حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

الحسين حسب إرادته ، النبي يخطب والحسين يدرج في المسجد فيعثر فيقطع النبي خطبته ، ويعدو إليه ويحتضنه ويقول : « قاتل الله الشيطان ، الولد فتنة لما عثر ولدى هذا أحسست أن قلبي قد سقط مني » الى كثير من أمثال هذا مما صدر عنه سلام الله عليه في ولديه مما لست بصدد احصائه وجمعه ، ولكن أقول : إن هذا الشغف ، والحب اللامتناهي ليس لكونهما ابني بنته فحسب فان هذه النسبة لا تستوجب كل هذا العطف الخارق لسياج العرف والعادة ، ولكن لا شك ان هناك أسرارا وأسبابا هي أدق وأعمق ، أسرار روحية هي فوق هذه الوشائج الجسمية ، فهل ترى معى أن رسول الله (ص) لعله ارتفع عن أفق الزمان : وأشرف بروحيته المقدسة من نافذة الدهر ، وأطل على صحيفة التكوين من ألّفه إلى يائه ، فنظر الى الماضي والحاضر والآتى نظرة واحدة ، رأى الحوادث الآتية ممثلة بعينها في صحيفة الوجود لا بصورها على شاشة التمثيل ، رأى ما كابد ولداه من الدفاع عن دينه ، والحماية لشريعته والتضحية بأنفسهم وأموالهم وأولادهم ، وأنهم ارخصوا في المفادات كل غال وعزيز ، تجرع الحسن السم من معاوية مرارا حتى قضى بالمرة الأخيرة التي تقيا بها كبده قطعة قطعة ، ثم ضرب الحسين المثل الأعلى في التضحية والمفادات لحفظ شريعة جده ، فاستقبل السيوف والرماح والسهام وجعل صدره ونحره ورأسه ورئته ، وقاية عن المعاول التي اتخذها بنو أمية لهدم الاسلام ، وقلعه من اساسه ، ونصب نفسه وأولاده وانصاره ، الغر الميامين هدفا وشبحا لوقاية الاسلام من أن تنهار دعائمه ، وتنهد قواعده وقوائمه ، بهجمات الأمويين عليه ، حتى سلم الاسلام واشرقت أنواره ، وعلمت أسراره ، وهلك الكافرون وخسر هنالك المبطلون ، وكانت كلمة الله العليا ، وكلمة اعدائه السفلى ، وكل مسلم من أول اسلام الناس إلى اليوم بل وإلى يوم القيامة مدين ورهين بالشكر والمنة لهذين الامامين ، ولو لا

٢١

تضحيتهما التي ما حدث التأريخ بمثلها أبدا ، نعم لو لا تلك التضحية لعاد الناس بمساعي الأمويين الى جاهليتهم الأولى بل اتعس إذا ، فهل تستغرب من النبيّ (ص) تلك الحفاوة والتعظيم لهما وهما طفلان صغيران ، وقد عرف بل رأى بعين بصره تلك الحوادث الفجيعة ، وذلك الكفاح المرير من أجله وفي سبيله ، وكان يشمهما ويضمهما ويقول : « هما ولداى وريحانتاى » وباليقين انه كان يتنسم منهما العبق الربوبي ، ويتوسم بهما الألق الالهي وبهذا نعرف ويجب ان نعرف أن الحسن والحسين ، نور واحد لا يفضل احدهما على الآخر قدر عرض شعرة كل واحد منهما قد قام بواجبه ، وأدى رسالته وعمل بالمنهاج المقرر له من جده وأبيه ، والصك الذي تسلمه في أول يوم من إمامته ، إذا أردت التوسع في معرفة عظمة الحسن سلام الله عليه وشجاعته ، وبسالته ، وقوة قلبه ، وشدة عارضته ، وبليغ حجته ، وعدم أكتراثه بزخارف الملك ، وأبهة السلطان ، فانظر الى كلماته واحتجاجاته في مجلس معاوية مع رءوس المنافقين ، وضروس الكفرة الملحدين الذين كان معاوية يحرش بينهم وبين الحسن ليضحك على ذقونهم ، كابن العاص وابن شعبة ومروان ونظرائهم من زبانية جهنم الذين ما آمنوا بالله طرف عين ، انظرها واعجب بها ما شئت هناك تتمثل لك العظمة في أوج رفعتها وتتصور لك البسالة في موج لجتها ، وإن شئت المزيد فانظر الى كلماته في ساعة الموت ، ويوم انطلاقه من هذا السجن ، الكلمات التي قالها لأخيه محمد بن الحنفية فى حق أخيه الحسين ، هنالك تنفتح لك أغلاق أسرار الامامة ، ويتضح لديك إشراق أنوار النبوة والزعامة ، وتعرف المرعوية النبوية ، والولاية الكلية ، هنالك الولاية لله « والنبيّ أولى بالمؤمنين من انفسهم » ( ومن كنت مولاه فعلى مولاه ) « وإنما وليكم الله ورسوله » الآية

وقد زحف القلم ، وخرج عن المحدد ، واشتمر عن قصد الجادة

٢٢

وجادة القصد ، إنما القصارى التي أردتها من كلمتى هذه ان العداوة بين بنى هاشم وبنى أميّة ذاتية متأصلة هى عداوة الهدى للضلال ، والنور للظلام ويشهد لذلك انك لو استعرضت سيرة بنى أميّة من اولهم من عبد شمس إلى آخرهم مروان الحمار لم تجد في صحيفة الكثير بل الأكثر منهم إلا الغدر والمكر ونكث العهود ، والفسق والفجور ، والعهر والخنا وانباء الزنا إلى كل ما يتحمله لفظ الرذيلة من المعاني.

وإذا استعرضت سيرة بنى هاشم من أولهم ليومنا هذا لم تجد في صحيفة الكثير بل الأكثر منهم إلا كلما يتحمله لفظ الفضيلة من الوفاء والصدق والشجاعة والعفة ، وطهارة المولد ، وشرف النفس وعلو الهمة ، والتضحية في سبيل المبدأ ، وما الى ذلك من كرم الأخلاق ، وطهارة الأعراق ، وهب أن هناك من يعذر بنى أميّة في عداوتهم لبني هاشم ويقول : إنهم اتخذوها ذريعة ووسيلة الى الملك والسلطان ، ولكن ما عذر الموالين لبني أميّة في هذا العصر ما عذر الأموية الحديثة ، التي لا تنال بذلك حظا من حظوظ الدنيا ولا نصيبا في الآخرة.

( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ).

والحمد لله الذي فقأ عيني الكفر والنفاق ، وأقر عينى الاسلام والإيمان بالحسن والحسين ، والعترة الطاهرة ، ونسأله تعالى كما منّ علينا بمعرفتهم وولايتهم أن يحشرنا في زمرتهم ، ويكرمنا بشفاعتهم والبراءة من اعدائهم وعداوتهم :

أو إليكم ما دجت مزنة

وما اصطخب الرعد أو جلجلا

وأبرأ ممن يعاديكم

فان البراءة شرط الولا

٢٣

وحقا إن الزكى أبا محمد سلام الله عليه في المدة القصيرة التي عاشها بعد ابيه تحمل من الرزايا والمحن ما لم يحتملها نبي ، وما هي بأقل من المصائب التي جرت على أخيه أبي عبد الله «ع» يوم الطف ، فان النكبة الأليمة ، والضربة الأثيمة في الأخوين واحدة وإن اختلفت الأشكال والأساليب ، وكما أن الحسين قابل رزاياه بالصبر الذي عجبت منه ملائكة السماوات ، فكذلك الحسن قاتل عدوه ، وقابل الامة وارزائه بصبر عجيب. وصدر رحيب ما هان يوما ولا لان ، ولا تضرع ولا استكان ، وما أخذ من امواله التي اغتصبها معاوية منه وصارت العوبة بايدى بنى أميّة ، ما أخذ واحدا من آلاف بل من مئات الآلاف وكما لا مساغ للتفاضل بين هذين النيرين ، كذلك لا يصح القول بأن صبر الحسن دون صبر الحسين ، أو ان مصيبته اهون المصيبتين ، فسلام الله عليكما يا إمامى الهدى وسليلى على والزهراء ما ازهرت الفضيلة واكفهرت الرذيلة.

واختم كلمتي بابيات من خاتمة قصيدة رثاء لسيد الشهداء نظمتها منذ مدة تزيد على خمسين سنة استهلها :

حذوا الماء من عيني والنار من قلبي

ولا تحملوا للبرق منا ولا السحب

واختها :

بنى الشرف الوضاح والحسب الذي

تناهي فاضحى قاب قوسين للرب

لئن عدت الأحساب للفخر اوغدت

تطاول بالأنساب سيارة الشهب

فما نسبي إلا انتسابي إليكم

وما حسبي إلا بأنكم حسبى

حرر هذه الكلمة بانامله الرقيمة ، واقلامه السقيمة مرتجلا مترسلا في بضع سويعات آخرها يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان يوم وفاة سيد الوصيين وإمام الصديقين امير المؤمنين عليه آلاف السلام والتحية سنة ١٣٧٣ هـ

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

بمدرسة العلمية بالنجف الاشرف

٢٤

البيعة

٢٥
٢٦

واعتنى الاسلام بالخلافة (١) اعتناء بالغا فأناط بها المسئوليات الضخمة فجلها مسئولة عن نهضة المسلمين وتطوهم وانطلاقهم في ميادين العلم ، وتوجيههم نحو الخير وابعادهم عن مسالك الضلال والفساد ، والعمل على ايجاد الوسائل السليمة لأسباب قوتهم ورخائهم ، كما أوكل إليها حراسة الدين والحفاظ على شئونه ، وصيانة مثله فهي المحور الذي تدور عليه سياسته وسائر شئونه.

إن حقيقة الاسلام وفكرته شاملة لجميع المناحي الدينية والسياسية فقد الف بينهما وحدة متسقة وجعلهما كلا لا يتجزأ ، وقد ادرك هذه الحقيقة جمهور كبير من علماء المستشرقين يقول بعضهم :

( إن الاسلام ليس ظاهرة دينية فقط ، وانما اتى بنظام سياسي ذلك ان مؤسسه كان نبيا وكان حاكما مثاليا خبيرا بأساليب الحكم. )

وقال جيت : ( ان الاسلام لم يكن مجرد عقائد دينية فردية ، وانما استوجب اقامة مجتمع مستقل له أسلوبه المعين في الحكم وله قوانينه وانظمته الخاصة به. ) (٢)

إن الخلافة ترتبط بالاسلام ارتباطا وثيقا فهي جزء من برامجه وفصل من فصوله فلا بد من اقامتها على مسرح الحياة يقول الشيخ محمد عبده :

( الاسلام دين وشرع فقد وضع حدودا ، ورسم حقوقا وليس كل معتقد في ظاهر أمره بحكم يجري عليه في عمله فقد يغلب الهوى وتتحكم

__________________

(١) الخلافة : في الاصل مصدر خلف ، يقال : خلفه في قومه خلافة فهو خليفة ، ومنه قوله تعالى : « وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى في قومى » ثم أطلقت في العرف على الزعامة العظمى وهي الولاية العامة على كافة الأمة ، والقيام بأمورها والنهوض بأعبائها.

(٢) النظام السياسي فى الاسلام : ص ١٥.

٢٧

الشهوة فيغمط الحق ، ويتعدى المعتدي الحد فلا تكمل الحكمة إلا إذا وجدت قوة لاقامة الحدود وتنفيذ حكم القاضي وصون نظام الجماعة. ) (١)

إن الاسلام جاء بمجموعة كاملة من النظم والقوانين تهدف إلى تنظيم الحياة وصيانة الحقوق والقضاء على الغبن والظلم ، وبسط الأمن والعدل فى البلاد ، ومن الطبيعي انها تحتاج إلى قوة ودولة لتقوم بحمايتها وتطبيقها على واقع الحياة.

أما من يتولى قيادة الحكم وإدارة شئون البلاد فقد تحدث الامام أمير المؤمنين (ع) عما يعتبر فيه من الصفات بقوله :

( وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالى على الفروج ، والدماء ، والمغانم ، والاحكام وإمامة ، المسلمين البخيل فتكون في اموالهم نهمته (٢) ولا الجاهل فيضلهم بجهله ، ولا الجافى فيقطعهم بجفائه ، ولا الحائف للدول (٣) فيتخذ قوما دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ، ويقف فيها دون المقاطع (٤) ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة ... ) (٥)

إن من يلى امور المسلمين ويتولى ادارة شئونهم ـ فى نظر الامام ـ

__________________

(١) الاسلام والنصرانية : ص ٦٥.

(٢) النهمة : ـ بالفتح ـ الافراط فى الشهوة ، المبالغة فى الحرص.

(٣) الحائف : من الحيف : الجور والظلم ، والدول : جمع دولة ـ بالضم ـ وهو المال لأنه يتداول به وينتقل من يد إلى يد ، وفى التنزيل ( كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) والمراد من كلامه (ع) ان الوالى ليس له أن يحيف فى الأموال بأن يفضل قوما على قوم فى العطاء من دون سبب موجب لذلك.

(٤) المقاطع : الحدود التي عينها الله لها.

(٥) نهج البلاغة محمد عبده ٢ / ١٩.

٢٨

لا بد أن يكون ندي الكف بعيدا عن البخل عالما بما تحتاج إليه الامة غير حائف للدول ، ولا مرتشي فى اعماله ، ولا معطل لحدود الله وسنة نبيه فانه اذا تجرد من هذه الصفات واجهت الأمة ـ فى عهده ـ سيلا عارما من المحن وتعرضت البلاد للازمات والنكبات.

وأعرب الذكر الحكيم فى قصة ابراهيم (ع) عمن يستحق الامامة من ذريته قال تعالى : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) وذكر المفسرون أن المراد بالعهد هو الامامة والإمامة هى الخلافة (٢) فلا ينالها من تلبس بالظلم فى أي مرحلة من حياته (٣) سواء أكان الظلم للنفس (٤) أو للغير فانه لا يمنح بذلك اللطف.

لقد اهتم الاسلام اهتماما كثيرا فيمن يلى امور المسلمين فالزم ان يكون مثالا للعدل وعنوانا للحق ورمزا للعدل والفضائل ليرعى مصالح الأمة ويحقق فى ربوعها جميع ما تصبوا إليه من العزة والكرامة ولم نتوفر الصفات الرفيعة التي يتطلبها الاسلام فى القيادة الرشيدة إلا فى أهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين قرنهم النبي (ص)

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٢٤.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢. ٢ ط صيدا.

(٣) هذا مبني على ما ذهب إليه بعض علماء الاصول فى بحوث المشتق من أنه حقيقة فى الأعم ممن تلبس بالمبدإ ومن انقضى عنه.

(٤) الظلم للنفس : كالسجود للاصنام وغير ذلك من الاخلاق الذميمة ، وقد استدل علماء الشيعة بالآية الشريفة على أحقية أمير المؤمنين بالخلافة دون غيره لأنه لم يظلم نفسه بالسجود للاصنام التي سجد لها غيره من الصحابة قبل بزوغ نور الاسلام.

٢٩

بكتاب الله العزيز ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ وجعلهم سفنا للنجاة وأمنا للعباد ، ومن الطبيعي أن ذلك لم يكن ناشئا إلا عن مدى أهميتهم ، وقد تحدث الامام أمير المؤمنين (ع) عما مثل فيهم من الصفات والنزعات بقوله :

« هم عيش العلم ، وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم. لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه هم دعائم الاسلام ، وولائج الاعتصام (١) بهم عاد الحق فى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية (٢) لا عقل سماع ورواية فان رواة العلم كثير ورعاته قليل ... » (٣)

وبالاضافة الى هذه القابليات والمواهب التي يتمتعون بها فان النبي (ص) نصّ على اختصاص الخلافة فيهم وانهم أحق بالأمر من غيرهم ، وقد تواترت النصوص (٤) الواردة منه بذلك كقوله :

« لا يزال هذا الدين قائما حتى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة .. كلهم من قريش ».

وقال (ص) : « يكون بعدي اثنا عشر أميرا. وقال : كلهم من قريش .. »

__________________

(١) الولائج : جمع وليجة ، وهي المحل الذي يعتصم فيه من المطر والبرد.

(٢) عقل الوعاية : الحفظ في فهم ، الرعاية : ملاحظة تعاليم الدين وتطبيق العمل عليها أما السماع والرواية من درن فهم وعمل فمنزلتهما منزلة الجهل.

(٣) نهج البلاغة محمد عبده ٢ / ٢٥٩.

(٤) التواتر : الاستفاضة في نقل الخبر بحيث يؤدي الى القطع بصدقه وذلك فيما إذا أحال العقل تواطؤ المخبرين على الكذب ، ولذا كان الخبر المتواتر من أهم الأسباب المؤدية الى القطع بالأشياء.

٣٠

الى غير ذلك من الأحاديث الدالة بصراحتها وحصرها على اختصاص الخلافة فيهم ، وانهم سفن النجاة وهداة العباد.

ومن الأئمة الطاهرين الاثنى عشر الذين أقامهم الرسول (ص) خلفاء من بعده وأمناء على تبليغ رسالته الامام الحسن ريحانته وسبطه الأكبر فقد نصبه اماما على أمته وقال فيه وفي أخيه : « الحسن والحسين امامان إن قاما وإن قعدا ». ونص على امامته الامام أمير المؤمنين (ع) وأقامه علما من بعده ، بعد أن اغتاله ابن ملجم ، وقد فزع إليه المسلمون بعد موت أمير المؤمنين وأجمعوا على مبايعته ، فقد اجتمعوا في جامع الكوفة سنة أربعين من الهجرة في صبيحة احدى وعشرين من شهر رمضان المبارك ، وأقبل عليه‌السلام وقد احتفت به البقية الباقية من صالحاء المهاجرين والأنصار فاعتلى منصة الخطابة فابتدأ ـ بعد حمد الله والثناء عليه ـ بتأبين فقيد العدالة الكبرى الامام أمير المؤمنين وتعداد بعض فضائله ومواهبه فقال :

« لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ، ولم يدركه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول الله (ص) فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله (ص) يوجهه برايته فيكنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم (ع) وقبض فيها يوشع بن نون وصي موسى (ع) وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ».

وتمثلت صورة أبيه أمامه فخنقته العبرة وأرسل ما في عينيه من دموع وكذلك بكى جميع من حضر في جنبات الحفل ، وساد الحزن وعم الأسى ثم استأنف الامام خطابه فأعرب للناس سمو مكانته وما يتمتع به من الشرف

٣١

والمجد قائلا :

« أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي ، وأنا ابن البشير النذير ، وأنا ابن الداعي الى الله باذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي كان جبرئيل ينزل إلينا ، ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل بيت افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى لنبيه (ص) : « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، ومن يقترف حسنة نزد له منها حسنا » فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ».

وحفل خطابه البليغ بما يلي :

١ ـ انه عرف الناس بجهاد ابيه وعظيم بلائه في الإسلام ووقايته لرسول الله (ص) بنفسه في جميع المواقف والمشاهد وقد أبّنه بكلمة تمثلت فيها بلاغة الاعجاز وروعة الايجاز وهي قوله : « فهو لم يسبقه الأولون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل » ومن كان لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون كان أعظم شخصية بزت جميع المصلحين والعظماء في جميع مراحل التاريخ وحقا انه كذلك ، فليس في جميع فترات الزمن وآناته قديما وحديثا أحد فاق الامام أو يفوقه في مثله وأعماله وجهاده وذبه عن حظيرة الإسلام.

٢ ـ وأبان (ع) في خطابه الرائع قداسة الليلة التي رحل فيها أبوه الى جنان الخلد. فلقد عرج فيها الى السماء المسيح عيسى بن مريم (ع) ورحل فيها إلى جواره تعالى يوشع بن نون وصي موسى (ع). وفي هذه الليلة العظيمة انتقل الى جوار الله سيد الأوصياء ، وعميد الأتقياء ، وحامى

٣٢

حوزة الإسلام الامام علي (ع) فهي ـ بحق ـ أشرف الليالي وأسماها عند الله.

٣ ـ وأعرب (ع) لذلك الحفل الحاشد زهد أبيه وعدم اعتنائه بدنياه فلقد رحل عنها ولم يخلف من حطامها شيئا ، وقد كان في استطاعته أن يسكن أفخم القصور ، ويلبس الحرير والديباج ، ويأكل ما لذّ من الطعام ويتخذ العبيد والاماء ولكنه ترك كل ذلك رغبة فيما أعد الله له فى دار البقاء من النعيم والكرامة والسعادة ، وما أفاض عليه في هذه الدنيا من خلود الاسم والثناء العاطر والذكر الحسن المقرون بالاكبار والتقديس عند الناس جميعا!! لقد وافى الامام عليا الأجل المحتوم وما خلف سوى ثمالة من المال يتركها أقل البائسين والضعفاء ، وهو سلطان المسلمين وزعيمهم ، تجبى له الأموال الطائلة من شتى الأقطار الإسلامية ولكنه (ع) أبى أن يأخذ منها شيئا.

٤ ـ وتضمن خطابه (ع) دعوة الناس إلى مبايعته ، وقد كانت دعواه رائعة بكل ما للروعة من معنى ، فلقد عرّف نفسه إلى الجماهير بأنه ابن الداعي إلى الله ، وابن السراج المنير ، وانه ممن أذهب الله عنهم الرجس والأباطيل ، وهل هناك أحد أحق بالخلافة من شخص التقت به هذه الكمالات ، واجتمعت فيه هذه الفضائل.

ولما انهى (ع) خطابه الذي لم يرو التأريخ الا شطرا منه انبرى عبيد الله بن العباس فحفز المسلمين إلى المبادرة لمبايعته قائلا :

( معاشر الناس هذا ابن نبيكم ، ووصي إمامكم فبايعوه ).

واستجاب الناس لهذه الدعوة المباركة فهتفوا بالطاعة ، واعلنوا الرضا والانقياد قائلين :

٣٣

( ما أحبه إلينا وأوجب حقه علينا وأحقه بالخلافة ) (١).

وانثالوا على الامام يبايعونه وهم ( إنما يبايعون الله ورسوله )

وأول من بايعه المؤمن الثائر والحازم اليقظ الزعيم قيس بن سعد الأنصاري فقال له بنبرات تقطر حماسا وشوقا إلى حرب اعداء الله وخصوم الاسلام :

( ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وقتال المحلين ).

وثقل على الامام أن يعزب عن قيس من أن العمل على كتاب الله وسنة نبيه والسير على أضوائهما يغني عن اشتراط قتال المحلين لأن فيهما تبيانا لكل شيء ، فقال له بلطف ولين :

( على كتاب الله ، وسنة نبيه ، فانهما يأتيان على كل شرط ) (٢)

وذكر ابن قتيبة أن الامام كلما قصدته كوكبة من الناس لتبايعه يلتفت إليها قائلا :

( تبايعون لى على السمع والطاعة ، وتحاربون من حاربت وتسالمون من سالمت ).

ولما سمعوا هذا الشرط احجموا عن البيعة (٣) وأمسكوا أيديهم عنها ،

__________________

(١) مقاتل الطالبيين ص ٣٤ ، الارشاد ص ١٦٧.

(٢) تأريخ ابن الأثير ج ٣ ص ١٧٤ ، تأريخ ابن خالدون ج ٢ ص ١٨٦.

(٣) البيعة : هى العهد على الطاعة لأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له أمر النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه على ذلك ... ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر ... وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم فى يده تأكيدا للعهد فاشبه ذلك كلا من البائع والمشتري ... فسمي بيعة ذكر ذلك ابن خالدون في مقدمته ص ١٩٧ ، والبيعة نوع من العقد الاجتماعي الذي ذكره ( جان جاك روسو )ـ

٣٤

وقبض الحسن يده ، فانثالوا نحو الحسين ، وهم يهتقون :

( ابسط يدك نبايعك على ما بايعنا عليه أباك ، وعلى حرب المحلين الضالين أهل الشام ).

فردعهم الحسين قائلا :

( معاذ الله أن أبايعكم ما كان الحسن حيا ).

وبعد ما رفض الحسين (ع) طلبهم أقبلوا نحو الحسن فبايعوه وهم مكرهون (١) وهذا القول بعيد فانه يدل على رغبة الامام في السلم فى أول الأمر وهو مناف لمواقفه العديدة فى إمضائه للحرب وعدم رغبته فى الموادعة والمسالمة مع خصمه كما ـ سنذكره بالتفصيل ـ ولو سلمنا صحة ذلك فانما كان مع الخوارج الذين يريدون خلق الاضطرابات والشغب في المجتمع العراقي واذاعة الخوف والارهاب بينهم بعزم الامام على الحرب ويدل على ذلك إحجامهم عن البيعة فى أول الأمر وذلك يكشف عن اضطراب نفوسهم وعدم ثقتهم وايمانهم بالخليفة الجديد ، وهذا مما عرفت به الخوارج وأما شيعته وأصحابه وخواصه فان نفوسهم قد ملئت ايمانا وثقة وحبا واخلاصا له.

ومهما يكن من شي ، فان هذا الحديث كما كان يتضمن السلم كذلك يتضمن إمضاء الحرب والتصميم عليه ، فهو جامع بين الأمرين السلم لمن دخل في الطاعة والحرب لمن خرج عنها سواء أكانوا من الخوارج أم من أهل الشام ولكن

__________________

ـ وتقوم هذه النظرية على اساس ان الاجتماع الذي يقع بين الناس في صورة شعب أو أمة انما يقوم على تعاقد بين الافراد ... فكل فرد قد دخل مع أفراد فراد مجتمعه فى عملية تعاقد ، ويقضي ذلك بأن يصبح الفرد جزءا من المجتمع ، وقد استدل على هذه النظرية ( روسو ) وأوضح كثيرا من جوانبها فى كتابه العقد الاجتماعي.

(١) الامامة والسياسة ١ / ١٧٠.

٣٥

لم يرق ذلك للخوارج فلذا شاغبوا فى الأمر وأرادوا الحرب خاصة لأهل الشام لا تتعداها الى غيرهم ، وقبل ان نسدل الستار على هذا الفصل نقدم إلى القارئ الكريم أمورا تتعلق فى هذا الفصل وهي كما يلى :

١ ـ قبول الخلافة :

ويتساءل كثير من النقاد عن السبب في قبول الامام للخلافة مع ما منيت به الحاضرة الاسلامية من اخطار وعواصف وفتن ، فكان الأجدر به أن يتريث فى الأمر ولا يتسرع ( كما يقولون ) ولندع الجواب إلى سماحة المغفور له الحجة آل ياسين قال نضر الله مثواه :

أما أولا :

فلما كان الواجب على الناس دينا ، الانقياد إلى بيعة الامام المنصوص عليه كان الواجب على الامام ـ مع قيام الحجة بوجود الناصر ـ قبول البيعة من الناس.

أما قيام الحجة ـ فيما نحن فيه ـ فقد كان من انثيال الناس طواعية إلى البيعة فى مختلف بلاد الاسلام ما يكفي ـ بظاهر الحال ـ دليلا عليه ولا مجال للتخلف عن الواجب مع وجود شرطه.

وأما ثانيا :

فان مبعث هذا الانعكاس البدائي عن قضية الحسن عليه‌السلام هو النظر إليها من ناحيتها الدنيوية فحسب بينما الأنسب بقضية ( إمام ) ان يستنطقها الباحث من ناحيتها الدينية على الأكثر ، وكثير هو الفرق بين الدنيا والدين

٣٦

في نظر إمام ، والقضية من هذه الناحية ظفر لا خسارة ـ كما سنأتي على توضيحه في محله المناسب ـ وهي وإن تكن معرض آلام ، ولكنها آلام في سبيل الاسلام ، ومن أولى بالاسلام من الحسن (ع) وتحمل آلامه وإنما هو نبت بيته.

واما ثالثا :

فلم يكن الحسن في رفعة مكانه من زعماء المسلمين ، وفي نسبه الممتاز ومركزه من العلم ، بالذي يستطيع الفراغ وإن أراده عن عمد ، ولا بالذي يتركه الناس وإن أراد هو ان يتركهم ، وكان لا بد للرجات العنيفة في المجتمع الاسلامي أن تتدافع إليه ، تستدعيه للوثوب إحقاقا للحق وانكارا للمنكر كما وقع لأخيه الحسين عليه‌السلام في ظرفه (١).

ويأخذ شيخنا في الاستدلال على ضرورة قبول الامام للخلافة ، ولزوم تسرعه لإجابة الجماهير الهاتفة باسمه ، وعلى كل فليس هناك مجال للشك في أنه (ع) لو تقاعس عن الاعتلاء على العرش ، وترك الأمة حبلها على غاربها لوقعت في محاذير ومصاعب لا يمكن حلها ، ثم ما هو المبرر له في عدم التسرع في الأمر بعد ما أجمعت الأمة على مبايعته كما ذكر ذلك بالتفصيل سماحة المغفور له آل ياسين.

٢ ـ عموم البيعة :

واجمع العالم الاسلامي من اقصاه إلى ادناه على مبايعة الامام والانقياد لحكومته والخضوع لأمره ، فبايعه من الكوفة اثنان واربعون الفا على السمع

__________________

(١) صلح الحسن ص ٤٧.

٣٧

والطاعة وكذلك بايعه أهل البصرة والمدائن ، وجميع أهل العراق وبايعته فارس على يد زياد بن ابيه ، وبايعه الحجازيون واليمانيون ، على يد القائد العسكري الحازم اليقظ جارية بن قدامة وما تخلف أحد عن البيعة سوى معاوية ومن يمت به كما تخلف عن مبايعة الامام علي (ع) من قبل فكانت بيعته (ع) عامة على غرار بيعة أبيه.

٣ ـ احكام الدولة :

ولما تمت البيعة أخذ (ع) في إحكام دولته فرتب العمال ، ووظف المحنكين والأشراف من عدول المؤمنين وصالحاء المسلمين واعطى الاوامر الحازمة إلى الامراء وزاد في عطاء الجيش مائة مائة ، وكان الامام علي قد فعل ذلك يوم الجمل ، هذه هي الخطة الاولى من الاحسان والبر والمعروف التي افاضها على الجيش فملك بها القلوب والسيوف حتى قال ابن كثير : ( وأحبوه أشد من حبهم لأبيه ) (١) وهكذا أخذ (ع) يعمل مجدا في اصلاح دولته ، وإحكامها وصيانتها ، وقد خطب فيهم فكان منطق خطابه الحث على لزوم طاعته ووجوب الانقياد إليه لأنه من العترة الطاهرة ومن حلقات الثقل الأكبر الذي خلفه رسول الله (ص) في أمته وحذر (ع) رعيته من الاصغاء والانجراف بدعاية معاوية وبهتانه وكذبه وأمرهم بالتكاثف والاتحاد والوحدة ، لرد العدوان الأموي الذي يهدد المجتمع الاسلامي بالخطر ، وينذره بفقدان الحياة ، وقد تقدم نص هذا الخطاب في الحلقة الأولى من هذا الكتاب (٢).

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٨ ص ٤١.

(٢) الجزء الأول ص ٣٢٧.

٣٨

٤ ـ اخطاء تأريخية :

ووقع فريق من المؤرخين وكتاب العصر في اخطاء حول بيعة الامام الحسن نشأت من قلة التتبع رأينا من اللازم التنبيه عليها.

١ ـ المسعودي :

ذكر المسعودى : ( أن الامام بويع بعد وفاة أبيه بيومين ) (١) وهذا القول لا يتفق مع ما ذكره جمهور المؤرخين من أنه بويع له في صبيحة الليلة التي وارى فيها جثمان أبيه عليه‌السلام.

٢ ـ فريد وجدي :

وذكر الاستاذ السيد محمد فريد وجدي أن الحسن (ع) : ( بويع له في الخلافة قبل وفاة والده ، ولما انتهت البيعة توفي والده ) (٢) وهذا القول كالقول السالف في مخالفته لاجماع المؤرخين ، فقد أجمعوا على أن البيعة كانت بعد مقتل الامام بلا فصل ، ولم يذكر مؤرخ ـ فيما نعلم ـ أنه بويع للامام في حياة أبيه.

٣ ـ الخضري :

ذكر الشيخ محمد الخضري في بيعة الامام ما نصه : ( نظر الحسن إلى بيعته في انها ليست كبيعة أبيه لأنها ليست عامة ، ولكنها قاصرة على شيعتهم من أهل العراق ) (٣) وهذا القول مجاف للواقع فان بيعة الامام لم تكن قاصرة على أهل العراق من الشيعة ، فان عمال الامام في جميع الاقطار الاسلامية قد أخذوا له البيعة من المسلمين ـ كما ذكرناه سابقا ـ ولم

__________________

(١) التنبيه والاشراف ص ٢٦٠.

(٢) دائرة المعارف ج ٣ ص ٤٤٣ ، كنز العلوم واللغة ص ٣٨٠ لفريد وجدي

(٣) اتمام الوفاء في سيرة الخلفاء ص ٢٢٥.

٣٩

تبق هناك أي حاظرة من الحواظر الاسلامية إلا بايعته سوى البلاد الخاضعة لمعاوية.

٤ ـ طه حسين :

قال الدكتور طه حسين في بيعة الامام الحسن : ( ومهما يكن من شيء فلم يعرض الحسن نفسه على الناس ، ولم يتعرض لبيعتهم وانما دعا الناس إلى هذه البيعة قيس بن عبادة فبكى الناس ، واستجابوا واخرج الحسن للبيعة .. ) (١) وما ذكره بعيد عن الصحة كل البعد وذلك لما يلي

١ ـ إن قوله : ( إن الحسن لم يعرض نفسه على الناس ، ولم يتعرض لبيعتهم ) لا واقعية له ويرده خطاب الحسن في تأبين أبيه ، فقد دعا الناس إلى مبايعته وحفزهم إلى طاعته وذلك بذكره للفضائل النسبية والنفسية التي اختص بها فان بيانها وهو في مقام تأبين أبيه ليس المقصود منه إلا إلا الدعوة لمبايعته ، وارشاد المجتمع الإسلامى الى أحقيته بالخلافة دون غيره.

٢ ـ وأما قوله : إن قيس بن سعد دعا الناس الى البيعة ولم يكن الإمام حاظرا فاستجابوا له ، وأخرج فبويع. فانه اشتباه ظاهر وخلط غريب لأن الدعوة الى البيعة إنما كانت بعد ما أنهى الإمام خطابه السالف ولم تكن قبل ذلك الوقت والذي دعا إليها عبيد الله بن العباس وأول من بايعه قيس بن سعد كما بينّا ذلك فيما تقدم .. إن أغلب بحوث الدكتور فى الإمام الحس كانت خالية عن التحقيق وبعيدة عن الصواب ، فقد مرّ فى صلح الإمام وفى سائر مناحي حياته مرور منطلق فلم يقف على الحقيقة ولم يقرب من الواقع ، وسنشير الى مواضع اشتباهه إن من الناحية التأريخية أو الاستنتاج التأريخي فى كثير من الجهات التي تخص البحث

__________________

(١) على وبنوه : ص ١٩٥.

٤٠