٢

الفصل الثاني

في شرائط المتعاقدين‌

وهي أمور :

منها : البلوغ‌ ، فلا يصحّ بيع الصبي مطلقا ، مميّزا كان أو لا ، بإذن الولي أو بدونه ، في ماله أو مال غيره.

وعن الشيخ قول بالجواز في من بلغ عشرا عاقلا (١).

وعن التحرير جوازه مع إذن الولي إذا أراد اختباره (٢).

واستظهر بعض المتأخّرين الجواز في الدون وفيما إذا كان الصبي آلة (٣).

واستشكل في الكفاية في المميّز (٤).

لنا : ـ بعد الأصول ـ رواية حمزة بن حمران ، المعتضدة بعمل الأصحاب في هذه المسألة ومسألة تحديد البلوغ ، الصحيحة عن الحسن بن محبوب الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وفيها : « الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع ، وأقيمت عليها الحدود التامّة ، وأخذ لها بها » ، قال : « والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك » (٥).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٦٣.

(٢) التحرير ١ : ١٦٤.

(٣) كما في مفاتيح الشرائع ٣ : ٤٦ ، مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٠ ، الرياض ١ : ٥١١.

(٤) كفاية الأحكام : ٨٩.

(٥) الكافي ٧ : ١٩٧ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٠ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٤ ح ١.

٢٦٣

وصحيحة عليّ بن رئاب : عن رجل مات وترك أولادا صغارا وترك مماليك غلمانا وجواري ـ إلى أن قال السائل ـ : فما ترى في من اشترى منهم الجارية يتّخذها أمّ ولد؟ قال : « لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم الناظر لهم فيما يصلحهم » (١) ، دلّت بمفهوم الشرط على البأس في بيع غير القيّم.

ويدلّ على المطلوب أيضا قوله سبحانه ( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) (٢).

حيث إنّ المراد بالدفع المنهي عنه بالمفهوم قبل البلوغ هو التسليط على التصرّف قطعا ، والبيع والشراء ولو بمجرّد الصيغة تصرّف ، لأنّه تمليك أو تملّك. ويؤيّد المطلوب بعض الظواهر الأخر أيضا.

وبما ذكر تخصّص عمومات البيع وإطلاقاته ، ولا حاجة إلى بعض التمحّلات التي قد ترتكب للتفصّي عنها.

ويظهر منه أيضا وجه التفصّي عن بعض ما يتوهّم منه الجواز ، من الروايات الواردة في أحكام الصبي (٣) ، فإنّها بين شاملة للمبحث بعموم أو إطلاق يجب تخصيصه ، أو مخصوصة بغيره.

دليل الشيخ ـ على ما قيل (٤) ـ : بعض الظواهر الدالّة على جواز عتق الصبيّ أو تصدّقه أو وصيّته (٥). وجوابه ظاهر.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠٨ ـ ١ ، الفقيه ٤ : ١٦١ ـ ٥٦٤ ، التهذيب ٧ : ٦٨ ـ ٢٩٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٦١ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٥ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) النساء : ٦.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٦٠ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٤.

(٤) انظر الرياض ١ : ٥١١.

(٥) الوسائل ١٩ : ٣٦٠ أبواب أحكام الوصايا باب ٤٤ ، وج ٢٣ : ٩١ أبواب العتق ب ٥٦.

٢٦٤

وحجّة التحرير : الآية ، لشمول الاختبار للبيع والشراء.

وفيها ـ بعد تسليم الشمول وإفادتها الأمر بالعموم ـ أنّها مخصّصة بما مرّ.

ومستند المجوّز في الدون وفيما كان آلة : دفع العسر ، وجريان العادة بحيث يعطي الإجماع.

وفيه : أنّهما لا يثبتان إلاّ إباحة التصرّف دون ترتّب أحكام البيع ، مضافا إلى منعهما.

وقد يزاد في دليل الثاني : أنّ مع كونه آلة يكون البائع والمشتري حقيقة من له الأهليّة.

وفيه : أنّه إن أريد بكونه آلة أن يصدر ما ينقل به الملك من اللفظ أو مثله من البائع ، وهو بأمر الصبي بمجرّد الإعطاء والأخذ الغير المحتاجين إلى قصد بيع وشراء ، فهو ليس بيعا وشراء.

وإن أريد أن يكون القاصد للنقل وعاقد البيع هو الصبي ، فهو البائع حقيقة ولا يكون آلة ، بل يكون مثل الوكيل ، وترتّب الأثر على فعله يحتاج الى الدليل.

ولم أعثر لمن يستشكل في المميّز على حجّة سوى إطلاقات البيع ، وقد عرفت جوابها.

هذا ، ثمَّ إنّه هل يجوز التصرّف فيما يؤخذ من الصبي ثمنا أو مثمّنا ، أم لا؟

إن ثبتت حرمة التصرّف فيما يقبض بالبيع الفاسد مطلقا فعدم الجواز ظاهر ، وإلاّ فكذلك إن لم يعلم إذن الولي أو المالك ، وإن علم ففيه تفصيل يأتي في بحث الحجر مع سائر ما يتعلّق بأخذ المال من الصبي أو دفعه إليه.

٢٦٥

ومنها : الرشد ، فلا يصحّ بيع السفيه ، بالإجماع ، والآية المتقدّمة ، وقوله سبحانه ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (١) بالتقريب المذكور.

وبه تظهر دلالة رواية هشام أيضا : « وإن احتلم ولم يؤنس رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله » (٢).

ويدلّ عليه الموثّق أيضا : « إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات ، وكتبت عليه السيئات ، وجاز أمره إلاّ أن يكون سفيها أو ضعيفا » (٣) ، دلّ على أنّ السفيه لا يجوز أمره ، ولكونه منفيّا يفيد العموم.

ومنه يمكن استفادة عدم صحّة بيعه ولو كان بإذن الولي أو المالك.

ومنها : العقل ، فلا يصحّ بيع المجنون ، ولا المغمى عليه ، ولا السكران ، بلا خلاف.

ومنها : القصد إلى النقل ، فلا يصحّ من الهازل إجماعا ، ولما يأتي ، وكذا لا يصحّ حال الغصب المستولي على العقل.

ومنها : الاختيار ، فلا يصحّ بيع المكره إلاّ ما استثني ، للإجماع.

ورواية محمّد : « من اشترى طعام قوم وهم له كارهون قصّ لهم من لحمه يوم القيامة » (٤) ، وهو في قوّة النهي الدالّ على الفساد في مثله على الأقوى.

__________________

(١) النساء : ٥.

(٢) الكافي ٧ : ٦٨ ـ ٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٠ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٤ ح ٢ ، بتفاوت.

(٣) الكافي ٧ : ٦٨ ـ ٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٦١ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٤ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٩ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ١٣٢ ـ ٥٨٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٣٨ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١ ح ١١.

٢٦٦

وقوله عليه‌السلام : « رفع عن أمّتي ما استكرهوا عليه » (١) أي أحكامه.

والأخبار الواردة في فساد طلاق المكره (٢) بضميمة الإجماع المركّب.

ولعدم ثبوت كونه بيعا شرعا ، وليس بيعا عرفا أيضا ، إذ قد عرفت أنّ تحقّقه عرفا يتوقّف على وقوع ما يدلّ على إرادة نقل الملك به بقصد البيع ، وكيف يدلّ ما صدر عنه كرها عليها؟!

والتوضيح : أنّه قد دلّ العرف وانعقد الإجماع القطعي على لزوم قصد النقل في تحقّق البيع ، أو التلفّظ باللفظ الظاهر فيه ، أو الإتيان بعمل ظاهر فيه مع عدم العلم بعدم القصد من قرينة خارجيّة ، وعدم ضمّ ما يوجب ظهور عدم القصد ، وثبت اعتبار ذلك الظهور ووجوب اتّباعه بالإجماع ، بل الضرورة ، ولكن يشترط فيه أن لا يضمّ أمر خارجيّ معارض لذلك الظهور يوجب ظهور خلافه ، فإنّه لو ضمّ مثله لا يظهر القصد ، ولا دليل على اعتبار مجرّد اللفظ.

ولا شكّ أنّ الإكراه من الأمور المنافية لظهور القصد ، بل يوجب ظهور خلافه ، فمعه لا يحكم بتحقّق البيع.

ويتحقّق الإكراه ـ بحكم العرف ـ بتوعّده بما يكون ضارّا بالمكره بحسب نفسه أو من يجري مجراه ، مع قدرة المتوعّد على ما يوعد به ، وحصول الظنّ بأنّه يفعل به لو لم يفعل ما يأمره به ، مع العجز عن الدفع ، سواء كان المتوعّد به قتلا أو قطعا أو جرحا أو ضربا أو شتما أو أخذ مال أو إتلافه أو منع حقّ ، ويختلف ما عدا القتل والقطع باختلاف طبقات الناس وأحوالهم ، بل باختلاف المبيع ، فقد يؤثّر القليل فيما لا يؤثّر في غيره‌

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ : ٢٣٢ ـ ١٣١.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٨٦ أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ب ٣٧.

٢٦٧

الكثير.

ومنهم من جعل أخذ المال من قبيل القتل (١). والأول أقوى.

والضابط : حصول الضرر عرفا بوقوع المتوعّد عليه.

والمراد بالعجز عن الدفع أعمّ من الفرار والاستعانة بالغير والمقاومة ونحوها.

ومن هذا يظهر فساد ما قيل من أنّ الإكراه لا ينافي القصد إلى نقل الملك بأن يكون قاصدا للبيع حقيقة ، وإن كان منافيا للرضا.

نعم ، الظاهر منه عدم القصد ، ولذا يحكم بالبطلان معه حيث لا يعلم تحقّق القصد حينئذ.

وعلى هذا فيرد الإشكال حينئذ فيما علم قصده من أمارة خارجيّة.

ووجه الفساد : أنّ القصد ـ لكونه أمرا باطنيّا ، وليس لعدمه أثر خارجي يظهر للمكره فيما نحن فيه ـ لا يمكن الإكراه عليه ، لإمكان الدفع ، فكلّما فرض تحقّقه يكون من غير إكراه ، وإن أكره على البيع ابتداء فكلّما علم حصول القصد يحكم بصحّة البيع.

ولو تخيّر المكره بين البيع وغيره ، فإن كان الفرد الآخر ممّا يتمكّن من فعله من غير عسر ومشقّة ، ولا يكون فيه ضرر ، أو كان ولكن كان ممّا يجب عليه ـ كدفع نفقة زوجته ، أو دية جناية ، أو مثلهما ـ فيصحّ البيع.

لإمكان الدفع باختيار الفرد الآخر الذي لا ضرر فيه أو يجب عليه.

ولأنّ ذلك لا يصدق عليه الإكراه عرفا ، وليس يوجب ظهور عدم القصد أصلا.

__________________

(١) انظر المسالك ١ : ١٧١.

٢٦٨

ويزيد في الثاني بأنّه لم يجبره إلاّ على أحد الأمرين اللذين أجبره الشارع على أحدهما بخصوصه ، فالمكره لم يفعل أزيد ممّا فعله الشارع ، بل وسّع عليه ، حيث خيّره بينه وبين بدله.

ولأنّ بعلمه بعدم كون المكره عاصيا في إكراهه ، وبكونه ذي حقّ يوجب البيع سقوط حقّه في بعض الموارد ، يمكن أن يكون راضيا ، فلا ينافي ظهور القصد المستفاد من اللفظ والعمل ، مع أنّ حمل أفعال المسلمين على عدم المعصية يثبت تحقّق القصد في بعض موارد الفرض.

ويدلّ عليه أيضا النصّ الوارد في ذلك في باب الإكراه على الطلاق (١) بضميمة الإجماع المركّب.

وإن كان الآخر ممّا لا يتمكّن من فعله ـ كإجبار الفقير الغير المتمكّن على البيع أو نفقة الزوجة ـ أو يمكن ولكن مع العسر والمشقّة ـ كالبيع والمشي راجلا عشرين فرسخا بالنسبة إلى من يكون ذلك مشقّة شديدة عليه ـ كان إكراها ، للصدق العرفي.

وكذا إن كان الفرد الآخر ممّا فيه ضرر لا يجب عليه تحمّله فهو إكراه موجب لفساد البيع ، لصدق الإكراه عرفا ، ولعدم ظهور القصد معه ، حيث إنّه عاص ظالم.

ولو لم يكرهه على خصوص البيع ولكن أكرهه على أمر آخر يضطّر بسببه إلى بيع ماله ولو بثمن بخس ، فإن كان قصد المكره أيضا بيع المال وخروجه من يده ، وعلم البائع منه ذلك ، ولم يندفع ظلمه إلاّ به ، فهو أيضا إكراه على البيع ومفسد إيّاه.

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٧ أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب ١.

٢٦٩

وإن لم يكن قصده ذلك ، بل كان مقصوده ذلك الأمر الآخر ، ولكنّه باع بنفسه ما له ليدفع به الإكراه ، كمن يكرهه على دفع مال فباع أرضا ليؤدّي من ثمنها ذلك المال ، فهو ليس إكراها على البيع قطعا.

نعم ، لو استشكل أحد فيما إذا توقّف دفع الإكراه على البيع ـ كأن يطلب منه مالا ولم يتمكّن من أدائه إلاّ ببيع أرض ، بأن لا يكون له إلاّ تلك الأرض ، سيّما إذا علم المكره بذلك ـ لم يكن بعيدا ، بل الظاهر أنّه مع علمه به إكراه ، للصدق العرفي ، وأمّا بدونه ففي الصدق إشكال ، وأمر الاحتياط واضح.

ولا يتوهّم أنّه وإن لم يعلمه المكره ولكنّ المكره غير راض بالبيع ، فلا يكون صحيحا.

قلنا : لا نسلّم أنّه غير راض ، بل قد يكون هو غاية مطلوبه لدفع الظلم عن نفسه ، فإنّ البيع لا يجب أن يكون لأجل نفع دائما ، بل قد يكون لدفع ضرّ ، كمن يبيعه لأداء دين أو دفع جوع ، فإنّ مثل ذلك لا يسمّى إكراها ، لأنّه وإن لم يرتكب البيع لو خلّي ونفسه ولم يتحقّق هذا الباعث ، ولكن مع حصول ذلك يرضى به غاية الرضا.

فالمناط في البطلان : صدق الإكراه على البيع عرفا ، أو ظهور عدم القصد ، وبدون الأمرين يصحّ البيع.

ومنه يظهر الضابط في الفساد لأجل الإكراه.

ومنها : المالكيّة ، فلا يصحّ البيع من غير المالك إلاّ ما استثني ، للإجماع في الجملة ، والأخبار ، كصحيحتي الصفّار (١) ومحمّد (٢) المتقدّمتين‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٢ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ١٥٣ ـ ٦٧٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٠ ـ ٦٦٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٣٩ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٥١ ـ ٢٢٠ ، الوسائل ١٨ : ٥١ أبواب أحكام العقود ب ٨ ح ٨.

٢٧٠

في الفصل الأول ..

وصحيحة منصور : في رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا فيشتريه منه ، قال : « لا بأس بذلك ، إنّما البيع بعد ما يشتريه » (١).

وما ورد من أنّه : « لا بيع إلاّ فيما يملك » (٢).

والقول ـ بأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد مطلقا ـ عندي باطل.

ورواية سليمان بن صالح (٣) الدالّة على نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع ما ليس عندك وإرادة ما لا يصحّ تملّكه ممّا لا يملك أو نفي لزوم البيع دون صحّته والحمل على نفي بيع البائع لنفسه لا فضولا ، وإن كانت ممكنة في بعض تلك الأخبار ، إلاّ أنّها غير جارية في الجميع.

وبتلك الأدلّة تقيّد عمومات البيع وإطلاقاته ، حيث إنّ بيع ملك الغير أيضا بيع لغة وعرفا ، لأنّه ليس إلاّ نقل الملك بما يدلّ عليه كما مرّ ، ولا يختصّ بنقل ملك الناقل نفسه ، ولذا يصحّ الإطلاق عرفا.

واستعمل البيع في الأخبار الكثيرة (٤) في نقل ملك الغير أيضا ، كيف لا؟! والمعاملة غير منحصرة في صدورها عن المالك خاصّة ، لجواز صدورها من الوكيل والأب والجدّ والوصي ونحوهم.

نعم ، الظاهر اختصاص الصدق بما إذا باعه لا عن نفسه ، أي لا ناويا‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٥٠ ـ ٢١٨ ، الوسائل ١٨ : ٥٠ أبواب أحكام العقود ب ٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٣٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٣٠ ـ ١٠٠٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٧ أبواب أحكام العقود ب ٢ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٨ : ٣٨ أبواب أحكام العقود ب ٣.

٢٧١

نقل ملك نفسه ، إذ لا ملك لنفسه حتى ينقله عنه ، فلا يمكن تحقّق القصد بالنقل فيه أيضا.

وأمّا ما في رواية إسحاق بن عمّار : « ما أحبّ أن يبيع ما ليس له » (١) فهو وإن كان مشعرا بالجواز ، إلاّ أنّه يجب إرجاعه إلى إرادة الحرمة جمعا.

وهاهنا مسائل :

الأولى : الظاهر عدم الخلاف في عدم تأثير إجازة البيع ممّن تقدّم عدم جواز بيعه بعد رفع المانع ، أو ممّن تصحّ منه الإجازة ، إلاّ في الأخيرين ، أي المكره وغير المالك.

أمّا الأول ، فأكثر من ذكر المسألة أفتى بكفاية الإجازة بعد زوال الإكراه ، وقوّى الفاضل الأردبيلي عدم التأثير ، وظاهر المحقّق الشيخ علي وكفاية الأحكام التردّد (٢).

والحقّ فيه : عدم التأثير ، أمّا على القول بعدم معلوميّة معنى البيع عرفا ولزوم الاقتصار فيه على المجمع عليه فظاهر.

وأمّا على ما ذكرنا فلأنّ ما أتى به حال الإكراه ليس بيعا ، لعدم القصد كما مرّ ، ولا إجازته فقط حال الإجازة ، وهو ظاهر ، وصدق البيع عرفا على مجموع الأمرين ـ سيّما بعد مضيّ مدّة طويلة من البين ـ غير معلوم ، فلا تشمله أدلّة البيع ، وليس دليل آخر ، فمقتضى الأصول المسلّمة عدم صحّته.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٣٠ ـ ٥٧١ ، الوسائل ١٨ : ٣٣٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١ ح ٥.

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٥٦ ، الشيخ علي في جامع المقاصد ٤ : ٦٢ ، كفاية الأحكام : ٨٩.

٢٧٢

احتجّ المشهور بعموم : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١).

وبأنّه بالغ عاقل صدر عنه عقد ، وليس ثمَّ مانع إلاّ عدم القصد إلى العقد حين إيقاعه ، وقد لحقه بعد الإجازة ، ولا دليل على اشتراط الاقتران كالفضولي ، للأصل.

ويرد على الأول : منع الدلالة ، كما بيّناه في موضعه.

وعلى الثاني : أنّ عدم المانع غير كاف ، بل اللازم وجود المقتضي ، ووجوده غير معلوم ، إذ لم يعلم كونه عقدا ولا بيعا شرعيّا أو عرفيّا ، ولا دليل غيره.

وفرقه مع الفضولي واضح ، إذ قصد النقل الموجب لصدق البيع فيه متحقّق كما مرّ ، بخلاف هذا ، مع أنّه لو صحّ ذلك لورد في مثل عقد الصبي والمجنون والهازل ، للاشتراك في المانع والمقتضي ، فإنّ المانع ـ وهو عدم اعتبار العقد بنفسه وإن اختلف وجهه ـ مشترك.

وعموم الآية إن كان بحيث يشمل العقد الغير المعتبر شمل عقد الصبيّ أيضا ، وإن خصّ بالمعتبر منه في نظر الشرع لم يشمل عقد المكره أيضا.

ودعوى تأثير إجازته بعد زوال المانع معارضة بالمثل.

والجواب : بأنّ المراد العقود المعتبرة شرعا الصادرة عمّن يكون له أهلا خاصّة دون غيرها ، وعقود الصبي غير معتبرة ، بل وجودها كعدمها ، فالمانع عن عدم دخول عقده فيه ـ وهو سلب العبرة عنه ـ لازم لذاته غير منفكّ عنه ، فلا يتصوّر فيه زوال المانع. بخلاف المكره ، فإنّ المانع عن‌

__________________

(١) المائدة : ١.

٢٧٣

دخول عقده أمر خارج عن ذات العقد ممكن الزوال ، فإذا زال دخل في العموم.

مردود بأنّ أمثال ذلك أمور إقناعيّة لا مستند لها شرعا ، مع أنّه إن كان يؤخذ الصدور حال الصغر وصفا لعقد الصبي فليؤخذ الصدور حال عدم القصد وصفا لعقد المكره ، وإن أخذ خارجا عنه فكذا ها هنا.

وأمّا ما في المسالك من التفرقة من أنّ القصد من المكره حاصل دون من سبق ، لأنّ غير العاقل لا يقصد إلى اللفظ ولا إلى مدلوله ، بخلاف المكره ، فإنّه باعتبار كونه عاقلا قاصدا إلى ما يتلفّظ به ، لكنّه بالإكراه غير قاصد إلى مدلوله ، وذلك كاف في صلاحيّته وقبوله للصحّة ، إذ لحقه القصد إلى مدلوله (١).

ففيه : منع عدم قصد السفيه والصبيّ المميّز إلى اللفظ ، مضافا إلى أنّ كفاية لحوق القصد إلى المدلول دون القصد إليه وإلى اللفظ ليست إلاّ من الاستحسانات ، ولا يستند إلى دليل شرعي.

وأمّا الثاني ـ وهو المعروف بالفضولي ـ ففي صحّته قولان :

الأول : الصحّة واللزوم بعد الإجازة من المالك ، وهو مذهب الإسكافي والمفيد وابن حمزة والشيخ في النهاية (٢) ، وهو الأشهر بين المتأخّرين ، بل مطلقا كما في الروضة والمسالك (٣) وكلام جماعة (٤) ، بل‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٧١.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٤٨ ، المفيد في المقنعة : ٦٠٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٤٩ ، النهاية : ٣٨٥.

(٣) الروضة ٣ : ٢٢٦ ، المسالك ١ : ١٧١.

(٤) منهم صاحب الرياض ١ : ٥١٢.

٢٧٤

قيل : كاد أن يكون إجماعا (١).

والثاني : عدم الصحّة والبطلان من غير تأثير للإجازة ، وهو مختار الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن زهرة والحلّي والحلبي والشيخ الحرّ العاملي وبعض مشايخنا الأخباريّين وفخر المحقّقين (٢) ، ونقله في التنقيح عن شيخه السعيد (٣) ، واختاره من المتأخّرين المحقّق الأردبيلي والسيّد الداماد في رسالته الرضاعيّة (٤) ، بل ادّعى الأولان ـ كما حكي ـ عليه الإجماع (٥).

وظاهر القواعد والكفاية التردّد (٦).

والحقّ هو : الثاني ، لما مرّ من النهي عن بيع ما لا يملكه البائع.

احتجّ المجوّز بخبر البارقي العامّي (٧).

وهو ضعيف سندا ودلالة ، أمّا الأول فظاهر غاية الظهور ، والشهرة الجابرة لو أجريناها في الأخبار العاميّة أيضا مع أنّه محلّ البحث هنا غير ثابتة ، والمحكية منها معارضة مع ما مرّ من دعوى الإجماع من الجليلين‌

__________________

(١) كما في الحدائق ١٨ : ٣٧٧.

(٢) الخلاف ٣ : ١٦٨ ، المبسوط ٢ : ١٥٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ): ٥٨٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٧٤ و ٤١٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٩ ، الحر العاملي في الوسائل ١٧ : ٣٣٣ ، صاحب الحدائق ١٨ : ٣٧٨ ، فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٤١٧.

(٣) التنقيح ٢ : ٢٦.

(٤) الأردبيلي في زبدة البيان : ٤٢٧ ومجمع الفائدة ٨ : ١٥٨ ، الرسالة الرضاعية ( كلمات المحقّقين ) : ١٣٠.

(٥) الخلاف ٣ : ١٦٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٥.

(٦) القواعد ١ : ١٢٤ ، كفاية الأحكام : ٨٩.

(٧) مستدرك الوسائل ١٣ : ٢٤٥ أبواب عقد البيع وشرائطه ب ١٨ ح ١ ، وهو في مسند أحمد ٤ : ٣٧٦.

٢٧٥

المتقدمين على البطلان والفساد كما مرّ.

وأمّا الثاني ، فلعدم صراحته ولا ظهوره في شرائه وبيعه فضولا ، لجواز أن يكون لنفسه وكان قصده إهداء الشاة من نفسه للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ لنفسه الدينار قرضا ـ اتّكالا على إذن الفحوى ، كما يقال في الإقباض على الحمل على الفضولي ـ واشترى الشاتين لنفسه ، وباع أحدهما كذلك ، وجاء بالدينار المأخوذ والشاة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا له.

واحتجّوا أيضا بما ورد من تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيع عقيل داره بمكّة. وضعفه ظاهر.

وبما ورد من جواز ذلك في النكاح مع كون الأمر في الفروج أشدّ.

وهو قياس غير جائز عندنا.

وبما روي في الصحيح : أنّه « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي اشتراها ، فولدت منه غلاما ، ثمَّ جاء سيّدها الأول ، فخاصم سيّدها الأخير فقال : وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال عليه‌السلام : الحكم أن تأخذ وليدتك وابنها ، فناشده الذي اشتراها ، فقال : خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع ، فلمّا أخذه قال له أبوه : أرسل ابني ، فقال : لا والله لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل ابني ، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه » (١).

وفيه أولا : أنّها ظاهرة في ردّ الأب بيع الابن أولا وفسخه ، والقائل بالفضولي يقول بصحّته مع عدمه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١١ ـ ١٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ٦١٥ ، التهذيب ٧ : ٧٤ ـ ٣١٩ و ٤٨٨ ـ ١٩٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٥ ـ ٢٨٨ و ٢٠٥ ـ ٧٣٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ١ ، بتفاوت.

٢٧٦

والقول : بأنّ إرادة عدم الرضا بالإقباض ممكنة ، والمعنى أنّه خاصم سيّدها الأخير في القبض والتصرّف ، حيث إنّه باعها ابنه بغير إذنه ، وإذا كان كذلك لا يجوز التصرّف بمثل هذا البيع.

مردود بأنّه خلاف الظاهر ، إذ لو لا ردّ البيع وعدم رضاه به لما كان تخاصم في الإقباض ، فهو دالّ على الردّ ، بل قوله : « الحكم أن تأخذ وليدتك » صريح في أنّه ردّ البيع ، إذ بدونه ليس الحكم ذلك قطعا.

وثانيا : أنّه لم يثبت كون الإجازة حقيقة في الرضا بالبيع السابق ، فيمكن أن يكون المراد من إجازة بيع ابنه نقله الملك بالبيع كما فعله ابنه ـ أي تجديد البيع ـ فلا يفيد.

وثالثا : أنّها لا تدلّ إلاّ على أنّ السيّد الأول أجاز البيع ، وأمّا أنّ إجازته كافية فلا يستفاد من الرواية.

هذا كلّه ، مضافا إلى ما في الرواية من الإشكال من جهة الأمر بأخذ ابن السيّد حتى يرسل ابن الوليدة ، والأمر بأخذ السيّد ابن الوليدة ، فإنّ الحكمين غير جائزين مطلقا ، [ إذ لو ] (١) كان وطء المشتري وطء شبهة يكون ابنه حرّا ، غاية الأمر وجوب إعطاء قيمته ، وإلاّ فكان ملكا للسيّد الأول ، فلا يجوز حكمه بأخذ ابن السيّد وقوله : « لا والله حتى ترسل ابني ».

وقد يستدل أيضا بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) بتقريب تقدّم في المكره ، وأشير إلى ضعفه ، مع أنّه لو سلّمت دلالته يكون أعمّ مطلقا من أدلّة عدم جواز بيع غير المالك ، فتخصيصه بها لازم.

والشراء الفضولي كالبيع ، لأنّه أيضا بيع ونقل ملك للثمن إلى البائع.

__________________

(١) في « ح » و « ق » : إن ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) المائدة : ١.

٢٧٧

فروع :

أ : لو قلنا بصحّة البيع الفضولي فهل يعمّ مطلق بيع ملك الغير ، أو يشترط كونه بقصد النقل عن المالك وله؟ وتظهر الفائدة في إجازة المبيع غصبا.

ظاهر جمع : الثاني.

والتحقيق : أنّه إن قلنا بعدم جواز بيع ما لا يملك ، وقلنا بصحّة الفضولي من باب التخصيص في أدلّة عدم جواز بيع ما لا يملك ، فلا يخرج إلاّ الثاني.

وإن قلنا بأصالة صحّة جميع العقود للآية وغيرها ، وضعّفنا دلالة عموم فساد بيع ما لا يملك ، وأخرجنا ما ليس معه إجازة بالإجماع ، فالصواب التعميم.

ولا يخلو كلامهم في هذا المقام عن اضطراب ، لأنّ طائفة من الأصحاب يجعلون البائع غصبا أيضا في حكم الفضولي ، ويظهر من كثير من كلماتهم أنّ المراد : الغاصب البائع لنفسه (١). ومنهم من يدعي عدم الفصل بين الفضولي والغاصب (٢).

وطائفة أخرى يحملون أخبار النهي عن بيع ما ليس عندك والسرقة والخيانة على البيع لنفسه ، بل فعل ذلك بعض من صرّح بكون الغاصب كالفضولي أيضا (٣) ، والفرق غير معلوم ، بل ولا ظاهر.

__________________

(١) انظر التذكرة ١ : ٤٦٣ ، الإيضاح ١ : ٤١٧ ، الدروس ٣ : ١٩٣ ، التنقيح ٢ : ٢٧.

(٢) كالفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٢٧ والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٦٩.

(٣) كالفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٢٦.

٢٧٨

بل الفاضل [ حكم ] (١) في التذكرة بعدم جواز بيع مال الغير بقصد أن يشتريه من ذلك الغير ويسلّمه (٢) ، وكذا في المختلف وصاحب التنقيح (٣) ، وفي التذكرة : لا نعلم فيه خلافا (٤).

وظاهر ذلك ـ كما صرّح به بعضهم (٥) ـ عدم جواز البيع لنفسه ، إذ ظاهر أنّ قصد الشراء بعد ذلك لا يوجب الفساد ، سيّما مع تصريحهم بكفاية إجازة البائع الفضولي لو انتقل إليه المال بعد البيع فضولا وقبل الإجازة.

وتجويز كون بيع الغاصب لنفسه أقرب إلى الصحّة من بيع غير الغاصب كذلك مع عدم دليل شرعي فارق ، بعيد جدّا.

والتحقيق : ما ذكرنا من التفصيل ، بل على القول بأصالة عدم صحّة بيع ما لا يملك ـ كما هو الحقّ ـ يختصّ خروج الفضولي على القول بصحّته في جميع موارده بما ثبت خروجه.

ب : قد عرفت أنّه على القول بأصالة عدم صحّة بيع ما لا يملك يقتصر بما ثبت خروجه.

فيعلم أنّ من يقتصر في دليل الخروج بخبر البارقي (٦) ونحوه يجب أن لا يصحّ عنده بيع الغاصب ولا تفيد إجازة المالك في الصحّة ، بل يحكم ببطلان بيع ملك الغير في غير مورد الخبر وأشباهه أو ما أخرجه الإجماع‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٣) المختلف : ٣٤٨ ، التنقيح ٢ : ٢٦.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٥) انظر الرياض ١ : ٥١٢.

(٦) المتقدم في ص : ٢٧٥.

٢٧٩

المركّب.

ويلزمه أيضا عدم إفادة الإجازة في صحّة الفضولي إذا ردّه المالك أولا.

وفيما لو انتقل إلى البائع الفضولي قبل الإجازة فأجازه ذلك البائع.

وفيما لو باعه فضولا ثانيا بعد بيعه كذلك أولا ، فالحكم للأول خاصّة.

وفيما لم يعلم البائع مالكه وقصد النقل من مطلق المالك ، بل لو علمه متردّدا بين متعدّد.

وفيما باع بظنّ الفضولي وقصده ثمَّ بان أنّ البائع هو المالك.

وفيما مات المالك قبل الإجازة وأجازه الوارث.

وفيما علم البائع الفضولي عدم رضا المالك حين العقد وإن جوّز الرضا بعد ذلك.

وفيما باع فضولا من الصبي أو المجنون فأجازا بعد الكمال. إلى غير ذلك.

ج : لو باع المالك السلعة قبل الاطّلاع على تحقّق البيع الفضولي وإجازته لزم ذلك البيع وبطل الفضولي.

د : لو قلنا بصحّة الفضولي مطلقا أو في بعض الموارد ، وأجازه المالك ولزم العقد ، فهل هي ناقلة للملك من حينها ، أم كاشفة عن حصوله من حين العقد؟

نسب الثاني إلى الأشهر (١) ، استنادا إلى أنّه مقتضى الإجازة ، إذ ليس معناها إلاّ الرضا بمضمون العقد ، وليس مضمونه إلاّ إنشاء نقل العوضين من‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٥١٣.

٢٨٠