حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

ب ـ ان يذهب الى يزيد.

ج ـ أن يلحق بالثغور.

ومن المقطوع به عدم صحة الامرين الأخيرين ، فان الامام (ع) لو فرض أنه ادلى بهما لما قدم الجيش الأموي على قتاله وحربه ، وقد تحدث عن افتعال ذلك عقبة بن سمعان وهو ممن صاحب الامام من المدينة الى مكة ثم الى العراق وظل ملازما له حتى قتل يقول :

« صحبت الحسين من المدينة الى مكة ، ومنها الى العراق ، ولم أفارقه حتى قتل ، وقد سمعت جميع كلامه ، فما سمعت منه ما يتذاكر فيه الناس ، من أن يضع يده في يد يزيد ، ولا أن يسير الى ثغر من الثغور ، لا في المدينة ، ولا في مكة ، ولا في العراق ، ولا في عسكره الى حين قتل نعم سمعته يقول : اذهب الى هذه الارض العريضة حتى انظر ما يصير إليه الناس » (٣٦٢) ونظرا لاشتمال الرواية على هذه البنود فلا تصح نسبتها الى الامام أبي جعفر (ع) ومن المحتمل أن الرواية بناء على صحتها قد نقص منها الشيء الكثير ، وزيد فيها مما جعلها مضطربة لا يمكن التعويل عليها.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض ما أثر عنه من نقل السيرة النبوية وسائر الاحداث التي جرت في العصر الاسلامي الأول.

وصاياه القيمة :

وأثرت عن الامام أبي جعفر (ع) وصايا كثيرة ، وجه بعضها لابنائه ، وبعضها لأصحابه وهي حافلة بالقيم الكريمة ، والمثل العليا ، وزاخرة بآداب السلوك ، والتوجيه الصالح الذي يصون الانسان من الانحراف

__________________

(٣٦٢) حياة الامام الحسين ٣ / ١٢٩.

٢٨١

والسلوك في المنعطفات ، وفيما يلي ذلك :

وصاياه لولده الصادق :

وزود الامام أبو جعفر (ع) ولده الصادق بجمهرة من الوصايا القيمة ، ومن بينها :

١ ـ قال (ع) : « يا بني ان الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء : خبأ رضاه في طاعته ، فلا تحقرن من الطاعة شيئا فلعل رضاءه فيه ، وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعل سخطه فيه ، وخبأ اولياءه في خلقه فلا تحقرن أحدا فلعله ذلك الولي ... » (٣٦٣)

وحفلت هذه الوصية بمعالي الاخلاق ، ففيها الترغيب في طاعة الله والحث عليها ، وفيها التحذير من المعصية ، والتشديد في أمرها ، وفيها الحث على تكريم الناس وعدم الاستهانة بأي احد منهم.

٢ ـ حكى الامام الصادق (ع) احدى وصايا أبيه الى سفيان الثوري فقد قال له : « يا سفيان أمرني أبي بثلاث ، ونهاني عن ثلاث ، فكان فيما قال لي : يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ، ومن لا يملك لسانه يندم ، ثم أنشدني :

عود لسانك قول الخير تحظ به

ان اللسان لما عودت يعتاد

موكل بتقاضي ما سننت له

في الخير والشر فانظر كيف تعتاد (٣٦٤)

وهذه الوصايا من روائع الحكم ، ومن خيرة وصايا المصلحين لابنائهم فقد حفلت بجميع مقومات الآداب والفضائل.

__________________

(٣٦٣) الفصول المهمة ( ص ٢٩ ) وسيلة المآل في عد مناقب الآل ( ص ٢٠٨ ).

(٣٦٤) الخصال ( ص ١٥٧ ).

٢٨٢

وصيته لبعض ابنائه :

وواصى بعض ابنائه بهذه الوصية فقال له : « يا بني اذا انعم الله عليك نعمة فقل : الحمد لله ، واذا احزبك (٣٦٥) أمر فقل : لا حول ولا قوة إلا بالله ، واذا ابطأ عنك رزقك فقل : استغفر الله. » (٣٦٦)

وصيته لعمرو بن عبد العزيز :

وحينما ولي الخلافة عمرو بن عبد العزيز طلب من الامام أبي جعفر عليه‌السلام أن يزوده بوصية ينتفع بها ، ويسوس بها دولته ، فقال عليه‌السلام له :

« أوصيك بتقوى الله ، وأن تتخذ صغير المسلمين ولدا ، وأوسطهم أخا ، وكبيرهم أبا ، فارحم ولدك ، وصل أخاك ، وبر أباك ، واذا صنعت معروفا فربه (٣٦٧). » (٣٦٨)

وبهر عمرو بهذه الحكمة الجامعة وراح يبدي اعجابه قائلا :

« جمعت والله ما ان اخذنا به ، واعاننا الله عليه استقام لنا الخير ان شاء الله. » (٣٦٩)

واروع كلمة جامعة لشؤون السياسة العادلة هذه الكلمة القيمة ، فان رئيس الدولة اذا ساس رعيته بسياسة العدل والانصاف ، واعتبر ابناء

__________________

(٣٦٥) حزبه الأمر : نابه واشتد عليه.

(٣٦٦) البيان والتبيين ٣ / ٢٨٠ ، الموفقيات ( ص ٣٩٩ ).

(٣٦٧) ربه : أي ادمه : يقال : ربّ بالمكان أي أقام به.

(٣٦٨) الامالي لأبي على القالي ٢ / ٣٠٨ ، جمهرة خطب العرب ٢ / ١٤٧.

(٣٦٩) تاريخ دمشق ٥١ / ٣٨.

٢٨٣

الأمة من أفراد أسرته ، وعاملهم كما يعامل الرجل أهله فيشيع فيهم الخير ، ويبسط فيهم العدل فان الحكومة والشعب يسعدان ، ويستقيم لهما الخير.

وصيته لجابر الجعفى :

وزود الامام أبو جعفر (ع) تلميذه العالم جابر بن يزيد الجعفي بهذه الوصية الخالدة الحافلة بجميع القيم الكريمة والمثل العليا التي يسمو بها الانسان فيما لو طبقها على واقع حياته ، وهذا بعض ما جاء فيها :

« أوصيك بخمس : إن ظلمت فلا تظلم ، وان خانوك فلا تخن ، وان كذبت فلا تغضب ، وان مدحت فلا تفرح ، وإن ذممت فلا تجزع ، وفكر فيما قيل فيك ، فان عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله عز وجل عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس ، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك : فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.

واعلم بأنك لن تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك ، وقالوا : إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : إنك رجل صالح لم يسرك ذلك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله فان كنت سالكا سبيله ، زاهدا في تزهيده راغبا في ترغيبه ، خائفا من تخويفه فاثبت وابشر ، فانه لا يضرك ما قيل فيك ، وان كنت مبائنا للقرآن ، فما ذا الذي يغرك من نفسك ، إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله ، فينتعش ، ويقيل الله عثرته فيتذكر ، ويفزع الى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بان الله يقول :

٢٨٤

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ) (٣٧٠).

يا جابر استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا الى الشكر ، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس (٣٧١) وتعرضا للعفو ، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم ، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل ، وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف ، واحذر خفي التزين بحاضر الحياة ، وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل ، وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم ، واستبق خالص الاعمال ليوم الجزاء ، وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص ، وادفع عظيم الحرص بايثار القناعة ، واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل ، واقطع اسباب الطمع ببرد اليأس ، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس ، وتخلص الى راحة النفس بصحة التفويض ، واطلب راحة البدن باجمام (٣٧٢) القلب ، وتخلص الى اجمام القلب بقلة الخطأ ، وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات ، واستجلب نور القلب بدوام الحزن. وتحرز من ابليس بالخوف الصادق ، وإياك والرجاء الكاذب فانه يوقعك في الخوف الصادق ، وتزين لله عز وجل بالصدق في الاعمال ، وتحبب إليه بتعجيل الانتقال واياك والتسويف فانه بحر يغرق فيه الهلكى ، واياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب ، واياك والتواني فيما لا عذر لك فيه فاليه يلجأ النادمون واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم ، وكثرة

__________________

(٣٧٠) سورة الاعراف : آية ٢٠٠.

(٣٧١) إزراء على النفس : أي احتقارا واستخفافا بها.

(٣٧٢) الجمام : ـ بالفتح ـ الراحة.

٢٨٥

الاستغفار ، وتعرض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة ، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء ، والمناجاة في الظلم ، وتخلص الى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق ، واستقلال كثير الطاعة ، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر ، والتوسل الى عظيم الشكر بخوف زوال النعم ، واطلب بقاء العز باماتة الطمع ، وادفع ذل الطمع بعز اليأس ، واستجلب عز اليأس ببعد الهمة ، وتزود من الدنيا بقصر الأمل ، وبادر بانتهاز البغية عند امكان الفرصة ، ولا امكان كالايام الخالية مع صحة الابدان ، وإياك والثقة بغير المأمون فان للشر ضراوة كضراوة الغذاء.

واعلم انه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ، ولا عقل كمخالفة الهوى ، ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا غنى كغنى النفس ، ولا قوة كغلبة الهوى ، ولا نور كنور اليقين ، ولا يقين كاستصغارك للدنيا ، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك ، ولا نعمة كالعافية ، ولا عافية كمساعدة التوفيق ، ولا شرف كبعد الهمة ، ولا زهد كقصر الأمل ، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات ، ولا عدل كالانصاف ، ولا تعدي كالجور ، ولا جور كموافقة الهوى ، ولا طاعة كاداء الفرائض ، ولا خوف كالحزن ، ولا مصيبة كعدم العقل ، ولا عدم عقل كقلة اليقين ، ولا قلة يقين كفقد الخوف ، ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف ، ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ، ورضاك بالحالة التي أنت عليها ، ولا فضيلة كالجهاد ، ولا جهاد كمجاهدة الهوى ، ولا قوة كرد الغضب ، ولا معصية كحب البقاء ، ولا ذل كذل الطمع ، واياك والتفريط عند امكان الفرصة فانه ميدان يجر لأهله بالخسران .. » (٣٧٣)

__________________

(٣٧٣) تحف العقول ( ص ٢٨٤ ـ ٢٨٦ ).

٢٨٦

ودللت هذه الوصية الرائعة الحافلة بجواهر الحكم على امامة الامام أبي جعفر (ع) واضاءت جانبا كبيرا من مواهبه وعبقرياته ، ولو لم تكن له إلا هذه الوصية لكفت في الاستدلال على عظمته وما يملكه من طاقات علمية لا تحد ، لقد نظر الامام العظيم الى اعماق النفوس ، وسبر اغوارها وحلل ابعادها ، وعرف ما ابتلي به الانسان من الأمراض والآفات لقد ابتلي الانسان بالجهل والغرور والكبرياء والجشع والطمع ، وطول الأمل وغير ذلك مما يدفعه الى الاغراق في المعاصي واقتراف الآثام والانحراف عن طريق الحق ، وعدم الاستقامة في سلوكه ، درس الامام (ع) هذه الأمراض فوضع لها العلاج الحاسم ، ووصف لها الدواء السليم الذي يقضي على جراثيمها ، واذا اخذ الانسان بهذه الوصفة فانه يعود انسانا مثاليا مهذبا ، قد صان نفسه ، واتصل بخالقه الذي إليه مرجعه ومآله ، ولو لا خوف الاطالة لشرحنا بنودها شرحا مفصلا ، ودللنا على ما فيها من الحكم والأسرار.

وصيته لرجل :

وفد عليه رجل من المسلمين وطلب منه أن يمنحه بوصية يسير على ضوئها فقال (ع) له :

« هيئ جهازك ، وقدم زادك ، وكن وصي نفسك. » (٣٧٤)

لقد دله على ما يقربه الى الله زلفى ، وما يضمن له السلامة في دار البقاء والخلود ، ان الانسان اذا هيئ جهازه وقدم زاده كان على سلامة من دينه ، وضمان آخرته.

__________________

(٣٧٤) تاريخ دمشق ٥١ / ٣٨.

٢٨٧

وصيته لبعض اصحابه :

وأراد بعض أصحاب الامام (ع) السفر فزوده (ع) بهذه الوصية القيمة ، قال له :

« لا تسيرن سيرا وأنت حافي ، ولا تنزلن عن دابتك ليلا لقضاء حاجة إلا ورجلك في خف ، ولا تبولن في نفق ، ولا تذوقن بقلة ولا تشمها حتى تعلم ما هي ، ولا تشرب من سقاء حتى تعرف ما فيه ، وأحذر من تعرف ولا تصحب من لا تعرف .. » (٣٧٥)

لقد اوصاه الامام (ع) بالمناهج الصحية ، والدروس الاخلاقية التي تضمن له الصحة والسلامة.

أما ما يتعلق بالصحة والوقاية من الأمراض فهي :

أ ـ أمره أن لا يسير حافيا ، فان المشي حافيا كثيرا ما يجلب للإنسان بعض الأمراض التي انتشرت جراثيمها في الارض ، وهي مما تنفذ بسرعة الى مسام القدمين مثل البهلرزيا.

ب ـ اوصاه أن لا ينزل من دابته في الليل حافيا لقضاء حاجته لأنه لا يؤمن أن تلذعه بعض هوام الأرض الكامنة في التراب ، وهو لا يدري.

ج ـ حذره من أن يبول في التفق لأنه غالبا ما تكمن فيه بعض الحيوانات القاتلة فتنساب إليه ، وتسبب هلاكه.

د ـ نهاه من تناول أحد البقول المنتشرة في الصحراء ، ما لم يعرفها فانها قد تكون سامة وهو لا يعلم فتسبب تسممه وتؤدي بحياته أو مرضه.

هـ ـ نهاه عن الشرب من السقاء حتى يعلم ما فيه لأنه قد يكون شرابا فاسدا ومضرا بصحته فيسبب هلاكه أو سقمه ، هذه بعض المناهج

__________________

(٣٧٥) تذكرة ابن حمدون ( ص ٢٧ ).

٢٨٨

الصحية التي امره بها واما الدروس الاخلاقية فقد اوصاه بأمرين :

١ ـ ان يحذر من يعرف ، فلا يبيح له بأسراره ، كما ان عليه ان يحسن صحبته خوفا منه ، فان السفر يكشف عن حقيقة الشخص ، ويظهر كوامن سره ، وكم سافر جماعة كانت بينهم اعمق المودة فعادوا وهم اعداء يلعن بعضهم بعضا ، فعلى الانسان المستقيم أن يكون في سفره على حذر ممن يعرفه ، وممن لا يعرفه.

٢ ـ نهاه عن السفر مع من لا يعرف ، فانه قد يسبب له كثيرا من المشاكل التي قد تؤدي الى هلاكه ، وقد وقع ذلك بكثرة للمسافرين مع من لا يعرفونهم ... هذه بعض وصاياه القيمة.

مواعظه :

ووجه الامام أبو جعفر (ع) الى شيعته المواعظ التي وعظ بها الأوصياء أممهم فحذرهم من غرور الدنيا وفتنها ، وبصرهم صولة الدهر ، وفجائع الأيام ، ودعاهم الى التفكر والتبصر فيما يصيرون إليه من مفارقة الدنيا الى القبور المظلمة ، واللحود الموحشة التي لا ينفع فيها إلا ما ادخره الانسان من العمل الصالح ، وهذه بعض مواعظه :

١ ـ قال (ع) : « أيها الناس إنكم في هذه الدار اغراض تنتضل فيكم المنايا ، لن يستقبل أحد منكم يوما جديدا من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله ، فأية اكلة ليس فيها غصص؟ أم أي شربة ليس فيها شرق؟ استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه ، فان اليوم غنيمة ، وغدا لا تدري لمن هو ، أهل الدنيا فى سفر يحلون عقد رحالهم في غيرها ، قد خلت منا أصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد أصله.

أين الذين كانوا أطول أعمارا منكم وأبعد آمالا؟! أتاك يا ابن آدم

٢٨٩

ما لا ترده ، وذهب عنك ما لا يعود ، فلا تعدن عيشا منصرفا عيشا ، ما لك منه إلا لذة تزدلف بك الى حمامك ، وتقربك من أجلك؟ فكأنك قد صرت الحبيب المفقود ، والسواد المخترم ، فعليك بذات نفسك ، ودع ما سواها ، واستعن بالله يعنك .. » (٣٧٦)

٢ ـ وحضر عنده جماعة من الشيعة فوعظهم ، وحذرهم عقاب الله ، فلم يحفلوا بكلامه فغاظه ذلك ، واطرق برأسه مليا الى الارض ، ثم رفع رأسه ، فجعل يعاتبهم ، ويعظهم مرة أخرى قائلا :

« إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتا ، الا يا أشباحا بلا أرواح وذبابا بلا مصباح كأنكم خشب مسندة ، وأصنام مريدة ، ألا تأخذون الذهب من الحجر ، إلا تقتبسون الضياء من النور الأزهر ، ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر ، خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وان لم يعمل بها ، فان الله يقول : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ ) (٣٧٧).

ويحك يا مغرور ألا تحمد من تعطيه فانيا ، ويعطيك باقيا ، درهم يفنى بعشرة تبقى الى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم آتاك الله عند مكافأة هو مطعمك وساقيك ، وكاسيك ، ومعافيك ، وكافيك ، وساترك ممن يراعيك ، من حفظك في ليلك ونهارك ، وأجابك عند اضطرارك ، وعزم لك على الرشد في اختبارك ، كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك ، دعوته فاستجاب لك فاستوجب بجميل صنيعه الشكر فنسيته فيمن ذكر ، وخالفته فيما أمر ، ويلك انما أنت لص من لصوص الذنوب ، كلما

__________________

(٣٧٦) تحف العقول ( ص ٢٩٩ ) الكامل للمبرد ١ / ١٢٧.

(٣٧٧) سورة الزمر ، آية ١٨.

٢٩٠

عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه ، وأقدمت بجهلك عليه ، فارتكبته كأنك لست بعين الله أو كأن الله ليس لك بالمرصاد!!!

يا طالب الجنة ما أطول نومك ، وأكل مطيتك ، وأوهى همتك فلله أنت من طالب ومطلوب ، ويا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها ، وما اكسبك لما يوقعك فيها!!!

انظروا الى هذه القبور سطورا بافناء الدور ، تدانوا في خططهم ، وقربوا في مزارهم ، وبعدوا في لقائهم ، عمروا فخربوا ، وانسوا فأوحشوا وسكنوا فأزعجوا ، وقنطوا فرحلوا ، فمن سمع بدان بعيد وشاحط (٣٧٨) قريب وعامر مخرب ، وآنس موحش ، وساكن مزعج ، وقاطن مرحل غير أهل القبور!!!

يا ابن الأيام الثلاثة : يومك الذي ولدت فيه ، ويومك الذي تنزل فيه قبرك ، ويومك الذي تخرج فيه الى ربك ، فيا له من يوم عظيم يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة (٣٧٩) مالي ارى اجسامكم عامرة ، وقلوبكم دامرة اما والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه ، وما أنتم إليه صائرون لقلتم : ( يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣٨٠) قال جل من قائل : ( بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ ) .. ( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (٣٨١) » (٣٨٢).

__________________

(٣٧٨) الشاحط : البعيد.

(٣٧٩) الهيم : الأبل العطاش ، العاطنة : الأبل التي رويت ثم بركت.

(٣٨٠) سورة الانعام : آية ٢٧.

(٣٨١) سورة الانعام : آية ٢٨.

(٣٨٢) تحف العقول ( ص ٢٩١ ـ ٢٩٢ ).

٢٩١

لقد انكر الامام أبو جعفر (ع) على هؤلاء القوم انصرافهم عن وعظه ، وارشاداته الهادفة الى استقامتهم وحسن سلوكهم ، وظفرهم بخير الدنيا والآخرة ، وقد وجه إليهم هذه الموعظة البالغة فدعاهم الى الله ، والتمسك بطاعته ، فانه بيده الخير والحرمان.

لقد وعظهم بهذه المواعظ التي تخشع لها النفوس ، وتتوجل منها القلوب ليرجعهم الى حظيرة الايمان وواقع الاسلام.

٣ ـ ووعظ الامام بعض اصحابه فأحاطه علما بواقع هذه الحياة فقال (ع) له :

« انزل الدنيا كمنزل نزلته وارتحلت عنه ، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت ، وليس معك منه شيء. » (٣٨٣)

ان الانسان لو نظر الى الدنيا بهذه النظرة الصائبة ، وتعرف على واقعها وحالها لما أصيب بداء الغرور والأنانية ، والجشع والطمع وغير ذلك من الآفات النفسية التي تضله عن طريق الحق.

٤ ـ ومن مواعظه (ع) أنه قال : « ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله إلا وحرم الله وجه صاحبها على النار ، فان سالت على الخدين دموعه لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة ، وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة فان الله تعالى يكفر بها بحور الخطايا .. » (٣٨٤)

لقد دعا (ع) الى البكاء من خشية الله فانه من علامة الايمان ، وهو يكشف عن اتصال العبد بربه وخالقه.

٥ ـ قال (ع) : « اكثر من ذكر الموت فانه لم يكثر انسان ذكر

__________________

(٣٨٣) مرآة الجنان ١ / ٢٤٨ ، شذرات الذهب ١ / ١٤٩.

(٣٨٤) اخبار الدول ( ص ١١ ).

٢٩٢

الموت إلا زهد في الدنيا. » (٣٨٥)

ان الانسان متى ذكر الموت ، وجعله أمام عينيه فانه يزهد في هذه الدنيا ، وينصرف عن مباهجها ، وملاذها.

٦ ـ وسئل الامام أبو جعفر عن أشد الناس زهدا؟ فقال (ع) : من لا يبالي الدنيا في يد من كانت ، فقيل له : من أخسر الناس صفقة؟ فقال (ع) : من باع الباقي بالفاني ، فقيل له : من اعظم الناس قدرا؟ فقال (ع) : من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا (٣٨٦).

٧ ـ ووعظ (ع) اصحابه فقال لهم : « إن الله تعالى يقول : يا ابن آدم تطولت عليك بثلاث : سترت عليك ما لو يعلم به اهلك ما داروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا ، وجعلت لك نظرة في ثلثك فلم تقدم خيرا. » (٣٨٧)

هذه بعض النماذج من مواعظه القيمة وقد ساقها (ع) الى معالجة النفوس وتهذيبها ، وكانت هذه الظاهرة التربوية من ابرز القيم في تعاليم أئمة أهل البيت (ع).

فضل العقل :

وتحدث الامام أبو جعفر (ع) عن فضل العقل ، وانه من اعظم ما خلق الله تعالى قال (ع) :

« لما خلق الله العقل استنطقه ، ثم قال له : اقبل فأقبل ، ثم قال له : ادبر فادبر ، ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي

__________________

(٣٨٥) جامع السعادات ٢ / ٦١.

(٣٨٦) البيان والتبيين ٣ / ١٦١.

(٣٨٧) الخصال ( ص ١٣١ ).

٢٩٣

منك ، ولا اكملتك إلا فيمن أحب أما اني إياك آمر ، وإياك انهى ، وإياك أعاقب ، وإياك أثيب .. » (٣٨٨)

ان بالعقل ترتفع قيمة الانسان ، ولو لاه لما كان هناك أي فرق بينه وبين الحيوان السائم ، وهو من الشرائط الأولية في صحة التكليف ـ كما يقول الفقهاء ـ.

الفطنة :

واشاد الامام أبو جعفر (ع) بالفطنة ، وجعلها المصدر الوحيد لسعادة الانسان ، وصلاح معيشته قال (ع) : « صلاح جميع التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة ، وثلثه تغافل ، فلم يجعل لغير الفطنة نصيبا من الخير ، ولا حظا في الصلاح لأن الانسان لا يتغافل إلا عن شيء قد فطنه وعرفه. » (٣٨٩)

وما أروع هذه الكلمة ، وقد علق عليها بعض العلماء فقال : انها جمعت صلاح شأن الدنيا بحذافيرها.

اجالة الفكر :

ودعا (ع) الى اجالة الفكر وانطلاقه قال (ع) : « باجالة الفكر يستدر الرأي المعشب .. » (٣٩٠)

وهذه الكلمة من روائع الحكم فان الرأي الأصيل والسديد انما يصل

__________________

(٣٨٨) اصول الكافي ١ / ١٠.

(٣٨٩) الكامل للمبرد ١ / ٧٦ ، زهر الآداب ١ / ١١٦ ، البيان والتبيين ٣ / ٩٩.

(٣٩٠) جامع السعادات ١ / ١٦٥.

٢٩٤

إليه الانسان بعد اجالة فكره في الأمور ، وكذلك الحقائق العلمية والمخترعات انما هي وليدة التفكر والدراسة للأمور ، فانه من غير الممكن ان يتوصل الانسان لذلك من دون اجالة الفكر وامعانه.

مكارم الاخلاق :

واهتم الامام أبو جعفر (ع) بنشر مكارم الاخلاق واذاعتها بين الناس ، لأنها من العناصر الذاتية في بناء المجتمع الاسلامي ، وقد حفلت مصادر الحديث وغيرها بالشيء الكثير من كلماته الحكمية ، وفيما يلي ذلك :

١ ـ الاحسان :

أما الاحسان الى الناس فانه من اوثق الاسباب الى تماسك المجتمع وترابطه وشيوع المحبة والألفة بين ابنائه ، وقد ندب إليه الاسلام ، وحث عليه قال الامام أبو جعفر (ع) : « ما تذرع إلي بذريعة ، ولا توسل بوسيلة هي أقرب الي من يد سالفة مني إليه أتبعتها أختها ليحسن حفظها وربها لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل ، وما سمحت لي نفسي برد بكر الحوائج .. » (٣٩١)

ان احب الاشياء الى الامام (ع) مواصلة الاحسان وتكراره ليغرس به المودة والحب في قلوب الناس.

٢ ـ فعل المعروف :

وحث الامام (ع) على فعل المعروف الى الناس في كثير من احاديثه ، ومن بين ما قاله :

__________________

(٣٩١) تحف العقول ( ص ٢٩٦ ).

٢٩٥

أ ـ قال (ع) : « ان الله جعل للمعروف أهلا من خلقه حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله ، ووجه لطلاب المعروف الطلب إليهم ، ويسر إليهم قضاءه كما يسر الغيث للأرض المجدبة ليحييها ويحي أهلها ، وان الله جعل للمعروف اعداء من خلقه بغض إليهم المعروف ، وبغض إليهم فعاله وحظر على طلاب المعروف التوجه إليهم ، وحظر عليهم قضاءه كما يحظر الغيث عن الأرض المجدبة ليهلكها ، ويهلك أهلها ، وما يعفو الله عنه اكثر .. » (٣٩٢)

ب ـ قال (ع) : « صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وكل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة ، وأول أهل الجنة دخولا الى الجنة أهل المعروف وان أول أهل النار دخولا الى النار أهل المنكر .. » (٣٩٣)

٣ ـ مقابلة المعروف بالاحسان :

وأوصى (ع) اصحابه بمقابلة المعروف بالمزيد من الاحسان قال (ع) : « من صنع مثل ما صنع إليه فقد كافاه. ومن أضعف كان شكورا ، ومن شكر كان كريما. ومن علم أنه ما صنع كان الى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم ، ولم يستزدهم في مودتهم ، فلا تلتمس من غيرك شكر ما اتيته الى نفسك ، ووقيت به عرضك ، واعلم ان طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك فأكرم وجهك عن رده .. » (٣٩٤)

وبعد ما أوصى (ع) بمقابلة المعروف بالاحسان ، دعا الى صنع المعروف

__________________

(٣٩٢) تحف العقول ( ص ٢٩٥ ).

(٣٩٣) أمالي الصدوق ( ص ٢٢٥ ).

(٣٩٤) تحف العقول ( ص ٣٠٠ ).

٢٩٦

بما هو معروف وان لا يبغي صاحبه جزاء ، فانه قد صنع ذلك لنفسه. ووقى به شرفه وعرضه.

آداب السلوك :

وحث الامام (ع) على آداب السلوك الاجتماعي مع الناس ، وكان من بين ذلك.

١ ـ طلاقة الوجه :

وأمر (ع) بمقابلة الناس بطلاقة الوجه والبشرى بهم قال (ع) :

« البشر الحسن ، وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة ، وقربة من الله ، وعبوس الوجه ، وسوء البشر مكسبة للمقت ، وبعد من الله .. » (٣٩٥)

٢ ـ معاملة الناس بالحسنى :

وحث (ع) على معاملة الناس بالحسنى واجتناب هجر الكلام معهم ، قال (ع) : « قولوا للناس : أحسن ما تحبون أن يقال : لكم فان الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين ، الفاحش المتفحش ، السائل الملحف ، ويحب الحيّ الحليم العفيف المتعفف .. » (٣٩٦)

حقوق المسلم :

وأدلى (ع) بالحقوق التي شرعها الاسلام للمسلم تجاه أخيه المسلم ، قال (ع) :

« احبب أخاك المسلم ، واحبب له ما تحب لنفسك ، واكره له ما

__________________

(٣٩٥) تحف العقول ( ص ٢٩٦ ).

(٣٩٦) تحف العقول ( ص ٣٠٠ ).

٢٩٧

تكره لنفسك ، واذا احتجت فسله ، واذا سألك فاعطه ، ولا تدخر عنه خيرا فانه لا يدخره عنك ، كن له ظهرا فانه لك ظهر ، إن غاب فاحفظه في غيبته ، وان شهد فزره ، واجله ، واكرمه فانه منك ، وأنت منه ، وان كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتى تسل سخيمته (٣٩٧) وما في نفسه ، واذا اصابه خير فاحمد الله عليه ، وان ابتلي فاعضده ، وتمحل له .. » (٣٩٨)

ولو طبق المسلمون هذه التعاليم الحية على واقع حياتهم لصاروا من اقوى شعوب العالم وما تداعت الأمم على غزوهم ، واستعبادهم ، ونهب ثرواتهم ... لقد انحرفوا عن هذه المبادئ الاصيلة فهانوا وذلوا ، وتفرقوا شيعا واحزابا ( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ).

قضاء حاجة المسلم :

وندب الامام أبو جعفر المسلمين الى قضاء حوائج اخوانهم ، وحذر من تركها ، قال (ع) : « ما من عبد يمتنع عن معونة أخيه الملم ، ـ والسعي له في حاجته قضيت له أو لم تقض إلا ابتلي في حاجة فيما يأثم عليه ، ولا يؤجر ، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلا أبتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله .. » (٣٩٩)

صلة الارحام :

وعنى الاسلام بصلة الارحام ، وندب إليها لأنها توجب تماسك الأسرة وارتباطها ، وتعود على الأمة باروع الثمرات ، وقد حث عليها الامام أبو جعفر (ع) قال (ع) : « صلة الأرحام تزكي الاعمال ، وتنمي الأموال ،

__________________

(٣٩٧) السخيمة : الضغينة

(٣٩٨) أمالي الصدوق ( ص ٢٨٨ ).

(٣٩٩) تحف العقول ( ص ٢٩٢ ).

٢٩٨

وتدفع البلوى ، وتيسر الحساب ، وتنسىء في الأجل .. » (٤٠٠)

الصدقة :

وأكد الامام (ع) على الصدقة ، وذكر الفوائد التي يظفر بها المتصدق ، وقد أدلى بذلك امام اصحابه قال (ع) : « إلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه يبعد السلطان ، والشيطان منكم » فقال له أبو حمزة :

« بلى اخبرنا حتى نفعله. »

قال (ع) : « عليكم بالصدقة فبكروا بها ، فانها تسود وجه ابليس ، وتكسر شره السلطان الظالم عنكم في يومكم ذلك ، وعليكم بالحب لله والتودد والموازرة على العمل الصالح فانه يقطع دابرهما ـ يعني الشيطان والسلطان ـ وألحوا في الاستغفار فانه ممحاة للذنوب .. » (٤٠١)

العطف على اليتيم :

ودعا الامام (ع) الى العطف على اليتيم والبر بالضعيف قال (ع) :

« اربع من كن فيه بنى له الله بيتا في الجنة من آوى اليتيم ، ورحم الضعيف واشفق على والديه ، ورفق بمملوكه .. » (٤٠٢)

محاسن الصفات :

وتحدث الامام أبو جعفر (ع) عن محاسن الصفات التي تقرب الانسان من الله ، وتبعده عن سخطه وعذابه قال (ع) : « أربع من كن فيه كمل إسلامه ، وأعين على ايمانه ، ومحصت ذنوبه ، ولقى الله عز وجل ،

__________________

(٤٠٠) تحف العقول ( ص ٢٩٨ ).

(٤٠١) تحف العقول ( ص ٢٩٨ ).

(٤٠٢) الخصال ( ص ٢٠٤ ).

٢٩٩

وهو عنه راض ، ولو كان فيما بين قرنه الى قدميه ذنوب حطها الله عنه ، وهي : الوفاء بما يجعل الله على نفسه ، وصدق اللسان مع الناس ، والحياء مما يقبح عند الله ، وعند الناس ، وحسن الخلق مع الأهل والناس ، وأربع من كن فيه من المؤمنين اسكنه الله تعالى في أعلى عليين في غرف فوق الغرف : من آوى اليتيم ، ونظر له ، وكان له أبا ، ومن رحم الضعيف ، واعانه وكفاه ، ومن انفق على والديه ، وترفق بهما ، وسرهما ولم يحزنهما ، ومن لم يخرق مملوكه فاعانه على ما يكلفه .. » (٤٠٣)

لقد أمر الامام (ع) بكل ما يقرب الانسان من ربه ، وقد ارشده الى محاسن الاعمال التي يحبها الله ، ويجزل عليها ثوابه ، وتستوجب المزيد من الطافه.

الصمت :

ودعا (ع) الى الصمت وعدم الخوض فيما لا يكسب فيه الانسان فائدة أو خيرا قال (ع) : « إن هذا اللسان مفتاح كل خير وشر ، فينبغي للمؤمن أن يختم لسانه كما يختم على ذهبه وفضته ، فان رسول الله (ص) قال : ( رحم الله مؤمنا أمسك لسانه من كل شر فان ذلك صدقة منه على نفسه ) لا يسلم أحد من الذنوب حتى يحزن لسانه .. » (٤٠٤)

مساوئ الصفات والأعمال :

وحذر الامام (ع) من الاتصاف بالصفات السيئة ، والاعمال المنكرة ، وهذا بعض ما أثر عنه :

__________________

(٤٠٣) الدر النظيم ( ص ١٩١ ).

(٤٠٤) تحف العقول ( ص ٢٩٨ ).

٣٠٠