مستند الشّيعة - ج ١٣

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٣

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-073-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٣

الفصل الأوّل

في بيان ما يتعلّق بقسمي الحجّ‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : حجّ الإفراد والقران فرض أهل مكّة ومن في حكمهم ـ كما مرّ ـ بالإجماع ، والأخبار المستفيضة جدّا (١) ، المتقدّم كثير منها.

المسألة الثانية : لا يجوز لهم العدول إلى التمتّع في حجّة الإسلام اختيارا على الحقّ المشهور ، للأصل ، حيث لم يقع التوقيف به ، والأخبار المعيّنة لهم غير التمتّع.

وعن الشيخ قول بالجواز في المبسوط والخلاف ، وحكي عن الجامع أيضا (٢).

لوجوه ضعيفة ، أجودها صحيحة البجلي وعبد الرحمن : عن رجل من أهل مكّة خرج إلى بعض الأمصار ، ثمَّ رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إله أن يتمتّع؟ فقال : « ما أزعم أنّ ذلك ليس له ، والإهلال بالحجّ أحبّ إليّ » (٣).

والروايات الواردة في أنّ للمفرد بعد دخول مكّة والطواف والسعي‌

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٥٨ أبواب أقسام الحج ب ٦.

(٢) المبسوط ١ بـ : ٣٠٦ ، الخلاف ٢ : ٢٦١ ، الجامع للشرائع : ١٧٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣ ـ ١٠٠ ، الاستبصار ٢ : ١٥٨ ـ ٥١٨ ، الوسائل ١١ : ٢٦٢ أبواب أقسام الحج ب ٧ ح ١.

١٠١

العدول إلى المتعة.

ويردّان أولا : بعدم نصوصيّتهما في الفريضة ، بل للتطوّع محتملان ، سيّما الاولى ، لبعد بقاء المكّي بلا حجّة الإسلام ـ إلى أن يخرج من مكّة ويرجع إليها ـ عادة.

وليس في قوله : « والإهلال بالحجّ أحبّ » قرينة على إرادة الواجب بناء على أفضليّة التمتّع في التطوّع مطلقا ، إجماعا على ما قيل (١) ـ لاحتماله إرادة إظهار الحجّ تقيّة (٢) ، كما في الصحيح : « ينوي العمرة ويهلّ بالحجّ » (٣).

وثانيا : بأخصيّتهما عن المدّعى ، لورود الاولى فيمن خرج إلى بعض الأمصار ثمَّ رجع فمرّ ببعض المواقيت ، وقد أفتى بمضمونها في موردها خاصّة جماعة ، كالشيخ في التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط والمحقّق في المعتبر والفاضل في التحرير والمنتهى والتذكرة (٤).

والثانية : فيمن أحرم بالإفراد ودخل مكّة وطاف وسعى مفردا ، ولذا جعلوا موردها مسألة على حدة كما يأتي.

وثالثا : بمعارضتهما مع أخبار عدم شرعيّة التمتّع للمكّي ، وأخصّية الثانية ، لاختصاصها بالفرض وأعمّيتهما عنه ، فيجب التخصيص. ولو لوحظ‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٣٥٣.

(٢) في « ح » : لاحتمال إرادة الحج تقية ..

(٣) التهذيب ٥ : ٨٠ ـ ٢٦٤ وفيه : « ينوي المتعة ويحرم بالحج ». وفي الاستبصار ٢ : ١٦٨ ـ ٥٥٤ ، والوسائل ١٣ : ٣٥١ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ١ : « ينوي العمرة ويحرم بالحج ».

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣ ، الاستبصار ٢ : ١٥٨ ، النهاية : ٢٠٦ ، المبسوط ١ : ٣١٣ ، المعتبر ٢ : ٧٩٨ ، التحرير ١ : ٩٣ ، المنتهى ٢ : ٦٦٤ ، التذكرة ١ : ٣١٩.

١٠٢

اختصاصهما بالموردين لكان التعارض بالعموم من وجه ، والترجيح لأخبار المنع ، لموافقة الكتاب والشهرة والأكثريّة عددا والأصرحيّة دلالة.

قيل : مع أنّه على تقدير التساوي يرجع إلى الأصل ، ومقتضاه وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة ، ولا تحصل إلاّ بغير المتعة (١).

وفيه : أنّه يصحّ على قول من يقول بالتساقط بعد التعارض ، وعلى المختار ـ من الرجوع إلى التخيير فيما لم يدلّ دليل على انتفائه ـ فلا يصحّ ذلك ، بل يرجع إلى جواز العدول.

المسألة الثالثة : هل يجوز العدول اضطرارا ، كخوف الحيض المتأخّر عن النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر ، وخوف عدوّ بعده ، وفوت الصحبة كذلك؟

المعروف من مذهب الأصحاب ـ كما قيل (٢) ـ : نعم ، وفي الذخيرة : لا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب (٣). وفي المدارك : أنّه مذهب الأصحاب (٤) وهو مشعر بالاتّفاق ، بل حكي عن بعضهم التصريح به (٥).

قيل (٦) : للعمومات ، وفحوى ما دلّ على جواز العدول من التمتّع ـ مع أفضليّته ـ إليهما مع الضرورة (٧).

ويردّ الأول : بمنع عموم يدلّ عليه ، وإن أريد ما أشير إليه من أخبار‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٣٥٣.

(٢) انظر الرياض ١ : ٣٥٣.

(٣) الذخيرة : ٥٥١.

(٤) المدارك ٧ : ١٨٩.

(٥) كما في الرياض ١ : ٣٥٣.

(٦) المدارك ٧ : ١٨٩.

(٧) بمعنى : أن العدول من التمتّع إلى الإفراد والقران إذا كان جائزا مع الضرورة فبالأولى أن يكون العدول منهما إليه جائزا ، لأفضليّته.

١٠٣

العدول بعد دخول مكّة ـ كما قيل (١) ـ ففيه :

أولا : أنّها غير المورد كما مرّ.

وثانيا : أنّها تفرّق بين المفرد والقارن ، والأصحاب لا يفرّقون بينهما في المضطرّ.

وثالثا : أنّ مع التسليم تعارض عمومات المنع بالعموم المطلق ، فيجب التخصيص بالمتطوّع ، فإذن المنع حينئذ أيضا أولى ، كما حكي عن ظاهر التبيان والاقتصاد والغنية والسرائر (٢).

وعلى هذا ، فوظيفة المضطرّ إمّا تقديم العمرة المفردة ـ كما احتمله بعضهم (٣) ، أو تأخير الحجّ إلى القابل.

المسألة الرابعة : تشترط فيهما النيّة ـ كما مرّ في المتعة ـ ووقوعهما في أشهر الحجّ ، بالإجماعين (٤) ، وعمومات الكتاب (٥) والسنّة ، وخصوص بعض الصحاح (٦). وأن يعقد إحرامهما من الميقات ، كما يأتي.

المسألة الخامسة : القارن كالمفرد على الأصحّ الأشهر إلاّ بسياق الهدي.

للأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها (٧).

__________________

(١) الرياض ١ : ٣٥٣.

(٢) التبيان ٢ : ١٥٩ ، الاقتصاد : ٢٩٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، السرائر ١ : ٥٢٠.

(٣) كما في كشف اللثام ١ : ٢٧٨ ، الرياض ١ : ٣٥٣.

(٤) كما في المعتبر ٢ : ٧٨٦ ، وحكاه في المدارك ٧ : ١٩١ ، الرياض ١ : ٣٥٣.

(٥) البقرة : ٩٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٤٥ ـ ١٥٥٠ ، الوسائل ١١ : ٢٧١ أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ١.

(٧) الوسائل ١١ : ٢١٢ أبواب أقسام الحج ب ٢.

١٠٤

وقيل : إنّه كالمتمتّع إلاّ بسياق الهدي وعدم التحلّل عن العمرة في الأثناء (١) ، لأخبار غير واضحة الدلالة.

المسألة السادسة : يستحبّ للقارن الإشعار والتقليد لما يسوقه من البدن ، بلا خلاف فيه يوجد.

له ، وللأخبار المستفيضة الآمرة بهما (٢) ، المحمولة على الاستحباب ، للأصل ، والإجماع ، والصحيح : في رجل ساق هديا ولم يقلّده ولم يشعره ، قال له : « أجزأ عنه ، ما أكثر ما لا يقلّد ولا يشعر ولا يحلّل » (٣).

قالوا : ويستحبّ أن يكون ذلك بعد التلبية.

ولا نصّ عليه بخصوصه ، كما صرّح به جماعة (٤) ، ولكن إطلاق الأوامر بهما وفتوى الأصحاب كاف في ذلك ، لما يتحمّل من التسامح.

والمراد من الإشعار ـ كما ذكره الأصحاب ـ : أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن ، ويلطّخ صفحته بدم إشعاره.

والمذكور في الأخبار إنّما هو الشقّ بالطريق المذكور (٥) ، وأمّا تلطّخ الصفحة فذكره الأصحاب ، ولعلّه كاف في إثباته.

هذا إذا كانت معه بدنة واحدة.

وأمّا إذا كانت بدن كثيرة ، فإنّه يدخل بينها ويشعرها يمينا وشمالا ، أي هذه في يمينها وهذه في شمالها ، من غير أن يرتّبها ترتيبا يوجب الإشعار‌

__________________

(١) حكاه في التذكرة ١ : ٣١٨ ، الحدائق ١٤ : ٣٧٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٧٥ أبواب أقسام الحج ب ١٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٩ ـ ٩٥٣ ، الوسائل ١١ : ٢٧٧ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١٠.

(٤) انظر كشف اللثام ١ : ٢٨١ ، المدارك ٧ : ١٩٥ ، الرياض ١ : ٣٥٤.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٧٥ أبواب أقسام الحج ب ١٢.

١٠٥

في اليمين ، والمستند فيه صحيحة حريز (١) وغيرها (٢).

والمراد من التقليد : أن يعلّق في رقبة المسوق نعلا صلّى فيه السائق نفسه ، كما صرّح به في المستفيضة (٣).

ثمَّ استحباب الإشعار والتقليد إنّما هو للبدن ، وأمّا البقر والغنم فلا إشعار فيهما ، بل يختصّان بالتقليد ، كما صرّح به في صحيحة زرارة (٤).

المسألة السابعة : يجوز للمفرد والقارن تقديم طوافه وسعيه على الوقوفين ، كما مرّ بيانه في بحث مناسك مكّة بعد الرجوع من منى ، وإذا فعل أحدهما ذلك يجدّد التلبية عند كلّ طواف عقيب صلاته ، على الحقّ المشهور ، لصحيحتي البجلي (٥) وابن عمّار (٦).

وهل يحلاّن بالطواف لو لا التلبية ، فالتلبية للبقاء على الإحرام؟ فيه أوجه :

الأول : حصول التحلّل بالطواف للمفرد والقارن ، حكي عن المبسوط والنهاية والخلاف ، وهو مختار الشهيدين في اللمعتين والمسالك والمحقّق الثاني (٧) ، ونفى عنه البأس في التنقيح (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٣ ـ ١٢٨ ، الوسائل ١١ : ٢٧٩ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١٩.

(٢) انظر الوسائل ١١ : ٢٧٥ أبواب أقسام الحج ب ١٢.

(٣) انظر الوسائل ١١ : ٢٧٥ أبواب أقسام الحج ب ١٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٩ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ١١ : ٢٧٧ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٩.

(٥) الكافي ٤ : ٣٠٠ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٤٥ ـ ١٣٧ ، الوسائل ١١ : ٢٨٥ أبواب أقسام الحج ب ١٦ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٢٩٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣١ ، الوسائل ١١ : ٢٨٦ أبواب أقسام الحج ب ١٦ ح ٢.

(٧) المبسوط ١ : ٣٠٩ ، النهاية : ٢٠٨ ، وحكاه عن الخلاف في الإيضاح ١ : ٢٦٢ ، الروضة ٢ : ٢١٤ ، المسالك ١ : ١٢٤ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١١٥.

(٨) التنقيح ١ : ٤٤١.

١٠٦

للصحيحتين المتقدّمتين ، وموثّقة زرارة (١) ، والمرويّ في العلل ، وفيه : « المحرم إذا طاف بالبيت أحلّ إلاّ لعلّة » (٢).

الثاني : حصوله للمفرد خاصّة دون القارن ، حكي عن الشيخ في التهذيب (٣) ، واستظهره في الذخيرة (٤) ، وقوّاه بعض مشايخنا المعاصرين (٥).

للأخبار المصرّحة بأنّ السائق لا يحلّ ما لم يبلغ الهدي محلّه (٦) ، وخصوص صحيحتي زرارة (٧) وابن عمّار (٨) ، ومرسلة يونس بن يعقوب (٩) ، وموثّقة زرارة (١٠).

والثالث : عكس الثاني ، حكي في التنقيح عن المفيد والسيّد (١١) ، ولكن كلامهما لا يدلّ عليه ، ومستنده غير واضح كما صرّح به غير واحد (١٢).

والرابع : عدم حصول الإحلال مطلقا إلاّ بالنيّة ، وإن كان الأولى تجديد‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣٢ ، الوسائل ١١ : ٢٥٥ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٥.

(٢) العلل : ٢٧٤ ـ ٩ ، الوسائل ١١ : ٢٣٢ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٢٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٧.

(٤) الذخيرة : ٥٥٠.

(٥) الرياض ١ : ٣٥٥.

(٦) الوسائل ١١ : ٢٥٤ أبواب أقسام الحج ب ٥.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٠٣ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ١١ : ٢٥٦ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٧.

(٨) الكافي ٤ : ٢٩٨ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ٢٥٥ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٤.

(٩) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣٣ ، الوسائل ١١ : ٢٥٦ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٦.

(١٠) الفقيه ٢ : ٢٠٣ ـ ٩٢٧ ، الوسائل ١١ : ٢٥٥ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٥.

(١١) التنقيح ١ : ٤٤١.

(١٢) انظر الحدائق ١٤ : ٣٨٤ ، الرياض ١ : ٣٥٥.

١٠٧

التلبية ، حكي عن الحلّي والفاضل وولده (١).

للأصل. وهو مدفوع بما مرّ.

وما دلّ على عدم إحلال القارن ما لم يبلغ الهدي محلّه. وهو أخصّ من المدّعي.

ولبعض الاجتهادات المردودة في مقابل النصّ.

فضعف هذا القول ظاهر ، وكذا سابقة ، لما مرّ.

والقول الأول وإن دلّت عليه المستفيضة إلاّ أنّ دلالة غير صحيحة ابن عمّار منها على القارن بالعموم ، اللازم تخصيصه بما مرّ.

وأمّا الصحيحة وإن تضمّنت القارن خصوصا ، إلاّ أنّها ليست صريحة في القارن بالمعنى المتنازع فيه ، لاحتماله القارن بين الحجّ والعمرة في النيّة ، كما عبّر به عنه في صحيحة زرارة المشار إليها ، ولو سلّم فلا يكافئ ما تقدّم دليلا للثاني ، لأكثريّته وأصرحيّته ، ولو سلّم التساوي فالمرجع استصحاب الإحرام.

فالأظهر هو القول الثاني.

وعلى هذا ، فهل يلبّي القارن أيضا تعبّدا ، أم لا؟

الظاهر : الأول ، كما هو ظاهر كلام السيّد والمفيد والحلبي والقاضي في القارن (٢) ، حيث حكموا بتجديد التلبية على القارن دون المفرد من غير تصريح بالتحلّل ، ومن أجله نسب في التنقيح إلى الأولين القول الثالث (٣).

__________________

(١) الحلي في السرائر ١ : ٥٢٤ ، الفاضل في المختلف : ٢٦٢ ، وولده في الإيضاح ١ : ٢٦٢.

(٢) السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٤ ، المفيد في المقنعة : ٣٩١ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٨ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢١٠.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٤٤١.

١٠٨

وهل هو واجب على المفرد ، والقارن ، كما هو ظاهر أرباب القول الأول؟

أم مستحبّ فيهما ، كما هو صريح أرباب القول الرابع؟

أو لازم في القارن دون المفرد ، كما نقلناه عن السيّد والمفيد والحلبي والقاضي؟

الأظهر : الاستحباب ، لقصور ما دلّ عليه من إثبات الوجوب ، إمّا لأجل تضمّنه عموما لا يمكن حمله على الوجوب في الجميع ، أو لمقام الجملة الخبريّة.

إلاّ في المفرد ، الذي يجب عليه الإفراد ويتعيّن ، فتلزم عليه التلبية ، لئلاّ يبطل حجّه الأفرادي.

المسألة الثامنة : صرّح الأصحاب بجواز عدول المفرد بعد الإحرام ودخول مكّة إلى المتعة ، فيجعل إحرامه عمرة ، بلا خلاف يوجد كما صرّح به جماعة (١) ، بل بالإجماع كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى (٢) ، وظاهر جمع آخر (٣).

للمستفيضة المصرّحة به (٤) ، وفيها الصحاح وغيرها.

وللأخبار المتظافرة بأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه بالعدول ، وخصّه جماعة من متأخّري المتأخّرين بما إذا لم يكن الإفراد عليه متعيّنا (٥).

__________________

(١) كصاحب الحدائق ١٤ : ٣٩٩ ، صاحب الرياض ١ : ٣٥٥.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٦١ ، المنتهى ٢ : ٦٦٢ ، المعتبر ٢ : ٧٩٧.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٤٤٢ ، المدارك ٧ : ٢٠٣ ، كشف اللثام ١ : ٢٨٣.

(٤) الوسائل ١١ : ٢١٢ أبواب أقسام الحج ب ٢.

(٥) كما في كشف اللثام ١ : ٢٨٣ ، الحدائق ١٤ : ٤٠٤ ، المفاتيح ١ : ٣٠٩ ، الرياض ١ : ٣٥٦.

١٠٩

إمّا لعدم عموم في الأخبار المجوّزة بحيث يشمل من تعيّن عليه.

أو لتعارضها مع أخبار الإفراد على المكّي بالعموم من وجه ، فيرجع إلى الأصل ، وهو استصحاب وجوب الإفراد عليه.

أقول : أمّا منع العموم فغير صحيح كما صرّح به جماعة (١) ، ويظهر للمتأمّل في الأخبار.

وأمّا الرجوع إلى الأصل بعد التعارض فمبنيّ على قول من يقول بالتساقط عند التعارض ، وهو خلاف التحقيق ، بل يرجع إلى التخيير ، ومقتضاه جواز العدول مطلقا ، إلاّ أنّ موافقة الكتاب ـ التي هي من المرجّحات المنصوصة ـ ترجّح الأول ، فالحقّ : عدم الجواز في صورة التعيّن.

المسألة التاسعة : قد مرّ في بحث المواقيت : إنّ المكّي إذا بعد عن أهله ومرّ على بعض مواقيت الآفاق يحرم منه.

وهل يجوز له التمتّع حينئذ ، أو يحرم للنوع الذي هو فرض المكّي؟

فالأكثر إلى الجواز ، لصحيحة البجلي وعبد الرحمن بن أعين (٢) ، وبعض أخبار أخر.

ويمكن حملها على المندوب ، بل هو الظاهر من بعضها ، ولولاه أيضا لتعارض في الواجب مع الأخبار (٣) المعيّنة لغير التمتّع على المكّي بالعموم والخصوص من وجه ، والترجيح لأخبار المنع عن التمتّع ، لموافقة الكتاب‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٢ ، السيوري في التنقيح ١ : ٤٤٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣ ـ ١٠٠ ، الاستبصار ٢ : ١٥٨ ـ ٥١٨ ، الوسائل ١١ : ٢٦٢ أبواب أقسام الحج ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٦٢ أبواب أقسام الحج ب ٧.

١١٠

كما مرّ.

المسألة العاشرة : المجاور بمكّة لا يخرج بمجرّد المجاورة عن فرضه المستقرّ عليه قبلها مطلقا قطعا ، ما لم يقم مدّة توجب انتقال الفريضة إلى غيرها ، بل إذا أراد حجّة الإسلام يحرم للتمتّع وجوبا إجماعا نصّا وفتوى ؛ للاستصحاب والأخبار.

واختلفوا في ميقاته ، فقال في المقنعة والكافي والخلاف والجامع والمعتبر والنافع والمنتهى والتحرير والتذكرة وموضع من النهاية : إنّه يحرم من ميقات أهله (١) ، أي الميقات الذي كان يمرّ إليه إذا جاء من بلده.

للاستصحاب.

والعمومات الواردة في المواقيت (٢).

وخبر سماعة : عن المجاور إله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال : « نعم ، يخرج إلى مهلّ أرضه فيلبّي إن شاء » (٣).

والأخبار الواردة في ناسي الإحرام أو جاهلة أنّه يرجع إلى ميقات أهل أرضه (٤) ، فإنّه لا تعقل خصوصيته للناسي والجاهل.

وقال جماعة ـ منهم : المقنع والمبسوط وظاهر الشرائع والإرشاد والقواعد والنهاية والدروس والمسالك والروضة كما حكي ـ : بأنّه يحرم من‌

__________________

(١) المقنعة : ٣٩٦ ، الكافي : ٢٠٢ ، الخلاف ٢ : ٢٨٥ ، الجامع : ١٧٩ ، المعتبر ٢ : ٣٤١ ، النافع : ٨١ ، المنتهى ٢ : ٦٧١ ، التحرير ١ : ٩٣ ، التذكرة ١ : ٣٢١ ، النهاية : ٢١١.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٣٧ أبواب المواقيت ب ١٩.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٢ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٨ ، الوسائل ١١ : ٣٣٧ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١.

(٤) انظر الوسائل ١١ : ٣٢٨ أبواب المواقيت ب ١٤.

١١١

أيّ ميقات كان (١).

لعدم تعيين الحجّ عليه من طريق ، وجواز الإحرام من كلّ ميقات إذا مرّ عليه ، ولإطلاق مرسلة حريز : « من دخل مكّة بحجّة عن غيره ثمَّ أقام سنة فهو مكّي ، فإذا أراد أن يحجّ عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف عن عرفة فليس له أن يحرم بمكّة ، ولكن يخرج إلى الوقت » (٢).

وعن الحلبي : أنّه يحرم من أدنى الحلّ (٣) ، ومال إليه في المدارك (٤).

لصحيحة الحلبي ، وفيها : « وحكم القاطنين بمكّة إذا قاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة ، فإذا قاموا شهرا فإنّ لهم أن يتمتّعوا » ، قلت : من أين؟ قال : « يخرجون من الحرم » (٥).

وقريبة منها صحيحة حمّاد (٦) ، وبعض الأخبار (٧) المتضمّنة لإحرام المجاور من الجعرانة (٨) والحديبية (٩) والتنعيم (١٠).

__________________

(١) المقنع : ٦٩ ، المبسوط ١ : ٣١٣ ، الشرائع ١ : ٢٤١ ، الإرشاد ١ : ٣٠٩ ، القواعد ١ : ٧٩ ، النهاية : ٢١١ ، الدروس ١ : ٣٤٢ ، المسالك ١ : ١٠٤ ، الروضة ٢ : ٢٢٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٢ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٦٠ ـ ١٨٩ ، الوسائل ١١ : ٢٦٩ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٩.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٠٢.

(٤) المدارك ٧ : ٢٠٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥ ـ ١٠٣ ، الوسائل ١١ : ٢٦٦ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٣ ، بتفاوت.

(٦) الكافي ٤ : ٣٠٠ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢٦٨ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٧.

(٧) الوسائل ١١ : ٢٦٥ أبواب أقسام الحج ب ٩.

(٨) الجعرانة : موضع بين مكّة والطائف على سبعة أميال من مكّة .. مجمع البحرين ٣ : ٢٤٧.

(٩) الحديبية : وهي بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة ، ثمَّ أطلق على الموضع ـ مجمع البحرين ٢ : ٣٦.

(١٠) التنعيم : موضع قريب من مكّة ، وهو أقرب إلى أطراف الحلّ إلى مكّة ، ويقال بينه وبين مكّة أربعة أميال ، ويعرف بمسجد عائشة ـ مجمع البحرين ٦ : ١٧٩.

١١٢

ويرد على دليل الأول : ضعف الاستصحاب ، لأنّ المسلّم وجوب إحرامه هناك حين المرور لا مطلقا.

ومنع شمول العمومات للمورد ، لأنّ المتبادر منها من يمرّ على الميقات ، ولذا يجوز لأهل كلّ أرض الإحرام عن ميقات آخر بالعدول عن الطريق.

وضعف الخبر عن الدلالة على الوجوب.

وقيل : لمكان قوله : « إن شاء » أيضا (١).

وفيه : أنّ الظاهر أنّ متعلّق المشيّة التمتّع بالعمرة دون الخروج إلى مهلّ أرضه.

وكون التعدّي من الناسي والجاهل قياسا ، وعدم تعقّل الخصوصيّة غير مفيد ، بل اللازم تعقّل عدم الخصوصيّة.

وعلى دليل الثاني : أنّ جواز الإحرام بعد المرور غير المفروض ، ولفظ : « الوقت » في المرسل مجمل ، لاحتمال عهديّة اللام.

وعلى دليل الثالث : أنّه شاذّ ، مع أنّ خارج الحرم فيه مطلق يحتمل التقييد بأحد الأولين.

وأمّا أخبار الجعرانة ونحوها فمحمولة على العمرة المفردة ، كما وردت به المستفيضة.

مع معارضتها مع الموثّق في المجاور ، وفيه : « فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق (٢)

__________________

(١) الرياض ١ : ٣٥٦.

(٢) ذات عرق : مهلّ أهل العراق ، وهو الحدّ بين نجد وتهامة ـ معجم البلدان ٤ : ١٠٧.

١١٣

ويجاوز عسفان (١) ، فيدخل متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ ، فإن أحبّ أن يفرد بالحجّ فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها » (٢).

وإذا ظهر ضعف الكلّ نقول : قد ثبت من الجميع ـ بل الإجماع ـ وجوب الخروج من الحرم ، فهو لازم ، والأصل وإن كانت البراءة عن الزائد ، إلاّ أنّ شذوذ القول بأدنى الحلّ وإطلاق دليله بالنسبة إلى ما تقدّم يأبى عن المصير إلية بالجرأة ، فالأولى والأحوط الإحرام من أحد المواقيت ، والأولى منه من ميقات أرضه ، لحصول البراءة به قطعا.

هذا مع الإمكان ، وأمّا مع التعذّر فيحرم من أدنى الحلّ على المشهور ، بل المقطوع به في كلام الأصحاب كما قيل (٣) ، بل ادّعى بعضهم الاتّفاق عليه (٤) ، ودليله واضح ممّا مرّ ، فإنّه لا شذوذ حينئذ حتى ترفع اليد عن دليله.

ولو تعذّر في أدنى الحلّ أحرم من مكّة بلا خلاف فيه ، ويدلّ عليه ما دلّ على ثبوت الحكم في غير ما نحن فيه.

المسألة الحادية عشرة : المجاور بمكّة إذا أقام بها ثلاث سنين ينتقل فرضه إلى القران أو الإفراد إجماعا.

وهل يختصّ بذلك ، كما عن الإسكافي والنهاية والمبسوط والحلّي (٥)؟

__________________

(١) عسفان : موضع بين مكّة والمدينة .. بينه وبين مكّة مرحلتان ـ مجمع البحرين ٥ : ١٠٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٤ ـ ١٣٣٥ ، الوسائل ١١ : ٢٧٠ أبواب أقسام الحج ب ١٠ ح ٢ ، وفيهما : أو يجاوز عسفان.

(٣) المدارك ٧ : ٢٠٦.

(٤) وهو في الرياض ١ : ٣٦١.

(٥) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٦١ ، النهاية : ٢٠٦ ، المبسوط ١ : ٣٠٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٢٢.

١١٤

أو لا ، بل ينتقل بإقامة سنتين كاملتين أيضا ، كما عن الشيخ في كتابي الأخبار والفاضلين والشهيدين (١) ، وغيرهما (٢) ، بل في المسالك (٣) وغيره (٤) : أنّه المشهور بين الأصحاب ، وربّما نسب إلى من عدا الشيخ من علمائنا؟

الحقّ : هو الثاني ، لصحيحتي زرارة وعمر بن يزيد :

الاولى : « من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له » (٥).

والثانية : « المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين ، فإذا جاوز سنتين كان قاطنا ، وليس له أن يتمتّع » (٦).

وبهما يندفع الاستصحاب ، الذي هو دليل الأولين.

وهل يختصّ بذلك ، أو ينتقل بالأدون أيضا كالسنة ، كما في صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة السابقة ، وصحيحة ابن سنان (٧) ، وصحيحة محمّد (٨)؟

أو ستّة أشهر ، كصحيحة البختري (٩)؟

__________________

(١) الشيخ في التهذيب ٥ : ٣٤ ، والاستبصار ٢ : ١٥٩ ، المحقق في الشرائع ١ : ٢٤٠ ، العلامة في القواعد ١ : ٧٣ ، الشهيد في الدروس ١ : ٣٣١ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٢١٧.

(٢) كما في الرياض ١ : ٣٥٧.

(٣) المسالك ١ : ١٠٢.

(٤) كالمختلف : ٢٦١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٤ ـ ١٠١ ، الاستبصار ٢ : ١٥٩ ـ ٥١٩ ، الوسائل ١١ : ٢٦٥ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤ ـ ١٠٢ ، الوسائل ١١ : ٢٦٦ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٣٠١ ـ ٦ ، الوسائل ١١ : ٢٦٩ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٨.

(٨) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٦٨٠ ، الوسائل ١١ : ٢٦٥ أبواب أقسام الحج ب ٨ ح ٤.

(٩) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٦٧٩ ، الوسائل ١١ : ٢٦٤ أبواب أقسام الحج ب ٨ ح ٣.

١١٥

أو خمسة أشهر ، كمرسلة حسين (١) وغيره ، ومال إليها بعض المتأخّرين (٢)؟

وخيّر بعضهم بين الفرضين في الأدون من السنة ، وهو حسن ، بل هو ليس من باب الجمع أو التأويل ، بل التأمّل في الأخبار الأخيرة لا يثبت منها سوى الجواز ، الذي هو معنى التخيير ، ولكن شذوذ تلك الأخبار يمنع من العمل بها ، ومع ذلك فالاحتياط في التمتّع في الأدون ، لجوازه على القولين ، وموافقته للاستصحاب.

ومقتضى إطلاق النصّ والفتوى عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنيّة الدوام أو المفارقة ، كما صرّح به جماعة (٣).

وقيّده بعضهم بنيّة المفارقة ، لصدق كونه من أهل مكّة بمجرّد الإقامة بنيّة الدوام (٤).

وفيه : أنّه على هذا يحصل التعارض بين هذه الأخبار وأخبار فرض أهل مكّة بالعموم من وجه ، ولا وجه لتقديم الأخير ، بل يحصل الخدش حينئذ في السنتين (٥) أيضا ، فينعكس الأمر فيه لو لا نيّة الدوام ، وتعارض أخبار السنتين مع أخبار فرض النائي ، كذا قيل (٦).

إلاّ أنّ الأصل في الأدون من السنتين والإجماع المركّب في السنتين ـ حيث إنّه لا قائل فيه بالفرق بين نيّة الدوام وعدمه ـ يرجّحان‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٦٨٢ ، الوسائل ١١ : ٢٦٥ أبواب أقسام الحج ب ٨ ح ٥.

(٢) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٦٤٤ ، والمختلف : ٢٦١.

(٣) كالشهيد في المسالك ١ : ١٠٣ ، صاحب الرياض ١ : ٣٥٧.

(٤) انظر الرياض ١ : ٣٥٧.

(٥) في « ق » فيما بعد السنتين ..

(٦) انظر الرياض ١ : ٣٥٧.

١١٦

مقتضى الإطلاق الذي ذكرناه ، فعليه الفتوى.

ولو انعكس الفرض ، فأقام المكّي في الآفاق لم ينتقل فرضه مطلقا ما لم يخرج عن المكّية بنيّة الدوام ، للأصل وحرمة القياس.

المسألة الثانية عشرة : ذو المنزلين يعتبر في تعيين الفرض أغلبهما إقامة ، فيتعيّن عليه فرضه ، بلا خلاف يوجد ، لصحيحة زرارة (١).

ولو تساويا يتخيّر بين الفرضين ، بلا خلاف كذلك أيضا ، لعدم سقوط الحجّ عنه ، ولا وجوب المتعدّد إجماعا ، وبطلان الترجيح بلا مرجّح.

وذكر جماعة فيه : أنّه يجب تقييده بما لم يقم بمكّة سنتين متواليتين ، فإنّه ينتقل حينئذ فرضه إلى فرض أهل مكّة وإن كانت إقامته في غيرها أكثر ، لما مرّ من أنّ اقامة السنتين في غيرها لا توجب الانتقال ، وإقامة السنتين توجب الانتقال (٢).

وذلك من باب الإطلاق ، فإنّ الصحيحتين المتضمّنتين لمجاوزة السنتين تعمّ القسمين ، ولا تختصّ بمجاوزة النائي حتى يحتاج إلى التمسّك بالأولويّة ، كما فعله بعض مشايخنا المعاصرين ، فيرد عليه : منع الأولويّة ، كما نقله عن بعض معاصريه ، وقال : لا أعرف له وجها (٣). فإنّ إثبات الأولويّة يحتاج إلى وجه.

ثمَّ أقول : هذا حسن في صورة التساوي ، فلو كان له منزلان متساويان في الإقامة وأقام بمكّة سنتين ينتقل فرضه ، لما مرّ من غير معارض.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤ ـ ١٠١ ، الاستبصار ٢ : ١٥٩ ـ ٥١٩ ، الوسائل ١١ : ٢٦٥ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ١.

(٢) منهم صاحب المدارك ٧ : ٢١١ ، السبزواري في الذخيرة : ٥٥٥ ، صاحب كشف اللثام ١ : ٢٨٤ ، صاحب الرياض ١ : ٣٥٧.

(٣) انظر الرياض ١ : ٣٥٧.

١١٧

وأمّا في صورة غلبة الإقامة بغير مكّة فلا ، لتعارض صحيحة زرارة ـ المتضمنة لحكم الغالب ـ معه ، بل الظاهر منها رجوع الضمير المجرور فيها إلى من أقام بمكّة سنتين ، وعلى هذا فيكون ما يبيّن حكم الغالب أخصّ ويجب تقديمه.

١١٨

الفصل الثاني

فيما يتعلّق بالعمرة‌

وقد مرّ ما يتعلّق بأقسامها بحسب الوجوب والندب في الباب الثالث من المقصد الأول ، ومحلّ إحرامها في المقصد الثاني.

والمقصود هنا بيان ما يتعلّق بأفعالها وأحكامها ، وقد عرفت أنّها على قسمين : المتمتّع بها ، والمفردة.

وأفعال الاولى خمسة : الإحرام ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، والتقصير.

وأفعال الثانية سبعة ، بزيادة طواف النساء ، وركعتيه ، ويتخيّر فيها بين التقصير والحلق.

ونحن نذكر ما يتعلّق بها في هذا المقام في طيّ مسائل :

المسألة الأولى : صورتها : أن يحرم من الميقات الذي يسوغ الإحرام منه ـ كما مرّ في بحثه ـ ثمَّ يدخل مكّة فيطوف ويصلّي ركعتيه ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ثمَّ يقصّر إن كان متمتّعا وتمّت ، ويقصّر أو يحلق ، ويطوف النساء ويصلّي ركعتيه إن كان مفردا.

وكيفيّة هذه الأفعال من الإحرام والطوافين وركعتيهما والسعي والتقصير والحلق بعينها هي ما مرّ ، فلا حاجة إلى الإعادة.

المسألة الثانية : عمرة التمتّع فرض من ليس من حاضري المسجد الحرام ، ولا تصحّ إلاّ في أشهر الحجّ ، وتسقط المفردة معها ، ويلزم فيها‌

١١٩

التقصير ، ولا يجوز حلق الرأس ، ولا يجب فيها طواف النساء كما مرّ ، كلّ هذه الأحكام في مواضعها.

والمفردة فرض حاضري المسجد الحرام ومن بحكمه من الذين يعدلون إلى الإفراد ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، كما في المدارك (١).

ويمكن أن يستدلّ له بعموم صحيحة الحلبي : « دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة ، لأنّ الله تعالى يقول ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٢) فليس لأحد إلاّ أن يتمتّع » الحديث (٣) ، خرج منه ما خرج فيبقى الباقي.

وتظهر الثمرة في مثل الأجير للحجّ عن البلاد النائية ـ بناء على ما اخترناه من عدم ارتباط العمرة المفردة بالحجّ ـ فلا تجب على ذلك الأجير العمرة المفردة لنفسه وإن كان مستطيعا لها ، ويجب فيها طواف النساء كما مرّ في بحثه.

المسألة الثالثة : تصحّ العمرة المفردة في جميع أيّام السنة ، بلا خلاف فيه يعرف ، كما عن المنتهى (٤) ، وتدلّ عليه المستفيضة من الأخبار :

كصحيحة البجلي : « في كلّ شهر عمرة » (٥) ، ونحوها موثّقة يونس (٦).

__________________

(١) المدارك ٨ : ٤٦٢.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥ ـ ٧٥ ، الاستبصار ٢ : ١٥٠ ـ ٤٩٣ ، وفي العلل : ٤١١ ـ ١ بتفاوت يسير ، الوسائل ١١ : ٢٤٠ أبواب أقسام الحج ب ٣ ح ٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٧٧.

(٥) الكافي ٤ : ٥٣٤ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٧ أبواب العمرة ب ٦ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٥٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٣٤ ـ ١٥٠٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٧ أبواب العمرة ب ٦ ح ٢.

١٢٠