مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

في الجملة ، أي حين التعبّد بها. ولو سلّم فلا نسلّم جزئيّته لمطلق الصلاة ، وإنّما هو جزء للصلاة الصادرة ممّن يتعبّد بها.

ثمَّ بما ذكرنا ـ من عدم كونها عبادة للأجير ـ يندفع إشكال آخر أورد من جهة اعتبار الرجحان في العبادة ، والرجحان من جهة الإجارة غير مفيد في رجحان أصل المنفعة ، بل يندفع ذلك مع كونها عبادة أيضا ، كما في قصد التقرّب.

وإن كان واجبا توصّليّا على المستأجر خاصّة فتجوز الإجارة وأخذ الأجرة عليه ، والوجه ظاهر.

فرع : ومن الواجبات المحرّم أخذ الأجر عليها : القضاء مطلقا ، تعيّن أم لا ، مع الحاجة أم بدونها ، وفاقا للحلبي والحلّي (١) وجماعة (٢) ، ووجهه ظاهر ممّا مضى.

مضافا إلى المرويّ في الخصال : « السحت له أنواع كثيرة ، منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة ، ومنها أجور القضاء » (٣).

وقد يستدلّ بالصحيح : عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق ، قال : « ذلك السحت » (٤) ، بحمل الرزق على الأجر ، للإجماع على حلّه ، ولكونه من المصالح العامّة المعدّ بيت المال لها.

وحمل السحت على الكراهة ـ لما ذكر ـ وإن كان ممكنا ، إلاّ أنّ الأول‌

__________________

(١) الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢١٧.

(٢) منهم العلاّمة في المنتهى ٢ : ١٠١٨ والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢١٨ وصاحب الرياض ١ : ٥٠٦.

(٣) الخصال ١ : ٣٢٩ ـ ٢٦ ، الوسائل ١٧ : ٩٥ أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ١٢.

(٤) الكافي ٧ : ٤٠٩ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٤ ـ ١٢ ، التهذيب ٦ : ٢٢٢ ـ ٥٢٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢١ أبواب آداب القاضي ب ٨ ح ١.

١٨١

أولى ، لكونه التقييد الراجح على المجاز المطلق ، مع أنّ اللازم من الثاني كراهة الارتزاق ، ولا قائل به ، فيلزم ارتكاب مجازين.

ويمكن أن يقال : إنّ التجوّز لا ينحصر في الأمرين ، لإمكان ارتكابه في القاضي والسلطان والقضاء ، سيّما مع ما تعارف في زمان الإمام من الثلاثة ، مع أنّ الإجماع على [ عدم ] (١) كراهة الارتزاق ممنوع ، كيف؟! وهو مذهب الحلّي والشيخ في النهاية (٢).

وخلافا للمفيد والنهاية والقاضي (٣) ، فيجوز مع الكراهة.

وللشرائع والمختلف (٤) ، فالتفصيل بتعيّنه عليه فالأول ، وإلاّ فالثاني ، إمّا مطلقا كالثاني ، أو بشرط الحاجة ـ وإلاّ فكالأول ـ كالأول.

كلّ ذلك لوجوه ضعيفة.

المسألة الثانية : المنقول عن الأكثر جواز أخذ الأجرة على المندوبات (٥) ، للأصل ، وانتفاء المانع.

ونقل عن بعض الأصحاب عدم الجواز في مستحبّات تجهيز الميّت ، محتجّا بإطلاق النهي (٦). ولم نقف عليه.

وقيل بالعدم إذا كان استحبابه ذاتيّا توقيفيّا ، لما مرّ من منافاة الإجارة للرجحان والقربة ، وبالجواز إذا كان توصّليّا وكان له نفع للمستأجر ، للأصل (٧).

__________________

(١) أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) الحلي في السرائر ٢ : ٢١٧ ، النهاية : ٣٦٧.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٨٨ ، النهاية : ٣٦٧ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٤٦.

(٤) الشرائع ٤ : ٦٩ ، المختلف : ٣٤٢.

(٥) كما في الرياض ١ : ٥٠٥.

(٦) حكاه في الإيضاح ١ : ٤٠٨ عن القاضي ابن البراج.

(٧) انظر مفتاح الكرامة ٤ : ٩٤.

١٨٢

وقد ظهر ضعف دليله على العدم.

والقول الفصل فيه : أنّ حكم ما يستحبّ على المستأجر خاصّة حكم الواجب بلا تفاوت.

وأمّا ما يستحبّ على الأجير عينا أو كفاية ، فإن لم يكن فيه نفع للمستأجر فلا يجوز وإن كان دليل استحبابه مطلقا ، فإنّ أراد المستأجر الإتيان بالمستحبّ فلا يجوز ، لما مرّ من دليل التبادر ، فإنّ المتبادر استحبابه مجّانا ، فما فعل بالعوض لا يكون مستحبّا. وإن أراد نفس الفعل كيف ما كان فهو عن المقام خارج ، وبمقتضى الأصل جائز ، إلاّ أن يوجب ارتكاب حرام من بدعة أو تشريع أو غيرهما.

فرعان :

الأول : لو قلنا بجواز أخذ الأجر على المستحبّ يستثنى منه أمران :

أحدهما : الأذان‌ ، فإنّه يحرم أخذ الأجرة عليه وفاقا للمعظم (١) ، بل عن بعض الأصحاب نفي الخلاف عنه (٢) ، وفي الخلاف وشرح القواعد للمحقّق الثاني الإجماع عليه (٣).

لصحيحة محمّد المرويّة في كتاب الشهادات من الفقيه : « لا تصلّ خلف من يبغي على الأذان والصلاة بين الناس أجرا ، ولا تقبل شهادته » (٤) ، وهو نصّ في التحريم.

__________________

(١) منهم الشيخ في النهاية : ٣٦٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢١٧ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٥٨٣.

(٢) كما في الرياض ١ : ٥٠٦.

(٣) الخلاف ١ : ٢٩٠ ، جامع المقاصد ٤ : ٣٦.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٧ ـ ٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ٦.

١٨٣

وتؤيّده حسنة حمران ، وفيها : « إذا رأيت أنّ الحقّ قد مات وذهب أهله » ، ويعدّ المنكرات ، إلى أن قال : « ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر » (١).

ورواية السكوني : « ولا يتّخذنّ مؤذّنا يأخذ على أذانه أجرا » (٢).

ورواية زيد بن عليّ : « أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : والله إنّي أحبّك لله ، فقال له : والله إنّي لأبغضك لله ، قال : لأنّك تبغي على الأذان كسبا ، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا » (٣).

وإنّما جعلنا الأخيرة مؤيّدة ـ مع أنّ ظاهرها التحريم ـ للتصريح بإباحة أجر معلّم القرآن في رواية الفضل بن أبي قرّة (٤) ، فتكون هذه قرينة على عدم إرادة الحقيقة من قوله : « أبغضك ».

ويجوز للمؤذّن الارتزاق من بيت المال على المشهور ، بل في التذكرة الإجماع عليه (٥) ، للأصل.

ومرسلة حمّاد بن عيسى الواردة في حكم ما يخرج من أرض الخراج : « ويكون الباقي بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين الله ، وفي مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام والدين في وجوه الجهاد ، وغير ذلك ممّا فيه‌

__________________

(١) الكافي ٨ : ٣٦ ـ ٧ ، الوسائل ١٦ : ٢٧٥ أبواب الأمر والنهي ب ٤١ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٠ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ ـ ١١٢٩ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٨ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ١٠٩ ـ ٤٦١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٦ ـ ١٠٩٩ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ ـ ٢١٥ ، الوسائل ١٧ : ١٥٧ أبواب ما يكتسب به ب ٣٠ ح ١ ، بتفاوت.

(٤) الكافي ٥ : ١٢١ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٩ ـ ٣٨٤ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ ـ ١٠٤٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ ـ ٢١٦ ، الوسائل ١٧ : ١٥٤ أبواب ما يكتسب به ب ٢٩ ح ٢.

(٥) التذكرة ١ : ١٠٩.

١٨٤

مصلحة العامّة » (١).

والمراد بالارتزاق منه : أن يعطيه الحاكم منه وإن كان لكونه مؤذّنا ، بل وإن ارتزق منه للأذان ويكون ذلك من جهة أذانه ، ولكن لا يجوز الأذان لذلك بأن يوقفه عليه ويؤذّن لذلك ، لصدق الأجر المحرّم بالأخبار عليه لغة وعرفا وإن لم يكن فيه ولا في المدّة والعمل تقدير ولم يجر صيغة.

فالتفرقة بين الارتزاق والأجر بعدم التقدير والصيغة في الأوّل ـ كما في المسالك (٢) ـ غير صحيح ، بل الصحيح في الفرق ما ذكرنا.

ويجوز له أيضا الارتزاق من الموقوفات على المؤذّنين والمنذورات لهم أو ما يعمّهم إن لم يوقف العمل عليه ولم يكن الأذان لأخذه وإن كان أخذه للأذان ، للأصل ، وعدم صدق الأجر.

وإن أوقفه عليه لم يجز ، لأنّه يكون أجرا.

وهل يشترط في ارتزاقه منهما أو من بيت المال الخلوص في النيّة ، أم لا؟

الظاهر : العدم ، وبه صرّح في المسالك في الأوّل (٣) ، إذ به يقوى الإسلام ويظهر شعاره ، فيكون من المصالح ، ويتصحّح به قصد الواقف والناذر القربة. وبطلان الأذان حينئذ ممنوع ، لعدم اشتراط النيّة فيه.

ثمَّ لو أخذ أجرا وارتكب ذلك المحرّم فهل يحرم أذانه أيضا ، أم لا؟.

الظاهر : العدم ، للأصل.

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٩ ـ ٤ ، الوسائل ١٥ : ١١٠ أبواب جهاد العدو ب ٤١ ح ٢.

(٢) المسالك ١ : ١٦٦.

(٣) المسالك ١ : ١٦٦.

١٨٥

والبدعة والتشريع إنّما يكونان لو اعتقد مشروعيّة مثل ذلك أيضا ، مع أنّ في الحرمة مع ذلك الاعتقاد أيضا نظرا ، إمّا لإمكان إثبات مشروعيّته (١) بالعمومات ، وتقييدها مطلقا بما فيه الإخلاص مخالف للأصل ، أو لأنّ اللازم حرمة ذلك الاعتقاد دون العمل.

وثانيهما : الصلاة بالناس جماعة ، ويحرم في الجملة أخذ الأجر عليها أيضا ، وفاقا لجماعة (٢) ، بل قيل بعدم مخالف ظاهر فيه ، لصحيحة محمّد المتقدّمة (٣).

ويجوز للإمام الارتزاق ممّا ذكر ، لما ذكر.

الثاني : اختلفوا في أخذ الأجر على تعليم غير الواجب من القرآن ، فمختار المفيد والمختلف (٤) وجماعة (٥) : الجواز مع الكراهة مطلقا.

والحلّي والقاضي والشيخ في النهاية خصّوا الكراهة بصورة الشرط (٦).

والحلبي اختار التحريم مطلقا (٧).

والشيخ في أحد أقواله مع الشرط (٨).

والحقّ هو : الأول ، أمّا الجواز فللأصل ، ولرواية الفضل بن أبي قرّة : هؤلاء يقولون : إنّ كسب المعلّم سحت ، فقال : « كذبوا أعداء الله ، إنّما‌

__________________

(١) في « ق » زيادة : في الجملة.

(٢) منهم المفيد في المقنعة : ٥٨٨ ، الطوسي في النهاية : ٣٦٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢١٧ ، صاحب الرياض ١ : ٥٠٦.

(٣) في ص : ١٨٣.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٨٨ ، المختلف : ٣٤٢.

(٥) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ١٦ ، صاحب الرياض ١ : ٥٠٧.

(٦) الحلي في السرائر ٢ : ٢٢٣ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٣٤١ ، النهاية : ٣٦٧.

(٧) الكافي في الفقه : ٢٨٣.

(٨) الاستبصار ٣ : ٦٥.

١٨٦

أرادوا أن لا تعلّموا القرآن أولادهم ، لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده لكان للمعلّم مباحا » (١) ، والأخبار الواردة في جواز أن يجعل ذلك مهرا (٢).

وأمّا الكراهة فلرواية زيد المتقدّمة (٣) ، ورواية حسّان : « لا تأخذ على التعليم أجرا » (٤).

ورواية إسحاق بن عمّار : « مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله : إنّي أعلّمه الكتاب والحساب واتّجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه » (٥).

وفي الفقه الرضوي : « أمّا معلّم لا يعلّمه إلاّ قرآنا فقط فحرام أجرته إن شارط أو لم يشارط » (٦).

وهذه الأخبار مستند المحرّم ، وهو حسن لو لا المعارض ، مضافا إلى قصور بعضها عن إفادة التحريم.

المسألة الثالثة : يجوز أخذ الأجر على إجراء العقد مطلقا وكالة ، وأمّا على تعليمه فالمصرّح به في كلام جماعة (٧) العدم ، لكونه واجبا كفائيّا ، وعن المحقّق الشيخ علي الإجماع عليه (٨) ، فإن ثبت فهو ، وإلاّ ففيه نظر ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢١ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٩ ـ ٣٨٤ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ ـ ١٠٤٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ ـ ٢١٦ ، الوسائل ١٧ : ١٥٤ أبواب ما يكتسب به ب ٢٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢١ : ٢٤٢ أبواب المهور ب ٢.

(٣) في ص : ١٨٤.

(٤) الكافي ٥ : ١٢١ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ ـ ١٠٤٥ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ ـ ٢١٤ ، الوسائل ١٧ : ١٥٤ أبواب ما يكتسب به ب ٢٩ ح ١.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٦٤ ـ ١٠٤٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ ـ ٢١٧ ، الوسائل ١٧ : ١٥٥ أبواب ما يكتسب به ب ٢٩ ح ٣.

(٦) فقه الرضا «ع» : ٢٥٣ بتفاوت ، مستدرك الوسائل ١٣ : ١١٦ أبواب ما يكتسب به ب ٢٦ ح ١.

(٧) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦٦ ، صاحب الرياض ١ : ٥٠٦.

(٨) جامع المقاصد ٤ : ٣٧.

١٨٧

لاختصاص ذلك بما إذا وجب النكاح مثلا ، مع أنّ الواجب حينئذ إمّا التعليم أو الإجراء وكالة ، ولا بأس بأخذ الأجر على أحد أفراد المخيّر كما مرّ.

هذا ، مع أنّه لو سلّم وجوبه معيّنا فلم يثبت وجوبه المطلق ، فيمكن أن يكون مطلقا ، أي ولو مع الأجرة.

المسألة الرابعة : يحرم أخذ الأجر على كلّ فعل محرّم ، لمثل ما مرّ في الواجب ، فإنّه لا يملك الأجير تلك المنفعة حتى ينقلها ، بل تحريمها نهي عن نقلها.

المسألة الخامسة : لو دفع إلى رجل مالا ليصرف في قبيل هو منهم ، فإن عيّن له عمل بمقتضى تعيينه.

وإن أطلق ، فظاهر الكليني أنّ له أن يأخذ منه (١) ، وهو صريح المفيد والنهاية وموضع من المبسوط والقاضي والشرائع والمنتهى والإرشاد وزكاة المختلف ومتاجر التحرير والكفاية والمحقّق الأردبيلي وأحد قولي الحلّي (٢) وجمع آخر (٣) ، بل في الدروس عليه الشهرة (٤).

ومنع منه في موضع آخر من المبسوط ، وهو القول الآخر للحلّي وذهب إليه في النافع ومتاجر المختلف والتذكرة والقواعد والمحقّق الثاني (٥) ، وإليه ذهب بعض مشايخ والدي رحمه‌الله.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٥.

(٢) المفيد في المقنعة : ٣٦١ نقل رواية ، النهاية : ٣٦٦ ، المبسوط ١ : ٢٤٧ ، القاضي في المهذب ١ : ١٧١ ، الشرائع ٢ : ١٢ ، المنتهى ٢ : ١٠٢١ ، المختلف : ١٨٧ ، التحرير ١ : ١٦٢ ، الكفاية : ٨٨ ، مجمع الفائدة ٨ : ١١٦ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٢٣.

(٣) كصاحبي الحدائق ١٨ : ٢٣٧ والرياض ١ : ٥٠٩.

(٤) نسبه في الدروس ٣ : ١٧١ إلى الأكثر ، وفي الحدائق ١٨ : ٢٣٧ : إنّه المشهور.

(٥) المبسوط ٢ : ٤٠٣ ، الحلّي في السرائر : ١ ـ ٤٦٣ ، النافع : ١١٨ ، المختلف : ٣٤٣ ، التذكرة ١ : ٥٨٣ ، القواعد ١ : ١٢٢ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٤٣.

١٨٨

وعن بعض الأصحاب : الفرق بين الألفاظ ، فاختار الأول في : « ضعه فيهم » أو ما أدّى معناه ، والثاني في : « ادفعه إليهم » وما يكون بمؤدّاه (١).

احتجّ الأولون بأصالة الجواز.

وأصالة عدم التخصيص في اللفظ العام ، كما هو المفروض.

وبموثّقة سعيد بن يسار : الرجل يعطى الزكاة يقسّمها بين أصحابه ، أيأخذ منها شيئا؟ قال : « نعم » (٢).

وحسنة الحسين بن عثمان : في الرجل اعطي مالا يفرّقه في من يحلّ له ، إله أن يأخذ منه شيئا لنفسه وإن لم يسمّ له؟ قال : « يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره » (٣).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها ، وهو ممّن تحلّ له الصدقة ، قال : « لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره » ، قال : « ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعه في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه » (٤).

ويرد على الأول : منع الأصل ، بل الأصل عدم جواز التصرّف في مال الغير حتى يثبت المجوّز.

وعلى الثاني : منع العموم ، إذ المتبادر من هذا الخطاب تغاير الدافع والمدفوع إليه حقيقة ، مع انّ دعوى كون تلك الهيئة موضوعة في اللغة لما‌

__________________

(١) كما في التنقيح ٢ : ٢١ ، مفتاح الكرامة ٤ : ١١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٥ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٧ أبواب ما يكتسب به ب ٨٤ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٥ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ ـ ٢٩٥ ، الوسائل ٩ : ٢٨٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٥ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ ـ ٢٩٦ ، المقنعة : ٢٦١ ، الوسائل ٩ : ٢٨٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٣.

١٨٩

يشمل المدفوع إليه ممنوعة. ولو سلّم فجريان أصالة عدم التخصيص ممنوع ، لما أثبتنا في الأصول من أنّ العمل بأصالة الحقيقة إذا كان مع اللفظ ما يصلح قرينة للتجوّز مشكل ، ووجوده في المقام ظاهر.

وعلى الرواية الاولى : أنّ القبيل فيها أصحاب الدافع وليس هو منهم ، فهي عن المفروض خارجة ، بل على ظاهرها غير باقية ، وحملها على ما يصدق على المفروض ليس بمتعيّن.

وعلى الأخيرتين : أنّ اللفظ المذكور فيهما التفريق والوضع فيهم ، فالتعدّي إلى غيرهما من الألفاظ ـ سيّما الدفع وما بمعناه ـ مع كونه محلّ الخلاف غير جائز.

واستدلّ المانعون بأصالة عدم الجواز كما مرّ.

وبصحيحة عبد الرحمن الحجّاج : عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسّمه في محاويج أو مساكين وهو محتاج ، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال : « لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه » (١).

ويرد على الأول : أنّ الأصل مدفوع بالروايتين الأخيرتين فيما دلّتا عليه.

وعلى الثاني : قوله : « لا يأخذ » نفي ، وهو قاصر عن إفادة التحريم على الأصحّ ، مع أنّه أعمّ مطلقا من الحسنة ، لأنّه يدلّ على عدم جواز الأخذ ما لم يأذن مطلقا ، وهي جواز الأخذ بدون التسمية والإذن مثل ما يعطي غيره ، فيخصّ بها.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ الحقّ هو التفصيل ، فالجواز في مثل « فرّقه » (٢)

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٢ ـ ١٠٠٠ ، الاستبصار ٣ : ٥٤ ـ ١٧٦ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٧ أبواب ما يكتسب به ب ٨٤ ح ٣.

(٢) في « ق » زيادة : وضعه.

١٩٠

للروايتين (١) ، والمنع في غيره للأصل.

ولأجل ذلك الأصل نقول بعدم جواز الأخذ زائدا على ما أعطاه غيره ، كما عليه دعوى الإجماع ـ من كلّ من جوّز الأخذ عليه ـ في كلام جماعة من أصحابنا (٢) ، لاحتمال إرادة المماثلة في المعطى من الروايتين ، لا في جواز الإعطاء.

ثمَّ الظاهر أنّ المراد بالمماثلة في المعطى ليس مساواة ما أخذه لما أخذه غيره قدرا ، حتى تدلّ على عدم جواز التفاضل بين الفقراء ووجوب التسوية ، كما قيل (٣).

بل المراد : أنى يجعل نفسه كأحدهم في ملاحظة الاحتياج والعيال ، وانقطاع الوسائل ، وتقسيم المال مع هذه الملاحظة ، ولا يفضّل نفسه على أحدهم بلا جهة.

وهذه المماثلة تتحقّق مع كون ما أخذه أزيد الحصص أو أنقصها ، والأحوط اختيار الأنقص ولو كان يستحقّ الأزيد.

هذا ، ثمَّ إنّ المصرّح به في كلام جماعة : عدم الخلاف في جواز إعطائه لعياله وأقاربه إذا كانوا بالوصف (٤) ، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : في رجل أعطاه رجل مالا ليقسّمه في المساكين ، وله عيال محتاجون ، أيعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟ قال : « نعم » (٥).

__________________

(١) المتقدّمتين في ص : ١٨٩.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦٧ ، السبزواري في الكفاية : ٨٨ ، صاحب الرياض ١ : ٥٠٩.

(٣) الحدائق ١٨ : ٢٤٠.

(٤) منهم صاحب الحدائق ١٨ : ٢٤١ ، صاحب الرياض ١ : ٥٠٩.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٥٢ ـ ١٠٠١ ، الوسائل ١٧ : ١٧ : ٢٧٧ أبواب ما يكتسب به ب ٨٤ ح ٢.

١٩١

وقد يتأمّل فيه ، نظرا إلى أنّ الأخذ للعيال أخذ لنفسه ، أو إلى عدم تبادره من اللفظ ، فالأصل مع العدم. وهو كذلك في غير مورد النصّ ، وهو ما كان بلفظ القسمة ونحوه فيما يجب عليه من النفقة والكسوة ، وأمّا غيره فلا.

المسألة السادسة : صرّح الأكثر بحرمة تولية القضاء والحكم ونحوه عن السلطان الجائر (١) ، ونفى بعضهم الخلاف عنها (٢) ، لكونها إعانة للظالم ، وللمستفيضة الدالّة عليها (٣).

واستثنوا منها مقامين :

أحدهما : مع الخوف والتقيّة على النفس أو المال أو العرض عليه ، أو على المؤمنين كلاّ أو بعضا ، على وجه لا ينبغي تحمّله عادة بحسب حال المكره في الرفعة والضعة بالنسبة إلى الإهانة ، فيجوز حينئذ ، بل قد يجب بلا خلاف ، للإجماع ، والمستفيضة ، بل المتواترة من الصحاح وغيرها الدالّة على جواز التقيّة ، بل وجوبها.

ففي الصحيح : « التقيّة في كلّ شي‌ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له » (٤).

وفي آخر : « التقيّة في كلّ ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين ينزل » (٥).

وفي ثالث : عن القيام للولاة ، فقال : « التقيّة من ديني ودين آبائي ، ولا‌

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ١٢ ، صاحب الرياض ١ : ٥١٠.

(٢) كما في الرياض ١ : ٥١٠.

(٣) الوسائل ٢٧ : ١١ أبواب صفات القاضي ب ١.

(٤) الكافي ٢ : ٢٢٠ ـ ١٨ ، الوسائل ١٦ : ٢١٤ أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٢ : ٢١٩ ـ ١٣ ، الوسائل ١٦ : ٢١٤ أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ١.

١٩٢

إيمان لمن لا تقيّة له » (١).

وخصوص ما رواه الحلّي في السرائر عن أبي الحسن الثالث : إنّ محمّد بن عليّ بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العبّاس وأخذ ما يتمكّن من أموالهم ، هل فيه رخصة؟ فقال : « ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر فالله قابل للعذر » الحديث (٢).

وأمّا رواية الحسن الأنباري : كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في أعمال السلطان ، فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أنّي أخاف على خيط عنقي ـ إلى أن قال ـ فكتب إليّ : « قد فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك ، فإن كنت تعلم أنّك إذا ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ تصيّر أعوانك وكتّابك أهل ملّتك ، فإذا صار إليك شي‌ء وآسيت به فقراء المؤمنين حتى تكون واحدا منهم كان ذا بذا ، وإلاّ فلا » (٣).

فلا تنافيه ، لأنّه يمكن أن يكون إخبارا منه عليه‌السلام بعدم الخوف على النفس عليه.

وكما يجب القبول حينئذ كذلك يجب أن ينفّذ أمر الجائر ونهيه وجميع ما يحكم به ولو كان محرّما إجماعا ، متحرّيا الأسهل فالأسهل ، ومتدرّجا من الأدنى إلى الأعلى ، اقتصارا في فعل المحرّم على أقلّ ما تندفع به الضرورة.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢١٩ ـ ١٢ ، الوسائل ١٦ : ٢٠٤ أبواب الأمر والنهي ب ٢٤ ح ٣.

(٢) مستطرفات السرائر : ٦٨ ، الوسائل ١٧ : ١٩٠ أبواب ما يكتسب به ب ٤٥ ح ٩.

(٣) الكافي ٥ : ١١١ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٣٥ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ١٧ : ٢٠١ أبواب ما يكتسب به ب ٤٨ ح ١.

١٩٣

ولو انحصر في الأعلى وجب ، إلاّ في قتل المسلم المحقون الدم ، فلا يجوز إجماعا ، للصحيح : « إنّما جعلت التقيّة لتحقن بها الدماء ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة » (١) ، ونحوه الموثّق (٢).

وقيل : وظاهر الإطلاق يشمل الجرح أيضا ، كما عن الشيخ (٣). وفي ثبوت الإطلاق في مثل هذا التركيب نظر.

ولزوم الاقتصار في الخروج عن عمومات التقيّة على المتيقّن ـ بل المتبادر ـ يقتضي جواز الجرح الذي لم يبلغ حدّ القتل ، ولذا اقتصر عليه في الاستثناء جماعة (٤) ، بل ـ كما قيل (٥) ـ هو الأشهر.

وقيل : ينبغي القطع بالجواز إذا كان الخوف على النفس بتركه ، ويحتاط بتركه في غيره (٦). وهو جيّد.

وهل المسلم يشمل المخالف أيضا ، أم لا؟

فيه إشكال ، والاحتياط يقتضي المصير إلى الأول إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال وسيّما القليل منه ، وأمّا إذا كان على النفس المؤمنة فلا يبعد المصير إلى الثاني ، فلا شي‌ء يوازي دم المؤمن كما يستفاد من النصوص.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٢٠ ـ ١٦ ، المحاسن : ٢٥٩ ـ ٣١٠ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٤ أبواب الأمر والنهي ب ٣١ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ١٧٢ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٤ أبواب الأمر والنهي ب ٣١ ح ٢.

(٣) حكاه عنه في المسالك ١ : ١٦٨ والرياض ١ : ٥١٠.

(٤) منهم الشيخ في النهاية : ٣٥٧ والمحقق في النافع : ١١٨ والعلاّمة في القواعد ١ : ١٢٢.

(٥) انظر الرياض ١ : ٥١٠.

(٦) انظر الرياض ١ : ٥١٠.

١٩٤

وثانيهما : إذا أمن من ارتكاب المحرّم والاقتدار على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيجوز حينئذ كما قيل (١) ، بل قال جماعة بالاستحباب حينئذ (٢) ، وقيل بالوجوب (٣).

استدلّ المجوّز بتعارض عمومات منع قبول الولاية عنه وإعانته ، وعمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بالنظر إلى دلالتها الالتزاميّة على وجوب المقدّمة ، التي هي قبول الولاية بالعموم من وجه ، ولم يظهر مرجّح فيعمل بمقتضى الأصل.

وردّ : بأنّ ذلك إذا كان وجوب الأمر والنهي المذكورين مطلقا حتى يجب تحصيل القدرة من باب المقدّمة.

وفيه : أنّ أدلّتهما مطلقة والأصل عدم التقييد ، والقدرة الذاتيّة المشروطة بها التكاليف حاصلة ، وإن كان تأثيرها موقوفا على رفع مانع هو التقيّة ، وهي بقبول التولية مرتفعة كما هو المفروض.

هذا ، مع أنّ من الظواهر ما يدلّ على ارتفاع الحرمة ، كمرسلة الفقيه : « كفّارة خدمة السلطان قضاء حوائج الإخوان » (٤).

وفي رواية زياد بن أبي سلمة : « لأن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة أحب إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم ، إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن أو فكّ أسره أو قضاء دينه » إلى أن قال : « فإن ولّيت‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٥١٠.

(٢) منهم الشيخ في النهاية : ٣٥٦ والمحقق في الشرائع ٢ : ١٢ والنافع : ١١٨ والعلاّمة في نهاية الإحكام ٢ : ٥٢٥.

(٣) كما في المسالك ١ : ١٦٨ ، والحدائق ١٨ : ١٢٦.

(٤) الفقيه ٣ : ١٠٨ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ١٧ : ١٩٢ أبواب ما يكتسب به ب ٤٦ ح ٣.

١٩٥

شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة » الحديث (١). ورواية الأنباري المتقدّمة.

واستدلّ القائل بالاستحباب بأنّ بعد ثبوت الجواز يثبت الرجحان ، لأنّ الأمر والنهي المذكورين عبادة ، والعبادة لا تكون إلاّ راجحة.

وفيه : أنّه إن أريد الجواز الثابت بالأصل ـ كما هو مقتضى الدليل الأوّل ـ فهو ليس جوازا شرعيّا ، بل هو عقلي ، فإذا لم يمكن تحقّقه في العبادة فنسبة الحرمة والرجحان إليه على السواء ، مع أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات التوصّلية الغير المتوقّفة على النيّة ، وعدم كون مثل ذلك إلاّ راجحا ممنوع.

نعم ، ما يترتّب عليه الثواب منه كذلك.

ومنه يعلم عدم تماميّة المطلوب إن أريد الجواز الشرعي كما هو مقتضى الاستدلال بالظواهر ، مع أنّ مقتضاها عدم اختصاص الجواز بصورة التمكّن من الأمر والنهي المذكورين ، بل يعمّ غيرهما من قضاء دين الإخوان والإحسان إليهم.

وقد يستدلّ أيضا بصحيحة عليّ بن يقطين : « لله عزّ وجلّ مع السلطان أولياء يدفع عن أوليائه » (٢).

وفيه : أنّ الكون مع السلطان أعمّ من الدخول في عمله والولاية منه.

ومنه يظهر ضعف الاستدلال بما هو في ذلك المعنى ، كحسنة ابن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٩ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٣٣٣ ـ ٩٢٤ ، الوسائل ١٧ : ١٩٤ أبواب ما يكتسب به ب ٤٦ ح ٩.

(٢) الكافي ٥ : ١١٢ ـ ٧ ، الفقيه ٣ : ١٠٨ ـ ٤٥١ ، الوسائل ١٧ : ١٩٢ أبواب ما يكتسب به ب ٤٦ ح ١ ، بتفاوت يسير.

١٩٦

أبي عمير (١) ، ومرسلة المقنع (٢) ، ورواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع المرويّة في كتب الرجال (٣).

نعم ، يمكن ان يستدلّ على الرجحان بما في آخر مكاتبة محمّد بن عليّ بن عيسى المتقدّمة (٤) : فكتبت إليه أعلمه أنّ مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوّه ، وانبساط اليد في التشفّي منهم بشي‌ء به أتقرّب به إليهم ، فأجاب : « من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما ، بل أجرا وثوابا ».

والمروي في قرب الإسناد عن عليّ بن يقطين : أنّه كتب إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام : إنّ قلبي يضيق ممّا أنا عليه من عمل السلطان ـ وكان وزيرا لهارون ـ فإن أذنت جعلني الله فداك هربت منه ، فرجع الجواب : « لا آذن لك بالخروج من عملهم » (٥).

ولكن الثابت منهما رجحان التولية إذا كان المقصود منها الفعل الراجح ، لا إذا علم ترتّبه عليها وإن كان مقصوده أمرا مباحا أو مكروها ، وهذا يثبت مع ثبوت الجواز أيضا ، لصيرورة الجائر بالقصد راجحا.

دليل الموجب : أنّ مقتضى أخبار الرجحان أو الجواز ـ مع التمكّن عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ اختصاص المنع بما عدا ذلك ، فيبقى وجوب مقدّمة الواجب خاليا عن المعارض ، فيكون واجبا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٧ ـ ٩ ، الوسائل ١٧ : ١٨٨ أبواب ما يكتسب به ب ٤٥ ح ٤.

(٢) المقنع : ١٢٢ ، الوسائل ١٧ : ١٩٣ أبواب ما يكتسب به ب ٤٦ ح ٥.

(٣) رجال النجاشي : ٣٣١.

(٤) في ص : ١٩٣.

(٥) قرب الاسناد : ٣٠٥ ـ ١١٩٨ ، الوسائل ١٧ : ١٩٨ أبواب ما يكتسب به ب ٤٦ ح ١٦.

١٩٧

وهو حسن ، ولكن يختصّ بما إذا كان حين قبول الولاية معروفا واجبا متروكا أو منكرا حراما موجودا وتوقّف الأمر والنهي على قبول التولية ، لا إذا كان قبولها سببا للتمكّن من النهي عن المنكر لو وجد والأمر بالمعروف لو ترك ، إذ لم يثبت وجوب مقدّمة مثل ذلك أيضا.

والظاهر أنّ مرادهم ما يشمل الثاني أيضا.

هذا ، ثمَّ إنّ ظاهر الأكثر اختصاص الجواز أو الرجحان مطلقا أو مع المنع من الترك بصورتي الاستثناء ، وأنّ التولية في غيرهما حرام وإن علم عدم ارتكاب المآثم.

وهو فيما هو ظاهر كلامهم ـ من التولية عن السلطان الجائر مطلقا من المخالفين أو الشيعة في زمن الحضور أو الغيبة ـ مشكل ، لعدم دليل على ذلك العموم ، فإنّ الأخبار المانعة عن التولية عنهم غير متضمّنة لما يعمّ الجميع ، كما لا يخفى على الناظر فيها ، وما أمكن التعميم فيه قاصر عن إثبات الحرمة ، كموثّقة عمّار : عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل ، قال : « لا ، إلاّ أن لا يقدر على شي‌ء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت » (١) ، حيث إنّ جواب السؤال ليس إلاّ « لا يخرج » وهو لكونه نفيا لا يفيد سوى المرجوحيّة.

نعم ، يصحّ ما ذكروه في التولية عن سلاطين عهدهم من بني أميّة وبني العبّاس لعنهم الله.

فالقول الفصل أن يقال : إنّ الكلام إمّا في التولية عنهم ، أو عن غيرهم من سلاطين الجور.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٣٠ ـ ٩١٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٠٢ أبواب ما يكتسب به ب ٤٨ ح ٣.

١٩٨

أمّا الأول ، فالأصل فيه الحرمة وإن انفكّ عن العمل وارتكاب المآثم ، لإطلاق المستفيضة.

وتجوز مع الإكراه على التفصيل المتقدّم ، ومع الأمن عن ارتكاب المحرّم ، والقدرة على جعل الولاية وسيلة لابتغاء مرضاة الله سبحانه وقصد ذلك ، بل يكون حينئذ راجحا ويجب مع الأمن والاقتداء بها على الأمر بمعروف مهمل أو دفع منكر متحقّق.

وأمّا الثاني ، فلا تحرم نفس التولية إلاّ إذا كانت إعانة على محرّم آخر ، للأصل ، وقد تستحبّ ، وقد تجب ، كما مرّ. وأمّا نفس العمل المترتّب على الولاية فحكمه ظاهر.

المسألة السابعة : جوائز السلطان ـ بل مطلق الظالم ، بل من لا يتورّع المحارم من الأموال ـ محرّمة إن علمت حرمتها بعينها.

فإن قبضها حينئذ أعادها على المالك إن عرف ، ويتصدّق بها إن لم يعرف ، كما صرّح به في رواية علي بن أبي حمزة (١).

وإن لم يعلم حرمتها كذلك فهي حلال مطلقا وإن علم أنّ في ماله مظالم ، بلا خلاف فيه ، للأصل ، والمستفيضة ، كروايات البصري (٢) ، وابن وهب (٣) ، ومرسلة محمّد بن أبي حمزة (٤) ، وصحيحة الحذّاء (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٦ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٣١ ـ ٩٢٠ ، الوسائل ١٧ : ١٩٩ أبواب ما يكتسب به ب ٤٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ١٣٢ ـ ٥٨٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٢١ أبواب ما يكتسب به ب ٥٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٣٧ ـ ٩٣٨ ، الوسائل ١٧ : ٢١٩ أبواب ما يكتسب به ب ٥٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٣٧ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ١٧ : ٢١٩ أبواب ما يكتسب به ب ٥٢ ح ٣.

(٥) الكافي ٥ : ٢٢٨ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٥ ـ ١٠٩٤ ، الوسائل ١٧ : ٢١٩ أبواب ما يكتسب به ب ٥٢ ح ٥.

١٩٩

وأمّا الاستدلال بالروايات المجوّزة لقبول جوائز العمّال ـ كصحيحة محمّد وزرارة (١) ، وصحيحة أبي ولاّد (٢) ، وصحيحة أبي المغراء (٣) ـ فهي غير دالّة ، لعدم دلالتها على العلم بأنّ في ماله حراما ، بل السؤال فيها إنّما هو لأجل كونهم متصرّفين في الخراج والمقاسمة ، وهما حلالان كما يأتي.

والأفضل التورّع عنها في غير ما علم حلّه إجماعا ، لصدق الشبهة المأمور باجتنابها ، إلاّ مع إخبار المخبر بالإباحة ، فلا تكره كما قيل (٤) ، بل نفي عنه الخلاف (٥).

وهو مشكل ، لعدم خروجه عن الشبهة إذا احتمل كذبه ، ووجوب حمل قول المسلم على الصدق إن كفى في رفع الشبهة لكفى وجوب حمل فعله على الصّحة في رفعها بمجرّد الإعطاء أيضا ، فلا يكون مكروها مطلقا.

وصرّح في المنتهى بزوال الكراهة بإخراج الخمس أيضا (٦) ، وربّما أسند إلى المشهور ، لكونه مطهّرا للمختلط بالحرام ، فلما لم تعلم حرمته أولى ، ولموثّقة عمّار : عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل ، قال : « لا ، إلاّ أن لا يقدر على شي‌ء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٣٦ ـ ٩٣١ ، الوسائل ١٧ : ٢١٤ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ٥.

(٢) الفقيه ٣ : ١٠٨ ـ ٤٤٩ ، التهذيب ٦ : ٣٣٨ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ١٧ : ٢١٣ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ١٠٨ ـ ٤٥٠ ، التهذيب ٦ : ٣٣٨ ـ ٩٤٢ ، الوسائل ١٧ : ٢١٣ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ٢.

(٤) الرياض ١ : ٥٠٩.

(٥) الرياض ١ : ٥٠٩.

(٦) المنتهى ٢ : ١٠٢٥.

(٧) التهذيب ٦ : ٣٣٠ ـ ٩١٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٠٢ أبواب ما يكتسب به ب ٤٨ ح ٣.

٢٠٠