مستند الشّيعة - ج ١٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-073-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٣

الفصل السابع

فيما يستحبّ بعد الفراغ من العود إلى مكّة من منى ،

ودخول الكعبة ، وطواف الوداع ، وما يتعلّق بذلك الباب‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لو بقي على الحاجّ شي‌ء من المناسك الواجبة ـ من طواف أو سعي أو بعض أحدهما أو غير ذلك ، وكان أخّره من بيتوتة منى ـ وجب عليه العود إلى مكّة لإتمام المناسك إجماعا ، لتوقّف الواجب عليه.

ولو لم يبق عليه شي‌ء ، من المناسك الواجبة يجوز له الانصراف حيث شاء.

للأصل ، ورواية السري : ما ترى في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟ قال : « إن كان قد قضى نسكه فليقم ما شاء ، وليذهب حيث شاء » (١).

نعم ، وقالوا : يستحبّ له العود لمكّة لوداع البيت ودخول الكعبة.

فإن أرادوا أنّ من لم يودّع البيت ولم يدخل الكعبة يستحبّ له العود لأجل ذلك.

فهو كذلك ، لاستحبابهما ، واستحباب مقدّمة المستحبّ ، ومرجعه إلى استحباب الأمرين ، ولا يكون العود إلى مكّة مستحبّا أصلا.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٤١ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ ـ ٩٣٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٢ أبواب العود إلى منى ب ١٣ ح ١.

٨١

وإن أرادوا استحباب العود مطلقا ، أو استحباب تأخير الأمرين إلى العود.

فلا دليل عليه أصلا ، والأصل يدفعه ، بل في الروايات ما ينفيه.

ففي رواية ابن عمّار : « كان أبي يقول : لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكّة » (١).

المسألة الثانية : يستحبّ دخول الكعبة إجماعا ، له ، وللنصوص : ففي مرسلة عليّ بن خالد : « الداخل الكعبة يدخل والله راض عنه ، ويخرج عطلا (٢) من الذنوب » (٣).

وفي موثّقة ابن القدّاح : عن دخول الكعبة ، قال : « الدخول فيها دخول في رحمة الله ، والخروج منها خروج من الذنوب ، معصوم فيما بقي من عمره ، مغفور له ما سلف من ذنوبه » (٤).

وقريبة منها مرسلة الفقيه (٥).

وفي أخرى : « من دخل الكعبة بسكينة ، وهو أن يدخلها غير متكبّر ولا متجبّر ، غفر له » (٦).

ولا تنافيه صحيحة حمّاد بن عثمان : عن دخول البيت ، فقال : « أمّا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢١ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٣ أبواب العود إلى منى ب ١٤ ح ١.

(٢) قد يستعمل العطل في الخلوّ من الشي‌ء ـ لسان العرب ١١ : ٤٥٤.

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٧ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٥ ـ ٩٤٣ ، المحاسن : ٧٠ ـ ١٣٨ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٢ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢٧ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٣٣ ـ ٥٦٢ ، التهذيب ٥ : ٢٧٥ ـ ٩٤٤ ، الوسائل ١٣ : ٢٧١ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٤ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ١٣٣ ـ ٥٦٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٧١ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٤ ح ١.

(٦) الفقيه ٢ : ١٣٣ ـ ٥٦٣ ، الوسائل ١٣ : ٢٧١ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٤ ح ٣.

٨٢

الصورة فيدخله ، وأمّا من حجّ فلا » (١).

لأنّ قوله : « فيدخله » يمكن أن يكون تأكّد الاستحباب ، فالنفي في غيره يرجع إلى التأكّد ، ويمكن أيضا أن يكون النفي للمرجوحيّة لمن حجّ ودخل أولا ، كما هو المتأكّد في حقّ الصرورة ، حيث إنّه لا يترجّح تكرار الدخول كما يأتي ، فيكون المعنى : وأمّا من حجّ ودخل فلا.

والاستحباب يعمّ الرجال والنساء.

لصحيحة ابن سنان : عن دخول النساء الكعبة ، قال : « ليس عليهن ، وإن فعلن فهو أفضل » (٢).

وربّما يستفاد منها : أنّ استحباب الدخول في حقّ النساء ليس على حدّ استحبابه للرجال.

ويتأكّد في حقّ الصرورة بلا خلاف يعرف ، لصحيحة حمّاد المتقدّمة ، وصحيحة سعيد الأعرج : « لا بدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع » (٣).

ومرسلة أبان : « يستحبّ للصرورة أن يطأ المشعر الحرام ، وأن يدخل البيت » (٤).

ورواية سليمان بن مهران ، وفيها : وكيف صار الصرورة يستحبّ له دخول الكعبة دون من حجّ؟ فقال : « لأنّ الصرورة قاضي فرض مدعوّ إلى‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٧٧ ـ ٩٤٨ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٣ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٤٨ ـ ١٥٦١ ، الوسائل ١٣ : ٢٨٣ أبواب مقدمات الطواف ب ٤١ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٩ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٧ ـ ٩٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٣ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦٩ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٩١ ـ ٦٣٦ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٣ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ٢.

٨٣

حجّ بيت الله ، يجب أن يدخل البيت الذي دعي إليه ليكرم فيه » (١).

وظاهر صحيحة الأعرج وإن كان الوجوب في حقّ الصرورة ، إلاّ أنّه حمل على الاستحباب أو شدّته ، للإجماع على انتفاء الوجوب.

لا للخبرين الأخيرين كما قيل (٢) ، لأعمّية الاستحباب في الاصطلاح المتقدّم عن الوجوب.

بل يشعر بإرادته قوله : « يجب » أخيرا في الأخيرة ، ولو لا الأعمية من جهة اللغة أيضا يمكن التجوّز به عنه ، كما قد يتجوّز بالوجوب عن الاستحباب.

ولو لا مظنّة الإجماع على ثبوت الاستحباب لغير الصرورة أيضا لكنّا نقول بعدم استحبابه في حقّه مطلقا.

ويمكن أن يقال به إذا كان قد دخل أولا ، كما هو الغالب ، واحتمله بعض المتأخّرين ، حيث قال : كأنّ تكرير الدخول خلاف الأولى.

وهو كذلك ، لأنّه الظاهر من صحيحة حمّاد ، ورواية سليمان ، وعدم دخول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه إلاّ مرّة ، كما في ذيل صحيحة ابن عمّار الآتية : « ولم يدخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ يوم فتح مكّة » (٣).

وفي الأخرى : « فإن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدخل الكعبة في حجّ ولا عمرة ، ولكنّه دخلها في الفتح ـ فتح مكّة ـ وصلّى ركعتين بين العمودين » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٥٤ ـ ٦٦٨ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٣ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ٤.

(٢) في الرياض ١ : ٤٣٠.

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٨ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٧٦ ـ ٩٤٥ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٥ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٧٩ ـ ٩٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ ـ ١١٠١ ، الوسائل ٤ : ٣٣٧ أبواب القبلة ب ١٧ ح ٣.

٨٤

المسألة الثالثة : يستحبّ الغسل لدخول الكعبة استحبابا مؤكّدا ، كما في السرائر (١) ، وأن يدخلها بسكينة ووقار ، حافيا بلا حذاء ، وأن لا يبزق فيها ولا يتمخّط فيها ، وأن يأخذ بحلقتي الباب ، وأن يدعو إذا أخذهما بالدعاء المأثور بقوله : « اللهمّ إنّ البيت بيتك » (٢) ، وأن يدعو حين يدخل بالدعاء المأثور في صحيحة ابن عمّار الآتية.

ثمَّ يدخل ويصلّي ركعتين على الرخامة الحمراء ، التي بين الأسطوانتين اللتين تليان الباب ، وهي ـ كما قيل (٣) ـ مولد مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، يقرأ في الركعة الأولى حم السجدة ، وفي الثانية عدد آياتها من القرآن دون حروفها أو كلماتها ، ويصلّي في كلّ زاوية من زوايا البيت الأربع ، ويدعو بعد ذلك بالدعاءين المأثورين في صحيحتي ابن عمّار والأعرج الآتيتين.

والظاهر أنّ الدعاءين بعد تمام الصلاة في الزوايا الأربع ، لا أنّه بعدها في كلّ زاوية.

وعن القاضي : أنّه يبدأ بالزاوية التي فيها الدرجة ، ثمَّ الغربيّة ، ثمَّ التي فيها الركن اليماني ، ثمَّ التي فيها الحجر الأسود (٤).

ويستقبل الحائط الذي بين الركنين اليماني والغربي ، ويرفع يديه عليه ويلزق به ويدعو.

ثمَّ يتحوّل إلى الركن اليماني ويلصق به ويدعو ، ويأتي بالأسطوانة‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٦١٤.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٠ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٨ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٥.

(٣) انظر كشف اللثام ١ : ٣٨١ ، الرياض ١ : ٤٣٠.

(٤) المهذب ١ : ٢٦٣.

٨٥

التي بحذاء الحجر ، ويلصق بها صدره ويدعو بالدعاء الآتي.

ثمَّ يدور بالأسطوانة ، ويلصق بها ظهره وبطنه ويدعو بالدعاء المذكور ، وأن يقبل على كلّ أركان البيت ويكبّر إلى كلّ ركن منه.

كل ذلك للأخبار :

ففي صحيحة ابن عمّار : « إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ، ولا تدخلها بحذاء ، وتقول إذا دخلت : اللهمّ إنّك قلت في كتابك : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (١) ، فآمنّي من عذاب النار ، ثمَّ تصلّي ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ، تقرأ في الركعة الأولى حم السجدة ، وفي الثانية عدد آياتها من القرآن ، وتصلّي في زواياه ، وتقول : اللهمّ من تهيّأ وتعبّأ وأعدّ واستعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجائزته ونوافله وفواضله ، فإليك يا سيّدي تهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك ونوافلك وجائزتك ، فلا تخيّب اليوم رجائي ، يا من لا يخيب عليه سائل ، ولا ينقصه نائل ، فإنّي لم آتك اليوم بعمل صالح قدّمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته ، ولكنّي أتيتك مقرّا بالظلم والإساءة على نفسي ، فإنّه لا حجّة لي ولا عذر ، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تعطيني مسألتي ، وتقيلني عثرتي ، وتقلبني برغبتي ، ولا تردّني مجبوها ممنوعا ، ولا خائبا ، يا عظيم يا عظيم يا عظيم ، أرجوك العظيم ، أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم ، لا إله إلاّ أنت ».

قال : « ولا تدخلها بحذاء ، ولا تبزق فيها ، ولا تمخط فيها ، ولم يدخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ يوم فتح مكّة » (٢).

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٥٢٨ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٧٦ ـ ٩٤٥ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٥ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ١.

٨٦

وفي صحيحة الأعرج : « فإذا دخلته فادخله على سكينة ووقار ، ثمَّ ائت كلّ زاوية من زواياه ، ثمَّ قل : [ اللهمّ ] إنّك قلت ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) ، فآمنّي من عذاب يوم القيامة ، وصلّ بين العمودين اللذين يليان الباب على الرخامة الحمراء ، وإن كثر الناس فاستقبل كلّ زاوية من مقامك حيث صلّيت ، وادع الله وسله » (١).

وفي صحيحة ابن أبي العلاء : قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام وذكرت الصلاة في الكعبة ، قال : « بين العمودين ، تقوم على البلاطة الحمراء (٢) ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى عليها ، ثمَّ أقبل على أركان البيت فكبّر على كلّ ركن منه » (٣).

وفي الأخرى لابن عمّار : رأيت العبد الصالح عليه‌السلام دخل الكعبة فصلّى ركعتين على الرخامة الحمراء ، ثمَّ قال فاستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي ، فرفع يده عليه ولزق به ودعا ، ثمَّ تحوّل إلى الركن اليماني فلصق به ودعا ، ثمَّ أتى الركن الغربي ، ثمَّ خرج (٤).

وصحيحة إسماعيل بن همام : « دخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكعبة فصلّى في زواياها الأربع ، صلّى في كلّ زاوية ركعتين » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٩ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٧ ـ ٩٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٨ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٦. وما بين المعقوفين من المصادر.

(٢) البلاطة الحمراء : هي حجر تسمّى حجر السماق ، ولد عليها علي بن أبي طالب عليه‌السلام في بيت الله الحرام ، وقد كانت في وسط البيت ثمَّ غيّرت وجعلت في ضلع البيت عند الباب ـ مجمع البحرين ٤ : ٢٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٨ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٦ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢٩ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٧٨ ـ ٩٥١ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢٩ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٧٨ ـ ٩٤٩ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٦ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٢.

٨٧

وموثّقة يونس بن يعقوب : إذا دخلت الكعبة كيف أصنع؟ قال : « خذ بحلقتي الباب إذا دخلت ، ثمَّ أمض حتى تأتي العمودين ، فصلّ على الرخامة الحمراء ، ثمَّ إذا خرجت من البيت فنزلت من الدرجة فصل عن يمينك ركعتين » (١).

وفي الثالثة لابن عمّار : في دعاء الولد ، قال : « أفض عليك دلوا من ماء زمزم ثمَّ ادخل البيت ، فإذا قمت على باب البيت فخذ بحلقة الباب ، ثمَّ قل : اللهمّ إنّ البيت بيتك ، والعبد عبدك وقد قلت ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) ، فآمنّي من عذابك وأجرني من سخطك ، ثمَّ ادخل البيت فصلّ على الرخامة الحمراء ركعتين ، ثمَّ قم إلى الأسطوانة التي بإزاء الحجر وألصق بها صدرك ، ثمَّ قل : يا واحد يا ماجد يا قريب يا بعيد يا عزيز يا حكيم ، لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ، هب لي من لدنك ذرّية طيّبة إنّك سميع الدعاء ، ثمَّ در بالأسطوانة فألصق بها ظهرك وبطنك ، وتدعو بهذا الدعاء ، فإن يرد الله شيئا كان » (٢).

والظاهر من الأخيرة أنّ ما تضمّنته من الدعاء والآداب لمن أراد الولد ، ولكن لا بأس بالتعميم.

ويستفاد من صحيحة الأعرج : كفاية استقبال كلّ زاوية في مقامه الذي صلّى فيه والدعاء والمسألة إذا منع كثرة الناس.

ومن موثّقة يونس : استحباب صلاة ركعتين عن يمين المصلّي إذا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٠ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٢٧٨ ـ ٩٥٠ ، الوسائل ١٣ : ٢٨٢ أبواب مقدمات الطواف ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٠ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٨ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

٨٨

خرج ونزل من الدرجة.

وتدلّ عليه أيضا صحيحة ابن سنان ، قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وهو خارج من الكعبة ـ وهو يقول : « الله أكبر الله أكبر » ، حتى قالها ثلاثا ، ثمَّ قال : « اللهمّ لا تجهد بلاءنا ، ربّنا ولا تشمت بنا أعداءنا ، فإنّك أنت الضارّ النافع » ، ثمَّ هبط فصلّى إلى جانب الدرجة ، جعل الدرجة عن يساره مستقبل الكعبة ليس بينها وبينه أحد ، ثمَّ خرج إلى منزله (١).

ويستحبّ أيضا أن يسجد في البيت ويدعو وهو ساجد بالدعاء المأثور في رواية ذريح ، أوله : « لا يردّ غضبك إلاّ حلمك » إلى آخر الدعاء (٢).

المسألة الرابعة : ويستحبّ أيضا أن يطوف بالبيت طواف الوداع ، بالإجماع ، وعن بعض العامّة وجوبه (٣).

وفي رواية عليّ : في رجل لم يودّع البيت ، قال : « لا بأس به إن كانت به علّة أو كان ناسيا » (٤).

وإثبات البأس في المفهوم محمول على شدّة التأكّد ، للإجماع.

وهذا الطواف أيضا ـ كغيره ـ سبعة أشواط ، وله صلاته ، وينبغي أن يعتمد في كيفيّته ما في صحيحة ابن عمّار ، قال : « إذا أردت أن تخرج من مكّة فتأتي أهلك فودّع البيت وطف بالبيت أسبوعا ، وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كلّ شوط فافعل ، وإلاّ فافتح به واختم به ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٩ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٧٩ ـ ٩٥٦ ، قرب الإسناد : ٤ ـ ١٠ ، الوسائل ١٣ : ٢٨٢ أبواب مقدمات الطواف ب ٤٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٦ ـ ٩٤٦ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٩ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٧ ح ١.

(٣) انظر المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٩٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٨٢ ـ ٩٦٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٩١ أبواب العود إلى منى ب ١٩ ح ٢.

٨٩

فإن لم تستطع ذلك فموسّع عليك ، ثمَّ تأتي المستجار فتصنع عنده كما صنعت يوم قدمت مكّة ، وتخيّر لنفسك من الدعاء ، ثمَّ استلم الحجر الأسود ، ثمَّ ألصق بطنك بالبيت ، تضع يدك على الحجر والأخرى على الباب ، واحمد الله وأثن عليه وصلّ على النبيّ وآله ، ثمَّ قل : اللهم صلّ على محمّد عبدك ورسولك ونبيّك وأمينك وحبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك ، اللهم كما بلّغ رسالاتك وجاهد في سبيلك وصدع بأمرك وأوذي في جنبك وعبدك حتى أتاه اليقين ، اللهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة والبركة والرحمة والرضوان والعافية ، اللهم إن أمتّني فاغفر لي ، وإن أحييتني فارزقنيه من قابل ، اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك ، اللهم إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، حملتني على دوابّك ، وسيّرتني في بلادك حتى أقدمتني حرمك وأمنك ، وقد كان في حسن ظنّي بك أن تغفر لي ذنوبي ، فإن كنت غفرت لي ذنوبي فازدد عنّي رضا ، وقرّبني إليك زلفى ، ولا تباعدني ، وإن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري ، فهذا أوان انصرافي إن كنت قد أذنت لي ، غير راغب عنك ولا عن بيتك ، ولا مستبدل بك ولا به ، اللهم احفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني أهلي ، فإذا بلغتني أهلي فاكفني مئونة عبادك وعيالي ، فإنّك وليّ ذلك من خلقك ومنّي ، ثمَّ ائت زمزم واشرب من مائها ، ثمَّ اخرج وقل : آئبون تائبون عابدون ، لربّنا حامدون ، إلى ربّنا منقلبون راغبون ، إلى الله راجعون إن شاء الله » ، وقال : إنّ أبا عبد الله عليه‌السلام لمّا ودّعها وأراد أن يخرج من المسجد الحرام‌

٩٠

خرّ ساجدا عند باب المسجد طويلا ، ثمَّ قام وخرج (١).

أقول : وتستفاد منها ومن سائر أخبار الباب أمور :

الأول : استحباب استلام الحجر الأسود والركن اليماني في كلّ شوط ، وإن لم يتمكّن ففي الافتتاح والاختتام.

وتدلّ عليه أيضا صحيحة عليّ بن مهزيار : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام في سنة خمس عشرة ومائتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس ، فطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كلّ شوط ، فإذا كان في الشوط السابع استلمه ، واستلم الحجر ومسح بيده ، ثمَّ مسح وجهه بيده ، ثمَّ أتى المقام فصلّى خلفه ركعتين ، ثمَّ خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم ، فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه ، ثمَّ وقف عليه طويلا يدعو ، ثمَّ خرج من باب الحنّاطين وتوجّه. قال : فرأيته سنة سبع عشرة ومائتين ودّع البيت ليلا يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كلّ شوط ، فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل ، وكشف الثوب عن بطنه ، ثمَّ أتى الحجر الأسود فقبّله ومسحه ، وخرج إلى المقام فصلّى خلفه ، ومضى ولم يعد إلى البيت ، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف به بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية (٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٠ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ ـ ٩٥٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٧ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ١ ، بتفاوت.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٢ ـ ٣ وفيه : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام في سنة خمس وعشرين ومائتين ودّع البيت بعد ارتفاع .. ، وفي الوسائل ١٤ : ٢٨٩ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ٣ : عن الحسن بن علي الكوفي ، وفيه : فرأيته في سنة تسع عشرة ومائتين ودّع البيت ليلا ..

٩١

وذكر جماعة : أنّه يستحبّ استلام الأركان كلّها (١). ولا بأس به.

الثاني : استحباب إتيان المستجار والتزامه وإلصاق البطن عليه باسطا يديه والدعاء فيه.

وتدلّ عليه الصحيحة الأخيرة أيضا ، والمستفاد منها تخيّره في كون ذلك في الشوط السابع أو بعد إتمام الصلاة وطوافه.

الثالث : إلصاق البطن بالبيت بعد الطواف بين الحجر والباب ، واضعا إحدى يديه على الحجر والأخرى على الباب ، داعيا بما مرّ من الدعاء.

الرابع : الشرب من ماء زمزم بعد الطواف.

وتدلّ عليه أيضا رواية أبي إسماعيل : جعلت فداك ، فمن أين أودّع البيت؟ قال : « تأتي المستجار بين الحجر والباب فتودّعه من ثمَّ ، ثمَّ تخرج فتشرب من زمزم ، ثمَّ تمضي » ، قلت : أصبّ على رأسي؟ قال : « لا تقرب الصبّ » (٢).

الخامس : الدعاء عند الخروج من المسجد الحرام بقوله : « آئبون » إلى آخره.

السادس : السجود عند باب المسجد عند إرادة الخروج.

وتدلّ عليه أيضا صحيحة الخراساني : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام ودّع البيت ، فلمّا أراد أن يخرج من باب المسجد خرّ ساجدا ، ثمَّ قام فاستقبل القبلة ، فقال : « اللهم إنّي أنقلب على ألاّ إله إلاّ أنت » (٣).

__________________

(١) منهم الطوسي في النهاية : ٢٣٦ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٢٨ ، صاحب الرياض ١ : ٤٣٠.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٢ ـ ٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٠ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٨١ ـ ٩٥٨ ، العيون ٢ : ١٧ ـ ٤٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٨ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ٢.

٩٢

وقيل : ولتكن السجدة مستقبل القبلة (١).

ولا بأس به ، بل هو أولى.

السابع : الدعاء ـ بعد القيام من السجدة مستقبلا ـ بما في هذه الصحيحة الأخيرة.

الثامن : أن يخرج من باب الحنّاطين ، ذكره جماعة من الأصحاب (٢).

ولعلّ مستندهم الصحيحة الثانية ، وفي دلالتها نظر ، لعدم معلوميّة كون خروج الإمام من باب العبادة ، ولكن لا بأس به ، لفتوى الأصحاب.

قال في الدروس : هذا الباب بإزاء الركن الشامي (٣).

وزاد فيه بعضهم : على التقريب (٤).

وقال المحقّق الثاني : ولم أجد أحدا يعرف موضع هذا الباب ، فإنّ المسجد قد زيد فيه ، فينبغي أن يتحرّى الخارج محاذاة الركن الشامي ثمَّ يخرج (٥).

وقال والدي العلاّمة ـ طاب ثراه ـ في المناسك المكّية : وهو الباب الذي يسمّى الآن بباب الدربيّة يحاذي الركن الشامي ، وهو أول باب يفتح في جنب باب السلام من جهة يمين من يدخل المسجد. انتهى.

وغرضه قدس‌سره أنّ ذلك الباب يمرّ بموضع باب الحنّاطين ، وإلاّ فالمسجد قد وسّع الآن.

__________________

(١) كما في كشف اللثام ١ : ٣٨٢ ، الرياض ١ : ٤٣٠.

(٢) كما في السرائر ١ : ٦١٦ ، الدروس ١ : ٤٦٩ ، المسالك ١ : ١٢٧ ، كشف اللثام ١ : ٣٨٢ ، الرياض ١ : ٤٣٠.

(٣) الدروس ١ : ٤٦٩.

(٤) انظر كشف اللثام ١ : ٣٨٢ ، الرياض ١ : ٤٣٠.

(٥) جامع المقاصد ٣ : ٢٧٢.

٩٣

المسألة الخامسة : يستحبّ عند إرادة الخروج من مكّة اشتراء درهم تمرا ، والتصدّق به كفّارة لما لعلّه فعله في الإحرام ، أو الحرم.

تدلّ عليه ـ مع فتوى الأصحاب ـ صحيحة حفص وابن عمّار (١) ، والأخرى للأخير (٢) ، ورواية أبي بصير (٣).

المسألة السادسة : يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يعزم على العود إليها ، وأن يسأل الله سبحانه التوفيق للرجوع ، وأن لا يجعل ذلك آخر العهد منه ، اللهم ارزقنا العود إلى بيتك المحرّم بمنّك وكرمك.

ففي رواية ابن سنان : « من رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره » (٤).

وفي رواية إسحاق : إنّي قد وطّنت نفسي على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسي أو برجل من أهل بيتي بمالي ، فقال : « وقد عزمت على ذلك؟ » قال :

قلت : نعم ، قال : « إن فعلت فأيقن بكثرة المال » ، أو قال : « فأبشر بكثرة المال » (٥).

وفي حسنة الأحمسي : « من خرج من مكّة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٢ ـ ٩٦٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٢ أبواب العود إلى منى ب ٢٠ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٩٠ ـ ١٤٣٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٢ أبواب العود إلى منى ب ٢٠ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٣ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٢ أبواب العود إلى منى ب ٢٠ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٢٨١ ـ ٣ ، الوسائل ١١ : ١٥٠ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٥٧ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٢٥٣ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ١٤٠ ـ ٦٠٨ ، ثواب الأعمال : ٤٧ ، الوسائل ١١ : ١٣٣ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٤٦ ح ١ ، بتفاوت.

(٦) الكافي ٤ : ٢٧٠ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ١٥١ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٥٧ ح ٢.

٩٤

المسألة السابعة : ومن المستحبّات أن يصلّي جميع صلواته ما دام بمكّة في المسجد الحرام ، فإنّ فضله ممّا لا يحيط به الكلام ، حتى ورد أنّ صلاة ركعة فيه تقابل مائة ألف ركعة في غيره (١).

ولوقوع الزيادة في المسجد بعد عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحجج عليهم‌السلام فينبغي أن يصلّي قريب الكعبة بحيث يقطع وقوع الصلاة في المسجد الحرام.

قال والدي العلاّمة قدس‌سره في المناسك المكّية ما ترجمته : إنّ القدر المحقّق كونه من المسجد الحرام في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو القدر المدوّر الذي أحاطت به الأسطوانات التي من الحديد ، المنصوبة حول الكعبة ، وتعلّق عليها القناديل في الليالي ، وهي ثلاث وثلاثون أسطوانة ، إحدى وثلاثون منها من الحديد ، واثنتان منها من المرمر.

ثمَّ قال : والظاهر أنّ المربّع المستطيل ـ المفروش بالحجر ، المشتمل على ملتزم وطاق بني شيبة ومقام إبراهيم والمنبرين اللذين أحدهما من الخشب والآخر من المرمر ـ داخل في المسجد وإن كان خارجا من المدوّر المذكور.

المسألة الثامنة : وممّا عدّه بعضهم من المستحبّات : إتيان بعض المواضع المتبركة بمكّة ، كمولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنزل خديجة ، وزيارة قبر خديجة ، والغار الذي بجبل حراء ، الذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ابتداء الوحي يتعبّد به ، والغار الذي بجبل ثور ، استتر فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المشركين (٢).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢٧٠ أبواب أحكام المساجد ب ٥٢ وفيها : أن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة.

(٢) انظر الدروس ١ : ٤٦٨ ، والذخيرة : ٦٩٥.

٩٥

ولمّا بذل والدي العلاّمة ـ شكر الله مساعيه الجميلة ـ جهده الشريف في تحقيق تلك الأماكن بمكّة وبيانها فنذكر هنا ترجمة ما ذكره في ذلك المقام في المناسك المكّية ، قال ـ طيّب الله مضجعه ـ : الحطيم : قدر من حائط البيت ما بين حجر الأسود وباب الكعبة.

والمعجن : موضع قريب من حائط البيت ، منحطّ من الأرض.

ومصلّى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما بين الحجر الأسود والركن اليماني ، قريب من حائط البيت ، يتّصل موضع سجوده بشاذروان ، وعلى موضع السجدة حجر مدوّر من يشم (١) ، وعلى موضع اليدين أيضا علامة.

ومصلّى إبراهيم : ما بين الركن والمعجن ، لكنّه إلى المعجن أقرب ، ونصب على فوقه في شاذروان حجر أبيض مرمر ، نقش عليه بعض الآيات القرآنيّة.

ثمَّ قال قدس‌سره : وفي مكّة أماكن شريفة أخرى في إتيانها فضل كامل :

منها : دار خديجة ، التي هي دار الوحي ومولد سيدة نساء العالمين ، وهي في سوق الصبّاغين ، الذي هو قرب سوق الصفا والمروة ، واقعة في يمين من يمشي من الصفا إلى المروة ، ولها قبّة معروفة ، ويتّصلها مسجد ، يستحبّ إتيانها ، وصلاة التحيّة فيها ، وطلب الحوائج والمسألة.

ومنها : مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو في سوق الليل ، وله قبّة معروفة ، وأصل موضع التولّد شبيه بجوف ترس ، وعليه منارة من الخشب ، يستحبّ إتيانه ، وصلاة التحيّة فيه ، وطلب الحاجة.

ومنها : قبر خديجة ، وهو في مقابر معلاة ، قريب بانتهاء المقابر في‌

__________________

(١) يشم ويرادفها يشب ، يشف ، فارسية معرّبة : حجر يشبه العقيق أو الزبرجد ، ذو ألوان مختلفة ، كالأبيض والرمادي والأخضر الداكنين.

٩٦

سفح الجبل ، وله قبّة معروفة ، أصل القبّة بيضاء وحيطانها صفراء ، وتستحبّ زيارتها.

وكذا زيارة آمنة أمّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقبرها قريب من قبر خديجة في فوقه بقليل ، من يمين من يصعد من مكّة إلى الجبل.

وزيارة أبي طالب عليه‌السلام والد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعبد المطّلب جدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقبرهما فوق قبر خديجة وآمنة ، ويدور عليهما حائط ليس بينه وبين الجبل إلاّ حظيرة اشتهر أنّه مدفن بعض الصوفيّة ، الذي يعتقده أهل السنّة.

وللحظيرة ـ التي دفن فيها أبو طالب وعبد المطّلب ـ باب من يمين من يصعد من جانب قبر خديجة إلى الجبل.

وفي الجانب المقابل للباب من هذه الحظيرة حظيرة اخرى أرفع من تلك الحظيرة ، وفي قبلته محراب ، وفي مقابل الباب قبر أبي طالب وعبد المطّلب.

وهنا قبر آخر متّصل بالحائط في يمين الباب ، بعضهم يقولون : أنّه قبر عبد مناف ، ولكنّه لم يعلم. انتهى كلامه رفع مقامه.

٩٧
٩٨

الباب الثاني

في تفصيل أفعال حجّ الإفراد ، وحجّ القرآن ، والعمرة المفردة ، وشرائطها ، وأحكامها ، من حيث إنّها هي.

وفيه فصلان‌ :

٩٩
١٠٠