حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

الحرب الباردة

٤١
٤٢

وما أذيع مصير الخلافة الاسلامية إلى حفيد الرسول (ص) إلا وموجات من الهموم والأحزان قد طافت بابن هند ، فملكته الحيرة واستولى عليه الجزع والذهول ، وذلك لعلمه أن للامام مركزا عظيما في نفوس المسلمين ، ومكانة مرموقة في جميع الأوساط ، لأنه سبط النبي العظيم وأعز الناس عنده وأقربهم إليه ، وقد شاعت بين المسلمين الأحاديث المتواترة عنه (ص) في رفع كيانه وتعظيم شأنه وتقديمه بالفضل على غيره فكيف يعدل الناس عنه إلى ابن هند وكيف يقاس معاوية به وهو من الاسرة الملعونة في القرآن وقد عرف الجميع عداء أبيه وأسرته للاسلام والمسلمين من يوم بزغ نوره

اضطرب معاوية وطارت نفسه شعاعا ، وأقضّ التفكير مضجعه لما ازدانت الخلافة الاسلامية بالامام الحسن ، وذلك لعلمه ان الامام لا يتحول عن شريعة جده وسيرة أبيه التي تقضي بلزوم محاربة الباغين والقضاء عليهم ومعاوية هو رافع لوائهم وعميدهم ، فالحسن لا بد وأن يعمل كل جهوده ويبذل جميع مساعيه لمناجزة معاوية والقضاء عليه ، مضافا إلى ذلك كله انه لم يجد منفذا وثغرا يسلك فيه للطعن بشخصية الامام أو اتهامه بشيء ما فدم عثمان بريء منه ، بل قد قيل إنه من الذابين والمدافعين عنه ، فبما ذا يتهم الامام اذا وقد نزه من كل نقص ورذيلة كما تجرد هو من كل مكرمة وفضيلة.

المؤتمر الاموي :

وعقد معاوية على أثر ذلك اجتماعا مفاجئا في بلاطه دعا فيه خلص أتباعه وأشياعه فاخبرهم بالموقف الرهيب ، والخطر المفاجئ الذي حل في مملكته ، وأعلمهم ان الأمر إذا لم تتخذ فيه القرارات الحاسمة ، ولم تبذل الجهود الجبارة لانتشاله فسوف يحدق بهم الخطر المنذر بالفناء ، وبعد مداولة

٤٣

الآراء والأفكار اجمعت كلمتهم على ما يلي :

١ ـ نشر الجواسيس ، وبث العيون في الأقطار الإسلامية الخاضعة لحكم الامام ، خصوصا البصرة والكوفة ، ليعرفونه الأنباء بالتفصيل ويخبرونه باتجاه المجتمع ونياته ومدى اخلاصه لآل البيت (ع) كما ويقومون بعمليات الذعر والخوف والإرهاب بين المسلمين بقوة معاوية وضعف الحسن

٢ ـ مراسلة الزعماء والوجوه والشخصيات البارزة وارشائهم بالأموال الطائلة والوظائف المهمة في مناصب الدولة إن اتبعوه وانقادوا له وخذلوا الإمام الحسن ، أما هذا الأمر فقد أرجئ تنفيذه ـ بالاجماع ـ إلى وقت آخر قريب ، واما الأمر ( الأول ) فقد نفذ فورا فقد استدعى معاوية رجلين خبيرين يثق بكفاءتهما ويطمئن بدرايتهما وحذاقتهما في عالم التجسس ، أما الرجلان ( فاحدهما ) من حمير وقد ارسله إلى الكوفة ، وأما ( الآخر ) فمن بني القين وقد بعثه إلى البصرة.

ولما وصل الحميري إلى الكوفة ، والقيني إلى البصرة ، اخذا بتنفيذ الخطط المقررة لهما ، وبعد ما انتشر أمرهما قبضت عليهما الشرطة المحلية ، اما الحميري فجيء به إلى الامام فأمر بقتله ، واما القيني فجيء به مخفورا إلى عامل الامام على البصرة عبد الله بن عباس فأمر باعدامه أيضا.

مذكرة الامام :

وعلى أثر وقوع هذا الاعتداء الصارخ من معاوية رفع الامام إليه مذكرة تهدده فيها وتوعده باعلان الحرب عليه وهذا نصها :

( أما بعد : فانك دسست إلي الرجال ، كأنك تحب اللقاء ، لا شك في ذلك فتوقعه إن شاء الله ، وبلغني أنك شمتّ بما لم يشمت به ذوو

٤٤

الحجى (١) وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول :

فانا ومن قد مات منا لكالذي

يروح فيمسي في المبيت ليغتدي

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى

تجهز لأخرى مثلها فكأن قد

ويلمس في هذه الرسالة مدى روح العزم والحزم والتصميم على الحرب إن اصر معاوية على البغي ، والتمرد والتمادي في الاثم ، كما احتوت على الاستنكار لما أظهره من السرور والغبطة بمقتل الامام أمير المؤمنين.

جواب معاوية :

ولما وردت رسالة الامام إلى معاوية فزع منها ، فانبرى يفتش في حقيبة مكره عذرا يدفع به عن نفسه القبيح الذي ارتكبه ، والمنكر الذي فعله ، فلم بجد عذرا إلا انكار ما أظهره من السرور بمقتل الامام ولا بأس عليه في الكذب ، فقد استساغه واستحله وهو كل ما يملك في خزانة نفسه وأما بعثه العيون والجواسيس فرأى أن يتغاضى عن ذكره ويعرض عن جوابه ويهمل الاعتذار منه وهذا نصه :

( أما بعد : فقد وصل كتابك وفهمت ما ذكرت فيه ، ولقد علمت بما حدث ، فلم أفرح ، ولم أحزن ، ولم أشمت ، ولم آس (٢) وإن عليا

__________________

(١) الحجى : العقل والفطنة.

(٢) لم آس : أي لم أحزن وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن معاوية أظهر الحزن والأسى والتوجع بمقتل الامام أقول : ـ أولا ـ لا يتفق مع ما ذكره معاوية من عدم حزنه بموت الامام ـ وثانيا ـ انه لا يتفق مع سيرة معاوية وعدائه السافر للامام الذي جعل سبه فريضة من فرائض الاسلام وتتبع شيعته واصحابه فقتلهم تحت كل حجر ومدر.

٤٥

أباك لكما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة (١) :

فأنت الجواد وأنت الذي

إذا ما القلوب ملأن الصدورا

جدير بطعنة يوم اللقا

يضرب منها النساء النحورا

وما مزبد من خليج البحا

ر يعلو الاكام ويعلو الجسورا (٢)

بأجود منه بما عنده

فيعطي الالوف ويعطي البدورا (٣)

__________________

(١) أعشى بني قيس : هو الأعشى الكبير أسمه ( ميمون ) بن قيس ولد بقرية باليمامة يقال لها منفوحة وفيها داره وقبره ويقال انه كان نصرانيا وهو أول من سأل بشعره ، وفد إلى مكة يريد النبي (ص) وقد مدحه بقصيدة أولها :

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وبت كما بات السليم مسهدا

ومنها :

أجدك لم تسمع وصاة محمد

نبي الإله حين أوصى وأشهدا

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى

ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على ألا تكون كمثله

وأنك لم ترصد بما كان أرصدا

فلقيه أبو سفيان فى الطريق فأخبره بقصته فجمع له مائة من الابل ورده عن قصده فلما صار بقاع منفوحة رمى به بعيره فقتله ومن شعره :

قد يترك الدهر فى خلقاء راسية

وهيا وينزل منها الأعصم الصدعا

وكان شيء إلى شيء ففرقه

دهر تعود على تفريق ما جمعا

الخلقاء : الصخرة الثابتة. الأعصم : الذي فى يده بياض. الصدع. الفتى من الوعول جاء ذلك فى معجم الشعراء للمرزباني ( ج ٢ ص ٤٠١ )

(٢) مزبد : مشتق من أزبد البحر إزبادا فهو مزبد ( بالتحريك ) وهو كالرغوة. الاكام : جمع أكمة كقصبة وهي التل.

(٣) البدور : جمع مفرده بدرة كوردة وهي كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار.

٤٦

ويلمس في هذه الرسالة دهاء معاوية وخداعه ، كما يلمس خوره وضعف عزيمته وفزعه من الامام الحسن وذلك لمدحه وثنائه على الامام علي (ع) وانكاره لما اظهره من الفرح والسرور والغبطة بموته ولو لا ذلك لما سجل لخصمه هذا الثناء العاطر.

مذكرة ابن عباس :

ورفع عامل الامام على البصرة عبد الله بن عباس مذكرة إلى معاوية يستنكر فيها بعثه العيون والجواسيس إلى البصرة ويهدده على هذا الاعتداء السافر ، وهذا نصها :

( أما بعد : فانك ودسك أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش بمثل ما ظفرت به من يمانيتك لكما قال أمية بن أبي الصلت (١)

لعمرك إني والخزاعي طارقا

كنعجة غادت حتفها تتحفر (٢)

__________________

(١) جاء فى رسالة جمهرة العرب ( ج ٢ ص ٤ ) ان الصحيح هو ( أمية بن الأسكر ) لا أمية بن أبي الصلت فانه خطأ وقد استند إلى ما ذكره برواية الأغاني حيث ذكر هذه الأبيات إلى أمية بن الأسكر قالها لما تغلب اصحاب النبي (ص) على رهط أمية بسبب طارق الخزاعي وكان قاطنا معهم فدل اصحاب النبي (ص) عليهم لأن خزاعة كان مشركها ومؤمنها يميلون إلى النبي على قريش فتأثر أمية من فعل طارق فقال فيه هذه الأبيات وأجابه طارق بأبيات استشهد فيها معاوية فى جوابه عن رسالة عبد الله بن عباس.

(٢) غادت : أي باكرت. الحتف : الموت ، ومنع نعجة من الصرف لأجل الضرورة.

٤٧

اثارت عليها شفرة بكراعها

فظلت بها من آخر الليل تنحر (١)

شمت بقوم هم صديقك أهلكوا

أصابهم يوم من الدهر أعسر (٢)

جواب معاوية :

ولما وردت رسالة ابن عباس على معاوية انبرى إليها مجيبا بجواب تمثلت فيه المواربة والخداع ، وهذه صورته :

( أما بعد : فان الحسن كتب إلينا بنحو الذي كتبت به ، انبنى بما لم يحقّق سوء ظن ورأي فيّ ، وانك لم تصب مثلي ومثلكم ، وإنما مثلنا كما قال طارق الخزاعي يجيب أمية على هذا الشعر :

فو الله ما أدري ( وإني لصادق )

إلى أي من يتظنني اتعذر (٣)

أعنف إن كانت زبينة أهلكت

ونال بني لحيان شر فأنفروا (٤)

وهذا الجواب يضارع الجواب الذي بعثه إلى الامام فى انكاره لما أبداه من السرور والفرح بموت الامام ، كما احتوى جوابه على الدهاء والمؤاربة ، فاما قوله لابن عباس إن الحسن قد انبنى ، فالامام الحسن وإن أنبه ولامه على إظهاره

__________________

(١) الشفرة : السكين العريضة ، وحد السيف ، وجانب النصل ، الكراع : مستدق الساق وجاء فى المثل ( كالباحث عن المدية ) ويروى عن ( الشفرة ) وفي آخر ( كباحثة عن حتفها بظلفها ) وأصله ان رجلا كان جائعا فوجد شاة ولم يكن معه ما يذبحها به فبحثت الشاة الأرض بأظلافها فسقطت على شفرة فذبحها بها يضرب مثلا لكل من أعان على نفسه بسوء تدبيره.

(٢) الأغاني : ( ج ٨ ص ٦٢ ) شرح ابن ابي الحديد ( ج ٤ ص ١٢ )

(٣) يتظننى : يتهمني.

(٤) نفروا : شردوا.

٤٨

للمسرات بمقتل الإمام إلا أنه تهدده وتوعده باعلانه للحرب لما هو أهم من ذلك وأعظم وهو بعثه للعيون والجواسيس الى مملكته فان هذه الجهة قد أعرض عنها لئلا يذاع نشاط الإمام وعزمه على إعلان الحرب فتخور عزائم جنده وتقوى نفوس أصحاب الإمام.

رسالة ابن عباس للامام :

وعلى أثر ذلك بعث الحازم اليقظ عبد الله بن عباس رسالة الى الإمام ينشطه فيها على إثارة الحرب ومقاومة معاوية ومناجزته ، حتى النفس الأخير وقد دلت رسالته على درايته الواسعة واطلاعه الوافر بفنون السياسة ومعرفته التامة بنفوس المجتمع ووقوفه التام على نفسيات الأمويين واتجاههم السيئ نحو الإسلام والمسلمين وهذا نصها :

« أما بعد : فان المسلمين ولّوك أمرهم بعد علي عليه‌السلام فشمر للحرب وجاهد عدوّك وقارب أصحابك ، واشتر من الظنين دينه بما لا يثلم لك دنياه (١) وولّ (٢) أهل البيوت والشرف تستصلح به عشائرهم حتى يكون الناس جماعة فان بعض ما يكره الناس ما لم يتعد الحق ، وكانت عواقبه تؤدي (٣) إلى ظهور العدل وعز الدين خير من كثير مما يحبه الناس إذا كانت عواقبه تدعوا الى ظهور الجور وذل المؤمنين وعز الفاجرين. واقتد بما جاء عن أئمة العدل فقد جاء عنهم أنه لا يصلح الكذب إلا في حرب ، أو اصلاح

__________________

(١) الظنين : المتهم. ويروى ( واستر من الظنين ذنبه بما لا يثلم دينك ).

(٢) وفى رواية ( واستعمل ) وفى أخرى ( ووال ).

(٣) وفى رواية ( تدعو ).

٤٩

بين الناس فان الحرب خدعة (١) ولك فى ذلك سعة إذ كنت محاربا ما لم تبطل حقا.

واعلم أن عليا أباك إنما رغب الناس عنه الى معاوية أنه آسى (٢) بينهم فى الفيء وسوّى بينهم في العطاء ، فثقل عليهم ، واعلم أنك تحارب من حارب الله ورسوله فى ابتداء الإسلام حتى ظهر أمر الله. فلما وحد الرب ، ومحق الشرك وعز الدين أظهروا الإيمان وقرءوا القرآن مستهزئين بآياته ، وقاموا الى الصلاة وهم كسالى وأدّوا الفرائض وهم لها كارهون ، فلما رأوا أنه لا يعز في الدين إلا الأتقياء الأبرار توسموا بسيما الصالحين ليظن المسلمون بهم خيرا فما زالوا بذلك حتى شركوهم فى أماناتهم وقالوا حسابهم على الله فان كانوا صادقين فاخواننا في الدين وإن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين ، وقد منيت بأولئك وبأبنائهم وأشباههم ، والله ما زادهم طول العمر إلا غيا ، ولا زادهم ذلك لأهل الدين إلا مقتا فجاهدهم ولا ترض دنية ولا تقبل خسفا (٣) فان عليا أباك لم يجب الى الحكومة حتى غلب على أمره فأجاب وإنهم يعلمون أنه أولى بالأمر إن حكموا بالعدل فلما حكموا بالهوى رجع الى ما كان عليه حتى أتى عليه أجله ولا تخرجن من حق أنت أولى به حتى يحول الموت دون ذلك والسلام (٤) واحتوت هذه الرسالة على أمور بالغة الأهمية هي :

١ ـ أن ابن عباس عرض على الإمام أن يولي الأشراف وذوي

__________________

(١) الحرب خدعة : مثلاثة الخاء ، وبضمها مع فتح الدال أي تنقضي بخدعة.

(٢) آسى : أي سوى.

(٣) خسفا : أي ذلا.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ج ٤ ص ٨. رسائل جمهرة العرب ج ٢ ص ١.

٥٠

النفوذ ، ويشرى من الظنين دينه ليقضي بذلك على روح التفرقة ، ويكون الناس جماعة واحدة ، حتى يتمكن من مناجزة معاوية ومقاومته ، وغفل ابن عباس ان ذلك يتنافى مع السياسية الرشيدة التي انتهجها أهل البيت فانها بنيت على الحق الخالص ، وعلى شجب كافة الوسائل التي لا تتفق مع المبادئ الإسلامية وإن توقف عليها الظفر والنصر ، وسنذكر ذلك بمزيد من التوضيح عند عرض أسباب الصلح.

٢ ـ واشتملت هذه الرسالة على أهم الأسباب الوثيقة التي أدت الى خذلان الإمام فى دور خلافته ونجاح معاوية فى عهد حكومته ، فان الإمام قد انتهج سياسة العدل والمساواة فسوى بين المسلمين فى العطاء فلم يقدم أحدا على أحد فى العطاء عملا بما أمر به الإسلام ونصت عليه مبادئه العادلة التي محت التفاوت بين الأبيض والأسود وهدمت الحواجز بين الغني والفقير وجعلت ( الناس سواسية كأسنان المشط كلهم من آدم وآدم من تراب ) لا ميزة لأحد على أحد إلا بالتقوى ، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالعمل والكفاءة ، سار الإمام علي (ع) على هذه السياسة العادلة ومشى على هذه الخطة الواضحة حتى ضرب الرقم القياسي للمساواة والعدل فمن بوادر عدله انه ساوى بين سيدة قرشية ، وبين أمة في العطاء فغاظ القرشية ذلك وأقبلت إليه وهي محنقة مغيظة تقول بحرارة :

« أتساوي فى العطاء بيني وبين هذه الأمة؟ »

فرمقها الإمام بطرفه وأخذ بيده قبضة من التراب وجعل يقلبه بيده وهو يقول :

« لم يكن بعض هذا التراب أفضل من بعض ».

لقد ثقل على الناس هذه المساواة وشق عليهم هذا العدل لأنهم

٥١

لا يتطلبون إلا مصالحهم الخاصة ، فلذا زهدوا في حكومته وخضعوا لحكومة الظلم حكومة معاوية الذي لا هدف له إلا إشباع شهواته ، وتحقيق رغباته.

٣ ـ وأعرب ابن عباس في رسالته عن دراسته الوثيقة لنفسيات الأمويين ومعرفته بما انطوت عليه قلوبهم ، فلقد بيّن أنهم مجموعة من الملحدين والمشركين « كما هم كذلك » فاذا حاربهم الإمام فانما يحارب من حارب الله ورسوله حينما بزغ نور الاسلام فانه لما كتب الله النصر لدينه وقهر سلطان الإسلام العرب دخلت أمية فيه لكن لا إيمانا منهم بقضيته بل خوفا من حر السيف ، ورهبة الموت ، فكانوا يتظاهرون باعتناق الإسلام فيقرءون آيات الذكر الحكيم ولكن قراءة استهزاء وسخرية لا إيمانا واعتقادا به وكانوا يقيمون الصلاة ولكنهم يؤدونها وهم كسالى ، ويقيمون فرائض الإسلام ولكن عن كره ونفاق ، ولما رأوا أن خطتهم مغلوطة ولا تضمن لهم النجاح ، ولا تكفل لهم السعادة إذ لا يعز في هذا الدين إلا الأبرار الصلحاء لقوله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١). أظهروا ـ تدليسا ورياء ـ الصلاح والتقى والإيمان وأضمروا في دخائل نفوسهم الشرك والنفاق والحقد على الإسلام ، وظلوا على هذا الحال يظاهرون الطاعة لله والانقياد لأوامره وأحكامه حتى أشركهم المسلمون في امورهم وشئونهم ولكن المسلمين مع ذلك كانوا مرتابين منهم شاكين في أمرهم على ريب من صدقهم.

٤ ـ واحتوت هذه الرسالة على حث الإمام وتحريضه لمحاربة هؤلاء المنافقين والمارقين من الدين ، ومواصلة حربهم حتى النفس الأخير لتستريح الأمّة من شرهم ، وتسلم من مكرهم وغوائلهم. ولا شك ان هذه

__________________

(١) سورة الحجرات آية ١٣.

٥٢

الرسالة التي دبجتها يراعة هذا الحبر الجليل كان لها موقع حسن في نفس الإمام فقد حفزته الى مناجزة معاوية ومقاومته ، وإعلان الحرب عليه.

رسالة الامام الى معاوية :

وأرسل الإمام رسالة أخرى الى معاوية يدعوه الى مبايعته ، وطاعته والدخول فيما دخل فيه المسلمون. وقد أرسل هذه الرسالة بيد شخصين من عيون المؤمنين وثقات الإسلام وهما الحارث بن سويد التميمي (١) وجندب الأزدي (٢) وإليك نص رسالته :

« من عبد الله الحسن أمير المؤمنين ، الى معاوية بن أبي سفيان.

أما بعد : فان الله بعث محمدا (ص) رحمة للعالمين فأظهر به الحق ، وقمع به الشرك ، وأعزّ به العرب عامة ، وشرّف به قريشا خاصة ،

__________________

(١) الحارث بن سويد التميمي : هو أبو عائشة الكوفي روى عن جماعة من ثقات الصحابة منهم الإمام علي وابن مسعود ، وروى عنه جماعة من الثقات وقد عظّم الروات شأنه فقال ابن معين : إنه ثقة. وقال غيره : إنه أجود اسناد روى عن الإمام علي وقد أطرى على الرجل وأثنى عليه بثناء عاطر ويكفيه فضلا أنه ثقة الإمام الحسن ومعتمده الذي بعثه لمعاوية توفى في أواخر أيام عبد الله بن الزبير ، جاء في تهذيب التهذيب ج ٢ ص ١٧٣.

(٢) جندب الأزدي العامري يكنى أبو عبد الله وهو أحد الصحابة وقد روى عن النبي (ص) أنه قال : ( حد الساحر ضربه بالسيف ) روى عن جماعة من الصحابة منهم الإمام علي (ع) وسلمان الفارسي ، وروى عنه جماعة آخرون وذكره ابن حيان من ثقات التابعين ، توفي في آخر خلافة معاوية. جاء ذلك في تهذيب التهذيب ج ٢ ص ١١٨.

٥٣

فقال : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) (١) ، فلما توفاه الله تنازعت العرب في الأمر بعد ، فقالت قريش : نحن عشيرته وأولياؤه فلا تنازعونا سلطانه فعرفت العرب لقريش ذلك وجاحدتنا قريش ما عرفت لها العرب ، فهيهات ما انصفتنا قريش ، وقد كانوا ذوي فضيلة في الدين ، وسابقة في الإسلام ، ولا غرو إلا منازعتك إيانا الأمر بغير حق في الدنيا معروف ، ولا أثر في الإسلام محمود ، فالله الموعد ، نسأل الله معروفه أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا عنده في الآخرة.

إن عليا لما توفاه الله ولاني المسلمون الأمر بعده ، فاتق الله يا معاوية وانظر لأمة محمد (ص) ما تحقن به دماءها وتصلح به أمرها والسلام » (٢)

وتروى هذه الرسالة بصورة أخرى أبسط من هذه الصورة وأوفى نذكرها لما فيها من مزيد الفائدة :

« من الحسن بن علي أمير المؤمنين ، الى معاوية بن أبي سفيان ، سلام عليك فاني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فان الله جل جلاله بعث محمدا رحمة للعالمين ، ومنة للمؤمنين ، وكافة للناس أجمعين ( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) (٣) فبلغ رسالات الله وقام بأمر الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان ، وبعد أن أظهر الله به الحق ، ومحق به الشرك ، وخصّ به قريشا خاصة. فقال له : « وإنه لذكر لك ولقومك » ، فلما توفى تنازعت سلطانه العرب ، فقالت قريش : نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد وحقه ،

__________________

(١) سورة الزخرف آية ٤٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ج ٤ ص ٩.

(٣) سورة يس آية ٧٠.

٥٤

فرأت العرب أن القول ما قالت قريش وان الحجة في ذلك لهم على من نازعهم أمر محمد ، فأنعمت لهم (١) وسلمت إليهم ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاججت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها ، إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والاحتجاج فلما صرنا أهل بيت محمد وأولياءه الى محاججتهم وطلب النصف (٢) منهم باعدونا ، واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا (٣) والعنت منهم لنا ، فالموعد الله وهو الولي النصير.

ولقد كنا تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا فى حقنا وسلطان بيتنا ، وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب (٤) في ذلك مغمزا يثلمونه به ، أو يكون لهم بذلك سبب الى ما أرادوا من إفساده ، فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله. لا بفضل فى الدين معروف ، ولا أثر في الإسلام محمود ، وأنت ابن حزب من الأحزاب ، وابن أعدى قريش لرسول الله (ص) ولكتابه ، والله حسيبك ، فسترد وتعلم لمن عقبى الدار ، وبالله لتلقينّ عن قليل ربك ثم ليجزينك بما قدّمت يداك ، وما الله بظلاّم للعبيد.

__________________

(١) أنعم له : أي قال له نعم.

(٢) النصف : الإنصاف.

(٣) راغمهم : نابذهم وعاداهم.

(٤) الأحزاب : هي التي تحزبت على قتال رسول الله (ص) من قريش وغطفان وبني مرة وبني أشجع وبني سليم وبني أسد في غزوة الأحزاب وهي غزوة الخندق وكان قائدهم العام أبا سفيان وذلك في السنة الخامسة من الهجرة.

٥٥

إن عليا لما مضى لسبيله ـ رحمة الله عليه يوم قبض ، ويوم منّ الله عليه بالإسلام ويوم يبعث حيا ـ ولاني المسلمون بعده ، فأسأل الله أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامة ، وإنما حملني على الكتاب إليك الاعذار فيما بيني وبين الله عز وجل فى أمرك ولك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم ، والصلاح للمسلمين فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي ، فانك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أوّاب (١) حفيظ ومن له قلب منيب ، واتق الله ودع البغي ، واحقن دماء المسلمين ، فو الله ما لك خير فى أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به وادخل فى السلم والطاعة ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحق به منك ليطفئ الله النائرة (٢) بذلك ، ويجمع الكلمة ، ويصلح ذات البين ، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين » (٣)

وحفلت هذه الرسالة ـ على كلتا الروايتين ـ بأمور مهمة :

١ ـ إن الإمام أعرب فيها عن شعوره تجاه الخلافة الإسلامية فهو فهو يرى أنها من حقوق أهل البيت (ع) لا يشاركهم فيها أحد ، وان من ابتزها منهم فقد اعتدى عليهم وسلب تراثهم ، وقد سلك الإمام في الاستدلال على رأيه الوثيق بعين ما استدلت به قريش على العرب في أحقيتهم بالخلافة من أنهم أقرب الناس الى النبي (ص) وأمس الناس رحما به ، فان هذا الشعار الذي هتفوا به موجود في أهل البيت على النحو الأكمل

__________________

(١) آب الى الله رجع عن ذنبه وتاب فهو أواب مبالغة.

(٢) النائرة : العداوة والبغضاء.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ج ٤ ص ١٢ ،

٥٦

فانهم فرع دوحته والصق الناس به وأقربهم إليه ، ومن الغريب ان العرب قنعت بحجة قريش ، ولكن القرشيين لم يخضعوا لمقالة أهل البيت ، نعم يعود السبب فى ذلك الى الأضغان والأحقاد التي أترعت نفوسهم بها فناصبوا عترة نبيهم ، وبالغوا في ارهاقهم ، والتنكيل بهم ، فواجهت العترة الطاهرة ألوانا قاسية من المحن والخطوب.

٢ ـ وذكر الإمام الحسن السر في إمساكهم وإحجامهم عن المطالبة بحقهم وذلك خوفا منهم على بيضة الإسلام وكلمة التوحيد من الأحزاب والمنافقين الذين مردوا على النفاق ، فقد قويت شوكتهم بموت النبي (ص) وأخذوا ينتهزون الفرصة لمحق الإسلام واستئصال شأفته ، فاثروا مصلحة الإسلام على ضياع حقهم ، وقد صرح الإمام أمير المؤمنين (ع) بذلك في كتابه الذي بعثه الى أهل مصر وقد جاء فيه :

« فلما مضى عليه‌السلام ، تنازع المسلمون الأمر من بعده ، فو الله ما كان يلقى فى روعي ، ولا يخطر ببالي ، ان العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أهل بيته ، ولا انهم منحوه عني من بعده ، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه ، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس عن الإسلام يدعون الى محق دين محمد (ص) فخشيت إن لم انصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوات ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب ... »

فلأجل الحفاظ على الإسلام والاحتياط على مصلحة المسلمين أمسكوا عن المطالبة بحقوقهم ، ولم يناجزوا القوم بالسيف ، وسلموا الأمر الى الله.

٣ ـ وأعرب الإمام الحسن في رسالته عن استغرابه من نزاع معاوية

٥٧

وتطاوله عليه وهو من الحزب الذي سعر الدنيا حربا على رسول الله (ص) وأثاروا عليه حفائظ الجاهلية وأحقادها ، فكيف ينازع حفيد النبي ووريثه على منصبه ومقامه!! وهناك باعث آخر من بواعث استغراب الإمام على منازعة معاوية له ، وهو أن معاوية ليس له فضل فى الدين معروف ، ولا أثر في الإسلام محمود ، وليست أي موهبة أو فضيلة حتى يستحق هذا المنصب العظيم في الإسلام.

٤ ـ وذكر (ع) لمعاوية عموم البيعة له بعد وفاة أبيه وان الأمّة قد أجمعت على مبايعته وعلى الانقياد إليه وهي حجة بالغة لو وعاها معاوية ورجع الى منطق الحق والصواب.

جواب معاوية :

ولما وصلت رسالة الإمام الى معاوية أجاب عنها بجواب يلمس فيه المكر والخداع ، وهذه صورته :

« أما بعد : فقد فهمت ما ذكرت به رسول الله (ص) وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كله ، وذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده ، فصرّحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر وأبي عبيدة الأمين وصالحاء المهاجرين فكرهت لك ذلك إن الأمّة لما تنازعت الأمر بينها رأت قريشا أخلقها به ، فرأت قريش والأنصار وذوو الفضل والدين من المسلمين أن يولوا من قريش أعلمها بالله وأخشاها له وأقواها على الأمر فاختاروا أبا بكر ولم يألوا (١) ولو علموا مكان رجل غير أبي بكر يقوم مقامه ، ويذب عن حرم الإسلام ذبه ، ما عدلوا بالأمر الى أبي بكر ، والحال اليوم بيني وبينك على ما كانوا عليه

__________________

(١) لم يألوا : أي لم يقصروا.

٥٨

فلو علمت أنك أضبط لأمر الرعية ، وأحوط على هذه الأمّة ، وأحسن سياسة ، وأكيد للعدو ، وأقوى على جمع الفيء ، لسلمت لك الأمر بعد أبيك ، فان أباك سعى على عثمان حتى قتل مظلوما فطالب الله بدمه ، ومن يطلبه الله فلن يفوته ، ثم ابتز الأمّة أمرها ، وفرّق جماعتها فخالفه نظراؤه من أهل السابقة والجهاد والقدم فى الإسلام ، وادعى أنهم نكثوا بيعته فقاتلهم فسفكت الدماء ، واستحلت الحرم ، ثم أقبل إلينا يدعي علينا بيعة ولكنه يريد أن يملكنا اغترارا فحاربناه وحاربنا ، ثم صارت الحرب الى أن اختار رجلا واخترنا رجلا ليحكما بما تصلح عليه الأمّة ، وتعود به الجماعة والألفة ، وأخذنا بذلك عليهما ميثاقا ، وعليه مثله ، وعلينا مثله على الرضا بما حكما ، فأمضى الحكمان عليه الحكم بما علمت وخلعاه فو الله ما رضى بالحكم ، ولا صبر لأمر الله ، فكيف تدعوني الى أمر إنما تطلبه بحق أبيك ، وقد خرج منه فانظر لنفسك ولدينك والسلام » (١).

وروى هذا الجواب بصورة أخرى أوسع وأبسط من الأولى وهذا نصه :

« من عبد الله معاوية أمير المؤمنين الى الحسن بن علي : سلام عليك فاني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت به محمدا رسول الله (ص) من الفضل وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كله قديمه وحديثه وصغيره وكبيره وقد والله بلغ وأدى ونصح وهدى حتى أنقذ الله به من الهلكة ، وأنار به من العمى ، وهدى به من الجهالة والضلالة ، فجزاه الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته وصلوات الله عليه يوم ولد ويوم بعث ويوم قبض ويوم يبعث حيا ، وذكرت وفاة

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ج ٤ ص ٩.

٥٩

النبي (ص) وتنازع المسلمين بعده وتغلبهم على أبيك فصرحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وأبي عبيدة الأمين وحواري (١) رسول الله (ص) وصالحاء المهاجرين والأنصار فكرهت ذلك لك ، إنك امرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين ، ولا المسيء ، ولا اللئيم ، وأنا أحب لك القول السديد والذكر الجميل.

إن هذه الأمّة لما اختلفت بينها لم تجهل فضلكم ، ولا سابقتكم ، ولا قرابتكم من نبيكم ، ولا مكانكم في الإسلام وأهله ، فرأت الأمّة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانتها من نبيها ، ورأى صالحاء الناس من قريش والأنصار ، وغيرهم من سائر الناس وعوامهم ، أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما ، وأعلمها بالله ، وأحبها له ، وأقواها على أمر الله فاختاروا أبا بكر. وكان ذلك رأي ذوي الدين والفضل ، والناظرين للأمة فأوقع ذلك فى صدوركم لهم التهمة ، ولم يكونوا متهمين ولا فيما أتوا بالمخطئين ولو رأى المسلمون أن فيكم من يغني غناءه (٢) ، ويقوم مقامه ، ويذب عن حريم الإسلام ذبه ما عدلوا بالأمر الى غيره رغبة عنه ، ولكنهم علموا في ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام وأهله ، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خيرا وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح ، والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد وفاة النبي (ص) ، فلو علمت أنك أضبط مني للرعية ، وأحوط على هذه الأمّة ، وأحسن سياسة ، وأقوى على جمع الأموال ، وأكيد للعدو لأجبتك الى ما دعوتني إليه ، ورأيتك لذلك أهلا ، ولكن قد علمت اني أطول منك ولاية ، وأقدم منك بهذه

__________________

(١) الحواري : الناصر والمعين أو ناصر الأنبياء.

(٢) الغناء : النفع ، وأغنى غناءه أجزأ عنه ، وقام مقامه.

٦٠