مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

هـ : ما ذكرنا من حكم المفتوحة عنوة إنّما هو إذا كانت محياة وقت الفتح.

وأمّا الموات منها حينئذ فقالوا : إنّها مال الإمام خاصّة ، وحكمها حكم سائر الموات ، لا يجوز التصرّف فيها بدون إذن الإمام مع حضوره ، ومع عدمه فيملكها من أحياها (١).

وقيل : إنّ الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في ذلك (٢) ، وفي الكفاية : بلا خلاف (٣).

أقول : لو ثبت الإجماع على جميع ما ذكروه فهو ، وإلاّ ففي ثبوت كونها من الأنفال نظر ، من جهة التعارض بين الأخبار (٤) الدالّة على أنّ منافع جميع الأراضي الميّتة للإمام بالعموم من وجه وعدم المرجّح.

نعم ، لا إشكال في ثبوت حكم الأخير ـ أي ثبوت التملّك لمن أحياها ـ للرواية الثانية والعشرين والثلاث المتعقّبة لها (٥) وما بمضمونها.

ولا يتوهّم معارضتها مع الأخبار الدالّة على أنّ الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين (٦) ، إذ لا كلام لنا حينئذ في كونها لهم أولا وإن كانت مواتا قبل الفتح.

بل الكلام في أنّ الموات منها هل خرجت عن كونها كذلك بالإحياء ودخلت في ملكيّة المحيي ، أم لا؟

__________________

(١) انظر المبسوط ٣ : ٢٧٨ ، الشرائع ١ : ٣٢٢ ، المسالك ١ : ١٥٥.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٣١٨.

(٣) الكفاية : ٢٣٩.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٢٣ أبواب الأنفال ب ١.

(٥) المتقدمة في ص : ٢١٥.

(٦) الوسائل ٢٥ : ٤٣٥ أبواب إحياء الموات ب ١٨.

٢٢١

مقتضى أخبار إحياء الموات (١) الخروج والدخول ، وأمّا عدمهما فليس إلاّ مقتضى الاستصحاب وأصل العدم ، ولا عمل عليهما مع دلالة عموم الأخبار المتكثّرة على خلافهما.

و : المعروف من مذهب الأصحاب والمدلول عليه بالأخبار ـ كالخامسة والسادسة والسابعة والثامنة وغيرها (٢) ـ والثابت من سيرة أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما فتحت بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ توليه هذه الأراضي والنظر فيها إلى الإمام ، يصنع فيها ما يراه من تقبيلها ممّن يريد كيف يريد.

وظاهر ذلك ـ بل صريح قوله : « وذلك للإمام » أو : « إليه » ، ومقتضى أصالة عدم جواز التصرّف في ملك الغير بدون إذنه ، على ما ذكرنا من ملكيّة هذه الأراضي لله سبحانه أو للإمام ـ عدم جواز التصرّف لأحد فيها إلاّ بإذنه.

وهو كذلك مع ظهوره واستقلاله.

وأمّا بدونهما فقد وقع الخلاف في من له التصرّف فيها :

فظاهر الشيخ في التهذيب : جواز التصرّف فيها وإباحته لكلّ أحد من الشيعة ، قال : وأمّا أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها منها فإنّا قد أبحنا أيضا التصرّف فيها ما دام الإمام مستترا (٣). انتهى.

وهو الظاهر من الكفاية ، حيث قال ـ بعد نقل كلام عن بعضهم دالّ على أنّ المتولّي هو السلطان الجائر ـ : ويحتمل جواز التصرّف مطلقا (٤). انتهى.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤١١ أبواب إحياء الموات ب ١.

(٢) راجع ص : ٢١٤.

(٣) التهذيب ٤ : ١٤٤.

(٤) الكفاية : ٧٧.

٢٢٢

وقيل : لا يجوز التصرّف فيها إلاّ بإذن السلطان الجائر ولو أمكن التصرّف فيها بدون إذنه (١) ، بل نقل بعضهم على ما في الكفاية اتّفاق الأصحاب عليه (٢).

وقال في المسالك في حكم هذه الأرضين في زمان الغيبة : وهل يتوقّف التصرّف في هذا القسم منها على إذن الحاكم الشرعي إن كان متمكّنا من صرفها في وجهها ، بناء على كونه نائبا عن المستحقّ عليه‌السلام مفوّضا إليه ما هو أعظم من ذلك؟

الظاهر ذلك ، وحينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين ، ومع عدم التمكّن أمرها إلى الجائر.

وأمّا جواز التصرّف فيها كيف اتّفق لكلّ أحد من المسلمين فبعيد جدّا ، بل لم أقف على قائل به ، لأنّ المسلمين بين قائل بأولويّة الجائر وتوقّف التصرّف على إذنه ، وبين مفوّض الأمر إلى الإمام العادل ، فمع غيبته يرجع الأمر إلى نائبه ، فالتصرّف بدونهما لا دليل عليه.

وليس هذا من باب الأنفال التي أذنوا عليهم‌السلام لشيعتهم في التصرّف فيها في حال الغيبة ، لأنّ ذلك حقّهم ، فلهم الإذن فيه مطلقا.

بخلاف المفتوحة عنوة ، فإنّها للمسلمين قاطبة ، ولم ينقل عنهم الإذن في هذا النوع (٣). انتهى.

وخلاصته : أنّ النظر في هذه الأراضي في زمان الغيبة للنائب العام ، ومع عدم تمكّنه للجائر ، دون غيرهما.

__________________

(١) لعل المراد منه ما في الرياض ١ : ٤٩٦.

(٢) الكفاية : ٧٩.

(٣) المسالك ١ : ١٥٥.

٢٢٣

أقول : قوله : وأمّا جواز التصرّف فيها كيف اتّفق لكلّ أحد من المسلمين ، إلى آخره ، إن أراد منهم الشيعة وغيرهم فهو كذلك ، وإن أراد الشيعة خاصّة فقد عرفت أنّه الظاهر من كلام التهذيب ، وتشعر به كلمات بعض آخر أيضا (١) ، فالقول به متحقّق ظاهرا.

والظاهر أنّه الأقرب ، أي يكون لكلّ واحد من الشيعة التصرّف في هذه الأراضي والنظر فيها وتقبيلها وإجارتها في زمان عدم تسلّط الإمام.

والدليل عليه : عموم الرواية التاسعة (٢) ، حيث تدلّ على أنّ الشيعة محلّلون في ذلك التصرّف.

والعاشرة (٣) ، حيث تدلّ على أنّ ما كان لهم فهو ثابت لشيعتهم ، والتصرّف في تلك الأراضي كان لهم.

والحادية عشرة (٤) ، فإنّ التصرّف في تلك الأراضي وتقبيلها حقّ للإمام ، فيكون حلالا للشيعة.

والثانية عشرة (٥) ، فإنّ تقبيل الناس لتلك الأراضي أيضا مظالم للأئمّة ، فيكون حلالا للشيعة.

ومن ذلك يظهر فساد ما تقدّم من المسالك من أنّ هذا ليس من باب الأنفال ، فإنّ ذلك حقّهم ، فلهم الإذن فيه ، إلى آخره. فإنّ ما للمسلمين هو منافع هذه الأرضين أو مع رقبتها ، وأمّا التصرّف والتقبيل فحقّ للإمام ،

__________________

(١) كصاحب الحدائق ١٨ : ٣٠١ ، ويشعر بذلك أيضا كلام صاحب كشف الغطاء : ٣٥٩.

(٢) المتقدمة في ص : ٢١٢.

(٣) المتقدّمة في ص : ٢١٣.

(٤) المتقدمة في ص : ٢١٣.

(٥) المتقدمة في ص : ٢١٣.

٢٢٤

فيكون له الإذن فيه للشيعة.

وكذا يظهر فساد ما ذكره من عدم نقل الإذن. فإنّه وإن لم ينقل في خصوص تلك الأراضي ، ولكن يثبت بالعمومات ما ثبت بالخصوص ما لم يكن له معارض ، كما في المسألة.

وظهر ممّا ذكرنا عدم توقّف جواز التصرّف والتقبيل لآحاد الشيعة على إذن النائب العام أو السلطان الجائر.

وهل يجوز التقبيل من السلطان الجائر ـ أي المخالف ـ أم لا؟

ظاهر الأكثر ذلك (١).

وقيل : الثابت من الأدلّة والأخبار الواردة في هذه المسألة ومسألة الخراج والمقاسمة هو حلّيّة أخذها من الجائر بالبيع والشراء والحوالة وغيرها ، وحلّيّة التصرّف في تلك الأراضي بإذنهم وأمرهم وتقبيلهم إذا كانوا متسلّطين عليها بحيث لا يمكن الاستنقاذ من أيديهم والتخلّص من أذيّتهم وضررهم.

وأمّا لو أمكن التصرّف في الأراضي الخراجيّة بدون مظنّة ضرر من قبلهم ، وأمكن التصرّف في المقاسمة والخراج كذلك ، فلم يظهر وجوب استئذانهم ، بل ولا جوازه أيضا من الأدلّة. انتهى.

والمستفاد منه جواز التصرّف بإذن الجائر مع عدم إمكانه بدونه ، والتردّد في الجواز به مع الإمكان بدونه.

وقال صاحب الكفاية ـ بعد نقل القول باشتراط إذن الجائر ـ : وقد نازع فيه بعض المتأخّرين من الأصحاب ، وقال : لا دليل عليه من الكتاب‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦٩ وصاحب الرياض ١ : ٥٠٧.

٢٢٥

ولا من السنّة ، بل قد يستنبط منهما خلافه ، إذ هذا معاونة على الإثم ومعونة للظالم ، وقول بأنّ له ولاية وعهدا من الله عزّ وجلّ ، إذ من لا سلطنة له من الله ورسوله في أمر جاز خلافه في ذلك الأمر ، والكتاب والسنّة قاطعتان بالنهي عن هذه الأمور.

وأيضا لو كان الأمر على ما ذكر لم يكن على الجابي والعامل وأمثالهما من الجور شي‌ء ، نظرا إلى أنّ أخذهم وجمعهم إنّما هو لما يحرم على المأخوذ منه منعه ، وهو نوع برّ وإحسان بالنسبة إلى المأخوذ منه ، ومعاونة على إبراء ذمّته من الواجب.

وهذا ـ مع كونه فتح باب لإقامة الباطل وخمول الحقّ المنفيّين عقلا ونقلا ـ مردود بخصوص ما رواه الشيخ ، ونقل روايات دالّة على المنع من الدخول في أعمالهم.

قال : وفيه نظر ، لأنّ كون ذلك إثما إنّما يكون على تقدير كون أخذ الجائر حراما مطلقا بأيّ غرض كان ، وهو ممنوع ، وقد مرّت الإشارة إليه ، وتقوية الظالم إنّما يسلّم تحريمه في الظلم ، وفي مطلقه إشكال (١). انتهى.

أقول : لا ينبغي الريب في كون تصرّف الجائر المخالف وتقبيله لتلك الأراضي محرّما منهيّا عنه ، كيف؟! وقد صرّح في الرواية التاسعة (٢) بكون تصرّف غير الشيعة فيها حراما ، وخصّص في غير واحد من الأخبار (٣) تحليل الحقّ بالشيعة ، وكيف لا يكون حراما؟! وهو تتمّة غصب منصب الولاية ، وهذا الجائر هو الغاصب وهو المانع عن استقلال الإمام في زمان‌

__________________

(١) الكفاية : ٨٠.

(٢) المتقدّمة في ص : ٢١٢.

(٣) انظر الوسائل ٩ : ٥٤٣ أبواب الأنفال ب ٤.

٢٢٦

الحضور.

وقوله : وقد مرّت الإشارة إليه ، إشارة إلى ما ذكره عند بيان حكم الخراج من عدم ثبوت حرمة تصرّف الجائر إذا كان غرضه جمع حقوق المسلمين.

ولا يخفى أنّ بعد ثبوت كون الجمع والتقبيل وظيفة شخص معيّن وحقّه يكون عمله حراما ، سيّما إذا كان مانعا لوليّ الأمر [ من ] (١) التصرّف ، مع أنّ العلم بغرضه ذلك والوفاء به ـ مع ما هو عليه من الفسق الظاهر ، وصرف أموال المسلمين في غير مصارفها ـ غير ممكن الحصول.

فإن قلت : قد ورد في بعض الأخبار جواز التقبيل من السلطان الجائر ، كما مرّ في الرواية الحادية والعشرين والسابعة والعشرين والثامنة والعشرين (٢) ، وعلى هذا فلا يكون تقبيل السلطان الجائر حراما ، أو يكون هذا النوع من الإعانة على الحرام مستثنى.

قلنا : على الأول : تكون تلك الأخبار معارضة مع ما يدلّ على حرمة تصرّف المخالف في تلك الأراضي كما مرّ.

وعلى الثاني : مع الأخبار الناهية عن المعاونة على الإثم والدخول في أعمال الظلمة (٣).

وتعارضها مع الفريقين بالعموم من وجه ، لكون السلطان في تلك الأخبار أعمّ من الحقّ وغيره ، كما يصرّح به الاستشهاد بتقبيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) في « ق » : مع ، وفي « ح » : منع ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) المتقدّمة في ص : ٢١٥ و ٢١٦.

(٣) الوسائل ١٦ : ٥٥ أبواب جهاد النفس ب ٨٠ وج ١٧ : ١٧٧ أبواب ما يكتسب به ب ٤٢.

٢٢٧

في السابعة والعشرين ، وكون الأرض فيها أيضا أعمّ من الخراجيّة وغيرها ، واحتمال كون تصرّف الراوي في الحادية والعشرين من غير إذن السلطان أيضا ، والترجيح للمعارض ، للمخالفة لمذهب العامّة والموافقة للكتاب ، مع أنّه لو لا الترجيح على الأول كانت قضيّة الأصل أيضا الحرمة.

هذا ، مضافا إلى أنّه لا دلالة للحادية والعشرين أصلا كما لا يخفى.

والمقصود من السابعة والعشرين بيان حكم أصل قبالة الأرض ، حيث إنّها كانت ممّا يشكّك فيها ، والبأس ينفى عن ذلك لا عن قبالة السلطان ، بل يمكن أن تكون الأرض من أملاك السلطان دون الأراضي الخراجيّة.

وفي الثامنة والعشرين عن استئجار أرض مستأجر بفضل ، ولذا أجاب فيها بما أجاب.

فلا يدلاّن على حكم التقبيل من السلطان أصلا.

وقد يستدلّ أيضا على الجواز بأخبار أخر ، كروايتي الهاشمي ، إحداهما : في الرجل يتقبّل بجزية رؤوس الرجال (١) وخراج النخل والآجام والطير ، وهو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شي‌ء أبدا أو يكون ، قال : « إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنّه قد أدرك فاشتره وتقبّل به » (٢) ، وقريبة منها الأخرى (٣).

ولا يخفى ما فيه ، فإنّه ليس السؤال فيها عن حكم تقبيل الخراج ، سيّما‌

__________________

(١) في « ق » و « ح » : الجبال ، وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٥ ـ ١٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ـ ٥٤٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب عقد البيع ب ١٢ ح ٤ ، بتفاوت.

(٣) الفقيه ٣ : ١٤١ ـ ٦٢١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب عقد البيع ب ١٢ ح ٤.

٢٢٨

عن الجائر من حيث هو ، بل نفي البأس عن تقبّله قبل أن يدرك ، ولا عموم في أصل الخراج. وترك الاستفصال يفيد لو كان السؤال عن حكم نفس الخراج.

وصحيحة ابن سرحان : في الرجل تكون له الأرض عليها خراج معلوم ، وربّما زاد وربّما نقص ، فيدفعها إلى رجل على أن يكفيه خراجها ويعطيه مائتي درهم في السنة ، قال : « لا بأس » (١).

وفيه : أنّ السؤال فيها ليس عن التقبيل ، بل عن حكم فضل ما تقبّل ، وأيضا الكلام في التقبّل من السلطان ، لا في أن يكون لأحد أرض خراج يتصرّف فيها فيأخذ السلطان منه خراجا ظلما ، ولا يقول إنّه يجب حينئذ ترك تلك الأرض.

والحاصل : أنّه لا يثبت منها أزيد من نفي البأس عن أداء الخراج ، لا عن التقبّل من السلطان.

ومنه يظهر عدم دلالة ما بمضمونها ، كروايتي يعقوب بن شعيب (٢) ، ورواية أبي بردة (٣) ، وموثّقة سماعة (٤) ، ورواية إبراهيم بن ميمون (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٥ ـ ٥ ، الفقيه ٣ : ١٥٤ ـ ٦٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٩٦ ـ ٨٦٨ ، الوسائل ١٩ : ٥٧ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ١٧ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الاولى في : الكافي ٥ : ٢٦٨ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ١٩٨ ـ ٨٧٦ ، الوسائل ١٩ : ٤٥ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ١٠ ح ٢.

الثانية في : التهذيب ٧ : ٢٠١ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ١٩ : ٥٩ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ١٨ ح ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٠٩ ـ ٩١٨ ، الوسائل ١٩ : ٥٨ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ١٧ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٢٦٩ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ١٥٥ ـ ٦٧٩ ، التهذيب ٧ : ١٩٩ ـ ٨٨٠ ، الوسائل ١٩ : ٥٩ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ١٨ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٢٧٠ ـ ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩٩ ـ ٨٧٨ ، الوسائل ١٩ : ٥٧ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ١٧ ح ٢.

٢٢٩

وكرواية اخرى للهاشمي : عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى ، ثمَّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل ، أيصلح له ذلك؟ قال : « نعم ، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك » (١).

وفيه ـ مضافا إلى ما مرّ ـ أنّا لا ننكر أنّه إذا ارتكب المحرّم وتقبّل فيكون تصرّفه وإجارته بعد ذلك حلالا ، إنّما الكلام في أصل التقبّل ، كمن دخل دار قوم بغير إذنهم وأخذ مال نفسه منها ، إلى غير ذلك.

وبعد الإحاطة بما ذكرنا تقدر على ردّ سائر ما أورد في هذا المقام من الأخبار.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكر عدم جواز التقبّل من السلطان المخالف ، سواء في ذلك إمكان التصرّف بدون إذنه وعدمه ، إلاّ أنّه يمكن أن يمنع كون التقبيل منه لأجل الحاجة أو استيفاء الحقّ أو نحو ذلك إعانة على الإثم أو على الظلم أو دخولا في أعمال الظلمة ، فإنّ للقصد مدخليّة في تحقّق الإعانة ، كما بيّنا في موضعه.

وعلى هذا فيمكن أن يقال : بأنّ الثابت من الأدلّة وإن كان حرمة تقبيل الجائر ، ولكنّ الأصل ـ بضميمة ما مرّ من جواز تصرّف آحاد الشيعة فيها ـ يقتضي جواز تقبيل الشيعة منه ، إذ لا دليل على حرمته إلاّ كونه معاونة على الإثم أو للظالم أو دخولا في عمله ، والكلّ ممنوع ، فيجوز لهم التقبيل منه.

ويدلّ عليه تقريرهم عليهم‌السلام جماعة من الشيعة على ذلك. فعليه الفتوى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٢ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٠٣ ـ ٨٩٦ ، الاستبصار ٣ : ١٢٩ ـ ٤٦٥ ، الوسائل ١٩ : ١٢٧ أبواب أحكام الإجارة ب ٢١ ح ٣ و ٤.

٢٣٠

وظهر أيضا جواز التقبيل من سلاطين الشيعة إذا كان شيئا من تلك الأراضي في أيديهم وجاز لهم التصرّف فيها ، بأن لم يكونوا أخرجوها من يد شيعة اخرى قهرا ، حيث إنّ المتصرّف أولى من غيره ، بل معه أيضا ، لأنّ غايته حرمة الإخراج لا حرمة التصرّف بعده ، وهؤلاء السلاطين لكونهم من الشيعة يكونون محلّلين ممّا في أيديهم.

ز : ما ذكر كان حكم تقبيل نفس الأرض. وأمّا طسقها (١) ، فقضيّة الأصل الثابت من بعض الأخبار المتقدّمة وجوب صرفه إلى مصالح المسلمين ، ولا مخرج عنها ، بل هو مقتضى اختصاصها بالمسلمين ، وتحليل الإمام كان مختصّا بحقوقهم وما كان لهم ، لا لحقوق المسلمين ، ولم يثبت تحليل الجميع ، فعلى كلّ متصرّف ـ ولو من آحاد الشيعة ـ صرفه فيها ، ولا شكّ أنّه لا يجب في صرفه فيها إذن السلطان الجائر ، لعدم دليل عليه ، إلاّ إذا لم يمكن دونه واتّقى من تركه.

وهل يتوقّف على إذن النائب العام؟

الأحوط ذلك ، وإن كان الحكم بالوجوب محلّ النظر.

ولو تقبّله من سلطان الشيعة فلا شكّ في وجوب دفع الزائد من الطسق إليه ، لأنّه حقّه ، وأمّا الطسق فالظاهر أنّه كذلك ، إلاّ إذا علم عدم صرفه إيّاه في مصارفه.

ح : اختلفوا في جواز بيع الأراضي المفتوحة عنوة ، فمنهم من منع منه مطلقا (٢) ، ومنهم من جوّزه في زمان الغيبة كذلك (٣) ، ومنهم من فصّل‌

_________________

(١) الطسق : الوظيفة من خراج الأرض ـ الصحاح ٤ : ١٥١٧.

(٢) كالشيخ في النهاية : ١٩٥ ، المبسوط ٢ : ٣٤ ، المحقق في الشرائع ١ : ٣٢٢ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٤٢٧.

(٣) كالشهيد في الدروس ٢ : ٤١ والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٤٠٣.

٢٣١

نوعا من التفصيل (١).

والحقّ : أنّه لا يجوز بيع نفس رقبتها ولا نقلها بعقد آخر ، ويجوز بيع الآثار المملوكة الكائنة فيها ، من شجر أو بناء أو نحوهما ، وبتبعيّتها يملك المشتري حقّ التصرّف فيها إذا بيعت الآثار كائنة فيها وكان مقصودهما بقاء الآثار فيها ، بمعنى : أنّه إذا بيعت تلك الآثار يحقّ للمشتري التصرّف في نفس الأرض أيضا تبعا لها. وكذا يصحّ صلح حقّ التصرّف ـ أي أولويّته ـ وإن لم تكن فيها آثار.

أمّا عدم جواز بيع نفس الرقبة أو نقلها بعقد آخر فلعدم كونها ملكا لأحد بخصوصه حتى يصحّ نقلها كما عرفت ، مع أنّه لو قلنا بكونها ملكا للمسلمين فهي تكون ملكا لجميعهم من الموجودين وغيرهم ، كما صرّح به في الرواية الاولى (٢) ، ويكون كلّ جزء مشتركا بين الجميع ، ولا يعلم قدر حصّة أحد ، فكيف يصحّ بيع أرض معيّنة أو نقلها كما هو المطلوب؟!

ويدلّ عليه أيضا نفي صلاحيّة شرائها في الرواية الاولى ، وأمّا ما استثناه فهو ليس شراء حقيقيّا قطعا ـ أي تملّك رقبتها ـ وإلاّ لم يجز لوليّ الأمر أخذها منه ، ولم يجب عليه جعلها للمسلمين ، فهما قرينتان على عدم إرادة الشراء الحقيقي من المستثنى ، فالمراد منه : إمّا صورة الشراء لإخراجها من أيدي الدهاقين ، أو شراء حقّ التصرّف مجازا ، إذ لا يتعيّن معناه المجازي ، فيكون مجملا غير مفيد.

ويدلّ عليه إنكاره جواز بيعها في الرواية الرابعة (٣). ونفي البأس فيها‌

__________________

(١) كالحلي في السرائر ١ : ٤٧٨ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٥٥.

(٢) المتقدمة في ص ٢١٠.

(٣) المتقدمة في ص : ٢١١.

٢٣٢

عن شراء حقّه منها غير مفيد لتجويز اشتراء نفس الرقبة ، لتوقّفه على ثبوت الحقّ فيها ، وهو غير ثابت ، بل المراد جواز شراء الآثار أو بيع حقّ التصرّف وأولويّته مجازا.

بل تدلّ عليه أيضا الرواية الثانية الناهية عن اشتراء أرض السواد (١).

وأمّا جواز بيع الآثار فظاهر.

وأمّا انتقال أولويّة حقّ التصرّف بنقل الآثار مع قصد ثبوت الآثار وبقائها فلأنّ أولويّة التصرّف حقّ مملوك للبائع يجوز له نقله إلى غيره بما يتحقّق به النقل ويصلح له ، وبيع الآثار بقصد البقاء متضمّن لاشتراط تصرّف المشتري ـ من حيث كونها محلا لما اشتراه من الآثار ـ فيها ، والشرط الذي يتضمّنه عقد لازم لازم.

وأمّا جواز صلح هذه الأولويّة فلعمومات الصلح المذكورة في مظانّها.

واستدلّ من جوّز بيعها مطلقا بأخبار لا دلالة لأكثرها على كونها واردة في خصوص أرض الخراج أو ما يعمّها ، وما كان له دلالة عليه فيعارض ما تقدّم من الروايات ، وحينئذ فإمّا يتساقطان ويرجع إلى الأصل ـ الذي هو عدم جواز الشراء لعدم ثبوت الملكيّة ـ أو يحمل الشراء فيه على ما تشهد له الروايتان من المعنى المجازي أو شراء الحقّ.

ط : لا بدّ في ثبوت كون أرض مفتوحة عنوة من العلم الحاصل من التواتر أو الخبر المحفوف بالقرينة أو نحوهما ، أو الظنّ الثابت حجّيّته شرعا من حديث أو شهادة العدلين أو إقرار ذي اليد.

وأمّا مطلق الظنّ ـ كالظنّ الحاصل من قول أرباب السير والتواريخ ، أو‌

__________________

(١) راجع ص : ٢١٠.

٢٣٣

من شهرة مفيدة للظنّ ـ فلا ، لعدم ثبوت حجّيّته ، والأصل عدم ثبوت أحكام المفتوحة عنوة لها.

وعلى هذا فنقول : كلّ أرض شكّ في كونها من الأراضي المفتوحة عنوة إمّا تكون عليها يد مسلم أو مسالم ، أو لا.

فعلى الأول : إمّا يقرّ بكونها مفتوحة عنوة ويعمل فيها معاملتها ، أو لا.

فعلى الأول : يحكم بما يقرّ به.

وعلى الثاني : فإمّا لا يدّعي ملكيّة نفسه لها ويقول بعدم كونها ملكا له وإن لم يعيّن حالها ، فيكون مجهول المالك ويلزمها حكمه.

أو يدّعي الملكيّة ، لا بمعنى أنّه يدّعي العلم بعدم كونها مفتوحة عنوة ، بل بمعنى أنّه يدّعي عدم العلم بحقيقتها ويقول : إنّي لا أعلم الحقيقة ويدي عليها يد التملّك كاليد في سائر المملوكات ، فيحكم بملكيّتها له ، لأنّ الأصل الثابت من الأدلّة في اليد الملكيّة.

وإن لم تكن عليها يد مسلم أو من في حكمه يلزمها حكم مجهول المالك عندنا.

ثمَّ ما ذكرنا أعمّ من أن تكون الأرض في بلدة لم يعلم كونها مفتوحة عنوة ، أو علم كون أصل البلدة أولا كذلك ولكن لم يعلم خصوص تلك الأرض ، وذلك لأنّ كون بلدة مفتوحة عنوة لا يوجب كون كلّ أرض فيها كذلك ، لاحتمال كون هذه الأرض مواتا حين الفتح فتملّكها أحد بالإحياء.

والأصل وإن كان عدم التغيير ـ أي كون العامرة وقت الفتح باقية على كونها معمورة ، والميتة على كونها ميتة ، ويلزمها كون تلك الأرض عامرة وقت الفتح ـ ولكن تعارض هذا الأصل أصالة تأخّر الحادث ، الذي هو‌

٢٣٤

إحياء تلك الأرض ، فيتساقطان ويبقى أصل اليد خاليا عن المعارض ، وهذا جار في جميع أراضي تلك البلدة.

وكون أصل البلدة مفتوحا عنوة لا يثبت الحكم في شي‌ء من هذه الأراضي ، لأنّ البلدة اسم للقدر المشترك بين ما يصدق على هذا الموجود بأجمعه وبعضه وعلى ما يقرب منه ، فيمكن أن يكون العامر وقت هذا الفتح من الموات حينئذ ، والعامر حينئذ من الموات قبل الفتح ، وأصالة تأخّر الحادث ترجّح ذلك.

نعم ، لو علم قطعا وجود العامر وقت الفتح في تلك الأراضي ولم يعلم التعيين لم يجز شراء الجميع وبيعه ، وإن جاز في كلّ قطعة قطعة ، كما في الأرض التي علم نجاسة موضع منها.

ثمَّ إنّ منهم من اعتبر مطلق الظنّ ، قال في الكفاية ـ بعد نقل الأخبار الدالّة على كون أرض السواد مفتوحة عنوة ـ : فإن علم كون بلد آخر كذلك فذاك ، وما لم يعلم فيه ذلك وكان مشتبها فالظاهر أن يعمل بالظنّ فيه.

بيان ذلك : أنّا نعلم أنّ بعض البلاد كان مفتوحا عنوة وبعضها صلحا ، وما كان صلحا اشتبه أمره في أنّ الصلح وقع على أن تكون الأرض لهم ، أو على أن تكون الأرض للمسلمين فيكون حكمه حكم المفتوحة عنوة ، فهذا البلد المشتبه إمّا يكون على سبيل الأول أو الثالث فيكون للمسلمين وعليه الخراج ، أو على سبيل الثاني فلم يكن عليه خراج.

فإمّا أن يجري عليه خصوص حكم بلا أمر دالّ عليه أو أمارة ظنّية ففيه ترجيح حكم بلا مرجح ، أو يرجع فيه إلى الظنّ ، وإذا بطل الأول تعيّن الثاني.

وأيضا إذا كان المظنون فيه أمرا كان خلافه مرجوحا ، فإمّا أن يعمل‌

٢٣٥

فيه بالراجح ، أو بالمرجوح ، أو لا يعمل فيه بشي‌ء منهما ، لا وجه للثالث وهو ظاهر ، ولا للعمل بالمرجوح ، فتعيّن الأول (١). انتهى كلامه طاب ثراه.

أقول : قوله : فهذا البلد المشتبه ، إلى آخره. فيه احتمالات أخر :

أحدها : أن تكون أرض من أسلم أهله طوعا.

وثانيها : أن تكون مواتا أحياها المسلمون.

وثالثها : أن يكون من خمس الإمام فنقلها بأحد وجوه النقل.

قوله : فإمّا أن يجري عليه ، إلى آخره.

أقول : يعمل فيه بما يعمل فيه لو لم تكن هناك أمارة ظنيّة أيضا.

والحاصل : أنّه يحكم في أراضيه بمقتضى اليد إن كانت أو بمقتضى الجهل بالمالك ، وليس شي‌ء منهما حكما بلا دليل ، وهو ظاهر.

ومنه ظهر فساد قوله : وإذا بطل الأول تعيّن الثاني ، لعدم الحصر ، لجواز جريان حكم بدليل دالّ عليه ، كاليد وأصالة تأخّر الحادث ونحوها.

قوله : وإذا كان المظنون فيه أمر ، إلى آخره.

فيه : أنّ المرجوح باعتبار الظنّ قد يصير راجحا باعتبار آخر ، كانضمام اليد ونحوها معه ، فلا يكون ترجيحا للمرجوح.

والمراد : أنّ ذلك المرجوح وإن كان مرجوحا بكونه مفتوحا عنوة واقعا ، لكن يمكن أن يصير راجحا بكونه مملوكا على الظاهر ، كما إذا حصل من إنكار المدّعى عليه ظنّ أقوى من الظنّ الحاصل من شهادة عدلي المدّعي ، وكالظنون في الأحكام الشرعيّة ، فإنّ هذا القائل لا يعمل بمطلق الظنّ فيها.

__________________

(١) الكفاية : ٧٩.

٢٣٦

ثمَّ قال بعد كلام : لا يقال : إذا كان البلد تحت يد المسلمين كان محكوما بكونه ملكا لهم ، والقول بخلاف ذلك يحتاج إلى أمر مفيد للعلم ، ولا يكفي الظنّ في ذلك.

فإنّا نقول : نحن نعلم أنّ تلك الأراضي كانت تحت يد الكفّار ثمَّ طرأ عليها دخولها تحت يد المسلمين ، إمّا على وجه كونها ملكا لجميع المسلمين والآن لصاحب اليد أولويّة التصرّف فيها ، وإمّا على وجه كونها ملكا لصاحب اليد ، فإذا اشتبه الأمر لم يكن لنا أن نحكم بشي‌ء من ذلك إلاّ بحجّة ، ولا يعرف أنّ اليد في أمثال هذه الأراضي تقتضي الحكم باختصاصها بصاحب اليد على وجه الاختصاص الملكي ، وإن سلّمنا ذلك في المنقولات والأشجار والأبنية وأمثالها. ومن المعلوم أنّ المتصرّف أيضا لا يدّعي ذلك ولا يعلمه ، ولو ادّعى شيئا من ذلك لا نصدّقه ، لأنّا نعلم أنّه لا يعلم. ولا يمكن دعوى الإجماع فيما نحن فيه ، ولا دعوى نصّ يدلّ على أكثر ممّا ذكرنا.

وإذا علم كون بلد مفتوحا عنوة وحصل الاشتباه في بعض مزارعه وقراه فسبيل تحصيله ما ذكرنا ، وكذلك السبيل في معرفة كون الأرض عامرة وقت الفتح أو مواتا ، فإنّه يعوّل عليها بالأمارات الظنّيّة عند تعذّر العلم (١). انتهى.

قوله : نحن نعلم أنّ تلك الأراضي كانت تحت يد الكفّار ، إلى آخره.

فيه منع ، لجواز عدم دخولها تحت أيديهم بكونها محياة للمسلمين.

قوله : ولا نعرف أنّ اليد ، إلى آخره.

__________________

(١) الكفاية : ٧٩.

٢٣٧

فيه : أنّ مطلق اليد دليل على الملكيّة ، سواء كانت على الأراضي أو غيرها ، كما صرّح به في كتاب إحياء الموات (١) ، ودلّت عليه الأخبار العامّة للأرضين أيضا ، بل منها الواردة في خصوص الأرض ، كما ورد في ردّ أمير المؤمنين عليه‌السلام على أبي بكر ، حيث طلب البيّنة عن سيدة النساء عليها‌السلام لأجل فدك (٢).

قوله : من المعلوم أنّ المتصرّف أيضا ، إلى آخره.

أقول : لا يشترط في دلالة اليد على الملكيّة علم ذي اليد بالواقع ، لأنّ كلّ من في يده شي‌ء لا يعلم حقيقة الأمر ، فإنّ العبد الذي ورثه أحد أو اشتراه يمكن أن يكون في الواقع حرّا ، أو مسروقا ، أو نحو ذلك.

قوله : ولا يمكن دعوى الإجماع ، إلى آخره.

بل يمكن دعوى الإجماع ، والنصّ الدالّ على الأكثر موجود ، كما أشرنا إليه.

قوله : فسبيل تحصيله ما ذكرنا.

فيه منع ، بل يعمل فيه بالأصول والقواعد.

وقد يستدلّ على اعتبار مطلق الظنّ هنا بانسداد باب العلم وبقاء التكليف ، وكون الأمر في التكاليف على الظنّ سيّما في الموضوعات ، ولا فرق في ذلك بين الرجوع إلى أهل الخبرة في الأرض (٣) ، وإلى العرف واللغة في فهم المعنى ، وإلى الهيئة في القبلة.

أقول : أمّا دليل انسداد باب العلم قد ذكرنا ما فيه في كتبنا الأصوليّة‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٤٠.

(٢) تفسير القمّي ٢ : ١٥٥.

(٣) في « ق » ونسخة من « ح » : الأرش.

٢٣٨

مستوفى ، وكون البناء على مطلق الظنّ في الأحكام والموضوعات ممنوع ، والرجوع إلى أهل الخبرة واللغة والهيئة فإنّما هو لأدلّة خاصة بها ، فهي الفارقة ، وإن لم يكن فيها دليل فيمنع الرجوع فيها أيضا.

وممّا قد يجعل دليلا على كون الأرض مفتوحة عنوة ضرب الخراج من الحاكم وإن كان جائرا ، عملا بأنّ الأصل في تصرّفات المسلم الصحّة.

واعترض عليه : بأنّه إنّما يتمّ إذا كان الحكم بكونه خراجيّا مصحّحا لتصرّفه وتسلّطه على الأخذ ، وأمّا إن قلنا : إنّ فعله ـ كتسلّطه وضربه وأخذه ـ حرام وإن حكمنا بكونها خراجيّة ، فلا.

وردّ : بأنّ المراد من أصالة صحّة فعل المسلم إنّما هو صحّة فعله على ما يعتقده صحيحا ، فإذا انحصر عندهم جواز أخذ الخراج في الأراضي الخراجيّة فإذا رأيناهم يأخذون الخراج من أحد يحكم بصحّة فعله عندهم ، وإن كان أصل الفعل باطلا عندنا.

مع أنّا إذا رأينا المسلمين في الأعصار يأخذون منهم خراج تلك الأراضي فحمل أفعالهم على الصحيح قد دلّنا على أنّ الأرض كانت خراجيّة.

أقول : فيه ـ مضافا إلى أنّ الحمل على الصحّة لو سلّم فإنّما هو في أفعال الشيعة خاصّة ، ومع التسليم مطلقا لا يثبت إلاّ كون الأرض خراجيّة عند من يأخذ الخراج أو مع من يقبله عنه ، وذلك غير كاف للثبوت عند مجتهد آخر ، إذ معتقد طائفة لا يفيد لغيرهم ـ أنّ تلك الأراضي التي يؤخذ منها الخراج لا تخلو إمّا تكون في يد السلطان ، يتقبّلها ويؤجرها لمن يشاء ، ويأخذ طسقها باسم الخراج ، فهذا اعتراف من صاحب اليد بكونها خراجيّة ، وهذا كاف في الثبوت ، ولا حاجة إلى الحمل على الصحّة ...

٢٣٩

أو تكون في يد الرعيّة ، وهم أيضا يعطون الخراج معترفين بكونه حقّا ، فهذا أيضا كالأول ، أو يأخذ منهم الخراج كرها لهم مع عدم اعترافهم بالحقّيّة ، بل مع تصريحهم بعدمها ، وفي هذا كما أنّ حمل فعل السلطان على الصحّة يثبت الخراجيّة ، حمل إكراه الرعيّة على الصحّة أيضا يدلّ على عدمها ، فيتعارضان.

نعم ، لو اعترف الرعيّة المتصرّف لها لم يتحقّق التعارض ، ولكن لا يفيد أيضا لسائر ما ذكر.

ي : قد تلخّص ممّا ذكرنا أنّه ليس لنا اليوم أرض مخصوصة يتمّ لنا الحكم بكونها مفتوحة عنوة ، إذ لا دليل علميّا على شي‌ء منها ، ولا ظنّيّا ثابت الحجّيّة ، إلاّ بعض الأخبار الواردة في أرض السواد أو مكّة ، وهي مع وجود التعارض لبعضها لا تثبت حكم كلّ أرض بخصوصها ، وحكم الجملة غير مفيد كما مرّ ، ولا يحصل من أقوال أرباب التواريخ شي‌ء يمكن الركون إليه ، مع شدّة اختلافها في الأكثر.

قال بعض أصحابنا : إنّ ما وجدنا في بعض كتب التواريخ ـ وكأنّه من الكتب المعتبرة في هذا الفنّ ـ أنّ الحيرة ـ وكأنّها من قرى العراق بقرب الكوفة ـ فتحت صلحا ، وإنّ نيشابور من بلاد خراسان فتحت صلحا ، وقيل : عنوة ، وبلخ منها وهراة وقوشج والتوابع فتحت صلحا ، وبعض آخر منها فتح صلحا ، وبعض عنوة.

وبالجملة : حكى حال بلاد خراسان مختلفا في كيفيّة الفتح.

وأمّا بلاد شام ونواحيه ، فحكي أنّ حلب (١) وحمص وطرابلس‌

__________________

(١) في « ق » زيادة : وحمى.

٢٤٠