حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

سخط المسلمين :

وسخط المسلمون لمقتل الشهيد العظيم زيد ، ونقموا على بني أمية كأشد ما تكون النقمة فقد انتهكوا في قتله حرمة الرسول (ص) التي هي أولى بالرعاية والعطف من كل شيء.

فلم تمض حفنة من السنين على اقتراف الامويين لمجزرة كربلا الرهيبة ، وإذا بهم قد عمدوا الى قتل زيد الذي هو من أعلام الأسرة النبوية ، ولم يكتفوا بقتله ، وانما نبشوا قبره وصلبوه على الجذع ، ولم يسمحوا بمواراته لاظهار التشفي الآثم باهل البيت (ع) وقد خالفوا بذلك ما أمر به النبي (ص) من المودة لأهل بيته ، كما خالفوا ما أمر به الاسلام من احترام الاموات وتحريم المثلة بهم.

لقد كانت فاجعة زيد المروعة من الاحداث الجسام التي ذعر منها المسلمون ، واستعظموها وقد اندفع شعراؤهم الى رثائه بما صور مدى الحزن واللوعة التي مني بها المسلمون يقول الفضل بن العباس :

إلا يا عين لا ترقى وجودي

بدمعك ليس ذا حين الجمود

غداة ابن النبي أبو حسين

صليب بالكناسة فوق عود

يظل على عمودهم ويمسي

بنفسي اعظم فوق العمود

تعدى الكافر الجبار فيه

فأخرجه من القبر اللحيد

فظلوا ينبشون أبا حسين

خضيبا بينهم بدم جسيد

فطال به تلعبهم عتوا

وما قدروا على الروح الصعيد

وجاور في الجنان بني أبيه

واجدادا هم خير الجدود

فكم من والد لأبي حسين

من الشهداء أو عم شهيد

ومن ابناء اعمام سيلقى

هم أولى به عند الورود

٨١

دماء معشر نكثوا أباه

حسينا بعد توكيد العهود

فسار إليهم حتى أتاهم

فما أرعوا على تلك العقود (٥٨)

هذه بعض القصيدة وقد صور فيها الشاعر حزنه العميق على الشهيد العظيم الذي ثكل به المسلمون فهو يطلب من عينيه أن يجودا بالدموع ، ولا يضنا عليه ، وذلك لعظم الخطب الفادح ، ثم هو يستعظم كأشد ما يكون الاستعظام على اخراج زيد من قبره وصلبه ، ولكن مما يهون عليه الخطب انهم وان تلاعبوا بجسد الثائر العظيم إلا انهم لم يقدروا على ارغام روحه الطاهرة التي صارعت الباطل وقاومت المنكر والجور ، وانها قد أقامت في الجنان مع أرواح الشهداء الخالدين الذين صرعوا في كربلا دفاعا عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، ثم انه بعد ذلك ينعى على أهل الكوفة غدرهم بزيد ، كما غدروا من قبل بجده الحسين (ع) فكان الغدر من خصائص الكوفيين وذاتياتهم ، وقد قيل :

« الكوفي لا يوفى »

وممن رثى زيدا بذوب روحه أبو ثميلة الأبار يقول :

أبا الحسين أعار فقدك لوعة

من يلق ما لاقيت منها يكمد

فغدا السهاد ولو سواك رمت به

الأقدار حيث رمت به لم يشهد

ونقول : لا تبعد وبعدك دلؤنا

وكذلك من يلق المنية يبعد

كنت المؤمل للعظائم والنهى

ترجى لأمر الامة المتأود

فقتلت حين رضيت كل مناضل

وصعدت في العلياء كل مصعد

فطلبت غاية سابقين فنلتها

بالله في سير كريم المورد

وابى إلهك أن تموت ولم تسر

فيهم بسيرة صادق مستنجد

__________________

(٥٨) مقاتل الطالبين ( ص ١٤٨ ـ ١٤٩ ).

٨٢

والقتل في ذات الاله سجية

منكم وأحرى بالفعال الامجد

والناس قد أمنوا وآل محمد

من بين مقتول وبين مشرد

نصب اذا القى الظلام ستوره

رقد الحمام وليلهم لم يرقد

يا ليت شعري والخطوب كثيرة

أسباب موردها وما لم يورد

ما حجة المستبشرين بقتله

بالامس أو ما عذر أهل المسجد (٥٩)

وقد رسم الشاعر في هذه الابيات شجونه واحزانه المرهقة على زيد الثائر العظيم ، وذكر الخسارة العظمى التي منيت بها الامة بفقدها لزيد ، فقد كان المؤمل لشدائدها وازماتها ، واضاف إنه بشهادته قد أنار الطريق للمناضلين والاحرار ، وملأ قلوبهم رضا ومسرة بنهضته الجبارة التي استهدفت القضايا المصيرية لامته ، وقد نال زيد بشهادته الغاية القصوى التي نالها الشهداء الممجدون من آبائه الذين رفعوا راية الحق ملطخة بدمائهم الزكية ... واضاف ان الله أبى لزيد أن يموت ، ولا يسير بين الناس بسيرة المنقذين والمحررين لامتهم وأوطانهم ، فان القتل في سبيل الله كانت سجية العلويين وقد أثر عن بعضهم أنه قال : « القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة ».

وعرض أبو ثميلة في ابياته الاخيرة الى المحن القاسية التي عانها العلويون من حكام بني أمية والتي كان منها انهم قد حرموا من الأمن فانهم بين مقتول ومشرد يطارده الرعب والفزع والخوف ، في حين أن الطير ترقد في ليلها آمنة مطمئنة وآل النبي (ص) لم يرقدوا في ليلهم خوفا من بني أمية ، وندد بالمستبشرين بقتل زيد الذي ثار لتحقيق العدالة الاجتماعية في الارض ، كما ندد بالذين بايعوه ، وخذلوه ، فدخلوا جامع الكوفة ، وقد طلب منهم

__________________

(٥٩) مقاتل الطالبين ( ص ١٥٠ ).

٨٣

أن يقوموا بنجدته وحماية ثورته ، فلم يستجيبوا له.

حرق الجثمان العظيم :

وبقي جثمان زيد مرفوعا على أعواد المشانق ، وهو يضيء للناس طريق الحرية والكرامة ، ويدفعهم الى التمرد على الذل والخنوع ، ويبعث في نفوسهم روح الثورة على الظلم والجور ، وقد وضعت عليه السلطة الحرس ، وعددهم اربعمائة ، وجعلت الرقابة في كل ليلة لمائة رجل ، وبنيت للحرس حول الجذع بناية خوفا من أن يختلس الجثمان العظيم ، ويوارى في التراب (٦٠).

ولما هلك الطاغية هشام ، وولي الحكم من بعده الوليد بن يزيد فاجر بني أمية كتب الى حاكم الكوفة يوسف بن عمر كتابا يأمره بأن ينزل الجثمان المقدس من الخشبة ويحرقه بالنار (٦١) وقام السفاك بتنفيذ ما عهد إليه ، فأحرق الجسد الطاهر الذي ثار ليطهر الارض من الظالمين ويعيد للإنسان كرامته ، وحقه في الحياة.

وبعد ما أحرق الجثمان العظيم عمد الباغي يوسف بن عمر فذره في الفرات وهو يقول « والله يا أهل الكوفة لادعنكم تأكلونه في طعامكم ، وتشربونه في مائكم .. » (٦٢)

لقد كان جزاء النبي (ص) الذي حرر أمته من حياة التيه في الصحراء ، ان عمد الامويون الى قتل ذريته وعترته ، والتمثيل بهم تمثيلا آثما لا مبرر له سوى انهم كانوا يطالبون بحقوق الأمة ، وامنها ورخائها.

__________________

(٦٠) انساب الاشراف ٣ / ٢٥٦.

(٦١) مقاتل الطالبين ( ص ١٤٧ ).

(٦٢) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٣٩١.

٨٤

مع المسعودي :

بقى هنا شيء ، وهو ان المؤرخ الكبير المسعودي ذكر أن زيدا شاور أخاه أبا جعفر فى الخروج الى العراق لأعلان الثورة على الأمويين ، فاشار عليه الامام بأن لا يركن لأهل الكوفة لأنهم أهل غدر ومكر ، فقد قتلوا جده الامام أمير المؤمنين (ع) وطعنوا عمه الحسن ، وقتلوا جده الحسين ، فأبى زيد الا ما عزم عليه من المطالبة بالحق ، فقال له أبو جعفر : اني أخاف أن تكون غدا المصلوب بكناسة الكوفة ، وودعه أبو جعفر واعلمه أنهما لا يلتقيان (٦٣) ويشعر كلامه بأن الامام الباقر (ع) كان حيا حال خروج زيد ، كما فهم ذلك بعض من كتب عن زيد ، وهذا لا واقع له فان الامام أبا جعفر توفي سنة ( ١١٤ ه‍ ) (٦٤) واستشهد زيد سنة ( ١٢٢ ه‍ ) ولعل المسعودي أراد أن زيدا في ذلك الوقت حدثته نفسه بالخروج على بني أمية ، وهذا له مجال من الصحة ... وبهذا ينتهي بنا الحديث عن حياة زيد وثورته التي هي من ألمع الثورات في ذلك العصر واكثرها عطاء للمجتمع.

الحسين الأصغر :

الحسين الاصغر بن الامام زين العابدين ، أمه أم ولد (٦٥) وكان من مفاخر الأسرة النبوية في فضله وتقواه ، وسائر مواهبه ، وفيما يلي بعض شئونه :

__________________

(٦٣) مروج الذهب ٣ / ١٣٩.

(٦٤) تأريخ ابن الاثير ٤ / ٢١٧ البستان الجامع لعماد الدين الاصفهاني مصور في مكتبة الحكيم.

(٦٥) عمدة الطالب ٢ / ٢٩ من مصورات مكتبة الحكيم.

٨٥

علمه :

كان من العلماء البارزين في عصره ، وقد روى حديثا كثيرا عن ابيه ، وعمته السيدة فاطمة بنت الامام الحسين (ع) ، وأخيه الامام أبي جعفر (ع) (٦٦) وروى عنه محمد ابنه الحديث الوارد عن رسول الله (ص) في الاخبار عن قتل ولده الامام الحسين (ع) (٦٧).

حلمه ووقاره :

وكان الحسين حليما وقورا تمثلت فيه هيبة المتقين والصالحين ، وعلت وجهه اسارير النور ، ووصفه الامام أبو جعفر فقال : « وأما الحسين فحليم يمشي على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا : سلاما. » (٦٨)

تقواه وورعه :

كان ورعا تقيا شديد الخوف من الله يقول سعيد صاحب الحسن بن صالح : لم أر أحدا اخوف من الله من الحسن بن صالح حتى قدمت المدينة فرأيت الحسين بن علي بن الحسين فلم أر أشد خوفا منه ، كأنما أدخل النار ثم أخرج منها لشدة خوفه (٦٩).

وروى احمد بن عيسى عن أبيه قال : كنت أرى الحسين بن علي بن الحسين يدعو فكنت أقول : لا يضع يده حتى يستجاب له في الخلق اجمعين (٧٠)

__________________

(٦٦) الارشاد ( ص ٣٠٢ ).

(٦٧) معجم رجال الحديث ٦ / ٤٤.

(٦٨) سفينة البحار ٢ / ٢٧٣.

(٦٩) الارشاد ( ص ٣٠٢ ).

(٧٠) عمدة الطالب ٢ / ٢٩.

٨٦

لقد نشأ الحسين في مركز الورع والتقوى ، ومعدن الحكمة والفضيلة في الاسلام ، وقد غذاه أبوه الامام زين العابدين بمثله وكمالاته النفسية ، فكان كأبيه في اقباله على الله ، وزهده في الدنيا ، وتحرجه في الدين.

وفاته :

توفى في يثرب عن عمر يناهز ( ٥٧ عاما ) (٧١) وقيل ( ٧٤ عاما ) (٧٢) ودفن ببقيع الغرقد مجاورا لأبيه زين العابدين وأخيه الباقر.

عبد الله الباهر :

ابن الامام زين العابدين (ع) وهو أخو الامام الباقر لأمه وأبيه ، وهو من مفاخر ابناء الأئمة الطاهرين في علمه وورعه وتقواه ، ونعرض ـ بايجاز ـ لبعض شئونه.

لقبه :

لقب بالباهر لجماله وحسنه ، ويقول المؤرخون إنه ما جلس مجلسا إلا بصر جماله (٧٣) وما رآه أحد إلا هابه ، واكبره.

علمه :

كان من العلماء البارزين فقد عني بتربيته أبوه زين العابدين فغذاه بعلومه وفضله ، ويقول المؤرخون : إنه كان من فقهاء أهل البيت (ع) وروى عن آبائه عن رسول الله (ص) أخبارا كثيرة ، وحدث الناس ،

__________________

(٧١) معجم رجال الحديث ٦ / ٤٤.

(٧٢) عمدة الطالب ٢ / ٢٩.

(٧٣) عمدة الطالب ٢ / ورقة ١٢٧.

٨٧

وحملوا عنه الآثار (٧٤) كما روى مرسلا عن جده الامام أمير المؤمنين (ع) وعن جده لامه الامام الحسن (ع) وروى عنه عمارة بن غزية ، وموسى ابن عقبة ، وعيسى بن دينار ، ويزيد بن أبي زياد ، وعده ابن حيان في الثقات ، وصحح الترمذي والحاكم حديثه (٧٥).

ولايته على صدقات النبي :

وتولى عبد الله بالنيابة عن إخوانه صدقات النبي (ص) وصدقات الامام أمير المؤمنين (ع) (٧٦) وتوزيع وارداتهما على حسب ما جاء في وصية النبي (ص) والامام أمير المؤمنين.

وفاته :

انتقل الى حظيرة القدس ، وعمره سبع وخمسون سنة (٧٧) ولم تعين المصادر التي بايدينا السنة التي توفى فيها والمكان الذي دفن فيه.

عمر الاشرف :

ابن الامام زين العابدين (ع) وأمه أمة اشتراها المختار بمائة الف درهم ، وبعث بها الى الامام زين العابدين فأولدت له عمرا وزيدا وعليا (٧٨) وكان عمر الاشرف من أفاضل الناس وخيارهم ، أما اخباره وشئونه فهي :

__________________

(٧٤) الارشاد ( ص ٣٠٠ ) وذكر بعض الاحاديث التي رويت عنه.

(٧٥) تهذيب التهذيب ٥ / ٣٢٤.

(٧٦) الارشاد ( ص ٣٠٠ ).

(٧٧) عمدة الطالب ٢ / ورقة ١٢٧.

(٧٨) عمدة الطالب ٢ / ورقة ١٢٧.

٨٨

كنيته :

يكنى أبا علي ، وقيل أبا جعفر (٧٩) وقال الشيخ يكنى أبا حفص.

لقبه :

لقب بالأشرف بالنسبة الى عمر الأطرف عم أبيه وذلك لما ناله من شرف وفضيلة بالنسبة لولادة جده الحسين (ع) من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) بخلاف عمر الاطراف فانه نال الشرف من طرف أبيه الامام أمير المؤمنين ، هذا ما قاله السيد المهنا ، وعلق عليه سيدنا الامام الخوئي بقوله : « اقول : وهو أشرف من الاطرف بحسبه وفضله وورعه أيضا .. » (٨٠)

علمه :

وكان عالما فاضلا عده الشيخ من أصحاب أخيه الامام الباقر ، وقد روى عن أبيه ، وروى عنه فطر بن خليفة (٨١).

ولايته على صدقات النبي :

تولى صدقات النبي (ص) وصدقات جده الامام أمير المؤمنين (ع) ويقول الحسين بن زيد : رأيت عمر عمي يشترط على من ابتاع صدقات علي أن يثلم في الحائط كذا وكذا ، لا يمنع من دخله أن يأكل (٨٢) ودل

__________________

(٧٩) معجم رجال الحديث ١٣ / ٥٤.

(٨٠) معجم رجال الحديث ١٣ / ٥٤.

(٨١) معجم رجال الحديث ١٣ / ٥٤.

(٨٢) سفينة البحار ٢ / ٢٧٣.

٨٩

ذلك على سخائه ونبله ، وسمو انسانيته.

وفاته :

انتقل الى الرفيق الأعلى وعمره خمس وستون سنة (٨٣) ولم تشر المصادر التي عثرنا عليها الى السنة التي توفى فيها والمكان الذي دفن فيه فقد اهملت ذلك.

علي :

ابن الامام زين العابدين ، توفي بينبع (٨٤) ودفن بها ، وعمره ثلاثون سنة (٨٥) ولم نعثر على ترجمة ملمة بحياته ، فقد اهملت مصادر التراجم والنسب البحث عنه ، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن السادة الابرار من أخوان الامام.

ابناء الامام الباقر :

اما ابناء الامام الباقر فكانوا من حسنات الأسرة النبوية ، ومن مفاخر ابناء المسلمين في هديهم وصلاحهم وابتعادهم عن مآثم هذه الحياة ، قد رباهم الامام بمكارم اخلاقه ، وغرس فى نفوسهم نزعاته الكريمة ، ومثله العليا فكانوا امتدادا مشرقا لذاته العظيمة التي طبق شذاها العالم ...

__________________

(٨٣) عمدة الطالب ٢ / ورقة ١٢٧.

(٨٤) ينبع : يقع عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة الى البحر ، وهي لبنى الامام الحسن ، فيها عيون عذاب غزيرة ، وقال بعضهم إنه حصن به نخيل ، وماء وزرع ، وبها وقوف للإمام أمير المؤمنين (ع) يتولاها ولده ، معجم البلدان ٥ / ٤٥٠.

(٨٥) عمدة الطالب ٢ / ورقة ١٢٩.

٩٠

أما ذريته الطاهرة من الذكور فهم :

١ ـ ابراهيم

ابن الامام الباقر (ع) وأمه أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة بن الاخنس الثقفي (٨٦) ولم نقف على أية معلومات عنه.

٢ ـ الامام جعفر

هو سيد ولد أبيه ، ووصيه ، والامام القائم من بعده ، وكان من مفاخر هذه الدنيا ، وفي طليعة عباقرة العالم ، وذلك بما حققه على الصعيد الفكري والعلمي من التطور الهائل في الميادين العلمية والتي كان منها الابداع في علم الكيمياء الذي القى بحوثه على جابر بن حيان مفخرة الشرق العربي ، ويعتبر هذا العلم الأداة الخلاقة للتقدم التكنلوجي في العالم ، ولا تزال الكثير من النظريات التي أدلى بها الامام في هذا الفن لم تكتشفها العلوم الحديثة وما توصل لمعرفتها الاختصاصيون (٨٧).

أما البحوث الفلسفية والكلامية فيعتبر الامام الصادق من الرواد الاوائل فيها وقد تخرج على يده فيها هشام بن الحكم الذي يعتبر الانموذج الرائع في هذه البحوث.

أما الفقه الاسلامي فانه المؤسس له والواضع لقواعده وأصوله بعد آبائه الطاهرين ، وقد عنى بهذا العلم عناية بالغة ، فوجه جل اهتمامه نحوه

__________________

(٨٦) مرآة الزمان فى تواريخ الاعيان ٥ / ٧٨ ، طبقات ابن سعد ٥ / ٣٢٠.

(٨٧) أعلن ذلك الدكتور محمد يحيى الهاشمي في كتابه الامام الصادق ملهم الكيمياء.

٩١

وقد حفلت الموسوعات الفقهية بما أثر عنه بحيث يعد معظم أبواب الفقه وفروعه قد روي عنه.

وإذا نظرنا الى سائر العلوم الاسلامية الاخرى كعلم الحديث والتفسير والاخلاق وغيرها فنجد اكثرها قد أخذ عنه ... ولا يعرف التأريخ الانساني من هو اعظم منه علما وفضلا عدا آبائه (ع) أما الحديث عن نواحي شخصيته مفصلا فانه يستدعى موسوعة كبيرة.

٣ ـ عبد الله

ابن الامام الباقر (ع) وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر (٨٨) قام بتربيته أبوه وعنى بتهذيبه فكان من افاضل العلويين ، وانبههم ، وقد توفى شهيدا سقاه السم رجس من أرجاس بني أمية ، يقول المؤرخون إنه دخل عليه ، فاوجس منه عبد الله خيفة فقال له : « لا تقتلني اكن لله عليك عينا ، واكن لك على الله عونا » (٨٩).

فلم يعن به الاموي واجبره على تناول السم ، فلما سقي تقطعت امعاؤه ، ولم يلبث إلا قليلا حتى فارق الحياة (٩٠) لقد مضى الى الله شهيدا شأنه شأن آبائه الذين أجهزت عليهم القوى الشريرة والنفوس الآثمة الحاقدة على ذوي الاحساب الاصيلة التي رفعت منار الكرامة الانسانية.

__________________

(٨٨) الارشاد ( ص ٣٠٣ ).

(٨٩) المراد بقوله : « اكن لك على الله عونا » أي اكن لك شفيعا عند الله.

(٩٠) غاية الاختصار ( ص ٦٤ ) سفينة البحار ١ / ٣٠٩.

٩٢

٤ ـ علي

ابن الامام الباقر (ع) عاش في كنف أبيه ، وتربى على هديه ، وسلوكه فنشأ مثالا للفضل والكمال ، لقب بالطاهر لطهارة نفسه وعظيم شأنه توفى بالقرب من بغداد في قرية من اعمال الخالص ، أدلى بذلك محب الدين ابن النجار في تأريخه قال : « مشهد الطاهر يقع في قرية من اعمال الخالص قريبة من بغداد ظهر فيها قبر قديم عليه صخرة فيها مكتوب : « بسم الله الرحمن الرحيم هذا ضريح الطاهر علي بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) » وقد انقطع باقي الصخرة فبنى عليه قبة من لبن ، ثم عمره بعد ذلك شيخ من الكتاب يقال له : علي بن نعيم كان يتولى كتابة ديوان الخالص ، فزوقه وزخرفه ، وعلق فيه قناديل من الصفر ، وبنى حوله رحبة واسعة ، وصار من المشاهد التي تزار. » (٩١)

ونقل عن صاحب رياض العلماء أن قبره في ( كاشان ) وعليه قبة رفيعة عظيمة وله كرامات ظاهرة (٩٢).

٥ ـ عبد الله

وأمه أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية (٩٣) توفي في حياة أبيه (٩٤)

__________________

(٩١) غاية الاختصار ( ص ٦٣ ).

(٩٢) سفينة البحار ١ / ٣٠٩.

(٩٣) الارشاد ( ص ٣٠٣ ) النفحة العنبرية للسيد كاظم يماني من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء العامة ، ولم يذكر عبد الله في جمهرة انساب العرب ، ولا في عمدة الطالب ولا في مرآة الزمان فقد خلت هذه المصادر من ذكره.

(٩٤) الصراط السوي ( ص ١٩٤ ).

٩٣

ولم نعثر له على ترجمة وافية في المصادر التي بأيدينا.

السيدات من بناته :

أما السيدات من بناته فهن : السيدة زينب ، وأمها أم ولد ، والسيدة أم سلمة (٩٥) وأمها أم ولد ، وهي أم اسماعيل بن الأرقط ، وقد مرض ولدها اسماعيل فهرعت الى الامام الصادق فزعة ، فأمرها أن تصعد فوق البيت ، وتصلي ركعتين ، وتدعو الله بهذا الدعاء : « اللهم انك وهبته لي ، ولم يك شيئا ، اللهم واني استوهبكه فاعرنيه ... » (٩٦)

ففعلت ذلك فعافاه الله.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن السادة الابرار من ابناء الامام (ع).

__________________

(٩٥) مرآة الزمان في تواريخ الاعيان ٥ / ٧٨ ، طبقات ابن سعد ٥ / ٢٣٠ ، وفي النفحة العنبرية بناته : زينب الكبرى وزينب الصغرى ، وأم كلثوم.

(٩٦) سفينة البحار ١ / ٣٠٩.

٩٤

اكبار وتعظيم

٩٥
٩٦

واجمع رجال الفكر والعلم من المعاصرين للإمام وغيرهم من البحاث والمؤلفين على تعظيم الامام الباقر (ع) والاعتراف له بالفضل والتفوق العلمي على غيره وقد اتفقت كلماتهم على أنه أسمى شخصية علمية عرفها العالم العربي والاسلامي ، وهذه بعض كلماتهم التي تحمل انطباعاتهم عنه.

١ ـ الامام الصادق :

قال الامام أبو عبد الله الصادق (ع) : « كان أبي خير محمدي يومئذ على وجه الارض .. » (١)

ومعنى ذلك ان الامام الباقر (ع) كان أفضل مسلم ـ في عصره ـ في علمه وتقواه ، وتحرجه في الدين ، وغير ذلك مما يسمو به الانسان المسلم.

٢ ـ محمد بن المنكدر :

وكان محمد بن المنكدر ممن عاصر الامام زين العابدين وولده الامام الباقر عليهما‌السلام ، وقد أدلى بانطباعاته عنه يقول : « ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضله وغزارة علمه وحلمه حتى رأيت ابنه محمدا .. » (٢)

٣ ـ سديف المكي :

وسديف المكي من أصحاب الامام أبي جعفر ، وقد اتصل به ، وهو ممن أبدى اكباره واعجابه به يقول : « ما رأيت محمديا قط

__________________

(١) البداية والنهاية ٩ / ٣٠٩.

(٢) روضة الكافي ، وقريب منه في الاتحاف بحب الاشراف ( ص ٥٣ ) وتهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٢.

٩٧

يعدله » (٣).

٤ ـ هشام بن عبد الملك :

أما هشام بن عبد الملك فكان من اعظم الحاقدين على الامام ومن ألد أعدائه إلا انه اعترف بسمو مكانة الامام ، وعظيم شأنه فقد خاطبه قائلا : « يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك .. » (٤)

٥ ـ المنصور الدوانيقي :

وتحدث الامام الباقر (ع) عن قائم آل محمد (ص) ومهدي هذه الأمة وكان في المجلس المنصور الدوانيقي فبهر من ذلك ، وراح يحدث سيف بن عمير بما سمعه من الامام قائلا : « لو حدثني أهل الارض كلهم ما قبلت منهم ، ولكنه محمد بن علي .. » (٥) ودل هذا الكلام على مدى اكباره وتعظيمه للإمام ، فلو حدثه أهل الارض جميعا بمقالة الامام لما قبل منهم وصدقهم ، ولكن الامام حدثه بذلك وهو ـ حسب اعترافه ـ يفوق الناس جميعا في صدقه ووثاقته.

٦ ـ عبد الله بن عطاء :

وتحدث عبد الله بن عطاء عن اكبار العلماء وتعظيمهم للامام (ع) وتواضعهم أمامه يقول : « ما رأيت العلماء عند أحد اصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي لتواضعهم له ، ومعرفتهم بحقه ، وعلمه ، واقتباسهم

__________________

(٣) أمالي الصدوق ( ص ٢٩٧ ).

(٤) ضياء العالمين الجزء الثاني في ترجمة الامام الباقر.

(٥) الفرائد الغوالي ٦ / ١٤٣.

٩٨

منه ، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة على جلالته وسنه ، وهو بين يديه يتعلم منه ، ويأخذ عنه كالصبي بين يدي المتعلم .. » (٦) وأدلى مرة أخرى عن مشاهدته للحكم عند الامام قال : « رأيت الحكم عنده كأنه عصفور مغلوب على أمره .. » (٧)

ولا بد لنا من وقفة قصيرة عند الحكم بن عتيبة لنرى مكانته ومنزلته العلمية ليتبين لنا مدى سعة علوم الامام (ع) وسمو مكانته عند العلماء ... لقد كان الحكم ـ فيما يقول الرواة ـ من أجل علماء عصره وانبههم شأنا يقول مجاهد بن رومي : رأيت الحكم في مسجد الخيف ، وعلماء الناس عيال عليه ، ونقل جرير عن المغيرة ان الحكم إذا قدم المدينة أخلوا له سارية النبي (ص) يصلي إليها (٨) وقال : ابن سعد : كان ثقة ثقة فقيها عالما رفيعا كثير الحديث.

واذا كان الحكم وهو بهذه المنزلة من سعة العلم وجلالة القدر كأنه الصبي المغلوب على أمره بين يدي الامام فلا بد أن يكون اعلم أهل عصره واكثرهم احاطة في جميع العلوم ، وهذا ما تذهب إليه الشيعة وتدلل عليه من سعة علوم الامام.

٧ ـ جابر بن يزيد :

وجابر بن يزيد الجعفي من أشهر علماء المسلمين ، ومن أجل رواة

__________________

(٦) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص ١٤ ) وقريب منه جاء في كل من حلية الأولياء ٣ / ١٨٦ ، شذرات الذهب ١ / ١٤٩ ، تاريخ ابن عساكر ٥١ / ٤٣ مرآة الجنان ١ / ٢٤٨.

(٧) تهذيب التهذيب ٢ / ١٣٣.

(٨) تهذيب التهذيب ٢ / ١٣٤.

٩٩

الحديث ، وهو ممن تتلمذ عند الامام أبي جعفر (ع) وروى عنه سبعين ألف حديث ـ حسبما يقول الذهبي ـ وكان ممن عرف مقام الامام ووقف على مكانته فكان إذا حدث عنه يقول : « حدثني وصي الاوصياء ، ووارث علم الأنبياء » (٩).

٨ ـ جابر بن عبد الله :

واشتهر الصحابي العظيم جابر بن عبد الله الانصاري بالولاء لأهل البيت (ع) والتفاني بحبهم ، وهو الذي حمل تحيات النبي (ص) الى الامام أبي جعفر (ع) ـ كما ذكرنا ذلك ـ وهو ممن وعى مكانة الامام (ع) فكان يجله ويعظمه والامام صبي يافع فكان اذا خاطبه قال له : « أنت ابن خير البرية ، وجدك سيد شباب أهل الجنة .. » (١٠).

٩ ـ ابن حجر الهيثمي :

قال شهاب الدين احمد بن حجر الهيثمي : « أبو جعفر محمد الباقر ، سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها ، وأنار مخبآتها ومكامنها ، فلذلك هو اظهر من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الاحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطوية والسريرة ، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه ، صفا قلبه ، وزكا علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة الله وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه السنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة .. » (١١)

__________________

(٩) مناقب ابن شهرآشوب ٤ / ١٨٠.

(١٠) بحار الانوار ١١ / ٦٤.

(١١) الصواعق المحرقة ( ص ١٢٠ ).

١٠٠