الإمام عليّ الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام عليّ الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-98-6
الصفحات: ٢٧٦

فأخبر أن الله ورسوله يحبانه » (١).

٣ ـ الوصية :

روى الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي موسى عيسى بن أحمد بن عيسى المنصوري ، عن الامام الهادي عليه‌السلام ، عن آبائه المعصومين ، عن جده الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « يا علي ، خلقني الله وأنت من نوره حين خلق آدم ، فأفرغ ذلك النور في صلبه ، فأفضى به إلى عبد المطلب ، ثم افترق من عبد المطلب ، فصرت أنا في عبد الله ، وأنت في أبي طالب ، لا تصلح النبوة إلا لي ، ولا تصلح الوصية إلا لك ، فمن جحد وصيتك جحد نبوتي ، ومن جحد نبوتي أكبه الله على منخريه في النار » (٢).

٤ ـ مودة أهل البيت :

روى الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي موسى عيسى بن أحمد بن عيسى المنصوري ، عن الامام الهادي عليه‌السلام ، عن آبائه المعصومين ، عن جده الامام الباقر عليه‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : « كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا من جانب ، وعلي أمير المؤمنين عليه‌السلام من جانب ، إذ أقبل عمر بن الخطاب ومعه رجل قد تلبب به ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما باله؟ قال : حكى عنك يا رسول الله أنك قلت : من قال لا إله إلا الله ، محمد رسول الله دخل الجنة ، وهذا إذا سمعه الناس فرطوا في الأعمال ، أفأنت قلت ذلك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم ، إذا

__________________

(١) تحف العقول / الحراني : ٤٥٩.

(٢) الأمالي / الشيخ الطوسي : ٢٩٤ / ٥٧٧ ـ المجلس / ١١ ، بشارة المصطفى / الطبري : ١٨٥.

٢٢١

تمسك بمحبة هذا وولايته. يعني الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام » (١).

وبنفس الاسناد عن الامام الهادي عليه‌السلام ، عن آبائه المعصومين ، عن جده الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لي والا صمّتا : ياعلي ، محبك محبي ومبغضك مبغضي » (٢).

وبالاسناد عن الامام الهادي عليه‌السلام ، عن آبائه المعصومين ، عن جده الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي » (٣).

٥ ـ علم الامام :

روى ثقة الاسلام الشيخ الكليني وغيره بالاسناد عن علي بن محمد النوفلي ، عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، كان عند آصف حرف فتكلم به ، فانخرقت له الأرض في ما بينه وبين سبأ ، فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب » (٤).

٦ ـ صفات الامام :

أهم ما أثر عن الامام الهادي عليه‌السلام في هذا الاتجاه هو الزيارة الجامعة التي

__________________

(١) الأمالي / الشيخ الطوسي : ٢٨٢ / ٥٤٧ ـ المجلس / ١٠.

(٢) الأمالي / الشيخ الطوسي : ٢٧٨ / ٥٣٠ ـ المجلس / ١٠.

(٣) الأمالي / الشيخ الطوسي : ٢٧٨ / ٥٣١ ـ المجلس / ١٠.

(٤) الكافي ١ : ٢٨٦ / ١ ، بصائر الدرجات : ٢١١ / ٣ ، اثبات الوصية : ٢٠٢ ، دلائل الامامة : ٤١٤ / ٣٧٧.

٢٢٢

تعتبر مدرسة لتلقين مبادئ العقيدة الاسلامية والانفتاح على جميع مفرداتها ، ومما جاء فيها عن صفات الامام قوله عليه‌السلام : « السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرسالة ، وخزّان العلم ، ومنتهى الحلم ، وأصول الكرم ، وقادة الامم ، وأولياء النعم ، وعناصر الأبرار ، ودعائم الأخيار ، وساسة العباد ، وأركان البلاد ، وأبواب الايمان ، وأمناء الرحمن ، وسلالة النبيين ، وصفوة المرسلين ، وعترة خيرة رب العالمين ، ورحمة الله وبركاته.

السلام على أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، وذوي النهى ، وأولي الحجى ، وكهف الورى ، وورثة الأنبياء ، والمثل الأعلى ، والدعوة الحسنى ، وحجج الله على أهل الآخرة والاولى ، ورحمة الله وبركاته.

السلام على محالّ معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ، وحفظة سر الله ، وحملة كتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورحمة الله وبركاته.

أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، كما شهد الله لنفسه ، وشهدت له ملائكته ، وأولوا العلم من خلقه ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ، ورسوله المرتضى ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأشهد أنكم الأئمّة الراشدون ، المهديون المعصومون ، المكرمون المقربون ، المتقون الصادقون ، المصطفون المطيعون لله ، القوامون بأمره ، العاملون بإرادته ، الفائزون بكرامته ، اصطفاكم بعلمه ، وارتضاكم لدينه ، واختاركم لسره ،

٢٢٣

واجتباكم بقدرته ، وأعزكم بهداه ، وخصكم ببرهانه ، وانتجبكم لنوره ، وأيدكم بروحه ، ورضيكم خلفاء في أرضه ، وحججاً على بريته ، وأنصاراً لدينه ، وحفظة لسره ، وخزنة لعلمه ، ومستودعاً لحكمته ، وتراجمة لوحيه ، وأركاناً لتوحيده ، وشهداء على خلقه ، وأعلاماً لعباده ، ومناراً في بلاده ، وأدلاء على صراطه » (١) ، الى آخر الزيارة وهي طويلة.

٧ ـ معرفة كنه النبي والامام :

في حديث الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن الامام الهادي عليه‌السلام : « أم كيف يوصف بكنهه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قرنه الجليل باسمه وشركه فى عطائه ، وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته ، إذ يقول : ( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) (٢) ، وقال يحكي قول من ترك طاعته وهو يعذبه بين أطباق نيرانها وسرابيل قطرانها : ( يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ) (٣) ، أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (٤) ، وقال : ( ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ) (٥) ، وقال : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) (٦) ، وقال : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٧٢ / ١ ، الفقيه / الصدوق ٢ : ٣٧٠ / ١٦٢٥ ، التهذيب ٦ : ٩٥ / ١٧٧ ، البلد الأمين / الكفعمي : ٢٩٧.

(٢) سورة التوبة : ٩ / ٧٤.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٦.

(٤) سورة النساء : ٤ / ٥٩.

(٥) سورة النساء : ٤ / ٨٣.

(٦) سورة النساء : ٤ / ٣٨.

٢٢٤

تعلمون ) (١).

يا فتح ، كما لا يوصف الجليل جل جلاله والرسول والخليل وولد البتول ، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا ، فنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأنبياء ، وخليلنا أفضل الأخلاء ، ووصيه أكرم الأوصياء ، اسمهما أفضل الأسماء ، وكنيتهما أفضل الكنى وأجلاها ، لو لم يجالسنا إلا كفؤ لم يجالسنا أحد ، ولو لم يزوجنا إلا كفؤ لم يزوجنا أحد ، أشد الناس تواضعاً أعظمهم حلماً ، وأنداهم كفاً ، وأمنعهم كنفاً ، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما ، فاردد إليهم الأمر وسلم إليهم ، أماتك الله مماتهم ، وأحياك حياتهم ، إذا شئت رحمك الله » (٢).

٨ ـ الغيبة :

كان الإمام الهادي عليه‌السلام كابائه المعصومين بصدد التخطيط لمستقبل الإمامة والتحضير لزمان الغيبة التي اقترب وقتها ، فعمل على تهيئة المقدمات الضرورية للانتقال من مرحلة الإمامة الظاهرة إلى الإمامة الغائبة بعد ولده الحسن العسكري عليه‌السلام ، فكان أول ذلك النص على امامة الخلف من بعد الحسن عليه‌السلام ، وكونه الامام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وتحذير الشيعة من الاختلاف لأنهم لا يرون شخصه ولا يحل لهم ذكر اسمه ، وتوقع الفرج بعد غيبة الصاحب عليه‌السلام من دار الظالمين.

عن علي بن عبد الغفار ، قال : « لما مات أبوجعفر الثاني عليه‌السلام كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام يسألونه عن الأمر ، فكتب عليه‌السلام : الأمر لي

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ / ٤٣.

(٢) كشف الغمة ٣ : ١٧٩.

٢٢٥

مادمت حيا ، فإذا نزلت بي مقادير اللّه آتاكم اللّه الخلف مني ، وأنّى لكم بالخلف بعد الخلف؟ » (١).

وعن أبي هاشم داود بن القاسم ، قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : الخلف من بعدي الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت : ولم جعلني اللّه فداك؟ فقال : إنكم لاترون شخصه ولايحلّ لكم ذكره باسمه » (٢).

وعن علي بن مهزيار ، قال : « كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام أسأله عن الفرج ، فكتب إلي : إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمينفتوقعوا الفرج » (٣).

وعن أيوب بن نوح ، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، قال : « إذا رفع علمكم من بين أظهركم ، فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم » (٤).

وعن الصقر بن أبي دلف قال : « سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام يقول : إنّ الإمام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما » (٥).

وعن إسحاق بن محمد بن أيوب ، قال : « سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم‌السلام يقول : صاحب هذا الأمر من يقول الناس : لم يولد

__________________

(١) إكمال الدين : ٣٨٢ / ٨ ـ باب ٣٧.

(٢) اصول الكافي ١ : ٣٢٨ / ١٣.

(٣) اكمال الدين : ٣٨٠ / ٢.

(٤) الامامة والتبصرة من الحيرة / ابن بابويه القمي : ١٣٠ / ١٣٧ ، الكافي ١ : ٣٤١ / ٢٤ ، اكمال الدين : ٣٨١ / ٤.

(٥) إكمال الدين : ٣٨٣ / ١٠ ـ باب ٣٧.

٢٢٦

بعد » (١).

٩ ـ فضل العلماء :

أكد الامام الهادي عليه‌السلام على فضل العلماء في زمان الغيبة وأشاد بدورهم في حفظ الدين ، فقد روي عنه عليه‌السلام قوله : « لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه ، والدالين عليه ، والذابين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة ، كما يمسك صاحب السفينة سكانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل » (٢).

خامساً ـ التصدي لأهل البدع والشبهات :

هناك الكثير من الأخبار التي تدلّ على أن الإمام الهادي عليه‌السلام كان يتابع ما يجري على الساحة الفكرية ، فيلاحق الأفكار المنحرفة والشبهات التي تطرح هنا وهناك في مواجهة الفكر الاسلامي الأصيل.

فتصدّى الإمام الهادي عليه‌السلام لبعض الاتجاهات العقائدية المنحرفة والفرق الضالة ومنهم الغلاة الذين كانوا في زمانه ، وهم الذين خرجوا عن الجادة ووصفوا الأئمّة عليهم‌السلام بصفات الالوهية ، فتبرأ أهل البيت عليهم‌السلام منهم ولعنوهم وحاربوا مقالاتهم الباطلة ، وتصدى كذلك للفرق التي توقفت على بعض الأئمّة عليهم‌السلام كالواقفة والفطحية والصوفية وغيرهم.

__________________

(١) الامامة والتبصرة من الحيرة : ١٠٩ / ١٣٧ ، اكمال الدين : ٣٨١ / ٦ و ٣٨٢ / ٧.

(٢) الاحتجاج / الطبرسي : ٤٥٥.

٢٢٧

١ ـ الغلاة :

حركة الغلو من المعاول الهدامة التي تشكل خطورة بالغة على الفكر الاسلامي ، لذلك اتخذ الأئمّة الأطهار من أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم مواقف شديدة من الغلو والغلاة ، فأعلنوا عن كفرهم وإلحادهم والبراءة منهم ، لحرصهم على تنزيه تعاليم الاسلام من التشويه والتحريف والافتراء ، ولتصحيح المسار الاسلامي بكل ما حوى من علوم ومعارف واتجاهات ، ولم يدخروا في هذا السبيل وسعاً.

وظهر في زمان امامة الهادي عليه‌السلام بعض المفترين من أمثال القاسم بن يقطين ، وعلي بن حسكة ، والحسن بن محمد بن بابا القمي ، ومحمد بن نصير الفهري النميري ، وفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني.

وعانى الامام الهادي عليه‌السلام من هؤلاء الغلاه ومقالاتهم الباطلة ، فقد ادعوا أن الامام الهادي عليه‌السلام هو الرب الخالق والمدبر للكون ، وأنه بعث ابن حسكة ومحمد بن نصير الفهري وابن بابا وغيرهم أنبياء يدعون الناس إليه ويهدونهم ، ووضع هؤلاء بعض الأحاديث على لسان الأئمّة عليهم‌السلام وهي تزخر بأنواع البدع التي منها ادعاؤهم أن الصلاة والزكاة والصيام وسائر الفرائض جميعها رجل ، فاستهتروا بسائر السنن الالهية ، وأسقطوا الفرائض عمن دان بمذهبهم ، بل أباحوا كل ما حرمه الاسلام ونهى عنه كنكاح المحارم واللواط وقالوا بالتناسخ وما إلى ذلك من المحرمات ، وكان هدفهم الاساس هو الاجهاز على الاسلام والطمع بأموال الناس وأخذها بالباطل والاستحواذ على الحقوق والوجوه الشرعية التي تحمل إلى الامام عليه‌السلام.

وانطلاقاً من المسؤولية الشرعية والعلمية المناطة بالامام عليه‌السلام ، فقد سعى

٢٢٨

الى الحفاظ على الخط الرسالي الذي دافع عنه آباؤه الأئمّة عليهم‌السلام ، وتصدى الامام عليه‌السلام ومن ورائه أصحابه لهذه الحركة الهدامة ، ووقفوا لجميع رموزها بالمرصاد ، على الرغم مما تعرض له في حياته من ظلم الحكام واضطهادهم ، وفي هذا الاتجاه صرح بأن الأئمة عليهم‌السلام عبيد الله لا يشركون به شيئاً ، إن أطاعوه رحمهم ، وإن عصوه عذبهم ، وما لهم على الله من حجة ، بل الحجة لله عليهم وعلى جميع خلقه فلا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم ضراً ، ولا أن يجلبوا لها خيراً إلا بمشيئة الله ، وان لهم بالرسل أسوة ، فقد كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ، كما لعن عليه‌السلام المغالين وتبرأ منهم ، وأعلن للناس ضلالهم وجحودهم ، ودعا إلى نبذ أتباعهم ، وحذر شيعته وسائر المسلمين من الاتصال بهم أو الانخداع بمفترياتهم ، بل وأمرهم بهجرانهم والجائهم الى ضيق الطريق والتعرض لهم بالضرب ، وأهدر دم زعيم الغلاة في وقته فارس بن حاتم ، وأمر محبيه بالاعتدال ، فكان أهم ما ترتب على المواقف التي أعلنها الامام عليه‌السلام ضد الغلاه هو اهتداء بعض أصحابه الذين دخلت عليهم مثل هذه الشبهة ، وذلك لأجل سوقهم إلى شاطئ الهداية والسلام ، ومنهم الفتح بن يزيد الجرجاني ،

وفيما يلى نستعرض مواقفه عليه‌السلام من الغلاة على ضوء الأخبار الواردة في هذا المضمار.

لعنهم والبراءة منهم :

عن سهل بن محمد أنه كتب إليه عليه‌السلام : « قد اشتبه يا سيدي على جماعة من مواليك أمر الحسن بن محمد بن بابا ، فما الذي تأمرنا يا سيدي في أمره نتولاه أم نتبرأ منه ، أم نمسك عنه ، فقد كثر القول فيه؟ فكتب بخطه وقرأته : ملعون هو

٢٢٩

وفارس ، تبرأوا منهما ، لعنهما الله ، ضاعف ذلك على فارس » (١).

وعن محمد بن عيسى ، قال : « كتب إلي أبو الحسن العسكري عليه‌السلام ابتداءً منه : لعن الله القاسم اليقطيني ، ولعن الله على ابن حسكة القمي ، إن شيطاناً يتراءى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غروراً » (٢).

وعن أبي محمد الرازي ، قال : « ورد علينا رسول من قبل الرجل (٣) : أما القزويني فارس فإنه فاسق منحرف ، ويتكلم بكلام خبيث ، فلعنه الله » (٤).

وعن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : كتب أبو الحسن العسكري عليه‌السلام إلى علي بن عمرو القزويني بخطه : « اعتقد فيما تدين الله به أن الباطن عندي حسب ما أظهرت لك فيمن استنبأت عنه ، وهو فارس لعنه الله ، فإنه ليس يسعك إلا الاجتهاد في لعنه وقصده ومعاداته ، والمبالغة في ذلك بأكثر ما تجد السبيل إليه ، ما كنت آمر أن يدان الله بأمر غير صحيح ، فجد وشد في لعنه وهتكه وقطع أسبابه ، وصد أصحابنا عنه ، وإبطال أمره ، وأبلغهم ذلك مني ، واحكه لهم عني ، وإني سائلكم بين يدي الله عن هذا الأمر المؤكد ، فويل للعاصي وللجاحد. وكتبت بخطي ليلة الثلاثاء لتسع ليال من شهر ربيع الأول سنة ٢٥٠ هـ ، وأنا أتوكل على الله وأحمده كثيراً » (٥).

مقاطعتهم والاستخفاف بهم :

عن إبراهيم بن داود اليعقوبي ، قال : « كتبت إليه ـ يعني إلى أبي

__________________

(١) رجال الكشي : ٥٢٨ / ١٠١١.

(٢) رجال الكشي : ٥١٨ / ٩٩٦.

(٣) الرجل : من ألقاب الامام الهادي عليه‌السلام.

(٤) رجال الكشي : ٥٢٦ / ١٠٠٩.

(٥) الغيبة / الطوسي : ٣٥٢ / ٣١٢.

٢٣٠

الحسن عليه‌السلام ـ أعلمه أمر فارس بن حاتم ، فكتب : لا تحفلن به ، وإن أتاك فاستخف به » (١).

وعن إبراهيم بن محمد أنه قال : « كتبت إليه عليه‌السلام : جعلت فداك ، قبلنا أشياء تحكى عن فارس ، والخلاف بينه وبين علي بن جعفر ، حتى صار يبرأ بعضهم من بعض ، فإن رأيت أن تمن علي بما عندك فيهما ، وأيهما يتولى حوائجي قبلك حتى لا أعدوه إلى غيره ، فقد احتجت إلى ذلك ، فعلت متفضلاً إن شاء الله؟ فكتب عليه‌السلام : ليس عن مثل هذا يسأل ، ولا في مثله يشك ، قد عظم الله قدر علي بن جعفر ـ متعنا الله تعالى به ـ من أن يقايس إليه ، فاقصد علي بن جعفر بحوائجك ، واخشوا فارساً وامتنعوا من إدخاله في شيء من أموركم ، تفعل ذلك أنت ومن أطاعك من أهل بلادك ، فإنه قد بلغني ما يموه به على الناس ، فلا تلتفتوا إليه إن شاء الله » (٢).

تكذيب مقالاتهم الباطلة :

عن موسى بن جعفر بن وهب ، قال : « كتب عروة إلى أبي الحسن عليه‌السلام في أمر فارس بن حاتم ، فكتب : كذبوه واهتكوه ، أبعده الله وأخزاه ، فهو كاذب في جميع ما يدعي ويصف ، ولكن صونوا أنفسكم عن الخوض والكلام في ذلك ، وتوقوا مشاورته ، ولا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشر ، فكفانا الله مؤونته ومؤونة من كان مثله » (٣).

وعن أحمد بن محمد بن عيسى ، قال : « كتبت إليه عليه‌السلام في قوم يتكلمون

__________________

(١) رجال الكشي : ٥٢٢ / ١٠٠٣.

(٢) رجال الكشي : ٥٢٣ / ١٠٠٥.

(٣) رجال الكشي : ٥٢٢ / ١٠٠٤.

٢٣١

ويقرأون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك ، فيها ما تشمئز منها القلوب ، ولا يجوز لنا ردها ، إذ كانوا يروون عن آبائك عليهم‌السلام ، ولا قبولها لما فيها ، وينسبون الأرض إلى قوم يذكرون أنهم من مواليك ، وهو رجل يقال له علي بن حسكة ، وآخر يقال له القاسم اليقطيني. ومن أقاويلهم : إنهم يقولون : إن قول الله تعالى ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) (١) معناها رجل ، لا سجود ولا ركوع ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال ، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي فأولوها وصيروها على هذا الحد الذي ذكرت لك ، فإن رأيت أن تبين لنا وأن تمن على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من هذه الأقاويل التي تخرجهم إلى الهلاك؟ فكتب عليه‌السلام : ليس هذا ديننا فاعتزله » (٢).

وعن سهل بن زياد الآدمي ، قال : « كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن العسكري عليه‌السلام : جعلت فداك يا سيدي ، إن علي بن حسكة يدعي أنه من أوليائك وأنك أنت الأول القديم ، وأنه بابك ونبيك ، أمرته أن يدعو إلى ذلك ، ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك ومعرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدعي من البابية والنبوة ، فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصلاة والصوم والحج ، وذكر جميع شرائع الدين أن معنى ذلك كله ما ثبت لك ، ومال الناس إليه كثيراً ، فإن رأيت أن تمن على مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة.

قال : فكتب عليه‌السلام : كذب ابن حسكة عليه لعنة الله ، وبحسبك أني لا

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٥.

(٢) رجال الكشي : ٥١٧ / ٩٩٤.

٢٣٢

أعرفه في موالي ، ما له لعنة الله ، فوالله ما بعث الله محمداً والأنبياء قبله إلا بالحنيفية والصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية ، وما دعا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا إلى الله وحده لا شريك له ، وكذلك نحن الأوصياء من ولده عبيد الله لا نشرك به شيئاً ، إن أطعناه رحمنا ، وإن عصيناه عذبنا ، ما لنا على الله من حجة ، بل الحجة لله علينا وعلى جميع خلقه ، أبرأ إلى الله ممن يقول ذلك ، وأنتفي إلى الله من هذا القول ، فاهجروهم لعنهم الله ، والجؤوهم إلى ضيق الطريق ، فإن وجدت أحداً منهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر » (١).

وروى الكشي بالاسناد عن العبيدي ، قال : « كتب إلي العسكري عليه‌السلام ابتداءً منه : أبرأ إلى الله من الفهري ، والحسن بن محمد بن بابا القمي ، فابرأ منهما ، فإني محذرك وجميع موالي ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله مستأفكين يأكلان بنا الناس ، فتانين مؤذيين آذاهما الله ، أركسهما في الفتنة ركساً ، يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً ، وأنه باب ، عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله من قبل منه ذلك. يا محمد ، إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل ، فإنه قد آذاني ، آذاه الله في الدنيا والآخرة » (٢).

اهدار دمهم :

عن محمد بن عيسى بن عبيد : « أن أبا الحسن العسكري عليه‌السلام أمر بقتل فارس بن حاتم وضمن لمن قتله الجنة ، فقتله جنيد ، وكان فارس فتاناً يفتن الناس ويدعوهم إلى البدعة ، فخرج من أبي الحسن عليه‌السلام : هذا فارس لعنه الله يعمل من قبلي فتاناً داعياً إلى البدعة ، ودمه هدر لكل من قتله ، فمن هذا

__________________

(١) رجال الكشي : ٥١٨ / ٩٩٧.

(٢) رجال الكشي : ٥٢٠ / ٩٩٩.

٢٣٣

الذي يريحني منه ويقتله ، وأنا ضامن له على الله الجنة » (١).

وعن جنيد ، قال : « أرسل إلي أبو الحسن العسكري عليه‌السلام يأمرني بقتل فارس بن حاتم لعنه الله ، قال : فبعث إلي فدعاني ، فصرت إليه ، فقال : آمرك بقتل فارس بن حاتم. فناولني دراهم من عنده وقال : اشتر بهذه سلاحاً فاعرضه علي. فاشتريت سيفاً فعرضته عليه ، فقال : رد هذا وخذ غيره. قال : فرددته وأخذت مكانه ساطوراً فعرضته عليه ، فقال : هذا نعم. فجئت إلى فارس ، وقد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب والعشاء ، فضربت على رأسه فصرعته ، فثنيت عليه فسقط ميتاً ، ووقعت الضجة ، فرميت الساطور من يدي واجتمع الناس ، وأخذت إذ لم يوجد هناك أحد غيري ، فلم يروا معي سلاحاً ولا سكيناً ، وطلبوا الزقاق والدور فلم يجدوا شيئاً ، ولم يروا أثر الساطور بعد ذلك » (٢).

٢ ـ الواقفة :

كان للإمام الهادي عليه‌السلام موقف حازم تجاه بعض الفرق التي وقفت على بعض الأئمّة عليهم‌السلام ، ومن هؤلاء الذين وقفوا على الإمام الكاظم عليه‌السلام بعد شهادته في سجون الظالمين ، فادعوا أنه حي يرزق ، وأنه هو القائم من آل محمد عليهم‌السلام ، وأن غيبته كغيبة موسى بن عمران عن قومه ، ويلزم من ذلك عدم انتقال الامامة إلى ولده الامام الرضا عليه‌السلام وفق اعتقادهم.

وقد روج لهذه الفكرة بعض أصحاب الامام الكاظم عليه‌السلام كعلي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي وغيرهم بسبب

__________________

(١) رجال الكشي : ٥٢٤ / ١٠٠٦.

(٢) رجال الكشي : ٥٢٤ / ١٠٠٦.

٢٣٤

رغبات مادية كان لها الأثر في نفوسهم الضعيفة ، حيث تجمعت لديهم أموال طائلة من الحقوق المالية ، لأنهم كانوا من وكلاء الامام الكاظم عليه‌السلام وخزنة أمواله في وقتٍ كان فيه الإمام عليه‌السلام مودعاً السجن ، وبعد شهادة الامام عليه‌السلام أبوا عن تسليم تلك الأموال لولده القائم بعده ، وتذرعوا بإنكار موته ، وادعوا أنه حيّ لم يمت ، وأصبح الوقف تيارا فكريا يتبناه بعض من لم تترسخ لديه مبادئ العقيدة الحقة ، فيقف على بعض الأئمّة عليهم‌السلام ، وقد استغرقت هذه الفرقة مدة من الزمن تخللها المنازعات والخلافات حتى عدلوا عن مذهب الوقف إلى قول الحق ، فاعترف أكثرهم بإمامة الرضا عليه‌السلام بعد أبيه الكاظم عليه‌السلام ، وأخيراً انقرضت الواقفة ولم يبق لها أدنى أثر ، وقد صرح الامام الهادي عليه‌السلام بكونهم كالنصاب ودعا أصحابه الى البراءة منهم.

روى الكشي عن محمد بن الحسن ، قال : حدثني أبو علي الفارسي ، قال : حكى منصور عن الصادق علي بن محمد بن الرضا عليهم‌السلام : « أن الزيدية والواقفة والممطورة والنصاب بمنزلة عنده سواء » (١).

واهتدى كثير منهم على يد الامام الهادي عليه‌السلام فتركوا الوقف وقالوا بامامته متأثرين بهديه وارشاده وكراماته ، ومنهم : صالح بن الحكم بياع السابري ، وأبو الحسن سعيد بن سهل البصري المعروف بالملاح ، وإدريس بن زياد (٢).

٣ ـ الفطحية :

وهم الذين قالوا بإمامة عبد الله الأفطح بن جعفر الصادق عليه‌السلام بعد أبيه ، وتذرعوا بأن عبد الله كان أكبر ولد أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقد رجع أكثرهم بعد

__________________

(١) رجال الكشي : ٢٢٩ / ٤١٠.

(٢) راجع : المناقب / ابن شهر آشوب ٤ : ٤٠٧ ، اثبات الوصية / المسعودي : ٢٢٩.

٢٣٥

ذلك إلى القول بإمامة موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، لما شاهدوا براهين إمامته.

ولا ريب أن مقولة الفطحية واضحة البطلان والتهافت ، ذلك لأنهم ادعوا أن الامامة تكون في الأكبر ، واذا صح هذا فإنما تكون الامامة في الأكبر ما لم تكن به عاهة ، وكان عبد الله يعاني من عاهة البدن وسوء العقيدة ، فقد كان أفطح الرأس أو الرجلين ، وكان يقول بقول المرجئة الذين يقعون في أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، كما لم يرد عنه شيء من الفتيا في الحلال والحرام ، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الأحكام ، وقد سئل عن مسائل صغار فلم يجب عنها.

وقد اهتدى بعض الفطحية الباقين الى زمان الامام الهادي عليه‌السلام الى سواء السبيل متأثرين بأرشاداته عليه‌السلام وكراماته ، ومنهم عبد الله بن هليل ورجل آخر من أهل الكوفة (١).

٤ ـ الصوفية :

وهم الذين يظهرون التقشف والزهد لاغراء عامة الناس وبسطائهم ، وقد نهى الامام الهادي عليه‌السلام أصحابه وسائر المسلمين عن التواصل مع الصوفية والاختلاط بهم ، لأن زهدهم لم يكن حقيقياً وإنما لاراحة أبدانهم ، وأن تهجدهم في الليل لم يكن نسكاً وإخلاصاً في طاعة الله تعالى ، وإنما هو وسيلة لصيد أموال الناس وإغوائهم ، وأن أورادهم ليست عبادة خالصة لله بل هي رقص وغناء ، وأن أتباعهم هم الحمقى والسفهاء.

قال الحسين بن أبي الخطاب : « كنت مع أبي الحسن الهادي عليه‌السلام في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري ، وكان بليغاً وله

__________________

(١) راجع : أصول الكافي١ : ٣٥٥ / ١٤ ـ باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة من كتاب الحجة ، دلائل الامامة : ٤١٦ / ٣٨٠ / ١٣.

٢٣٦

منزلة مرموقة عند الامام عليه‌السلام ، وبينما نحن وقوف إذ دخل جماعة من الصوفية المسجد فجلسوا في جانب منه ، وأخذوا بالتهليل ، فالتفت الامام عليه‌السلام إلى أصحابه فقال لهم : لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين ، فإنهم حلفاء الشياطين ، ومخربوا قواعد الدين ، يتزهدون لاراحة الأجسام ، ويتهجدون لصيد الأنعام ، يتجوعون عمراً حتى يديخوا للايكاف حمراً ، لا يهللون إلا لغرور الناس ، ولا يقللون الغذاء إلا لملا العساس واختلاس قلب الدفناس ، يكلمون الناس بإملائهم في الحب ، ويطرحونهم بإدلائهم في الجب ، أورادهم الرقص والتصدية ، وأذكارهم الترنم والتغنية ، فلا يتبعهم إلا السفهاء ، ولا يعتقد بهم إلا الحمقى ، فمن ذهب إلى زيارة أحدهم حياً أو ميتاً فكأنما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان ، ومن أعان واحداً منهم فكأنما أعان معاوية ويزيد وأبا سفيان.

فقال له رجل من أصحابه : وإن كان معترفا بحقوقكم؟ قال : فنظر إليه شبه المغضب وقال : دع ذا عنك ، من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا ، أما تدري أنهم أخس طوائف الصوفية؟ والصوفية كلهم من مخالفينا ، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا ، وإن هم إلا نصارى ومجوس هذه الاُمّة ، أولئك الذين يجتهدون في إطفاء نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون » (١).

المبحث الثاني ـ دوره عليه‌السلام في التصنيف والتشريع والسنن :

أولاً ـ المصنفات المنسوبة إليه عليه‌السلام :

نسب إلى الإمام الهادي عليه‌السلام عدّة كتب ورسائل ومسائل في مجال الأحكام

__________________

(١) حديقة الشيعة / الأردبيلي : ٦٠٣ ، الاثناعشرية / الحر العاملي : ٢٩.

٢٣٧

والشرائع والتفسير والأدعية والحكم والمواعظ والوصايا التربوية والبيانات التفصيلية في تفسير القرآن وغيرها ، وقد وصلنا العديد منها مدونة في مصادر الحديث والرجال ، وفيما يلي نذكر اسهاماته في هذا الاتجاه :

١ ـ أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله (١).

٢ ـ كتاب المقنعة ، المشتمل على أكثر الأحكام ومسائل الحلال والحرام ، وهو منسوب الى الامام العسكري عليه‌السلام غير أنه يبدو من رجال النجاشيأنّه للإمام الهادي عليه‌السلام (٢).

٣ ـ رسالته الى أهل الأهواز في الرد على أهل الجبر والتفويض وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين بالأدلة العلمية الواضحة ، وهي تحتوي على أخصب الدراسات العلمية في المسائل العقائدية التي كانت مدار الجدل والكلام في ذلك الزمان (٣).

٤ ـ قطعة من أحكام الدين ذكرها ابن شهرآشوب في المناقب عن الخيبري أو الحميري في كتاب مكاتبات الرجال عن العسكريين عليهما‌السلام.

٥ ـ وروي عنه عليه‌السلام أجوبة كثيرة في المسائل الفقهية والعقائدية وغيرها من العلوم ، وقد تكفلت بنقلها مجاميع الحديث والرجال.

٦ ـ وروي عنه المزيد من الأدعية والتعقيبات.

٧ ـ الزيارة الجامعة الكبيرة ، وهي من أشهر زيارات الأئمّة

__________________

(١) راجع : الاختصاص / الشيخ المفيد : ٩١ ، تحف العقول / الحراني : ٤٧٦ ، المناقب / ابن شهر آشوب ٤ : ٤٠٤.

(٢) راجع : رجال النجاشي : ١٦٦ / ٤٣٩ ترجمة رجاء بن يحيى العبرتائي.

(٣) راجع : تحف العقول / الحراني : ٤٥٨.

٢٣٨

الطاهرين عليهم‌السلام وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً ، لذلك حظيت بأهمية خاصة وموقع متميز عند علماء الطائفة من بين مثيلاتها من الأدعية والزيارات ، وهي مروية باسناد صحيح عن الامام الهادي عليه‌السلام ، وتتضمن كلاماً فريداً يزخر بالمعارف الالهية السامية ، ويبين حقيقة الامام الذي يمثل حجة الله على الخلق ، ومحور كائنات الوجود ، وواسطة الفيض بين الخالق والمخلوق ، والجامع لكل الخير والمحاسن ، والقدوة المثلى للانسان ، وقد جاء كل ذلك في أرقى مراتب البلاغة والفصاحة (١).

وقد اهتم علماء الشيعة بهذه الزيارة واعتبروها أفضل الزيارات الجامعة سنداً ومحتوى. قال العلامة المجلسي : إن هذه الزيارة من أصح الزيارات سنداً ، وأعمها مورداً ، وأفصحها لفظاً ، وأبلغها معنىً ، وأعلاها شأناً (٢).

من هنا تعرض كثير من العلماء لشرحها وتفسير مضامينها ، ومن تلك الشروح :

أ ـ الأعلام اللامعة في شرح الزيارة الجامعة ، للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي ، جد السيد مهدي بحر العلوم النجفي.

ب ـ الالهامات الرضوية في شرح الزيارة الجامعة ، للسيد محمد بن السيد محمود الحسيني اللواساني الطهراني ، الشهير بالسيد محمد العصار ، والمتوفى سنة ١٣٥٥ ، والشرح فارسي.

جـ الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة ، للشيخ محمد رضا بن القاسم

__________________

(١) راجع : عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٧٢ / ١ ، الفقيه / الصدوق ٢ : ٣٧٠ / ١٦٢٥ ، التهذيب ٦ : ٩٥ / ١٧٧ ، البلد الأمين / الكفعمي : ٢٩٧.

(٢) بحارالأنوار ١٠٢ : ١٤٤.

٢٣٩

الغراوي ، فرغ منه سنة١٣٦١.

د ـ الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة ، للسيد عبد الله بن محمد رضا شبر الحسيني الكاظمي ، المتوفى سنة ١٢٤٢ ، مفسر مجتهد ، له مؤلفات كبيرة وكثيرة ، وكان ينعت بالمجلسي الثاني ، وهذا الشرح مطبوع.

هـ ـ البروق اللامعة في شرح الزيارة الجامعة ، لعلي بن محمد جعفر الاسترابادي ، المتوفى سنة ١٣١٥ ، كان عالماً مشاركاً في الفقه وأصوله وعلم الهيئة وغيرها.

و ـ شرح الزيارة الجامعة ، للعلامة الميرزا علي نقي بن السيد حسين المعروف بالحاج آغا ابن السيد المجاهد الطباطبائي الحائري ، المتوفى سنة ١٢٨٩ ، وهو شرح كبير لكنه لم يتم.

ز ـ شرح الزيارة الجامعة ، للشيخ الميرزا محمد علي بن المولى محمد نصير الرشتي النجفي ، المتوفى سنة١٣٣٤ ، والشرح فارسي كبير.

ح ـ شرح الزيارة الجامعة ، للسيد بهاء الدين محمد بن مير محمد باقر الحسيني النائيني المختاري ، المعاصر للشيخ الحر ، كان فاضلاً عارفاً بالرجال.

ط ـ شرح الزيارة الجامعة ، للمولى محمد تقى بن مقصود علي الاصفهاني المجلسي ، والد العلامة المجلسي صاحب بحار الأنوار ، والمتوفى سنة ١٠٧٠.

ي ـ شرح الزيارة الجامعة الكبيرة ، للشيخ أحمد بن زين الدين بن ابراهيم ابن صفر بن ابراهيم بن داغر الأحسائي ، الذي تنسب إليه الطائفة الشيخية والكشفية ، المتوفى قرب المدينة المنورة سنة ١٢٤٣. والشرح مطبوع متداول.

ك ـ شمس طالعة في شرح الزيارة الجامعة ، للميرزا محمد بن أبي القاسم ناصر حكمت طبيب زاده الأصفهاني ، مطبوع.

٢٤٠