مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

والأولويّة ممنوعة ، والموثّقة غير دالّة ، إذ لا دلالة فيها على أنّه صار في يده شي‌ء من المشتبه بالحرام ، لجواز أن يكون من ارتفاع الأراضي الخراجيّة الذي هو مباح وخمسه للإمام ، مع أنّه يكون هذا كسبا ، وما صار بيده ربحا ، فإخراج خمسه من حيث هو واجب ، ولا يدلّ على أنّه يطهّره.

ثمَّ إنّ ظاهر إطلاق النصوص والفتاوى : الحلّية مع عدم العلم بالحرمة وإن لم يعلم أنّ للمخبر مالا حلالا ، والأصل وإن يساعد خلافه ولكن لا أثر له مع إطلاق الرواية.

وأمّا المروي في الاحتجاج للطبرسي وكتاب الغيبة للشيخ ، وفيها ـ بعد أن سئل الصاحب عن أكل مال من لا يتورّع المحارم ـ : « وإن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل برّه ، وإلاّ فلا » (١) فلا نافيه ، لأنّ معنى قوله : « وإلاّ » أي وإن لم يكن له مال غير الحرام الذي في يده ، لا أنّه إن لم يعلم له مال ، فيكون حكمه مسكوتا عنه فيه ، فيعمل بمقتضى الإطلاق.

المسألة الثامنة : قد طال تكلّم الأصحاب فيما يأخذ الجائر باسم المقاسمة والخراج والزكاة عن الأموال.

والمراد بالمقاسمة : الحصّة المعيّنة من حاصل الأرض يؤخذ عوضا عن زراعتها.

وبالخراج : المال المضروب عليها أو على [ الشجر حسبما ] (٢) يراه الحاكم. وقد يطلق الثاني على الأول.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٤٨٥ ، الغيبة : ٢٣٥ ، الوسائل ١٧ : ٢١٧ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ١٥.

(٢) في النسخ : البحر حيث ما ، والظاهر ما أثبتناه.

٢٠١

والكلام في المقام تارة في دفع هذه الثلاثة إلى الجائر ، واخرى في الأخذ منه ، وثالثة في براءة ذمّة الدافع إذا دفعها إليه.

أمّا الأول ، فظاهر جماعة من أصحابنا وجوب دفع الأولين إليه (١) ، فلا يجوز للزارع جحد شي‌ء منهما ولا منعه ولا سرقته ، ونقله المحقّق الشيخ علي في رسالته الخراجيّة عن كثير من معاصريه (٢) ، وفي كفاية الأحكام عن بعض الأصحاب الاتّفاق عليه ، وتأمّل هو فيه (٣).

ونقل بعضهم عن جماعة من أصحابنا عدم براءة الذمّة بالدفع اختيارا ، ومقتضاه عدم جوازه مع التمكّن ، وبذلك صرّح الشيخ إبراهيم القطيفي في نقض الخراجيّة للشيخ علي (٤) ، بل ظاهره دعوى الضرورة الدينيّة على العدم.

ولا يخفى أنّ ذلك مقتضى الأصل ، لأنّهما ـ كالزكاة ـ حقّ لجماعة خاصّة ليس الجائر منهم ولا قيّما عليهم ، فالأصل عدم جواز دفع حصّتهم إليهم ـ سيّما مع ما هو عليه من الفسق الواضح ـ ما دام يتمكّن من عدم الدفع.

وتدلّ عليه صحيحة العيص : في الزكاة فقال : « ما أخذه منكم بنو أميّة فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم » (٥) ، وصحيحة الشحّام الآتية (٦).

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٥٥ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ١١ ، صاحب الرياض ١ : ٤٩٦.

(٢) انظر رسالة قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج ( رسائل المحقّق الكركي ١ ): ٢٧٤.

(٣) كفاية الأحكام : ٨٠.

(٤) انظر السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج ( كلمات المحققين ) : ٣٠٧.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٩ ـ ٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧ ـ ٧٦ ، الوسائل ٩ : ٢٥٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٠ ح ٣.

(٦) في ص ٢٠٤.

٢٠٢

ولم أعثر إلى الآن على حجّة واضحة دافعة للأصل.

وما ذكره بعضهم ـ من أنّ المستفاد من الظواهر : أنّ حكم تصرّف الجائر في الأراضي الخراجيّة حكم تصرّف الإمام العادل ـ غير مسلّم ، ولو سلّم فإنّما هو في الجملة.

فوجوب منعها عن الجائر مع التمكّن أظهر ، وفي بعض الروايات تأييد له أيضا ، كما في رواية علي بن عطيّة المذكورة في باب شراء السرقة والخيانة ومتاع السلطان ، المانعة من إعطاء قيمة الأرز لابن أبي هبير (١) ، ورواية علي بن يقطين (٢) المصرّحة : بأنّه كان يجبي أموال الشيعة علانية ويردّ عليهم سرّا ، وأمّا بدون التمكّن فهو أمر آخر.

وأمّا الثاني ـ وهو جواز الأخذ من الجائر بعد أخذه من المالك قهرا ، أو لكونه متديّنا بدين الجائر ـ فالظاهر عدم الخلاف بل الإجماع فيه في الجملة ، بل في المسالك والتنقيح وشرح القواعد للمحقّق الثاني ورسالته الخراجيّة دعوى الإجماع عليه (٣) ، وهو الحجّة في المقام ، وإلاّ فالأخبار التي استدلّوا بها لا تخلو عن مناقشة في الدلالة ، مع أنّ ما يمكن إتمام دلالتها ـ ولو بقطع النظر عن بعض الاحتمالات ـ لا يثبت أزيد ممّا يثبته الإجماع ، وهو جواز شراء هذه الثلاثة من الجائر في الجملة.

بل الظاهر وقوع الإجماع على جواز الأخذ في الجملة ، سواء كان‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٣٧ ـ ٩٣٦ ، الوسائل ١٧ : ٢١٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥٢ ح ٢ ، وفيهما : هبيرة ، بدل : ابن أبي هبير.

(٢) الكافي ٥ : ١١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٣٥ ـ ٩٢٧ ، الوسائل ١٧ : ١٩٣ أبواب ما يكتسب به ب ٤٦ ح ٨.

(٣) المسالك ١ : ١٦٨ ، التنقيح ٢ : ١٩ ، جامع المقاصد ١ : ٢٠٧ ، انظر رسالة قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج ( رسائل المحقق الكركي ١ ) : ٢٧٦.

٢٠٣

بالشراء أو غيره ، فيجب الحكم به ، ولكن نقتصر على موضع الإجماع ، وهو السلطان المخالف ، كما صرّح به الشهيد الثاني ، وأمّا الشيعة فلا ، والتعدّي إليهم بواسطة بعض التعليلات قياس مستنبط العلّة ، مردود عند الشيعة ، ويقتصر في الأخذ بدون الشراء على من يستحقّه.

وأمّا الثالث ، فالحقّ عدم البراءة مع التمكّن من عدم الدفع ، للأصل ، وصحيحة الشحّام : إنّ هؤلاء المصدّقين يأتونا فيأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إيّاها ، أيجزئ عنّا؟ فقال : « لا ، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم » أو قال : « ظلموكم أموالكم ، وإنّما الصدقة لأهلها » (١).

وأمّا صحيحة سليمان : « إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه عمّا يأخذه السلطان ، فرقّ لهم وإنّه ليعلم أنّ الزكاة لا تحلّ إلاّ لأهلها ، فأمرهم أن يحتسبوا به فجاز ذا والله لهم » (٢).

وصحيحة يعقوب بن شعيب : عن العشور التي تؤخذ من الرجل ، أيحتسب بها من زكاته؟ قال : « نعم ، إن شاء » (٣).

وصحيحة الحلبي : عن صدقة المال يأخذها السلطان ، فقال : « لا آمرك أن تعيد » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤٠ ـ ١٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧ ـ ٧٨ ، الوسائل ٩ : ٢٥٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٠ ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٣ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٣٩ ـ ٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧ ـ ٧٥ ، الوسائل ٩ : ٢٥٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٠ ح ٤ ، بتفاوت.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٣ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤١ ، الوسائل ٩ : ٢٥١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٠ ـ ١٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٧ ـ ٧٧ ، الوسائل ٩ : ٢٥٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٠ ح ٥.

٢٠٤

ومرسلة الفقيه : عن الرجل يأخذ منه هؤلاء زكاة ماله ، أو خمس غنيمته ، أو خمس ما يخرج له من المعادن ، أيحسب ذلك له في زكاته وخمسه؟ فقال : « نعم » (١).

فمحمولة على صورة عدم التمكّن ، لصحيحة العيص : في الزكاة ، فقال : « ما أخذ منكم بنو أميّة فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم » (٢) ، فإنّها تدلّ على عدم الاحتساب في صورة استطاعة عدم الدفع ، لأنّ النهي في العبادات يقتضي الفساد ، وهي أخصّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة ، فيجب تخصيصها بها ، كما يجب تخصيص صحيحة الشحّام بها أيضا.

ومنه يظهر وجه البراءة في صورة عدم التمكّن.

ثمَّ إنّ ما ذكر وإن كان في الزكاة ، إلاّ أنّه يثبت الحكم في الخراج والمقاسمة أيضا بعدم القول بالفصل.

حجّة المجوّزين للدفع مطلقا : الأخبار المذكورة. وجوابها قد ظهر.

واستلزام عدم الاحتساب العسر والحرج على الشيعة. وهو بالتفصيل الذي ذكرنا مدفوع.

وصحيحة الحذّاء : الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها ، وهو يعلم أنّهم يأخذون أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم ، قال : فقال : « ما الإبل والغنم إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك ، لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه » ، قيل له : فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣ ـ ٨٤ ، الوسائل ٩ : ٢٥٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٠ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٩ ـ ٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧ ـ ٧٦ ، الوسائل ٩ : ٢٥٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٠ ح ٣.

٢٠٥

أغنامنا ، فنقول : فيبيعناها ، فما ترى في شرائها منه؟ قال : « إن كان قد أخذ بها وعزلها فلا بأس » ، قيل له : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسّم لنا حظّنا ويأخذ حظّه فيعزله بكيل ، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال : « إن كان ما أقبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل » (١).

وأورد عليها أولا : بمنع دلالتها على إباحة شراء الصدقة ، لعدم تعيّن إرجاع الضمير في قوله : « لا بأس به » إلى شراء إبل الصدقة ، بل يمكن رجوعه إلى الإبل والغنم المذكورين أخيرا ، ويكون إشارة إلى الأصل المقرّر ـ وهو أصالة الإباحة ـ يعني : لا بأس بالشراء حتى تعرف أنّه من إبل الصدقة ، وأدّى بهذه العبارة من باب التقيّة.

وثانيا : بمنع الدلالة على إباحة الخراج والمقاسمة.

وثالثا : باحتمال كون المصدّق من قبل العدل.

ورابعا : باحتمال الشراء فيه للاستنقاذ ، بناء على كون متعلّقها فيه صدقات المشترين خاصّة.

وردّ الأول : بأنّ وجوب مطابقة الجواب للسؤال يعيّن رجوع الضمير إلى شراء إبل الصدقة ، وتحديد الإباحة بعدم معروفيّة الحرمة لما تضمّنه السؤال من أخذ الزائد على الحقّ ، فيكون حاصل الجواب نفي البأس عن شراء الصدقة ما لم تعلم فيها الزيادة المحرّمة بظهور لفظ القاسم في أنّ المأخوذ مال المقاسمة ، سيّما في مقابلة لفظ المصدّق.

مع أنّه مرّت الإشارة إلى حكم زكاة الحنطة والشعير في صدر الرواية ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٨ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٥ ـ ١٠٩٤ ، الوسائل ١٧ : ٢١٩ أبواب ما يكتسب به ب ٥٢ ح ٥.

٢٠٦

فيلزم التكرار لو حمل عليها.

والثاني والثالث : ببعده بملاحظة حال الأئمّة في زمان صدور الرواية.

والرابع : بالبعد ، مضافا إلى كون صدر الرواية كالصريح في كون البيع من غير المشتري.

أقول : ما ردّ به الأول وإن كان كذلك وكان الصحيح الاعتراض عليه بلزوم التخصيص بصورة عدم التمكّن لما مرّ ، إلاّ أنّ في البواقي كلاما ، لأنّ ظهور لفظ القاسم فيما ذكره ممنوع ، لتحقّق القسمة في صدقات الغلاّت أيضا ، لأنّها أيضا كمال المقاسمة تؤخذ بالنسبة ، والمقابلة للمصدّق غير مفيدة ، لجواز اختصاص استعمال المصدّق عندهم بأخذ صدقات الأنعام.

وأمّا لزوم التكرار ففيه : أنّ ما مضى هو حكم أصل البيع ، والمسؤول عنه البيع اكتفاء بالكيل الأول ، ولذا سئل عن الغنم ثانيا مع كونه في السؤال الأول أيضا.

ولو سلّم الظهور فكون المأخوذ مال مقاسمة السلطان ممنوع ، لجواز أن تكون الأرض ملك القاسم قاسمها للزارع ، كما يشعر به قوله : حظّه ، ويكون المراد بالقاسم من قاسم الملك ، ويكون السؤال من جهة بيع حظّه بلا كيل اعتمادا على الكيل الأول ، كما يدلّ عليه الجواب.

وأمّا بعد كون المصدّق من جانب العدل فهو وإن كان كذلك ، إلاّ أنّه يمكن المراد به الفقير الذي هو آخذ الصدقة لا من يأخذه من جانب السلطان.

وأمّا كون صدر الرواية كالصريح في مخالفة المشتري للمأخوذ منه فهو وإن كان في الصدقة كذلك ، ولكن الظاهر في عجز الرواية الذي يستدلّ به على المقاسمة بعكس ذلك ، إلاّ أنّ اشتراط الإقباض بالكيل وحضور‌

٢٠٧

المشتري يأبى عن حمل ذلك أيضا على إرادة الاستنقاذ.

وحسنة الحضرمي : « ما يمنع ابن أبي سمال أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس ويعطيهم ما يعطي الناس » ثمَّ قال للراوي : « لم تركت عطاءك؟ » قال : مخافة على ديني ، قال : « ما منع ابن أبي سمال أن يبعث إليك بعطائك ، أما علم أنّ لك في بيت المال نصيبا؟! » (١).

حيث جوّز أولا لشباب الشيعة أخذ ما يعطي الحاكم الناس المعينين له ، ومن جملة ما يعطيهم وجوه الخراج والمقاسمة.

وثانيا للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماع وجوههما فيه.

وفي دلالتها تأمّل ، لعدم معلوميّة ما يعطيه ابن أبي سمال للمعينين له ، فيجوز أن يكون من غير وجوههما ، ونصيبه من بيت المال يمكن أن يكون من غير جهة الخراج والمقاسمة.

وبالجملة : الاستدلال مع هذا النوع من الإجمال في غاية الإشكال.

والأخبار المجوّزة للشراء (٢) ما لم يظلم فيه أحدا من العامل بعد السؤال عنه ، من جهة ترك الاستفصال ممّا يشترى منه ، فيفيد العموم لجميع أمواله التي منها ما نحن فيه.

ولا يخفى ما فيه ، فإنّا ندّعي أنّ ما نحن فيه ما علم أنّه ظلم فيه ، كما هو مقتضى الأصل ، مع أنّ باشتراط المالكيّة في المبيع يخرج جواز شراء ذلك ، لعدم كونه ملكا للعامل قطعا ، فالتجويز إنّما هو لجواز كونه من مال العامل نفسه (٣) ، كما في سائر أموال الظلمة.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٣٦ ـ ٩٣٣ ، الوسائل ١٧ : ٢١٤ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٧ : ٢١٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥٢.

(٣) في « ح » : بعينه.

٢٠٨

ومنه يعلم وهن الاستدلال بإطلاق المجوّزات للشراء من الظلمة وأخذ جوائزهم ، مع أنّ المتبادر منها : أنّ السؤال والتجويز لما يعرض في أموالهم من الشبهة والاختلاط.

ورواية الهاشمي : عن الرجل يتقبّل خراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام (١) والمصائد والسمك والطير ، وهو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبدا أو يكون ، أيشتريه وفي أيّ زمان يشتريه ويتقبّل منه؟ فقال : « إذا علمت أنّ من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره وتقبّل منه » (٢) ، وقريبة منها روايته الأخرى (٣).

وموثّقة سماعة : عن شراء الخيانة والسرقة ، قال : « إذا عرفت أنّه كذلك فلا ، إلاّ أن يكون شيئا يشتريه من العمّال » (٤) ، وبمضمونها روايات كثيرة (٥).

وجه الدلالة : عموم المستثنى الشامل للمفروض ، وإن خرج غيره بالإجماع.

وفي دلالتهما نظر :

أمّا الأول ، فلوروده في بيان حكم تقبّل ما يدرك ، وفي اعتبار إطلاق مثل ذلك تأمّل.

__________________

(١) الأجمة : الشجر الملتف ، والجمع أجمات ، والآجام جمع الجمع ـ مجمع البحرين ٦ : ٦.

(٢) الفقيه ٣ : ١٤١ ـ ٦٢١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب عقد البيع ب ٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٥ ـ ١٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ـ ٥٤٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب عقد البيع ب ١٢ ح ٤.

(٤) الفقيه ٣ : ١٤٣ ـ ٦٣٠ ، التهذيب ٦ : ٣٣٧ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٣٦ أبواب عقد البيع ب ١ ح ١.

(٥) الوسائل ١٧ : ٣٣٣ أبواب عقد البيع ب ١ ح ١ و ٤ و ٧ و ٩ و ١٠.

٢٠٩

وأمّا الثاني ، فلعدم صدق الخيانة والسرقة على المفروض إلاّ بضرب من التجوّز ، وإذا انفتح بابه فليس ذلك أولى من غيره.

المسألة التاسعة : لا يجوز بيع الأراضي المفتوحة عنوة ـ أي قهرا وغلبة ـ ويقال لها : أرض الخراج أيضا ، ولا وقفها ، ولا صلحها ، ولا هبتها.

ولا بدّ من ذكر نبذة من الأخبار الواردة فيها والمناسبة لها أولا ، فهي كثيرة جدّا :

الأولى : صحيحة الحلبي : عن السواد ما منزلته؟ فقال : « هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد » ، فقلنا : الشراء من الدهاقين؟ قال : « لا يصلح إلاّ أن يشتري منهم على أن يجعلها للمسلمين ، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها » ، قلنا : فإن أخذها منه؟ قال : « يردّ إليه رأس ماله وله ما أكل من غلّتها » (١).

الثانية : رواية الشامي : « لا تشتروا من أرض السواد شيئا إلاّ من كانت له ذمّة ، فإنّما هو في‌ء للمسلمين » (٢).

الثالثة : رواية محمّد بن شريح : عن شراء الأرض من أرض الخراج ، فكرهه ، وقال : « إنّما أرض الخراج للمسلمين » ، فقالوا له : فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها ، فقال : « لا بأس ، إلاّ أن يستحيي عن عيب ذلك » (٣).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٤٧ ـ ٦٥٢ ، الاستبصار ٣ : ١٠٩ ـ ٣٨٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٩ أبواب عقد البيع ب ٢١ ح ٤ ، بتفاوت.

والدهقان : رئيس القرية ، ومقدّم أصحاب الزراعة ـ مجمع البحرين ٦ : ٢٥٠.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٢ ـ ٦٦٧ ، التهذيب ٧ : ١٤٧ ـ ٦٥٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٩ أبواب عقد البيع ب ٢١ ح ٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٤٨ ـ ٦٥٤ ، الاستبصار ٣ : ١٠٩ ـ ٣٨٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٠ أبواب عقد البيع ب ٢١ ح ٩.

٢١٠

الرابعة : رواية أبي بردة : كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال « من يبيع ذلك وهي أرض المسلمين؟ » قال : قلت : يبيعها الذي هي في يده ، قال : « ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ » ثمَّ قال : « لا بأس أن يشتري حقّه منها ويحوّل حقّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه » (١).

الخامسة : رواية صفوان والبزنطي : قالا : ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج ـ إلى أن قال : ـ « وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر ، قبّل سوادها وبياضها » يعني : أرضها ونخلها ، إلى أن قال : « إنّ أهل مكّة دخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنوة وكانوا أسراء في يده فأعتقهم ، فقال : اذهبوا أنتم الطلقاء » (٢).

السادسة : صحيحة البزنطي ، وفيها : « وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر ، قبّل أرضها ونخلها » الحديث (٣).

السابعة : مرسلة حمّاد الطويلة ، وفيها : « والأرضون التي أخذت عنوة بخيل ورجال فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها ، على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحقّ النصف والثلث والثلاثين على قدر ما يكون لهم صلاحا ولا يضرّهم ، فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا ، ونصف العشر ممّا سقي بالدوالي والنواضح » إلى أن قال : « ويؤخذ بعد ما‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٤٦ ـ ٤٠٦ ، الاستبصار ٣ : ١٠٩ ـ ٣٨٧ ، الوسائل ١٥ : ١٥٥ أبواب جهاد العدو ب ٧١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٢ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١١٨ ـ ٣٤١ ، الوسائل ١٥ : ١٥٧ أبواب جهاد العدو ب ٧٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١١٩ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ١٥ : ١٥٨ أبواب جهاد العدو ب ٧٢ ح ٢.

٢١١

بقي من العشر فيقسّم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمّار الأرض وأكرتها ، فتدفع إليهم أنصباؤهم على قدر ما صالحهم عليه ، ويؤخذ الباقي فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله عزّ شأنه ، وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد ، وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير » إلى أن قال : « والأنفال إلى الوالي ، وكلّ أرض فتحت أيّام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخر الأبد ما كان افتتاحا بدعوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل الجور وأهل العدل ، لأنّ ذمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأولين والآخرين ذمّة واحدة » الحديث (١).

الثامنة : صحيحة محمّد : عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قد سار في أهل العراق بسيرة فهي إمام لسائر الأرضين » (٢).

التاسعة : صحيحة عمر بن يزيد ، وفيها : « وكلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ، كلّ ذلك لهم حتى يقوم قائمنا ، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم ، وأمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم » (٣).

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٩ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ـ ٣٦٦ ، أورد شطرا منه في الوسائل ١٥ : ١١٠ أبواب جهاد العدو ب ٤١ ح ٢ وشطرا في ج ٩ : ٢٦٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ٣ ، وفي الجميع بتفاوت.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٩ ـ ١٠٤ ، التهذيب ٤ : ١١٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ١٥ : ١٥٣ أبواب جهاد العدو ب ٦٩ ح ٢.

(٣) الكافي ١ : ٤٠٨ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٥٤٨ أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام ب ٤ ح ١٢ ، بتفاوت. والطسق : الوظيفة من خراج الأرض ـ الصحاح ٤ : ١٥١٧ ، مجمع البحرين ٥ : ٢٠٦.

٢١٢

العاشرة : رواية يونس أو المعلّى : ما لكم في هذه الأرض؟ فتبسّم ـ إلى أن قال : ـ « فما سقت أو استقت فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا » (١).

الحادية عشرة : رواية ابن المغيرة ، وفيها : « وكلّ من والى آبائي فهم في حلّ مما في أيديهم من حقّنا ، فليبلغ الشاهد الغائب » (٢).

الثانية عشرة : رواية البرقي : « الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا ، إلاّ أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك » (٣).

الثالثة عشرة : رواية أبي حمزة : « إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء » إلى أن قال : « وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا ، والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شي‌ء منه إلاّ كان حراما على من يصيبه ، فرجا كان أو مالا » (٤).

الرابعة عشرة : مرسلة حمّاد : « يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله الله ويقسّم الأربعة أخماس بين من قاتل عليه » إلى أن قال : « وليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين ولا ما غلبوا عليه إلاّ ما احتوى عليه العسكر » الحديث (٥).

الخامسة عشرة : حسنة معاوية بن وهب : السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم ، كيف يقسّمون؟ قال : « إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٠٩ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٥٥٠ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٣ ـ ٣٩٩ ، الوسائل ٩ : ٥٤٧ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤ ـ ٩٠ ، التهذيب ٤ : ١٣٨ ـ ٣٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٩ ـ ١٩٣ ، علل الشرائع : ٣٧٧ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٤٥٦ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٧.

(٤) الكافي ٨ : ٢٨٥ ـ ٤٣١ ، الوسائل ٩ : ٥٥٢ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١٩.

(٥) الكافي ١ : ٥٣٩ ـ ٤ ، الوسائل ١٥ : ١١٠ أبواب جهاد العدو ب ٤١ ح ٢ ، بتفاوت.

٢١٣

عليهم اخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم ثلاثة أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام ، يجعله حيث أحبّ » (١).

السادسة عشرة : موثّقة سماعة : عن الخمس ، فقال : « في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير » (٢).

السابعة عشرة : مرسلة أحمد : « الخمس من خمسة أشياء : من الكنوز والمعادن والغوص والغنم الذي يقاتل عليه » الحديث (٣).

الثامنة عشرة : مرسلة الورّاق : « إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام كان للإمام الخمس » (٤).

التاسعة عشرة : رواية الهاشمي : عن رجل اشترى منهم أرضا من أراضي الخراج ، فبنى فيها أو لم يبن ، غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها ، إله أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم؟ قال : « يشارطهم ، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال » (٥).

العشرون : صحيحة زرارة : « رفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل مسلم اشترى أرضا من أراضي الخراج ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : له ما لنا وعليه ما علينا ، مسلما كان أو كافرا ، له ما لأهل الله وعليه ما عليهم » (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٥٢٤ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٥ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ٥٠٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٦ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ٩ : ٤٨٩ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ١١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٣٥ ـ ٣٧٨ ، الوسائل ٩ : ٥٢٩ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ١٦.

(٥) التهذيب ٧ : ١٤٩ ـ ٦٦٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٠ أبواب عقد البيع ب ٢١ ح ١٠.

(٦) التهذيب ٤ : ١٤٧ ـ ٤١١ ، الوسائل ١٥ : ١٥٧ أبواب جهاد العدو ب ٧١ ح ٦.

٢١٤

الحادية والعشرون : صحيحة ابن سنان : إنّ لي أرض خراج وقد ضقت بها ذرعا ، قال : فسكت هنيئة فقال : « إنّ قائمنا عليه‌السلام لو قد قام كان نصيبك من الأرض أكثر منها » (١).

الثانية والعشرون : موثّقة زرارة : « لا بأس بأن يشتري أرض أهل الذمّة إذا عمّروها وأحيوها ، فهي لهم » (٢).

الثالثة والعشرون : حسنة زرارة : « من أحيا مواتا فهو له » (٣).

الرابعة والعشرون : حسنة الفضلاء ، وهي مثل سابقتها (٤).

الخامسة والعشرون : رواية السكوني ومرسلة الفقيه : « من غرس شجرا أو حفر واديا بدئا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له ، قضاء من الله عزّ وجلّ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٥). وبمضمونهما أخبار كثيرة أخرى (٦).

السادسة والعشرون : رواية أبي بصير : « كلّ شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ لنا خمسه » (٧).

السابعة والعشرون : صحيحة الحلبي : « لا بأس بأن يتقبّل الرجل الأرض وأهلها من السلطان » ، وعن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث ، قال :

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٤٩ ـ ٦٦٠ ، الوسائل ١٥ : ١٥٩ أبواب جهاد العدو ب ٧٢ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٢ ـ ٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٨ أبواب عقد البيع ب ٢١ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٩ ـ ٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٢ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٦.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٩ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ ـ ٦٧٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٨ ـ ٣٨٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٢ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٥.

(٥) الكافي ٥ : ٢٨٠ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ١٥١ ـ ٦٦٥ ، التهذيب ٧ : ١٥١ ـ ٦٧٠ ، الاستبصار ٣ : ١٠٧ ـ ٣٧٩ ، المقنع : ١٣٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٣ أبواب إحياء الموات ب ٢ ح ١.

(٦) الوسائل ٢٥ : ٤١١ أبواب إحياء الموات ب ١.

(٧) المقنعة : ٢٨٠ ، الوسائل ٩ : ٥٤٢ أبواب الأنفال ب ٣ ح ١٠.

٢١٥

« نعم ، لا بأس به ، قد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر أعطاها اليهود » الحديث (١).

الثامنة والعشرون : رواية عبد الله بن محمّد : عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى ، ثمَّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر وله في الأرض بعد ذلك فضل ، أيصلح له ذلك؟ قال : « نعم ، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم عملا يعينهم بذلك فله ذلك » الحديث (٢).

ثمَّ تحقيق الحال في تلك الأراضي يستدعي بيان‌ فروع :

أ : لا خلاف في كون تلك الأراضي للمسلمين قاطبة ، ونقل الوفاق عليه متكرّر (٣) ، والأخبار به مصرّحة ، كما في الأخبار الأربعة الاولى (٤).

وهل كونها لهم بعنوان ملك الرقبة ، أو لها نوع اختصاص لهم ولو من جهة صرف منافعها في مصالحهم؟

صرّح بعض أصحابنا بعدم تملّك الرقبة (٥) ، وصريح بعض آخر التملّك (٦) ، وكلام الأكثر خال عن القيدين ، بل قالوا : إنّها لهم.

وفي كتاب إحياء الموات من الكفاية إنّ المراد بكونها للمسلمين أنّ الإمام يأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالحهم على حسب ما يراه ، لا أنّ من‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٠١ ـ ٨٨٨ ، الوسائل ١٩ : ٤٢ و ٥٩ في أحكام المزارعة ب ٨ ح ٨ وب ١٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٧٢ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٠٣ ـ ٨٩٦ ، الاستبصار ٣ : ١٢٩ ـ ٤٦٥ ، الوسائل ١٩ : ١٢٧ أبواب أحكام الإجارة ب ٢١ ح ٣ و ٤ بتفاوت يسير.

(٣) كما في المنتهى ٢ : ٩٣٤ والكفاية : ٧٥ والرياض ١ : ٤٩٥.

(٤) المتقدمة في ص : ٢١٠ و ٢١١.

(٥) كالعلاّمة في المنتهى ٢ : ٩٣٦ والمحقق الأردبيلي في المجمع ٧ : ٤٧٠.

(٦) انظر الدروس ٢ : ٤١ وجامع المقاصد ٣ : ٤٠٣.

٢١٦

شاء من المسلمين له التسلّط عليها أو على بعضها بلا خلاف (١).

والتحقيق : أنّه ليس في الأخبار ما يدلّ على الملكيّة ، إذ غاية ما فيها إمّا الإضافة ويكفي فيها أدنى الملابسة ، أو اللام ، وكونها حقيقة في الملكيّة خاصّة غير ثابتة ، بل أحد معانيها : الاختصاص والاستحقاق ، فيحتمل اختصاص الارتفاع واستحقاقه ، ولذا ذكر في الخامسة (٢) أنّها للإمام مع أنّه ليس له إلاّ اختصاص إقبالها واستحقاقها ، كما صرّح به في سائر الأخبار.

مع أنّ الملكيّة لا يمكن ان تكون لغير المعيّن ، إذ لا معنى لها.

ولا لطائفة معيّنة من المسلمين ، لأنّها خلاف الإجماع والأخبار ، بل في الأولى : أنّها « لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد » (٣).

ولا لجميعهم إلى يوم القيامة ، إذ لو كان كذلك لكان ارتفاعها مشتركا بين الجميع ، كما هو مقتضى الملكيّة.

فإن قيل : يجري مثل ذلك في نوع الاختصاص الذي أنت تقول به أيضا.

قلنا : نوع الاختصاص الثابت هو وجوب صرف منافعها في مصالحهم لا مصالح الجميع أو مصالح كلّ واحد ، بل مصالح المسلم من حيث الإسلام في الجملة واحدا كان أو أكثر ، والتعميم لأجل بيان استواء الجميع وعدم اختصاص طائفة كاختصاص الأصناف الثمانية بالصدقات ، ولا يجري مثل ذلك في الملكيّة.

فإن قيل : يلزم بقاء رقبتها بلا مالك.

__________________

(١) الكفاية : ٢٣٩.

(٢) المتقدمة في ص : ٢١١.

(٣) تقدمت في ص : ٢١٠.

٢١٧

قلنا : لا محذور فيه ، كما في الزكاة قبل تسليمها إلى مستحقّها ، وهو أحد محتملات قوله : « موقوفة » في السابعة (١) ، أي عن الملكيّة ، مع أنّه يمكن أن يكون ملكا لله سبحانه ، كما في الأعيان الموقوفة على رأي (٢) ، ومقتضى قوله سبحانه ( إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) (٣) ، بل يمكن أن تكون رقبتها وملكيّتها للإمام أيضا ، بل هو مقتضى الأصل الثابت بالعمومات المصرّحة بأنّ الأرض كلّها للإمام (٤).

وبالجملة : إن قلنا بإفادة اللام للملكيّة يحصل التعارض بين الخامسة وبعض ما تقدّم عليها ، ويجب الرجوع إلى الأصل المذكور.

ولو لم نقل بإفادتها لها لا تثبت الملكيّة من هذه الأخبار ، ويرجع إلى الأصل ، إذ ليست هي أملاكا لعمّارها قطعا ، لخروجها عن ملكيّة أربابها بالإجماع ، فتدخل تحت العمومات.

فلو قلنا : بأنّ ملكيّتها للإمام ، كان أظهر في الفتوى وأوفق بالأدلّة وإن تعيّن صرف منافعها إلى مصالح خاصّة من مصالح رعاياه ، كما في الموقوف على القول بملكيّة الله سبحانه ، فتصرف منافعه في مصالح عباده.

ب : ما ذكر إنّما هو حكم نفس تلك الأراضي ، وأمّا منافعها وارتفاعها فهي للمسلمين ، بمعنى : أنّها تصرف في المصالح العامّة بلا خلاف ، بل بالإجماع ، وهو الدليل عليه ، مضافا إلى صريح الرواية السابعة ، بل سائر الروايات المتضمّنة لأنّها للمسلمين.

ج : ما ذكر إنّما هو حكم غير الخمس من ارتفاع تلك الأراضي.

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٢١١ و ٢١٢.

(٢) قال به العلاّمة في التحرير ١ : ٢٦٩.

(٣) الأعراف : ١٢٨.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٢٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ و ٢.

٢١٨

وأمّا خمسها فهل هو أيضا للمسلمين ، أو هو لأهله فيجب إخراجه لهم؟ بل وكذلك الكلام في نفس الأراضي لو لم نقل بأنّ الجميع ملك للإمام.

ظاهر الأكثر هو : الثاني ، وهو صريح الحلّي وخمس الشرائع والفاضل في المنتهى والمحقّق الأردبيلي (١) ، وعن المبسوط : أنّه مقتضى المذهب (٢) ، وقيل : هو الظاهر من جميع الأصحاب (٣).

وهو الحقّ ، للرواية الثالثة عشرة ، والخمس المتعقّبة لها (٤) ، والسادسة والعشرين (٥) ، وهي وإن كانت معارضة مع عمومات الأخبار المصرّحة بأنّها لجميع المسلمين (٦) بالعموم من وجه ، إلاّ أنّ الترجيح لأخبار الخمس ، لموافقة الكتاب ومخالفة العامّة.

د : لا إشكال فيما ذكر من الأحكام إذا كان القتال والاستغنام بإذن الإمام الحقّ.

وأمّا إذا لم يكن كذلك فهل هو أيضا كذلك ، أم يكون الأرض من الأنفال ورقبتها (٧) ومنافعها للإمام؟

صرّح فخر المحقّقين ووالده العلاّمة ـ على ما نقل عنهما علي بن عبد الحميد الحسني في شرح النافع ـ بالثاني ، وذكره الشيخ في المبسوط أيضا (٨).

__________________

(١) الحلي في السرائر ١ : ٤٧٧ ، الشرائع ١ : ١٨١ ، المنتهى ١ : ٥٤٤ ، مجمع الفائدة ٧ : ٤٧١.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٤.

(٣) الحدائق ١٢ : ٣٦٠.

(٤) راجع ص : ٢١٣.

(٥) المتقدّمة في ص : ٢١٥.

(٦) الوسائل ٩ : ٥٤٣ أبواب الأنفال ب ٤.

(٧) نسخة في ح : ورفعتها.

(٨) المبسوط ٢ : ٣٤.

٢١٩

والحقّ أنّ الأصل فيما فتح بغير إذن الإمام وإن كان كونه من الأنفال ـ كما دلّت عليه الرواية الثامنة عشرة (١) ـ إلاّ أنّ حكم الأراضي المفتوحة بعد زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأجمعها حكم المفتوحة عنوة بإذن الإمام.

بمعنى : أنّ الإمام ـ الذي هو مالك الأنفال ـ أجرى عليها حكمها ، كما تدلّ عليه الرواية الثامنة (٢) بضميمة الاولى والثانية (٣).

ولا تعارض بينها وبين الثامنة عشرة ، لأنّ مدلول الثامنة عشرة : أنّ ما اغتنم بغير إذن الإمام كلّه للإمام ، ومدلول هذه : أنّ الإمام سار في الأراضي التي فتحت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيرة المفتوحة عنوة.

مع أنّه لو قلنا بالتعارض كانت هذه بملاحظة أصالة عدم الإذن أخصّ مطلقا من الثامنة عشرة ، فتخصّصها قطعا.

وبما ذكرنا ظهر وجه ما قاله الأكثر من كون أرض السواد مفتوحة عنوة (٤) ـ أي أنّها بحكمها ـ ويريدون ذلك المعنى.

وأمّا الحكم بكونها مفتوحة بإذن الإمام فليس هو مراد الأكثر وإن ذكره بعضهم نظرا إلى ما نقل من أنّ الحسنين عليهما‌السلام كانا مع العسكر ، وأنّ عمّار ابن ياسر كان أميرا ، مؤيّدا بقبول سلمان تولية المدائن ، ومشاورة عمر للصحابة خصوصا أمير المؤمنين عليه‌السلام في الأكثر سيّما الحروب (٥).

وفي ثبوت جميع ما ذكر ثمَّ ثبوت إذن الإمام في الجميع نظر ظاهر.

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٢١٤.

(٢) المتقدمة في ص : ٢١٢.

(٣) راجع ص : ٢١٠.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ٢ : ٦٨ ، العلاّمة في المنتهى ٢ : ٩٣٧ ، السبزواري في الكفاية : ٧٩.

(٥) انظر الحدائق ١٨ : ٣٠٨.

٢٢٠