حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

زيادته تمنع الفقراء والبؤساء من الاقتران ، ولهذه الغاية النبيلة قال (ص) : « أفضل نساء امتي أقلهن مهرا » (١) ويقول الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام : كان الرجل على عهد رسول الله يتزوج المرأة على السورة من القرآن وعلى الدرهم وعلى الحنطة ، القبضة (٢) وقد زوج (ص) أحد أصحابه وجعل صداق زوجه تعليم سورة من القرآن الكريم (٣) ، لقد حثت الشريعة الاسلامية على الزواج وتساهلت في صداقه ، والغت التفاضل بين الزوجين ، وجعلت المسلم كفء المسلمة ، والحكمة فى ذلك هو قمع الفساد والقضاء على البغاء ، وتكثير النسل ، وقد خفيت هذه العلل والاسباب على « لامنس » الذي لا ينظر الى الاشياء الا من زاوية المادة فاستنتج النتيجة السالفة على غير هدى جاهلا بالنظم الاسلامية الداعية الى سعادة المجتمع ودفع الشقاء عنه.

خطبة العقد :

ولما تم شراء الجهاز دعا رسول الله (ص) جماعة من المهاجرين والانصار لحضور مجلس العقد فلما مثلوا عنده اجرى (ص) خطبة النكاح وهذا نصها :

« الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع بسلطانه ، المرهوب من عذابه وسطواته ، النافذ أمره في سمائه وارضه ، الذي خلق الخلق بقدرته ، وميزهم بأحكامه ، وأعزهم بدينه ، وأكرمهم بنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٤٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٦٦.

(٣) صحيح مسلم ١ / ٥٤٥.

٤١

او شج به الارحام والزمها الأنام ، فقال عزّ من قائل : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً ) وأمر الله يجري الى قضائه ، وقضاؤه يجري إلى قدره ، ولكل قضاء قدر ، ولكل قدر أجل ، ولكل أجل كتاب ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) ثم ان الله عز وجل أمرني أن ازوج فاطمة من علي ، وأشهدكم أني زوجت فاطمة من علي على اربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة ، فجمع الله شملهما ، وبارك لهما ، وأطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة ، وأمن الأمة اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .. »

ولم يكن الامام حاضرا مجلس العقد ، وإنما كان في حاجة لرسول الله (ص) وحينما انتهت خطبة العقد دخل امير المؤمنين على النبي (ص) فلما رآه تبسم وقال له :

« يا علي ، إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة ، واني قد زوجتكها على اربعمائة مثقال فضة » فقال أمير المؤمنين : رضيت ، وخر (ع) ساجدا لله شاكرا له ، ولما رفع رأسه من السجود قال (ص) : « بارك الله لكما وعليكما وأسعد جدكما واخرج منكما الكثير الطيب » (١)

وأمر الرسول (ص) أن يقدم للمدعوين وعاء فيه بسر ، وقال لهم : « انتهبوا فتخاطف المدعوون منه (٢) وبعد الفراغ تفرقوا وهم يدعون للزوجين بالسعادة والهناء والذرية الطاهرة.

__________________

(١) نور الابصار ص ٤٢ وذكرت مع اختلاف يسير في الرياض النضرة ٢ / ١٨٣ وذخائر العقبى ص ٢٩ وغيرها.

(٢) ذخائر العقبى ص ٣٠ ، الرياض النضرة ٢ / ١٨١.

٤٢

الوليمة :

ولما حانت ليلة اقتران النورين قال رسول الله (ص) وقد غمرته الافراح :

يا علي : لا بد للعروس من وليمة

فانطلق سعد بن عبادة فتبرع بكبش وتبرع الانصار بأصوع من ذرة (١) ودعي المسلمون لتناول طعام العشاء وتقول اسماء : ما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمة علي (٢) وقام المدعوون فتناولوا الطعام ، وبعد الفراغ منه اقبلوا يهنئون الامام ويباركون له.

الزفاف :

وطلب النبي (ص) من أم سلمة أن تذهب بكريمته الى دار أمير المؤمنين فمضت أم سلمة مع حفنة من النساء تقدمهن أمهات المؤمنين قد زففن الصديقة الطاهرة الى بيت الامام وهن يرتلن الاهازيج والأشعار ، وبعد ما فرغ الرسول (ص) من صلاة العشاء انطلق الى دار علي فاستقبلته أم أيمن فقال لها بصوت فياض بالبشر :

« هاهنا أخي؟ »

وملكت الدهشة أم أيمن فراحت تقول :

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٨ / ١٣ اسد الغابة ٥ / ٥٢١ وفي كنز العمال ٧ / ١١٤ ان رسول الله (ص) قال : لا بد للعروس من وليمة ثم امر بكبش فجمعهم عليه.

(٢) طبقات ابن سعد ٨ / ١٤ وجاء فى الرياض النضرة ٢ / ١٨٢ عن جابر قال : حضرنا عرس على فما رايت عرسا كان احسن منه حشونا البيت طيبا وأتينا بتمر وزيت فاكلنا منه.

٤٣

« بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ... فمن أخوك؟ »

« علي بن أبي طالب »

« وكيف يكون أخاك وقد زوجته ابنتك؟ »

« هو ذلك يا أم أيمن »

ودخل النبي (ص) فنهض الزوجان تكريما واجلالا له فالتفت إلى فاطمة وأمرها بان تناوله ماء فاحضرت له قعبا فيه ماء فاخذه ومج فيه وقال لها : قومي فنضح بعض ذلك الماء على ثدييها (١) ورأسها وهو يرفع صوته بالدعاء الى الله.

« اللهم ، إني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم »

وقال لعلي : عليّ بماء ، فاحضره له فاخذ منه شيئا ثم مجه فيه وصبه على رأسه وانطلق يدعو له :

« اللهم : إني اعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم »

ثم قال له ادبر فادبر وصب بقية ذلك الماء بين كتفيه ، ودعا له وقال له : ادخل باهلك باسم الله والبركة (٢) وانصرفت النسوة إلى منازلها وتخلفت أسماء بنت عميس فقال لها (ص) : « من أنت؟ »

« أنا التي أحرس ابنتك ، إن الفتاة ليلة بنائها لا بد لها من امرأة قريبة منها ، إن عرضت لها حاجة أو ارادت أمرا أفضت بذلك إليها .. »

فشكر النبي (ص) ذلك منها وانطلق يوافي ابنته بدعائه :

« إني اسأل الهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ... »

وقام النبي (ص) فاغلق الباب بيده وانصرف وهو يدعو لهما خاصة

__________________

(١) وفي رواية فصب الماء بين يديها.

(٢) كنز العمال ٧ / ١١٤.

٤٤

لا يشرك أحدا في دعائه حتى توارى في حجرته (١) وكان تأسيس هذا البيت الجديد في السنة الثانية من الهجرة (٢). ويمتد الزمن بعد زواج الامام عليه‌السلام والعيش هادئ ، والحياة البيتية كل يوم في سرور قد غمرتها المودة والوداعة ، وبذل المعونة وترك الكلفة واجتناب هجر الكلام ومره ، فكان الامام يشارك زوجته في شئونها البيتية ويعينها بما تحتاج إليه فكانت حياتهما أسمى مثل للرابطة الزوجية الرفيعة.

وفي فترات تلك المدة السعيدة عرض للصديقة (ع) حمل وكان الرسول يبشر بطلائعه وأنه غلام وذلك حينما جاءت إليه أم الفضل تطلب منه تفسير رؤياها (٣) قائلة له يا رسول الله (ص) إني رأيت

__________________

(١) مجمع الهيثمي ٦ / ٢٠٧.

(٢) تأريخ الخميس ج ١ ص ٤٠٧ جاء فيه ان عليا تزوج فى السنة الثانية في رمضان وبنى بها فى ذي الحجة ، وذكر المسعودي في مروج الذهب ج ٢ ص ١٨٧ ان تزويج الامام عليه‌السلام بفاطمة كان بعد سنة من الهجرة وقيل اقل من ذلك وكان عمر الامام علي عليه‌السلام فى ذلك الوقت إحدى وعشرين سنة وخمسة اشهر وعمر الصديقة عليها‌السلام خمس عشرة سنة وخمسة اشهر كما ذكر ذلك ابن حجر في المواهب اللدنية ج ١ ص ٢٥٧ وذكر المسعودي في مروج الذهب ج ١ ص ٤٠٣ ان عمر الزهراء عليها‌السلام كان ثماني عشرة سنة وعلي عليه‌السلام عمره خمس عشرة سنة وجاء هذا أيضا فى طبقات الصحابة ج ٨ ص ١٣ وجاء فى البحار ج ١٠ ص ٤ ان عمرها الشريف كان عشر سنين وانها توفيت وعمرها ثماني عشرة سنة.

(٣) أمّ الفضل : هى زوجة العباس بن عبد المطلب واسمها لبابة وهى بنت الحارث الهلالية وهى اول امرأة آمنت بعد خديجة (رض) وهى شقيقة ميمونة زوجة النبيّ (ص) وهي إحدى الروايات عن النبي كذا جاء في الاصابة ج ٤ ص ٤٨٣ وفي الاستيعاب المطبوع على هامش الاصابة ج ٤ ص ٣٩٨ ، ان النبي (ص) كان

٤٥

في المنام أن عضوا من أعضائك سقط في بيتي ، فقال لها (ص) : خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم (١).

وكان المسلمون آنذاك ينتظرون بفارغ الصبر وخصوصا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة ولادة الصديقة شوقا الى المولود المبارك لتطيب به للإمام (ع) ولزوجته الحياة وتظللهما السعادة ، ونختم الفصل لنستقبل الوليد الجديد.

__________________

يزورها ويقيل عندها وروت عنه احاديث كثيرة ، وقد ولدت أمّ الفضل للعباس ست رجال لم تلد امرأة مثلهم وهم الفضل وبه كانت تكنى ويكنى زوجها العباس أيضا ابا الفضل ، وعبد الله الفقيه ، وعبيد الله الفقيه ، ومعبد ، وقثم ، وعبد الرحمن ، وأم حبيبة سابعة ، وفي أمّ الفضل يقول عبد الله بن يزيد الهلالي :

ما ولدت نجيبة من فحل

بجبل نعلمه وسهل

كستة من بطن أمّ الفضل

اكرم بها من كهلة وكهل

عم النبي المصطفى ذي الفضل

وخاتم الرسل وخير الرسل

(١) تأريخ الخميس ج ١ ص ٤١٨ جاء فيه ان الحسن (ع) لما ولد ارضعته أمّ الفضل ، وفي الإصابة ج ٤ ص ٤٨٤ ان الرؤيا التي قصتها أمّ الفضل كانت قبل ولادة الحسين (ع) فلما ولد ارضعته.

٤٦

الوليد الجديد

٤٧
٤٨

أطل على العالم الاسلامي نور الامامة من بيت أذن الله أن يرفع ، ويذكر فيه اسمه ، وانبثق من دوحة النبوة والإمامة فرع طيب زاك رفع الله به كيان الاسلام ، وأشاد به صروح الايمان ، وأصلح به بين فئتين عظيمتين.

لقد استقبل حفيد الرسول (ص) وسبطه الاكبر سيد شباب أهل الجنة دنيا الوجود في شهر هو أبرك الشهور وأفضلها حتى سمي شهر الله ، وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، وكان ذلك في السنة الثانية ، أو الثالثة من الهجرة (١) وقد شوهدت في طلعة الوليد طلعة الرسول (ص) وبدت فيه شمائل النبوة ومحاسن الإمامة.

__________________

(١) الاصابة ج ١ ص ٣٢٨ ، الاستيعاب ج ١ ص ٣٦٨ تأريخ الخلفاء للسيوطي ص ٧٣ ، دائرة المعارف للبستاني ج ٧ ص ٣٨. ذكر هؤلاء ان ولادته عليه‌السلام كانت فى السنة الثالثة من الهجرة فى النصف من شهر رمضان ، وجاء فى شذرات الذهب ج ١ ص ١٠ ان ولادته كانت فى الخامس من شهر شعبان. وهو اشتباه ظاهر ولعله اشتبه بالامام الحسين (ع) فان ولادته كانت في الخامس من شهر شعبان وذهب جماعة ان ولادته «ع» كانت في السنة الثانية من الهجرة ، وجاء في مرآة العقول ص ٣٩٠ ما نصه : إن التحقيق انه لا منافاة بين تأريخى الولادة لأن كلا مبنى على اصطلاح فى مبدأ التأريخ غير الاصطلاح الذي عليه بناء الآخر وتفصيله ان فيه ثلاث اصطلاحات « الأول » : ان يكون مبدؤه فى شهر ربيع الأول فان الهجرة إنما كانت فيه ، وبناء الصحابة عليه إلى سنة ستين ورواية ان الحسن ولد سنة اثنتين من الهجرة محمول على هذا المبنى. « الثاني » ان يكون مبدؤه شهر رمضان السابق على شهر ربيع الأول الذي وقعت فيه الهجرة لأنه اول السنة الشرعية ورواية ان الحسن (ع) ولد سنة ثلاث مبنى على هذا. « الثالث » : ما اخترعه عمر وهو ان مبدأه المحرم انتهى.

وما افاده صاحب « مرآة العقول » رافع للتعارض بين القولين واما ما افاده

٤٩

ولما أذيع نبأ ولادة الصديقة بالمولود المبارك غمرت موجات من السرور والفرح قلب النبيّ (ص) فسارع إلى بيت ابنته ـ أعز الباقين ، والباقيات عليه من ابنائه ـ ليهنئها بمولودها الجديد ويبارك به لاخيه امير المؤمنين ، ويفيض على المولود شيئا من مكرمات نفسه التي طبق شذاها العالم باسره ولما وصل (ص) الى مثوى الامام نادى :

« يا أسماء : هاتيني ابني .. »

فانبرت أسماء ، ودفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها.

وقال :

« الم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء؟ »

وقام (ص) فسرّه ، وألباه بريقه (١) وضمه إلى صدره ، ورفع يديه بالدعاء له.

__________________

الاستاذ محمد فريد وجدي فى « دائرة المعارف ج ٣ ص ٤٤٣ » ان ولادة الحسن ٧ كانت قبل الهجرة بست سنين فهو مخالف لاجماع المؤرخين فانه قبل الهجرة لم يكن الامام امير المؤمنين متزوجا بالصديقة كما اوضحنا ذلك ، واما كيفية ولادة الصديقة بالامام (ع) فقد جاء بيانها فى تأريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ انه لما حان وقت ولادتها بعث إليها رسول الله (ص) اسماء بنت عميس وأم ايمن فقرأتا عليها آية الكرسي والمعوذتين وحدثت اسماء فقالت : قبلت فاطمة بالحسن (ع) فلم أر لها دما فقلت يا رسول الله إني لم أر لفاطمة دما فى حيض ولا نفاس فقال (ص) أما علمت ان فاطمة طاهرة مطهرة لا يرى لها دم فى طمث ولا ولادة ، وكانت مدة حملها به ستة اشهر ، وذهب صاحب « الفصول المهمة » الى خلافه وعليه فلم يولد مولود عمره ستة اشهر فعاش إلا عيسى بن مريم ٧ كما ذكر ذلك فقيد العلم الأمينى ; فى « اعيان الشيعة ج ٤ ص ٣ ».

(١) سرأه : قطع سرته ، ألباه بريقه ، مأخوذ من اللباء ، وهو اول اللبن عند الولادة ، والمراد انه «ص» اطعمه بريقه كما يطعم الصبي اللباء.

٥٠

« اللهم : إني أعيذه بك ، وذريته من الشيطان الرجيم .. » (١)

سنن الولادة :

واخذ (ص) باجراء مراسيم الولادة وسننها على مولوده المبارك وهى :

١ ـ الأذان والإقامة :

وأذن (ص) في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى (٢) وفي الخبر « ان ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم » (٣).

همسة رائعة همس بها خير بني آدم في أذن وليده ، ليستقبل عالم الوجود باسمى ما فيه ، فاى بداية منح بها الانسان افضل من هذه البداية التي منح بها السبط الاكبر؟! فان اول صوت قرع سمعه هو صوت جده الرسول (ص) علة الموجودات ، وسيد الكائنات ، وأنشودة ذلك الصوت.

« الله اكبر لا إله إلا الله. »

بهذه الكلمات المنطوية على الإيمان بكل ماله من معنى يستقبل بها الرسول (ص) سبطه فيغرسها في اعماق نفسه ، ويغذي بها مشاعره ، وعواطفه لتكون انشودته في بحر هذه الحياة.

٢ ـ التسمية :

والتفت (ص) إلى أمير المؤمنين ، وقد أترعت نفسه العظيمة بالغبطة والمسرات فقال له :

__________________

(١) دائرة المعارف للبستاني ٧ / ٣٨.

(٢) مسند الامام احمد بن حنبل ٦ / ٣٩١ ، صحيح الترمذي ١ / ٢٨٦ ، صحيح أبي داود ٣٣ / ٢١٤ ، وقيل إنه لم يفعل ذلك بنفسه ، وإنما او عز إلى اسماء بنت عميس وأمّ سلمة أن تفعلا ذلك به ساعة الولادة ذكره الشبلنجي في نور الابصار ص ١٠٧.

(٣) الجواهر كتاب النكاح.

٥١

« هل سميت الوليد المبارك؟ »

فأجابه الامام :

« ما كنت لاسبقك يا رسول الله. »

وانطلق النبي (ص) فقال له :

« ما كنت لأسبق ربي .. »

وما هي الا لحظات وإذا بالوحي يناجى الرسول ، ويحمل له « التسمية » من الحق تعالى يقول له جبرئيل : « سمه حسنا » (١).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ وجاء فيه ان امين الوحي جبرئيل هبط على النبي (ص) فقال له : إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك علي منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدك فسم ابنك هذا باسم ولد هارون ، فقال له (ص) وما كان اسم ابن هارون يا جبرئيل؟ فقال شبر فقال له (ص) : إن لساني عربي فقال : سمه الحسن ففعل (ص) ذلك.

وقريب من هذا ذكره العاملي ; في « اعيان الشيعة » وجاء في « اسد الغابة » ، وتأريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ ان اسم الحسن لم يكن معروفا فى الجاهلية وجاء في تأريخ الخميس ان رسول الله اسماه بهذا الاسم في اليوم السابع من ولادته ، وهذا القول بعيد لأن التسمية وقعت عقيب الولادة بلا فصل كما ذهب إليه كافة المؤرخين ، وجاء فى الاستيعاب ج ١ ص ٣٦٨ ، وفى الأدب المفرد ص ١٢٠ انه لما ولد الحسن ٧ جاء رسول الله «ص» فقال اروني ابني فما اسميتموه؟ قالوا حربا ، فقال «ص» بل هو حسن ، فلما ولد الحسين قال اروني ابني فما اسميتموه؟ قالوا حربا ، فقال «ص» بل هو حسين ، فلما ولد الثالث قال ما اسميتموه؟ قالوا حربا ، فقال «ص» بل هو محسن ، ثم قال ٦ إني سميتهم باسماء ولد هارون شبر وشبير ، ويمكن ان يقال إن هذه الرواية موضوعة ، اولا إن العداء بين الهاشميين وآل حرب غير خفي فما هو المحبذ لآل البيت بتسمية ابنائهم باسم حرب الذي ينتمى

٥٢

حقا إنه اسم من أحسن الأسماء وكفى به جمالا وحسنا أن الخالق الحكيم هو الذي اختاره ليدل جمال لفظه على جمال المعنى وحسنه.

٣ ـ العقيقة :

(١) وانطوت سبعة أيام على ولادة حفيد الرسول (ص) فاتجه (ص) إلى بيت الإمام (ع) ليقوم ببعض التكريم والاحتفاء فجاء بأقصى ما عنده من البر والتوسعة فعق عنه بكبش واحد (٢) واعطى القابلة منه الفخذ وصار فعله هذا سنة لأمته من بعده.

٤ ـ حلق رأسه :

وحلق (ص) رأس حفيده بيده المباركة ، وتصدق بزنته فضة على

__________________

إليه الأمويون وثانيا إن إعراض الرسول «ص» عن اسم حرب حين ولادة الحسن «ع» هو كاف في إعراض آل البيت عن تسمية الحسين والمحسن بهذا الاسم ، وثالثا إن المحسن لم يولد في حياة الرسول «ص» فهذه الامور تبعد صحة الرواية التي ذكرها صاحب « الاستيعاب » وغيره وروى احمد بن حنبل فى مسنده عن علي «ع» انه قال : لما ولد لي الحسن سميته باسم عمي حمزة ولما ولد الحسين سميته باسم اخى جعفر فدعاني رسول الله «ص» فقال إن الله قد امرني ان اغير اسم هذين فسماهما حسنا وحسينا ، وهذه الرواية أيضا ضعيفة فان الرسول «ص» اسمى حفيديه عقيب ولادتهما ولم يذهب احد الى ما ذكره الامام احمد.

(١) العقيقة في اللغة صوف الجذع وشعر كل مولود من الناس وهى مأخوذة من العق وهو الشق والقطع سمى الشعر المذكور بذلك لأنه يحلق عنه والعقيقة من المستحبات الأكيدة وذهب بعض الفقهاء الى وجوبها ، وقال «ص» حين ذبحها بسم الله عقيقة عن الحسن اللهم عظمها بعظمه ولحمها بلحمه اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله.

(٢) تأريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ مشكل الآثار ١ / ٤٥٦ ، الحلية ٧ / ١١٦ ، صحيح الترمذي ١ / ٢٨٦ ، اعيان الشيعة ج ٤ ص ١٠٨ ، وذكر الشبلنجي في نور الابصار

٥٣

المساكين (١) وطلى رأسه بالخلوق (٢) حقا لم نر حنانا مثل هذا الحنان ، ولا عطفا يضارع هذا العطف.

٥ ـ الختان :

واجرى (ص) عليه الختان في اليوم السابع من ولادته (٣) لأن ختان الطفل في ذلك الوقت اطيب له وأطهر (٤).

٦ ـ كنيته :

وكناه النبي (ص) أبا محمد (٥) ولا كنية له غيرها ، وبهذا

__________________

والطحاوى في مشكل الآثار ١ / ٤٥٦ ، والحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٢٣٧ ان رسول الله ٦ عق عن الحسن والحسين عن كل واحد بكبشين وهذه الرواية ضعيفة فقد طعن بها شمس الدين الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع على هامش مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٢٣٧ فقال إن راويها سوار وهو ضعيف الرواية هذا اولا وثانيا ان أئمة الفقه لم يذكروا في تشريع العقيقة إلا واحدة.

(١) تأريخ الخميس ١ / ٤٧٠ ، نور الابصار ص ١٠٧ صحيح الترمذي ١ / ٢٨٦ وجاء فيها ان زنة شعره كانت درهما او بعض درهم.

(٢) الخلوق : طيب مركب من زعفران وغيره ، وفي البحار ١٠ / ٦٨ ان العادة في الجاهلية كانوا يطلون رأس الصبي بالدم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الدم من فعل الجاهلية ، ونهى اسماء عن فعل ذلك.

(٣) نور الابصار : ص ١٠٨.

(٤) جواهر الاحكام كتاب النكاح ، وجاء فيه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : طهروا اولادكم يوم السابع فانه اطيب ، واطهر ، واسرع لنبات اللحم ، وان الارض تنجس من بول الأغلف اربعين يوما.

(٥) اسد الغابة ٢ / ٩ ، والكنية هى ان تصدر بأب او أم ، وهى من سنن الولادة فعن الامام محمد الباقر عليه‌السلام : إنا لنكني اولادنا في صغرهم مخافة النبز ان يلحق بهم.

٥٤

انتهت جميع مراسيم الولادة التي قام النبيّ (ص) بها لسبطه الأكبر.

ألقابه :

ولقب (ع) بالسبط ، والزكي ، والمجتبى ، والسيد ، والتقي.

ملامحه :

أما ملامحه ، فكانت تحاكي ملامح جده الرسول (ص) فقد حدث أنس ابن مالك قال : لم يكن أحد أشبه بالنبى من الحسن بن علي (١) وقد صور رواة الأثر صورته بما ينطبق على صورة جده (ص) فقالوا : إنه كان ابيض مشربا بحمرة ادعج العينين (٢) ذا وفرة (٣) عظيم الكراديس (٤) بعيد المنكبين (٥) جعد الشعر (٦) كث اللحية (٧)

__________________

(١) فضائل الاصحاب : ص ١٦٦ ، وفي صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٧ عن علي عليه‌السلام قال : الحسن اشبه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بين الصدر الى الرأس ، والحسين اشبه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان اسفل من ذلك ، وفي الاصابة عن البهي قال : تذاكرنا من اشبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اهله فدخل علينا عبد الله بن الزبير ، فقال : انا احدثكم بأشبه اهله به ، واحبهم إليه الحسن بن علي ، ورواه الهيثمى فى مجمعه ٩ / ١٧٥ ، وفي المحبر ص ٤٦٩ ان فاطمة عليها‌السلام كانت ترقص ولدها الحسن وتقول له : وا بأبي شبه ابي غير شبيه بعلي

(٢) الادعج : شدة فى سواد العين مع سعتها.

(٣) الوفرة : الشعر السائل على الأذنين ، او هو الشعر المجتمع على الرأس.

(٤) الكراديس : جمع مفرده الكردوسة ، وهى كل عظمين التقيا في مفصل او العظم الذي يجتمع عليه اللحم ، والمراد ضخم الاعضاء.

(٥) المنكبين تثنية منكب ، وهو مجتمع راس الكتف والعضد.

(٦) الجعد : الشعر الذي فيه التواء ، وتقبض ، وهو خلاف المسترسل.

(٧) كث اللحية : قصرها مع كثرة شعرها.

٥٥

كأن عنقه إبريق فضة (١) وهذه الأوصاف تضارع أوصاف النبيّ (ص) حسب ما ذكره الرواة من أوصافه (ص) ، وكما شابه جده في صورته فقد شابهه وماثله في اخلاقه الرفيعة (٢).

رأى النبيّ (ص) أن سبطه الحسن (ع) صورة مصغرة عنه ، يضارعه في أخلاقه ، ويحاكيه في سمو نفسه ، وانه قبس من سناه ، يرشد أمته من بعده الى طريق الحق ، ويهديها إلى سواء السبيل ، واستشف (ص) من وراء الغيب أن كل ما يصبو إليه في هذه الحياة من المثل العليا سيحققه على مسرح الحياة ، فافرغ عليه أشعة من روحه العظيمة ، وقابله بالعناية والتكريم ، وأفاض عليه حنانه وعطفه ، من حين ولادته ونشأته ، وسنقدم عرضا مفصلا لإلوان ذلك التكريم والاحتفاء الذي صدر من النبي (ص) تجاه الحسن في حال طفولته وصباه.

__________________

(١) تأريخ الخميس ١ / ١٧١ ، وذكر البستاني في دائرة المعارف ٧ / ٣٨ بعض هذه الاوصاف.

(٢) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠١ ، وعن الغزالي فى احياء العلوم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للحس : « اشبهت خلقي وخلقي ».

٥٦

ذكاء وعبقريّة

٥٧
٥٨

ومما لا شبهة فيه أن للتربية الصالحة أهمية كبرى في تكوين الطفل ، وتنمية مداركه ، كما أن سلوك الوالدين لهما الأثر الفعال في نمو ذكائه ، وفي سلوكه العام ، وطفولة الامام الحسن (ع) قد التقت بها جميع هذه العناصر الحية ، فالرسول (ص) تولى تربية سبطه ، وافاض عليه بمكرمات نفسه ، والامام أمير المؤمنين (ع) غذاه بحكمه ومثله ، والعذراء القديسة أفضل بنات حواء قد غرست في نفس وليدها الفضيلة والكمال ، وبذلك سمت طفولته فكانت مثالا للتكامل الانساني ، وعنوانا للسمو والتهذيب ، ورمزا للذكاء والعبقرية.

لقد ذهب بعض علماء النفس إلى أن الطفل في اصغر ما يلزمه من العادات ، وفي أهم الخصائص العقلية ، والخلقية ، وفي الموقف العام الذي يقفه من الناس ، وفي وجهة النظر العامة التي ينظر بها إلى الحياة أو العمل في كل هذه الأشياء مقلد إلى حد كبير ، وقد يكون التقليد أحيانا شعوريا مقصودا ، ولكنه في أغلب الحالات يكون لا شعوريا ، فاذا منح الطفل بتقليده الأشخاص المهذبين ظل متأثرا باخلاقهم وعواطفهم ، وإن هذا التأثير في أول الأمر يعتبر تقليدا ، ولكنه سرعان ما يصبح عادة ، والعادة طبيعة ثانية ، والتقليد هو أحد الطريقين اللذين تكتسب بهما الخصائص الفردية ، وتتكون بهما الأخلاق الشخصية (١).

إن الامام الحسن (ع) على ضوء هذا الرأي ، هو الفرد الاول في خصائصه العقلية ، والخلقية لأنه نشأ في بيت الوحي ، وتربى في مدرسة التوحيد ، وشاهد جده الرسول (ص) الذي هو اكمل انسان ضمه هذا الوجود ، يقيم في كل فترة من الزمن صروحا للعدل ، ويشيد دعائم الفضيلة والكمال ، قد وسع الناس باخلاقه ، وجمعهم على كلمة التوحيد وتوحيد

__________________

(١) علم النفس فى الحياة لما ندر.

٥٩

الكلمة ، فتأثر السبط بذلك ، وانطلق يسلك خطى جده في نصح الناس وارشادهم فقد اجتاز مع أخيه سيد الشهداء (ع) ، وهما في دور الطفولة على شيخ لا يحسن الوضوء ، فلم يدعهما السمو في النفس ، وحب الخير للناس أن يتركا الشيخ على حاله لا يحسن وضوءه ، فاحدثا نزاعا صوريا أمامه ، وجعل كل منهما يقول للآخر : أنت لا تحسن الوضوء ، والتفتا إلى الشيخ باسلوب هادئ وجعلاه حاكما بينهما قائلين له :

« يا شيخ ، يتوضأ كل واحد منا أمامك ، وانظر أي الوضوءين أحسن؟ » فتوضآ أمامه ، وجعل الشيخ يمعن في ذلك فتنبه إلى قصوره ، والتفت إلى تقصيره من دون أن يأنف فقال لهما :

« كلاكما ، يا سيدي : تحسنان الوضوء ، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لا يحسن ، وقد تعلم الآن منكما ، وتاب على يديكما ... » (١)

وهذه البادرة ترينا بوضوح ان اتجاه الرسول (ص) في هداية الناس بالطرق السليمة والاخلاق الرفيعة قد انطبعت في ذهن الامام الحسن عليه‌السلام وهو في دور الصبا حتى صارت من خصائصه ومن طبائعه لقد ذهب بعض علماء النفس إلى وراثة الخلق الفردي ، وان لها أثرا مهما في تكوين اخلاق الشخص وأنها لا تقل أهمية عن التقليد ، يقول « هكسلي » :

« ما من أثر أو خاصة لكائن عضوي الا ويرجع كلها الى الوراثة ، أو إلى البيئة ، فالتكوين الوراثي يضع الحدود ، لما هو محتمل ، والبيئة تقرر أن هذا الاحتمال سيتحقق ، فالتكوين الوراثي ليس الا القدرة على التفاعل مع أية بيئة بطريق خاص .. ».

وقد أيد هذه النظرية ( جنجز ) فقال : « إن كل انسان لديه

__________________

(١) البحار ١٠ / ٨٩.

٦٠