حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

ما سلكه اغلب مفسري الشيعة كتفسير القمي ، والعسكري ، والبرهان وغيرها وحجتهم في ذلك أن أهل البيت (ع) هم المخصوصون بعلم القرآن على واقعه وحقيقته ، وليس لغيرهم في ذلك أي نصيب ، وقد اشار الى ذلك الامام أبو جعفر (ع) بقوله : « ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الاوصياء » (١٢٥) فالأوصياء هم الذين عندهم علم الكتاب ، ظاهره وباطنه ، وقد تظافرت الأدلة على وجوب الرجوع إليهم في تفسير القرآن ، يقول الشيخ الطوسي : ان تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي (ص) وعن الأئمة الذين قولهم حجة كقول النبي (ص) (١٢٦).

التفسير بالرأي :

ويراد به الأخذ بالاعتبارات العقلية الظنية الراجعة الى الاستحسان (١٢٧) وقد ذهب الى ذلك المفسرون من المعتزلة والباطنية ، فلم يعنوا بما أثر عن اوصياء رسول الله (ص) في تفسيرهم ، وإنما استندوا الى ما يرونه من الاستحسانات العقلية ، وقد نهى عن ذلك الامام أبو جعفر (ع) فقد دخل عليه قتادة الفقيه المشهور فقال له الامام :

« أنت فقيه أهل البصرة؟ »

« نعم هكذا يزعمون .. »

« بلغني أنك تفسر القرآن .. »

__________________

(١٢٥) الوافي ٢ / ١٣٠.

(١٢٦) التبيان ١ / ٤.

(١٢٧) فرائد الاصول للأنصاري.

١٨١

« نعم .. »

فانكر عليه الامام ذلك قائلا :

« يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، يا قتادة ويحك إنما يعرف القرآن من خوطب به .. » (١٢٨)

وقد قصر الامام أبو جعفر (ع) معرفة الكتاب العزيز على أهل البيت (ع) فهم الذين يعرفون المحكم من المتشابه ، والناسخ من المنسوخ وليس عند غيرهم هذا العلم ، وقد أثر عن الأئمة (ع) القول : « انه ليس شيء أبعد من عقول الرجل من تفسير القرآن ، الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف الى وجوه » (١٢٩).

أما الأخذ بظواهر الكتاب فلا يعد من التفسير بالرأي المنهى عنه ، وقد خالف في حجيتها بعض المحدثين ، وتمسكوا بأدلة قد فندت من قبل علماء الاصوليين (١٣٠).

تفسير الامام الباقر :

وألف الامام أبو جعفر (ع) كتابا في تفسير القرآن الكريم نص عليه محمد بن اسحاق النديم في « الفهرست » عند عرضه للكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم قال : « كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين

__________________

(١٢٨) البيان في تفسير القرآن ( ص ٢٦٧ ).

(١٢٩) فرائد الاصول ( ص ٢٨ ).

(١٣٠) يراجع في ذلك فرائد الاصول للشيخ الانصاري ، والبيان.

في تفسير القرآن.

١٨٢

رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية » وقال السيد حسن الصدر : وقد رواه عنه أيام استقامته جماعة من ثقاة الشيعة منهم أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي ، وقد اخرجه علي بن ابراهيم بن هاشم القمي في تفسيره من طريق أبي بصير (١٣١) ويقول الرواة : أن جابر بن يزيد الجعفي ألف كتابا في تفسير القرآن أخذه من الامام (١٣٢).

نماذج من تفسيره :

وروى عنه المفسرون الشيء الكثير من تفسير آيات القرآن الكريم ، وهذه بعضها :

١ ـ قوله تعالى : ( أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ) (١٣٣) قال (ع) : الغرفة : هي الجنة وهي جزاء لهم بما صبروا على الفقر في الدنيا » (١٣٤).

٢ ـ قوله تعالى : ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ) (١٣٥) سئل أبو جعفر (ع) عن غضب الله؟ فقال (ع) : طرده وعقابه » (١٣٦).

٣ ـ قوله تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَ

__________________

(١٣١) تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام ( ص ٣٢٧ ) الفهرست للشيخ الطوسي ( ص ٩٨ ) وحقق هذا التفسير المحامي السيد شاكر الغرباوي إلا انه لم يقدمه للنشر.

(١٣٢) النجاشي.

(١٣٣) سورة الفرقان : آية ٧٠.

(١٣٤) البداية والنهاية ٩ / ٣٠١.

(١٣٥) سورة طه : آية ٨٢.

(١٣٦) الفصول المهمة ( ص ٢٢٧ ).

١٨٣

اهْتَدى ) (١٣٧) فسر (ع) الهداية بالولاية لأئمة أهل البيت وقال : فو الله لو ان رجلا عبد الله عمره ما بين الركن والمقام ، ولم يجيء بولايتنا إلا اكبه الله في النار على وجهه » (١٣٨).

٤ ـ قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (١٣٩) قال (ع) : يعني بذلك تبليغ ما أنزل الى الرسول (ص) في فضل علي (١٤٠) وقد روى (ع) أن الله اوحى الى نبيه أن يستخلف عليا فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من اصحابه فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره الله بادائه (١٤١).

٥ ـ قوله تعالى : ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ) (*) نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي الذي اتهم النبي (ص) بالسحر ، وكان الوليد يسمى في قومه الوحيد ، والآية سيقت على وجه التهديد له ، وقد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر انه قال : الوحيد ولد الزنا ، وقال زرارة ذكر لأبي جعفر ان أحد بني هشام قال في خطبته أنا ابن الوحيد فقال : ويله لو علم ما الوحيد ما فخر بها :! فقلنا له : وما هو؟

قال : من لا يعرف له أب (١٤٢).

__________________

(١٣٧) سورة طه : آية ٨٣.

(١٣٨) مجمع البيان ٧ / ٢٣ طبع بيروت.

(١٣٩) سورة المائدة : آية ٦٧.

(١٤٠) خصائص الوحي المبين ( ص ٣٠ ).

(١٤١) مجمع البيان ٤ / ٢٢٣.

(*) سورة المدثر : آية ١١.

(١٤٢) مجمع البيان ١٠ / ٣٨٧.

١٨٤

٦ ـ قوله تعالى : ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها. ) (١٤٣) قال (ع) : تنزل الملائكة والكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون في السنة من أمور ما يصيب العباد ، والأمر عنده موقوف له فيه على المشيئة فيقدم ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب » (١٤٤).

٧ ـ قوله تعالى : ( فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ) (١٤٥) المراد من الآية أن الغاوين والقوى الكافرة يجمعون ويطرح بعضهم على بعض في النار قال الامام أبو جعفر (ع) « انها نزلت في قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه الى غيره » (١٤٦).

٨ ـ قوله تعالى : ( وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (١٤٧) قال (ع) : في تفسيره للآية انه تعالى اعظم واعز واجل وأمنع من أن يظلم ، ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته حيث يقول : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) يعني الأئمة منا ، ثم قال : في موضع آخر ( وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (١٤٨).

٩ ـ قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١٤٩). روى محمد بن مسلم قال : قلت : للإمام أبي جعفر إن من عندنا يزعمون أن المعنيين بالآية هم اليهود والنصارى؟ قال : إذا يدعونكم إلى دينهم ،

__________________

(١٤٣) سورة القدر : آية ٤.

(١٤٤) دعائم الاسلام ١ / ٣٣٤.

(١٤٥) سورة الشعراء : آية ٩٤.

(١٤٦) اصول الكافي ١ / ٤٧.

(١٤٧) سورة البقرة : آية ٥٧.

(١٤٨) أصول الكافي ١ / ١٤٦.

(١٤٩) سورة الأنبياء : آية ٧.

١٨٥

ثم اشار (ع) الى صدره فقال : نحن أهل الذكر ونحن المسئولون (١٥٠).

١٠ ـ قوله تعالى : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (١٥١) .. » قال (ع) : « نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولو الالباب » (١٥٢).

١١ ـ قوله تعالى : ( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (١٥٣) فسر الامام أبو جعفر ( الذين اوتوا العلم ) بأئمة أهل البيت (ع) (١٥٤) وروى أبو بصير أن الامام أبا جعفر قرأ هذه الآية وأومأ بيده الى صدره (١٥٥).

١٢ ـ قوله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) (١٥٦) روى جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال : لما نزلت هذه الآية قال المسلمون : يا رسول الله ألست امام الناس كلهم أجمعين؟ فقال (ص) : أنا رسول الله الى الناس أجمعين ، ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي يقومون في الناس فيكذبون ، ويظلهم أئمة الكفر والضلال واشياعهم ، فمن والاهم واتبعهم ، وصدقهم فهو مني ومعي ، وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ، ولا معي ، وانا منه بريء .. » (١٥٧)

__________________

(١٥٠) أصول الكافي ١ / ٢١١.

(١٥١) سورة الزمر : آية ٩.

(١٥٢) أصول الكافي ١ / ٢١٢.

(١٥٣) سورة العنكبوت : آية ٤٩.

(١٥٤) مجمع البيان ٧ / ٢٨٨.

(١٥٥) أصول الكافي ١ / ٢١٢.

(١٥٦) سورة الاسراء : آية ١٧.

(١٥٧) اصول الكافي ١ / ٢١٥.

١٨٦

١٣ ـ قوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ) (١٥٨).

وسأل سالم الامام أبا جعفر عن هذه الآية فقال (ع) : السابق بالخيرات الامام ، والمقتصد العارف للإمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الامام (١٥٩) وروى زياد بن المنذر عنه (ع) انه قال : اما الظالم لنفسه فمن عمل صالحا وآخر سيئا ، واما المقتصد فهو المتعبد المجتهد واما السابق بالخيرات فعلي والحسن والحسين ومن قتل من آل محمد (ص) شهيدا (١٦٠).

١٤ ـ قوله تعالى : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) (١٦١) قال (ع) :

قال أمير المؤمنين (ع) : كان رسول الله (ص) المتوسم ، وأنا من بعده والأئمة من ذريتي المتوسمون (١٦٢).

١٥ ـ قوله تعالى : ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) (١٦٣) قال (ع) : يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) والاوصياء من ولده ، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقا يعني اشربنا قلوبهم الايمان ، والطريقة : هي الايمان بولاية علي والاوصياء (١٦٤).

__________________

(١٥٨) سورة فاطر : آية ٣٢.

(١٥٩) اصول الكافي ١ / ٢١٤.

(١٦٠) مجمع البيان ٧ / ٤٠٩.

(١٦١) سورة الحجر : آية ٧٥.

(١٦٢) أصول الكافي ١ / ٢١٩.

(١٦٣) سورة الجن : آية ١٦.

(١٦٤) اصول الكافي ١ / ٢٢٠.

١٨٧

١٦ ـ قوله تعالى : ( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (١٦٥) سأل بريد بن معاوية الامام أبا جعفر (ع) عن المعنيين بقوله تعالى : ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ )؟ فقال (ع) : ايانا عنى ، وعلي اولنا ، وافضلنا وخيرنا بعد النبي (ص) (١٦٦).

١٧ ـ قوله تعالى : ( فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. ) (١٦٧) سأل بريد العجلي الامام أبا جعفر (ع) عن هذه الآية؟ فقال (ع) : جعل في آل ابراهيم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرونه في آل ابراهيم ، وينكرونه في آل محمد (ص)؟ قال بريد : وما المراد ( وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) قال : الملك العظيم ان جعل فيهم أئمة من اطاعهم اطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم (١٦٨).

١٨ ـ قوله تعالى : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) (١٦٩) سئل (ع) عن الروح فقال : هي القدرة (١٧٠).

١٩ ـ قوله تعالى : ( لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) (١٧١) قال (ع) :

__________________

(١٦٥) سورة الرعد : آية ٤٣.

(١٦٦) أصول الكافي ١ / ٢٢٩ مجمع البيان ٦ / ٣٠١ روى عن أبي جعفر أنها نزلت في آل البيت.

(١٦٧) سورة النساء : آية ٥٤.

(١٦٨) أصول الكافي ١ / ٢٠٦.

(١٦٩) سورة الحجر : آية ٢٩.

(١٧٠) تفسير البرهان ( ص ٥٥٨ ).

(١٧١) سورة يوسف : آية ٢٤.

١٨٨

لجابر الجعفي ما يقول فقهاء العراق في هذه الآية؟ قال جابر : رأى يعقوب عاضا على ابهامه ، فقال (ع) : ، حدثني أبي عن جدي علي ابن أبي طالب ان البرهان الذي رآه انها حين همت به ، وهمّ بها أي طمع فيها ، فقامت الى صنم مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض خشية أن يراها أو استحياء منه ، فقال لها يوسف : ما هذا؟ فقالت : الهي استحي منه أن يراني على هذه الصورة ، فقال يوسف : تستحي من صنم لا ينفع ولا يضر ، ولا يبصر ، أفلا استحي أنا من الهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت ، ثم قال : والله لا تنالين مني أبدا ، فهو البرهان (١٧٢).

هذه بعض الآيات التي فسرها الامام ابو جعفر (ع) وبها ينتهي بنا الحديث عن تفسيره للقرآن الكريم.

علم الكلام :

وبحث الامام أبو جعفر في كثير من محاضراته المسائل الكلامية ، وسئل عن أعقد المسائل وادقها في بحوث هذا العلم فأجاب عنها ، ومن الجدير بالذكر أن عصر الامام كان من اشد العصور الاسلامية حساسية فقد امتد فيه الفتح الاسلامي الى اغلب مناطق العالم وشعوب الارض فأثار ذلك موجة من الحقد في نفوس المعادين للإسلام من الشعوب المغلوبة على امرها ، ومن غيرها ، فقاموا بحملة دعائية ضد العقيدة الاسلامية فاذاعوا الشكوك والاوهام بين ابناء المسلمين ، وقد شجعت الحكومات الأموية الافكار المعادية للإسلام ، فلم يؤثر عن أي أحد من ملوك بين أمية انه

__________________

(١٧٢) البداية والنهاية ٩ / ٣١٠.

١٨٩

قاومها او تصدى لايقافها وعدم نشرها بين المسلمين ولم يكن هناك أحد قد انبرى الى انقاذ المسلمين في ذلك العصر سوى الامام أبي جعفر (ع) فقد تصدى الى تزييفها والرد عليها ببالغ الحجة والبرهان ، وسنعرض الى تفصيل ذلك عند البحث عن عصر الامام.

وعلى أي حال فهذه بعض البحوث الكلامية التي خاضها الامام وهي :

التوحيد :

وتناول الامام ابو جعفر (ع) أهم مسائل التوحيد ، فكشف الغطاء عنها وفند ما أثير حولها من أوهام وشكوك ، وكان من بين ما عرض له.

١ ـ عجز العقول عن ادراك حقيقة الله :

والشيء الذي لا جدال فيه ان الانسان بجميع ما يملك من طاقات فكرية فانه عاجز عن معرفة حقيقة الله ، لأن العقول في جميع تصوراتها محدودة يقول الشافعي : « ان للعقل حدا ينتهي إليه كما ان للبصر حدا ينتهي إليه ».

ان جميع الاشياء التي يتوصل إليها حس الانسان لا بد ان توجد في مكان ويجري عليها الزمان ، ولا يستطيع العقل ان يتخيل موجودات لا مكان لها أو اشياء لا يجري عليها الزمان ، وذات الله تعالى يعجز العقل أن يدرك واقعها لأنه لا يجري عليها الزمان ولا المكان فانه تعالى هو الذي خلقهما ، وبالاضافة الى ذلك فان في السكون أمورا كثيرة قد عجز العقل عن الاحاطة بكنهها ، والتي منها الحقيقة الغيبية فان العقل لم يهتد الى معرفتها.

ان ذات الله تعالى لا تدركها أوهام القلوب على مدى ما تحمل من

١٩٠

سعة الخيال فضلا عن ادراكها بالعين الباصرة فان كلا منهما محدود بحسب الزمان والمكان ، وقد أدلى بذلك الامام أبو جعفر (ع) حيث سئل عن قوله تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) (١٧٣) فقال (ع) : « أوهام القلوب ادق من ابصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ، ولا تدركها ببصرك ، وأوهام القلوب لا تدركه فكيف ابصار العيون؟ .. » (١٧٤)

ان البصر ينقلب خاسئا وهو حسير في تصوره لذات الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة ، يقول ابن أبي الحديد :

فيك يا اعجوبة الكون

غدا الفكر عليلا

كلما أقدم فكري

فيك شبرا فرّ ميلا

أنت حيرت ذوي

اللب وبلبلت العقولا (١٧٥)

إنه ليس هناك شيء ابعد من ادراك ذات الله تعالى فانها تمتنع على العقول وتعجز من ان تلم بأي جانب من جوانبها ، وقد سأل عبد الرحمن ابن أبي النجران الامام أبا جعفر عن الله تعالى فقال : إني اتوهم شيئا ، فقال (ع) له :

« نعم غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، ولا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام ، وهو خلاف ما يعقل ، وخلاف ما يتصور ، إنما يتوهم شيء ، غير معقول ولا محدود .. » (١٧٦)

__________________

(١٧٣) سورة الانعام : آية ١٠٣.

(١٧٤) نسب هذا الحديث الى الامام الجواد.

(١٧٥) شرح النهج ١٣ / ٥١.

(١٧٦) أصول الكافي ١ / ٨٢.

١٩١

٢ ـ ازلية واجب الوجود :

أما ازلية واجب الوجود فهي من ادق البحوث الكلامية ، والفلسفية ، وقد عرضت على أبي جعفر (ع) فقد سأله رجل فقال له : اخبرني عن ربك متى كان؟ فأجابه الامام :

« ويلك إنما يقال لشيء لم يكن ، متى كان؟!! إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حيا بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كون كيف ، ولا كان له اين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكانا ، ولا قوي بعد ما كوّن الأشياء ، ولا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا ، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ، ولا يشبه شيئا مذكورا ، ولا كان خلوا من الملك قبل انشائه ، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه ، لم يزل حيا بلا حياة ، وملكا قادرا قبل أن ينشيء شيئا ، وملكا جبارا بعد انشائه للكون ، فليس لكونه كيف ولا له اين ، ولا له حد ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق (١٧٧) لشيء ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلها ، كان حيا بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ولا كيف محدود ، ولا اين موقوف عليه ، ولا مكان ، جاور شيئا ، بل حي يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك ، إنشاء ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحد ولا يبعض ، ولا يفنى ، كان أولا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا اين ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.

ويلك أيها السائل!! ان ربي لا تغشاه الأوهام ، ولا تنزل به الشبهات ، ولا يحار ، ولا يجاوزه شيء ، ولا تنزل به الاحداث ، ولا يسأل عن

__________________

(١٧٧) يصعق : أي يهلك ، ويضعف.

١٩٢

شيء ، ولا يندم على شيء ، ولا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الارض وما بينهما ، وما تحت الثرى .. » (١٧٨)

وألمت هذه القطعة الذهبية من كلام الامام العظيم بأزلية واجب الوجود وتوحيده ، وتنزيهه عن المشابهة لمخلوقاته التي يحدها الجنس والفصل والتي تخضع في وجودها وعدمها الى العلة ، وتفتقر إلى الزمان والمكان وتعالى الله عن جميع ذلك فانه الاول والآخر ، والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ... وقد سئل بعض المحققين عن الله ما هو؟ فقال : الأوحد ، فقيل له : كيف هو؟ فقال : ملك قادر ، فقيل له : اين هو؟ فقال : بالمرصاد ، فقال السائل : ليس عن هذا أسألك ، فقال : ما اجبتك به هو صفة الحق فأما غيره فصفة الخلق.

لقد أرادوا أن يتعرفوا على ذات الله تعالى حتى كأنه شيء من الاشياء التي تخضع للحواس وسائر المدركات العقلية ، ولم يعلموا أن الله تعالى فوق ما يدركه العقل ، وفوق ما تتصوره الأوهام ، لا إله إلا هو الحي القيوم.

وعلى أي حال فان كلام الامام (ع) قد عرض لأدق المسائل الكلامية التي لم يطرقها أحد من متكلمي المسلمين وفلاسفتهم سوى جده الامام أمير المؤمنين (ع) اما الاحاطة بكلام الامام (ع) وإيضاحه فانه يحتاج الى دراسة مفصلة ، وقد عنى فلاسفة الاسلام بالاستدلال على النقاط التي وردت في حديث الامام (١٧٩).

__________________

(١٧٨) أصول الكافي ١ / ٨٨ ـ ٨٩.

(١٧٩) عرض لذلك بصورة موضوعية الفيلسوف الاسلامي الكبير صدر الدين الشيرازي في كتابه ( الشواهد الربوية ).

١٩٣

٣ ـ النهي عن الكلام في ذات الله :

ونهى الامام أبو جعفر (ع) عن الحديث والخوض في ذات الله تعالى لأن ذلك مبني على فلسفة عميقة لا تتحملها عقول البسطاء الذين لا يملكون رصيدا من العلم ، فانهم يقعون في حبائل الشيطان ، ويخرجون من حضيرة الايمان الى حضيض الشرك ، يقول (ع) :

« تكلموا في كل شيء ، ولا تتكلموا في ذات الله .. » (١٨٠)

وقال (ع) : « تكلموا في خلق الله ، ولا تتكلموا في الله فانه لا يزداد صاحبه إلا تحيرا .. » (١٨١)

إن الحديث عن ذات الله تعالى لا يزيد الانسان إلا تحيرا والقاء في المهالك والشبهات ، اما التفكر في مخلوقات الله ، والتأمل في دقائق هذا الكون فانه يدعو الى حتمية الايمان بالله ، فان كل مخلوق بحسب صنعته وتركيبه يدلل على الخالق العظيم ، يقول دارون : « اني أرى فيما يظهر لي ان الاحياء التي عاشت على هذه الأرض جميعها من صورة واحدة ازلية نفخ الخالق فيها نسمة الحياة » (١٨٢) وان من الخرافة القول بأن هذه العوالم وجدت من باب الصدفة ، فان من غير الممكن ان توجد الصدفة نظاما دقيقا قائما على العلم ، فلما ذا لم تخلق الصدفة الطائرة أو الآلات الحديثة التي أوجدها الفكر والعلم؟

٤ ـ علم الله :

ان الله تعالى احاط بكل شيء علما ، وان علمه بالاشياء قبل تكوينها

__________________

(١٨٠) اصول الكافي ١ / ٩٢.

(١٨١) اصول الكافي ١ / ٩٢.

(١٨٢) النشوء والارتقاء ( ص ٤٧ ).

١٩٤

وبعد تكوينها على حد سواء لأنه الخالق والمكون لها كما أنه العالم بما تنطوي عليه النفوس ، وتضمره القلوب ، وقد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) أنه قال : « كان الله عز وجل ولا شيء غيره ، ولم يزل عالما بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه » (١٨٣).

٥ ـ واقع التوحيد :

وطلب جابر بن يزيد الجعفي من الامام أبي جعفر (ع) أن يعلمه شيئا من التوحيد فقال (ع) :

« ان الله تباركت اسماؤه التي يدعا بها ، وتعالى في علو كنهه .. واحد توحد بالتوحيد في توحده ، ثم أجراه على خلقه ، فهو واحد صمد ، قدوس يعبده كل شيء ويصمد إليه كل شيء ، ووسع كل شيء علما ... » (١٨٤)

٦ ـ صفات الله :

ان صفات الخالق الحكيم هي عين ذاته ، وليس بينهما تعدد حسب ما دلل عليه في علم الكلام ، وقد ظل قوم من أهل العراق عن طريق الحق فأشاعوا أنه تعالى يسمع بغير ما يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع شأنه في ذلك شأن مخلوقاته وقد عرض ذلك محمد بن مسلم على الامام أبي جعفر فقال (ع) :

« كذبوا والحدوا ، وشبهوا ، تعالى الله عن ذلك إنه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع .. »

فقال محمد بن مسلم : يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه ، فرد (ع)

__________________

(١٨٣) اصول الكافي ١ / ١٠٧.

(١٨٤) اصول الكافي ١ / ١٢٣.

١٩٥

مزاعمهم وقال :

« تعالى الله ، إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق ، وليس الله كذلك » (١٨٥)

٧ ـ الشك والجحود :

ان الشك في وجود الله تعالى فاطر السموات والأرض ، وجحوده له مضاعفاته السيئة ، والتي منها أنه لا يقبل من الشاك والجاحد أي عمل خير ، ولا ينفعه يوم حشره ونشره ، يقول (ع) :

« لا ينفع مع الشك والجحود عمل .. » (١٨٦)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن كلمات الامام أبي جعفر (ع) في التوحيد

الامامة :

الامامة نفحة من روح الله ، ورحمة من رحماته انعم بها على هذا الانسان لتدله على الايمان ، وتلهمه الخير ، وتهديه الى سواء السبيل وهي من اصول الدين ، وأركان الاسلام عند الشيعة الامامية لأنها القاعدة الصلبة التي تتركز عليها العدالة الاجتماعية في الاسلام ، وقد تحدث الامام أبو جعفر (ع) عن كثير من جوانب الامامة ، كان من بينها ما يلي :

الحاجة الى الامام :

الامامة ضرورة من ضروريات الحياة الاسلامية ، لا تستقيم شئون المجتمع من دونها وقد اجمع المسلمون على لزومها وضرورتها ، وقد سأل جابر بن يزيد الجعفي الامام (ع) عن الحاجة الى النبي والامام ، فقال (ع) :

« لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك ان الله عز وجل يرفع العذاب عن

__________________

(١٨٥) اصول الكافي ١ / ١٠٨.

(١٨٦) جامع السعادات ١ / ١١٧.

١٩٦

أهل الأرض اذا كان فيها نبي أو امام ، قال الله عز وجل : ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) وقال النبي (ص) : « النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الارض ، فاذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون » يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن الله عز وجل طاعتهم بطاعته ، فقال : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ، ولا يعصون ، وهم المؤيدون الموفقون المسددون بهم يرزق الله عباده ، وبهم تعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ، ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب ، ولا تفارقهم روح القدس ، ولا يفارقونه ، لا يفارقون القرآن ، ولا يفارقهم صلوات الله عليهم اجمعين .. » (١٨٧)

وحفل حديث الامام (ع) بضرورة الامامة لأنها تنشد صلاح العالم وتقيم اعوجاج الدين ، كما اشاد بالأئمة الطاهرين من أهل البيت (ع) وانهم أمان لأهل الارض ، وبهم يستدفع البلاء ، وينزل الغيث وتخرج بركات الارض.

وجوب معرفة الامام :

وتظافرت الاحاديث عن النبي (ص) وعن سدنة علومه الأئمة الطاهرين في لزوم معرفة امام العصر ، وإن من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ـ حسب النص النبوي ـ وقد أثرت عن الامام أبي جعفر (ع) أخبار كثيرة بذلك كان منها :

١ ـ روى جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول :

__________________

(١٨٧) علل الشرائع ( ص ١٢٣ ـ ١٢٤ ).

١٩٧

« إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف امامه منا أهل البيت ، ومن لا يعرف الله عز وجل ، ولا يعرف الامام منا أهل البيت فانما يعرف ويعبد غير الله ... » (١٨٨)

٢ ـ روى محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول : « كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ، ولا امام له من الله فسعيه غير مقبول ، وهو ضال متحير ، والله شانئ لاعماله ، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها فهجمت (١٨٩) ذاهبة ، وجائية يومها ، فلما جنها الليل بصرت بقطيع من غنم مع راعيها ، فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في مربضها ، فلما ان ساق الراعي قطيعه انكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها يرشدها الى مرعاها ويردها ، فبينما هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها ... وكذلك يا محمد من اصبح من هذه الأمة لا امام له من الله عز وجل ظاهر عادل اصبح ضالا تائها ، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق.

واعلم يا محمد ان أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا واضلوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء .. ذلك هو الضلال البعيد .. » (١٩٠)

__________________

(١٨٨) اصول الكافي ١ / ١٨١.

(١٨٩) هجمت : أي تعبت بلا روية ، فهي متحيرة في أمرها.

(١٩٠) اصول الكافي ١ / ١٨٣ ـ ١٨٤.

١٩٨

ان أئمة اهل البيت (ع) هم الذين تجب معرفتهم لأنهم سدنة الوحي وأوصياء الرسول (ص) وخلفاؤه على أمته ، لا ملوك بني أمية ، وملوك بني العباس الذين تمرغوا في الأثم ، واشاعوا الجور والفساد في الارض.

وجوب طاعة الامام :

وطاعة الامام واجب ديني اعلنه القرآن الكريم قال تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ). (١٩١) وتظافرت الاخبار بذلك ، روى زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال :

« ذروة الأمر وسنامه ، ومفتاحه ، وباب الأشياء ، ورضا الرحمن تبارك وتعالى ، الطاعة للإمام بعد معرفته ... ان الله تبارك وتعالى يقول :

( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً. ) (١٩٢)

ان في طاعة أئمة الهدى (ع) نظاما للدين واقامة للعدل لأنهم لا يأمرون إلا بالحق وبه يحكمون.

حق الامام على الناس :

ان للإمام على الناس حقا ، كما ان لهم عليه حقا ، وقد تحدث الامام أبو جعفر (ع) عن ذلك ، فقد سأله أبو حمزة قائلا :

ـ ما حق الامام على الناس؟

ـ حقه عليهم أن يسمعوا ويطيعوا.

ـ ما حقهم عليه؟

__________________

(١٩١) سورة النساء : آية ٥٩.

(١٩٢) أصول الكافي ١ / ١٨٥.

١٩٩

يقسم بينهم بالسوية ، ويعدل في الرعية (١٩٣).

ان حق الامام على الناس السمع والطاعة لأوامره الهادفة لسعادتهم وصلاحهم ، واما حقهم عليه فهو ان يقسم أموال الله بينهم بالسوية فلا يؤثر قوما على آخرين ، وان يبسط فيهم العدل الذي هو ظل الله في أرضه.

عظمة الامامة :

ان للإمام كرامة عند الله ومنزلة لا يبلغها أي أحد من عباد ، وقد تحدث عنها الامام أبو جعفر (ع) ، قال (ع) لجابر بن يزيد الجعفي :

« ان الله اتخذ ابراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، واتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا ، واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، واتخذه خليلا قبل ان يتخذه اماما ، فلما جمع له هذه الاشياء وقبض يده (١٩٤) قال له : يا ابراهيم ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) فمن عظمها في عين ابراهيم قال : يا رب ومن ذريتي ، قال : لا ينال عهدي الظالمين .. (١٩٥)

ومعنى هذا الحديث ان الامامة ارقى منزلة عند الله لا يصل إليها الأنبياء والمرسلون ، وقد خص الله بها خليله ابراهيم ، وجعلها من مكملات ذاتياته المشرقة ، وخص الله بها الأئمة الطاهرين من أهل البيت الذين هم سدنة الوحي ، وأبواب الهداية والرحمة لهذه الأمة.

الولاية لأئمة أهل البيت :

أن الولاية للأئمة الطاهرين جزء من الاسلام ، وعنوان للأيمان ،

__________________

(١٩٣) أصول الكافي ١ / ٤٠٥.

(١٩٤) قبض يده : الضمير راجع الى الامام أي ضم اصابعه الى الكف

(١٩٥) اصول الكافي ١ / ١٧٥.

٢٠٠