مستند الشّيعة - ج ١٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-073-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٣

عليه أن يرجع إلى منى ويأتي بما فات وجوبا ، لمطلقات الإعادة المذكورة ، وخصوص الصحاح ، كصحيحة ابن عمّار الثانية ، وقويّة عمر بن يزيد ، المتقدّمتين في المسألة الاولى.

وصحيحة ابن عمّار الأخرى : رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكّة ، قال : « يرجع فيرميها يفصل بين كلّ رميتين بساعة » ، قلت : فإنّه فاته ذلك وخرج؟ قال : « ليس عليه شي‌ء » (١).

والثالثة : رجل نسي رمي الجمار ، قال : « يرجع فيرميها » ، قلت : فإنّه نسيها حتى أتى مكّة ، قال : « يرجع فيرمي متفرّقا يفصل بين كلّ رميتين بساعة » ، قلت : فإنّه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال : « ليس عليه أن يعيد » (٢).

وغير القويّة من تلك الأخبار وإن كان مطلقا شاملا لصورتي بقاء أيّام التشريق وعدمه ، لكن قيّده غير واحد من الأصحاب ـ منهم : الشيخ والفاضل (٣) ، بل الأكثر كما قيل (٤) ـ بالأول ، بل عليه الإجماع عن الغنية (٥) ، وهو الأظهر ، للقويّة المنجبرة ، التي هي أخصّ مطلقا من البواقي.

ومقتضى القويّة : أنّه لو فاته حتى مضت أيّام التشريق ، أو خرج من مكّة ولم يمكنه الرجوع في هذا العام ، تجب عليه الإعادة في العام القابل إن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٤ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ٢٦١ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٤ ـ ٨٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٧ ـ ١٠٥٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٢ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٣.

(٣) الشيخ في التهذيب ٥ : ٥٢٢ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٧٧٤.

(٤) الرياض ١ : ٤٢٨.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.

٦١

حجّ بنفسه ، وإلاّ يستنيب من يرمي عنه.

وعليه الفتوى ، وفاقا للشيخ في التهذيبين والخلاف والنهاية والحلّي والفاضل في الإرشاد والقواعد والشهيدين في الدروس والمسالك والروضة وابن زهرة في الغنية (١) مدّعيا عليه الإجماع.

للخبر المذكور ، الخالي عن المعارض ، سوى قوله : « ليس عليه شي‌ء » و : « ليس عليه أن يعيد » في الصحيحتين الأخيرتين ، وهما أعمّ مطلقا من القويّة ، لعموم الشي‌ء للقضاء والكفّارة والعقاب والعود في ذلك العام ، وعموم نفي الإعادة له في هذا العام وفي العام القابل بنفسه مع الإمكان وعدمه ، فيجب تخصيصهما بالقويّة.

مضافا إلى احتمال أن يكون مراد السائل من الفائت في الصحيحين : التفريق ، ويؤيّده قوله : « يعيد » في الثانية.

خلافا لظاهر الشرائع وصريح النافع والمدارك والذخيرة وعن التبصرة ، فاستحبّوه (٢).

إمّا لضعف الرواية سندا ، المردود بعدم ضيره أولا ، وبانجباره بما مرّ ثانيا.

أو لضعف الدلالة على الوجوب ، والمردود بصراحة قوله : « عليه » في القويّة فيه.

نعم ، يصحّ ذلك في الاستنابة خاصّة ، ولكنّه يتمّ بالإجماع المركّب‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٥٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٧ ، الخلاف ٢ : ٣٥٢ ، النهاية : ٢٦٧ ، الحلّي في السرائر ١ : ٦٠٩ ، الإرشاد ١ : ٣٣٦ ، القواعد : ٩٠ ، الدروس ١ : ٤٣٤ ، المسالك : ١٢٦ ، الروضة ٢ : ٣٢٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

(٢) الشرائع ١ : ٢٧٦ ، النافع : ٩٧ ، المدارك ٨ : ٢٣٨ ، الذخيرة : ٦٩١ ، التبصرة : ٧٦.

٦٢

أيضا.

ولا يخفى أنّ الأخبار المذكورة في المسألتين وإن اختصّت بالناسي أو الجاهل ـ كأكثر الفتاوى ـ إلاّ أنّ ظاهرهم كون العامد والتارك اضطرارا أيضا كذلك ، بل صرّح به في المدارك (١) وغيره (٢) ، ويمكن استفادته من بعض الإطلاقات ، ولا ريب أنّه أحوط ، ولا يختلّ بذلك إحلال حتى العامد.

وأمّا رواية ابن جبلة المتقدّمة في المسألة الأولى فشاذّة جدّا ، ولذا حملوها على محامل غير ظاهرة.

المسألة التاسعة : ما مرّ كان حكم ترك رمي الجمار كلاّ ، وكذا ترك رمي جمار يوم ، بل رمي جمرة من جمار الكلّ ، أو جمار يوم ، بل ورمي حصاة فصاعدا من الحصيّات ، عمدا أو سهوا أو جهلا ، ولعلّه إجماعي ، ولا يبعد استفادته من بعض الإطلاقات المتقدّمة والآتية.

وكيف كان ، فالقضاء أحوط إن لم يكن مفتى به.

والكلام في قضاء المتأخّرة كما مرّ في المسألة السابعة.

المسألة العاشرة : قال في المدارك : لو فاتته جمرة وجهل تعيينها ، أعاد على الثلاث مرتّبا ، لإمكان كونها الاولى فتبطل الأخيرتان.

وكذا لو فاتته أربع حصيات من جمرة وجهلها.

ولو فاته دون الأربع كرّره على الثلاث ، ولا يجب الترتيب هنا ، لأنّ الفائت من واحدة [ ووجوب الباقي من باب المقدّمة كوجوب ثلاث فرائض‌

__________________

(١) المدارك ٨ : ٢٣٨.

(٢) كالحدائق ١٧ : ٣١٦ ، والرياض ١ : ٤٢٩.

٦٣

عن واحدة ] (١) مشتبهة من الخمس.

ولو فاتته من كلّ جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث ، وجب الترتيب ، لتعدّد الفائت بالأصالة.

ولو فاتته ثلاث وشكّ في كونها من واحدة أو أكثر ، رماها عن كلّ واحدة مرتّبا ، لجواز التعدّد.

ولو كان الفائت أربعا ، استأنف (٢). انتهى.

ولا بأس به ، وإن كان للتأمّل في بعض ما ذكره مجال.

وتدلّ على بعضها صحيحة ابن عمّار : في رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة ، فرمى بها فزادت واحدة ، فلم يدر من أيّتهنّ نقصت ، قال : « فليرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة ، وإن سقطت من رجل حصاة فلم يدر أيّتهنّ هي ـ قال : ـ يأخذ من تحت قدميه حصاة فيرمي بها » (٣).

المسألة الحادية عشرة : يجوز الرمي عن المعذور الذي لا يمكنه الرمي ـ كالمريض ـ وعن الصبي غير المميّز ، وعن المغمى عليه ، بلا خلاف فيه يعرف.

للصحاح وغيرها المستفيضة ، كصحيحتي حريز (٤) ، والصحاح‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) المدارك ٨ : ٢٣٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٣ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ ـ ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ ـ ٩٠٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٨ أبواب العود إلى منى ب ٧ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٤) الاولى : في التهذيب ٥ : ١٢٣ ـ ٤٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٥ ـ ٧٧٦ ، الوسائل ١٤ : ٧٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٩.

الثانية في : التهذيب ٥ : ١٢٣ ـ ٤٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٥ ـ ٧٧٨ ، الوسائل ١٤ : ٧٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ١٠.

٦٤

الخمس لابن عمّار (١) ، ومرسلة الفقيه (٢) ، المتقدّمة جميعا في الطواف عن المعذور.

وصحيحة ابن عمّار والبجلي : « الكسير والمبطون يرمى عنهما » ، قال : « والصبيان يرمى عنهم » (٣).

ورفاعة : عن رجل أغمي عليه : فقال : « ترمى عنه الجمار » (٤).

وموثّقة إسحاق : عن المريض ترمى عنه الجمار؟ قال : « نعم ، يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه » (٥).

والأخرى وهي كالأولى ، وزاد فيها : قلت : فإنّه لا يطيق ذلك ، قال : « يترك في منزله ويرمى عنه » (٦).

ورواية اليعقوبي : عن المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار ، قال : « يرمى عنه » (٧).

__________________

(١) الاولى في : التهذيب ٥ : ٣٩٨ ـ ١٣٨٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٠ أبواب الطواف ب ٤٧ ح ٤.

الثانية في : الكافي ٤ : ٤٢٢ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٩١ أبواب الطواف ب ٤٧ ح ٩.

الثالثة في : التهذيب ٥ : ١٢٥ ـ ٤٠٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٤ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ٦.

الرابعة في : الفقيه ٢ : ٢٥٢ ـ ١٢١٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٤ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ٧.

الخامسة في : الفقيه ٢ : ٢٥٢ ـ ١٢١٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٤ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ٨.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٢ ـ ١٢٢٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٣ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٦ ـ ١٤٠٤ ، الوسائل ١٤ : ٧٤ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٨ ـ ٩١٦ ، الوسائل ١٤ : ٧٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٤٨٥ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦٨ ـ ١٥. ، الوسائل ١٤ : ٧٥ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٤.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٨٦ ـ ١٤٠٥ ، التهذيب ٥ : ٢٦٨ ـ ٩١٥ ، الوسائل ١٤ : ٧٥ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٨ ـ ٩١٧ ، الوسائل ١٤ : ٧٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٦.

٦٥

فروع :

أ : الظاهر من تعبير الأصحاب بالجواز عدم وجوب ذلك على أحد أصالة ، وهو كذلك ، للأصل ، وعدم دلالة الأخبار على الزائد على الجواز.

نعم ، يجب عليه لو أجّره لذلك.

وهل تجب على المعذور الشاعر الاستنابة في ذلك؟

لا دليل عليه ، بل يقضي ، لجواز أن يقضيه بنفسه بعد زوال العذر ، كما مرّ.

نعم ، لو يئس من زواله تجب عليه الاستنابة.

ب : هل يجب حمل المعذور ـ مع الإمكان (١) ـ إلى الجمار ، ثمَّ يرمى عنه ، أو يستحبّ؟

ظاهر الأصحاب : الثاني ، وهو كذلك ، لعدم ثبوت الأزيد منه من الأخبار المتضمّنة له.

ج : هل يشترط إذن المرميّ عنه لو عقله ، أم لا؟

عن المبسوط : نعم (٢).

وعن التحرير والمنتهى : لا (٣) ، ( وهو الأظهر ) (٤) ، للأصل ، والإطلاق.

د : قالوا : لو رمي عن المعذور فزال عذره والوقت باق لم يجب عليه فعله ، لسقوطه بفعل النائب ، لأنّ الامتثال يقتضي الإجزاء.

__________________

(١) في « ح » زيادة : ثمَّ المشي.

(٢) المبسوط ١ : ٣٨٠.

(٣) التحرير ١ : ١١٠ ، المنتهى ٢ : ٧٧٤.

(٤) ما بين القوسين ليس في « س ».

٦٦

وفي الدليل نظر ، لأنّه يقتضي الإجزاء عن الفاعل فيما أمر به لا عن غيره.

ويمكن الاستدلال بأنّ المتبادر المنساق إلى الذهن من الأخبار أنّه بدل فعله ، فلو وجب عليه أيضا لزم جمع البدل والمبدل عنه.

وفيه أيضا تأمّل ، وفعله مع الإمكان أحوط.

المسألة الثانية عشرة : يستحبّ في رمي كلّ من الجمرات الثلاث : الدعاء بالمأثور في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في رمي جمرة العقبة (١).

لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المسألة الأولى (٢) ، المصرّحة بقوله : « قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة ».

وفي رمي غير جمرة العقبة : رميها عن يسارها ـ الذي هو يمين الرامي ـ مستقبل القبلة ، والوقوف عندها بعد الفراغ ، وحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على النبيّ وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والدعاء ، والمسألة أن يتقبّل منك.

وفي جمرة العقبة : رميها عن يمينها ، مستدبر القبلة ، غير واقف عندها بعد الفراغ.

وتدلّ على الحكم الأول في الجمرتين : صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المسألة الاولى.

وصحيحة إسماعيل بن همام : « ترمي الجمار من بطن الوادي ، وتجعل كلّ جمرة عن يمينك ، ثمَّ تنفتل في الشقّ الآخر إذا رميت جمرة العقبة » (٣).

وعلى الحكم الثاني فيهما : صحيحة ابن عمّار أيضا ، وكذا على الحكم‌

__________________

(١) راجع ج ١٢ : ٢٧٩.

(٢) في ص ٤٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٢ ـ ٧ ، الوسائل ١٤ : ٦٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٠ ح ٥.

٦٧

الثالث فيهما.

وكذا تدلّ على الوقوف عندهما ـ مضافة إلى الصحيحة ـ رواية البزنطي (١) ، وصحيحة يعقوب بن شعيب : « قم عند الجمرتين ، ولا تقم عند جمرة العقبة » ، قلت : هذا من السنّة؟ قال : « نعم » ، قلت : ما أقول إذا رميت؟ قال : « كبّر مع كلّ حصاة » (٢).

وتدلّ على الحكم الأول في جمرة العقبة : صحيحة إسماعيل ، وبها تخصّ سائر الأخبار الدالّة على الرمي عن يسار الجمرة مطلقا (٣).

وعلى الثاني فيها : الشهرة ، وفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما ذكرهما في المنتهى (٤) وغيره (٥).

وعلى الثالث فيها : صحيحتا ابن عمّار وابن شعيب ، ورواية البزنطي المتقدّمة ، وغيرها.

ثمَّ سائر أحكام رمي الجمرات وكيفيّاتها الواجبة والمستحبّة كما مرّت في رمي جمرة العقبة.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ ـ ٦٥٦ ، قرب الإسناد : ٣٥٩ ـ ١٢٨٤ ، الوسائل ١٤ : ٦٥ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٠ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ ـ ٨٨٩ ، قرب الوسائل ١٤ : ٦٤ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٠ ح ١ ، وأورد ذيلها في ص ٦٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ٦٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٧٣.

(٥) كالتذكرة ١ : ٣٧٧ ، والذخيرة : ٦٦٣.

٦٨

البحث الثالث

في سائر ما ينبغي أن يفعل في منى‌ في هذه الأيّام والنفر منها.

وفيها مسائل :

المسألة الأولى : تستحبّ الإقامة بمنى أيّام التشريق ـ أي بياض النهار ـ زائدا على القدر الواجب للرمي.

لرواية ليث : يأتي الرجل مكّة أيّام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوّعا ، فقال : « المقام بمنى أفضل وأحبّ إليّ » (١).

وصحيحة العيص : عن الزيارة بعد زيارة الحجّ أيّام التشريق ، فقال : « لا » (٢).

ولا تجب ، للأصل ، وصحيحة جميل : « لا بأس أن يأتي الرجل مكّة فيطوف بها في أيّام منى ، ولا يبيت بها » (٣).

ويعقوب : عن زيارة البيت أيّام التشريق ، فقال : « حسن » (٤).

وموثّقة إسحاق : رجل زار فقضى طواف حجّة كلّه ، أيطوف بالبيت‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٥ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ ـ ١٤١٣ ، التهذيب ٥ : ٤٩٠ ـ ١٧٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٥ ـ ١٠٥٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٠ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ٥ بتفاوت.

(٢) الكافي ٤ : ٥١٥ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٩٠ ـ ١٧٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٥ ـ ١٠٥٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٠ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٧ ـ ١٤١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٩٠ ـ ١٧٥٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٥ ـ ١٠٥٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٩ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٠ ـ ٨٨٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٩ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ٣.

٦٩

أحبّ إليك ، أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال : « أيّ ذلك شاء فعل ما لم يبت » (١).

المسألة الثانية : يستحبّ للناسك ما دام بمنى أن يصلّي في مسجد الخيف ، وأفضله ما كان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمانه ، فإنّه قد زيد عليه بعده.

ففي صحيحة ابن عمّار : « صلّ في مسجد الخيف ، وهو مسجد منى ، وكان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد ، وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا ، وعن يمينها وعن يسارها وخلفها نحوا من ذلك » ، قال : « فتحرّ ذلك ، فإن استطعت أن يكون مصلاّك فيه فافعل ، فإنّه قد صلّى فيه ألف نبيّ » (٢).

ويستحبّ أن يفعل فيه أيضا ما في صحيحة الثمالي : « من صلّى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما ، ومن سبّح الله فيه مائة تسبيحة كتب الله له كأجر عتق رقبة ، ومن هلّل الله فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة ، ومن حمد الله فيه مائة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدّق به في سبيل الله عزّ وجلّ » (٣).

ويستحبّ أيضا صلاة ستّ ركعات في مسجد منى.

لرواية أبي بصير : « صلّ ستّ ركعات في مسجد منى في أصل‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٩٠ ـ ١٧٥٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٠ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٥١٩ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ ـ ٩٣٩ ، الوسائل ٥ : ٢٦٨ أبواب أحكام المساجد ب ٥٠ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٩ ـ ٦٩٠ ، الوسائل ٥ : ٢٦٩ أبواب أحكام المساجد ب ٥١ ح ١.

والعراقان : الكوفة والبصرة.

٧٠

الصومعة » (١).

وذكر بعضهم استحباب هذه الستّ أمام العود إلى مكّة (٢) ، والرواية مطلقة ، فالأولى الإطلاق كما في السرائر (٣).

ولو قيّدت المائة ركعة المتقدّمة بذلك لكان له وجه ، لقوله عليه‌السلام : « قبل أن يخرج منه ».

المسألة الثالثة : يستحبّ التكبير أيّام التشريق بعد الصلوات على الأظهر الأشهر ، وقال جماعة بوجوبه (٤) ، وقد مرّ في بحث صلاة العيدين تحقيق ذلك وكيفيّة التكبير.

ويستحبّ عقيب خمس عشرة صلوات مفروضة ـ أولها صلاة الظهر يوم النحر ـ لمن لم يتعجّل في النفر الأول ، وعقيب عشر صلوات ـ مبدؤها ما ذكر ـ لمن تعجّل ، كما صرّح في المستفيضة :

ففي صحيحة محمّد : عن قول الله عزّ وجلّ ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (٥) ، قال : « التكبير في أيّام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار ، من أقام بمنى فصلّى بها الظهر والعصر فليكبّر » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٩ ـ ٦ وفيه : عن علي بن أبي حمزة ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٠ أبواب أحكام المساجد ب ٥١ ح ٢.

(٢) انظر القواعد : ٩١ ، المسالك ١ : ١٢٧ ، الحدائق ١٧ : ٣٣٥ ، كشف اللثام ١ : ٣٨٠.

(٣) السرائر ١ : ٦١٣.

(٤) كما في المبسوط ١ : ٣٨٠ ، التنقيح ١ : ٥١٩.

(٥) البقرة : ٢٠٣.

(٦) الكافي ٤ : ٥١٦ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٣٩ ـ ٣١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٩ ـ ١٠٦٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٧١ أبواب العود إلى منى ب ٨ ح ٤ بتفاوت.

٧١

وابن عمّار : « التكبير أيّام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من آخر أيّام التشريق إن أنت أقمت بمنى ، وإن أنت خرجت فليس عليك التكبير » (١).

ورفاعة : عن الرجل يتعجّل في يومين من منى ، أيقطع التكبير؟ قال : « نعم ، بعد صلاة الغداة » (٢).

المسألة الرابعة : يتخيّر الحاجّ بين أن ينفر من منى بعد الرمي في النفر الأول ، وهو الثاني عشر من ذي الحجّة ، وأن يؤخّر إلى النفر الثاني ، وهو الثالث عشر منه ، في الجملة ، إجماعا محقّقا ومحكيا (٣) ، كتابا ، وسنّة.

قال الله سبحانه ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٤) ، فسّره في الأخبار بالنفرين ، كما يأتي.

وفي صحيحة جميل : « لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول ثمَّ يقيم بمكّة » (٥).

إلى غير ذلك من الأخبار (٦) ، ويأتي ما يدلّ عليه.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٦٩ ـ ٩٢٢ وفي الكافي ٤ : ٥١٧ ـ ٤ والوسائل ٧ : ٤٥٩ أبواب صلاة العيد ب ٢١ ح ٤ : إلى صلاة العصر.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٨٧ ـ ١٧٣٨ ، الوسائل ٧ : ٤٦١ أبواب صلاة العيد ب ٢١ ح ٩.

(٣) كما في المنتهى ٢ : ٧٧٥ ، المفاتيح ١ : ٣٨٠ ، الرياض ١ : ٤٢٩.

(٤) البقرة : ٢٠٣.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢١ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨٩ ـ ١٤٢٥ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ ـ ٩٣٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٤ أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ١.

(٦) كما في الوسائل ١٤ : ٢٧٤ أبواب العود إلى منى ب ٩.

٧٢

خلافا للمحكيّ عن الحلبي ، فلم يجوّز النفر الأول إلاّ للضرورة (١) ، ولا مستند له.

ولكن يشترط جواز النفر في الأول بشرطين :

الشرط الأول : أن يكون ممّن اتّقى في حال إحرامه من الصيد والنساء خاصّة ، فمن لم يتّق أحدهما فيه لم يجز له أن ينفر في الأول على الحقّ المشهور ، بل لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب ، كما في الذخيرة (٢) ، بل كاد أن يكون إجماعا ، كما في المفاتيح وشرحه (٣) ، بل هو مجمع عليه ، كما في المدارك وعن المنتهى (٤) وجمع آخر (٥).

لمرسلة الفقيه (٦) ، المتقدّمة في مسألة وقت رمي الجمار.

ورواية حمّاد بن عثمان : في قول الله عزّ وجلّ ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ، « لمن اتّقى الصيد ـ يعني : في إحرامه ـ فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول » (٧).

والأخرى : « إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول ، ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس » (٨).

ورواية محمّد بن المستنير : « من أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٩٨.

(٢) الذخيرة : ٦٨٧.

(٣) المفاتيح ١ : ٣٨٠.

(٤) المدارك ٨ : ٢٤٤ ، المنتهى ٢ : ٧٧٤.

(٥) كالتذكرة ١ : ٣٩٤ ، والرياض ١٤ : ٤٢٩.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٨٩ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ١٤ : ٦٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣ ح ١.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٧٣ ـ ٩٣٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٩ أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٢.

(٨) التهذيب ٥ : ٤٩٠ ـ ١٧٥٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٩ أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٣.

٧٣

ينفر في النفر الأول » (١).

ومفهوم الأخيرة وإن دلّ بعمومه على جواز النفر لمن لم يأت النساء وإن أصاب الصيد ، ولكنّه يخصّ بمنطوق الروايات الاولى ، ولا يمكن العكس ، للإجماع. وكذا الكلام في مفهوم الاولى ومنطوق الأخيرة.

مع أنّه يمكن القول بعدم التعارض بين المفهومين والمنطوقين ، إذ ليس مقتضى المفهوم إلاّ كون النفر له ، وهو يتحقّق بكونه له في بعض الصوم ، فتأمّل.

خلافا لمن اشترط اتّقاء الصيد إلى انقضاء النفر الأخير ، حكي عن ظاهر الطبرسي (٢).

لرواية حمّاد الثانية المتقدّمة.

ورواية ابن عمّار : من نفر في النفر الأول متى يحلّ له الصيد؟ قال : « إذا زالت الشمس من اليوم الثالث » (٣).

ولا دلالة لهما على مدّعاه ، بل يستفاد منهما استحباب الاتّقاء من الصيد لمن نفر في الأول إلى النفر الأخير.

كما تدلّ عليه أيضا صحيحة أخرى لابن عمّار : في قول الله عزّ وجلّ : ( فَمَنْ تَعَجَّلَ ) إلى آخره ، فقال : « يتّقي الصيد حتّى ينفر أهل منى في النفر الأخير » (٤).

والأخرى : « ينبغي لمن تعجّل في يومين أن يمسك عن الصيد حتى‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٢ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ ـ ٩٣٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٩ أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ١.

(٢) انظر مجمع البيان ١ : ٢٩٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٩١ ـ ١٧٥٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٠ أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٨ ـ ١٤١٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٠ أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٦.

٧٤

ينقضي اليوم الثالث » (١).

ولمن اشترط في جوازه الاتّقاء عمّا يوجب الكفّارة مطلقا ، وهو الحلّي ، ذكره في باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ورمي الجمار من السرائر ، قال : وذلك أنّ من عليه كفّارة لا يجوز له أن ينفر في النفر الأخير بغير خلاف.

إلاّ أنّ كلامه في الباب الذي بعده ـ وهو باب النفر من منى ـ يوافق المشهور ظاهرا ، قال : فإن كان ممّن أصاب النساء في إحرامه أو صيدا لم يجز له أن ينفر في النفر الأول ، ويجب عليه المقام إلى النفر الأخير (٢).

ولمن اشتراط فيه اتّقاء كلّ ما حرم عليه بإحرامه ، وهو محكيّ عن ابن سعيد (٣).

ولا دليل للقولين إلاّ نفي الخلاف في السرائر لأولهما.

وظاهر الآية ، ورواية سلام بن المستنير ، أنّه قال : « لمن اتّقى الرفث والفسوق والجدال وما حرّم الله تعالى عليه في إحرامه » (٤) لثانيهما.

والأول : ليس بحجّة.

والثاني : مجمل ، لعدم معلومية متعلّق الاتّقاء ، فيمكن أن يكون نفي الإثم عن المتقدّم والمتأخّر وغفران الذنوب ، لا مورد الاتّقاء ، مع أنّه قد وردت في تفسيره معان متعدّدة في الأخبار (٥).

ومنه يظهر عدم دلالة الثالث أيضا.

__________________

(١) الفقيه ٥ : ٢٨٩ ـ ١٤٢٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٠ أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٥.

(٢) السرائر ١ : ٦٠٥ وفيه : .. في النفر الأول ، ٦١٢.

(٣) الجامع للشرائع : ٢١٨.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٨ ـ ١٤١٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٠ أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٧.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٧٩ أبواب العود إلى منى ب ١١.

٧٥

الشرط الثاني : أن لا تغرب الشمس عليه يوم الثاني عشر في منى ، فلو غربت الشمس عليه وهو بمنى لم يجز له النفر ، بل وجب عليه المبيت بها ليلة الثالث عشر ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا مستفيضا (١) ، له.

ولصحيحة ابن عمّار : « إذا نفرت في النفر الأول ، فإن شئت أن تقيم بمكّة وتبيت بها فلا بأس بذلك » ، قال : وقال : « إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى ، وليس لك أن تخرج منها حتى تصبح » (٢).

ورواية أبي بصير : عن الرجل ينفر في النفر الأول ، قال : « له أن ينفر ما بينه وبين أن تصفر الشمس ، فإن هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها فلا ينفر ، وليبت بمنى حتى إذا أصبح وطلعت الشمس فلينفر متى شاء » (٣).

وصحيحة الحلبي : « فمن تعجّل في يومين فلا ينفر حتّى تزول الشمس ، فإن أدركه المساء بات ولم ينفر » (٤).

ولو ارتحل وغربت الشمس قبل تجاوز حدود منى يجب المبيت بها ، لصدق الغروب عليه بمنى.

وقيل بعدم الوجوب ، لمشقّة الحطّ (٥). هو ضعيف غايته.

__________________

(١) كما في المنتهى ٢ : ٧٧٦.

(٢) الكافي ٤ : ٥٢١ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٧٢ ـ ٩٣٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٧ أبواب العود إلى منى ب ١٠ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٨ ـ ١٤٢١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٢ ـ ٩٣١ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٨ أبواب العود إلى منى ب ١٠ ح ٤ وفيه : وبين أن تسفر الشمس.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢٠ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧٢ ـ ٩٢٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٧ أبواب العود إلى منى ب ١٠ ح ١.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٧٦.

٧٦

فروع :

أ : من نفر في الأول لم يجز له النفر قبل الزوال ، بل يجب أن يكون بعده قبل الغروب على الأشهر.

قيل : للمستفيضة من الصحاح وغيرها (١) ، كصحيحة الحلبي المتقدّمة.

وصحيحة ابن عمّار : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس ، وإن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق ـ وهو يوم النفر الأخير ـ فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده » (٢).

والخزّاز ، وفيها : « أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس ، وكانت ليلة النفر ، وأمّا اليوم الثالث فإذا ابيضّت الشمس فانفر على بركة الله ، فإنّ الله جلّ ثناؤه يقول ( فَمَنْ تَعَجَّلَ ) » إلى آخره (٣).

وصحيحة الحلبي : عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس ، قال : « لا ، ولكن يخرج ثقله إن شاء ، ولا يخرج حتى تزول الشمس » (٤).

خلافا للمحكيّ عن التذكرة ، فقرّب استحباب التأخير إلى الزوال (٥).

__________________

(١) الرياض ١ : ٤٢٩.

(٢) الكافي ٤ : ٥٢٠ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ ـ ١٤١٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ ـ ٩٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ ـ ١٠٧٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٤ أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ ـ ٩٢٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ ـ ١٠٧٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٥ أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٨ ـ ١٤٢٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٦ أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ٦.

(٥) التذكرة ١ : ٣٩٤.

٧٧

قيل (١) : ويمكن حمل كثير من العبارات عليه ، إذ الواجب في منى هو الرمي والبيتوتة ، والإقامة في اليوم مستحبّة كما مرّ ، ولعموم رواية أبي بصير المتقدّمة ، وخصوص رواية زرارة : « لا بأس أن ينفر الرجل في [ النفر ] الأول قبل الزوال » (٢).

وهو قويّ جدا ، لأنّ غير صحيحة ابن عمّار من المستفيضة المتقدّمة لا يثبت سوى الاستحباب ، وأمّا هي وإن كانت ظاهرة في الوجوب إلاّ أنّ الروايتين قرينتان على إرادة التجوّز منها.

وكيف كان ، يجوز له تقديم رحله قبل الزوال ، للأصل ، وصحيحة الحلبي.

ب : من نفر في الأخير يجوز له السفر قبل الزوال وبعده ، بلا خلاف ، كما عن المنتهى (٣) ، بل بالإجماع ، كما عن الغنية والتذكرة (٤) ، وقد مضى ما يدلّ عليه ، وإطلاقه يعمّ الإمام وغيره.

وعن النهاية والمبسوط والمهذّب والسرائر والغنية والإصباح : اختصاصه بغير الإمام ، وقالوا : عليه أن يصلّي الظهر بمكّة (٥).

وعن المنتهى والتذكرة : استحباب ذلك له (٦).

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٨٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٢ ـ ٩٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٠١ ـ ١٠٧٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٧ أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ١١ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٧٧ ، نقله عنه في كشف اللثام ١ : ٣٨٠.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١ ، التذكرة ١ : ٣٩٤.

(٥) النهاية : ٢٦٩ ، المبسوط ١ : ٣٨٠ ، المهذّب ١ : ٢٦٣ ، السرائر ١ : ٦١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١ الإصباح : ١٦٠.

(٦) المنتهى ٢ : ٧٧٧ ، التذكرة ١ : ٣٩٤.

٧٨

ولا بأس به ، لصحيحة الحلبي (١) ، ومضمرة النخعي (٢) ، بل ربّما يفهم من الأخيرة رجحانه لغير الإمام أيضا.

ج : قال في المدارك : قد نصّ الأصحاب على أنّ الاتّقاء معتبر في إحرام الحجّ ، وقوّى الشارح اعتباره في عمرة التمتّع أيضا ، لارتباطها بالحجّ ودخولها فيه ، والمسألة قويّة الإشكال (٣). انتهى.

أقول : ظاهر إطلاق أخبار الاتّقاء يقوّي ما قواه شيخنا الشهيد الثاني (٤) ، فهو الأقوى.

د : قال فيه أيضا : المراد بعدم اتّقاء الصيد في حال الإحرام : قتله ، وبعدم اتّقاء النساء : جماعهن ، وفي إلحاق باقي المحرّمات المتعلّقة بالصيد والنساء بهما ـ كأكل الصيد ولمس النساء بشهوة ـ وجهان (٥).

أقول : الظاهر من إصابة الصيد المذكور في الأخبار هو : القتل والأخذ ، فيختصّ بهما ، كما ذكره بعضهم (٦) ، ومن إتيان النساء المذكور فيها هو : الجماع ، فيختصّ به. ولو لا الظهور فلا أقلّ من الاحتمال ، فيدفع غير ما ذكر بالأصل.

هـ : قال في المنتهى : قد بيّنا أنّه يجوز أن ينفر في الأول ، فحينئذ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٠ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٨١ أبواب العود إلى منى ب ١٢ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٥٢١ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ ـ ٩٣٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٢ أبواب العود إلى منى ب ١٢ ح ٢.

(٣) المدارك ٨ : ٢٤٨.

(٤) المسالك ١ : ١٢٦.

(٥) المدارك ٨ : ٢٤٨.

(٦) انظر الرياض ١ : ٤٢٩.

٧٩

يسقط عنه رمي الجمار في اليوم الثالث من أيّام التشريق بلا خلاف.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يستحبّ له أن يدفن الحصاة المختصّة بذلك اليوم بمنى ، وأنكره الشافعي وقال : إنّه لا يعرف به أثرا ، بل ينبغي أن تطرح أو تدفع إلى من [ لم ] (١) يتعجّل (٢). انتهى.

أقول : وحكي عن الإسكافي : أنّه يرمي حصى اليوم الثالث عشر في اليوم الثاني عشر بعد رمي يومه (٣).

ثمَّ أقول : دليل السقوط : أنّ بعد ثبوت جواز النفر الأول فلا يخلو إمّا أن يجب رمي الثالث عشر في الثاني عشر ، أو تجب الاستنابة له في الثالث عشر ، أو العود فيه.

والثالث خلاف الإجماع المقطوع ، والأولان خلاف الأصل ، فلم يبق إلاّ السقوط ، بل في الأولين أيضا سقوط هذا الواجب عنه ، وهما أمران آخران منفيّان بالأصل.

وأمّا دفن الحصاة فلا دليل عليه ، ولكن يمكن إثباته بفتوى الفاضل والشهيد في الدروس (٤) ، لأنّ المقام مقام المسامحة.

و : قد بيّنا في بحث البيتوتة وجوب بيتوتة ليلتين مطلقا ، وبيتوتة ليلة الثالث عشر في بعض الصور ، وقد علم ممّا ذكرنا في مسألة النفر أنّ بيتوتة الثالث عشر إنّما هي إذا بقي في منى حتى غربت الشمس من هذه الليلة ، أو لم يتّق الصيد والنساء في إحرامه.

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٧٧.

(٣) حكاه عنه في الدروس ١ : ٤٣٥.

(٤) الفاضل في التذكرة ١ : ٣٩٤ ، الدروس ١ : ٤٣٥.

٨٠