حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

وحددت هذه الكلمات بعض الجوانب المشرقة من حياة الامام أبي جعفر (ع) والتي كان منها قيامه بابراز كنوز المعارف ، وحقائق الاحكام بعد أن خفى أمرها على الناس ، وهذا ما سنتحدث عنه في البحوث الآتية.

١٠ ـ ابن كثير :

وترجم ابو الفداء الحافظ ابن كثير الامام الباقر وقال فيه : « هو تابعي جليل القدر كثير ، أحد أعلام هذه الأمة علما وعملا وسيادة وشرفا ... سمي الباقر لبقره العلوم ، واستنباطه الحكم ، وكان ذاكرا خاشعا ، صابرا ، وكان من سلالة النبوة ، رفيع النسب ، عالي الحسب ، وكان عارفا بالخطرات ، كثير البكاء والعبرات ، معرضا عن الجدال والخصومات ... » (١٢)

وتحدث ابن كثير عن سعة علوم الامام ، وعبادته وصبره ، وسمو حسبه ونسبه ، وكثرة بكائه من خشية الله ، واعراضه عن الجدل والخصومات ونال الامام (ع) بهذه الصفات اعجاب العلماء واكبارهم وتقديرهم.

١١ ـ عبد الحميد الحنبلي :

قال عبد الحميد بن العماد الحنبلي في ترجمته للامام : « كان من فقهاء المدينة وقيل : له الباقر لأنه بقر العلم أي شقه وتوسع فيه ، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الامامية .. » (١٣).

١٢ ـ النبهاني :

قال الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني : « محمد الباقر بن علي زين

__________________

(١٢) البداية والنهاية ٩ / ٣٠٩.

(١٣) شذرات الذهب.

١٠١

العابدين بن الحسين أحد أئمة ساداتنا آل البيت الكرام ، وأحد أعيان العلماء الاعلام ... » (١٤)

١٣ ـ القرماني :

وترجم احمد بن يوسف القرماني الامام قال : « إنما سمي الباقر لأنه بقر العلم ... وكان خليفة أبيه من بين أخوته ووصيه ، والقائم بالامامة من بعده ، ولم يظهر عن أحد من أولاد الحسن والحسين من علم الدين والسنن وعلم القرآن ، والسير وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر ، روى عند معالم الدين بقايا الصحابة ، ووجوه التابعين .. » (١٥)

١٤ ـ الذهبي :

وترجم الذهبي في كثير من مؤلفاته الامام (ع) الا إنه شذ في بعض أقواله ، وفيما يلي ذلك :

أ ـ قال : « كان الباقر سيد بني هاشم في زمانه فضلا وعلما وسؤددا » (١٦)

ب ـ قال : « كان الباقر سيد بني هاشم في زمانه اشتهر بالباقر من قولهم : « بقر العلم » يعني شقه فعلم اصلا وخفيه ... » (١٧)

ج ـ قال : « كان الباقر أحد من جمع بين العلم والعمل ، والسؤدد والشرف والثقة والرزانة ، وكان أهلا للخلافة ، وهو أحد الأئمة الاثني

__________________

(١٤) جامع كرامات الأولياء ١ / ٩٧.

(١٥) أخبار الدول ( ص ١١١ ).

(١٦) تذهيب الكمال ٣ / ق ٤ / ٢٦٢ مخطوط.

(١٧) تذكرة الحفاظ ١ / ١٢٤.

١٠٢

عشر الذين تبجلهم الشيعة الامامية ، وتقول : بعصمتهم ، وبمعرفتهم بجميع الدين.

ولقد كان أبو جعفر اماما مجتهدا ، تاليا لكتاب الله ، كبير الشأن ، ولكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير ونحوه ، ولا في الفقه درجة أبي الزناد وربيعة ، ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة وابن شهاب. » (١٨) وانحرف الذهبي عن الحق في تقديمه لابن كثير ، وأبي الزناد وربيعة وقتادة وابن شهاب على الامام فان هؤلاء الاعلام لا يقاسون بتلاميذه كزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وجابر بن يزيد الجعفي فان ما أثر عنهم من الفضل والعلم يفوق بكثير مما أثر عن ابن كثير وجماعته ، وقد كان قتادة قد خاصمه الامام واحتج عليه فولى منهزما لا يعرف ما يقول ، ولا يدري كيف يتخلص مما هو فيه ... ولكن الذهبي كان يملك ضميرا متحجرا مترعا بالكراهية والحقد على آل النبي (ص) وشيعتهم كما أعلن ذلك في كثير من بحوثه ، وما أبدع ما قيل فيه :

سميت بالذهبي اليوم تسمية

مشتقة من ذهاب العقل لا الذهب

١٥ ـ محمد بن أبي بكر :

قال محمد بن أبي بكر : المعروف بابن حماد دكين المتوفى سنة ( ٧٠٠ ه‍ ) : « سيدنا الامام محمد بن الامام زين العابدين (ع) برز بالفضل في العلم والزهد ، والسؤدد ، وكان نبيه الذكر ، عظيم القدر ، جليل الشأن ، لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين (ع) من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر ، روى عنه علماء الدين وبقايا الصحابة ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين ، وصار

__________________

(١٨) سير اعلام النبلاء ٤ / ٢٤١ من مصورات مكتبة الامام الحكيم.

١٠٣

بالفضل علما تضرب به الامثال ، وتسير بوصفه الآثار والاشعار ... » (١٩)

١٦ ـ محمد الجزري :

قال محمد بن محمد الجزري : « محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ، لأنه بقر العلم ـ أي شقة ـ وعرف ظاهره وخفيه ، وكان سيد بني هاشم علما وفضله وسنة ... » (٢٠).

١٧ ـ كمال الدين الشافعي :

قال كمال الدين الشافعي : « هو باقر العلم وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه ومتوفق دره وراضعه ، صفا قلبه ، وزكا عمله ، وطهرت نفسه ، وشرفت اخلاقه ، وعمرت بطاعة الله أوقاته ، ورسخت في مقام التقوى قدمه وظهرت عليه سيمات الازدلاف ، وطهارة الاحتباب فالمناقب تسبق إليه ، والصفات تشرف به ... » (٢١)

١٨ ـ ادريس القرشي :

قال الداعي إدريس القرشي : « محمد بن علي أول من حاز شرف الأصلين واجتمعت له ولادة الحسن والحسين ، ونشأ على الفضل والطهارة والرئاسة والسيادة والعلم. واحتذى سيرة آبائه الطاهرين ، ولم يزل في درجات الفضائل منتقلا ، وللمفاخر السامية متوغلا ... » (٢٢)

__________________

(١٩) روضة الاعيان في مشاهير اخبار الزمان من مصورات مكتبة الحكيم.

(٢٠) غاية النهاية في طبقات القراء ٢ / ٢٠٢.

(٢١) مطالب السئول في مناقب آل الرسول.

(٢٢) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص ٢١٢ ).

١٠٤

١٩ ـ جمال الدين :

قال جمال الدين يوسف بن تغري بردي الأتابكي : « أبو جعفر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي سيد بني هاشم في زمانه ، وهو أحد الأئمة الاثنى عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم ... » (٢٣)

٢٠ ـ محمد الصبان :

قال محمد الصبان : « وأما محمد الباقر فهو صاحب المعارف ، وأخو الدقائق واللطائف ، ظهرت كراماته ، وكثرت في السلوك اشاراته ، ولقب بالباقر لأنه بقر العلم أي شقه فعرف اصله وخفيه .. » (٢٤)

٢١ ـ ابن أبي الحديد :

قال عبد الحميد بن أبي الحديد : « كان محمد بن علي الباقر سيد فقهاء الحجاز ومنه ومن ابنه جعفر تعلم الناس الفقه ، وهو الملقب بالباقر لقبه به رسول الله (ص) ولم يخلق بعد ، وبشر به ، ووعد جابر برؤيته .. » (٢٥)

٢٢ ـ الشيخ المفيد :

قال الشيخ المفيد : « كان الباقر محمد بن علي بن الحسين من بين أخوته خليفة أبيه ووصيه ، والقائم بالامامة من بعده ، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد ، والسؤدد ، وكان أنبههم ذكرا وأجلهم في العامة

__________________

(٢٣) النجوم الزاهرة ١ / ٢٧٣.

(٢٤) اسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور الابصار ( ص ٣١٦ ).

(٢٥) شرح ابن أبي الحديد.

١٠٥

والخاصة ، وأعظمهم قدرا ، ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين (ع) من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة ، وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر ، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ، ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين ، وصار بالفضل به علما لأهله ، تضرب به الأمثال ، وتسمو بوصفه الآثار والاشعار ... » (٢٦)

٢٣ ـ أبو الحسن الطبرسي :

قال الشيخ أبو الحسن الطبرسي : « قد اشتهر الباقر في العالم تبرزه على الخلق في العلم والزهد والشرف ما لم يؤثر عن أحد من أولاد الرسول (ص) من علم القرآن والآثار والسنن ، وأنواع العلم والحكم والآداب ما أثر عنه واختلف إليه كبار الصحابة ووجوه التابعين ، وفقهاء المسلمين ، وعرفه رسول الله (ص) باقر العلم على ما رواه نقلة الآثار ... » (٢٧)

٢٤ ـ تاج الدين :

قال تاج الدين بن محمد نقيب حلب : « أبو جعفر باقر العلم هو أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين ، كان واسع العلم ، وافر الحلم ، روي عنه حديث كثير ، ونقل عنه علم جم .. » (٢٨)

٢٥ ـ محمود بن وهيب :

قال محمود بن وهيب البغدادي : « سمي بالباقر من بقر الارض أي شقها ، وأنار مخبئاتها ، ومكامنها ، فلذلك هو اظهر من مخبآت كنوز المعارف ،

__________________

(٢٦) الارشاد ( ص ٢٩٣ ).

(٢٧) اعلام الورى بأعلام الهدى ( ص ٢٦٨ ).

(٢٨) غاية الاختصار ( ص ٤٠١ ).

١٠٦

وحقائق الاحكام والحكمة واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة ، ومن ثم قيل باقر العلم وجامعه ورافعه ، صفا قلبه ، وزكا علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة مولاه وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه السنة الواصفين .. » (٢٩)

٢٦ ـ عباس المكي :

قال السيد عباس بن علي المكي : « الباقر أحد الأئمة الاثني عشر عند الامامية ، وكان عالما سيدا كبيرا ، وما سمي الباقر إلا لأنه تبقر في العلم أي توسع فيه ... » (٣٠)

٢٧ ـ السيد كاظم اليماني :

قال السيد كاظم اليماني : « الامام الباقر : هو ثاني سبط ، وخامس امام معصوم على رأي من رأى ذلك ، ورابع تقي على رأي الاجماع ، وهو المكنى أبا جعفر .. » (٣١)

٢٨ ـ ابن تيمية :

قال ابن تيمية : « كان محمد الباقر أعظم الناس زهدا وعبادة بقر للسجود جبهته ، وكان اعلم اهل وقته ، سماه رسول الله (ص) الباقر ، وذكر حديث جابر » (٣٢) إلا انه بعد ذلك عدل عما قاله : وأنكر تسمية النبي (ص) للامام الباقر بهذا الاسم وقال : « لا اصل له عند

__________________

(٢٩) جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام ( ص ١٣٢ ).

(٣٠) نزهة الجليس ٢ / ٣٦.

(٣١) النفحة العنبرية من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء.

(٣٢) منهاج السنة ٢ / ١١٤ ـ ١١٥.

١٠٧

أهل العلم بل هو من الاحاديث الموضوعة » (٣٣) لقد عرف ابن تيمية بالبغض لأهل البيت (ع) والحقد على شيعتهم فقد الصق بهم ـ بدون تورع ـ كل احدوثة وخرافة ، وحسابه في ذلك على الله وعلى العلم والتأريخ ، ولعل اعظم عقاب ناله فقدان الثقة بما كتبه فلا ينظر إليه المؤرخون إلا نظرة ريبة وشك في جميع ما كتبه.

٢٩ ـ الشيخاني :

قال عبد القادر الشيخاني : « محمد الباقر كان اشهر أهل زمانه ، واكملهم فضلا ، واعظمهم نبلا ، ولم يظهر في زمنه عند أحد من علم الدين والسنن ، وعلم القرآن والسير وفنون الآداب مثل ما ظهر منه .. » (٣٤)

٣٠ ـ المجلسي :

قال الشيخ المجلسي : « لم يظهر عن أحد من أولاد الحسن والحسين من العلوم ما ظهر منه « أي الباقر » من التفسير والكلام والفتيا ، والحلال والحرام ... وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين ، فمن الصحابة جابر بن عبد الله الانصاري ، ومن التابعين نحو جابر بن يزيد الجعفي ، وكيسان السختياني صاحب الصوفية ، ومن الفقهاء نحو ابن المبارك ، والزهري ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وزياد بن المنذر ، والنهدي ، ومن المصنفين نحو الطبري ، والبلاذري ، والخطيب في تواريخهم ، وفي الموطأ ، وشرف

__________________

(٣٣) منهاج السنة ٢ / ١٢٣.

(٣٤) الصراط السوي ( ص ١٩٤ ) من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين (ع).

١٠٨

المصطفى ، والابانة وحلية الأولياء ، وسنن أبي داود ، ومسند أبي حنيفة ، وترغيب الاصفهاني وبسيط الواحدي ، وتفسير العياشي ، والزمخشري ، ومعرفة اصول السمعاني وكانوا يقولون : محمد بن علي ، وربما قالوا : محمد الباقر .. » (٣٥)

وألمّ كلام المجلسي بالناحية العلمية من شخصية الامام العظيم التي استوعبت جميع المعارف ، وقد انتهل من نمير علمه علماء المسلمين فأخذوا عنه الفقه والتأريخ والتفسير وعلم الكلام ، وفنون الحكم والآداب ، مما يعتبر عاملا جوهريا في نشأة التطور والابداع في الفكر الاسلامي.

٣١ ـ النووي :

قال النووي : « الباقر تابعي جليل ، امام بارع ، مجمع على جلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم ... » (٣٦)

٣٢ ـ أبو زرعة :

قال أبو زرعة : « إن أبا جعفر لمن اكبر العلماء .. » (٣٧)

٣٣ ـ ابن عنبة :

قال جمال الدين احمد بن علي بن الحسين بن المهنا بن عنبة : « كان محمد الباقر واسع العلم ، وافر الحلم ، وجلالة قدره أشهر من أن ينبه عليها. » (٣٨)

__________________

(٣٥) بحار الانوار ١١ / ٨٤.

(٣٦) تهذيب اللغات والاسماء ١ / ٨٧.

(٣٧) أعيان الشيعة ق ١ / ٤ / ٤٨٥.

(٣٨) عمدة الطالب ٢ / ٢٩.

١٠٩

٣٤ ـ علي بن عيسى الأربلى :

وتحدث الوزير علي بن عيسى الاربلي عن معالي سيرة أبي جعفر (ع) وختم حديثه بقوله : إن مناقبه اكثر من أن يأتي الحصر عليها ، ومزاياه أعلى من أن تتوجه الاحاطة بها ، ومفاخره إذا عددت خرت المفاخر والمحامد لديها لأن شرفه تجاوز الحد ، وبلغ النهاية ، وجلال قدره استولى على الأمن وادرك الغاية ، ومحله من العلم والعمل رفع له ألف راية ، وكم له من علامات سؤدد ، وسيما رئاسة ، وآية سماحة وحماسة ، وشرف منصب ، وعلو نسب وفخر حسب ، وطهارة أم واب ، والأخذ من الكرم والطهارة بأقوى سبب لو طاول السماء لطالها ، أورام الكواكب في أوجها لنالها .. » (٣٩)

٣٥ ـ احمد فهمى :

قال الشيخ احمد فهمي : « الامام الباقر : هو خامس الأئمة عند الامامية وكان رضي‌الله‌عنه اصدق الناس ، واحسنهم بهجة ، وأبدعهم لهجة .. » (٤٠)

٣٦ ـ فريد وجدي :

قال فريد وجدي : « كان الباقر عالما نبيلا ، وسيدا جليلا ، وسمى الباقر لأنه بقلم العلم أي توسع فيه .. » (٤١)

٣٧ ـ أبو زهرة :

قال الشيخ أبو زهرة : « وكان محمد ابنه ـ أي ابن الامام زين

__________________

(٣٩) كشف الغمة ٢ / ٣٦٣.

(٤٠) الامام زين العابدين ( ص ١٨ ).

(٤١) دائرة معارف وجدي ٣ / ٥٦٣.

١١٠

العابدين ـ وريثه في امامة العلم ، ونيل الهداية ، ولذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الاسلامية ، وما زار أحد المدينة إلا عرج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه .. » (٤٢)

٣٨ ـ التلمسانى :

قال التلمساني : « محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب ، وهو والد جعفر الصادق يقال له الباقر ، سمي باقرا لتبحره في العلم ، وهو الشق والتوسعة تابعي عدل ثقة ، وامام مشهور .. » (٤٣)

٣٩ ـ عبد القادر الحلبي :

قال عبد القادر الحلبي : « الباقر أول علوي ولد بين علويين تابعي جليل القدر ، امام بارع مجمع على امامته ، وجلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم .. » (٤٤)

هذه بعض الكلمات التي أدلى بها كبار العلماء والبحاث في حق الامام وهي كما سجلت اكبارهم لشخصية الامام كذلك كشفت عن بعض الجوانب من حياته المشرقة ، والتي كان منها :

أولا ـ : تقدم الامام في الفضل والعلم على جميع علماء عصره ، وإنه لم يكن هناك أحد يدانيه في مواهبه وملكاته العلمية ، وإنه يفوق في فضله وعلمه اخوانه ، وابناء عمومته وسائر ابناء الأسرة النبوية التي هي

__________________

(٤٢) الامام الصادق ( ص ٢٢ ).

(٤٣) شرح الشفاء للخفاجي ١ / ٢٩٢.

(٤٤) الحديث المفحص عن شرف نسل الامام علي ( ص ١٣٩ ) من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء العامة.

١١١

مصدر النور والوعي في الارض.

ثانيا ـ : تصاغر علماء عصره أمامه اعترافا منهم بسمو مقامه العلمي والروحي وإنه المرجع الأعلى للعالم الاسلامي.

ثالثا ـ : سعة علوم الامام ومعارفه لا في الفقه الاسلامي فحسب ، وإنما كان ملما بجميع العلوم من علم الكلام والفلسفة ، والتفسير والتأريخ والحكم والآداب وغير ذلك مما اصبح به المنار المشرق للعلوم الاسلامية.

رابعا ـ : انه اظهر مخبآت بعض العلوم ، وكشف النقاب عن كنوز المعارف التي كانت خافية على الناس.

خامسا ـ : انه كان الرائد الاول للحركة العلمية في عصره ، فمن نمير علمه اقتبس العلماء ، ومن افاضاته استمد البحاث والمؤلفون والكتاب.

سادسا ـ : تحرج الامام في الدين كأشد ما يكون التحرج ، وشدة ورعه وخوفه من الله مما جعله من أئمة المتقين والمنيبين.

١١٢

مظاهر شخصيته

١١٣
١١٤

وتوفرت في شخصية الامام أبي جعفر (ع) جميع الصفات الكريمة التي تؤهله لزعامة هذه الأمة ، وقيادتها الروحية والزمنية ، فكل صفة من صفاته ترفعه الى القمة التي لا يبلغها إلا افذاذ الناس وعمالقة الدهر ، فهو كما قال الشاعر :

من هاشم في ذراها وهي صاعدة

الى السماء تميت الناس بالحسد

قوم أبى الله إلا أن تكون لهم

مكارم الدين والدنيا بلا أمد

لقد كان الامام العظيم بمواهبه وعبقرياته صورة متميزة من بين صور العظماء والمصلحين ، فقد تميز بفضائله النفسية ومآثره الخالدة ، وتميز بحسبه الوضاح ، وتميز بكل ما يسمو به هذا الانسان ، ومن بين ما تميز به.

إمامته :

وحباه الله بالامامة ، وخصه بالنيابة العامة عن جده الرسول (ص) فهو أحد خلفائه ، وأوصيائه الاثنى عشر ، الذين جعلهم النبي (ص) سفن النجاة ، وأمن العباد ، وقرنهم بمحكم التنزيل ، ونصبهم اعلاما لأمته صيانة لها من الفرقة ووقاية لها من الفتن والازمات.

لقد احتاط النبي (ص) كأشد ما يكون الاحتياط في شأن أمته ، وأهاب بها من أن تكون في ذيل قافلة الأمم والشعوب ، فقد أراد لها العزة والكرامة ، وأراد أن تكون خير أمة أخرجت للناس ، فأولى الخلافة والامامة المزيد من اهتمامه ، ونادى بها اكثر مما نادى بأي فرض من الفروض الدينية لأنها القاعدة الصلبة لتطور أمته في مجالاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية ، وقد خصها بالأئمة الطاهرين من أهل بيته الذين لم يخضعوا بأي حال من الاحوال لأية نزعة مادية ، وإنما آثروا طاعة

١١٥

الله ومصلحة الأمة على كل شيء.

وقد تحدث الامام الباقر (ع) عن الامامة بصورة موضوعية وشاملة سنعرض لها عند البحث عن تراثه الفكري والعلمي ... اما امامته فقد دلت عليها النصوص العامة والخاصة ، والتي كان منها نص الامام أمير المؤمنين (ع) على امامته ، وامامة الأئمة الطاهرين من بعده (١) وغير ذلك من النصوص التي سنعرض لها في البحوث الآتية :

العصمة :

ومن اسمى مظاهر ذاتيات الامام أبي جعفر (ع) العصمة من الذنوب والآثام ، وطهارته من الزيغ والرجس.

أن العصمة لطف من الله تعالى يهبها لمن يشاء من عباده ممن امتحن قلوبهم بالايمان ، وزكاهم ، واختارهم لاداء رسالته واصلاح عباده ، وهي من أهم العقائد الراسخة عند الشيعة ، واحدى المبادي ، الاساسية للامامة عندهم ، ونتحدث ـ بايجاز ـ عنها.

تعريف العصمة :

وعرف المتكلمون من الشيعة العصمة بتعاريف متعددة ، كان من بينها تعريف الشيخ المفيد ، فقد عرفها بأنها الامتناع بالاختيار عن فعل الذنوب والقبائح عند اللطف الذي يحصل من الله تعالى في حقه وهو لطف يمتنع من يختص به من فعل المعصية ، وترك الطاعة مع القدرة عليهما (٢) ويقول العلامة الحلي : فى تعريفها بأنها لطف من الله تعالى يفيضه على المكلف

__________________

(١) بصائر الدرجات ( ص ١٠٨ ) للصفار.

(٢) شرح عقائد الصدوق ( ص ١١٤ ).

١١٦

لا يكون له مع ذلك داع الى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك (٣) وعرفها شيخ الطائفة الشيخ الطوسي بأنها ما يمتنع المكلف من المعصية في حال تمكنه منها.

والعصمة على ضوء هذه التعاريف عبارة عن الكمال المطلق للنفس ، وتحررها التام من كل نزعة من نزعات الهوى والغرور والطيش ، والامتناع من اقتراف أية جريمة أو ذنب سواء أكان على سبيل العمد أم السهو ، ومن الطبيعي أنه لا يتصف بذلك إلا من اختاره الله لاداء رسالته وهداية عباده نبيا كان أم اماما.

الاستدلال عليها :

واستدلت الشيعة على ما ذهبوا إليه من اعتبار العصمة في الامام بأدلة كثيرة مقنعة لا مجال للشك فيها ، ولعل من أروع من أستدل عليها من متكلميهم هشام بن الحكم قال : إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها : الحرص ، الحسد ، الغضب ، الشهوة ، وهذه الصفات كلها منفية عن الامام ، فلا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا ، وهي تحت خاتمه ، فهو خازن أموال المسلمين فعلى ما ذا يحرص؟ ولا يجوز أن يكون حسودا لأن الانسان إنما يحسد من فوقه ، وليس فوقه أحد ، فكيف يحسد من دونه ، ولا يجوز أن يغضب لشيء من أمور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عز وجل ، قد فرض عليه اقامة حدوده ، ولا يجوز أن يتبع الشهوات ، ويؤثر الدنيا على الآخرة لأن الله حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا ، فهو ينظر الى الآخرة كما ننظر الى الدنيا ، فهل رأيت أحدا ترك وجها

__________________

(٣) توفيق التطبيق ( ص ١٦ ).

١١٧

حسنا لوجه قبيح ، وطعاما طيبا لطعام مر ، وثيابا لينة لثوب خشن ، ونعمة دانية باقية لدينا زائلة فانية (٤).

واقامت الشيعة على ضرورة العصمة للأئمة مجموعة كبير من الادلة الوثيقة العقلية والنقلية حفلت بها كتبهم الكلامية (٥) ويرى « دونالد سن » ان فكرة العصمة عند الشيعة قد أدت الى تطور علم الكلام وازدهاره في الاسلام ... كما ان لهم الفضل في بحث هذا الموضوع لا في الاسلام فحسب بل في جميع الديانات الاخرى (٦) فقد كانوا أول من فتق باب الجدل والحوار العلمي المبني على الادلة العقلية المثبتة لشؤون مبادئهم الاساسية في الامامة.

شكوك وأوهام :

وأثير حول العصمة كثير من الشكوك والأوهام ، وأاهمت الشيعة بالجمود والغلو ، وقال الناقدون لهم : إن الأئمة كبقية الناس يطيعون الله ، ويعصونه ، وتصدر المعصية عنهم عمدا أو سهوا من دون أن يكون هناك أي فرق بينهم ، وبين سائر الناس.

وأكبر الظن أن الحملات المسعورة التي واجهتها الشيعة في التزامهم بعصمة أئمتهم إنما كانت لتبرير ملوك بني أمية وبني العباس الذين أضفوا عليهم النعوت العظيمة والالقاب الكريمة فادعوا أنهم سدنة الشريعة ،

__________________

(٤) عقيدة الشيعة ( ص ٣١٧ ).

(٥) يراجع الالفين للعلامة الحلي ، وأوائل المقالات في المذاهب المختارة للشيخ المفيد ، ومنهاج الكرامة للعلامة الحلي.

(٦) نظرية الامامة لدى الشيعة الاثنى عشرية ( ص ١٣٤ ).

١١٨

وخلفاء الله في أرضه ، ولا مانع مع ذلك أن تصدر عنهم المعاصي والذنوب ، فليست العصمة اذن شرطا فيمن يتولى شئون المسلمين ، وقد انكرت الشيعة ذلك أشد الانكار ، وذهبت الى أن خلافة أولئك الملوك لا تحمل أي طابع من الشرعية ، وذلك لما أثر عنهم من الاعمال التي لا تتفق مع ابسط قواعد الدين الاسلامي ، فقد أسرفوا إلى حد بعيد في الدعارة واللهو والمجون ، وتحولت قصورهم الى مسارح للهو والرقص والفساد ، وفي ذلك يقول الشاعر في المهدي العباسي :

بنو أمية هبوا طال نومكم

ان الخليفة يعقوب بن داود

ضاعت خلافتكم يا قوم

فالتمسوا خليفة الله بين الناي والعود

وإذا كان الخليفة قد صرعه الهوى فصار حليفا للناي والعود ، كيف يكون اماما للمسلمين ، وخليفة لله في أرضه؟

لقد احتاط الاسلام كأشد ما يكون الاحتياط في شأن الخلافة الاسلامية باعتبارها المركز الحساس لسعادة المسلمين ، وتقدمهم وتطور حياتهم فليس من المنطق في شيء أن يضفى على اولئك الملوك خلفاء الله في ارضه ، وامنائه على عباده ، وان يقال بشرعية خلافتهم.

لقد قالت الشيعة : بعصمة أئمتهم لأنهم الا نموذج الاعلى للتكامل الانساني ، ولم يؤثر عن احد منهم ـ فيما اجمع عليه المؤرخون ـ انه قد شذ في سلوكه عن الطريق القويم أو خالف الله فيما أوجب أو نهى ، ألم يقل الامام أمير المؤمنين (ع) : « والله لو اعطيت الاقاليم السبع بما تحت افلاكها على أن اعصي الله في جلب شعيرة اسلبها من فم جرادة ما فعلت » وهذه هي العصمة التي تدعيها الشيعة لأئمتهم (ع) فليس فيها غلو ولا جمود ، وإنما

١١٩

كانت مطابقة للواقع المحكي عن سيرة أئمة اهل البيت (ع) الذين تحرجوا كأشد ما يكون التحرج في أمور دينهم ، وآثروا طاعة الله على كل شيء ، وقد اعلن الكتاب الكريم عصمتهم وطهارتهم من الزيغ والأثم قال تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )و قرنهم الرسول الاعظم بمحكم التنزيل قال (ص) خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا » فكما ان الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كذلك العترة الطاهرة وإلا لما صحت المقارنة بينهما.

حلمه

أما الحلم فقد كان من ابرز صفات الامام أبي جعفر (ع) فقد اجمع المؤرخون على أنه لم يسىء الى من ظلمه واعتدى عليه ، وانما كان يغدق عليه بالبر والمعروف ، ويقابله بالصفح والاحسان ، وقد روى المؤرخون صورا كثيرة من عظيم حلمه ، كان منها :

١ ـ أن رجلا كتابيا هاجم الامام ، واعتدى عليه ، وخاطبه بمر القول :

« أنت بقر. »

فلطف به الامام ، وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلا :

« لا .. أنا باقر .. »

وراح الكتابي يهاجم الامام قائلا :

« أنت ابن الطباخة. »

فتبسم الامام ، ولم يثره هذا الاعتداء وقال له :

« ذاك حرفتها .. »

ولم ينته الكتابي عن غيه ، وإنما راح يهاجم الامام قائلا :

« أنت ابن السوداء الزغنة الندية .. »

١٢٠