مستند الشّيعة - ج ١٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-073-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٣

دالّة ، بل آمرة بإخراجه عنه ، وهو لا يدلّ على الزوال ، مع أنّ الأمر فيه أيضا ليس دالاّ على الوجوب ، لوروده بالجملة الخبريّة.

فإذن فعدم الزوال ـ كما حكي عن الإسكافي والشيخ (١) ، وقوّاه جماعة من المتأخّرين (٢) ـ أقوى.

نعم ، يجب عليه إرساله إذا دخل الحرم.

لرواية أبي سعيد ، وغيرها (٣).

ولو لم يرسله حينئذ حتى مات فعليه الفداء إجماعا.

لحسنة بكير بن أعين (٤).

ولو كان له صيدا ولم يكن معه ـ بل كان نائيا عنه ـ لم يزل ملكه عنه ، بلا خلاف ، كما صرّح به جماعة (٥).

وتدلّ عليه صحيحتا جميل (٦) ومحمّد (٧).

وكما لا يزول ملكه عنه مطلقا قطعا (٨) ، فهل يجوز له إدخاله في ملكه ابتداء ببيع أو هبة أو إرث أو وقف أو غيرها ، أم لا؟

ولو أدخله فهل ينتقل إليه ، أم لا؟

__________________

(١) الشيخ في التهذيب ٥ : ٣٦٢ ، حكاه عن الإسكافي في المدارك ٨ : ٣٦٣.

(٢) كصاحبي المدارك ٨ : ٣٦٣ ، والحدائق ١٥ : ١٧١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٧٣ أبواب كفّارات الصيد ب ٣٤.

(٤) الكافي ٤ : ٢٣٤ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ١٢٥٩ ، الوسائل ١٣ : ٧٥ أبواب كفّارات الصيد ب ٣٦ ح ٣.

(٥) منهم صاحب المدارك ٨ : ٣٦٤ ، الذخيرة : ٦١٢ ، الرياض ١ : ٤٥٨.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٢ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ١٢٦٠ ، الوسائل ١٣ : ٧٣ أبواب كفّارات الصيد ب ٣٤ ح ١.

(٧) الفقيه ٢ : ١٦٧ ـ ٧٣١ ، الوسائل ١٣ : ٧٤ أبواب كفّارات الصيد ب ٣٤ ح ٤.

(٨) ليست في « ق » و « س ».

٢٠١

قال جماعة ـ بل هم الأكثر كما قيل ـ بعدم الدخول في ملكه مطلقا (١).

وفرّق جماعة بين ما كان معه عند الإحرام فلا يملكه ، وما لم يكن معه فيملكه (٢).

واحتجّوا بوجوه غير تامّة ، والأصل يقتضي الدخول ، إلاّ أنّه صرّح في صحيحة الحذّاء بأنّ من اشترى بيض نعامة لرجل محرم فعلى الذي اشتراه فداء (٣).

وفي رواية أبي بصير بأنّ قوما محرمين اشتروا صيدا على كلّ إنسان منهم فداء (٤).

فإن قلنا باستلزام وجوب الفداء للحرمة ـ إمّا مطلقا أو هنا خاصّة ، للإجماع المركّب ـ وباقتضاء النهي في المعاملات للفساد كما هو التحقيق ، يثبت الحكم بعدم الانتقال بالاشتراء ، ويتعدّى إلى غيره بالإجماع المركّب ، والله العالم.

المسألة الثامنة : كما يجب الفداء بالذبح على المحرم ، كذلك يجب بأن يمسك الصيد وذبحه غيره من محلّ أو محرم ، بلا خلاف فيه ، كما صرّح به جماعة (٥) ، بل بالإجماع ظاهرا ، فهو الحجّة فيه.

وقد يستدلّ له بفحوى ما مرّ من لزومه على الشريك في الرمي من‌

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ١ : ٣٤٧ ، الخلاف ٢ : ٤١٣ ، العلاّمة في التحرير ١ : ١١٧.

(٢) انظر الروضة ٢ : ٣٥٠ ، جامع المقاصد ٣ : ٣٣٤ ، الذخيرة : ٦١٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٨ ـ ١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ ـ ١٦٢٨ ، الوسائل ١٣ : ١٠٥ أبواب كفارات الصيد ب ٥٧ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٢ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٥ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ذيل الحديث ٥.

(٥) منهم صاحب الرياض ١ : ٤٥٨.

٢٠٢

غير إصابة وعلى الدالّ ، فهنا أولى.

وفيه نظر.

المسألة التاسعة : قال جماعة : السائق يضمن ما تجنيه دابّته مطلقا ، وكذلك الراكب إذا كانت دابّته واقفة ، وإذا كانت سائرة يضمن ما تجنيه بيديها (١).

وألحق في المنتهى الرأس باليدين أيضا (٢).

وكأنّ مستندهم في التفصيل ما ورد في حكم مطلق الجناية.

والأظهر الرجوع إلى صحيحة ابن عمّار في المحرم : « ما وطئت من الدباء أو وطئته بعيرك فعليك فداؤه » (٣).

وفي الأخرى : « ما وطئ بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه » (٤).

ورواية الكناني : « ما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابّتك وأنت محرم فعليك فداؤه » (٥).

وهذه الروايات مطلقة بالإضافة إلى اليد والرجل ، فعليه الفتوى ، وكذا الرأس ، لعدم قول بالفصل.

ولو انقلبت الدابّة على صيد أو جراد لم يكن ضمان ، كما ذكره في‌

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٢٩٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤١ ، صاحب المدارك ٨ : ٣٧٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٣١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٣ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ١٠٠ أبواب كفارات الصيد ب ٥٣ ب ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٢ ـ ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٣٤ ـ ١١١٨ ، الوسائل ١٣ : ١٠٠ أبواب كفارات الصيد ب ٥٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ـ ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ١٣ : ١٠٠ أبواب كفارات الصيد ب ٥٣ ح ٣.

٢٠٣

المنتهى (١) ، للأصل.

وهل يضمن مالك الدابّة إذا لم يركبها أو كانت سائبة للرعي أو الاستراحة؟

قيل : لا ، لانتفاء اليد ، وتبادر الراكب من الروايتين (٢).

وقد يقال : نعم ، لظاهر إطلاق لفظ الروايات.

وهو الأظهر.

المسألة العاشرة : لو دلّ محرم على صيد في حلّ أو حرم محلاّ أو محرما فقد ضمنه إجماعا ، كما عن الخلاف والغنية (٣).

لصحيحتي [ الحلبي ] (٤) ومنصور (٥) ، المتقدّمتين في مسألة تحريم الصيد من تروك الإحرام ، واحتمال إرادة كون الفداء في الأول على المستحلّ دون الدالّ خلاف ما يفهم من متن الحديث.

ومقتضى الحديثين اختصاص الفداء بصورة القتل بالدلالة.

أمّا الحديث الأول فلقوله : « فيستحلّ من أجلك ».

وأمّا الثاني فظاهر.

مع أنّه لو لا اختصاص الأول للزم تخصيصه بمفهوم الشرط في الثاني.

والفداء مخصوص بما إذا أفادت الدلالة شيئا للمدلول.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٣١.

(٢) في المدارك ٨ : ٣٧٢.

(٣) الخلاف ٢ : ٤٠٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٤) في النسخ : ابن عمّار ، والصحيح ما أثبتناه. انظر الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٤٣ أبواب كفارات الصيد ب ١٧ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٤١٦ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ٣.

٢٠٤

وإن كان يراه فلا فداء على الدالّ ، لعدم صدق الدلالة والاستحلال لأجله حينئذ.

ومقتضى الصحيحة الأولى ضمان المحلّ أيضا إذا دلّ في الحرم ، ولكن إذا دلّ في الحلّ محرما فلا فداء على المحلّ ، للأصل.

المسألة الحادية عشرة : لو أغرى المحرم كلبه أو بازه بصيد فقتله ، ضمن.

لصدق الدلالة والاصطياد والإصابة الواردة في الروايات.

المسألة الثانية عشرة : لو وقع واحد ممّا مرّ ـ ممّا له الفداء أو بدله أو القيمة أو غيرها ـ من المحرم في الحرم يجتمع عليه ما يلزم المحرم في الحلّ والمحلّ في الحرم ، على الحقّ المشهور بين الأصحاب ، كما صرّح به جماعة (١) ، بل نسب خلافه إلى النادر (٢).

للمعتبرة المستفيضة ، كصحيحة زرارة المتقدّمة في المسألة الرابعة من المقام الأول (٣).

ورواية ابن الفضيل : عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو غير محرم ، قال : « عليه قيمتها ، وهو درهم يتصدّق به أو يشتري طعاما لحمام الحرم ، وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة » (٤).

__________________

(١) منهم العلاّمة في المختلف : ٢٧٨ ، السبزواري في الذخيرة : ٦٠٨ ، الكفاية : ٦٤.

(٢) كما في الرياض ١ : ٤٥٩.

(٣) راجع ص : ١٦٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٥ ـ ١١٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ ـ ٦٧٩ ، الوسائل ١٣ : ٢٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٦.

٢٠٥

والأخرى : عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو محرم ، قال : « إن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة » إلى أن قال : « فإن قتله وهو محرم في الحرم فعليه حمل وقيمة الفرخ نصف درهم » الحديث (١).

وصحيحة الحلبي : « إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة درهم أو شبهه ، يتصدّق به أو يطعمه حمام مكّة ، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها » (٢).

ورواية أبي بصير : عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم ، فقال : « عليه شاة » ، قلت : فإن قتلها في جوف الحرم؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » ، قلت : فإن قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : « عليه ثمنها ، ليس عليه غيره » (٣).

والأخرى : في رجل قتل طيرا من طير الحرم وهو محرم في الحرم ، فقال : « عليه شاة وقيمة الحمام درهم يعلف به حمام الحرم » (٤).

وصحيحة ابن عمّار : « إن أصبت الصيد وأنت محرم في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فالفداء قيمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنّما عليك فداء‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣٣ ـ ١١١٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٨ أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ١ وفيه صدر الحديث.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٢٩ أبواب كفّارات الصيد ب ١١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٧ ـ ١٢٠٣ ، الوسائل ١٣ : ٢٩ أبواب كفّارات الصيد ب ١١ ح ٢.

وأورد ذيلها في ص ٢٨ ب ١٠ ح ٩.

(٤) الفقيه ٢ : ١٧١ ـ ٧٥١ ، الوسائل ١٣ : ٣٠ أبواب كفّارات الصيد ب ١١ ح ٥.

٢٠٦

واحد » (١).

وموثّقة ابن عمّار في حكم الصيد ، وفيها : « فإن أصبته وأنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فعليك القيمة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا » الحديث (٢).

ومثل الأخيرين المرويّ عن مولانا الجواد عليه‌السلام المتقدّم في الرابعة من المقام الأول (٣).

والمراد بالفداء في الأخيرين : ما يعمّ القيمة ، كما يظهر منهما وممّا مرّ في المسألة الرابعة.

ويظهر للمتتبّع في الأخبار وكلمات القدماء أنّ الفداء والجزاء أعمّ من المقدّرات الشرعيّة والقيمة ، وهو المطابق للّغة ، مضافا إلى ما مرّ من أخبار الحمامة ، فإنّها صريحة في أنّ المجتمع على المحرم في الحرم : الفداء والقيمة ، لا الفداء مضاعفا.

ومنه يظهر أنّه لا يلزم ارتكاب تجوّز في لفظ الفداء ، بل أراد المطلق ، وإن ثبت التعيين بأخبار الحمامة منضمّة إلى عدم القول بالمطلق في غير الحمامة والخصوص في الحمامة.

ومنه يظهر أيضا ضعف القول المحكيّ عن الإسكافي والسيّد في أحد قوليه ـ بتضاعف الفداء المصطلح مطلقا لأجل الأخبار الثلاثة (٤) ـ لما ذكر ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ٨٩ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٤ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٧٠ أبواب كفّارات الصيد ب ٣١ ح ٥.

(٣) راجع ص : ١٦٥.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٢٧ ، السيّد في الانتصار : ٩٩.

٢٠٧

ولأنّ غاية الأخيرة الإطلاق في الفداء ، وهو لا يعيّن المصطلح.

وقد يتوهّم صراحة الأخيرة في تضاعف الفداء المصطلح.

وكأنّه استنبطه من قوله ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١).

ويمكن أن يقال : بأنّ الهدي لعلّه لبعض منه لا للجميع ، أو المراد بالهدي : ما يعمّ غير الحيوان أيضا ، مع أنّ فيه صرّح بالفداء والقيمة للفرخ ، ولو سلّم فلضعف الرواية لا تصلح دليلا لحكم هذا.

مع أنّ السيّد والإسكافي أطلقا الفداء أيضا ، فيمكن أن يكون مرادهما ما يطابق المشهور ، بل هو الظاهر للمتتبّع في كلمات القدماء.

وقال الحلّي في السرائر : وإذا صاد المحرم في الحرم كان عليه جزاءان ، أو القيمة مضاعفة إن كانت له قيمة منصوصة (٢). انتهى.

وظاهر هذه العبارة يطابق المحكيّ عن الإسكافي ، فعيّن عليه الجزاءان فيما له جزاء ، والقيمة المضاعفة فيما له قيمة منصوصة.

وحكي عن جماعة : التخيير (٣).

وعن العماني : شاة في الحمامة (٤).

ولو لا مخافة خرق الإجماع المركّب لقلنا في الحمامة بالفداء المصطلح والقيمة ، وفي غيرها بالتخيير ، والله العالم.

والتضاعف إنّما هو إذا لم يبلغ الفداء بدنة ، وإذا بلغها ـ كما في النعامة ـ يقتصر عليها عند جماعة (٥) ، بل المشهور كما عن‌

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) السرائر ١ : ٥٦٣.

(٣) حكاه في الرياض ١ : ٤٦٠.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢٧٨.

(٥) انظر النهاية : ٢٦٦ ، الشرائع ١ : ٢٩٢ ، التبصرة : ٦٥.

٢٠٨

المسالك (١) ، للمرسلتين (٢).

خلافا لجمع آخر (٣) ، بل ادّعي عليه الشهرة أيضا (٤) ، لإطلاق ما مرّ.

وفيه : أنّ المرسلتين خاصّتان ، فيجب التخصيص بهما ، والقول بضعفهما لا اعتبار له عندنا.

المسألة الثالثة عشرة : لا فرق في ضمان الفداء أو القيمة فيما له أحدهما بين العمد ـ بأن يعلم أنّه صيد ذاكر لإحرامه ـ والسهو ـ بأن يكون غافلا عن الإحرام أو كونه صيدا ـ والجهل بالحكم ، والعلم ، والخطأ ـ بأن قصد شيئا فأخطأ إلى الصيد ـ والاختيار ، والاضطرار ، إلاّ فيما مرّ من الجراد ممّا يشقّ التحرّز عنه.

بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا في الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى (٥) وغيرها (٦).

له ، وللإطلاقات ، وخصوص المستفيضة :

كصحيحة ابن عمّار : « اعلم أنّه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت جاهل به وأنت محرم في حجّك ولا في عمرتك ، إلاّ الصيد ، فإنّ عليك فيه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٢.

(٢) الاولى في : الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ٩٢ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٦ ح ١.

الثانية في : التهذيب ٥ : ٣٧٢ ـ ١٢٩٤ ، الوسائل ١٣ : ٩٢ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٦ ح ٢.

(٣) انظر السرائر ١ : ٥٦٣ ، كشف اللثام ١ : ٤٠٢ ، الذخيرة : ٦٠٨.

(٤) كما في الرياض ١ : ٤٦٠.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٩٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، التذكرة ١ : ٣٥١ ، المنتهى ٢ : ٨١٨.

(٦) كالمدارك ٨ : ٣٩٥ ، الرياض ١ : ٤٦٠.

٢٠٩

الفداء بجهالة كان أو بعمد » (١).

والبزنطي : عن المحرم يصيب الصيد بجهالة ، قال : « عليه كفّارة » ، قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : « وأيّ شي‌ء الخطأ عندك؟ » قلت : يرمي هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى ، قال : « نعم ، هذا الخطأ وعليه الكفّارة » ، قلت : فإنّه أخذ طائرا متعمّدا فذبحه وهو محرم ، قال : « عليه الكفّارة » ، قلت :

ألست قلت : إنّ الخطأ والجهل والعمد ليسوا بسواء ، فلأيّ شي‌ء يفضل المتعمّد الجاهل والخاطئ؟ قال : « إنّه أثم ولعب بدينه » (٢).

والأخرى : عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأ أو عمد ، أهم فيه سواء؟ قال : « لا » ، قلت : جعلت فداك ، ما تقول في رجل أصاب صيدا بجهالة وهو محرم ، إلى قريب ممّا مرّ في السابقة (٣).

وفي الصحيح عن مسمع : « إذا رمى المحرم صيدا فأصاب اثنين فإنّ عليه كفّارتين جزاؤهما » (٤).

وحكي عن العماني : السقوط عن الناسي ، لحديث رفع القلم (٥).

وقوله شاذّ ، واستدلاله ضعيف.

وكما يتساوى الجميع في أصل الكفّارة كذلك يتساوى في وحدتها وعدم تضاعفها ولو في العمد ، للأصل ، والإطلاق.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٢ ـ ١٠ ، الوسائل ١٣ : ٧٠ أبواب كفّارات الصيد ب ٣١ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ٦٩ أبواب كفّارات الصيد ب ٣١ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٠ ـ ١٢٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٦٩ أبواب كفّارات الصيد ب ٣١ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ٧١ أبواب كفّارات الصيد ب ٣١ ح ٦.

(٥) الخصال : ٩٣ ـ ٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

٢١٠

خلافا للمحكيّ عن الناصريات والانتصار (١) ، فقال بالتضاعف في العمد إمّا مع قصد نقض الإحرام كما عن الأول ، أو مطلقا كما عن الثاني.

للإجماع.

والاحتياط.

وأغلظيّة العمد.

والأول : ليس بحجّة.

والثاني : ليس بواجب.

والثالث : اجتهاد في مقابلة النصّ المصرّح بأنّ الفارق بين العمد وغيره ليس إلاّ الإثم.

المسألة الرابعة عشرة : إذا تكرّر الصيد من المحرم ، فإن كان من غير عمد ضمن الكفّارة بكلّ مرّة إجماعا.

لإطلاق صحيحة ابن عمّار : في المحرم يصيد الصيد ، قال : « عليه الكفّارة في كلّ ما أصاب » (٢).

والأخرى : محرم أصاب صيدا ، قال : « عليه الكفّارة » ، قلت : فإن هو عاد؟ قال : « عليه كلّما عاد كفّارة » (٣).

وخصوص مرسلة ابن أبي عمير : « إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفّارة ، فإن أصابه ثانيا خطأ فعليه الكفّارة أبدا إذا كان خطأ ، فإن أصابه متعمّدا كان عليه الكفّارة ، فإن أصابه ثانيا متعمّدا فهو ممّن ينتقم الله منه ولم‌

__________________

(١) الناصريات : ٢٠٩ ، الانتصار : ٩٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٤ ـ ١ بتفاوت ، التهذيب ٥ : ٣٧٢ ـ ١٢٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٧١٨ ، الوسائل ١٣ : ٩٢ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٢ ـ ١٢٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٧١٩ ، الوسائل ١٣ : ٩٣ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٧ ح ٣.

٢١١

يكن عليه الكفّارة » (١).

وبالأخيرة يقيّد ما دلّ على نفي التكرّر مطلقا ، كصحيحة الحلبي : في محرم أصاب صيدا ، قال : « عليه الكفّارة » ، قلت : فإن أصاب آخر؟ قال : « إذا أصاب آخر ليس عليه كفّارة ، وهو ممّن قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) » (٢).

وابن أبي عمير : « المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدّق بالصيد على مسكين ، فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه ، وينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة » (٣).

ورواية حفص : « إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له : هل أصبت صيدا قبل هذا وأنت محرم؟ فإن قال : نعم ، فقولوا له : إنّ الله ينتقم منك ، فاحذر النقمة ، فإن قال : لا ، فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد » (٤).

مع أنّ الظاهر من هذه الأخبار النافية للتكرّر : المتعمّد ، بل صريحة فيه ، لقوله ( فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ).

ومنها يظهر عدم ضمان المتعمّد غير المرّة الواحدة ، وفاقا للشيخ في النهاية والتهذيبين والصدوق في الفقيه والمقنع والقاضي والنكت‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٢ ـ ١٢٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ ـ ٧٢١ ، الوسائل ١٣ : ٩٤ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٤ ـ ٢ ، الوسائل ١٣ : ٩٤ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٨ ح ٤ ، والآية في : المائدة : ٩٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٧ ـ ١٦٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ ـ ٧٢٠ ، الوسائل ١٣ : ٩٣ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٨ ح ١. وفي الجميع : عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ..

(٤) التهذيب ٥ : ٤٦٧ ـ ١٦٣٥ ، الوسائل ١٣ : ٩٤ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٨ ح ٣.

٢١٢

والمسالك (١) ، بل وأكثر المتأخّرين (٢) ، بل عن الكنز : نسبته إلى أكثر الأصحاب (٣) ، وعن التبيان : أنّه ظاهر مذهب الأصحاب (٤) ، وعن المجمع : أنّه الظاهر في رواياتنا (٥) ، وفي الشرائع : أنّه الأشهر (٦) ، وفي النافع : أشهر الروايتين (٧).

لهذه الأخبار ، وبها تقيّد الصحيحتين الأوليين ، لأخصّيتها.

مع أنّه لو سلّمت المساواة لزم الجمع بما ذكر بشهادة المرسلة التي هي في حكم المسانيد ، ولولاها أيضا لزم تقديم هذه الأخبار ، لأكثريّتها ، ولمخالفتها لأكثر العامّة ، بل موافقتها لظاهر الكتاب ، لأنّ الله سبحانه حكم بالجزاء أولا وبالانتقام لمن عاد ، ويفهم منه : أنّ الأول ليس بمن عاد ، بل هو البادئ ، ولكون التفصيل قاطعا للشركة يدلّ على انتفاء غير الانتقام فيمن عاد ، وللأصل.

فالقول بالتكرّر مطلقا ـ كما عن المبسوط والخلاف والإسكافي والحلّي والحلبي والسيّدين والفاضل في جملة من كتبه وكنز العرفان (٨)

__________________

(١) النهاية : ٢٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٤ ، المقنع : ٧٩ ، القاضي في شرح جمل العلم والعمل : ٢٤٠ ، والمهذب ١ : ٢٢٨ ، المسالك : ١٤٢.

(٢) كما في الرياض ١ : ٤٦١.

(٣) كنز العرفان ١ : ٣٢٧.

(٤) التبيان ٤ : ٢٧.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٢٤٥.

(٦) الشرائع ١ : ٢٩٢.

(٧) النافع : ١٠٥.

(٨) المبسوط ١ : ٣٤٢ ، الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٧٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٦٣ ، الحلبي في الكافي : ٢٠٥ ، السيّد المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٥٩ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، الفاضل في المختلف : ٢٧٧ ، والقواعد ١ : ٩٨ ، كنز العرفان ١ : ٣٢٨.

٢١٣

وغيرهم (١) ـ ضعيف.

واستدلّوا له بالآية (٢).

وقد عرفت أنّها ظاهرة في غير من عاد.

وبالاحتياط.

وهو ليس بواجب.

وبإطلاق مطلقات الكفّارة.

وفيها : أنّها ظاهرة في المرّة الاولى ، ولو سلّم فيجب التقييد بما مرّ.

وبما مرّ في المسألة السابقة من الأخبار المصرّحة بنفي الفرق بين الخطأ والعمد إلاّ في الإثم.

وفيها : أنّها أيضا ظاهرة في المرّة الاولى ، ولو سلم فعامّة بالنسبة إلى المرسلة وما بعدها ، فيجب التخصيص بها.

والظاهر اختصاص ذلك التفصيل بالصيد الإحرامي.

وأمّا الحرمي للمحلّ فالظاهر تكرّر الكفّارة فيه مطلقا ، لاختصاص الأخبار بالمحرم.

وكذا يختصّ بالعمد بعد العمد ، وبالإحرام الواحد ، فتتكرّر [ في ] (٣) العمد بعد الخطأ أو النسيان وعكسه ، وفي الإحرامين مطلقا لعامين أو عام واحد ، لم يرتبط أحدهما بالآخر ، أو ارتبط ، كإحرام العمرة للمتمتّع بها مع‌

__________________

(١) كالعلاّمة في الإرشاد ١ : ٣٢١ ، الشهيد في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٣٦٤.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.

٢١٤

حجّها.

المسألة الخامسة عشرة : إذا عرفت وجوب الفداء على المحرم في الصيد ونحوه بما مرّ مفصّلا ، وستعرف وجوبه على المحلّ في الحرم أيضا بأداء ثمنه.

فاعلم أنّ الفداء كلّما كان من حيوان أو طعام أو ثمن أو نحوها يجب صرفه لله سبحانه ـ كما يأتي ـ سواء كان الصيد مملوكا لأحد أم لا.

نعم ، يزيد في الأول ضمان القيمة للمالك أيضا على ما تقتضيه قاعدة الإتلاف ، وفاقا للمحكيّ عن الخلاف والمبسوط والتذكرة والتحرير والمنتهى والدروس والمسالك والمحقّق الشيخ عليّ (١) ، وجماعة من المتأخّرين (٢) ، بل أكثرهم ، بل قيل : إنّه مذهب المتأخّرين كافّة (٣) ، بل ظاهر المنتهى دعوى الاتّفاق عليه (٤).

أمّا ضمان القيمة للمالك في المملوك فلأدلّة ضمان المتلف ما أتلفه بالمثل أو القيمة بلا معارض.

وأمّا صرف الفداء لله فلأنّه شي‌ء أمر به سبحانه وأوجبه ، وتصريح الأخبار المتواترة به :

كصحيحة الحلبي : عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه ، قال :

__________________

(١) حكاه عن الخلاف في كشف اللثام ١ : ٤٥٢ ، المبسوط ١ : ٣٤٦ ، التذكرة ١ : ٣٥١ ، التحرير ١ : ١١٥ ، المنتهى ٢ : ٨١٩ ، الدروس ١ : ٣٥٣ ، المسالك ١ : ١٤٤ ، وانظر جامع المقاصد ٣ : ٣٤٠.

(٢) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٢ ، وصاحبي الحدائق ١٥ : ٣٢٥ ، والرياض ١ : ٤٦٢.

(٣) كما في الرياض ١ : ٤٦٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٨١٩.

٢١٥

« يأكل من أضحيته ويتصدّق بالفداء » (١).

وزرارة : « [ إذا أصاب ] المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي [ فعليه ] دم يهريقه ويتصدّق بمثل ثمنه ، والحلال يتصدّق بمثل ثمنه » (٢).

وفي صحيحة عليّ : فيمن أخرج طيرا من مكّة فمات « تصدّق بثمنه » (٣).

وفي صحيحة ابن سنان : في حمام مكّة الأهلي « يتصدّق بصدقة أفضل من ثمنه » (٤).

وفي صحيحة الحذّاء : « إذا لم يجد الجزاء قوّم جزاؤه من النعم ، ثمَّ قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع » (٥).

ورواية ابن مسكان : عن رجل أهدى هديا فانكسر ، قال : « إن كان مضمونا ـ والمضمون : ما كان في يمين أو نذر أو جزاء ـ فعليه فداؤه » ، قلت : أيأكل منه؟ قال : « لا ، إنّما هو للمساكين » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٠ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٩٥ ـ ١٤٦٠ ، وفي التهذيب ٥ : ٢٢٤ ـ ٧٥٧ ، والاستبصار ٢ : ٢٧٣ ـ ٩٦٦ ، الوسائل ١٤ : ١٦٤ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٥ ، بتفاوت.

(٢) الفقيه ٢ : ١٦٧ ـ ٧٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٢٩ أبواب كفّارات الصيد ب ١١ ح ٤ ، بتفاوت. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٤ ـ ١٦٢٠ ، قرب الإسناد : ٢٤٤ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٧ أبواب كفّارات الصيد ب ١٤ ح ١ ، مسائل علي بن جعفر : ١٠٥ ـ ٨ ، بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٤ : ٢٣٥ ـ ١٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٩ ـ ٧٤٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٣ أبواب كفّارات الصيد ب ٩ ح ٥ ، بتفاوت.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٨ أبواب كفّارات الصيد ب ٢ ح ١ ، بتفاوت.

(٦) الكافي ٤ : ٥٠٠ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢٤ ـ ٧٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٢ ـ ٩٦٥ ، الوسائل ١٤ : ١٦٥ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٦ ، وفيها : عن ابن مسكان ، عن أبي بصير. كما وفيها : .. في يمين يعني نذرا أو جزاء ..

٢١٦

إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة.

ويدلّ عليه أيضا إطلاق الكفّارة عليه في الأخبار الكثيرة.

خلافا للمحقّق في الشرائع والنافع والفاضل في الإرشاد والقواعد وغيرهما في المملوك ، فجعلوا الفداء لصاحبه (١).

ولا دليل عليه أصلا ، إذ ليس إلاّ أدلّة ضمان التلف ، وشي‌ء منها لا ينطبق على قاعدة الفداء ، ولذا أوردت عليه إشكالات عديدة ، حتى أنهاها في المسالك إلى اثني عشر (٢) ، والمتأمّل يجدها أكثر.

وأمّا على المختار فلا إشكال أصلا.

المسألة السادسة عشرة : الفداء إن لم يكن حيوانا [ يتصدّق به ] (٣).

وإن كان حيوانا يذبحه أولا بنيّة الكفّارة ، ثمَّ يتصدّق به.

كما نطقت به الأخبار :

منها : صحيحة زرارة المتقدّمة المتضمّنة لقوله : « دم يهريقه ».

وصحيحة ابن سنان الناطقة بأنّ : « من وجب عليه فداء صيد أصابه وهو محرم فإن كان حاجّا نحر بمنى ، وإن كان معتمرا نحر بمكّة » (٤).

وفي صحيحة عليّ ـ في الفداء الحرمي ـ : « بعير ينحره في‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٩٣ ، النافع : ١٠٥ ، الإرشاد ١ : ٣٢١ ، القواعد ١ : ٩٨ ، وانظر تبصرة المتعلمين : ٦٥.

(٢) المسالك ١ : ١٤٣.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق » و « ح » : فتصدقه ، والأولى ما أثبتناه.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٤ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٧٣ ـ ١٢٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ ـ ٧٢٢ ، الوسائل ١٣ : ٩٥ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٩ ح ١ ، بتفاوت.

٢١٧

المنحر » (١) ، إلى غير ذلك.

ويتصدّقه على المساكين والفقراء ، ولا يجب فيهم التعدّد في غير ما ورد ، كإطعام ستّين ونحوهم.

للأصل ، ويستفاد من الأخبار.

ولا يأكل منه ، بلا خلاف يوجد ، بل عليه الإجماع عن جماعة (٢).

وتدلّ عليه الأخبار المصرّحة بأنّه يتصدّق على المساكين ، وخصوص صحيحة الحلبي ورواية ابن مسكان المتقدّمتين ، وصحيحة حريز (٣) ، ورواية ابن عمّار (٤).

ورواية عليّ بن أبي حمزة : عن رجل قبّل امرأته وهو محرم ، قال : « عليه بدنة وإن لم ينزل ، وليس له أن يأكل منها » (٥).

وبإزاء تلك الأخبار روايات أخر تدلّ على جواز الأكل منه ، كصحيحتي ابن عمّار (٦) وابن سنان (٧) ، وحسنة الكاهلي (٨) ، ورواية جعفر‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ـ ١٢٣٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٣ ـ ٦٨٨ ، قرب الإسناد : ٢٣٦ ـ ٩٢٥ ، الوسائل ١٣ : ٥٤ أبواب كفّارات الصيد ب ٢٤ ح ١ ، بتفاوت.

(٢) كما في الخلاف ٢ : ٣٤٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٣ ، الوسائل ١٤ : ١٦٧ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٢٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢١٥ ـ ٧٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٠ ـ ٩٥٧ ، الوسائل ١٤ : ١٣٢ أبواب الذبح ب ٢٥ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ ـ ١١٢٣ ، الوسائل ١٣ : ١٣٩ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٢٣ ـ ٧٥١ ، الوسائل ١٤ : ١٥٩ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١ ، والآية في : الحج ٣٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٨٤ ـ ١٧٢٣ ، الوسائل ١٤ : ١٦٢ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٠.

(٨) التهذيب ٥ : ٢٢٥ ـ ٧٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٣ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ١٤ : ١٦١ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٦.

٢١٨

ابن بشير (١).

وردّوها بالشذوذ.

أقول : ولولاه أيضا لتعارضتا ويجب الرجوع إلى عمومات التصدّق.

وحملها بعضهم على حال الضرورة (٢).

ثمَّ أقول : الظاهر أنّ المراد من الأخبار الأولى : الأكل مجّانا ـ كما هو المتبادر منها ـ ومن الثانية : مطلق الأكل ، فيجوز له الأكل مع ضمان القيمة ، كما صرّح بلزوم القيمة لو أكل في صحيحة حريز ورواية السكوني (٣).

ولا يبعد أن يكون ذلك مراد المانعين والمجوّزين ، وبه يندفع التعارض من الأخبار أيضا ، وعليه الفتوى.

المسألة السابعة عشرة : يستثنى من وجوب التصدّق : فداء حمام الحرم للمحرم ، وقيمته للمحلّ في الحرم ، وهما لهما ، فيتخيّر بين التصدّق به واشتراء العلف لحمام الحرم.

لصحيحة الحلبي المصرّحة بالتخيير (٤) ، وبها تخرج مطلقات الأمر بالثاني ـ وهي كثيرة ـ عن ظاهرها الذي هو التعيين ، مع أنّها بكثرتها خالية عن الدالّ على الوجوب ، وإنّما غايتها الرجحان ، وهو مسلّم ، فيكون الثاني أفضل فردي المخيّر.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٥ ـ ٧٦٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٣ ـ ٩٦٩ ، الوسائل ١٤ : ١٦١ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٧.

(٢) كالشيخ في التهذيب ٥ : ٢٢٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٥ ـ ٧٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٣ ـ ٩٧٠ ، الوسائل ١٤ : ١٦١ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٥١ أبواب كفّارات الصيد ب ٢٢ ح ٥.

٢١٩

المسألة الثامنة عشرة : اختلفت الأخبار في محلّ ذبح الفداء أو نحره :

منها : المرويّ في إرشاد المفيد عن مولانا الجواد عليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحجّ نحره بمنى ، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكّة » (١).

والمرويّ في تفسير عليّ مسندا وفي تحف العقول مرسلا : « المحرم بالحجّ ينحر الفداء بمنى ، والمحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكّة » (٢).

وصحيحة ابن سنان : « من وجب عليه فداء صيد أصابه وهو محرم ، فإن كان حاجّا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى ، وإن كان معتمرا نحره بمكّة قبالة الكعبة » (٣).

وموثّقة زرارة : « في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء ، فعليه أن ينحره إن كان في الحجّ بمنى حيث ينحر الناس ، وإن كان في عمرة نحره بمكّة ، وإن شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه ، فإنّه يجزئ عنه » (٤).

وفي رواية الكرخي : « فإن كان هديا واجبا فلا ينحره إلاّ بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء » (٥).

وصحيحة حريز ، وفيها : « فإن قتل فرخا وهو محرم في غير الحرم‌

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٨٣ ، الوسائل ١٣ : ١٤ أبواب كفّارات الصيد ب ٣ ح ١.

(٢) تفسير القمي ١ : ١٨٣ ، تحف العقول : ٣٣٥ ، الوسائل ١٣ : ١٥ أبواب كفّارات الصيد ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٤ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٧٣ ـ ١٢٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ ـ ٧٢٢ ، الوسائل ١٣ : ٩٥ أبواب كفّارات الصيد ب ٤٩ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٤ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٧٣ ـ ١٣٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢١٢ ـ ٧٢٣ ، الوسائل ١٣ : ٩٨ أبواب كفّارات الصيد ب ٥١ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٨٨ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ ـ ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٣ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ١٤ : ٨٨ أبواب الذبح ب ٤ ح ١.

٢٢٠