حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

فقد حكموا بوجوب مقدمة الواجب ، وان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ، كما حكموا بحجية الظن المطلق بناء على الحكومة لا على الكشف ، وارجعوا الخبرين المتعارضين إلى حكم العقل فان أيد احدهما فيؤخذ به حسبما دلت عليه الاخبار إلى غير ذلك من المسائل التي يرتبط موضوعها بحكم العقل ، وهذا مما يدعو إلى الاعتزاز والفخر بحيوية الفقه الامامي واصالته.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن مميزات الفقه الامامي.

مسائل فقهية :

وليس من المستطاع لي تدوين ما أثر عن الامام أبي جعفر (ع) من المسائل الفقهية ، فان ذلك يستدعي تدوين موسوعة فقهية كبيرة ، فان معظم أبواب الفقه وبحوثه قد رويت عنه ، إلا أنا نذكر عرضا موجزا لبعض المسائل التي أثرت عنه ، وهي :

حكم القتال فى الاسلام :

وتحدث الامام أبو جعفر (ع) عن حكم القتال والحرب في الاسلام حينما سأله رجل من شيعته عن حروب الامام أمير المؤمنين (ع) فقال له :

« بعث الله محمدا (ص) بخمسة أسياف : ثلاثة منها شاهرة لا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها ، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، وسيف مكفوف ، وسيف منها مغمود ، سله إلى غيرنا ، وحكمه إلينا.

٢٢١

فأما السيوف الثلاثة الشاهرة : فسيف على مشركي العرب ، قال الله عز وجل : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) (٢٤٢) ( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) (٢٤٣) هؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ، وأموالهم فيء وذراريهم سبي على ما سن رسول الله (ص) فانه سبى وعفا ، وقبل الفداء.

والسيف الثاني : على أهل الذمة قال الله سبحانه ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) (٢٤٤) نزلت هذه الآية في أهل الذمة ، ونسخها قوله : ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (٢٤٥) فمن كان منهم في دار الاسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل ، ومالهم فيء ، وذراريهم سبي ، فاذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم ، وحلت لنا مناكحهم (٢٤٦) ومن كان منهم في دار الحرب حل لناسبيهم وأموالهم ، ولم تحل لنا مناكحتهم ، ولم يقبل منهم إلا دخول دار الاسلام والجزية أو القتل.

والسيف الثالث : على مشركي العجم كالترك والديلم والخزر ، قال الله عز وجل : في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم ،

__________________

(٢٤٢) سورة التوبة : آية ٥.

(٢٤٣) سورة التوبة : آية ١١.

(٢٤٤) سورة البقرة : آية ٨٣.

(٢٤٥) سورة التوبة : آية ٣٠.

(٢٤٦) في التهذيب والكافي « مناكحتهم ».

٢٢٢

ثم قال : ( فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) (٢٤٧).

فأما قوله : ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ ) يعني بعد السبي منهم ( وَإِمَّا فِداءً ) يعني المفاداة بينهم ، وبين أهل الاسلام ، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ، ولا يحل لنا نكاحهم ما داموا في الحرب.

وأما السيف المكفوف : فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٢٤٨) فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله (ص) ان منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبي (ص) من هو؟ فقال : خاصف النعل ـ يعني أمير المؤمنين ـ وقال عمار بن ياسر : قاتلت بهذه الراية مع رسول الله (ص) ثلاثا (٢٤٩) وهذه الرابعة والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر (٢٥٠) لعلمنا أنا على الحق ، وانهم على الباطل ، وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين (ع) مثل ما كان من رسول الله (ص) في أهل مكة يوم فتحها فانه لم يسب لهم ذرية ، وقال : من أغلق بابه فهو

__________________

(٢٤٧) سورة محمد : آية ٤.

(٢٤٨) سورة الحجرات : آية ٩.

(٢٤٩) الثلاث : التي قاتل مع تلك الراية الصحابي العظيم عمار بن ياسر هي : يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين ، وكان يتزعم تلك الحروب أبو سفيان عميد الأمويين.

(٢٥٠) هجر : ـ بالتحريك ـ بلدة باليمن ، كما إنها اسم لجميع أرض البحرين.

٢٢٣

آمن ، ومن القى سلاحه فهو آمن ، وكذلك قال أمير المؤمنين (ع) : يوم البصرة نادى فيهم لا تسبوا لهم ذرية ، ولا تدففوا على جريح (٢٥١) ولا تتبعوا مدبرا ، ومن اغلق بابه والقى سلاحه فهو آمن.

والسيف المغمود : فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله عز وجل ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) (٢٥٢) فسله إلى اولياء المقتول وحكمه إلينا.

فهذه السيوف التي بعث الله بها محمدا (ص) فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها فقد كفر بما أنزل الله تبارك وتعالى على محمد نبيه .. » (٢٥٣)

واستمد فقهاء المسلمين الاحكام التي رتبوها على قتال أهل البغي من سيرة الامام أمير المؤمنين (ع) في حرب الجمل ، كما أخذوا عن أئمة الهدى (ع) الكثير من الاحكام في هذه المسألة

المسح على الخفين :

وجوز فقهاء المذاهب الاسلامية المسح على الخفين في الوضوء ، ولم يعتبروا مماسة اليد لظاهر القدمين (٢٥٤) أما أئمة أهل البيت (ع) فاعتبروا المماسة ولم يسوغوا غيرها ، يقول الربيع : سألت أبا اسحاق عن المسح؟ فقال : أدركت الناس يمسحون ـ يعني على الخفين ـ حتى لقيت رجلا من بني

__________________

(٢٥١) لا تدففوا على جريح : أي لا تجهزوا عليه.

(٢٥٢) سورة المائدة : آية ٤٧.

(٢٥٣) تحف العقول ( ص ٢٨٨ ـ ٢٩٠ ) ورواه الكليني في فروع الكافي ، والشيخ الصدوق في الخصال ، والشيخ الطوسي في التهذيب.

(٢٥٤) الخلاف ١ / ١٨.

٢٢٤

هاشم لم أر مثله قط يقال له محمد بن علي بن الحسين فسألته عن المسح؟ فنهاني عنه ، وقال : لم يكن أمير المؤمنين (ع) يمسح ، وكان يقول : سبق الكتاب المسح على الخفين (٢٥٥).

لقد دل الكتاب العظيم على اعتبار المماسة قال تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) والآية ظاهرة أشد الظهور فيما حكم به أهل البيت عليهم‌السلام.

مس الفرج لا ينقض الوضوء :

وذهب الشافعي إلى أن مس الفرج من نواقض الوضوء ، وتمسك بذلك بما روى عن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعائشة وسعيد ابن المسيب ، وسليمان بن يسار من ان مس الفرج من نواقض الوضوء ، أما الامام ابو جعفر (ع) وسائر أئمة اهل البيت (ع) فانهم لا يرون ذلك ، روى زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال : « ليس في القبلة ولا المباشرة ، ولا مس الفرج وضوء » (٢٥٦) ويضاف إلى ذلك ثبوت حكم الطهارة وجريان استصحابها ، وان نقضها يحتاج الى دليل.

الجهر فى صلاة الاخفات :

وذهب فقهاء المذاهب الاسلامية إلى أن الجهر في صلاة الاخفات أو الاخفات في صلاة الجهر متعمدا غير مبطل للصلاة ، أما في فقه مذهب أهل البيت (ع) فانه مبطل للصلاة فقد روى زرارة عن الامام أبي جعفر (ع) في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه أو اخفى فيا لا ينبغي

__________________

(٢٥٥) روضة الواعظين ( ص ٢٤٣ ).

(٢٥٦) الخلاف ١ / ٢٣.

٢٢٥

الاخفاء فيه ، فقال (ع) : ان فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الاعادة ، وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته (٢٥٧).

الصلاة على آل النبي في التشهد :

وذهب اكثر فقهاء المسلمين الى وجوب الصلاة على النبي (ص) في التشهد ، وقد روى جابر الجعفي عن الامام أبي جعفر (ع) أنه قال : قال رسول الله (ص) : « من صلى صلاة لم يصل فيها علي ، ولا على أهل بيتي لم تقبل منه (٢٥٨).

هذه بعض المسائل الفقهية التي أدلى بها الامام أبو جعفر (ع) ومعظم أبواب الفقه اصولا وفروعا قد اخذت عنه ، كما ذكرنا ذلك.

علم الاصول :

من العلوم التي فتق أبوابها الامام الباقر (ع) علم الاصول ، وهو من أجل العلوم الاسلامية بعد علم الفقه لأن الاجتهاد يتوقف عليه فانه لا يكون المجتهد قد حصل على ملكة الاجتهاد حتى يجتهد في بحوث هذا العلم (٢٥٩).

وقد اتفق البحاث والعلماء على أن الامام أبا جعفر (ع) هو اسبق من اسس هذا العلم ، وارسى قواعده ، يقول السيد حسن الصدر : « ان أول من فتح بابه ـ أي باب علم الاصول ـ وفتق مسائله هو باقر العلوم الامام أبو جعفر محمد بن علي الباقر (ع) وبعده ابنه أبو عبد الله

__________________

(٢٥٧) الخلاف ١ / ١٣٠.

(٢٥٨) الخلاف ١ / ١٣١.

(٢٥٩) كفاية الاصول الجزء الثاني باب الاجتهاد والتقليد.

٢٢٦

الصادق (ع) وقد امليا فيه على جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله جمعوا من ذلك مسائل رتبها المتأخرون على ترتيب مباحثه ككتاب ( اصول آل الرسول ) وكتاب « الفصول المهمة في أصول الأئمة » وكتاب « الاصول الاصيلة » كلها بروايات الثقات مسندة ، متصلة الاسناد إلى أهل البيت عليهم‌السلام. » (٢٦٠).

وفيما يلي بعض القواعد الاصولية التي أسسها الامام (ع) أو نقلها عن اجداده الطاهرين ، وإليها يرجع الفقهاء عند عدم النص على الحكم الشرعي. وان كانت الكثير منها قواعد فقهية إلا ان علماء الاصول ذكروها استطرادا في علم الاصول ونحن نذكرها كذلك.

الاستصحاب :

وهو احد الاصول الأربعة التي يرجع إليها الشاك في مقام العمل ، أما سبب شكه فيرجع اما إلى فقدان النص أو اجماله ، أو الى تعارض النصوص وتساقطها فيما إذا تكافأت ، ولم يكن أحدهما ارجح من الآخر ، ولا يجري الاستصحاب حتى يتوفر في المستصحب اليقين السابق والشك اللاحق ، وقد نص الامام (ع) على حجية الاستصحاب في كثير من المسائل التي سئل عنها خصوصا في أبواب الشك في الصلاة ، وقد ذكرت تلك الاخبار في ( وسائل الشيعة ) وغيرها من الموسوعات الفقهية.

قاعدة التجاوز :

وتعنى هذه القاعدة الحكم بوجود الشيء المشكوك بعد الدخول في غيره مما هو مترتب عليه (٢٦١) كما إذا شك في القراءة وقد ركع ، وقد

__________________

(٢٦٠) الشيعة وفنون الاسلام ( ص ٩٥ ).

(٢٦١) حقائق الاصول ٢ / ٥٤٧.

٢٢٧

تظافرت الاخبار عن الامام الباقر (ع) وولده الامام الصادق (ع) في عدم العناية بالشك والمضي في الصلاة.

قاعدة الفراغ :

وهي عبارة عن الحكم بصحة الفعل الموجود في ظرف الشك في صحته (٢٦٢) وقد استفيدت هذه القاعدة من موثق محمد بن مسلم عن الامام أبي جعفر (ع) قال : « كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو » (٢٦٣) كما دلت على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) جاء فيها « كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فأمضى ولا تعد » (٢٦٤) وعلى ضوء الموثقة والصحيحة افتى فقهاء الامامية بعدم الاعتناء بالشك في افعال الصلاة بعد الفراغ منها.

قاعدة نفي الضرر :

من القواعد المهمة في التشريع الاسلامي قاعدة « نفي الضرر » ومفادها نفي الحكم المؤدي إلى الضرر ـ كما يرى ذلك الشيخ الانصاري ـ ويترتب عليها كثير من الاحكام ذكرها الفقهاء ، وقد نص الامام أبو جعفر (ع) على مدرك هذه القاعدة فقد قال (ع) : لزرارة : إن سمرة بن

__________________

(٢٦٢) حقائق الاصول ٢ / ٥٤٧.

(٢٦٣) مستمسك العروة الوثقى ٧ / ٣٥٠.

(٢٦٤) مستمسك العروة الوثقى ٧ / ٣٤٩.

٢٢٨

جندب (٢٦٥) كان له عذق (٢٦٦) في حائط لرجل من الانصار ، وكان منزل الانصاري بباب البستان ، وكان سمرة يمر إلى نخلته ولا يستأذن ، فكلمه الانصاري أن يستأذن اذا جاء فأبى سمرة فجاء الانصاري إلى النبي (ص) فشكى إليه ، وأخبره بالخبر ، فأرسل رسول الله (ص) إليه واخبره بقول الانصاري ، وما شكاه ، فقال (ص) : إذا اردت الدخول فاستأذن فأبى ، فلما أبى ساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله ، فأبى أن يبيعه ، فقال (ص) : لك بها عذق في الجنة ، فأبى أن يقبل ، فقال رسول الله (ص) للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه (٢٦٧) فانه لا ضرر ولا ضرار (٢٦٨).

وقد ذكر الاصوليون مفاد هذا الحديث ، وشرحوا مفردات الفاظه ، وما يترتب عليه من الاحكام.

__________________

(٢٦٥) سمرة بن جندب الصحابي الكذاب كان من سماسرة معاوية واعوانه على نشر الظلم والارهاب ، استعمله زياد بن أبيه واليا على البصرة فأسرف في قتل الابرياء فقتل ـ فيما يقول المؤرخون ثمانية آلاف ، وفي تأريخ الطبري ٦ / ٦٣٢ ان أبا سوار العدوي قال : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة واربعين رجلا ممن جمع القرآن ، وقد تحدثنا بصورة مفصلة عن جرائمه في كتابنا « حياة الامام الحسن » ٢ / ١٨٦ ـ ١٩١.

(٢٦٦) العذق : ـ بفتح العين ـ النخلة ، وبكسرها عنقود التمر.

(٢٦٧) في رواية الحذاء عن الامام أبي جعفر (ع) : « ما أراك يا سمرة إلا مضار اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه؟

(٢٦٨) إيضاح الكفاية ٣ / ٤٣٩ مخطوط للمؤلف.

٢٢٩

علاج التعارض :

ووردت أخبار كثيرة عن أئمة أهل البيت (ع) متعارضة في مدلولها بين النفي والايجاب في موضوع واحد ، ومن المعلوم استحالة هذا اللون من التناقض في احاديث الأئمة ، اما سبب التعارض فلا يخلو من أحد أمرين « الأول » صدور أحدهما للتقية ، فقد ابتلي الأئمة الطاهرون بفراعنة زمانهم الذين جهدوا على ظلمهم ، والتنكيل بهم وبشيعتهم ، وقد احاطوا مجالسهم بمباحثهم لحجبهم عن المسلمين ، فكانت ظروفهم قاسية وحرجة ، فاذا سألوا عن مسألة ، وشكوا في أمر السائل أو كان في المجلس من يخافون منه افتوا بالمسألة على وفق رأي الجمهور حذرا من التنكيل ، وسنتحدث عن هذه الجهة بالتفصيل في البحوث الآتية « الثاني » أن يكون أحد الخبرين من الموضوعات عليهم فان وضع الحديث وافتعاله قد كثر في تلك العصور ، وسنعرض لذلك عند البحث عن مشاكل عصر الامام.

وكانت معرفة الخبر الصحيح وتميزه عن غيره في مجالات التعارض تهم المتحرجين في دينهم من الرواة فخفوا إلى الامام أبي جعفر (ع) وسألوه عن ذلك فوضع (ع) البرامج العلاجية لذلك وهي :

١ ـ الشهرة :

ونعنى بها الشهرة في الرواية لا في الفتوى فاذا كان أحد الخبرين المتعارضين مشهورا بين الرواة فيؤخذ به ، واما الشاذ النادر من الخبرين فيطرح يقول (ع) : لزرارة « يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ،

٢٣٠

ودع الشاذ النادر » (٢٦٩) ومعنى هذا ان الشاذ النادر من الخبرين يطرح ولا يؤخذ به ، ويعول على الخبر المشهور بين الرواة.

٢ ـ موافقة الكتاب والسنة :

والمقياس الثاني الذي وضعه الامام أبو جعفر لعلاج التعارض هو عرض الخبرين المتعارضين على الكتاب والسنة فان اتفق أحدهما مع منطوق الكتاب والسنة فيؤخذ به ويطرح الآخر يقول (ع) لبعض أصحابه : « لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه ».

٣ ـ الترجيح بالصفات :

الطريق الثالث : لمعرفة الخبر الصحيح هو النظر في صفات الراوي من حيث الوثاقة والعدالة ، فتقدم روايته على من لا تتوفر فيه هذه الصفات ، يقول الامام أبو جعفر لزرارة : « خذ بما يقوله أعدلهما عندك ، وأوثقهما ».

ودلت هذه الرواية على أن عدالة الراوي ووثاقته من موجبات الترجيح لأحد الخبرين المتعارضين على الآخر ... وبهذا ينتهي بنا الحديث عن القواعد الاصولية التي القاها الامام (ع) في بحوثه ومحاضراته.

بحوث اقتصادية :

وعرض الامام (ع) في محاضراته وسيرته الى أهم المباحث الاقتصادية ، وهذه بعضها :

__________________

(٢٦٩) غوالي اللئالي لأبي جمهور الاحسائي ، رواه عن العلامة مرفوعا إلى زرارة.

٢٣١

١ ـ ضرورة تحسين المعيشة :

ودعا الامام (ع) إلى الجد والسعي في طلب المعيشة لينعم الانسان مع عائلته بالرفاه والرخاء ، ويتجنب الفقر والبؤس ، قال (ع) :

« من تسلح لطلب المعيشة خفت مئونته ، ورخا باله ، ونعم عياله .. »

قال (ع) : « بسعة الخلق تطيب المعيشة .. »

إن التسلح لطلب المعيشة والجد فيها مما يوفر للإنسان الحياة الاقتصادية الحافلة بالرخاء والنعم ، وهدوء البال والاستقرار ، وان الحياة إنما تطيب وتنعم اذا كانت في ظلال الرخاء لا في ظلال البؤس والشقاء.

٢ ـ التحذير من الكسل :

وحذر الامام أبو جعفر (ع) من الكسل لأنه موجب لشل الحركة الاقتصادية وتجميد الطاقات الانسانية ، ونشر الفساد في الأرض ، يقول عليه‌السلام : « الكسل يضر بالدين والدنيا » (٢٧٠).

أما ان الكسل يضر بالدين فانه يمنع من ذكر الله واداء فرائضه وواجباته فان الكسول يتقاعس عن الاتيان بالواجبات الدينية ، وأي ضرر اعظم من هذا الضرر؟ واما إنه يضر بالدنيا فان الكسول ـ دائما ـ يميل إلى الخمول ، ويرغب أن يعيش حياة بائسة تسودها الحاجة والفقر ولا يدخل في ميادين العمل التي تضمن له الرخاء والسعادة.

وحذر (ع) بعض ابنائه من الكسل فقال له : « إياك والكسل والضجر فانهما مفتاح كل شر ، من كسل لم يؤد حقا ، ومن ضجر لم يصبر على حق .. » (٢٧١)

__________________

٢٧٠ و ٢٧١ تحف العقول.

٢٣٢

ان الاسلام ـ بكل اعتزاز يريد انطلاق الانسان في هذه الحياة يريده ان يعمل وينتج ، كما يريد له أن يؤدي حقوق الناس ، ويرتبط معهم ، ويؤدي ما عليه من الواجبات ، ومن الطبيعي ان الانسان اذا اصيب بداء الكسل فانه يهمل حقوق الله وحقوق الناس.

٣ ـ مقت لتارك العمل :

كان الامام أبو جعفر (ع) يمقت تارك العمل لأنه يؤدي إلى ضعف الانتاج ، وزيادة البطالة ، وانتشار الازمات الاقتصادية في البلاد ، يقول (ع) : « اني أجدني امقت الرجل يتعذر عليه المكاسب فيستلقي على قفاه ، ويقول : اللهم ارزقني ، ويدع أن ينتشر في الأرض ، ويلتمس من فضل الله والذرة (٢٧٢) تخرج من جحرها تلتمس رزقها. » (٢٧٣)

٤ ـ العمل طاعة لله :

وكان الامام أبو جعفر (ع) يرى أن في العمل طاعة لله ، فكان (ع) يعمل بنفسه في اصلاح ارض له ، يقول محمد بن المنذر : خرجت إلى بعض نواحي المدينة ، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي (ع) وكان بادنا ثقيلا ، وهو متّكئ على غلامين أسودين ، وموليين ، فقلت في نفسي : سبحان الله شيخ من اشياخ قريش في هذه الحالة ، وفي هذه الساعة يخرج في طلب الدنيا!! أما اني لأعظنه ، فدنوت منه ، فسلمت عليه ، وهو يتصاب عرقا ، فقلت له :

« أصلحك الله ، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة يخرج لطلب

__________________

(٢٧٢) الذرة : النملة الصغيرة.

(٢٧٣) العمل وحقوق العامل في الاسلام الطبعة الثانية ( ص ١٣٩ ).

٢٣٣

الدنيا؟!! أرأيت لو جاء أجلك على هذه الحالة ما كنت تصنع؟ .. »

فاجابه الامام بمنطق الاسلام قائلا :

« لو جاءني الموت ، وأنا في طاعة من طاعات الله عز وجل اعمل فاكف نفسي وعيالي عنك وعن الناس ، وإنما كنت اخاف لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله .. »

فخجل محمد ، ولم يطق جوابا ، وانبرى يقول : « صدقت يرحمك الله أردت أن اعظك فوعظتني .. »

ان العمل طاعة من طاعات الله ـ على حد تعبير الامام ـ لأن به كف النفس ، وكف العيال من الاحتياج عما في أيدي الناس.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض البحوث الاقتصادية التي خاضها الامام (ع) كما ينتهي بنا الحديث عن العلوم التي عرضها في بحوثه ومحاضراته.

مع العلم والعلماء :

وتحدث الامام أبو جعفر (ع) كثيرا عن أهمية العلم ، وحث على طلبه لأنه الدعامة الأولى الذي ترتكز عليه حياة الأمم والشعوب ، كما اشاد (ع) بفضل العلماء لأنهم مصدر الوعي والتوجيه للأمة ، وفيما يلي بعض ما أثر عنه في ذلك.

١ ـ فضل العلم :

ومجد الامام أبو جعفر (ع) العلم ، ودعا إليه ، وحث على طلبه ، وأثنى على طلابه ، يقول (ع) :

« تعلموا العلم فان تعلمه جنة ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ،

٢٣٤

والبحث عنه جهاد ، وتعليمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، والعلم منار الجنة ، وانس الوحشة ، وصاحب في الغربة ، ورفيق في الخلوة ، ودليل على السراء ، وعون على الضراء ، وزين عند الاخلاء ، وسلاح على الاعداء ، يرفع الله به قوما ليجعلهم في الخير أئمة ، يقتدى بفعالهم ، وتقتص آثارهم ، ويصلي عليهم كل رطب ويابس ، وحيتان البحر وهوامه ، وسباع البر وانعامه .. » (٢٧٤)

لا اعرف كلمة مجدت العلم ، وقيمت أهله ، واحاطت بثمراته وفوائده كهذه الكلمة الذهبية التي من حقها أن ترسم في معاهد العلم وجامعاته.

٢ ـ فضل العالم :

واشاد (ع) بفضل العالم ، وبين مكانته الاجتماعية ، وما أعد الله له من مزيد الأجر ، وفيما يلي بعض ما أثر عنه.

أ ـ قال (ع) : « عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد .. » (٢٧٥)

ب ـ قال (ع) : « من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص اولئك من أجورهم شيئا ، ومن علم باب ضلالة كان عليه مثل وزر من عمل به ولا ينقص اولئك من أوزارهم شيئا .. » (٢٧٦)

ج ـ قال (ع) : « ما من عبد يغدو في طلب العلم ويروح إلا خاض الرحمة خوضا .. » (٢٧٧)

__________________

(٢٧٤) تذكرة ابن حمدون ( ص ٢٦ ).

(٢٧٥) جامع بيان العلم وفضله ١ / ٣٢ ، جامع السعادات ١ / ١٠٤ ، تحف العقول ( ص ٢٩٤ ).

(٢٧٦) أصول الكافي ١ / ٣٤.

(٢٧٧) ناسخ التواريخ ٢ / ٢٠٥.

٢٣٥

٣ ـ مجالسة العلماء والمتقين :

وحث الامام (ع) على مجالسة العلماء والمتحرجين في دينهم للاستفادة من هديهم وسلوكهم يقول (ع) : « لمجلس أجلسه الى من أثق به ، أوثق في نفسي من عمل سنة .. » (٢٧٨)

٤ ـ مذاكرة العلم :

ودعا (ع) إلى المذاكرة في العلوم لأنها تفتح آفاقا واسعة في ميادين المعرفة والعلم يقول (ع) : « تذاكر العلم دراسة ، والدراسة صلاة حسنة. » (٢٧٩)

٥ ـ آداب المتعلم :

ووضع (ع) البرامج الرائعة لآداب المتعلمين يقول (ع) : « إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول : وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول ، ولا تقطع على أحد حديثه ... » (٢٨٠)

٦ ـ بذل العلم :

ودعا (ع) إلى بذل العلم واشاعته بين الناس حتى لا يبقى جاهل يقول (ع) : « زكاة العلم أن تعلمه عباد الله » (٢٨١) وقال (ع) : « ان الذي تعلم العلم منكم له أجر مثل الذي يعلمه ، وله الفضل عليه ،

__________________

(٢٧٨) أصول الكافي ١ / ٣٤.

(٢٧٩) أصول الكافي ١ / ٤١.

(٢٨٠) ناسخ التواريخ ٢ / ٢٠٥.

(٢٨١) أصول الكافي ١ / ٤١.

٢٣٦

تعلموا العلم من حملة العلم ، وعلموه إخوانكم كما علمكم العلماء » (٢٨٢).

٧ ـ الحث على التعلم :

وحث الامام على التعلم والسؤال من أهل العلم يقول (ع) : « العلم خزائن والمفاتيح السؤال ، فاسألوا يرحمكم الله فانه يؤجر في العلم أربعة السائل والمتكلم ، والمستمع ، والمحب لهم. » (٢٨٣)

٨ ـ التفقه في الدين :

ودعا (ع) الى التفقه في الدين ، ومعرفة الحلال والحرام ، قال (ع) :

« الكمال كل الكمال التفقه في الدين ، والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة. » (٢٨٤)

إن التفقه في الدين مما يحفظ توازن الانسان وسلوكه ، ويبعده عن اقتراف أي شذوذ أو انحراف عن الدين.

٩ ـ العمل بالعلم :

وحث (ع) أهل العلم بتطبيق ما علموه على واقع حياتهم ، يقول عليه‌السلام : « اذا سمعتم العلم فاستعملوه ، ولتتسع قلوبكم ، فان العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدّر الشيطان عليه ، فاذا خاصمكم الشيطان ، فاقبلوا عليه بما تعرفون ، فان كيد الشيطان كان ضعيفا ، فقال له ابن أبي ليلى : وما الذي نعرفه؟ قال (ع) : خاصموه بما ظهر

__________________

(٢٨٢) ناسخ التواريخ ٢ / ٢٠٥.

(٢٨٣) الخصال ( ص ٢٢٣ ).

(٢٨٤) أصول الكافي ١ / ٣٢.

٢٣٧

لكم من قدرة الله عز وجل. » (٢٨٥)

١٠ ـ قبول العمل بالمعرفة :

والمعرفة شرط في قبول العمل ، فمن يعمل من دون معرفة الله ولا للواجب الذي يؤديه فلا أثر لعمله قال (ع) : « لا يقبل عمل إلا بمعرفة ، ولا معرفة إلا بعمل ، ومن عرف دلته معرفته على العمل ، ومن لا يعرف فلا عمل له .. » (٢٨٦)

١١ ـ ذم المباهاة بطلب العلم :

وحذر الامام أبو جعفر (ع) من المباهاة والافتخار بطلب العلم ، وحث أهل العلم ان يجهدوا نفوسهم على التقرب به إلى الله ، وأن يلتمسوا به الدار الآخرة قال (ع) : « من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء ، أو يعرف به وجوه الناس فليتبوّأ مقعده من النار ، ان الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها .. » (٢٨٧)

ان هذه الدواعي الفاسدة ، والاغراض السقيمة لتحبط الأجر الجزيل الذي أعده الله لطالب العلم الديني الذي هو داعية الله في الأرض ، وعليه ان أراد النجاح في الدنيا والسعادة في الآخرة ان يخلص في نيته لله ، ولا يبتغي غير وجهه.

١٢ ـ الفتوى بغير علم :

واثرت عن الامام أبي جعفر (ع) عدة احاديث تنهى عن الفتيا

__________________

(٢٨٥) أصول الكافي ١ / ٤٥.

(٢٨٦) تحف العقول ( ص ٢٩٤ ).

(٢٨٧) اصول الكافي ١ / ٤٧ ، جامع السعادات ١ / ١٠٦.

٢٣٨

بغير علم لأنها مصدر لغواية الناس وضلالهم ، وهذه بعض ما أثر عنه.

أ ـ قال (ع) : « من افتى الناس بغير علم ، ولا هدى لعنته ملائكة الرحمن وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه .. » (٢٨٨)

ب ـ قال (ع) : « ما علمتم فقولوا : وما لم تعلموا فقولوا : الله اعلم ، ان الرجل ينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض .. » (٢٨٩)

ج ـ سأل زرارة الامام أبا جعفر (ع) فقال له : ما حق الله على العباد؟ قال (ع) : « ان يقولوا ما يعلمون ، ويقفوا عند ما لا يعلمون .. » (٢٩٠)

د ـ قال (ع) : « للعالم اذا سئل عن شيء وهو لا يعلمه أن يقول : الله أعلم وليس لغير العالم أن يقول ذلك .. » (٢٩١)

١٣ ـ صفات العالم :

وتحدث الامام أبو جعفر (ع) في كثير من احاديثه عن صفات العلماء وهذه بعضها :

أ ـ قال (ع) : « لا يكون العبد عالما حتى لا يكون حاسدا لمن فوقه ، ولا محقرا لمن دونه .. » (٢٩٢)

ان العالم إنما يكون عالما فيما إذا صفت نفسه من الحسد الذي هو من اعظم الآفات النفسية ، فهو الذي يلقي الناس في البلاء ، ويجر لهم

__________________

(٢٨٨) اصول الكافي ١ / ٤٢.

(٢٨٩) أصول الكافي ١ / ٤٣.

(٢٩٠) أصول الكافي ١ / ٤٢.

(٢٩١) تحف العقول ( ص ٢٩٧ ).

(٢٩٢) تحف العقول ( ص ٢٩٤ ).

٢٣٩

الويلات والخطوب ، كما ان العالم لا يكون عالما فيما إذا احتقر من دونه فانه ينم عن عدم انتفاعه بالعلم الذي يدعو الى تكريم الناس ، ومقابلتهم بالاخلاق الرفيعة ، فان الرسول (ص) إنما بعث ليتمم مكارم الاخلاق ، وإذا تجرد العالم من هذه الظاهرة فقد شذ عن سنن الرسول (ص) واخلاقه.

ب ـ قال (ع) : « ان الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة ، المتمسك بسنة النبي (ص) .. » (٢٩٣)

ج ـ قال (ع) : اذا رأيتم القارئ ـ أي العالم ـ يحب الاغنياء فهو صاحب دنيا ، واذا رأيتموه يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص .. » (٢٩٤)

ان حب العالم للأغنياء إنما هو للطمع في أموالهم ، وما يستفيده منهم وهذا ليس من اخلاق العلماء الذين أمروا أن يرجوا ما عند الله ، ولا يرجون غيره ، واما ملازمة السلطان من غير حاجة ، ولا ضرورة فانه ينم عن عدم واقعية ذلك العالم ، وانه لص ـ على تعبير الامام ـ وهجأ محمود الوراق العلماء الذين لازموا دوائر السلطان يقول :

ركبوا المراكب واغتدوا

زمرا الى باب الخليفة

وصلوا البكور الى الرواح

ليبلغوا الرتب الشريفة

حتى إذا ظفروا بما طلبوا

من الحال اللطيفة

وغدا الموالي منهم فرحا

بما تحوى الصحيفة

وتعسفوا من تحتهم

بالظلم والسير العنيفة

__________________

(٢٩٣) أصول الكافي ١ / ٧٠.

(٢٩٤) الامام الصادق ( ص ٢٤ ) لأبي زهرة.

٢٤٠