مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

فتحت صلحا ، وأنّ دمشق فتحت بالدخول من بعض غفلة بعد أن كانوا طلبوا الصلح من غيره ، وأنّ أهالي طبرستان صالحوا أهل الإسلام ، وأنّ آذربايجان فتح صلحا ، وأنّ أهل أصفهان عقدوا أمانا ، والريّ فتح عنوة.

وقد حكى في المنتهى عن الشافعي : أنّ مكة فتحت صلحا بأمان قدّم لهم قبل دخوله ، وهو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد ، ونسب إلى الظاهر من المذهب : أنّها فتحت بالسيف ثمَّ آمنهم بعد ذلك ، ونقل عن مالك وأبي حنيفة والأوزاعي.

وحكى عن التذكرة عن بعض الشافعيّة : أنّ سواد العراق فتح صلحا ، قال : وهو منقول عن أبي حنيفة ، وعن بعض الشافعيّة : أنّه اشتبه الأمر عليّ ، ولا أدري أفتح صلحا أم عنوة.

وحكم العلاّمة في المنتهى والتذكرة بأنّ السواد فتحه عمر بن الخطاب ، وحدّه في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسيّة المتّصل بعذيب من أرض العرب ، ومن تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان من شرقي دجلة ، وأمّا الغربي الذي يليه البصرة فإنّه إسلامي ، مثل شطّ عثمان بن أبي العاص ، وما والاها كانت أسباخا ومواتا فأحياها عثمان بن أبي العاص (١). انتهى.

نقلناه بطوله لما فيه من بعض الفوائد.

__________________

(١) حكاه في الحدائق ١٨ : ٣٠٩ ، ٣١٠ عن بعض الفضلاء.

٢٤١
٢٤٢

كتاب البيع‌

وهو عرفا : نقل الملك بعوض من مالك إلى آخر بعقد مخصوص.

ومرادنا من العقد أعمّ من اللفظي ليشمل التقابض على القول بكفايته ، وذلك العقد سبب النقل كما أنّ النقل سبب الانتقال.

وعرّفه جماعة بالعقد (١). وهو غير جيّد ، لأنّه مركّب من الإيجاب والقبول ، فيلزمه عدم كون أحد المتعاقدين بائعا ، وعدم صحّة باع فلان حقيقة ولا يلزم ذلك في النقل ، لأنّ الناقل أحدهما وإن توقّف صيرورته ناقلا على قبول الآخر.

والتحقيق : أنّه لا فائدة مهمّة في ذلك النزاع ، لتوقّف تحقّق البيع على ذلك العقد على القولين. وإنّما المهمّ بيان ذلك العقد وشرائطه وسائر أحكام البيع وأقسامه ، ونذكره في مقاصد :

__________________

(١) منهم الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٦ ، العلاّمة في المختلف : ٣٤٧.

٢٤٣
٢٤٤

المقصد الأول

في عقد البيع وشرائطه‌

وفيه ثلاثة فصول‌ :

٢٤٥
٢٤٦

الفصل الأول

في بيان ما يتحقّق به البيع ، أي العقد المخصوص‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنّ الشارع رتّب أحكاما على البيع ، وليس هنا نصّ أو إجماع دالّ على أنّ البيع أو ما يتحقّق به البيع ما هو.

وحينئذ فإمّا يقال : إنّه ليس له معنى لغوي أو عرفي معلوم لنا مع قطع النظر عن الشرع ، فيلزم حينئذ علينا الاقتصار في ترتّب الأحكام بما انعقد الإجماع على تحقّق البيع به.

أو يقال : إنّ له معنى كذلك معلوما لنا ، وحينئذ فإمّا يثبت شرعا بإجماع أو غيره شرط لتحقّق البيع ، أو لا ، فإنّ ثبت فيقتصر في تحقّق البيع شرعا بما هو واجد للشرط ، وإن لم يثبت فيحكم بالترتّب في جميع ما يتحقّق به البيع عرفا أو لغة.

ومن ذلك وممّا سيأتي حصلت الاختلافات في عقد البيع ، فمن ظنّ عدم ظهور معنى لغوي أو عرفي يضطرّ إلى الاقتصار على موضع الإجماع. وهذا محطّ قول جماعة بتخصيص البيع شرعا بما كان مع الصيغة المخصوصة الجامعة لجميع الشرائط المختلف فيها.

ومن ظنّ ظهوره ، ولكن زعم الإجماع على اشتراط الصيغة في تحقّق البيع ، لزمه القول به ، ولكن يقتصر في الشرط بما هو محلّ الإجماع ، يعني ما ثبت الإجماع بزعمه على اشتراطه. وهذا مناط قول من يقول باشتراط الصيغة في تحقّق البيع ولكن يوسّع فيها.

٢٤٧

ومن لم يظهر ذلك الإجماع له ، ولم يعثر على دليل آخر أيضا على الاشتراط ، يوسّع في تحقّق البيع بما يتحقّق به لغة أو عرفا. وإلى هذا ينظر من اكتفى بمطلق اللفظ أو بالمعاطاة أيضا.

وهاهنا أمر آخر ، وهو أنّه بعد تعيين معنى البيع أو ما يتحقّق به البيع عرفا ـ وأنّه ما سيأتي من أنّه ما يدلّ على نقل المالك ملكه به إلى آخر بعوض معلوم بالطريق المعهود ـ قد يقع الخلاف في الدالّ.

فقد يقال : باختصاص الدالّ الصريحي بالصيغة المخصوصة ، فلذا يقول باختصاص تحقّق البيع بها. وإلى هذا نظر طائفة من المشترطين للصيغة.

وقد لا يقال بالاختصاص ، فيعمّم.

وإذ عرفت ذلك تعلم أنّ وظيفتنا أولا الفحص عن أنّه هل للبيع معنى لغوي أو عرفي نعلمه ، وأنّه ما هو؟

فنقول : إنّ من البديهيّات التي لا شكّ فيها : أنّ لفظي البيع والشراء ممّا يستعمله عامّة الناس من أهل الأسواق والبوادي والخارجين عن شريعتنا ـ بل عن مطلق الشريعة ـ استعمالا خارجا عن حدّ الإحصاء ، وليسوا شاكّين في معناه ، ولا متردّدين ، ولا محتاجين في فهمه إلى القرينة ، فهذا يقول : بعت واشتريت ، وذاك : أبيع وأشتري ، وثالث : هل يبيع وهل يشتري ، إلى غير ذلك ، ويفهم المخاطب مراده من غير قرينة أصلا ، ولو لم يعلم القدر المجمع عليه شرعا ، ولم يفهم إجماعا أو شرعا ، ولم تقرع سمعه صيغة ، فيقطع بذلك أنّ ما يتحقّق به البيع عرفا أمر مضبوط معلوم عند أهل العرف مع قطع النظر عن الشرع ، وهو ما يدلّ عرفا على نقل المالك ملكه به إلى آخر بعوض بقصد المبايعة ، إذ عند حصول ذلك‌

٢٤٨

يستعمل لفظ البيع عندهم ، ويتبادر عنه حصوله ، ولا يجوّزون سلب الاسم معه ، سواء كان ذلك بقبض كلّ من العوضين وهو المسمّى بالمعاطاة ، أو بقبض أحدهما مع ضمان الآخر ، أو بألفاظ دالّة على ذلك.

وعلى هذا ، فلا تشترط في تحقّق البيع عرفا صيغة مخصوصة من حيث إنّها هي ، وإن وجب كون الفعل أو اللفظ دالا على النقل المذكور عرفا.

وهذا هو الذي يظهر من كلمات الأكثر (١) ، وإليه ينظر قول المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد تارة : إنّ المعاطاة بيع بالاتّفاق ، واخرى : إنّه المعروف من الأصحاب (٢).

وأمّا ما يظهر من بعضهم (٣) ـ من الخلاف في تسمية المعاطاة بيعا ، وهو بين شاكّ فيها وناف لها ، بل عن الغنية الإجماع على العدم (٤) ، وفي الروضة : اتّفاقهم على أنّها ليست بيعا (٥) ـ فالظاهر أنّ المراد : البيع الشرعي ، أي ما يوجب الانتقال شرعا ، حيث يزعم اشتراط صيغة خاصّة وانعقاد الإجماع عليه ، فلا تخالف بين دعوى الإجماعين.

ولو أرادوا نفي البيع العرفي ففساده ظاهر لوجوه :

منها : الاستعمال ، فإنّه يقال : ابتعت الخبز واللحم وبعته ، ولو لم يتحقّق أمر سوى المعاطاة ، والأصل فيه الحقيقة ، وأعميّته إنّما هو مع تعدّد المستعمل فيه ، وهو هنا غير ثابت ، واستعماله فيما كان مع الصيغة بدون‌

__________________

(١) كالعلاّمة في التذكرة ١ : ٤٦٢ وصاحب الرياض ١ : ٥١٠.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

(٣) كصاحب الحدائق ١٨ : ٣٧٥.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦.

(٥) الروضة ٣ : ٢٢٢.

٢٤٩

التقابض لا يثبته ، لجواز كون المستعمل فيه هو القدر المشترك ، وهو النقل المذكور. بل هو كذلك ، ولذا لو فرض استقرار عرف على المبايعة بعمل أو لفظ آخر يصحّ استعمال البيع والشراء بعد تحقّقه.

ومنها : عدم صحّة السلب ، فإنّه إذا اتّخذ أحد حرفته بيع الكرابيس (١) أو الرقيق أو غيرهما ، وكان يبيعها مدّة بالمعاطاة ، يقال : إنّه بيّاع الكرباس ـ مثلا ـ ولو لم يتلفّظ بصيغة أبدا ، ولا يجوز أن يقال ليس كذلك ، كما نشاهد في أهل السوق وأرباب الحرف.

ولو أمر أحد ببيع كرباس فباعه بالمعاطاة أو بلفظ غير الصيغ المخصوصة لا يجوز له أن يقول : ما بعته ، ولو عاتبه لعدم الامتثال لذمّ ، وهذا ظاهر جدّا.

ومنها : التبادر ، فإنّه يجاوز ذكر البيع والشراء حدّ الإحصاء عند أهل القرى والبوادي ويفهمون معناه ويتبادر عندهم ، مع أنّهم لا يعرفون صيغة ، بل لم يسمعوها في الأكثر ، ويدلّ عليه أيضا قول القائل : بعت متاعي ولكن ما أجريت الصيغة ، وصحّة الاستفسار بعد قوله ذلك أنّه هل أجريت صيغته.

ويجري أكثر تلك الوجوه أو جميعها في قبض أحد العوضين مع ضمان الآخر في التلفّظ بالألفاظ المفهمة عرفا لنقل المالك ملكه بها بالقصد المذكور ، فيتحقّق البيع بجميع ذلك عرفا.

ثمَّ إنّ بما ذكرنا كما يثبت أنّ البيع يتحقّق عرفا بحصول ما يدلّ على النقل المتقدّم مطلقا ، سواء كان لفظا أو غير لفظ ، كذلك يثبت عدم انحصار الدالّ على ذلك النقل في اللفظ (٢) المخصوص ، بل ولا في مطلق اللفظ ،

__________________

(١) الكرابيس : جمع كرباس ، وهو القطن ـ مجمع البحرين ٤ : ١٠٠.

(٢) في « ق » زيادة : المذكور.

٢٥٠

وجميع ما ذكرنا يدلّ عليه.

وبعد ثبوت تحقّق البيع بما ذكر عرفا يثبت لغة وشرعا أيضا بضميمة الأصل ، وإذ ثبت كونه بيعا شرعيّا يكون جائزا ويباح به التصرّف لكلّ من الطرفين فيما نقل إليه ولو لم يتلفّظ بالصيغة ، بعمومات الكتاب والسنّة الدالّة على حلّية البيع وجوازه.

مضافة إلى الإجماع القطعي المستفاد من عمل الناس في الأعصار والأمصار حتى زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير نكير ، ومن فتاوى العلماء بالنسبة إلى المعاطاة.

وقول العلاّمة في النهاية ـ بكون المعاطاة بيعا فاسدا ، فيلزمه عدم جواز التصرّف (١) ـ شاذّ ، مع أنّه أيضا قد رجع عنه (٢).

ويلزم من جوازه شرعا وإمضاء الشارع إيّاه زوال ملكيّة المبيع من البائع وحصولها للمشتري شرعا ، إذ لا معنى لتحليل الشارع وإمضائه نقل الملك الذي هو معنى البيع ـ بل قوله في موارد متكثّرة : بع وبيعوا وأمثالهما ـ إلاّ تحقّق النقل شرعا.

ويدلّ عليه أيضا جواز بيع السلعة للمشتري ولو بالمعاطاة بالإجماع ، وإطلاق الأخبار في جواز بيع ما ابتيع الشامل لما ابتيع عرفا.

وفي الصحيح ـ بعد السؤال عن بيع كذا وكذا (٣) بكذا كذا درهما فباعه المشتري بربح قبل القبض وإعطاء الثمن ـ : « لا بأس بذلك الشراء ، أليس قد كان ضمن لك الثمن؟ » قلت : نعم ، قال : « فالربح له » (٤) ، وهو يدلّ على‌

__________________

(١) نهاية الاحكام ٢ : ٤٤٩.

(٢) كما في المختلف : ٣٤٨.

(٣) في « ح » زيادة : حدّه.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٧ ـ ١٦ ، الوسائل ١٨ : ٦٤ أبواب أحكام العقود ب ١٥ ح ١.

٢٥١

جواز البيع بمجرّد ضمان الثمن وإن لم يجر صيغة خاصّة ، وإذ جاز للمشتري بيعه يكون ملكا له ، إذ لا بيع (١) إلاّ فيما هو ملك للبائع ، كما نطقت به الأخبار :

ففي صحيحة الصفّار المكاتبة : رجل له قطاع من أرضين ، فحضره الخروج إلى مكّة ، والقرية على مراحل من منزله ، ولم يؤت بحدود أرضه ، وإنّما عرف حدود القرية ، فقال للشهود : اشهدوا أنّي قد بعت من فلان جميع القرية التي حدّ منها كذا ، والثاني والثالث والرابع ، وإنّما له بعض هذه القرية ، وقد أقرّ له بكلّها ، فوقّع عليه‌السلام : « لا يجوز بيع ما ليس بملك ، وقد وجب الشراء على البائع على ما يملك » (٢).

وفي صحيحة محمّد ـ بعد السؤال عن رجل أتاه رجل ، فقال : ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك ، فابتاعه الرجل من أجله ـ : « ليس به بأس ، إنّما يشتريه بعد ما يملكه » (٣).

ويدلّ على التملّك الشرعيّ أيضا ـ من غير حاجة إلى الصيغة ـ إطلاق ما دلّ على أنّ من ابتاع شيئا فهو له ، كما في صحيحة جميل الواردة في من اشترى طعاما وارتفع أو نقص ـ أي في القيمة ـ وقد اكتال بعضه فأبى صاحب الطعام أن يسلّم له ما بقي وقال : إنّما لك ما قبضت ، حيث قال : « إن كان يوم اشتراه ساعره على أنّه له فله ما بقي » (٤).

وفي صحيحة العلاء : إنّي أمرّ بالرجل فيعرض عليّ الطعام ـ إلى أن‌

__________________

(١) في « ق » : يقع.

(٢) الكافي ٧ : ٤٠٢ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ١٥٣ ـ ٦٧٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٠ ـ ٦٦٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٣٩ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢ ح ١ ، بتفاوت.

(٣) التهذيب ٧ : ٥١ ـ ٢٢٠ ، الوسائل ١٨ : ٥١ أبواب أحكام العقود ب ٨ ح ٨.

(٤) الكافي ٥ : ١٨١ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤ ـ ١٤٣ ، الوسائل ١٨ : ٨٤ أبواب أحكام العقود ب ٢٦ ح ٣.

٢٥٢

قال ـ : فأقول له : اعزل منه خمسين كرّا أو أقلّ أو أكثر بكيله ، فيزيد وينقص ، وأكثر ذلك ما يزيد ، لمن هو؟ قال : « هو لك » الحديث (١).

بل الأخير ظاهر في عدم جريان الصيغة ، ولو منع الظهور يكفي العموم المستفاد من ترك الاستفصال.

المسألة الثانية : وإذ عرفت حصول نقل الملك عن البائع ، وحصول التملّك للمشتري بحصول البيع العرفي مطلقا ، فلزوم ذلك هل يتوقّف على صيغة خاصّة ، أو على مطلق اللفظ ، أو يحصل بحصول البيع عرفا ولو بالمعاطاة أو مثلها؟

المشهور هو : الأول ، بل كاد أن يكون إجماعا ، كما في الروضة والمسالك في موضعين (٢) ، بل ظاهر الأخير ـ كصريح الغنية (٣) ـ انعقاده.

ونقل في المسالك الثاني عن بعض معاصريه.

والثالث ظاهر المفيد (٤) ، وجمع من المتأخّرين (٥) ، وهو الحقّ ، لمفهوم الغاية في الأخبار الصحيحة المتكثّرة المصرّحة بأنّ : « البيّعان بالخيار حتى يفترقا » (٦).

وعموم الصحيحين ، في أحدهما : « فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما » (٧).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٢ ـ ٣ ، الوسائل ١٨ : ٨٦ أبواب أحكام العقود ب ٢٧ ح ١.

(٢) الروضة ٣ : ٢٢٢ ، المسالك ١ : ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦.

(٤) المقنعة : ٥٩١.

(٥) منهم السبزواري في كفاية الأحكام : ٨٨ والكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ٤٨.

(٦) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٤ ، الوسائل ١٨ : ٥ أبواب الخيار ب ١ ح ٢.

(٧) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٠ ـ ٨٥ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ١٨ : ٦ أبواب الخيار ب ١ ح ٣.

٢٥٣

وفي الآخر : « فإذا افترقا فقد وجب البيع » (١).

والخبر : « إذا صفّق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا » (٢) ، خرج عنه ما خرج بالإجماع فيبقى الباقي.

وترك الاستفصال في أخبار خيار الشرط والعيب.

كما في الصحيح : عن الرجل يبتاع الجارية ، فيقع عليها فيجد فيها عيبا بعد ذلك ، قال : « لا يردّها على صاحبها » (٣).

وفي الآخر : « كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطئها ثمَّ ظهر على عيب : أنّ البيع لازم » (٤).

وفي الخبر : الرجل يشتري زقّ (٥) زيت فيجد فيه درديّا ، قال : « إن كان يعلم أنّ الدردي يكون في الزيت فليس له أن يردّه » (٦).

وفي الموثّق : عن رجل باع جارية على أنّها بكر ، فلم يجدها على ذلك ، قال : « لا يردّ عليه ، ولا يجب عليه شي‌ء ، إنّه يكون يذهب في حال‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٠ ـ ٧ ، الفقيه ٣ : ١٢٦ ـ ٥٥٠ ، التهذيب ٧ : ٢٠ ـ ٨٦ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ ـ ٢٤١ ، الوسائل ١٨ : ٦ أبواب الخيار ب ١ ح ٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٠ ـ ٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ١٨ : ٧ أبواب الخيار ب ١ ح ٧.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٥ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٦١ ـ ٢٦٤ ، الوسائل ١٨ : ١٠٣ أبواب العيوب ب ٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٧ : ٦١ ـ ٢٦٣ ، قرب الاسناد : ١٠ ، الوسائل ١٨ : ١٠٤ أبواب العيوب ب ٤ ح ٧.

(٥) الزقّ بالكسر : السقاء أو جلد يجزّ ولا ينتف للشراب أو غيره ـ مجمع البحرين ٥ : ١٧٧. والدردي من الزيت وغيره ما يبقى في أسفله ـ مجمع البحرين ٣ : ٤٥.

(٦) الكافي ٥ : ٢٢٩ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٢ ـ ٧٦٧ ، التهذيب ٧ : ٦٦ ـ ٢٨٣ ، الوسائل ١٨ : ١٠٩ أبواب أحكام العيوب ب ٧ ح ١.

٢٥٤

مرض أو أمر يصيبها » (١).

ورواية هذيل بن صدقة : عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب فينطلق به إلى منزله ، ولم ينقد شيئا فيبدو له فيردّه ، هل ينبغي ذلك له؟ قال : « لا ، إلاّ أن تطيب نفس صاحبه » (٢).

ومكاتبة جعفر بن عيسى : المتاع يباع في من يزيد ، فينادي عليه المنادي ، فإذا نادى عليه المنادي برئ من كلّ عيب فيه ، فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق إلاّ نقده الثمن فربّما زهد ، فإذا زهد فيه ادّعى فيه عيوبا وأنّه لم يعلم بها ، فيقول له المنادي : قد برئت فيها ، فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها ، أيصدّق فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن؟ فكتب : عليه‌السلام : « عليه الثمن » (٣) ، إلى غير ذلك.

احتجّ المشهور بالإجماع المنقول (٤) ، والأصول ، وبأنّ اللزوم إنّما يكون في البيع ، وهو إنّما يتحقّق بتحقّق ما يدلّ على نقل الملك به ، أي إنشاؤه بالطريق المتقدّم صريحا ، والدالّ صريحا على ذلك منحصر في الصيغة المخصوصة.

وبعض الظواهر ، كالصحيح : الرجل يجيئني فيقول : اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا ، فقال : « أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ » قلت : بلى ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٥ ـ ١١ ، التهذيب ٧ : ٦٥ ـ ٢٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٨٢ ـ ٢٧٧ ، الوسائل ١٨ : ١٠٨ أبواب أحكام العيوب ب ٦ ح ٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٥٩ ـ ٢٥٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٨٦ أبواب آداب التجارة ب ٣ ح ٣ بتفاوت يسير فيه.

(٣) التهذيب ٧ : ٦٦ ـ ٢٨٥ ، الوسائل ١٨ : ١١١ أبواب أحكام العيوب ب ٨ ح ١.

(٤) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، الرياض ١ : ٥١٠.

٢٥٥

قال : « لا بأس ، إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام » (١).

والخبر : رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طنّ قصب من أنبار بعضها على بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طنّ ، فقال المشتري : قد قبلت واشتريت ورضيت ـ إلى أن قال : ـ وأصبحوا وقد وقع النار في القصب [ فاحترق منه ] عشرون ألف طنّ وبقي عشرة آلاف ، فقال : « العشرة آلاف التي بقيت للمشتري » (٢).

والموثّق : « لا تشتر كتاب الله عزّ وجلّ ، ولكن اشتر الحديد والورق والدفّتين ، وقل : اشتريت منك هذا بكذا وكذا » (٣).

والمرسل « لا تشتر كتاب الله ، ولكن اشتر الحديد والجلود ، وقل : اشتري هذا منك بكذا وكذا » (٤) ، ومثله رواية أخرى أيضا (٥).

والجواب عن الأول : بمنع الحجّية.

وعن الثاني : باندفاعه بما مرّ من الأدلّة.

مضافا إلى أنّه إن أريد أصالة عدم الملك أو الانتقال أو ترتّب أحكام البيع فقد عرفت ثبوتها.

وإن أريد أصالة عدم اللزوم فممنوعة ، لأنّ قبل ملك المشتري لم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠١ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٥٠ ـ ٢١٦ ، الوسائل ١٨ : ٥٠ أبواب أحكام العقود ب ٨ ح ٤.

(٢) التهذيب ٧ : ١٢٦ ـ ٥٤٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٥ أبواب عقد البيع ب ١٩ ح ١ ، وما بين المعقوفين من المصدر. والطنّ : حزمة من حطب أو قصب ـ مجمع البحرين ٦ : ٢٧٨.

(٣) الكافي ٥ : ١٢١ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٦٥ ـ ١٠٤٩ ، الوسائل ١٧ : ١٥٨ أبواب ما يكتسب به ب ٣١ ح ٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٦٥ ـ ١٠٤٩ ، الوسائل ١٧ : ١٥٨ أبواب ما يكتسب به ب ٣١ ح ٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٢١ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ١٥٨ أبواب ما يكتسب به ب ٣١ ح ١.

٢٥٦

يكن لزوم ولا عدم لزوم ، وبعده فلا يعلم المتحقّق منهما ، وليس أحد الفصلين أوفق بالأصل من الآخر.

وعن الثالث : بأنّه إن أريد بالدالّ صريحا الدالّ بحسب الوضع الحقيقي فمع تحكّم التخصيص ليست الصيغة المخصوصة أيضا كذلك ، وإن أريد مطلقا فالانحصار ممنوع.

وعن الرابع : بأنّه ليس ظاهرا في مطلوبهم ، بل لا محتملا له ، لأنّه لا يلائم جعل قوله : « إنّما يحرّم » تعليلا لسابقه ، بل المراد : أنّه إن كان بحيث إن شاء أخذ وإن شاء ترك ولم يقل ما يوجب البيع لا بأس وإلاّ ففيه بأس ، لأنّه يحرّم ويحلّل بكلام ، فإن أوجب البيع يحرم وإلاّ فيحلّ ، كما ورد في صحيحة يحيى بن الحجّاج : عن رجل قال لي : اشتر هذا الثوب أو هذه الدابّة وبعينها أربحك فيها كذا وكذا ، قال : « لا بأس بذلك » ، قال : « ليشتريها ولا يواجبه البيع قبل أن يستوجبها أو يشتريها » (١).

وقد ورد بهذا المعنى في أحاديث أخر ، كصحيحة الحلبي : عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا ، وللبقر ثلثا ، قال : « لا ينبغي أن يسمّي شيئا فإنّما يحرّم الكلام » (٢) ، ونحوه في صحيحة سليمان بن خالد (٣) ، ورواية أبي الربيع الشامي (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٨ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٥٨ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ١٨ : ٥٢ أبواب أحكام العقود ب ٨ ح ١٣ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٥ : ٢٦٧ ـ ٦ ، الوسائل ١٩ : ٤١ أبواب أحكام المزارعة ب ٨ ح ٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٧ ـ ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩٧ ـ ٨٧٣ ، الوسائل ١٩ : ٤١ أبواب أحكام المزارعة ب ٨ ح ٦.

(٤) الفقيه ٣ : ١٥٨ ـ ٦٩١ ، التهذيب ٧ : ١٩٤ ـ ٨٥٧ ، المقنع : ١٣٠ ، الوسائل ١٩ : ٤٣ أبواب في أحكام المزارعة ب ٨ ح ١٠ ، بتفاوت.

٢٥٧

وعن الخامس : بأنّه لا يدلّ إلاّ على اللزوم مع الصيغة ، وأين هذا من الحصر؟!

و [ عن السادس ] (١) : بمنع الدلالة على توقّف الصحّة أو اللزوم على القول المذكور من جهة تحقّق البيع ، بل إنّما هو لأجل تعيين المبيع في مقام لا يمكن تعيّنه إلاّ باللفظ ، فالمراد ذكر المبيع لفظا ، مع أنّ اللفظ مختلف في الروايات أيضا.

المسألة الثالثة : قد ظهر ممّا ذكرنا أنّه تكفي الإشارة المفهمة للنقل بعنوان البيع إذا أفادت القطع ، وكذا الكتابة ، سواء تيسّر التكلم ، أو تعذّر.

وأمّا على المشهور فلا يكفي على الأول ، وأمّا على الثاني ـ كالأخرس ـ فصرّحوا بالكفاية ، ووجهه عند من يعمّم البيع ويثبت اشتراط الصيغة بالإجماع ظاهر ، ولكنّه لم يظهر وجهه عند من يخصّص البيع بما كان مع الصيغة ، أو يقول بعدم دلالة الإشارة على النقل ، إلاّ أن يدّعي الإجماع على عدم الاشتراط حينئذ.

والقول : بأنّها تدلّ ظنّا ، فيكتفى بها عند عدم إمكان العلم.

مردود بعدم دليل على قيام الظنّ مقام العلم عند تعذّره مطلقا ، سيّما مع إمكان التوكيل.

واحتياجه إلى الصيغة عند المشهور ممنوع ، لعدم كونه من العقود اللازمة.

وأصالة عدم وجوبه مندفعة بأنّها إنّما تكون لو أردنا الوجوب الشرعي ، وأمّا الشرطي ـ كما هو المقصود ـ فلا معنى لأصالة عدمه ، بل هو مقتضى الأصل.

المسألة الرابعة : قد ظهر أيضا أنّه يمكن تحقّق البيع باللفظ وإن لم يتحقّق قبض شي‌ء من الطرفين ، وإذا تحقّق به تحقّق لزومه أيضا ، ولا‌

__________________

(١) في « ح » و « ق » : عن الخامس ، والظاهر ما أثبتناه.

٢٥٨

ينحصر ذلك في لفظ خاصّ من عربي أو غيره.

نعم ، يجب كونه دالا على إنشاء النقل المتقدّم ذكره به ، ولو مع قرينة حاليّة أو مقاليّة.

ولا ريب في دلالة الماضي عليه ولو لم تكن قرينة سوى (١) التلبّس بالبيع ، بخلاف غيره من المضارع والأمر والاستفهام ، فإنّها غير دالّة مع ذلك أيضا ، بل لا تكاد توجد قرينة دالّة على إرادة إنشاء البيع منها ، إلاّ بأن يصرّح أولا : بأنّي أريد الإنشاء منها.

ولا يشترط تقديم الإيجاب ولو كان القبول بلفظ « قبلت » إذا أضاف إليه باقي الأركان ، والتفرقة غير جيّدة.

المسألة الخامسة : على القول باشتراط الصيغة ـ كما هو المشهور ـ فهل هي شرط اللزوم خاصّة ، أو مع انتقال الملك أيضا ، أو هما مع إباحة التصرّف؟

لا ينبغي الريب في الإباحة بدونها ، للأصل ، والإجماع ، وإذن المالك في التصرّف.

والقول بكونه بيعا فاسدا ، مع شذوذه لا ينفي إلاّ الإباحة الشرعيّة من جهة البيع لا مطلقا ، مع أنّ حرمة التصرّف في المقبوض بالبيع الفاسد بجميع أفراده ـ حتى ذلك ـ لم تثبت.

نعم ، ينبغي تقييد إباحة التصرّف من كلّ منهما بعدم قصده الرجوع بماله حال التصرّف ، لأنّه المعلوم من الإذن.

وأمّا الأولان فيجب بناؤهما على كون المعاطاة ونحوها ممّا تجرّد عن الصيغة بيعا عرفا ولغة ، أم لا.

فإن قلنا به ـ كما هو الحقّ ـ فالحقّ هو : الأول ، لانحصار دليل اشتراط‌

__________________

(١) في « ق » : مع.

٢٥٩

الصيغة عندهم حينئذ وتخصيص عمومات اللزوم بالإجماع ، وانحصاره في اشتراط اللزوم ظاهرا أو مع بعض الظواهر الذي لا تثبت منه حرمة التصرّف بدون الصيغة ، وتبقى عمومات حلّية البيع خالية عن المعارض ، فيصير البيع في الشرع قسمين : لازم وجائز.

وإن لم نقل به فالحقّ هو : الثاني ، إذ تدلّ على اشتراط الصيغة حينئذ الأصول المتقدّمة ، وهي جارية في نفي الملك أيضا.

وإطلاق القول بنقل الملك مع المعاطاة ـ تمسّكا بأنّه لولاه لما تحقّق الملك بالتلف ـ ضعيف جدّا.

المسألة السادسة : على القول بتوقّف اللزوم على الصيغة ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع في المعاطاة مع بقاء العينين ، والوجه فيه ظاهر ، كما في عدم الرجوع مع تلفهما معا ، لعدم إمكان الرجوع في العين ، وأصالة عدم الاشتغال بالمثل أو القيمة.

ولو تلفت إحداهما خاصّة فلا يجوز الرجوع لصاحب التالفة.

وهل له ردّ الموجودة بلا مطالبة شي‌ء لو أراده لمصلحة وامتنع صاحبه؟

الظاهر : نعم ، لأصالة عدم اللزوم. ولصاحب الموجودة الرجوع إليها ، لذلك أيضا على الأقوى ، ثمَّ الآخر يرجع إلى قيمة التالفة أو مثله.

كذا قالوا ، وهو بإطلاقه مشكل ، بل الموافق للقواعد أن يقال : لو كان التلف لا من جهة صاحب الموجودة فلا يرجع إليه بشي‌ء ، لأصل البراءة ، وعدم دليل على الاشتغال.

وإن كان منه ، فإن قصد الرجوع قبل الإتلاف فعليه المثل أو القيمة ، إذ كونه مأذونا في الإتلاف إنّما كان مع عدم قصده الرجوع ، فمعه يكون غاصبا ، فيعمل فيه بقاعدة الغصب.

٢٦٠