الإمام عليّ الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام عليّ الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-98-6
الصفحات: ٢٧٦

بأبيه ، وكان اختياره وتنصيبه من قبل القادة الأتراك بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش ، فبايعوه وكان عمره ٢٨ سنة.

ونتيجة تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وضعف سلطة الخلافة في زمان المستعين ، ثار الكثير من العلويين مطالبين برفع الظلم عن كاهل أبناء الاُمّة وداعين إلى الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنهم الشهيد يحيى بن عمر ، والحسن بن زيد العلوي ، والحسين بن محمد بن حمزة ، ومحمد بن جعفر بن الحسن ، ولم تحدثنا كتب التاريخ والرواية عن أي شيء من الوقائع بين المستعين والإمام الهادي عليه‌السلام لتدنّي سلطة الخلافة في عصره واستلام مقاليد الأمور بيد القادة الاتراك ، غير أنه لايخرج عن نهج الخلفاء العباسيين في حصار الإمام عليه‌السلام والاساءة إلى شيعته بشكل عام والطالبيين بوجه خاص.

فقد ذكر المسعودي أن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبيطالب عليه‌السلام ، حمله سعيد الحاجب من البصرة ، فحبس حتى مات ، وكان معه ابنه علي ، فلما مات الأب خلي عنه ، وذلك في أيام المستعين ، وجعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قتله ابن الأغلب بأرض المغرب ، والحسن بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبيطالب ، قتله العباس بمكة (١).

مقتل المستعين :

في سنة ٢٥١ هـ شغب الأتراك على المستعين بعد قتل باغر التركي ، فهرب المستعين إلى بغداد مع وصيف وبغا الصغير ، ونزل دار محمد بن عبداللّه بن طاهر ، فعاث الأتراك بغيا وفسادا في سامراء ، وأخرجوا المعتز من سجن

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٤٢٩.

١٠١

الجوسق وبايعوه بالخلافة ، وصارت بغداد مسرحا للاقتتال والخراب والسلب والنهب بين جيش المعتز ومؤيدي المستعين ، حتى انتهى القتال بخلع المستعين لنفسه من الخلافة سنة ٢٥٢ هـ ، وكان نتيجة ذلك القتال أن خربت الدور والحوانيت والبساتين ، ونهبت الأسواق والأموال وتردت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل.

ثمّ إن المعتز سيّر المستعين إلى واسط ، فأقام بها نحو تسعة أشهر محبوسا موكلاً به أمين ، ثمّ أرسل المعتز إلى أحمد بن طولون أن يذهب إلى المستعين فيقتله فأبى ، فندب له سعيد بن صالح الحاجب فحمله إلى سامراء فذبحه وحمل إليه برأسه ، فأمر لسعيد بخمسين ألف درهم وولاه معونة البصرة (١).

٦ ـ المعتز :

وهو الزبير أو محمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع له عند خلع المستعين سنة ٢٥٢ هـ ، وله عشرون سنة أو دونها (٢).

وفي زمانه تعرض الكثير من الطالبيين إلى المطاردة والحبس والترحيل ، فقد حُمِل في أيامه من الري علي بن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد ، ومات في حبسه (٣).

وفي نفس السنة التي بويع له فيها حمل جماعة من الطالبيين إلى سامراء ، منهم : أبو أحمد محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن علي بن

__________________

(١) راجع : مروج الذهب ٤ : ٤١٧ ، الكامل في التاريخ ٦ : ١٨٥ ، البداية والنهاية ١١ : ١١ ، تاريخ ابن الوردي ١ : ٣١٦.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٢.

(٣) مروج الذهب ٤ : ٤٢٩.

١٠٢

أبي طالب ، وأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري (١).

وفي أيامه أيضا قتل عبد الرحمن خليفة أبي الساج أحمد بن عبداللّه بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام.

وتوفي في الحبس عيسى بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي ابن عبداللّه بن جعفر بن أبيطالب ، كان أبو الساج حمله فحبس بالكوفة فمات هناك.

وقتل بالري جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ، في وقعة كانت بين أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين عليه‌السلام وبين عبداللّه بن عزيز عامل محمد بن طاهر بالري.

وقُتِل إبراهيم بن محمد بن عبداللّه بن الحسن بن عبداللّه بن العباس بن علي ، قتله طاهر بن عبداللّه في وقعة كانت بينه وبين الكوكبي بقزوين.

وحبس أحمد بن محمد بن يحيى بن عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن علي في دار مروان ، حبسه الحارث بن أسد عامل أبي الساج في المدينة فمات في محبسه (٢).

شهادة الإمام الهادي عليه‌السلام :

بعد مرور ثلاث سنين من أيام المعتز قتل الامام الهادي عليه‌السلام مسموماً في يوم الاثنين الثالث من رجب سنة ٢٥٤ هـ (٣) ، واكتظّ الناس في موكب التشييع ،

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٦ : ١٨٧.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٤٣٣.

(٣) وقيل غير ذلك ، راجع : أصول الكافي١ : ٤٩٧ ـ باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة ، دلائل الإمامة : ٤٠٩ ، تاج المواليد / الطبرسي : ١٣٢

١٠٣

وصلى عليه ابنه الإمام أبو محمد الحسن العسكري عليه‌السلام (١) ، وروي أنه عليه‌السلام خرج في جنازته مشقوق القميص ، فقيل له في ذلك ، فقال : « قد شقّ موسى على هارون » (٢).

وعن اليعقوبي : أن المعتز بعث بأخيه أحمد بن المتوكل ، فصلّى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلما كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجتهم فرُدّ النعش إلى داره فدفن فيها (٣).

ونقل كثير من المؤرخين والمحدثين أنّ الإمام الهادي عليه‌السلام توفي مسموما ، منهم : المسعودي ، وسبط ابن الجوزي ، والشبلنجي ، وابن الصباغ المالكي ، والشيخ أبوجعفر الطبري (٤) ، وصرح الشيخ ابراهيم الكفعمي بأن الذي سمّه هو المعتز (٥) ، ونقل عن ابن بابويه أنّ الذي سمّه هو المعتمد العباسي (٦) ، فإمّا أن

__________________

، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٣٣ ، كشف الغمة ٣ : ١٦٥ و ١٧٤ ، البداية والنهاية ١١ : ١٤ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٧٤ ، اعلام الورى ٢ : ١٠٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٣.

(١) أصول الكافي١ : ٣٢٦ / ٣ ـ باب الاشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣١٥ ، إعلام الورى ٢ : ١٣٣.

(٢) رجال الكشي / شرح الداماد : ٨٤٢ ـ ٨٤٣ ، المناقب / ابن شهرآشوب ٤ : ٤٦٧ ، وسائل الشيعة ٣ : ٢٧٤ / ٣٦٣٤ ـ ٣٦٣٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٣.

(٤) مروج الذهب ٤ : ٤٢٣ ، تذكرة الخواص : ٣٢٤ ، نور الأبصار / الشبلنجي : ٣٣٧ ـ دار الجيل ـ بيروت ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٧٦ ، دلائل الإمامة : ٤٠٩.

(٥) بحار الأنوار ٥٠ : ١١٧ عن مصباح الكفعمي.

(٦) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٣٣ عن ابن بابويه.

١٠٤

يكون مصحفا ، أو أن المعتمد هو الذي دسّ السمّ بايعازٍ من المعتز ، لأن المعتمد بويع بالخلافة في النصف من رجب سنة ٢٥٦ هـ بعد قتل المهتدي.

وليس بعيدا عن مثل المعتز اقتراف مثل هذه الجريمة النكراء ، لأنه كان شابا متهوّرا لم يتحرج عن القتل ، ففي سنة ٢٥٢ هـ خلع أخاه المؤيد من ولاية العهد وعذّبه بضربه أربعين مقرعة ثم حبسه ودبّر قتله في السجن بعد ذلك بخمسة عشر يوما ، كما حبس أخاه أبا أحمد بن المتوكل سنة ٢٥٣ هـ ونفاه إلى واسط ثم إلى البصرة ثم ردّه إلى بغداد (١) ، وأمر سعيد الحاجب بقتل ابن عمه المستعين فقتله وأتاه برأسه. فهكذا كانت أفعاله مع إخوته وأبناء عمومته ، أما مع الطالبيين ، فكانت أشد وأقسى.

خلع المعتز وقتله :

لم تطل أيام المعتز بعد شهادة الامام الهادي عليه‌السلام ، وكان خلع المعتز في رجب سنة ٢٥٥ هـ ، وتوفّي في شعبان من نفس العام ، وكان سبب خلعه أن الجند وعلى رأسهم القادة الترك اجتمعوا فطلبوا منه أرزاقهم ، فلم يكن عنده ما يعطيهم ، فسأل من اُمه أن تقرضه مالاً يدفعهم عنه به ، فلم تعطه وأظهرت أنه لاشيء عندها ، فاجتمع الأتراك على خلعه وقتله ، فدخل إليه بعض الأمراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه ، وجرّوا برجله وأخرجوه وعليه قميص مخرّق ملطخ بالدم ، فأوقفوه في وسط دار الخلافة في حرّ شديد حتى جعل يراوح بين رجليه من شدّة الحرّ ، وجعل بعضهم يلطمه وهو يبكي ويقول له الضارب : اخلعها والناس مجتمعون. ثمّ ادخلوه حجرة مضيقا عليه فيها ، ومازالوا عليه

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٦ : ١٨٥ و ١٩٢ ، تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٧٩ ، البداية والنهاية ١١ : ١١ و ١٢.

١٠٥

بأنواع العذاب حتى خلع نفسه من الخلافة وولي بعده المهتدي باللّه ، ثم سلموه إلى من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلات ، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة أيام حتى جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق ، ثم أدخلوه سربا وجصصوا عليه ، فأصبح ميتا ، وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر (١).

مواقف الامام عليه‌السلام ازاء تصرفات السلطة :

أولاً : تفعيل عمل الوكلاء :

ان الرقابة والحصار والإقامة الجبرية وغيرها من ممارسات السلطة لم تفلح في قطع الإمام عليه‌السلام بشكل كلّي عن المناطق التي يتملك فيها أتباعا وجماهير تدين بإمامته وتؤمن بمرجعيته ، لأنه استطاع أن يكسر بعض حاجز الحصار والاحتجاب القسري عن طريق تفعيل عمل الوكلاء والمكاتبات.

وقد أحاط الامام ، أعماله بالسرية والكتمان والحيطة إلاّ بالمقدار الذي تسمح به الظروف ، لذلك عمد الى اتخاذ الوكلاء والقوّام الثقات الذين يمثّلون خط الامامة الأصيل في أطراف البلاد الشاسعة ، ليكون الإمام عليه‌السلام قادرا على ممارسة دوره في نشر الوعي الديني والعقائدي ، والحفاظ على مفاهيم الرسالة والقيم الاسلامية المقدسة ، والاتصال مع قواعده الشعبية في ظل تلك الظروف العصيبة.

ومن هنا كانت له عليه‌السلام امتدادات واسعة في المواقع الاسلامية ، تضمنها له عملية تنظيم الوكلاء والقوّام وتفعيل دورهم ، بحيث كان له وكيل في كل منطقة له فيها أتباع وشيعة يأتمرون بأمره وينضوون تحت ولايته ، وكانوا يتصلون

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٦ : ٢٠٠ ، الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٣ ، البداية والنهاية ١١ : ١٦ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٣.

١٠٦

به عليه‌السلام عن طريق المراسلة أو المكاتبة ، التي تصل اليه عليه‌السلام بسرية تامة ويجيب عليها بجملة تواقيع تصدر عنه ، ومن خلالها يمارس أيضا عملية عزل وكيل أو تعيين آخر مكانه ، ويعطي سائر إرشاداته لهذا وذاك من أصحابه.

وكان الوكلاء والقيّمون يحتاطون كثيرا في أيصال المال إلى الإمام عليه‌السلام وفي حمل مكاتباته وتواقيعه ، وكان الامام عليه‌السلام يحتاط كثيراً في ايصال تواقيعه الى أصحابه حتى انه كان يضع بعض الرقاق في فيه.

روى ثقة الاسلام الشيخ الكليني بإسناده عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، قال : كان عبد الله بن هليل يقول بعبد الله (١) ، فصار إلى العسكر ، فرجع عن ذلك ، فسألته عن سبب رجوعه ، فقال : إني عرضت لأبي الحسن عليه‌السلام أن أسأله عن ذلك ، فوافقني في طريق ضيق ، فمال نحوي حتى إذا حاذاني أقبل نحوي بشيءٍ من فيه ، فوقع على صدري ، فأخذته فإذا هو رق فيه مكتوب : « ما كان هنالك ولا كذلك » (٢).

والمتتبع لدراسة حياة الجواد والعسكريين عليهم‌السلام يرى أن المكاتيب والتواقيع قد اتخذت حيزا واسعا من مساحة تراثهما (٣) ، وبالنظر لكثرتها فقد اتخذت مادة للتأليف ، فألف عبداللّه بن جعفر الحميري كتاب (مسائل الرجال ومكاتباتهم أبا الحسن الثالث عليه‌السلام ) وكتاب (مسائل لأبي الحسن على يد محمد

__________________

(١) وهو عبد الله بن جعفر الصادق عليه‌السلام ، والقائلون بامامته بعد أبيه هم الفطحية.

(٢) أصول الكافي١ : ٣٥٥ / ١٤ ـ باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة من كتاب الحجة.

(٣) راجع المجلد الثاني من كتاب (معادن الحكمة في مكاتيب الأئمّة عليهم‌السلام ) للمولى محمد علم الهدى ابن الفيض الكاشاني ، المتوفى سنة ١١١٥ هـ ، مكتبة الصدوق طهران ـ.

١٠٧

ابن عثمان العمري) و (مسائل أبي محمد وتوقيعات) وألف علي بن جعفر الهمّاني مسائل لأبي الحسن عليه‌السلام.

ويتبين للمتتبع لتلك المكاتبات حجم دورها في تعميق الوعي الاسلامي الأصيل ، وتعزيز مبادئ مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، والتمهيد لغيبة الامام الحجة عليه‌السلام خاتم الأوصياء ، هذا فضلاً عن المزيد من المكاتبات المتعلقة بالأبواب الفقهية والمسائل الشرعية المبثوثة في كتب الفقه والمجاميع الحديثية ، وكان للوكلاء دور رئيسي في إيصالها من وإلى الإمام عليه‌السلام.

وكلاء الامام الهادي عليه‌السلام :

من بين وكلاء الإمام عليه‌السلام المنصوص عليهم في كتب الرجال :

١ ـ إبراهيم بن عبدة النيسابوري : ثقة جليل من أصحاب الامام الهادي والعسكري عليهما‌السلام ووكيله ، وردت فيه توقيعات ثلاثة رواها الكشي تدل على مدحه وجلالته ، وقد رأى مولانا الحجة المنتظر عليه‌السلام على الصفا وقبض عليه‌السلام على كتاب مناسكه ، وحدثه بأشياء (١).

٢ ـ أيوب بن نوح بن دراج النخعي : مولاهم ، من أصحاب الامام الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، ممدوح ، كوفي ، كان وكيلاً لأبي الحسن الهادي ولأبي محمد الحسن العسكري عليهما‌السلام ، عظيماً ، ورعاً ، ثقة ، وكان أبوه قاضياً بالكوفة ، صحيح الاعتقاد ، وأخوه جميل بن نوح بن دراج لقي الهادي عليه‌السلام ، وله كتاب وروايات ومسائل من أبي الحسن الثالث (٢).

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤١٠ ، مستدركات علم الرجال / النمازي ١ : ١٧٣ / ٣٣٢.

(٢) رجال البرقي : ٥٧ ، رجال الطوسي : ٤١٠ ، الفهرست : ١٦ / ٤٩ ، الخلاصة / العلامة : ٥٤.

١٠٨

٣ ـ جعفر بن سهيل الصيقل : عده ابن شهرآشوب من وكلائه (١).

٤ ـ الحسن بن راشد : عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الهادي عليه‌السلام ، وقال : يكنى أبا علي ، بغدادي (٢) ، وعده الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، الذين لا يطعن عليهم بشيء ، ولا طريق لذم واحد منهم ، وقد نصبه الامام عليه‌السلام وكيلاً ، وبعث إليه بعدة رسائل ، وكانت له مكانة مرموقة عند الامام الهادي عليه‌السلام ، ولما توفي ترحم عليه الامام عليه‌السلام ودعا له بالمغفرة والرضوان.

٥ ـ زنكان ، أبو سليم : عده ابن شهرآشوب في المناقب من وكلاء الامام الهادي عليه‌السلام (٣).

٦ ـ علي بن جعفر الهمداني : عده شيخ الطائفة الطوسيوالبرقي من أصحاب الامام الهادي عليه‌السلام ، وزاد الشيخ الطوسي : وكيله ، ثقة. وفي رجال ابن داود : كان في حبس المتوكل وخاف القتل والشك في دينه ، فوعده أن يقصد الله فيه ، فحمّ المتوكل ، وأمر بتخلية من في السجن مطلقاً وتخليته بالتخصيص (٤).

٧ ـ علي بن الريان بن الصلت الأشعري القمي : ثقة ، عده شيخ الطائفة الطوسيوالبرقي من أصحاب الامام الهادي عليه‌السلام ، وكان وكيله ، وله عنه نسخة ،

__________________

(١) المناقب ٤ : ٤٠٢.

(٢) رجال الطوسي : ٤١٣.

(٣) المناقب ٤ : ٤٠٢.

(٤) رجال البرقي : ٥٩ ، رجال الطوسي : ٤١٨ ، رجال ابن داود : ١٣٥.

١٠٩

وله كتاب منثور الأحاديث (١).

ثانيا : دعم أصحابه ومواليه :

طاردت السلطة شيعة الإمام وقصدتهم بالأذى ، ولاحقت أصحابه ورواد مدرسته باعتبارهم قاعدته وعمقه القادر على التأثير والاستقطاب ، فتعرضوا للسجن والتشريد والقتل ، وكانوا يعرضون على السيف لمجرد اعتقادهم بامامته ، ففي ربيع الأول سنة ٢٥٤ هـ قتلوا الكثير من أصحاب الأئمّة وشيعتهم في قم التي تشكل قاعدة مهمة من قواعد الإمام عليه‌السلام ، فقد نقل المؤرخون أنّ مفلحا وباجور أوقعا بأهل قم في هذه السنة فقتلا منهم مقتلة عظيمة (٢).

ويمكن تلخيص موقف الامام عليه‌السلام مما يجري على أصحابه وشيعته ، في ثلاثة إتجاهات :

١ ـ رفدهم بالدعاء :

كان الأصحاب يهرعون في كل ما ينوبهم الى امامهم عليه‌السلام ليعينهم بالدعاء.

قال أيوب بن نوح : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام وقد تعرض لي جعفر بن عبد الواحد القاضي ، وكان يؤذيني بالكوفة ، أشكو إليه ما ينالني منه من الأذى. فكتب إلي : تكفى أمره إلى شهرين. فعزل عن الكوفة في الشهرين واسترحت منه » (٣).

__________________

(١) رجال البرقي : ٥٨ ، رجال النجاشي : ٢٧٨ / ٧٣١ ، رجال الطوسي : ٤١٩ ، الخلاصة / العلامة : ٩٩ ، رجال ابن داود : ١٣٨.

(٢) تاريخ الطبري ٩ : ٣٨١ ، الكامل في التاريخ ٦ : ١٩٦ ـ حوادث سنة ٢٥٤ هـ.

(٣) الخرائج والجرائح / قطب الدين الراوندي ١ : ٣٩٩.

١١٠

وعن عبداللّه بن سليمان الخلال ، قال : « كتبت إليه عليه‌السلام أسأله الدعاء أن يفرّج اللّه عنّا في أسباب من قبل السلطان كنا نغتم بها من غلماننا ، فرجع الجواب بالدعاء ، ورد علينا الغلمان ... » (١).

وروى ابن شهرآشوب بإسناده عن أبي الحسن محمد بن أحمد ، قال : حدثني عمّ أبي أبو موسى ، قال : « قصدت الامام يوماً فقلت : إن المتوكل قطع رزقي ، وما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك ، فينبغي أن تتفضل علي بمسألته. فقال : تكفى إن شاء الله. فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولاً ، فجئت إليه فوجدته في فراشه ، فقال : يا أبا موسى ، تشغل شغلي عنك وتنسينا نفسك ، أي شيء لك عندي؟ فقلت : الصلة الفلانية ، وذكرت أشياء ، فأمر لي بها وبضعفها ، فقلت للفتح : وافى علي بن محمد إلى ها هنا وكتب رقعة؟ قال : لا. قال : فدخلت على الامام عليه‌السلام ، فقال لي : يا أبا موسى ، هذا وجه الرضا. قلت : يا سيدي ، ولكن قالوا إنك ما مضيت إليه ولا سألت؟ قال : إن الله تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه ، ولا نتوكل في الملمات إلا عليه ، وعودنا إذا سألناه الاجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل » (٢).

وروى السيد ابن طاوس بالاسناد عن اليسع بن حمزة القمي ، قال : « أخبرني عمرو بن مسعدة وزير المعتصم الخليفة أنه جاء علي بالمكروه الفظيع حتى تخوفته على إراقة دمي وفقر عقبي ، فكتبت إلى سيدي أبي الحسن العسكري عليه‌السلام أشكو إليه ما حلّ بي ، فكتب إلي : لا روع إليك ولا بأس ، فادع

__________________

(١) الثاقب في المناقب : ٥٤٨ / ٤٩٠.

(٢) المناقب / ابن شهرآشوب ٤ : ٤٤٢.

١١١

الله بهذه الكلمات ، يخلصك الله وشيكاً مما وقعت فيه ، ويجعل لك فرجاً ، فإن آل محمد يدعون بها عند إشراف البلاء وظهور الأعداء ، وعند تخوف الفقر وضيق الصدر.

قال اليسع بن حمزة : فدعوت الله بالكلمات التي كتب إلي سيدي بها في صدر النهار ، فوالله ما مضى شطره حتى جاءني رسول عمرو بن مسعدة فقال لي : أجب الوزير ، فنهضت ودخلت عليه ، فلما بصر بي تبسّم إلي ، وأمر بالحديد ففك عني وبالأغلال فحلّت مني ، وأمر لي بخلعة من فاخر ثيابه ، وأتحفني بطيب ، ثم أدناني وقربني ، وجعل يحدثني ويعتذر إلي ، وردّ علي جميع ما كان استخرجه مني ، وأحسن رفدي ، وردني إلى الناحية التي كنت أتقلدها ، وأضاف إليها الكورة التي تليها.

قال ، وكان الدعاء ، يا من تحل بأسمائه عقد المكاره ، ويا من يفل بذكره حد الشدائد ، ويا من يدعى بأسمائه العظام من ضيق المخرج إلى محل الفرج ، ذلت لقدرتك الصعاب ، وتسببت بلطفك الأسباب ، وجرى بطاعتك القضاء ، ومضت على ذكرك الأشياء ، فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة ، وبإرادتك دون وحيك منزجرة.

أنت المرجو للمهمات ، وأنت المفزع للملمات ، لا يندفع منها إلا ما دفعت ، ولا ينكشف منها إلا ما كشفت ، وقد نزل بي من الأمر ما فدحني ثقله ، وحل بي منه ما بهضني حمله ، وبقدرتك أوردت على ذلك ، وبسلطانك وجهته إلي ، فلا مصدر لما أوردت ، ولا ميسر لما عسرت ، ولا صارف لما وجهت ، ولا فاتح لما أغلقت ، ولا مغلق لما فتحت ، ولا ناصر لمن خذلت إلا أنت.

١١٢

صل على محمد وآل محمد ، وافتح لي باب الفرج بطولك ، واصرف عني سلطان الهم بحولك ، وأنلني حسن النظر فيما شكوت ، وارزقني حلاوة الصنع فيما سألتك ، وهب لي من لدنك فرجاً وحيّاً ، واجعل لي من عندك مخرجاً هنيّاً ، ولا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فرائضك ، واستعمال سنتك ، فقد ضقت بما نزل بي ذرعاً ، وامتلات بحمل ما حدث على جزعاً ، وأنت القادر على كشف ما بليت به ، ودفع ما وقعت فيه ، فافعل ذلك بي ، وإن كنت غير مستوجبه منك ، يا ذا العرش العظيم ، وذا المن الكريم ، فأنت قادر يا أرحم الراحمين ، آمين رب العالمين » (١).

وعن يوسف بن السخت قال : « كان علي بن جعفر وكيلاً لأبي الحسن صلوات الله عليه ، وكان رجلاً من أهل همينيا ـ قرية من قرى سواد بغداد ـ فسعي به إلى المتوكل ، فحبسه فطال حبسه ، واحتال من قبل عبد الرحمن بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار ، وكلمه عبيد الله ، فعرض حاله على المتوكل فقال : يا عبيد الله ، لو شككت فيك لقلت إنك رافضي ، هذا وكيل فلان وأنا على قتله. قال : فتأدّى الخبر إلى علي بن جعفر ، فكتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام : يا سيدي ، الله الله في ، فقد والله خفت أن أرتاب. فوقّع في رقعته : أما إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك. وكان هذا في ليلة الجمعة ، فأصبح المتوكل محموماً فازدادت عليه حتى صرخ عليه يوم الاثنين ، فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه حتى ذكر هو علي بن جعفر ، وقال لعبيد الله : لِم لَم تعرض علي أمره؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً. قال : خل سبيله الساعة ، وسله أن يجعلني في

__________________

(١) مهج الدعوات : ٢٧١.

١١٣

حلّ ، فخلى سبيله وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن عليه‌السلام مجاوراً بها ، وبرأ المتوكل من علته » (١).

٢ ـ الإحسان إليهم :

كان الامام الهادي عليه‌السلام يأمر قوامه ووكلاءه بالتخفيف من وطأة الفقر عن أصحاب الفاقة والمعوزين من أصحابه ، وامدادهم بما يرفع عنهم أسباب العوز والحاجة والدين ، وممن شملهم بره وإحسانه : أبوهاشم الجعفري ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وعلي بن جعفر الهمداني ، ورجل من أعراب الكوفة وغيرهم (٢).

٣ ـ تحذيرهم من الفتن :

كان الامام عليه‌السلام يمارس دوره كقائد لمواليه وأصحابه وراعٍ لمصالحهم ومدافع عن قضاياهم في حدود فسحة ضيقة محكومة بالرقابة والضغط ، وعلى هذا الصعيد كان عليه‌السلام يحذرهم الأخطار والفتن المحدقة بهم ، ومن الوقوع في أحابيل السلطة ، ويساعدهم في إخفاء نشاطهم بحسب الإمكان.

عن علي بن محمد النوفلي قال : قال لي محمد بن الفرج : « إن أبا الحسن عليه‌السلام كتب إليه : يا محمد ، اجمع أمرك وخذ حذرك. قال : فأنا في جمع أمري ليس أدري ما كتب إلي حتى ورد علي رسول حملني من مصر مقيداً وضرب على كل

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٦٦ / ١١٢٩.

(٢) راجع : المناقب / ابن شهر آشوب ٤ : ٤٠٩ ، كشف الغمة ٣ : ١٦٦ ، بحار الأنوار ٥٠ : ١٢٩ / ٧ و ١٣٢ / ١٤.

١١٤

ما أملك وكنت في السجن ثمان سنين ... » (١).

وحذر الامام عليه‌السلام أخاه موسى من الوقوع في فخ المتوكل الذي حاول هتكه والحطّ من منزلته ، روى ثقة الاسلام الشيخ الكليني والشيخ المفيد بالاسناد عن أبي الطيب يعقوب بن ياسر قال : « كان المتوكل يقول : ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا ، وجهدت أن يشرب معي وأن ينادمني فامتنع ، وجهدت أن أجد منه فرصة في هذا فلم أجدها. فقالوا له : فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق ، قال : ابعثوا إليه فجيئوا به حتى نموّه به على الناس ونقول ابن الرضا ، فكتب إليه واشخص مكرماً وتلقاه جميع بني هاشم والقواد والناس ، على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة وبنى له فيها وحول الخمارين والقيان إليه ووصله وبره وجعل له منزلاً سرياً حتى يزوره هو فيه ، فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن عليه‌السلام في قنطرة وصيف ـ وهو موضع يُتلقى فيه القادمون ـ فسلم عليه ووفاه حقه ، ثم قال له : إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط. فقال له موسى : فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال : فلا تضع من قدرك ولا تفعل فإنما أراد هتكك. فأبى عليه فكرر عيله ، فلما رأى أنه لا يجيب قال : أما إن هذا مجلس لا تجمع أنت وهو عليه أبداً. فأقام ثلاث سنين يبكر كل يوم فيقال له : قد تشاغل اليوم فرح فيروح ، فيقال : قد سكر فبكّر فيبكر فيقال : شرب دواء ، فما زال على هذا

__________________

(١) أصول الكافي١ : ٥٠٠ ـ باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام من كتاب الحجة.

١١٥

ثلاث سنين حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه عليه » (١).

رابعاً ـ هداية الخلق إلى الخالق :

سجلت لنا كتب الحديث بعض آثار الامام الهادي عليه‌السلام في دعوته إلى الاصلاح والارشاد في أوساط الامة المختلفة ، سواء من خلال التأثر بسيرته العملية المتمثلة بمكارم أخلاقه وتواضعه وإحسانه وهديه وزهده وعبادته وصلاحه ، أو من خلال وعظه وإرشاده وبركة تفوقه العلمي وكراماته التي حباها الله له ، وكان من أبرز آثار ذلك أنه استطاع أن ينقذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا فانحرفوا عن جادة الطريق ، فجعلهم يتركون ما هم فيه ويهتدون إلى ساحل الأمان ويخرجون من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم وصراط الهداية.

وكان من بين من أرشدهم الامام عليه‌السلام بعد انحرافهم عن خط الامامة ، أبو الحسن سعيد بن سهل البصري المعروف بالملاح ، الذي كان يقول بالوقف ، فالتقى به الامام الهادي عليه‌السلام في بعض الطرق فقال له : « إلى كم هذه النومة؟ أما آن لك أن تنتبه منها؟ » فأثرت هذه الكلمة في نفسه ورجع إلى الحق (٢).

ومنهم الفتح بن يزيد الجرجاني ، وقد كان من الغلاة ، وضمه وأبا الحسن عليه‌السلام الطريق حين منصرفه من مكة إلى خراسان ، والامام عليه‌السلام صائر إلى العراق ، ففرج عنه الامام عليه‌السلام وكشف ما لبسوا عليه وأوقعوا في خلده من أن

__________________

(١) أصول الكافي١ : ٥٠١ / ٨ ـ باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام من كتاب الحجة ، الارشاد / الشيخ المفيد ٢ : ٣٠٧ ، المناقب / ابن شهر آشوب ٤ : ٤٠٩.

(٢) المناقب / ابن شهر آشوب ٤ : ٤٠٧.

١١٦

الأئمة أرباب ولا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا ، ومما قال له أبو الحسن عليه‌السلام : « معاذ الله ، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله ، داخرون راغبون ». ثم سجد أبو الحسن عليه‌السلام وهو يقول في سجوده : « راغماً لك يا خالقي ، داخراً خاضعاً ».

قال : فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل ، ثم قال : « يا فتح ، كدت أن تَهلك وتُهلك ، وما ضرّ عيسى إذا هلك من هلك ، فاذهب إذا شئت رحمك الله ». فخرج وهو مسرور بما كشف الله عنه من اللبس ، وحمد الله على ما قدر عليه.

وقال له أبو الحسن عليه‌السلام وكان بين يديه حنطة مقلوّة : « اجلس يا فتح ، فإن لنا بالرسل أسوة ، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ، وكل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرازق ، لأنه جسّم الأجسام ، وهو لم يُجسّم ولم يُجزّأ بتناه ، ولم يتزايد ولم يتناقص ، مبرء من ذاته ، ما ركب في ذات من جسمه ، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، منشئ الأشياء ، مجسّم الأجسام ، وهو السميع العليم ، اللطيف الخبير ، الرؤوف الرحيم ، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب ، ولا الخالق من المخلوق ، ولا المنشئ من المنشأ ، ولكنه فرق بينه وبين من جسمه ، وشيأ الأشياء ، إذ كان لا يشبهه شيء يرى ، ولا يشبه شيئاً » (١).

ولم يتردد الامام عليه‌السلام عن أسماع الموعظة والارشاد حتى لألّد أعدائه وهو المتوكل العباسي ، وذلك حين استنشده الشعر فأنشده عليه‌السلام :

باتوا على قُلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القللُ

__________________

(١) كشف الغمة ٣ : ١٧٩.

١١٧

القصيدة ، فجعل المتوكل يبكي بكاءً طويلاً حتى بلّت دموعه لحيته ، وبكى معه ندماؤه وهم في نشوة السكر والتكبر والزهو ، ثمّ أمر برفع الشراب (١).

واهتدى به عليه‌السلام بعض رجال السلطة ومنهم يحيى بن هرثمة الذي كان على رأس الوفد الذي أشخص الامام عليه‌السلام من المدينة المنورة الى سامراء ، وقد كان حشوياً ، ولما رأى كرامات الامام عليه‌السلام وسيرته في بعض مراحل تلك الرحلة ، رمى بنفسه عن دابته ، وعدا إلى الامام عليه‌السلام فقبّل ركابه ورجله ، وقال : أنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنكم خلفاء الله في أرضه ، فتشيع ولزم خدمة الامام عليه‌السلام إلى أن مضى (٢).

ورجل آخر من رجال الدولة كان ضمن الوفد الذين أرسلهم المتوكل لاشخاص الامام عليه‌السلام من المدينة الى سامراء ، وهو أبو العباس خال شبل كاتب إبراهيم بن محمد ، تأثر بهدي الامام عليه‌السلام7 حينما شاهد احدى معاجزه في الطريق الى العراق وسمع كلامه ، ولم يكن في شيء من هذا الأمر ، وكان يعيب على أخيه وعلى أهل هذا القول عيباً شديداً بالذمّ والشتم ، ولما شاهد بعض كرامات الامام الهادي عليه‌السلام أثناء الطريق تعجب من ذلك ، ورفع يديه إلى السماء ، فسأل الله الثبات على المحبة والايمان والمعرفة ، قال : لقد كنت شاكاً وأصبحت وأنا عند

__________________

(١) راجع : مروج الذهب ٤ : ٣٦٧ ، تذكرة الخواص : ٣٢٢ ، البداية والنهاية ١١ : ١٥ ، وفيات الأعيان ٣ : ٢٧٢.

(٢) الثاقب في المناقب : ٥٥١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٩٣ الباب الحادي عشر ، كشف الغمة ٣ : ١٨٠.

١١٨

نفسي من أغنى الناس في الدنيا والآخرة (١).

ومنهم زرافة الحاجب الذي تولى الامام عليه‌السلام بعد أن سمع منه في يوم الفطر من سنة ٢٤٧ أن المتوكل يهلك بعد ثلاث ، وتحقق ذلك ، قال زرافة : أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا عليهم‌السلام يوم السلام ، فقال له وزيره : إن في هذا شناعة عليك وسوء مقالة فلا تفعل. قال : لا بدّ من هذا. قال : فإن لم يكن بدّ من هذا فتقدم بأن يمشي القواد والأشراف كلهم حتى لا يظنّ الناس أنك قصدته بهذا دون غيره ، ففعل ومشى عليه‌السلام وكان الصيف ، فوافى الدهليز وقد عرق. قال : فلقيته فأجلسته في الدهليز ، ومسحت وجهه بمنديل ، وقلت : إن ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك ، فلا تجد عليه في قلبك. فقال : إيهاً عنك ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ) (٢).

قال زرافة : وكان عندي معلم يتشيع ، وكنت كثيراً أمازحه بالرافضي ، فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء ، وقلت : تعال يا رافضي حتى أحدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم. قال : وما سمعت؟ فأخبرته بما قال. فقال : يا حاجب ، أنت سمعت هذا من علي بن محمد؟ قلت : نعم. قال : فحقك علي واجب بحق خدمتي لك فاقبل نصيحتي. قلت : هاتها. قال : إن كان علي بن محمد قد قال ما قلت فاحترز ، واخزن كل ما تملكه ، فإن المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام ، فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يدي ، فخرج. فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت : ما يضرني أن آخذ بالحزم ، فإن كان من هذا شيء كنت قد

__________________

(١) الخرائج والجرائح ١ : ٤١٥ / ٢٠.

(٢) سورة هود : ١١ / ٦٥.

١١٩

أخذت بالحزم ، وإن لم يكن لم يضرني ذلك. قال : فركبت إلى دار المتوكل ، فأخرجت كل ما كان لي فيها ، وفرقت كل ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم ، ولم أترك في داري إلا حصيراً أقعد عليه. فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل ، وسلمت أنا ومالي ، فتشيعت عند ذلك وصرت إليه ، ولزمت خدمته ، وسألته أن يدعو لي وتوليته حق الولاية (١).

ومن رجال السلطة أيضاً سعيد الصغير الحاجب ، وقد عهد اليه المتوكل تفتيش دار الامام عليه‌السلام ، فتأثر بهدي الامام عليه‌السلام وشخصيته وهيبته وصدقه فقال بأمامته.

عن الحسن بن محمد بن جمهور العمي ، قال : « سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال : دخلت على سعيد بن صالح الحاجب فقلت : يا أبا عثمان ، قد صرت من أصحابك ـ وكان سعيد يتشيع ـ فقال : هيهات ، قلت : بلى والله. فقال : وكيف ذلك؟ قلت : بعثني المتوكل وأمرني أن أكبس على علي بن محمد بن الرضا فأنظر ما فعل ، ففعلت ذلك ، فوجدته يصلي ، فبقيت قائماً حتى فرغ ، فلما انفتل من صلاته أقبل علي وقال : يا سعيد ، لا يكف عني جعفر ـ أي المتوكل ـ حتى يقطع إرباً! اذهب واعزب ، وأشار بيده الشريفة ، فخرجت مرعوباً ، ودخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه ، فلما رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية ، فسألت عنه فقيل : قتل المتوكل ، فرجعنا وقلت به » (٢).

__________________

(١) مهج الدعوات : ٣٣٠ ـ ٣٣٧ إثبات الوصية : ٢٤٠ نحوه. الخرائج ١ : ٤٠٢ / ٨ نحوه

(٢) الثاقب في المناقب : ٥٣٩.

١٢٠