مستند الشّيعة - ج ١٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-073-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٣

ولا ينافي قوله : « إنّي لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء » ما ذكرنا من الأصل المتقدّم ، لأنّ مبناه على قصد الإمناء الذي هو الاستمناء ، وهذا يدلّ على أنّ خروج الماء من حيث هو ليس شيئا بإزائه.

وهل ذلك التفصيل جار في النظر إلى الأهل مع الإمناء ، أم لا؟

الظاهر هو : الثاني ، لاختصاص الموثّقة بغير الأهل.

ولا يلزم أغلظيّة النظر إلى الأهل عن النظر إلى غيرها ، لأنّ الحكم حكم النظر إلى الغير مع الإمناء ، سواء كان بشهوة أو غير شهوة ، طلب خروج المني أو لم يطلب ، ويحتمل اجتماع الحكمين مع النظر بالشهوة إلى الغير والإنزال.

المسألة الثانية عشرة : لا كفّارة في غير ما ذكر من الاستمتاعات ، للأصل.

ولا في الإمناء بسماع كلام الأجنبيّة مطلقا ، ولا في حال جماعها ، ولا في توصيف الأجنبيّة له.

لرواية أبي بصير (١) ، ومرسلة البزنطي (٢) ، وروايتي سماعة (٣).

إلاّ إذا قصد بأحد هذه الأحوال الإمناء وأمنى ، فيحتمل وجوب البدنة كما ذكره بعض الأصحاب ، للأصل المذكور.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٧ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ ـ ١١٢٥ ، الوسائل ١٣ : ١٤٢ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٢٠ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٧ ـ ١١ ، الوسائل ١٣ : ١٤١ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الاولى في : التهذيب ٥ : ٣٢٨ ـ ١١٢٦ ، الوسائل ١٣ : ١٤٢ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٢٠ ح ٤.

الثانية في : الكافي ٤ : ٣٧٧ ـ ١٢ ، الوسائل ١٣ : ١٤١ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٢٠ ح ١.

٢٦١

المسألة الثالثة عشرة : من جامع في إحرام العمرة قبل السعي : فإن كانت عمرة مفردة فسدت عمرته وعليه بدنة وقضاء العمرة ، بلا خلاف يوجد فيها ، بل بالإجماع.

لصحيحة أحمد بن أبي عليّ : في الرجل اعتمر عمرة مفردة فوطئ أهله وهو محرم قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه ، قال : « عليه بدنة ، لفساد عمرته ، وعليه أن يقيم بمكّة حتى يدخل شهر آخر ، فيخرج إلى بعض المواقيت ، فيحرم منه ثمَّ يعتمر » (١).

وبمضمونها حسنة مسمع ، إلاّ أنّ فيها : « فيطوف بالبيت ثمَّ يغشى أهله قبل أن يسعى » (٢).

والمآل واحد ، لأنّ قبل الفراغ من الطواف والسعي ـ كما في الصحيحة ـ يشمل ما بعد الطواف قبل السعي أيضا ، فتوهّم اختصاصها بما قبل الطواف والسعي معا ـ كما قيل ـ غير جيّد.

وأمّا العمرة المتمتّع بها ، فظاهر الأكثر أنّها كالمفردة ، بل صرّح بعضهم بعدم الخلاف فيه (٣).

وظاهر التهذيب ـ كما قيل (٤) ـ تخصيص الحكم بالمفردة.

ودليل التعميم : عدم الخلاف ، وتساوي العمرتين في الأركان ، وحرمتهن.

ودليل التخصيص : اختصاص المنصوص بالمفردة.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٨ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ١٢٩ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٨ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٧٥ ـ ١٣٤٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ ـ ١١١١ ، الوسائل ١٣ : ١٢٨ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٢ ح ٢.

(٣) انظر الرياض ١ : ٤٧٠.

(٤) المدارك ٨ : ٤٢٢ ، وانظر التهذيب ٥ : ٣٢٣.

٢٦٢

أقول : يمكن الاستدلال للأول بإطلاق كثير من الأخبار المتضمّنة لقضاء الحجّ والتفريق إذا وقع المحرم على أهله ، فإنّها تشمل إحرام الحجّ وإحرام عمرة التمتّع مع اتّساع الوقت لإنشاء عمرة أخرى أو ضيقه ، خرجت صورة الاتّساع بالإجماع ، فبقي الباقي ، ومنه ما وقع في إحرام العمرة مع ضيق الوقت ، ولا وجه لقضاء الحج حينئذ إلاّ فساد العمرة ، وحينئذ فالتعميم أقوى ، لذلك.

ومنه يظهر وجه وجوب التفريق أيضا كما ذكره الفاضل في القواعد والشهيدان (١) ، ووجه وجوب قضاء الحجّ مع عدم إمكان إنشاء العمرة ، وكذا يدلّ على أنّه يجب التفريق في إحرام العمرة بعض الأخبار المطلقة المتضمّنة لتفريق المحرم المجامع كما مرّ.

وهل يجب إتمام العمرة الفاسدة؟

الظاهر : لا ، للأصل.

والمحصّل ممّا ذكر : فساد العمرة بالجماع قبل السعي ، فإن كانت مفردة يتركها ويقضيها ، وإن كانت متمتّعا بها ينشئها مع اتّساع الوقت ويتمّ الحجّ ، وعليه البدنة ، لإطلاقات وجوبها على المحرم المجامع أو الذي استمنى ، ومع ضيق الوقت يقضيها مع الحجّ من قابل ، وعليه البدنة ، ويجب التفريق على الوجه المتقدّم.

ويمكن الاستدلال على فساد عمرة التمتّع بالجماع بإطلاق صحيحة ضريس : عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت ولم يكن هو أحرم ، فغشيها بعد ما أحرمت ، قال : « يأمرها فتغتسل ، ثمَّ تحرم ولا شي‌ء‌

__________________

(١) حكاه عنهم في الرياض ١ : ٤٧٠ ، وانظر القواعد ١ : ٩٩ ، الدروس ١ : ٣٣٨ ، المسالك ١ : ١٤٥.

٢٦٣

عليه » (١).

ورواية وهب بن عبد ربّه : في رجل كانت معه أمّ ولد ، فأحرمت قبل سيّدها ، إله أن ينقض إحرامها ويطأها قبل أن يحرم؟ قال : « نعم » (٢).

دلّتا على انتقاض إحرام الجارية ، بالمجامعة معها ، فالرجل أيضا كذلك بالإجماع المركّب.

ومنه يظهر وجه آخر لفساد الحجّ مع الضيق ، لدوران الأمر بين العدول إلى الإفراد ، أو التمتّع بالحجّ بالعمرة الفاسدة ، أو وجوب القضاء ، والأولان مخالفان للأصل والتوقيف ، فبقي الثالث.

هذا حكم الجماع ، وأمّا غيره من أنواع التمتّعات إذا وقع في العمرة فحكمه كما مرّ ، للإطلاقات.

المسألة الرابعة عشرة : لو عقد محرم لمحرم على امرأة ودخل بها كان على العاقد بدنة وعلى الزوج بدنة ، فيما قطع به الأصحاب من غير خلاف كما قيل (٣) ، وفي المدارك (٤) وغيره (٥) : أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه ، وعن صريح الغنية : الإجماع عليه (٦).

وتدلّ عليه موثّقة سماعة : « لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرما وهو [ يعلم ] أنّه لا يحلّ له » ، قلت : فإن فعل ودخل بها المحرم؟ قال : « إن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٠ ـ ١١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ١٩١ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ١٣ : ١٢١ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٨ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٩ ، الوسائل ١٣ : ١٢٠ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٨ ح ١.

(٣) الرياض ١ : ٤٦٩.

(٤) المدارك ٨ : ٤٢١.

(٥) انظر الكفاية : ٦٥ ، كشف اللثام ١ : ٤٠٨.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.

٢٦٤

كانا عالمين فإنّ على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة ، وإن لم تكن محرمة فلا شي‌ء عليها ، إلاّ أن تكون قد علمت أنّ الذي تزوّجها محرم ، فإن كانت علمت ثمَّ تزوّجته فعليها بدنة » (١).

والموثّقة وإن اختصّت بالعاقد الحلال ، ولكنّ الأصحاب عمّموا الحلال للمحرم أيضا.

وكذا مقتضاها الاختصاص بصورة علمه وكذا علم الزوج ـ وحكي عن الأكثر : التعميم (٢) ، ولا وجه له ـ وبالمرأة المحرمة أو العالمة بإحرام الزوج ، وهو كذلك ، والله العالم.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٢ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٣٠ ـ ١١٣٨ ، الوسائل ١٣ : ١٤٢ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٢١ ح ١ وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(٢) كما في كشف اللثام ١ : ٤٠٨.

٢٦٥

البحث الثالث

في سائر الكفّارات‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في كفّارة الطيب ، والكلام فيه : إمّا في التدهّن بالطيب ، أو أكل الطعام المطيّب ، أو نفس التطيّب.

واختلفت كلماتهم في كفّارته : فمنهم من لم يذكر له كفّارة أصلا ، كالديلمي (١).

ومنهم من ذكرها للتدهّن خاصّة ، كابن سعيد (٢).

ومنهم من ذكرها لأكل الطعام المطيّب كذلك ، كالمفيد وابن حمزة (٣).

ومنهم من ذكرها لاستعمال المسك والعنبر والعود والكافور والزعفران ، كالنزهة (٤).

ومنهم من ذكرها للأكل وشمّ الكافور والمسك والعنبر والزعفران والورس ، وصرّح بالنفي فيما عدا ذلك ، كالحلبي (٥).

ومنهم من زاد على الأخير : استعمال الدهن الطيّب ، ونفي الكفّارة عمّا عدا ما ذكره بالإجماع والأخبار والأصل ، كالخلاف (٦).

__________________

(١) المراسم : ١٠٦.

(٢) الجامع للشرائع : ١٩٤.

(٣) المفيد في المقنعة : ٤٣٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٧.

(٤) نزهة الناظر : ٦٨.

(٥) الكافي : ٢٠٤.

(٦) الخلاف ٢ : ٣٠٢ ـ ٣٠٤.

٢٦٦

ومنهم من عمّمها للطيب صبغا وأكلا واطلاء وتبخيرا وشمّا ومسّا واحتقانا واكتحالا وإسعاطا ، ابتداء واستدامة ، كالشرائع والنافع والقواعد والإرشاد والمنتهى والتذكرة والتحرير (١) ، وإن اختلف عبارات هؤلاء زيادة ونقصانا فيما ذكروه للتعميم.

والأخبار الواردة في المقام : ما تقدّم في ثالث محرّمات الإحرام :

من صحيحة زرارة المصرّحة بوجوب الدم في أكل الزعفران والطعام الطيّب متعمّدا (٢).

وصحيحة ابن عمّار الآمرة بالتصدّق بقدر ما صنع في مسّ الطيب والتدهّن والطعام المطيّب (٣).

وصحيحة حريز ومرسلته الآمرتين بالتصدّق بقدر السعة في قدر ما صنع ، أو قدر الشبع في مسّ الطيب والتلذّذ بالريح الطيّبة (٤).

وروايتي الحسن بن زياد الآمرتين بالتصدّق بشي‌ء في غسل اليد بالأشنان المطيّب (٥).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٩٥ ، النافع : ١٠٧ ، القواعد ١ : ٩٩ ، الإرشاد ١ : ٣٢٣ ، المنتهى ٢ : ٨١٤ ، التذكرة ١ : ٣٥٣ ، التحرير ١ : ١٢٠.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤٦ ، الوسائل ١٣ : ١٥٠ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٤ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٨.

(٤) الصحيحة في : التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ ـ ٥٩١ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١١.

المرسلة في : ٣٥٣ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٦.

(٥) الاولى في : الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤٧ ، الوسائل ١٢ : ١٥١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٤.

الثانية في : الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٢ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٤ ح ٨.

٢٦٧

مضافا إلى صحيحة أخرى لزرارة : « من نتف إبطيه ، أو قلّم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمّدا فعليه شاة » (١).

والمرويّ في قرب الإسناد للحميري : « لكلّ شي‌ء خرجت من حجّك فعليك دم تهريقه حيث شئت » (٢).

ومرسلة المفيد عن الصادق عليه‌السلام : « كفارة مسّ الطيب للمحرم أن يستغفر الله » (٣).

ومقطوعة ابن عمّار : في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان فعله بعمد فعليه دم شاة » (٤).

ورواية الحسن بن هارون : إنّي أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت وأنا محرم ، قال : « إذا فرغت من مناسكك وأردت الخروج من مكّة فابتع بدرهم تمرا فتصدّق به ، فيكون كفّارة لذلك ، ولما دخل في إحرامك ممّا لا تعلم » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٩ ـ ١٢٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٨ ح ١.

(٢) قرب الإسناد : ٢٣٧ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ١٣ : ١٥٨ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٨ ح ٥.

(٣) المقنعة : ٤٤٦ ، الوسائل ١٣ : ١٥٣ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٤ ح ٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٨ ، الوسائل ١٣ : ١٥١ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٤ ح ٥ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤٥ ، التهذيب ٥ : ٢٩٨ ـ ١٠٠٨ ، الوسائل ١٣ : ١٤٩ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٣ ح ١ بتفاوت يسير.

٢٦٨

أقول : لا ينبغي الريب في وجوب الشاة في أكل الطعام المطيّب والتدهين بالمطيّب متعمّدا.

لصحيحتي زرارة ومقطوعة ابن عمّار ورواية قرب الإسناد ، لأخصّية الأولين من سائر الأخبار المخالفة لهما مضمونا ، لاختصاصهما بالمتعمّد.

وكذا في استعمال ما يحرم استعماله من الطيب ، وهو ـ على المختار ـ : المسك والزعفران والعود والورس.

لرواية قرب الإسناد المنجبرة بالشهرة ، التي هي أخصّ ممّا ذكر أيضا ، لاختصاصها بالعمد ـ لعدم كون غيره خرجا من الحجّ ـ وبالمحرّم أيضا لذلك ، ونفي الكفّارة الواجبة في غير ما ذكر ، وإن استحبّ التصدّق بما ورد في الأخبار فيما عدا ذلك ، للأخبار المذكورة اللازم حملها على الاستحباب ، للإجماع على عدم الوجوب في غير العمد ـ كما دلّت عليه بعض الأخبار المتقدّمة مفهوما أو منطوقا ـ وكذا في غير المحرّم من الطيب.

المسألة الثانية : في قلم كلّ ظفر من أظفار اليد أو الرجل مد من طعام.

وفي جميع أظفار اليدين أو الرجلين دم واحد.

وكذا في جميع أظفار اليدين والرجلين في مجلس واحد.

ولو كان كلّ واحد منهما في مجلس لزمه دمان.

وفاقا للمشهور كما صرّح به جماعة (١) ، بل لغير شاذّ ، كما في المدارك (٢) ، بل بالإجماع ، كما عن الخلاف والغنية والمنتهى (٣).

__________________

(١) منهم السبزواري في الذخيرة : ٦٢١ ، صاحب الحدائق ١٥ : ٥٤٠.

(٢) المدارك ٨ : ٤٣٤.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٠٩ ، ٣١٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، المنتهى ٢ : ٨١٧.

٢٦٩

لصحيحة أبي بصير : رجل قلّم ظفرا من أظافيره وهو محرم ، قال : « عليه مدّ من طعام حتى يبلغ عشرة ، فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة » ، قلت : فإن قلّم أظافير يديه ورجليه جميعا؟ فقال : « إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وإن كان فعله متفرّقا في مجلسين فعليه دمان » (١).

ولكن لا دلالة لها على لزوم الشاة في أظفار الرجلين خاصّة.

وتدلّ عليه وعلى حكم كلّ ظفر وكلّ أظفار اليدين أيضا رواية الحلبي : عن محرم قلّم أظافيره ، قال : « عليه مدّ في كلّ إصبع ، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة » (٢).

كما تدلّ أيضا على الحكمين الأخيرين موثّقة أبي بصير : « إذا قلّم المحرم أظافير يديه ورجليه في مكان واحد فعليه دم ، وإن كانتا متفرّقتين فعليه دمان » (٣).

ويقيّد ما ذكر إطلاق صحيحة زرارة : « من قلّم أظافيره ناسيا [ أو ساهيا ] أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمّدا فعليه دم » (٤).

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي ، فلكلّ ظفر مدّ أو قيمته مخيّرا بينهما ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٥٧ ، التهذيب ٥ : ٣٣٢ ـ ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ ـ ٦٥١ ، الوسائل ١٣ : ١٦٢ أبواب بقية كفّارات الصوم ب ١٢ ح ١ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٢ ـ ١١٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ ـ ٦٥٢ ، الوسائل ١٣ : ١٦٢ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٠ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ١٦٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٢ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٥ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٥ ، الوسائل ١٣ : ١٦٠ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٠ ح ٥ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

٢٧٠

إلى أن يبلغ خمسة فصاعدا ففيها دم إن كان في مجلس واحد ، فإن فرّق بين يديه ورجليه فليديه دم ولرجليه دم (١).

ودليله على الجزء الأول : الجمع بين صحيحة أبي بصير المتقدّمة وهذه الصحيحة أيضا على رواية التهذيب ، فإنّ فيها : « في كلّ ظفر قيمة مدّ من طعام » (٢).

وعلى الجزء الثاني : صحيحة حريز : في المحرم ينسى فيقلّم ظفرا من أظافيره ، فقال : « يتصدّق بكفّ من طعام » ، قلت : فاثنتين؟ قال « كفّين » ، قلت : فثلاثة؟ قال : « ثلاثة أكفّ ، كلّ ظفر كفّ حتى يصير خمسة ، فإذا قلّم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان » (٣).

ومرسلته : في محرم قلّم ظفرا ، قال : « يتصدّق بكفّ من طعام » ، قلت : ظفرين؟ قال « كفين » ، قلت : ثلاثة؟ قال « ثلاثة أكفّ » ، قلت : أربعة؟ قال : « أربعة أكفّ » ، قلت : خمسة؟ قال : « عليه دم يهريقه ، فإن قصّ عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلاّ دم يهريقه » (٤).

وعلى الجزء الثالث : ما مرّ دليلا للقول المشهور.

ويردّ دليله على الأول : بعدم المقاومة لما مرّ حتى يحتاج إلى الجمع ، للشذوذ.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢٨٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٢ ـ ١١٤١ ، الوسائل ١٣ : ١٦٢ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٢ ـ ١١٤٣ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ ـ ٦٥٣ ، الوسائل ١٣ : ١٦٣ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٢ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٠ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ١٦٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٢ ح ٥.

٢٧١

وبه يردّ دليله على الجزء الثاني أيضا ، مضافا إلى ورود الصحيحة في الناسي ، ولا بدّ من حملها على الاستحباب ، لعدم وجوب الكفّارة على الناسي إجماعا ونصّا كما مرّ.

ومنه يعلم أنّه المحمل في المرسلة أيضا.

هذا ، مع أنّها بتمام مضمونها لا توافق قول أحد من الطائفة ، بل قيل : توافق مذهب أبي حنيفة (١).

وللمحكيّ عن الحلبي ، فقال : لقصّ كلّ ظفر كفّ من طعام ، وفي أظفار إحدى يديه صاع ، وفي أظفار كلتيهما دم وكذلك حكم أظفار رجليه (٢).

ودليله على الجزء الأول : صحيحة حريز ومرسلته المتقدّمتان.

وصحيحة ابن عمّار : عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه ذلك ، قال : « لا يقصّ شيئا منها إن استطاع ، فإن كانت تؤذيه فليقصّها وليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام » (٣).

وجوابه يظهر ممّا مرّ أيضا ، مع أنّ الأخيرة واردة في المضطر الذي لا يجب عليه شي‌ء ، فحملها على الاستحباب أيضا متعيّن.

ولم أظفر على جزئه الثاني على دليل ، إلاّ أن يراد بالصاع : صاع النبيّ ـ الذي هو خمسة أمداد ـ فيؤول إلى المشهور.

والثالث يوافق المشهور.

__________________

(١) كما في الحدائق ١٥ : ٥٤٣.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٠٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٠ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ ـ ١٠٨٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ ـ ١٠٧٧ ، الوسائل ١٣ : ١٦٣ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٢ ح ٤.

٢٧٢

وللمحكيّ عن العماني ، فإنّه قال : من انكسر ظفره وهو محرم فلا يقصّه ، فإن فعل فعليه أن يطعم مسكينا في يده (١).

ولا دليل له ، إلاّ أن يراد بالإطعام : مطلقه الشامل للقبضة أيضا ، فتدلّ عليه صحيحة ابن عمّار ، ولكنّها مخصوصة بحال الاضطرار ، محمولة على الاستحباب.

فروع :

أ : ما مرّ من الكفّارة إنّما هو مع التعمّد ، وأمّا مع النسيان أو السهو أو الجهل فلا كفّارة إجماعا.

وتدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدّمة ، ومرسلة الفقيه.

قال ـ بعد نقل صحيحة أبي بصير المتقدّمة ـ : وفي رواية زرارة : « إنّ من فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه » (٢).

وفي رواية أبي حمزة (٣) : عن رجل قلّم أظافيره إلاّ إصبعا واحدا ، قال : « نسي؟ » قال : نعم ، قال : « لا بأس » (٤).

ب : لو أفتى أحد بتقليم ظفر المحرم فأدماه ، لزم المفتي شاة على الحقّ المشهور ، لرواية إسحاق الصيرفي (٥) المنجبرة ، وإطلاقها يقتضي عدم‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢٨٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٨ ـ ١٠٧٦ ، الوسائل ١٣ : ١٦٠ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٠ ح ٢.

(٣) في النسخ : ابن أبي حمزة ، والصحيح ما أثبتناه.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ ـ ١١٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٤ ، الوسائل ١٣ : ١٦٠ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٠ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٦ ، الوسائل ١٣ : ١٦٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٣ ح ١.

٢٧٣

اشتراط إحرام المفتي ، كما أنّ تقييدها مع الأصل يقتضي الاختصاص بصورة الإدماء.

وهل تشترط أهليّة المفتي للإفتاء بزعم المستفتي؟

قيل : نعم (١).

وفيه نظر.

نعم ، الظاهر اشتراط عدم زعمه بطلان قوله.

ج : إنّما يجب الدم أو الدمان بتقليم أصابع اليدين والرجلين إذا لم يتخلّل التكفير عن السابق قبل البلوغ إلى حدّ يوجب الشاة ، وإلاّ تعدّد المدّ خاصة بحسب تعدّد الأصابع ، لأنّه المتبادر من النصّ والفتوى ، كذا قيل (٢).

وهو للمنع قابل ، بل الظاهر من الإطلاق : الدم مع البلوغ إلى حدّه وإن كفّر للسابق.

ولذا قالوا : لو كفّر شاة لليدين أو الرجلين ثمَّ أكمل الباقي في المجلس وجبت عليه شاة أخرى.

د : مقتضى إطلاق الروايات : أنّ بعض الظفر كالكلّ ، لصدق الظفر ، بل المتعارف قصّه ليس إلاّ بعض الظفر.

ولو تعدّدت دفعات قصّ ظفر إصبع واحد ، فإن كان في مجلس واحد فالظاهر عدم تعدّد الفدية ، لعدم دليل على اشتراط وحدة القصّ ، بل الظاهر أنّه كذلك مع اختلاف المجلس.

هـ : هل الحكم بالدم موقوف على إكمال اليدين أو الرجلين ، كما هو‌

__________________

(١) كما في الروضة ٢ : ٣٦١ ، المدارك : ٥٣٨.

(٢) قال به في المدارك ٨ : ٤٣٥ ، الذخيرة : ٦٢٢.

٢٧٤

مقتضى صحيحة أبي بصير (١).

أو يتحقّق بإكمال العشرة أصابع ولو كان بعضها من اليد وبعضها من الرجل ، كما هو المستفاد من رواية الحلبي (٢)؟

الظاهر : الأول ، لا لما يتوهّم من تعارض مفهوم الصحيحة مع منطوق الرواية بالعموم من وجه ، فيرجع إلى الأصل ، لأنّ نسبة الأصل إلى الشاة وعشرة أمداد على السواء.

بل لأنّ المتبادر من قوله في الرواية : « أظافيره عشرتها » هو : العشرة من عضو واحد.

نعم ، لو كان يقول : عشرة أظافيره ، لكان للإشكال وجه.

و : لو كانت له إصبع زائدة في اليد أو الرجل ، فهل يتوقّف وجوب الدم على قصّ ظفرها أيضا ، أم لا ، بل يجب بقصّ العشرة؟

الظاهر : الأول ، للأصل ، وانصراف إطلاق العشرة إلى الغالب من الأشخاص ، فمثل ذلك الشخص خارج عن الإطلاق ، فيرجع في حقّه إلى الأصل وإطلاق اليدين والرجلين.

ولو كانت أصابعه ناقصة فيشكل الحكم من جهة ذكر العشرة وانصراف المطلق إلى الشائع ، ومن جهة صدق اليدين والرجلين.

والأصل يقتضي عدم وجوب الدم والاقتصار على مدّ لكلّ ظفر ، فتأمّل.

المسألة الثالثة : في لبس المخيط عمدا دم شاة بالإجماع ، كما عن‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٧٠.

(٢) المتقدمة في ص ٢٧٢.

٢٧٥

المنتهى (١) وفي غيره (٢).

لصحيحة زرارة المتقدّمة في المسألة الاولى (٣).

وصحيحة محمّد : عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها ، قال : « عليه لكلّ صنف منها فداء » (٤).

ورواية سليمان بن العيص : عن المحرم يلبس القميص متعمّدا ، قال : « عليه دم » (٥).

ولا فرق في ذلك بين المختار والمضطرّ وإن انتفى التحريم في الثاني ، لإطلاق الروايات المتقدّمة.

والخدش في دلالة الأولى ـ بأنّه مع الاضطرار ليس ممّا لا ينبغي لبسه ـ مردود بأنّها تتضمّن قوله : « ففعل ذلك ناسيا » أيضا ، فيعلم أنّ المراد : ممّا لا ينبغي في صورة العمد والاختيار.

وعن الخلاف والسرائر والتحرير والمنتهى والتذكرة : استثناء السراويل عند الضرورة ، فلا فداء فيه (٦) ، وعن الأخيرين : الإجماع عليه (٧) ،

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨١٢.

(٢) كما في كشف اللثام ١ : ٤٠٨ ، الرياض ١ : ٤٧٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٩ ـ ١٢٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٨ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤٨ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٥ ، التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ١٣ : ١٥٩ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٩ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٣٩ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٨ ح ٢.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٩٧ ، السرائر ١ : ٥٤٣ ، التحرير ١ : ١١٤ ، المنتهى ٢ : ٧٨٢ ، التذكرة ١ : ٣٣٢.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٨٢ ، التذكرة ١ : ٣٣٢.

٢٧٦

واستدلّ له الشيخ بالأصل مع خلوّ الأخبار عن فدائه.

وفيه : ما مرّ من دلالة الإطلاقات.

وعن بعضهم : استثناء لبس الخفّين أيضا مع الاضطرار ، للأصل ، وتجويز لبسه في بعض الأخبار من غير إيجاب الفداء (١).

بل قد يقال باستثنائه مطلقا ، لعدم دليل عليه ، سوى ما قيل من أنّ الأصل في تروك الإحرام الفداء (٢) ، وهو ممنوع ، والأخبار المتقدّمة المتضمّنة للفظ الثوب ، وشموله للخفين ممنوع.

وهو جيّد جدّا.

وقال في المدارك : والاستدامة في اللبس كالابتداء ، فلو لبس المحرم قميصا ناسيا ثمَّ ذكر وجب خلعه إجماعا ولا فدية ، ولو أخلّ بذلك بعد العلم لزمه الفداء (٣). انتهى.

ولا بأس به.

ولو لبس متعدّدا ، فإمّا يتّحد اللبس ويتعدّد الملبوس شخصا مع وحدة الصنف ، أو صنفا ، أو يتّحد الملبوس ويتعدّد اللبس ، أو يتعدّدان.

فعلى الأول ـ كأن يلبس قميصين بلبس واحد ـ : ليس إلاّ كفارة واحدة ، بلا خلاف فيه يعرف ، للأصل.

وعلى الثاني ـ كأن يلبس قميصا وقباء بلبس واحد ـ : فالظاهر تعدّد الفداء ، لصحيحة محمّد المتقدّمة ، وحملها على صورة تعدّد اللبس لا وجه‌

__________________

(١) انظر التذكرة ١ : ٣٣٢.

(٢) كما في الرياض ١ : ٤٧٣.

(٣) المدارك ٨ : ٤٣٧.

٢٧٧

له ، وأغلبيّته لو سلّمت ليست بحدّ يوجب الانصراف إليه.

وعلى الثالث ـ كأن يلبس قميصا واحدا مرّتين ـ : فإن تخلّل التكفير بينهما تتعدّد الكفّارة ، لاقتضاء وجود السبب وجود المسبب. وإن لم يتخلّل لم تجب إلاّ كفّارة واحدة ، سواء اختلف مجلس اللبسين أو اتّحد ، لأصالة تداخل الأسباب على ما هو التحقيق عندنا.

وعلى الرابع : فمع تعدّد الملبوس صنفا أو تخلّل التكفير تتعدّد الكفّارة ، وإلاّ فلا ، ويظهر وجهه ممّا سبق.

ولا كفّارة في اللبس نسيانا أو جهلا ، إجماعا نصّا وفتوى.

المسألة الرابعة : في إزالة الشعر الكفّارة إجماعا ، للنصوص الآتية.

وهي في حلق الرأس من أذى دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام أو الصدقة ، إجماعا من غير شاذّ ، للكتاب والسنّة :

منها : مرسلة حريز ، وفيها : « فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أي أمر كعب حيث رآه القمّل بتناثر من رأسه ، وقال له : أتؤذيك هوامّك؟ قال : نعم ، فنزلت الآية (٢) ـ أن يحلق ، وجعل الصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على ستّة مساكين ، لكلّ مسكين مدّان ، والنسك شاة » (٣) ، ونحوها صحيحته (٤).

ومرسلة الفقيه ، إلاّ أنّ فيها : « لكلّ مسكين صاع من تمر ، والنسك‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٨ ـ ٢ ، المقنع : ٧٥ ، الوسائل ١٣ : ١٦٦ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٤ ذيل الحديث ١.

(٢) الآية : ( « فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ » ) البقرة : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٦ ، الوسائل ١٣ : ١٦٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

٢٧٨

شاة لا يطعم منها أحد إلاّ المساكين » (١).

ومنها : رواية عمر بن يزيد ، وفيها ـ بعد ذكر الآية ـ : « فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم ، وإنّما عليه واحد من ذلك » (٢).

وخلافا للمحكيّ عن الديلمي ، فاقتصر فيه على الدم خاصّة (٣).

ولا وجه له.

ومن غير أذى : دم شاة خاصّة ، وفاقا للمحكيّ عن النزهة (٤) ، ونفي عنه البعد في المدارك (٥) ، وقوّاه بعض مشايخنا (٦) أولا.

لصحيحة زرارة ورواية قرب الإسناد المتقدّمتين في المسألة الاولى (٧) ، وصحيحته الأخرى (٨) ، وهي كالأولى ، إلاّ أنّه ليس فيها : تقليم الظفر ، بتخصيص هذه بما تقدّم من مورده من الأذى ، وإبقائها في غيره على عمومه.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٨ ـ ١٠٨٣ و ١٠٨٤ ، الوسائل ١٣ : ١٦٧ و ١٦٨ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٤ ح ٤ و ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٧ ، الوسائل ١٣ : ١٦٦ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٤ ح ٢.

(٣) المراسم : ١٢٠.

(٤) نزهة الناظر : ٦٧.

(٥) المدارك ٨ : ٤٣٩.

(٦) كما في الرياض ١ : ٤٧٤.

(٧) في ص : ٢٦٨.

(٨) الكافي ٤ : ٣٦١ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٣٣٩ ـ ١١٧٤ ، الوسائل ١٣ : ١٥٩ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٠ ح ١.

٢٧٩

خلافا لآخرين ـ ولعلّهم الأكثر (١) ـ فجعلوا التخيير في حلق الرأس مطلقا ، بل عن المنتهى : أنّ التخيير في هذه الكفّارة لعذر أو غيره مذهب علمائنا أجمع (٢).

ولا دليل عليه يوجب حمل الصحيحين على التجوّز ـ من الوجوب التخييري ـ مع عدم إمكانه في غير حلق الرأس ممّا ذكر فيهما ، وبمجرّد ذلك الإجماع المنقول لا يجوز المصير إلى التجوّز.

والحكمان ـ أي التخيير مع الأذى والدم بدونه ـ جاريان في حلق الرأس مطلقا ، جميعه كان أو بعضه ، قليلا كان أو كثيرا ، لصدق حلق الرأس ، إلاّ أن يكون قليلا غايته ، بحيث يخرج عن التسمية ـ كحلق شعرة أو شعرتين أو ثلاثة ـ فلا يثبت ذلك بما ذكر ، وإن أمكن القول فيه بالدم أيضا ، لرواية قرب الإسناد المتقدّمة ، بل كذلك ، لذلك.

وقيل في حلق ثلاث شعرات بالصدقة بكفّ من طعام أو سويق (٣).

ولا وجه له ، سوى بعض الأخبار الآتية ، التي موردها غير الحلق.

وهل حلق غير الرأس أيضا كحلقة ، أم لا؟

ظاهر إطلاق الفاضلين (٤) وبعض من تأخّر عنهما (٥) : الأول.

ومقتضى تقييد جمع ممّن تقدّم عليهما : الثاني (٦).

وهو الأجود ، لتعلّق الحكم بالرأس.

__________________

(١) انظر المسالك ١ : ١٤٥ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٣٦٣ ، المفاتيح ١ : ٣٣٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٨١٥.

(٣) كما في المدارك ٨ : ٤٤٠.

(٤) المحقق في النافع : ١٠٨ ، العلاّمة في المنتهى : ٨١٥.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٠ ، صاحب المدارك ٨ : ٤٤٠.

(٦) كالطوسي في النهاية : ٢٣٣ ، الديلمي في المراسم : ١٢٠.

٢٨٠