مستند الشّيعة - ج ١٤

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٤

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-040-4
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٨

ومنها : المسوخ والسباع ، أمّا الأولى فأكثر الأصحاب على عدم جواز التكسّب بها (١) ، إمّا لتحريم اللحم كما قيل (٢) ، أو عدم الانتفاع ، أو النجاسة.

والكلّ ضعيف ، لمنع الملازمة في الأول.

ومنع الملزوم في الثانيين ، فإنّ منها ما ينتفع به نفعا بيّنا ، كالفيل للانتفاع بعظمه والحمل عليه ، بل كذلك جميعها لو قلنا بوقوع التذكية عليها ، فيشملها الأصل والعمومات.

فالحقّ فيها ـ وفاقا لأكثر المتأخّرين من أصحابنا (٣) ـ جواز التكسّب بها مع الانتفاع المعتدّ به عند العقلاء.

نعم ، في رواية مسمع : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن القرد أن يباع أو يشترى » (٤) ، وإطلاقها يشمل ما لو قصد به الانتفاع المحلّل أيضا ، كحفظ المتاع.

والأقرب : المنع فيها خاصّة مطلقا ، والرواية وإن كانت ضعيفة سندا إلاّ أنّه غير ضائر عندنا ، والإجماع المركّب غير ثابت ، مع إمكان القول بأنّ النفع المحلّل من القردان نادر ، فإطلاق المنع إليه غير منصرف.

وأمّا الثانية ، ففيها أقوال :

__________________

(١) منهم الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١٦٦ والخلاف ٣ : ١٨٤ ، المحقّق في النافع : ١١٦.

(٢) الخلاف ٣ : ١٨٤ وانظر التنقيح ٢ : ١٠.

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٧ ـ ٧ ، التهذيب ٧ : ١٣٤ ـ ٥٩٤ ، الوسائل ١٧ : ١٧١ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

١٠١

المنع مطلقا ، وهو منقول عن العماني (١).

والمنع في غير الفهود ، نقله في المهذّب عن أكثر المتقدّمين والنهاية والخلاف والديلمي (٢).

وفي غير الفهد وسباع الطير ، وهو محكي عن المفيد (٣).

والجواز مطلقا ، وهو مذهب الحلّي والفاضلين (٤) وأكثر المتأخّرين (٥).

والجواز إلاّ فيما لا ينتفع به ، كالسبع والذئب ، حكي عن المبسوط (٦).

ويظهر من التذكرة أنّ استثناء الهرّ إجماعيّ بين العلماء (٧) وكيف كان ، فالحقّ الجواز مطلقا ، لطهارتها والانتفاع بها نفعا معتدّا به ، فتشملها الأصول والعمومات.

مضافا إلى صحيحة عيص : عن الفهود وسباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال : « نعم » (٨).

وصحيحة محمّد والبصري : « لا بأس بثمن الهرّ » (٩).

وقد يستدلّ على الجواز في الأولى أيضا بالروايات المجوّزة لبيع‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٣٤٠.

(٢) المهذب البارع ٢ : ٣٥١.

(٣) المقنعة : ٥٨٩.

(٤) الحلي في السرائر ٢ : ٢٢٠ ، المحقق في الشرائع ٢ : ١٠ والنافع : ١١٦ ، العلاّمة في القواعد ١ : ١٢٠ والتذكرة ١ : ٤٦٤.

(٥) منهم فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٤٠٤ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ١٠ والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٩.

(٦) المبسوط ٢ : ١٦٦.

(٧) التذكرة ١ : ٤٦٤.

(٨) الكافي ٥ : ٢٢٦ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ ـ ١٠٨٥ ، الوسائل ١٧ : ١٧٠ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ١.

(٩) التهذيب ٦ : ٣٥٦ ـ ١٠١٧ ، الوسائل ١٧ : ١١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٤ ح ٣.

١٠٢

عظام الفيل والعاج (١) ، وفي الثانية بالأخبار المصرّحة بجواز بيع جلود النمر والسباع (٢).

وهو حسن من جهة أنّ أقوى مستند المانع عدم الانتفاع ، وهي مثبتة له ، وإلاّ فلا دلالة لجواز بيع بعض الأجزاء على جواز بيع الكلّ ، كما في الميتة بالنسبة إلى أجزائها العشرة.

ومنها : ما لا ينتفع به أصلا‌ ، وستظهر جليّة الحال فيه في كتاب البيع.

ومنها : القمار بالآلات المعدّة له‌ ، كالنرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر (٣) ، واللعب بالخاتم والجوز والبيض ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل في المنتهى (٤) وغيره (٥) الإجماع عليه ، وهو الحجّة في المقام ، وعليه المعوّل.

وقد يستدلّ أيضا بالأخبار ، كالصحيح : عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (٦) ، فقال : « كانت قريش يقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك » (٧).

ورواية جابر : « لمّا أنزل الله عزّ وجلّ ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) (٨)

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ١٧١ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ٢ و ٣.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٧٢ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ و ٣٨ ح ٥ و ١.

(٣) الأربعة عشر : الصفّان من النقر يوضع فيها شي‌ء يلعب فيه ، في كلّ سبع نقر محفورة ـ مجمع البحرين ٣ : ٤٠٦.

(٤) المنتهى ٢ : ١٠١٢.

(٥) كالرياض ١ : ٥٠٤.

(٦) البقرة : ١٨٨.

(٧) الكافي ٥ : ١٢٢ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ١٦٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ١.

(٨) المائدة : ٩٠.

١٠٣

قيل : يا رسول الله ما الميسر؟ قال : ما تقومر به حتى الكعاب والجوز » (١).

وصحيحة معمّر : « النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر به فهو ميسر » (٢).

وفيه : أنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية الاولى هو النهي عن القمار بالأهل والمال لا مطلقه ، وأمّا الأخيرتان فلا تدلاّن إلاّ على حرمة ما تقومر به دون أصل القمار.

وأمّا رواية الوشّاء : « الميسر هو القمار » (٣) ، ففيها : أنّه إن أريد من القمار ما قومر به لم يفد ، وإن أريد المعنى المصدري يكون مخالفا لما فسّر الميسر به في غيرها ، فإن حكمنا بالاشتراك أو الحقيقة أو المجاز لم يمكن حمل الآية عليهما ، لعدم استعمال اللفظ في المعنيين ، ولا على أحدهما ، لعدم التعيين ، وكذا إن حكمنا بالتعارض.

ثمَّ الظاهر أنّ القمار يكون في كلّ لعب جعل للغالب أجر مطلقا ، أو إذا كان بما أعدّ لذلك عند اللاعبين ، وقد وقع التصريح ببعض أنواعه في الروايات المتقدّمة والآتية.

ثمَّ ما يترتّب عليه من الأجر لا يملك ، بل هو سحت وإن وقع من غير المكلّف ، لرواية إسحاق بن عمار : الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ، فقال : « لا تأكل منه ، فإنّه حرام » (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٢ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٧ ـ ٣٧٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧١ ـ ١٠٧٥ ، الوسائل ١٧ : ١٦٥ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣٥ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٤ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٤ ـ ٩ ، الوسائل ١٧ : ١٦٥ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٢٤ ـ ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ ـ ١٠٦٩ ، الوسائل ١٧ : ١٦٦ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٧.

١٠٤

ورواية السكوني : كان ينهى عن الجوز يجي‌ء به الصبيان من القمار أن يؤكل ، وقال : « هو سحت » (١).

فيجب ردّه إلى المالك إن عرف ، والتصدّق إن جهل ، والصلح إن انحصر بين معيّنين.

وهل يحرم اللعب بالآلات المعدّة له من غير قمار؟

لا إشكال في تحريم الشطرنج والنرد كما صرّح به الصدوق (٢) ، بل لا خلاف فيه.

ففي رواية الشحّام : « الرجس من الأوثان : الشطرنج » (٣).

وفي رواية عمر بن يزيد : « يغفر الله في شهر رمضان إلاّ لثلاثة » (٤) وعدّ منها صاحب الشاهين ، وفسّره في روايته الأخرى بالشطرنج (٥).

وفي رواية أبي بصير : « الشطرنج والنرد هما الميسر » (٦).

وفي رواية عبد الملك القمّي ـ بعد السؤال عن الميسر ـ : « هي الشطرنج » ، قال : فقلت : إنّهم يقولون إنّها النرد ، قال : « والنرد أيضا » (٧).

وقال في الفقيه ـ بعد جعله النرد أشدّ من الشطرنج ـ : فأما الشطرنج فإنّ اتّخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، وتعليمها كبيرة موبقة ، والسلام على‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٣ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ٩٧ ـ ٣٧٥ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ ـ ١٠٧٠ ، تفسير العياشي ١ : ٣٢٢ ـ ١١٦ ، الوسائل ١٧ : ١٦٦ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٦.

(٢) المقنع : ١٥٤.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣٥ ـ ٢ ، الفقيه ٤ : ٤١ ـ ١٣٥ ، الوسائل ١٧ : ٣١٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٤٣٦ ـ ١٠ ، الوسائل ١٧ : ٣١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ٦.

(٥) الكافي ٦ : ٤٣٥ ـ ٥ ، الوسائل ١٧ : ٣١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ٤.

(٦) الكافي ٦ : ٤٣٥ ـ ٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٤ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٤ ح ٢.

(٧) الكافي ٦ : ٤٣٦ ـ ٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٤ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٤ ح ٥.

١٠٥

اللاهي بها معصية ، ومقلّبها كمقلّب لحم الخنزير ، والناظر إليها كالناظر [ إلى ] فرج امّه (١). انتهى.

وبهذه الأحكام صرّح في الأخبار.

وأمّا في غيرهما فيشكل الحكم بالتحريم ، بل الأصل مع عدمه.

ومنها : عمل الصور‌ ، وهي أقسام ، لأنّها إمّا صورة ذي روح أو غيره ، وعلى التقديرين إمّا مجسّمة أو منقوشة ، فالأولى حرام عمله مطلقا بلا خلاف أجده ، وادّعى الأردبيلي الإجماع عليه ، وكذا الكركي ونفى الريب عنه (٢) ، وفي [ الكفاية ] (٣) نفى العلم بالخلاف فيه.

وتدلّ عليه أيضا المستفيضة ، منها : الصحيح المرويّ في المحاسن : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، فقال : « لا بأس ، ما لم يكن شيئا من الحيوان » (٤).

وتضعيف دلالته ـ بأنّ ثبوت البأس أعمّ من الحرمة ـ ضعيف ، لأنّ البأس حقيقة في الشدّة والعذاب ، وهما في غير الحرام منفيّان.

والمرويّ في الخصال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صوّر صورة عذّب وكلّف أن ينفخ فيها وليس بفاعل » (٥).

وفيه وفي ثواب الأعمال صحيحا عن عبد الله بن مسكان ـ المجمع‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٤٢ ، وما بين المعقوفين في النسخ : في ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٢٣.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ح » : لف ، وفي « ق » : يق ، والظاهر أنّه تصحيف : كف ـ رمز الكفاية ـ ، حيث إن العبارة غير موجودة في المختلف والحدائق ، لكنها موجودة في الكفاية : ٨٥.

(٤) المحاسن : ٦١٩ ـ ٥٤ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٦ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٣.

(٥) الخصال ١ : ١٠٩ ـ ٧٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٩.

١٠٦

على تصحيح ما يصحّ عنه ـ بإسناده عن الصادق عليه‌السلام : قال : « ثلاثة يعذّبون يوم القيامة : من صوّر صورة من الحيوان يعذّب حتى ينفخ فيها وليس بنافخ » (١).

ومرسلة ابن أبي عمير : « من مثّل تمثالا كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح » (٢).

وحسنة حسين بن المنذر : « ثلاثة معذّبون يوم القيامة » وعدّ منهم : « رجل صوّر تماثيل يكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ » (٣).

وقريب منها المرويّ في الفقيه في حديث المناهي ، وفيه أيضا : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التصاوير » (٤).

والمرويّ في تحف العقول ورسالة المحكم والمتشابه للسيّد : « وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني فحلال تعلّمه وتعليمه » (٥) ، ويقربه الرضوي (٦).

وفي الفقيه : « من حدّد قبرا أو مثّل مثالا خرج عن الإسلام » (٧).

__________________

(١) الخصال ١ : ١٠٨ ـ ٧٦ ، ثواب الأعمال : ٢٢٣ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٧.

(٢) الكافي ٦ : ٥٢٧ ـ ٤ ، المحاسن : ٦١٥ ـ ٤٢ ، الوسائل ٥ : ٣٠٤ أبواب أحكام المساكن ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٥٢٨ ـ ١٠ ، المحاسن : ٦١٥ ـ ٤٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠٥ أبواب أحكام المساكن ب ٣ ح ٥.

(٤) الفقيه ٤ : ٣ ـ ١ ، الوسائل ١٧ ـ ٢٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٦.

(٥) تحف العقول : ٣٣٥ ، المحكم والمتشابه : ٤٦ ـ ٤٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٣ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٠١ ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٦٤ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ١٢٠ ـ ٥٧٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠٨ أبواب الدفن ب ٤٣ ح ١.

١٠٧

وتلك الأخبار وإن كان بعضها ضعيفا دلالة ـ [ كالرابعة ] (١) ، حيث إنّ بمجرد التكليف بالنفخ لا يثبت التحريم. والأخيرة ، حيث إنّ الخروج فيها ليس باقيا على حقيقته بالإجماع ـ ولكنّها صالحة مؤيّدة للبواقي ، وضعف بعضها سندا غير ضائر عندنا ، كما بيّنا مرارا.

وأمّا البواقي ، فقد وقع الخلاف فيها ، فالثانية محرّمة عند الحلّي والقاضي وشيخنا الشهيد الثاني (٢) وبعض آخر (٣). وجوّزها جماعة (٤) ، بل قيل : إنّه الأشهر (٥).

والأول هو الأظهر ، لإطلاق النصوص المتقدّمة ، وخصوص حديث المناهي المرويّ في الفقيه : « ونهى عن نقش شي‌ء من الحيوان على الخاتم » (٦).

ورواية أبي بصير : « يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السلام وينهى عن تزويق البيوت » فقال أبو بصير : فقلت : وما تزويق البيوت؟ فقال : « تصاوير التماثيل » (٧).

وظاهر أنّ التزويق إنّما هو في النقوش ، للمجوّز الأصل ، والروايات‌

__________________

(١) في النسخ : كالثالثة ، والظاهر ما أثبتناه ، وهي مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة في ص ١٠٧.

(٢) الحلي في السرائر ٢ : ٢١٥ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٤٤ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢١٢ والمسالك ١ : ١٦٥.

(٣) منهم الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨١ وصاحب الحدائق ١٨ : ١٠٠.

(٤) منهم السبزواري في الكفاية : ٨٥ وصاحب الرياض ١ : ٥٠١.

(٥) الرياض ١ : ٥٠١.

(٦) الفقيه ٤ : ٥ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٦.

(٧) الكافي ٦ : ٥٢٦ ـ ١ ، المحاسن : ٦١٤ ـ ٣٧ ، الوسائل ٥ : ٣٠٣ أبواب أحكام المساكن ب ٣ ح ١.

١٠٨

المعتبرة المرخّصة للجلوس والوطء على الفرش المصوّرة (١).

والأصل مندفع بما مرّ. والروايات غير دالّة ، لعدم الملازمة بين رخصة الجلوس وجواز العمل ، مع احتمال حملها على غير ذوات الأرواح ، ومعارضتها بالموثّق : يجلس الرجل على بساط فيه تماثيل ، فقال : « الأعاجم تعظّمه وإنّا لنمقته » (٢).

ولا يشترط في صدق صورة الحيوان أو ذي الروح وجود ما يطابقها عرفا شخصا أو نوعا في الخارج ، بل يكفي كونها بحيث يقال عرفا أنّها صورة الحيوان ، لأنّ معنى صورة الحيوان أو ذي الروح : الصورة المختصّة به ، والمراد شيوع الاختصاص وتعارفه وجريان العادة به ، فلو صوّر صورة حيوان لم يعلم وجود نوعه ، ولكن كان بحيث لو فرض وجود مطابقه لكان من الحيوان بحسب العادة ، كان محرّما.

والبواقي مجوّزة عند الأكثر ، وهو الأقوى ، للأصل ، واختصاص أكثر الأخبار المتقدّمة صريحا أو ظاهرا بذوات الأرواح ، مضافا إلى تصريح صحيح المحاسن والمرويّ في التحف وأخويه بحلّية غيرها.

وفي الموثّق : في قول الله عزّ وجلّ ( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ) (٣) فقال : « والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ، ولكنّها الشجر وشبهه » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب أحكام المساكن ب ٤.

(٢) الكافي ٦ : ٤٧٧ ـ ٧ وفيه : لنمتهنه ، بدل : لنمقته ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب أحكام المساكن ب ٤ ح ١.

(٣) سبأ : ١٢.

(٤) الكافي ٦ : ٥٢٧ ـ ٧ ، المحاسن : ٦١٨ ـ ٥٣ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٥ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ١.

١٠٩

وفي المحاسن في الصحيح : « لا بأس بتماثيل الشجر » (١).

وبهذه الأخبار يقيّد بعض المطلقات ، الذي هو الحجّة لمن خالف وحرّم ، كما حكي عن الحلبي (٢).

وهل يحرم إبقاء ما يحرم عمله فتجب إزالته ، أم لا؟

الظاهر هو : الثاني ، سيّما فيما توجب إزالته الضرر ، للأصل ، وعدم استلزام حرمة العمل حرمة الإبقاء ، والروايات المطلقة الدالّة على استحباب تغطّي التماثيل الواقعة تجاه القبلة ، ونافية البأس عن الواقعة يمينا وشمالا ، والمكرهة عن مصاحبتها في الصلاة (٣).

وخصوص صحيحة الحلبي : قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ربّما قمت فأصلّي وبين يديّ الوسادة ، وفيها تماثيل طير ، فجعلت عليها ثوبا » (٤).

وأمّا حسنة زرارة : « لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت إذا غيّرت رؤوسها منها وترك ما سوى ذلك » (٥).

ورواية السكوني : قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة فقال : لا تدع صورة إلاّ محوتها ، ولا قبرا إلاّ سوّيته ، ولا كلبا إلاّ قتلته » (٦).

__________________

(١) المحاسن : ٦١٩ ـ ٥٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٦٩ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٢.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٨١.

(٣) الوسائل ٥ : ١٧٠ أبواب مكان المصلي ب ٣٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٦ ـ ٨٩٢ ، الوسائل ٥ : ١٧٠ أبواب مكان المصلي ب ٣٢ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ٥٢٧ ـ ٨ ، المحاسن : ٦١٩ ـ ٥٦ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب أحكام المساكن ب ٤ ح ٣.

(٦) الكافي ٦ : ٥٢٨ ـ ١٤ ، المحاسن : ٦١٣ ـ ٣٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠٦ أبواب أحكام المساكن ب ٣ ح ٨.

١١٠

فمحمولتان على الاستحباب جمعا ، مع أنّ اللاّزم ـ على فرض بقاء التعارض وعدم المرجّح ـ الرجوع إلى الأصل ، وهو مع الجواز ، والمستفاد من الحسنة انتفاء كراهة الإبقاء بتغيّر الرأس ، ولا بأس به.

وهل يجوز ابتياع ما يحرم عمله أو ما فيه ذلك؟

الأقوى : نعم ، للأصل ، إلاّ إذا كان إعانة على عمله ، فيحرم.

وأمّا أجر عمل المحرّم من الصور فالظاهر من كلماتهم الحرمة ، فإن ثبت الإجماع فيه بخصوصه أو في أجر كلّ محرّم فهو المتّبع ، وإلاّ ففي تحريم أخذه نظر ، وإن كان إعطاؤه محرّما لكونه إعانة على الإثم.

ومنها : السحر‌ ، والظاهر أنّه لا خلاف في تحريمه ، سواء كان أمرا حقيقيّا أو تخيّليّا ، وفي كلام جماعة الإجماع عليه (١) ، بل نسب إلى شريعة الإسلام (٢) ، وفي الخلاف بلا خلاف (٣) ، وهو الحجّة ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة :

ففي رواية : « ساحر المسلمين يقتل » ، وفيها : « السحر والشرك مقرونان » (٤).

وفي أخرى : « يضرب الساحر بالسيف ضربة واحدة على أمّ رأسه » (٥).

وفي ثالثة : « حلّ دمه » (٦).

__________________

(١) كالعلامة في المنتهى ٢ : ١٠١٤ والسبزواري في الكفاية : ٨٧.

(٢) كما في الإيضاح ١ : ٤٠٥ ، التنقيح ٢ : ١٢.

(٣) الخلاف ٢ : ٤٣٤.

(٤) الكافي ٧ : ٢٦٠ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣٧١ ـ ١٧٥٢ ، التهذيب ١٠ : ١٤٧ ـ ٥٨٣ ، العلل : ٥٤٦ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ١٤٦ أبواب ما يكتسب به ب ٢٥ ح ٢ وج ١٨ : ٥٧٦ أبواب بقية الحدود ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٢٦٠ ـ ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٤٧ ـ ٥٨٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٦ أبواب بقية الحدود ب ١ ح ٣.

(٦) التهذيب ١٠ : ١٤٧ ـ ٥٨٥ ، الوسائل ٢٨ ـ ٣٦٧ أبواب بقية الحدود ب ٣ ح ١.

١١١

وفي رابعة : « من تعلّم من السحر شيئا كان آخر عهده بربّه ، وحدّه القتل » (١).

وفي خامسة : « الساحر كافر » (٢).

وظاهرها التحريم مطلقا.

وقد استثني السحر للتوقّي ودفع المتنبّي ، بل في الدروس والروضة (٣) وغيرهما (٤) : أنّه ربما وجب كفاية لذلك.

واستدلّوا عليه بضعف الروايات ، فيقتصر منها على ما حصل الانجبار بالنسبة إليه.

وبقول الصادق عليه‌السلام في رواية عيسى بن سيف ـ بعد اعترافه بالسحر والتوبة واستفساره عن المخرج ـ : « حلّ ولا تعقد » (٥).

وروايتي العلل والعيون ، ففي الأولى : « توبة الساحر أن يحلّ ولا يعقد » (٦).

وفي الثانية : « كان بعد نوح قد كثرت السحرة والمموّهون ، فبعث الله تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة ، وذكر ما يبطل به سحرهم ويردّ به كيدهم ، فتلقّاه النبيّ من الملكين وأدّاه إلى عباد الله بأمر الله [ فأمرهم ] أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه ، ونهاهم أن يسحروا به‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١٤٧ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٧ أبواب بقية الحدود ب ٣ ح ٢.

(٢) دعائم الإسلام ٢ : ٤٨٢ ، المستدرك ١٣ : ١٠٧ أبواب ما يكتسب به ب ٢٢ ح ٦.

(٣) الدروس ٣ : ١٦٤ ، الروضة ٣ : ٢١٥.

(٤) كالحدائق ١٨ : ١٧١.

(٥) الكافي ٥ : ١١٥ ـ ٧ ، الفقيه ـ ٣ : ١١٠ ـ ٤٦٣ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ ـ ١٠٤٣ ، الوسائل ١٧ : ١٤٥ أبواب ما يكتسب به ب ٢٥ ح ١ ، بتفاوت في السند.

(٦) العلل : ٥٤٦ ـ ذ. ح ١ ، الوسائل ١٧ : ١٤٧ أبواب ما يكتسب به ب ٢٥ ح ٣.

١١٢

الناس » الحديث (١).

وبأنّ الضرورات تبيح المحظورات كما ورد ، ويثبته نفي الضرر والحرج في الدين.

وفيه : أنّ الروايات وإن كانت ضعافا ، إلاّ أنّها أيضا حجّة عندنا كالصحاح. وتلك الأخبار لا تدلّ على جواز السحر ، لإمكان الحلّ والإبطال بغير السحر من القرآن والذكر والتعويذ ، كما استفاضت به الروايات ، ويرشد إليه قوله في الأخيرة : « ونهاهم أن يسحروا » على سبيل الإطلاق. وعدم تأثير القرآن والدعاء في بعض الأوقات لقصورنا ، فلا يوجب حرجا لو منعنا من الحلّ بالسحر.

وبهذا يظهر أنّه لا ضرورة مبيحة للسحر ولا يتوقّف دفع الضرر ورفع الحرج عليه ، كذا قيل.

ويمكن أن يخدش فيه : بأنّه قد لا يحلّ ببعض الآيات والأدعية ، وكما يمكن أن يكون ذلك لقصورنا يمكن أن يكون لعدم صحّة الرواية ، وحجّيّة الآحاد في الأحكام لا توجب حجّيتها وثبوتها في أمثال ذلك أيضا ، فلا يكون بدّ من الحلّ بالسحر ، ولو لم تبح الضرورات لأجل ذلك لم يحلّ محرّم بضرورة.

ثمَّ السحر عرّف تارة بكلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله.

واخرى به ، مع زيادة العمل في الجنس وتبديل الضرر بالأثر وإضافة القلب.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٠٨ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ١٤٧ أبواب ما يكتسب به ب ٢٥ ح ٤ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

١١٣

وثالثة بالثاني ، مع اشتراط عدم المباشرة له.

ورابعة بالثالث ، مع زيادة العقد والرقى في الجنس.

وخامسة بأنّه عمل يستفاد منه حصول ملكة نفسانيّة يقتدر بها على أفعال غريبة وأسباب خفيّة.

وسادسة باستحداث الخوارق ، سواء كان بالتأثير النفساني ، أو الاستعانة بالفلكيّات فقط ، أو بتمزيج قواها بالقوى الأرضيّة ، أو بالاستعانة بالأرواح الساذجة.

ولا يخفى أن كلاّ منها منتقضة إمّا في الطرف أو العكس أو فيهما ، لورود النقض بما يؤثّر في متعلّقات المسحور ـ كداره أو ولده أو ماله ـ أو ما يوجب حدوث أمر غريب من غير تأثير في شخص ، وبالسحر عملا ، وبالدعوات المستجابة والتوسّل بالقرآن والأدعية ، وبالمعجزة والتوصّل إلى الأمور الغريبة باستعمال القواعد الطبيعيّة ، إلى غير ذلك.

ولم أعثر على حدّ تامّ في كلماتهم.

والمرجع في معرفته وإن كان هو العرف ـ كما هو القاعدة وصرّح به في المنتهى (١) ـ إلاّ أنّه فيه أيضا غير منقّح.

والذي يظهر من العرف والتتبّع في موارد الاستعمال أنّه عمل يوجب حدوث أمر منوط بسبب خفي غير متداول عادة ، لا بمعنى أنّ كلّما كان كذلك هو سحر ، بل بمعنى أنّ السحر كذلك.

وتوضيح ذلك : أنّ ذلك تارة يكون بتقوية النفس وتصفيتها حتى يقوى على مثل ذلك العمل ، كما هو دأب أهل الرياضة وعليه عمل أهل‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠١٤.

١١٤

الهند.

وأخرى باستعمال القواعد الطبيعيّة أو الهندسيّة أو المداواة العلاجيّة ، وهو المتداول عند الافرنجيّين.

وثالثة بتسخير روحانيّات الأفلاك والكواكب ونحوها ، وهو المشهور عن اليونانيّين والكلدانيّين.

ورابعة بتسخير الجنّ والشياطين.

وخامسة بأعمال مناسبة للمطلوب ، كتماثيل أو نقوش أو عقد أو نفث أو كتب منقسما إلى رقية (١) وعزيمة (٢) أو دخنة (٣) في وقت مختار ، وهو المعروف عن النبط.

وسادسة بذكر أسماء مجهولة المعاني وكتابتها بترتيب خاصّ ، ونسب ذلك إلى النبط والعرب.

وسابعة بذكر ألفاظ معلومة المعاني غير الأدعية.

وثامنة بالتصرّف في بعض الآيات أو الأدعية أو الأسماء ، من القلب أو الوضع في اللوح المربع ، أو مع ضمّه مع عمل آخر من عقد أو تصوير أو غيرهما.

وتاسعة بوضع الأعداد في الألواح.

ولا شكّ في عدم كون الأولين سحرا ، كما أنّ الظاهر كون الخامس سحرا ، والبواقي مشتبهة ، والأصل يقتضي فيها الإباحة ، إلاّ ما علمت حرمته من جهة الإجماع ، كما هو الظاهر في التسخيرات.

__________________

(١) الرقية بالضم : العوذة ـ القاموس المحيط ٤ : ٣٣٨.

(٢) عزيمة : العزائم ـ الرقى ـ مجمع البحرين ٦ : ١١٥.

(٣) دخنة : ذريرة تدخّن بها البيوت ـ القاموس ٤ : ٢٢٣.

١١٥

ومنها : الكهانة‌ ، وهي ـ كما في المسالك (١) وغيره (٢) بل المصرّح به في كلام الأكثر (٣) ـ : عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له واتّباعه له ، بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة ، وفي الأخبار أيضا ما يستفاد منه ذلك : ففي الأمالي عن الصادق عليه‌السلام ـ في ذكر عجائب ليلة ولادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : « ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها » (٤).

وعن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى ( إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) (٥) كان في الجاهلية كهنة ومع كلّ واحد شيطان ، وكان يقعد من السماء مقاعد للسمع ، فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض ، فينزل ويخبر به الكاهن ، فيفشيه الكاهن إلى الناس (٦). فهو قريب من السحر أو أخصّ منه.

والأصل في تحريمه ـ بعد الإجماع الثابت المصرّح به في كلام جماعة (٧) ـ النصوص المستفيضة :

منها : المرويّ في نهج البلاغة : « المنجّم كالكاهن والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار » (٨).

والخبران العادّان أجر الكاهن من السحت (٩).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٦٦.

(٢) كما في الروضة ٣ : ٢١٥ والحدائق ١٨ : ١٨٤.

(٣) كالعلامة في التحرير : ١٦١ والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣١.

(٤) أمالي الصدوق : ٢٣٥.

(٥) الحجر : ١٨.

(٦) مجمع البيان ٣ : ٣٣٢.

(٧) كالسبزواري في الكفاية : ٨٧ وصاحب الرياض ١ : ٥٠٣.

(٨) نهج البلاغة ( محمّد عبدة ) ١ : ١٢٥.

(٩) الأول في : الكافي ٥ : ١٢٦ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٦٨ ـ ١٠٦١ ، الوسائل ١٧ : ٩٣ أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ٥.

الثاني في : الفقيه ٤ : ٢٦٢ ـ ٨٢١ ، تفسير العياشي ١ : ٣٢٢ ـ ١١٧ ، الوسائل ١٧ : ٩٤ أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ٩.

١١٦

وما روى الصدوق عن أبي بصير : « من تكهّن أو تكهّن له فقد برئ من دين محمّد » ، قلت : فالقيافة؟ قال : « ما أحبّ أن تأتيهم » (١) ويؤيّده المرويّ في مستطرفات السرائر : « من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله تعالى من كتاب » (٢).

ومنها : الشعبذة‌ ، قيل : هي الأفعال العجيبة المترتّبة على سرعة اليد بالحركة فتلبس على الحس (٣). وعن الدروس نفي الخلاف في تحريمه (٤).

ومنها : القيافة‌ ، قالوا : هي الاستناد إلى علامات وأمارات يترتّب عليها إلحاق نسب ونحوه ، وفي الدروس والتنقيح (٥) وغيرهما (٦) الإجماع على تحريمه ، وهو الظاهر من التذكرة (٥) ، وفي الكفاية : لا أعلم خلافا بينهم في تحريم القيافة (٧). فإن ثبت الإجماع فهو المتّبع ، وإلاّ ففيه نظر ، ورواية الصدوق المتقدّمة ناظرة إلى الكراهة ، وتظهر الرخصة من بعض روايات أخر أيضا ، ولذا قيل : إنّما يحرم إذا رتّب عليها محرّما أو جزم بها (٨). وليس‌

__________________

(١) الخصال ١ : ١٩ ـ ٦٨ ، الوسائل ١٧ : ١٤٩ أبواب ما يكتسب به ب ٢٦ ح ٢.

(٢) مستطرفات السرائر : ٨٣ ، الوسائل ١٧ : ١٥٠ أبواب ما يكتسب به ب ٢٦ ح ٣.

(٣) كالشهيدين في الدروس ٣ : ١٦٤ والروضة ٣ : ٢١٥.

(٤) لم نعثر عليه في الدروس ولا على من نقله عنه ، وهو موجود في المنتهى ٢ : ١٠١٤.

(٥) لم نعثر عليه في الدروس ولا على من نقله عنه ، التنقيح ٢ : ١٣.

(٦) كالمنتهى ٢ : ١٠١٤ والرياض ١ : ٥٠٣.

(٧) التذكرة ١ : ٥٨٢.

(٨) الكفاية : ٨٧.

(٩) المسالك ١ : ١٦٦.

١١٧

ذلك ببعيد.

ومنها : التنجيم وتعلّم النجوم‌ ، حرّمه بعض الأصحاب (١) ، وأسند إلى جماعة أيضا ، وليس كذلك.

ويظهر من جماعة ـ كالسيّد والفاضل (٢) وغيرهما (٣) ـ : أنّ تحريمه من حيث فساد مذهب المنجّمين من اعتقاد تأثير الكواكب وأوضاعها استقلالا أم اشتراكا ، اختيارا أم إيجابا.

وقيل بالحرمة مع اعتقاد كونها معدّة لتأثير الله سبحانه أيضا ، لكونه علما بما لا يعلم.

ومن بعض المتأخّرين : أنّه من حيث ابتنائه على الظنّ والتخمين ، وكونه قولا بما لا يعلم (٤).

ومن ثالث : أنّه من حيث هو هو (٥) ، لدلالة الأخبار (٦) على تحريمه.

ويمكن أن يكون التحريم أيضا لأجل الإخبار بما لم يقع ، فيشبه الكهانة.

وصرّح كثير من أصحابنا ـ منهم ابن طاوس (٧) ـ بجوازه إذا لم يعتقد منافيا للشرع ، بل هو الظاهر من الأكثر (٨) ، حيث قيّدوا التحريم بما إذا اعتقد‌

__________________

(١) منهم العلاّمة في المنتهى ٢ : ١٠١٤.

(٢) نقله عن السيّد في فرج المهموم : ٤٣ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ١٠١٤ والتحرير : ١٦١.

(٣) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٤٦.

(٤) كما في الدروس ٣ : ١٦٥.

(٥) كالحر العاملي في الوسائل ١١ : ٣٧٠ ب ١٤ أبواب آداب السفر ، وج ١٧ : ١٤٤ ب ٢٤ أبواب ما يكتسب به.

(٦) الوسائل ١٧ : ١٤١ أبواب ما يكتسب به ب ٢٤.

(٧) فرج المهموم : ٨١.

(٨) كما في الدروس ٣ : ١٦٥ ، جامع المقاصد ٤ : ٣٢.

١١٨

التأثير.

أقول : أمّا تحريمه لأجل فساد المذهب فممّا لا وجه له ، إذ لا مدخليّة للمذهب واعتقاد التأثير من الكواكب في التنجيم ، لأنّ غاية ما يترتّب عليه أنّه يحدث كذا عند وضع كذا.

وأمّا أنّه هل هو من تأثير النجم مستقلاّ أو اشتراكا ، حتى يكون اعتقاده حراما.

أو من باب العلامات والأمارات على ما أجراه الله تعالى بعادته عقيبها ، حتى لم يحرم اعتقاده ، على ما صرّح به الأكثر ، كالسيّد والمفيد والكراجكي وابن طاوس والمحقّق الثاني وشيخنا البهائي والمجلسي (١) وغيرهم (٢).

أو من قبيل تسخين النار وتبريد الماء. أو غير ذلك.

فليس من مسائل النجوم ولا من متفرّعاتها ، بل هو من المسائل الطبيعيّة.

وليس التنجيم إلاّ كالطب ، فكما لا يبتني الطبّ على اعتقاد أنّ تأثير الدواء هل هو من جهة نفسه أو من الله سبحانه ، فكذلك النجوم ، والظاهر أن فساد اعتقاد بعض المنجّمين أوجب توهّم بعضهم أنّه ناشئ من جهة التنجيم.

وأمّا من حيث كونه قولا بما لا يعلم ، فمع أنّه لا يحرم التعليم ولا‌

__________________

(١) حكاه ابن طاوس عن السيّد والمفيد وقال به في فرج المهموم : ٨١ ، والمجلسي عنهما والبهائي وقال به في البحار ٥٥ : ٢٧٨ و ٢٨١ ، الكراجكي في كنز الفوائد ٢ : ٢٢٧ عن فرج المهموم ، المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٢.

(٢) كالشهيد في الدروس ٣ : ١٦٥ والقواعد والفوائد ٢ : ٣٥.

١١٩

يختصّ بالتنجيم ، يوجب التحريم إذا كان الحكم بالبتّ مع ظنيّته ، فلا يحرم إذا حكم بالظنّ كما هو الطريقة ، أو بالقطع إذا حصل من تكرّر التجارب.

وأمّا من جهة أنّه الإخبار بما لم يقع ، ففيه : أنّ تحريمه مطلقا ممنوع ، فبقي أن يكون الوجه فيه هو الروايات ، وهي كثيرة :

منها : المرويّ في النهج المتقدّم أوله : « إيّاكم وتعلّم النجوم إلاّ ما يهتدى به في برّ أو بحر ، فإنّها تدعو إلى الكهانة ، المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار » (١).

ورواه في المجالس والاحتجاج أيضا (٢) ، وفي آخره في رواية ابن أبي الحديد مخاطبا للمنجّم الذي نهاه عن السير في الوقت المعيّن : « أما والله إن بلغني أن تعمل بالنجوم لأخلدنّك السجن أبدا ما بقيت ، ولأحرمنّك العطا ما كان لي سلطان » (٣).

ومنها : رواية عبد الملك بن أعين ، وفيها ـ بعد قوله للصادق عليه‌السلام : إنّي قد ابتليت بهذا العلم ـ : « تقضي؟ » قلت : نعم ، قال : « أحرق كتبك » (٤) ، ومثلها في دعوات الراوندي (٥).

ورواية نصر بن قابوس المرويّة في الخصال : « المنجّم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون ، والمغنّية ملعونة » (٦).

قال الصدوق : المنجّم الملعون هو الذي يقول بقدم الفلك ، ولا يقول‌

__________________

(١) نهج البلاغة ١ : ١٢٥ خطبة ٧٧ ، الوسائل ١١ : ٣٧٣ أبواب آداب السفر ب ١٤ ح ٨.

(٢) أمالي الصدوق : ٣٣٨ ـ ١٦ ، بتفاوت ، الاحتجاج : ٢٤٠.

(٣) البحار ٥٥ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(٤) الفقيه ٢ : ١٧٥ ـ ٧٧٩ ، الوسائل ١١ : ٣٧٠ أبواب آداب السفر ب ١٤ ح ١.

(٥) دعوات الراوندي : ١١٢.

(٦) الخصال : ٢٩٧ ـ ٦٧ ، الوسائل ١٧ : ١٤٣ أبواب ما يكتسب به ب ٢٤ ح ٧.

١٢٠