حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

خانوا الخليفة عهده

بتعسف الطرق المخوفة

باعوا الامانة بالخيانة

واشتروا بالأمن جيفة

عقدوا الشحوم واهزلوا

تلك الامانات السخيفة

ضاقت قبور القوم وات

سعت قصورهم المنيفة

من كل ذي أدب ومع

رفة وآراء حصيفة

متفقه جمع الحدي

ث الى قياس أبي حنيفة

فاتاك يصلح للقض

اء بلحيفة فوق الوظيفة

لم ينتفع بالعلم اذ

شغفته دنياه الشغوفة

نسي الاله ولاذ في

الدنيا بأسباب ضعيفة (٢٩٥)

ويقول أبو العتاهية في هجائهم :

عجبا لأرباب العقول

والحرص في طلب الفضول

سلاب أكسية الارا

مل واليتامى والكهول

والجامعين المكثري

ن من الخيانة والغلول

والمؤثرين لدار رحلتهم

على دار الحلول

وضعوا عقولهم من الد

نيا بمدرجة السيول

ولهوا بأطراف الفر

وع واغفلوا علم الاصول

وتتبعوا جمع الحط

أم وفارقوا أثر الرسول (٢٩٦)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عما أثر عن الامام (ع) في فضل العلم وتكريم حملته ، وما ينبغي أن يتصفوا به من معالي الاخلاق ليكونوا قدوة للأمة.

__________________

(٢٩٥) جامع بيان العلم وفضله ١ / ٢٠١.

(٢٩٦) جامع بيان العلم وفضله ١ / ٢٠١.

٢٤١

فى رحاب الايمان :

وحلل الامام أبو جعفر (ع) في احاديثه حقيقة الايمان ، ومراتبه ، تحدث عن صفات المتقين ، ونعم الله عليهم ، وغير ذلك ، وهذا بعض ما أثر عنه.

١ ـ حقيقة الايمان :

وحدد الامام (ع) حقيقة الايمان بقوله : « الايمان ثابت في القلوب ، واليقين خطرات ، فيمر اليقين بالقلب فيصير كأنه زبر الحديد ، ويخرج منه فيصير كأنه خرقة بالية .. » (٢٩٧)

إن الايمان إذا استقر في اعماق القلوب ودخائل النفوس فانها تكون في صلابتها كزبر الحديد فتتحمل الأهوال ، وتخوض الشدائد في سبيل ما تذهب إليه ، وقد كان ذلك الايمان الراسخ هو السمت البارز في سيرة الأنبياء والعظماء والمصلحين الذين قدموا أرواحهم قرابين لمبادئهم وآرائهم.

وإذا خرج اليقين من القلب فان يكون خرقة بالية قد فقد ارادته واختياره ، وصار خاليا من الشعور والاحساس.

٢ ـ مراتب الايمان :

وتحدث الامام (ع) عن مراتب الايمان بقوله : « ان المؤمنين على منازل ، منهم على واحدة ، ومنهم على اثنين ، ومنهم على ثلاث ، ومنهم على اربع ، ومنهم على خمس ، ومنهم على ست ، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة اثنتين لم يقو ، وعلى صاحب الاثنتين ثلاثا لم يقو ، وعلى صاحب الثلاث اربعا لم يقو ، وعلى صاحب الاربع خمسا لم يقو ، وعلى

__________________

(٢٩٧) حلية الاولياء ٣ / ١٨٠.

٢٤٢

صاحب الخمس ستا لم يقو ، وعلى صاحب الست سبعا لم يقو ، وعلى هذه الدجارت. » (٢٩٨)

ان مرتب اليقين والمعرفة بالله متفاوتة كأشد ما يكون التفاوت فقد احاط الله تعالى بعض انبيائه علما بأسرار الكون وحقائق الوجود وما يحدث في هذه الدنيا من الاحداث بما لم يحط به غيرهم من الأنبياء لأنهم لا يقوون على حملها ، ومن هذا القبيل كان الامام أمير المؤمنين (ع) الذي هو باب مدينة علم النبي (ص) ومستودع أسراره وحكمه قد احاط بعض حواريه كميثم التمار علما بما سيجري عليه من الخطوب والكوارث من بني أمية ، واطلعه على كثير من الأسرار ، وعلى ما سيجري في آخر الزمان في حين أنه لم يخبر بذلك عبد الله بن عباس وهو حبر الأمة لعلمه (ع) بعدم قدرته على تحملها.

وعلى مقدار الايمان كانت محن الأنبياء والمصلحين من قبل طواغيت زمانهم متفاوتة وكان أشدهم ايذاء واعظمهم محنة النبي محمد (ص) فقد أوذي من قبل طواغيت قريش وجهالها بما لم يؤذه أي نبي من انبياء الله ، وأوذي (ص) من بعد وفاته بعترته فقد عانت من الظلم والتنكيل ما يقصم الاصلاب ويذهل الألباب ، فلم تراع حرمته (ص) في عترته فلم يمض على وفاته إلا خمسون عاما واذا برءوس ابنائه على الحراب ، وبناته سبايا من بلد الى بلد ، فأي محنة وأي بلاء اعظم من هذه المحنة وهذا البلاء؟

٣ ـ صفات المتقين :

وتحدث (ع) في جملة من أحاديثه عن معالي صفات المتقين ، وهذا

__________________

(٢٩٨) أصول الكافي باب درجات الايمان.

٢٤٣

بعض ما أثر عنه.

أ ـ قال (ع) : « أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة ، واكثرهم معونة ، إن نسيت ذكروك ، وإن ذكرت أعانوك ، قوالين بحق الله ، قوامين بأمر الله .. » (٢٩٩)

وهذه صفات الافذاذ الذين هم قوة الانسانية ومثلها الأعلى ، وقادتها الى سبل الرشاد.

ب ـ قال (ع) : « إنما المؤمن إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق : والمؤمن إذا قدر لم تخرجه قدرته الى التعدي الى ما ليس بحق .. » (٣٠٠)

ان من أميز صفات المؤمن بربه ان يكون متماسكا في شخصيته ، ومتميزا في سلوكه مد رائده الحق في جميع حالاته وشئونه.

ج ـ قال (ع) : « الغنى والعز يجولان في قلب المؤمن فاذا وصلا الى مكان فيه التوكل استوطناه .. » (٣٠١)

ونظم هذه الحكمة الرائعة اليافعي بقوله :

يجول الغنى والعز في قلب مؤمن

فان الفيا جوف القلوب توكلا

أقاما فأمسى العبد بالله ذاعنا

عزيزا وان لم يلقياه ترحلا (٣٠٢)

د ـ الفرق بين الايمان والاسلام :

وتحدث (ع) عن الفرق بين الايمان والاسلام فقال : « الايمان

__________________

(٢٩٩) شذرات الذهب ١ / ١٤٩.

(٣٠٠) الخصال ( ص ١٠١ ).

(٣٠١) صفة الصفوة ٢ / ٦١.

(٣٠٢) مرآة الجنان ١ / ٢٤٨.

٢٤٤

ما كان في القلب ، والاسلام ما عليه التناكح ، والتوارث ، وحقنت به الدماء ، والايمان يشرك الاسلام ، والاسلام لا يشرك الايمان. » (٣٠٣)

ان الايمان يقيم في ضمائر المتقين والمنيبين الى الله تعالي ، به يخشونه ويخافون عقابه ، فلا يتركون واجبا ، ولا يقترفون اثما ، أما الاسلام فهو التلفظ بكلمة التوحيد ، واذا نفذ الى اعماق القلب صار المسلم مؤمنا وإلا فلا ، والى هذا تشير الآية الكريمة ، ( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ. ) (٣٠٤) وصرح (ع) بكلام آخر عن الفرق بينهما يقول (ع) : « الايمان اقرار وعمل ، والاسلام اقرار بلا عمل. » (٣٠٥)

ه ـ عطاء الله للمؤمنين

ومنح الله المؤمنين المزيد من الطافه وفضله ، وقد تحدث الامام (ع) عن العطاء الذي افاضه عليهم بقوله : « ان الله اعطى المؤمن ثلاث خصال :العز في الدنيا في دينه ، والفلج في الآخرة ، والمهابة في صدور العالمين .. » (٣٠٦)

هذه بعض احاديثه عن حقيقة الايمان وواقعه.

مع الشيعة :

وكان الامام أبو جعفر (ع) وسائر أئمة أهل البيت (ع) حريصين كل الحرص على أن تكون شيعتهم مقتدين بهديهم ، ومتميزين في سلوكهم ،

__________________

(٣٠٣) تحف العقول ( ص ٢٩٧ ).

(٣٠٤) سورة الحجرات : آية ١٤.

(٣٠٥) تحف العقول ( ص ٢٩٧ ).

(٣٠٦) الخصال ( ص ١٣٣ ).

٢٤٥

ومتورعين في مكاسبهم ومتحرجين في أمور دينهم كأشد ما يكون التحرج ليكونوا قدوة لبقية المسلمين بما يحملونه من طاقات اسلامية مشرقة ، تضىء الطريق ، وتهدى الحائر ، وتدلل على واقع أهل البيت (ع) وقد أثر عن الامام الصادق (ع) أنه قال لبعض شيعته بما مضمونه كونوا زينا لنا ، ولا تكونوا شينا علينا ، حتى يقول القائل : رحم الله جعفر ابن محمد قد أدب شيعته ، ورأى الامام موسى بن جعفر (ع) بعض شيعته قد شذ في سلوكه ، وارتكب ما حرم الله ، فوجه (ع) إليه هذه النصيحة الرائعة قائلا له : « إن الحسن من كل احد حسن ، ومنك أحسن ، والقبيح من كل أحد قبيح ومنك أقبح نظرا لاتصالك بنا أهل البيت » (٣٠٧).

أما الامام أبو جعفر (ع) فقد أهتم كأشد ما يكون الاهتمام في تربية الشيعة وتهذيبهم ، وقد وجه لهم النصائح الرفيعة ، والتعاليم الكريمة التي يجب أن يسيروا عليها ، ويقتدوا بها ، وهذا بعض ما أثر عنه.

١ ـ وصيته لشيعته :

ان من الواجب على من انتحل مبدأ أهل البيت (ع) أن يأخذ بهذه الوصية الخالدة ويعمل بما تضمنته من بنود مشرقة ليكون مثالا للإنسانية ، وانموذجا يقتدى به ، وهذا نص وصيته :

« يا معشر شيعتنا ، اسمعوا وافهموا وصايانا ، وعهدنا الى اوليائنا ، اصدقوا في حديثكم ، وبروا في ايمانكم لأوليائكم واعدائكم ، وتواسوا باموالكم ، وتحابوا بقلوبكم ، وتصدقوا على فقرائكم ، واجتمعوا على امركم ، ولا تدخلوا غشا ولا خيانة على أحد ، ولا تشكوا بعد اليقين ،

__________________

(٣٠٧) حياة الامام موسى بن جعفر.

٢٤٦

ولا تولوا بعد الاقدام جبنا ، ولا يول أحدكم أهل مودته قفاه ، ولا تكونن شهوتكم في مودة غيركم ، ولا مودتكم في سواكم ، ولا عملكم لغير ربكم ، ولا ايمانكم وقصدكم لغير نبيكم ، واستعينوا بالله ، واصبروا فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.

واضاف (ع) قائلا :

ان اولياء الله واولياء رسوله من شيعتنا من اذا قال : صدق وإذا وعد وفى ، وإذا أوتمن ادى ، واذا حمل احتمل في الحق ، وإذا سئل الواجب اعطى ، وإذا امر بالحق فعل ، شيعتنا من لا يعدو علمه سمعه ، شيعتنا من لا يمدح لنا معيبا ، ولا يواصل لنا مبغضا ، ولا يجالس لنا خائنا ، ان لقي مؤمنا اكرمه ، وان لقي جاهلا هجره ، شيعتنا من لا يهر هرير الكلب ، ولا يطمع طمع الغراب ، ولا يسأل أحدا إلا من اخوانه وان مات جوعا ، شيعتنا من قال : بقولنا ، وفارق احبته فينا ، وادنى البعداء في حبنا ، وأبعد الغرباء في بغضنا.

وبهر بعض الجالسين من وصف الامام لشيعته وراح يقول له :

« اين يوجد مثل هؤلاء؟. »

فاجابه الامام :

« في اطراف الارضين ، اولئك الخفيض عيشهم ، القررة أعينهم ، ان شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن مرضوا لم يعادوا ، وان خطبوا لم يزوجوا ، وإن وردوا طريقا تنكبوا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا : سلاما ، ويبيتون لربهم سجدا وقياما.

وراح بعض الجالسين يندد بالشيعة ممن عاصروا الامام قائلا :

« يا ابن رسول الله : وكيف بالمتشيعين بالسنتهم وقلوبهم على خلاف

٢٤٧

ذلك؟ »

وانبرى الامام فاجابه :

« التمحيص يأتي عليهم بسنين تفنيهم ، وضغائن تبيدهم واختلاف يقتلهم ، اما والذي نصرنا بأيدي ملائكته ، لا يقتلهم الله الا بايديهم ، فعليكم بالاقرار اذا حدثتم ، وترك الخصومة فانها تقصيكم ، واياكم أن يبعثكم قبل وقت الأجل فتطل دماؤكم وتذهب أنفسكم ويذمكم من يأتي بعدكم وتصيروا عبرة للناظرين ، وان أحسن الناس فعلا من فارق أهل الدنيا من والد وولي وناصح ، وكافى اخوانه في الله وإن كان حبشيا أو زنجيا ، وإن كان لا يبعث من المؤمنين أسود ، بل يرجعون كالبرد قد غسلوا بماء الجنان ، واصابوا النعيم المقيم ، وجالسوا الملائكة المقربين ، ورافقوا الأنبياء المرسلين ، وليس من عبد اكرم على الله من عبد شرد وطرد في الله حتى يلقى الله ، على ذلك شيعتنا المنذرون في الارض سرج وعلامات ، ونور لمن طلب ما طلبوا وقادة لأهل طاعة الله ، شهداء على من خالفهم ممن ادعى دعواهم ، سكن لمن اتاهم ، لطفاء بمن والاهم ، سمحاء ، اعفاء ، رحماء ، فذلك صفتهم في التوراة والانجيل والقرآن العظيم.

ان الرجل العالم من شيعتنا اذا حفظ لسانه ، وطاب نفسا بطاعة اوليائه واظهر المكائدة لعدوه بقلبه ، ويغدو حين يغدو وهو عارف بعيوبهم ، ولا يبدي ما في نفسه لهم ، ينظر بعينه الى اعمالهم الردية ، ويسمع بأذنه مساوئهم ، ويدعو بلسانه عليهم ، مبغضوهم اولياءه ، ومحبوهم اعداءه .. »

وانطلق رجل من الحاضرين فقال للامام :

« بأبي أنت وأمي ما ثواب من وصفت اذا كان يمشي آمنا ، ويصبح آمنا ويبيت محفوظا ، فما منزلته وثوابه؟ .. »

فقال (ع) :

٢٤٨

« تؤمر السماء باظلاله ، والأرض باكرامه ، والنور ببرهانه .. »

فقيل للامام :

« فما صفته في الدنيا؟ »

قال (ع) : « إن سئل أعطى ، وان دعي أجاب ، وان طلب أدرك ، وان نصر مظلوما أعز .. » (٣٠٨)

لا اكاد اعرف وصية أثرت عن أئمة المتقين مثل هذه الوصية الحافلة بالتعاليم الرفيعة التي تسمو بالانسان ، وترفعه الى أرقى ما يصل إليه الأبرار والمتقون ففيها الدعوة الى التحلي بالأخلاق الكريمة ، والتجنب عن مساوئ الاخلاق والتخلي عن النزعات السيئة ، ولو سار المسلمون على ضوئها لكانوا سادة الأمم ، وقادة الشعوب.

ان هذه الوصية من كنوز الاسلام ، وهي تحمل جوهره وواقعه ، وما ينشده من خير ورحمة وهدى الى الناس ، فمن حق كل مسلم أن يجعلها منهاجا يسير عليها في حياته.

٢ ـ الشيعة الأوائل :

واشاد الامام أبو جعفر (ع) بالشيعة الأوائل ، وبين معالي اخلاقهم وما اتصفوا به من الصفات الرفيعة والخيرة فقال (ع) :

« اولياءونا ، وشيعتنا فيما مضى خير من كانوا فيه ، ان كان امام مسجد في الحي كان منهم ، وإن كان مؤذن في القبيلة كان منهم ، وإن كان صاحب وديعة كان منهم ، وإن كان صاحب امانة كان منهم ، وإن كان عالم في الناس يقصدونه لدينهم ومصالح أمورهم كان منهم .. » (٣٠٩)

__________________

(٣٠٨) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص ٢٢٣ ـ ٢٢٥ ).

(٣٠٩) دعائم الاسلام ١ / ٧١.

٢٤٩

وألمت هذه الوصية بما اتصفت به الشيعة الأوائل من النسك والورع والتقوى والحريجة في الدين حتى نالوا ثقة الناس فأتموا بهم في صلاتهم ، وائتمنوهم على اموالهم ودينهم ، وقد عرفوا بهذا السمت من الورع والصلاح ، وذاع عنهم ذلك ، ومن طريف ما ينقل ان شيعيا مثل شاهدا أمام القضاء فرد القاضي عليه شهادته لأنه من الرافضة ، فاغرق فى البكاء فبهر القاضي ، وتوهم ان بكاءه لرد شهادته ، وسأله عن ذلك فاجابه بما مضمونه انك حدت عن الحق فنسبتني الى طائفة لا ينتسب إليها الا الأنبياء والمتقون.

٣ ـ صفات الشيعة :

وأدلى (ع) في كثير من احاديثه عن الصفات الرفيعة التي ينبغي أن يتحلى بها من انتحل مذهب أهل البيت (ع) ، وهذا بعض ما أثر عنه.

١ ـ قال (ع) : « ما شيعتنا إلا من اتقى الله واطاعه ، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع ، والتخشع ، واداء الامانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم والصلاة والبر بالوالدين ، وتعهد الجيران من الفقراء ، وذوي المسكنة ، والغارمين والايتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكف الألسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا امناء عشائرهم فى الاشياء .. » (٣١٠)

ولا يتحلى بهذه الصفات إلا الابرار والمتقون الذين يخشون الله ، ويخافون عقابه.

٢ ـ قال (ع) : « إنما شيعة علي (ع) المتباذلون في ولايتنا ، المتحابون في مودتنا ، المتزاورون لاحياء أمرنا ، الذين اذا غضبوا لم يظلموا واذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على من جاورهم ، وسلم لمن خالطوا. » (٣١١)

__________________

(٣١٠) تحف العقول ( ص ٢٩٥ ).

(٣١١) تحف العقول ( ص ٣٠٠ ).

٢٥٠

ومن توفرت فيهم هذه الصفات من الشيعة فانهم يكونون بركة ورحمة لمن جاورهم ، وامنا وسلما لمن خالطهم اذ لا تصدر منهم بادرة من بوادر الظلم سوى الخير العميم الى الناس.

٣ ـ وتحدث (ع) مع أبي المقدام عن شيعة الامام أمير المؤمنين (ع) وما اتصفوا به من معالي الاخلاق قال (ع) : « يا أبا المقدام إنما شيعة علي الشاحبون ، الناحلون ، الذابلون ، ذابلة شفاهم ، خميصة بطونهم ، متغيرة الوانهم ، مصفرة وجوههم ، اذا جنهم الليل اتخذوا الأرض فراشا ، واستقبلوا الارض بجباههم ، كثير سجودهم ، كثيرة دموعهم ، كثير دعاؤهم ، كثير بكاؤهم ، يفرح الناس وهم يحزنون .. » (٣١٢)

وهذه صفات عباد الشيعة ونستاكهم امثال عمار بن ياسر ، وأبي ذر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمار ، ونظراؤهم من هداة هذه الأمة وقادتها.

٤ ـ نصائحه للشيعة :

وزود الامام أبو جعفر الشيعة بكثير من نصائحه الرفيعة وتعاليمه القيمة ومن بينها.

أ ـ روى جابر بن يزيد الجعفي قال : كنا جماعة فدخلنا على أبي جعفر (ع) بعد ما قضينا مناسكنا فودعناه ، وقلنا له : اوصنا بشيء يا ابن رسول الله (ص) فوجه (ع) لهم هذه النصيحة القيمة قال (ع) :

« ليعن قويكم ضعيفكم ، وليعطف غنيكم على فقيركم ، ولينصح الرجل أخاه كنصيحته لنفسه ، واكتموا اسرارنا ، ولا تحملوا الناس على اعناقنا ، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا ، فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقا فردوه ، وإن اشتبه عليكم الأمر فقفوا عنده ، وردوه

__________________

(٣١٢) الخصال ( ص ٤١٣ ).

٢٥١

إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا .. » (٣١٣)

لقد أوصاهم بمعالي الاخلاق ، ودلهم على ما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم ، كما أوصاهم بعرض ما أثر عن الأئمة من الاخبار على كتاب الله فما وافقه فيأخذون به ، وما شذ عنه فيطرحونه ، وإنما عهد لهم بذلك لأن كثيرا من الاخبار قد افتعلت عليهم ، فقد وضعها من لا حريجة له في الدين لتشويه واقع أهل البيت (ع) وتشويه احكامهم.

ب ـ قال (ع) : « عليكم بالورع والاجتهاد ، وصدق الحديث ، واداء الامانة إلى من ائتمنكم برا كان أو فاجرا ، فلو أن قاتل علي بن ابن أبي طالب ائتمنني على امانة لأديتها إليه .. » (٣١٤)

وهل هناك اسمى وارفع من هذه النصائح القيمة التي تنشد خير الانسان وتوازنه في سلوكه مع الناس.

ج ـ وأوفد (ع) بعض أصحابه إلى جماعة من شيعته ، وأمره أن يبلغهم بما يلي :

قال (ع) : « بلغ شيعتنا عنا السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وبأن يعود غنيهم على فقيرهم ، ويعود صحيحهم عليلهم ، ويحضر حيهم جنازة ميتهم ويتلاقوا في بيوتهم فان لقاء بعضهم بعضا حياة لأمرنا.

رحم الله امرا احيا أمرنا ، وعمل بأحسنه ، وقل لهم : إنا لن نغني عنهم من الله شيئا إلا بعمل صالح ، ولن ينالوا ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد ، وان اشد الناس حسرة يوم القيامة لمن وصف عملا ثم

__________________

(٣١٣) ضياء العالمين الجزء الثالث مخطوط.

(٣١٤) تحف العقول ( ص ٢٩٩ ).

٢٥٢

خالفه الى غيره. » (٣١٥)

لقد اوصاهم بالخير بجميع رحابه ومفاهيمه ، وأمرهم بالتماسك ، والتضامن ، وما يصون جماعتهم من الاختلاف والفرقة.

د ـ قال (ع) : « رحم الله عبدا حببنا إلى الناس ، ولم يبغضنا إليهم ، أما والله لو يروون عنا ما نقول : ولا يحرفونه ، ولا يبدلونه علينا برأيهم ما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء ، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فينيط إليها عشرا ويتأولها على ما يراه ، فرحم الله عبدا سمع من مكنون سرنا فدفنه في قلبه ... والله لا يجعل الله من عادانا ومن تولانا في دار واحدة. » (٣١٦).

وحذر (ع) بهذا الحديث من تحريف اخبارهم وتبديلها لأنها تعود بالاضرار البالغة على أهل البيت (ع) فان فيها تشويها لسيرتهم وواقعهم.

٥ ـ حب أهل البيت :

وتحدث الامام أبو جعفر (ع) في جملة من أحاديثه مع جماعة من شيعته عن حب أهل البيت (ع) وما يترتب عليه من مزيد الأجر عند الله تعالى ، وفيما يلي ذلك :

١ ـ وفد عليه جماعة من شيعته من خراسان ، فنظر (ع) الى رجل منهم ، وقد تشققت رجلاه فقال (ع) له : ما هذا؟ فقال : بعد المسافة يا ابن رسول الله ، والله ما جاءنى من حيث جئت إلا محبتكم أهل البيت ، فقال (ع) :

« ابشر فأنت والله معنا تحشر. »

__________________

(٣١٥) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص ٢٢٣ ).

(٣١٦) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص ٢٢٣ ).

٢٥٣

وطار الخرساني فرحا وراح يقول :

« معكم يا ابن رسول الله؟ .. »

قال (ع) : « نعم ما أحبنا عبد إلا حشره الله معنا ، وهل الدين إلا الحب ، ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (٣١٧).

٢ ـ وفد زياد الأسود على الامام أبي جعفر (ع) وقد قصده من مسافة طويلة ، ومكان بعيد ، وقد جهد في طريقه من كثرة السير حتى تشققت رجلاه فقال له الامام أبو جعفر :

« ما هذا يا زياد؟. »

فقال زياد : يا مولاي أقبلت على بكر لي (٣١٨) ضعيف فمشيت عامة الطريق ، وذلك إنه لم يكن عندي ما أشتري به مسنا وانما ضممت شيئا إلى شيء حتى اشتريت هذا البكر.

ورق الامام أبو جعفر (ع) على حاله ، وجرت دموع عينيه ، وقال له زياد : جعلني الله فداك ، اني والله كثير الذنوب مسرف على نفسي ، حتى ربما قلت : قد هلكت ، ثم اذكر ولايتي إياكم وحبي لكم أهل البيت فأرجو بذلك المغفرة ، فاقبل عليه الامام بوجهه وقال له بعطف وحنان :

« سبحان الله!! وهل الدين إلا الحب ، ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (٣١٩) وقال :

__________________

(٣١٧) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص ٢٢٦ ).

(٣١٨) البكر : الفتي من الأبل.

(٣١٩) سورة الحجرات : آية ٧.

٢٥٤

( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٣٢٠) وقال : ( يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ) (٣٢١) ان اعرابيا اتى النبي (ص) فقال : يا رسول الله إني احب المصلين ولا أصلي ، وأحب الصائمين ولا اصوم ، يعني لا اصلي ولا أصوم التطوع ـ أي المندوب ـ فقال له رسول الله : ( أنت مع من احببت ) .. ما الذي تبغون؟ أما والله لو وقع أمر يفزع الناس له ما فزعتم إلا إلينا ، ولا فزعنا الا إلى نبينا ، انكم معنا فابشروا ثم ابشروا والله ما يساويكم الله وغيركم ، لا والله ولا كرامة » (٣٢٢).

٣ ـ قال (ع) : إن الجنة لتشتاق ويشتد ضوءها لمجىء آل محمد (ص) وشيعتهم ، ولو ان عبدا عبد الله بين الركن والمقام حتى تتقطع أوصاله ، وهو لا يدين بحبنا وولايتنا أهل البيت ما قبل منه .. » (٣٢٣)

٤ ـ قال (ع) : لجماعة من شيعته « إنما يغتبط أحدكم اذا بلغت نفسه هاهنا ، ـ وأومأ بيده الى حلقه ـ ينزل عليه ملك الموت فيقول له : أما ما كنت ترجوه فقد اعطيته ، وأما ما كنت تخافه فقد أمنت منه ، ويفتح له باب الى منزله من الجنة ، فيقول له : انظر الى مسكنك من الجنة فهذا رسول الله (ص) وعلي والحسن والحسين (ع) هم رفقاؤك .. وهو قول الله عز وجل : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) (٣٢٤) (٣٢٥) وتواترت الاخبار عن النبي (ص)

__________________

(٣٢٠) سورة آل عمران : آية ٣١.

(٣٢١) سورة الحشر : آية ٩.

(٣٢٢) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص ٢٢٦ ).

(٣٢٣) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص ٢٢٧ ).

(٣٢٤) سورة يونس : آية ٦٣ و ٦٤.

(٣٢٥) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص ٢٢٧ ).

٢٥٥

وعن الأئمة الطاهرين بهذا المضمون وقد ذكرتها مصادر الحديث والاخبار.

٦ ـ تسمية الشيعة بالرافضة :

وحدث أبو بصير قال : قلت لأبي جعفر : جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا واموالنا وعذابنا ، قال (ع) :

« ما هو؟ »

« الرافضة »

قال (ع) : بعد حديث له « ان ذلك اسم قد نحلكموه الله .. » (٣٢٦)

لقد اصبح هذا الاسم علما للشيعة الذين هم دعاة الاصلاح الاجتماعي في الأرض ، وقد أخذ يعيبهم به من لاخلاق له ، إن الشيعة لتعتز بهذا الاسم ، وتفخر به ، فقد اصبح لهم وساما لحبهم واخلاصهم لآل البيت (ع) ( الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) وقد فخر به الامام الشافعي بقوله :

إن كان حب آل محمد رفضا

فليشهد الثقلان اني رافض

٧ ـ دعاؤه لشيعته :

وكان الامام أبو جعفر (ع) يخلص لشيعته كأعظم ما يكون الاخلاص ، وكان يدعو لهم بهذا الدعاء :

« يا دان غير متوان ، يا ارحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء لهم ، ولهم عندك رضا ، واغفر ذنوبهم ، ويسر أمورهم ، واقض ديونهم ، واستر عوراتهم ، وهب لهم الكبائر التي بينك وبينهم ، يا من لا يخاف الضيم ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، اجعل لي من كل غم فرجا ومخرجا .. » (٣٢٧)

__________________

(٣٢٦) محاسن البرقي ( ص ١١٩ ).

(٣٢٧) مهج الدعوات ( ص ١٨ ).

٢٥٦

وكان (ع) يدعو لشيعته بهذا الدعاء :

« اللهم ان كان لي رضوان وود فاغفر لي ولمن تبعني من إخواني وشيعتي وطيب ما في صلبي برحمتك يا ارحم الراحمين. » (٣٢٨)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الامام أبي جعفر (ع) مع شيعته.

سنن الأنبياء وحكمهم :

وتحدث الامام أبو جعفر (ع) كثيرا عن حكم الأنبياء وسننهم ، وقد نقل عنه المختصون بهذه البحوث الشيء الكثير ، وفيما يلي بعضها :

١ ـ من وحي الله لآدم :

وعرض الامام (ع) لأصحابه ما اوحى الله به لآدم من الحكم ومعالي الأخلاق قال (ع) : « اوحى الله تبارك وتعالى لآدم اني اجمع لك الخير كله في اربع كلمات : واحدة منهن لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس ، فأما التي لي فتعبدني ، ولا تشرك بي شيئا ، وأما التي لك فأجازيك بعملك في وقت احوج ما تكون إليه واما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الاجابة ، واما التي بينك وبين الناس فترضي الناس ما ترضى لنفسك .. » (٣٢٩)

٢ ـ حكمة لسليمان :

وحكى (ع) لأصحابه حكمة رائعة لنبي الله سليمان بن داود قال (ع) : « قال سليمان بن داود : أوتينا ما أوتي الناس ، وما لم يؤتوا ، وعلمنا ما علم الناس ، وما لم يعلموا ، فلم نجد شيئا افضل من

__________________

(٣٢٨) مصباح الكفعمي ( ص ١٦١ ).

(٣٢٩) أمالي الصدوق ( ص ٥٤٤ ).

٢٥٧

خشية الله في الغيب والمشهد ، والقصد في الغنى والفقر ، وكلمة الحق في الرضا والغضب ، والتضرع الى الله عز وجل في كل حال .. » (٣٣٠)

وهذه الحكمة تجمع خصال الخير ، ففيها الدعوة الى خشية الله والخوف منه ، والحث على الاقتصاد ، وعدم التبذير والاسراف في الاموال ، كما فيها الدعوة الى قول الحق ، وإيثاره على كل شيء ، والالتجاء الى الله تعالى الذي بيده مصير العباد.

٣ ـ حكمة في التوراة :

ونقل (ع) لأصحابه حكمة مكتوبة في التوراة قال (ع) : « ان في التوراة مكتوبا يا موسى إني خلقتك ، واصطفيتك ، وقويتك ، وامرتك بطاعتي ونهيتك عن معصيتي فان اطعتني اعنتك على طاعتي ، وان عصيتني لم اعنك على معصيتي ، يا موسى ولي المنة عليك في طاعتك لي ، ولي الحجة عليك في معصيتك لي .. » (٣٣١)

٤ ـ تسمية نوح بالعبد الشكور :

روى محمد بن مسلم عن الامام أبي جعفر (ع) انه قال : « ان نوحا إنما سمي عبدا شكورا لأنه كان يقول : إذا أمسى واصبح ، اللهم اني اشهدك أنه ما أمسى واصبح بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد والشكر بها عليّ حتى ترضى .. » (٣٣٢)

__________________

(٣٣٠) الخصال ( ص ٢١٩ ).

(٣٣١) أمالي الصدوق ( ص ٢٧٤ ).

(٣٣٢) علل الشرائع ( ص ٢٩ ).

٢٥٨

٥ ـ دعاء نوح على قومه :

سأل سدير الامام أبا جعفر (ع) عن دعاء نوح على قومه فقال له : أرأيت نوحا حين دعا على قومه فقال : ( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً ) إنه كان عالما بهم؟

فاجابه (ع) « اوحى الله إليه أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد آمن فعند ذلك دعا عليهم بهذا الدعاء .. » (٣٣٣)

٦ ـ اسماعيل أول من تكلم بالعربية :

ونقل الامام ابو جعفر (ع) لأصحابه ان نبي الله اسماعيل هو أول من فتق لسانه باللغة العربية ، قال (ع) : « اول من فتق لسانه بالعربية المبينة اسماعيل ، وهو ابن عشر سنة .. » (٣٣٤)

٧ ـ مناجاة الله مع موسى :

وحكى الامام لأصحابه مناجاة لله تعالى مع نبيه موسى قال (ع) : « في التوراة مكتوب فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران ، يا موسى خفني في سر أمرك احفظك من وراء عورتك ، واذكرني في خلواتك ، وعند سرور لذاتك اذكرك عند غفلاتك ، واملك غضبك عمن ملكتك عليه اكف عنك غضبي ، واكتم مكنون سري في سريرتك ، واظهر في علانيتك المدارة عني لعدوي وعدوك من خلقي ، ولا تستسب لي عندهم باظهارك مكنون سري فتشرك عدوك وعدوي في سبي .. » (٣٣٥)

__________________

(٣٣٣) علل الشرائع ( ص ٣١ ).

(٣٣٤) البيان والتبيين ٣ / ٢٩٠.

(٣٣٥) الامالي للصدوق ( ص ٢٢٦ ).

٢٥٩

٨ ـ نفي الأمية عن النبي :

روى علي بن اسباط قال : قلت لأبي جعفر : إن الناس يزعمون ان رسول الله (ص) لم يكتب ، ولم يقرأ؟ فانكر عليه‌السلام ذلك وقال :

« انى يكون ذلك؟!! وقد قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) كيف يعلمهم الكتاب والحكمة وليس يحسن أن يقرأ ويكتب؟. »

وانبرى على بن اسباط فقال للإمام : لم سمي النبي الأمي؟

فاجابه الامام : « لأنه نسب الى مكة ، وذلك قول الله عز وجل :

( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ) فأم القرى مكة ، فقيل أمي .. » (٣٣٦)

٩ ـ نوح وابليس :

وحكى الامام أبو جعفر (ع) محاورة جرت بين نبي الله نوح (ع) حينما دعا على قومه ، وبين ابليس وهي :

ابليس : يا نوح ان لك عندي يدا أريد أن اكافئك عليها.

نوح : والله اني لبغيض إلي ان تكون لي عليك يد فما هي؟

ابليس : بلى دعوت الله على قومك فاغرقتهم ، فلم يبق أحد فاغويه فأنا مستريح حتى ينشأ قرن آخر فأغويهم.

نوح : ما الذي تريد أن تكافئني به؟

ابليس : اذكرني في ثلاثة مواطن : فاني أقرب ما أكون الى العبد

__________________

(٣٣٦) علل الشرائع ( ص ١٢٥ ).

٢٦٠