مستند الشّيعة - ج ١٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-073-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٣

فعليه حمل قد فطم ، وليس عليه قيمته ، لأنّه ليس في الحرم ، ويذبح الفداء إن شاء بمنزله بمكّة ، وإن شاء بالحزورة بين الصفا والمروة » الحديث (١).

وصحيحة منصور : عن كفّارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال : « بمكّة ، إلاّ أن يشاء صاحبها أن يؤخّرها إلى منى ، ويجعلها بمكّة أحبّ إليّ وأفضل » (٢).

وابن عمّار : كفّارة العمرة أين تكون؟ قال : « بمكّة ، إلاّ أن يؤخّرها إلى الحجّ فتكون بمنى ، وتعجيلها أفضل وأحبّ إليّ » (٣).

والأخرى : « يفدي المحرم فداء الصيد حيث أصابه » (٤).

ومرسلة أحمد : « من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء ، إلاّ فداء الصيد ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) » (٥).

وموثّقة إسحاق : الرجل يخرج من حجّته شيئا يلزم منه دم ، يجزئه أن يذبحه إذا رجع إلى أهله؟ فقال : « نعم » (٦).

وقريبة منها الأخرى (٧) والثالثة (٨) ، إلاّ أنّ في الأخيرة : « يخرج من‌

__________________

(١) لم نعثر على هكذا نصّ لحريز. نعم وجدناه مرويّا عن محمّد بن الفضيل ، انظر الفقيه ٢ : ٢٣٣ ـ ١١١٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٤ ـ ١٣٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢١٢ ـ ٧٢٥ ، الوسائل ١٣ : ٩٦ أبواب كفّارات الصيد ب ٥٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٩ ـ ٥ ، الوسائل ١٤ : ٨٩ أبواب الذبح ب ٤ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٣ ـ ١٣٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢١٢ ـ ٧٢٤ ، الوسائل ١٣ : ٩٨ أبواب كفّارات الصيد ب ٥١ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٧٤ ـ ١٣٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٢١٢ ـ ٧٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٩٦ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٩ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٤٨٨ ـ ٤ ، الوسائل ١٤ : ٩٠ أبواب الذبح ب ٥ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ٤٨٨ ـ ٤ ، الوسائل ١٤ : ٩٠ أبواب الذبح ب ٥ ح ١.

(٨) التهذيب ٥ : ٤٨١ ـ ١٧١٢ ، الوسائل ١٣ : ٩٧ أبواب كفّارات الصيد ب ٥٠ ح ١.

٢٢١

حجّه وعليه شي‌ء » مقام : « يخرج من حجّته شيئا ».

ثمَّ لأجل ذلك الاختلاف اختلفت الأصحاب أيضا.

وبيان ذلك : أنّ الفداء أمّا للجناية في الحجّ ، أو العمرة المتمتّع بها أو المفردة ، وعلى التقديرين : إمّا فداء للصيد ، أو غيره.

فإن كان فداء للجناية بالصيد في الحجّ فذهب الأكثر إلى وجوب النحر بمنى أو الذبح.

حكي عن والد الصدوق والخلاف والمبسوط والنهاية وفقه القرآن للراوندي والفقيه والمقنع والمراسم والإصباح والإشارة والغنية وجمل العلم والعمل والمقنعة والكافي والمهذّب والوسيلة والجامع وروض الجنان وفي السرائر والشرائع والنافع والقواعد والإرشاد (١) ، بل لا خلاف فيه أجده ، بل صرّح به بعضهم مطلقا (٢) ، وهو كذلك.

وتدلّ عليه ـ مع ظاهر الإجماع ـ من الأخبار : الخمسة الاولى.

وتعارضها الآية الشريفة ، وصحيحة حريز ، والأخبار الخمسة الأخيرة ، ولكن الآية والصحيحتين والمرسلة تعارضها بالعموم المطلق ، لشمول الأربعة للعمرة أيضا ، وكذا الأخيرة ، لعدم صراحتها في كون الشي‌ء‌

__________________

(١) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٨٧ ، الخلاف ٢ : ٤٣٨ ، المبسوط ١ : ٣٤٥ ، النهاية : ٢٢٦ ، فقه القرآن ١ : ٣٠٩ ، الفقيه ٢ : ٢٣٥ ، المقنع : ٧٩ ، المراسم : ١٢١ ، الإشارة : ١٣٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٢ ، المقنعة : ٤٣٨ ، الكافي : ٢٠٦ ، المهذب ١ : ٢٣٠ ، الوسيلة : ١٧١ ، الجامع : ١٩٥ ، حكاه عن الروض في الرياض ١ : ٤٦٢ ، السرائر ١ : ٥٦٤ ، الشرائع ١ : ٢٩٣ ، النافع : ١٠٥ ، القواعد ١ : ٨٩ ، الإرشاد ١ : ٣٢١.

(٢) كما في الرياض ١ : ٤٦٢.

٢٢٢

للحجّ ، فلعلّه للعمرة المتمتّع بها ، فيجب التخصيص بالخمسة الاولى.

مع أنّ الإفداء في الصحيحة (١) ليس نصّا في الذبح ، فلعلّه الشراء ، كما ذكره الشيخ في توجيه الموثّقة (٢).

وأوجبه بعضهم حيث أصابه (٣) ، لتلك الصحيحة.

وفي المرسلة كلام يأتي ، وأمّا الباقيتان فلا تكافئان ما مرّ ، لمخالفتهما عمل الطائفة ، مع أنّ الحمل على الاضطرار ممكن.

وإن كان فداء للصيد في إحرام العمرة فذهب أكثر من ذكر أيضا إلى وجوب ذبحه بمكّة (٤).

وتدلّ عليه الأخبار الأربعة الاولى والمرسلة ، بحمل ذيل الموثّقة على تأخير الاشتراء كما مرّ.

وقال في السرائر ـ وحكي عن الوسيلة والراوندي ـ بوجوب ذبحه في العمرة المتمتّع بها بمنى (٥).

ولا يحضرني دليل لهم سوى بعض العمومات ، كرواية الكرخي ، وقوله عليه‌السلام : « لا ذبح إلاّ بمنى » (٦) ، ويجب تخصيصها بما ذكر ، مع أنّه لولاه لم يظهر وجه التخصيص بعمرة التمتّع.

وعن والد الصدوق : تجويز ذبح فداء الصيد في عمرة التمتّع‌

__________________

(١) أي صحيحة ابن عمّار.

(٢) انظر التهذيب ٥ : ٣٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢١٢.

(٣) كما في الكافي في الفقه : ١٩٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.

(٤) منهم المفيد في المقنعة : ٤٣٨ ، السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٢ ، الشيخ في النهاية : ٢٢٦ ، المبسوط ١ : ٣٤٥.

(٥) السرائر ١ : ٥٦٤ ، الوسيلة : ١٧١ ، الراوندي في فقه القرآن ١ : ٣٠٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٢١٤ ـ ٧٢٢ ، الوسائل ١٤ : ٩٠ أبواب الذبح ب ٤ ح ٦.

٢٢٣

بمنى (١).

وله الرضويّ (٢) كما قيل (٣).

وله أيضا صحيحة ابن عمّار المذكورة (٤) ، فإنّها ظاهرة في عمرة المتعة ، بقرينة تجويز التأخير إلى الحجّ.

ولا يعارضها شي‌ء من الأخبار المذكورة ـ سوى المرسلة ـ لورودها كلاّ في كفّارة العمرة بالجملة الخبريّة ، بخلاف الحجّ ، فإنّ في الموثّقة تصريحا بالدالّ على الوجوب ، مضافا إلى الإجماع عليه فيه.

وأمّا المرسلة ، فهي أعمّ مطلقا من هذه الصحيحة ، لشمولها للعمرة المفردة أيضا.

مع أنّه يمكن أن يقال : إنّه إن كان المراد بقوله ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) قبالتها وبمرءاها فليس بواجب ، وإلاّ لزم الذبح في موضع مخصوص بمكّة ، وعلى هذا فيكون للاستحباب ، فلا يعارض ما دلّ على الجواز بمنى.

وإن كان المراد قرب الكعبة مجازا ـ من باب تسمية الشي‌ء باسم جزئه حتى يشمل مكّة ـ فيمكن كون التجوّز بما يشمل منى أيضا ، أو يكون تجوّزه معنى آخر ، بأن يراد : ما يصل نفعه إلى الكعبة ولو بالوصول إلى الفقراء الآمّين لها ونحوه.

وبالجملة : لا أرى معارضا لمجوّزاته بمنى ، فهو الأقوى.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢٨٧.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢١.

(٣) انظر الحدائق ١٥ : ٣٣٠.

(٤) في ص ٢٢١.

٢٢٤

وإن كان فداء لغير الصيد في الحجّ ، فإطلاق كلام جمع ممّن ذكر يدلّ على وجوب ذبحه بمنى (١) ، ولكن كلام كثير منهم خال عن ذكره ، لاقتصارهم على ذكر جزاء الصيد ، وليس في الأخبار المتقدّمة ما يصرّح بالوجوب في موضع مخصوص ، وما يعمّ جزاء غير الصيد منها أيضا لا يفيد الوجوب.

وفي المرسلة دلالة على الجواز حيث شاء بلا معارض.

نعم ، في الأخبار الواردة في التظليل ما يدلّ على وجوب ذبح كفّارته بمنى ، وهو صحاح ابن بزيع (٢).

ولا تعارضها صحيحة عليّ الواردة فيه ، المتضمّنة لـ : أنّ مولانا الرضا عليه‌السلام « إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفّارة الظل » (٣) ، لأنّه قضية في واقعة ، فلعلّه لإحرام العمرة.

ويمكن أن يكون المراد بقدوم مكّة : أي إذا سافر إلى مكّة ، فلا يكون محلّ النحر معيّنا.

ولا يضرّ كونها أعمّ من كفّارة إحرام العمرة والحجّ ، إذ على هذا تعارض ما دلّ على جواز ذبح كفّارة العمرة في غير منى ، ولا معارض لها يساويها أو يكون أخصّ منها في كفّارته في إحرام الحجّ ، فيجب الحكم بوجوب كونه بمنى ، ويتعدّى إلى غير التظليل بالإجماع المركّب ، فالحكم‌

__________________

(١) كالخلاف ٢ : ٤٣٨ ، والمراسم : ١٢١ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، والكافي في الفقه : ٢٠٦ ، والشرائع ١ : ٢٩٣ ، والنافع : ١٠٥ ، والقواعد ١ : ٨٩ ، والجامع للشرائع : ١٩٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ١٣ : ٩٧ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٩ ح ٦.

٢٢٥

بالتخيير فيه ـ كما في الذخيرة (١) ـ غير جيّد.

وإن كان فداء لغير الصيد في إحرام العمرة ، فكلام من ذكر فيه ككلامهم في فدائه في الحجّ بالنسبة إلى مكّة ، فبين مطلق بوجوب ذبح المعتمر بمكّة ، وبين مقتصر بذكر جزاء الصيد.

إلاّ أنّ عن النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع وروض الجنان : التصريح بجواز ذبح المعتمر كفّارة غير الصيد بمنى (٢).

وعلى هذا ، ففيه قولان : وجوب الذبح بمكّة.

والتخيير بينه وبين منى.

دليل الأول : ليس إلاّ إطلاق الخبرين الأولين (٣) ، وهما ـ مع ضعفهما الغير المعلوم انجبارهما في المقام ، وقصورهما عن إفادة الوجوب ـ يعارضان عموم المرسلة وأخبار التظليل وخصوص صحيحتي منصور وابن عمّار (٤) ، كما أنّهما يعارضان في إفادة الوجوب أخبار التظليل.

ولو لا تقديمهما لحكمنا بالتخيير ، فإذن هو الحقّ فيه مع أفضليّة الذبح بمكّة ، للصحيحين.

وتحصّل ممّا ذكر : وجوب ذبح فداء الكفّارة في الحجّ بمنى مطلقا ، والتخيير في العمرتين كذلك مع أفضليّة مكّة.

__________________

(١) الذخيرة : ٦١٦.

(٢) النهاية : ٢٢٦ ، المبسوط ١ : ٣٤٥ ، الوسيلة : ١٧١ ، الجامع : ١٩٦.

(٣) أي المرويّان في إرشاد المفيد وتفسير علي وتحف العقول ، المتقدّمان في ص ٢٢٠.

(٤) المتقدمتين في ص : ٢٢١.

٢٢٦

فروع :

أ : عن الشهيد في الدروس : أنّه ألحق بالذبح صدقات الكفّارة ، في أنّ محلّها مكّة إن كانت الجناية في عمرة ، ومنى إن كانت في الحجّ (١).

ولا أرى عليه دليلا ، نعم يدلّ إطلاق صحيحتي منصور وابن عمّار على صرف كفّارة العمرة في مكّة أو منى.

وفي صحيحة حريز : « فإن وطئ المحرم بيضة وكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكّة ومنى » (٢).

وإثبات الوجوب بها وإن كان مشكلا إلاّ أنّ الاحتياط أن لا يتجاوز عن مكّة ومنى.

ب : قال في المنتهى ـ بعد أن ذكر أنّ مصرف المذبوح أو المنحور مساكين الحرم ـ : وكذا الصدقة مصرفها مساكين الحرم (٣).

أقول : الظاهر أنّ مراده من مساكين الحرم : الحاضرون فيه ، سواء كانوا من أهل الحرم أو غيره ، وعلى هذا فيرجع إلى ما ذكرنا في الفرع الأول.

ولو أراد أهله فلا دليل عليه ظاهرا.

وأمّا الصوم اللازم في الجنايات فلا يختصّ بمكان دون غيره ، بلا خلاف نعلمه ، كذا قيل (٤) ، وهو كذلك.

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٩١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٦ ـ ١٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ ـ ٦٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٢٣ أبواب كفّارات الصيد ب ٩ ح ٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٥٣.

(٤) كما في المنتهى ٢ : ٧٥٣.

٢٢٧

ج : مصرف الجنايات الحرميّة من التصدّقات : الفقراء والمساكين ، والأحوط صرفها أيضا في مساكين الحرم وإن لم يكن دليل على تعيينه يعلم ، والله أعلم.

٢٢٨

البحث الثاني

في كفّارة الاستمتاع بالنساء وما يلحق به‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : من جامع امرأته بعد إحرام الحجّ عالما بالحكم عامدا في الفعل ، قالوا : يفسد حجّه ، وتجب عليه أمور أربعة : إتمام الحجّ ، وكفّارة بدنة ، والحجّ من قابل ، والتفريق بينهما قدرا خاصّا.

أقول : أمّا فساد الحجّ فسيأتي الكلام فيه في الفروع.

وأمّا وجوب إتمام الحجّ فلم أظفر على تصريح به في خبر ، ولكن الظاهر انعقاد الإجماع عليه ، فهو الحجّة فيه.

مضافا ـ فيما لو كان حجّة الإسلام ـ إلى أنّ وجوبها فوري ، وستعرف عدم الفساد ، فيجب الإتمام ، وكذا في سائر ما يجب فورا ، كالاستئجار والنذر المعيّنين.

وفي الجميع إلى ما صرّحوا به من وجوب إتمام الحجّ مطلقا ـ فرضا كان أو ندبا ـ بالشروع فيه إن ثبت ذلك.

وأمّا وجوب البدنة والحجّ من قابل ، فهما أيضا إجماعيّان ، ومدلول عليهما بالمستفيضة المعتبرة :

كصحيحة زرارة : عن محرم غشي امرأته وهي محرمة ، فقال : « جاهلين أو عالمين؟ » قلت : أجبني على الوجهين جميعا ، قال : « إن كانا جاهلين استغفروا ربّهما ، ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ،

٢٢٩

وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » ، قلت : فأيّ الحجّتين لهما؟ قال : « الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى لهما عقوبة » (١).

وابن عمّار : في المحرم يقع على أهله ، قال : « إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحجّ من قابل » ، قال : وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم ، قال : « إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة وعليه الحجّ من قابل ، فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها فرّق محملاهما ، فلم يجتمعا في خباء واحد إلاّ أن يكون معهما غيرهما ، حتى يبلغ الهدي محلّه » (٢).

والأخرى : عن رجل محرم وقع على أهله ، فقال : « إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلا فعليه أن يسوق بدنة ، ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحجّ من قابل » (٣).

ورواية عليّ بن أبي حمزة : عن محرم واقع أهله ، فقال : « قد أتى عظيما » ، قلت : قد ابتلي ، قال : « استكرهها أو لم يستكرهها؟ » قلت : أفتني‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ ـ ١٠٩٢ ، الوسائل ١٣ : ١١٢ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩ ، وفي الجميع : والأخرى عليهما عقوبة.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ١١٣ و ١١٩ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ و ٧ ح ١٢ و ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٨ ـ ١٠٩٥ ، وفي الوسائل ١٣ : ١١٠ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ٢ : .. عليه الحجّ من قابل.

٢٣٠

فيهما جميعا ، قال : « إن كان استكرهها فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة ، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكّة ، وعليهما الحجّ من قابل لا بدّ منه » ، قال : قلت : فإذا انتهيا إلى مكّة فهي امرأته كما كانت؟ فقال : « نعم ، هي امرأته كما هي ، فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلاّ ، فإذا أحلاّ فقد انقضى عنهما ، إنّ أبي كان يقول ذلك » (١).

وصحيحة جميل : عن محرم وقع على أهله ، قال : « عليه بدنة » إلى أن قال : قلت : عليه شي‌ء غير هذا؟ قال : « نعم ، عليه الحجّ من قابل » (٢).

مضافا في الأول إلى صحيحة سليمان بن خالد : عن رجل باشر امرأته وهما محرمان ، ما عليهما؟ فقال : « إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا ، ويفرّق بينهما حتى يفرغا من المناسك ، وحتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شي‌ء » (٣).

وصحيحة عليّ ، وفيها ـ بعد تفسير الرفث بجماع النساء ـ : « فمن رفث فعليه بدنة ينحرها » (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ ـ ١٩٠٣ ، الوسائل ١٣ : ١١٦ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٨ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ١٣ : ١١١ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٥ ـ ٧ ، الوسائل ١٣ : ١١٥ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٥ ، قرب الإسناد : ٢٣٤ ـ ٩١٥ ، الوسائل ١٣ : ١١٥ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٦.

٢٣١

ورواية خالد الأصم : حججت وجماعة من أصحابنا ، وكانت معنا امرأة ، فلمّا قدمنا مكّة جاءنا رجل من أصحابنا ، فقال : يا هؤلاء ، إنّي قد بليت ، قلنا : بما ذا؟ قال : شكرت (١) بهذه المرأة ، فاسألوا أبا عبد الله عليه‌السلام ، فسألناه ، فقال : « عليه بدنة » ، فقالت المرأة : فاسألوا لي فإنّي قد اشتهيت ، فسألناه ، قال : « عليها بدنة » (٢).

وأمّا الحكم الرابع ، فالمشهور وجوبه أيضا ، ودعوى الشهرة عليه مستفيضة ، وفي المدارك الإجماع عليه (٣).

وظاهر المبسوط والنهاية والسرائر والمهذب : الاستحباب (٤) ، ويحتمله الخلاف أيضا (٥) ، كما أنّ ظاهر المختلف التوقّف في وجوبه واستحبابه (٦).

دليل الموجبين : الأخبار المتقدّمة.

مضافة إلى صحيحة ابن عمّار : في المحرم يقع على أهله ، قال : « يفرّق بينهما ، ولا يجتمعان في خباء إلاّ أن يكون معهما غيرهما ، حتى يبلغ الهدي محلّه » (٧).

__________________

(١) شكر المرأة : فرجها ـ الصحاح ٢ : ٧٠٢. شكرها : فرجها ، وقيل : بضعها ، ونهى عن شكر البغيّ ، أراد عن وطئها ـ لسان العرب ٤ : ٤٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣١ ـ ١١٤٠ ، الوسائل ١٣ : ١١٢ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ٧ ، بتفاوت يسير.

(٣) المدارك ٨ : ٤١٠.

(٤) المبسوط ١ : ٣٣٦ ، النهاية : ٢٣٠ ، السرائر ١ : ٥٤٨ ، المهذب ١ : ٢٢٩.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٦٨.

(٦) المختلف : ٢٨٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٣١٩ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ١٣ : ١١١ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ٥.

٢٣٢

ومرفوعة أبان : « المحرم إذا وقع على أهله يفرّق بينهما » يعني بذلك : لا يخلوان ، وأن يكون معهما ثالث (١).

ولا يخفى أنّه لا دلالة في شي‌ء منها بكثرتها على الوجوب ، بل غايتها الرجحان الموجب للحكم بالاستحباب بضميمة الأصل ، فهو الأقوى.

( نعم ، في الرضويّ : « فإن جامعت وأنت محرم ـ في الفرج ـ فعليك بدنة ، وعليك الحجّ من قابل ، ويجب أن يفرّق بينك وبين أهلك حتى تؤدّي المناسك ثمَّ تجتمعان ، فإذا حججتما من قابل وبلغتما الموضع الذي واقعتما فرّق بينكما حتى تقضيا المناسك ، ثمَّ تجتمعان ، فإن أخذتما على غير الطريق الذي كنتما فيه العام الأول لم يفرّق بينكما » (٢).

وضعفه منجبر بالعمل ، وبه يدفع الأصل ، فالأقوى الوجوب ) (٣).

فروع :

أ : لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمتمتّع بها ، لصدق الامرأة والأهل عليهما.

وصرّح في الشرائع بإلحاق الأمة بهما أيضا (٤) ، واحتجّ له بصدق‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣١٩ ـ ١١٠١ ، الوسائل ١٣ : ١١١ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ٦ ، بتفاوت.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٧ ، مستدرك الوسائل ٩ : ٢٨٨ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ق » : نعم ، قيل : في الرضويّ تصريح بالوجوب ـ انظر الرياض ١ : ٤٦٧ ـ وهو وإن كان كذلك كان كافيا بضميمة انجباره بما مرّ ، ولكن لا يحضرني الآن حتى ينظر في دلالته ، وفي أنّه هل هو قال على التفريق في الحجّة الأولى أو الثانية ، وأنّ منتهاه إلى أين.

(٤) الشرائع ١ : ٢٩٤.

٢٣٣

الامرأة والأهل عليها (١).

واستشكل فيه بعضهم ، لتبادر غيرها منهما (٢).

وهو في موقعه ، فإنّ دلالة أهله أو امرأته على الجارية ليست مستندة إلى وضع لغوي ، لعدم ثبوت وضع تركيبيّ لهما يوجب صدقه عليها ، فإنّ صدق الأهل على الأمة محلّ تأمّل.

وكذا وجه الاختصاص بالإضافة غير معلوم ، ولذا لا تصدق امرأته على بنته وأخته وامّه مع وجود نوع اختصاص ، وفي قوله في رواية عليّ : « فهي امرأته » نوع إشعار بأنّ المراد الزوجيّة ، وفي إثبات البدنة عليها أيضا فيها وفي صحيحتي زرارة وسليمان ـ من غير استفصال ـ دلالة عليه ، إذ لا تثبت البدنة على الأمة.

فالأقوى : عدم الإلحاق ، وإن كان الأحوط الإلحاق.

وممّا ذكر تظهر أولويّة عدم إلحاق الأجنبيّة والغلام والبهيمة أيضا ، للأصل.

وعن المنتهى : الإلحاق ، للأولويّة من جهة أفحشيّة الفعل (٣).

وفيه : عدم معلوميّة العلّة في الأحكام الثلاثة ، فإنّا نسلّم أولويّة الأجنبيّة وأخويها بلزوم الترك وترتّب الإثم ، وأمّا أولويّتها في اقتضاء هذه الأحكام الثلاثة فغير معلوم ، والاحتياط لا ينبغي أن يترك.

ب : المشهور بين الأصحاب ـ كما قيل (٤) ـ عدم الفرق في الوطء بين

__________________

(١) كما في كشف اللثام ١ : ٤٠٤.

(٢) كما في الحدائق ١٥ : ٣٦٣ ، الرياض ١ : ٤٦٦.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٣٨.

(٤) كما في المهذب البارع ٢ : ٢٧٩ الذخيرة : ٦١٨.

٢٣٤

القبل والدبر.

لصدق الوقاع والغشيان والإفضاء والمباشرة ـ الواردة في الأخبار ـ على وطء الدبر أيضا.

ونقل عن الشيخ في المبسوط : أنّه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة (١).

واحتجّ له بصحيحة ابن عمّار : عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج ، قال : « عليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل ، وإن كانت المرأة تابعته على الجماع [ فعليها مثل ما عليه ] ، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان وعليهما الحجّ من قابل » (٢).

وفي كلّ من النسبة والاحتجاج نظر : أمّا الأول ، فلما قيل (٣) ، من أنّ عبارته المحكيّة صريحة في الموافقة للمشهور ، وأنّ الذي فيه البدنة خاصّة هو الوقاع دون الفرج الشامل للقبل والدبر ، كما صرّح به في صدر عبارته المحكيّة.

نعم ، حكى في الخلاف الخلاف المزبور عن بعض الأصحاب ، محتجّا له بأصل البراءة (٤).

وأمّا الثاني ، فلصدق الفرج على الدبر أيضا لغة ، وتبادر القبل منه إنّما هو في العرف الطارئ ، الذي يجب الحكم فيه بأصالة التأخّر ، فلا يصلح ذلك دليلا لتخصيص العمومات المذكورة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٣٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٨ ـ ١٠٩٧ ، الوسائل ١٣ : ١١٩ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٧ ح ١ وفيه : وعليه الحجّ من قابل ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) انظر الرياض ١ : ٤٦٦.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٧٠.

٢٣٥

إلاّ أنّه يمكن الخدش في العمومات أيضا ، لأنّ الوقاع وما يرادفها من الألفاظ المتقدمة ليست موضوعة لوطء القبل والدبر ، بل لمعنى شامل لهما ولغيرهما من الأفراد المتكثّرة جدّا ، فلو بني الأمر فيهما على الإطلاق وإخراج ما عدا وطء الثقبين لزم خروج الأكثر ، وهو ـ على التحقيق ـ غير مجوّز ، فلا بدّ من ارتكاب التجوّز ، ولتعدّده يتأتّى الإجمال ، فيرجع فيما لا يعلم إلى الأصل.

( إلاّ أنّ قوله في الرضوي المتقدّم : « وإن جامعت في الفرج » ـ المنجبر بالشهرة ـ يدلّ بإطلاقه على المشهور ، فهو الحقّ المنصور ) (١).

ج : هل الحجّة الأولى فرضه والثانية عقوبة ، أو بالعكس؟

عن الشيخ (٢) وجماعة (٣) : الأول ، ونقله في المدارك عن أحكام الصدّ من الشرائع (٤) ، ويميل إليه كلام النافع (٥).

ونقل عن الشيخ في الخلاف (٦) وكثير من كتب الفاضل (٧) : الثاني ، وإليه ذهب الحلّي في السرائر (٨).

دليل الأول : الاستصحاب ، وصحيحة زرارة المتقدّمة (٩).

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق » : ومنه تعلم قوة ما نقله في الخلاف عن بعض الأصحاب ، وإن كان الاحتياط في متابعة المشهور.

(٢) في النهاية : ٢٣٠.

(٣) منهم يحيى بن سعيد في الجامع : ١٨٧ ، السبزواري في الكفاية : ٦٤ ، الذخيرة : ٦١٨.

(٤) المدارك ٨ : ٤٠٨ ، وهو في الشرائع ١ : ٢٨١.

(٥) النافع : ١٠٦.

(٦) حكاه عنه في السرائر ١ : ٥٥٠ ، وانظر الخلاف ٢ : ٣٦٧.

(٧) كما في المختلف : ٢٨٢ التحرير ١ : ١١٩.

(٨) السرائر ١ : ٥٥٠.

(٩) في ص ٢٢٩.

٢٣٦

ودليل الثاني : إنّ الاولى فاسدة ، والفاسد لا يجزئ ولا يبرئ ذمّته.

أمّا المقدّمة الأولى : فبالإجماع ، كما يشعر به استدلالهم على المطلوب بالفساد ، وصرّح بكونه إجماعيّا الفاضل المقداد (١).

وتدلّ عليه أيضا صحيحة سليمان بن خالد : « في الجدال شاة ، وفي السباب والفسوق بقرة ، والرفث فساد الحجّ » (٢).

ورواية عبيد ، وفيها : فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة ، فطاف أربعة أشواط ، ثمَّ غمزه بطنه ، فخرج فقضى حاجته ، فغشي أهله ، فقال : « أفسد حجّه وعليه بدنة » الحديث (٣).

والرضويّ : « والذي يفسد الحجّ ويوجب الحجّ من قابل : الجماع للمحرم في الحرم ، وما سوى ذلك ففيه الكفّارات » (٤).

وأمّا الثانية : فبالإجماع أيضا ، صرّح به الفاضل المذكور (٥).

أقول : كيف تقبل دعوى الإجماع مع نسبة الخلاف إلى الشيخ وجماعة؟! فإنّ بعد الإجماع على عدم إجزاء الفاسد يكون حكم الشيخ وتابعيه بالإجزاء كالتصريح بعدم الفساد ، كما ذكره في الدروس (٦) ، ونقل‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٥٥٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٩ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٤ ، الوسائل ١٣ : ١٤٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ١ ، وص ١٤٨ ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٩ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢١ ـ ١١٠٨ ، الوسائل ١٣ : ١٢٦ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١١ ح ٢.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٤ ، مستدرك الوسائل ٩ : ٢٨٨ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ٢.

(٥) التنقيح ١ : ٥٥٩.

(٦) الدروس ١ : ٣٧٠.

٢٣٧

الفاضل المذكور منع الفساد عن بعض الفضلاء أيضا (١) ، ونقله في المدارك (٢) ، وهو ظاهر اختياره ، حيث استدلّ بأصالة عدم تحقّق الفساد ، ويظهر من بعض من تأخّر عنه أيضا (٣).

فالإجماع على الفساد غير ثابت ، والمنقول منه بعيد عن الحجّية جدّا.

وأمّا رواية عبيد ، فغير باقية على حقيقتها إجماعا ، لعدم فساد الحجّ ـ بعد الوقوف بالمشعر ـ بالجماع إجماعا نصّا وفتوى.

وأمّا صحيحة سليمان ، فيتردّد الأمر فيها بين تخصيص الرفث بما بعد التلبية وقبل المشعر وبين التجوّز في الفساد ، والتخصيص وإن كان مقدّما على المجاز ، إلاّ أنّه يرجح الثاني هنا بقرينة صحيحة زرارة المذكورة الدالّة على عدم الفساد ، ولا يضرّ إضمارها كما حقّق في موضعه.

ورواية أبي بصير المرويّة في الفقيه : عن رجل واقع امرأته وهو محرم ، قال : « عليه جزور كوماء (٤) » ، قال : لا يقدر ، قال : « ينبغي لأصحابه أن يجمعوا له ولا يفسدوا له حجّة » (٥).

فإنّها تدلّ على عدم فساد الحجّ بعد أداء الكفّارة.

والحكم وإن كان كذلك لو لم يؤدّها أيضا ـ إذ الفساد وعدمه لا يتفاوت بأدائها وعدمه ، فالمراد بالفساد : نقصان الحجّ ـ إلاّ أنّه تدلّ على‌

__________________

(١) التنقيح ١ : ٥٥٩.

(٢) المدارك ٨ : ٤٠٩.

(٣) كما في الحدائق ٥ : ٣٦١.

(٤) كوماء : أي سمينة ـ مجمع البحرين ٦ : ١٦٠.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١٣ ـ ٩٧٠ ، المقنع : ٧٦ ، الوسائل ١٣ : ١١٣ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٣ ، بتفاوت يسير.

٢٣٨

انجبار النقصان أيضا بالكفّارة فضلا عن الفساد.

ومنه يظهر عدم دلالة الرضويّ أيضا ، مضافا إلى تخصيصه الفساد بالجماع في الحرم ، ولا قائل به ، بل ينفي الفساد في غيره.

وممّا ذكر ظهر أنّ الأقوى هو القول الأول.

وتظهر الفائدة بين القولين في موارد عديدة.

د : قد عرفت رجحان التفريق بين الرجل والمرأة ، وأنّه إجماعيّ وإن اختلف في وجوبه واستحبابه ، ومقتضى الأخبار المذكورة : الثاني ، ومقتضى الرضويّ (١) : الأول.

ثمَّ إنّ ها هنا خلافين آخرين :

أحدهما : أنّ هذا التفريق هل هو في الحجّة الأولى الأدائيّة والثانية القضائيّة ، أو في الثانية خاصّة؟

فالأول محكيّ عن جماعة ، منهم : الصدوقان والإسكافي (٢) ، وابن زهرة مدّعيا الإجماع عليه (٣).

والثاني أيضا منقول عن جمع ، منهم : المحقّق في الشرائع والنافع ، والفاضل في القواعد (٤).

والحقّ مع الأول (٥).

لدلالة طائفة من الأخبار المتقدّمة على التفريق فيهما ، وبعضها عليه‌

__________________

(١) المتقدم في ص ٢٣٣.

(٢) الصدوق في الفقيه ٢ : ٢١٣ ، حكاه عن والد الصدوق والإسكافي في المختلف : ٢٨٢.

(٣) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.

(٤) الشرائع ١ : ٢٩٤ ، النافع : ١٠٧ ، القواعد ١ : ٩٨.

(٥) في « ق » : والحق في الرجحان مع الأول ..

٢٣٩

في الاولى ، وبعضها في الثانية ، ولا تنافي بين شي‌ء منهما ، لأنّ ثبوته في أحدهما لا ينافي الثبوت في الآخر أيضا (١).

وثانيهما : أنّ منتهى هذا التفريق إلى أين هو؟ فإنّ الأخبار فيه مختلفة.

ففي بعضها : إلى بلوغ الهدي محلّه.

وفي بعض آخر : حتى يحلاّ.

وفي ثالث : حتى ينتهيا إلى مكّة.

وفي رابع : حتى يفرغا المناسك.

وفي خامس : حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه الخطيئة.

ويدلّ عليه أيضا الصحيح : « يفرّق بينهما حتى ينفر الناس ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » ، قلت : أرأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى ، أيجتمعان؟ قال : « نعم » (٢).

والمرويّ في نوادر البزنطي : « يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ، أو حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » ، [ فقلت : أرأيت ] إن أرادا أن يرجعا إلى غير ذلك الطريق؟ قال : « فليجتمعا إذا قضيا المناسك » (٣).

ومن الأصحاب من حمل ذلك الاختلاف إلى تفاوت مراتب الفضل (٤).

__________________

(١) في « ق » زيادة : وأمّا في الوجوب فالحكم به موقوف على ملاحظة الرضوي.

(٢) معاني الأخبار : ٢٩٤ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ١١٤ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٤.

(٣) مستطرفات السرائر : ٣١ ـ ٢٩ ، الوسائل ١٣ : ١١٤ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٥ ، بتفاوت يسير. وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) كما في الحدائق ١٥ : ٣٧١ ، الرياض ١ : ٤٦٧.

٢٤٠