حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

دعوتم إليها فنعما هي. وأما الطاعة لصاحبكم فانا لا نراها. إن صاحبكم قتل خليفتنا ، وفرق جماعتنا ، وآوى ثأرنا ، وقتلتنا ، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه ، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون انهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ونحن نجيبكم الى الطاعة والجماعة .. »

وحفل كلام ابن هند بالاكاذيب والاغاليط فقد أتهم الامام بقتل عثمان وهو يعلم ببراءته منه ، فقد قتله خيار المسلمين لما انحرف عن الحق وغيّر كتاب الله ـ كما ذكرنا ذلك عند عرض احداثه ـ وقد انبرى إليه شبث بن ربعي (١)

فقال له :

« أيسرك بالله يا معاوية إن أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته؟ »

وقد عرض شبث لمعاوية اعظم شخصية اسلامية ثارت على عثمان وهو عمار بن ياسر فهل يقتص منه إن ظفر به ، فقال له معاوية.

« وما يمنعني من ذلك؟ والله لو امكنني صاحبكم من ابن سمية ما قتلته بعثمان ، ولكن كنت اقتله بنائل مولى عثمان بن عفان .. »

وما الذي يمنع معاوية من قتل عمار لو ظفر به في سبيل الملك والبغي على الاسلام ، وثار شبث حينما سمع مقالته فقال له :

« لا والله الذي لا إله إلا هو لا تصل الى قتل ابن ياسر حتى تنذر

__________________

(١) شبث بن ربعي التميمي كان مؤذنا لسجاح التي ادعت النبوة ثم اسلم ، وصار من اصحاب امير المؤمنين ، ثم صار مع الخوارج ثم تاب عن ذلك ، وكان هذا الاثيم ممن اشترك في قتل سيد الشهداء ، هلك في حدود السبعين من الهجرة ، الاصابة ٢ / ١٦٣

٤٤١

الهام عن كواهل الرجال ، وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها .. »

ورجع القوم وهم خافقون في سفارتهم لم يستجب لهم معاوية فقد رأوا أنه مصمم على الحرب وممعن في البغي والتمرد فجعلوا يدعون الناس للحرب ، ويحرضونهم على مناجزة معاوية.

اعلان الحرب :

ولما اخفقت جميع الوسائل التي اتخذها الامام من أجل السلم تهيأ للحرب ، وقد اصدر تعاليمه الى عموم جيشه وقد جاء فيها :

« لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم ، فانتم بحمد الله على حجة ، وترككم قتالهم حجة اخرى ، فاذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فاذا وصلتم الى رجال القوم فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارا إلا بأذني ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في معسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة وإن شتمن أعراضكم ، وتناولن امراءكم وصلحاءكم فانهن ضعاف القوى والانفس والعقول .. »

هذه خطته التي رسمها لجيشه وهي تمثل ما يكنه في نفسه من الرحمة والرأفة وحب الخير حتى لاعدائه ومناوئيه.

وعقد الامام الالوية ، وأمرّ الأمراء فاستعمل على الخيل عمار بن ياسر ، وعلى الرجالة عبد الله بن بديل ، ودفع اللواء الى هاشم المرقال ، وجعل على الميمنة الاشعث بن قيس وعلى الميسرة عبد الله بن عباس ، وعقد ألوية القبائل فاعطاها لأعيانهم ، وكذلك عبأ معاوية أصحابه على راياتهم فاستعمل عبيد الله بن عمر على الخيل ، وعلى الرجالة مسلم بن عقبة المري

٤٤٢

وعلى الميمنة عبيد الله بن عمرو بن العاص وعلى الميسرة حبيب بن مسلم الفهرى ، واعطى اللواء عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وجعل على اهل دمشق الضحاك بن قيس الفهرى.

وجعلت كتائب من جيش الامام نخرج الى فرق أهل الشام فيقتتل الفريقان نهارا كاملا أو طرفا منه ، ولم يرغب الامام في أن تقع حرب عامة بين الفريقين رجاء أن يجيب خصمه الى الصلح ، ويثوب الى الرشاد ، ودام على هذا الحال حفنة من الايام حتى أطل شهر المحرم وهو من الاشهر التي يحرم القتال فيها في الجاهلية والاسلام فتركوا القتال فيه ، وتوادعوا شهرهم كله وأتيح للقوم أن يلتقوا فيه آمنين من دون أن تقع بينهم أي حرب ولكن كان بينهم أعنف الجدال واشد الخصام يدعو العراقيون أهل الشام الى جمع الكلمة وإلى العمل بكتاب الله ومبايعة وصي رسول الله (ص) ويدعوهم أهل الشام الى الطلب بدم عثمان ورفض بيعة الامام ، ولما انقضى شهر المحرم مضى القوم على حربهم كما كانوا قبله ، وجعل مالك الاشتر ينظر الى رايات أهل الشام ويتأملها فاذا هي رايات المشركين التي خرجت لحرب رسول الله (ص) فاندفع يخاطب قومه قائلا :

« أكثر ما معكم رايات كانت مع رسول الله ، ومع معاوية رايات كانت مع المشركين على عهد رسول الله فما يشك فى قتال هؤلاء الا ميت القلب .. »

واندفع عمار بن ياسر فجعل يبين للمسلمين واقع معاوية ويحرضهم على قتاله قائلا :

« يا أهل الاسلام (١) أتريدون أن تنظروا الى من عادى الله ورسوله

__________________

(١) وفي رواية يا اهل الشام

٤٤٣

وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين ، فلما أراد الله أن يظهر دينه ، وينصر رسوله أتى النبي فأسلم وهو والله فيما يرى راهب غير راغب وقبض الله رسوله وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم ، الا وانه معاوية فالعنوه لعنه الله ، وقاتلوه فانه ممن يطفئ نور الله ويظاهر اعداء الله .. »

إن معاوية قبل أن يسلم قد عادى الله ورسوله ، وبغى على المسلمين وما اسلم الا خوفا من حد السيوف التي أخذت اسرته ، وقد اضمر الشرك والنفاق والبغي على الاسلام والمسلمين فلما وجد أعوانا نهض بهم لمحاربة أخي رسول الله وباب مدينة علمه.

الحسن مع عبيد الله

وحاول معاوية أن يلعب دورا مع الامام الحسن فبعث إليه عبيد الله ابن عمر (١) يمنيه بالخلافة ويخدعه حتى يترك أباه فانطلق عبيد الله فقال له :

ـ لي إليك حاجة

ـ نعم .. ما تريد؟

ـ إن أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا ، وقد شنئوه فهل لك ان تخلعه ونوليك هذا الامر؟ نعم ان الامام قد وترهم ولكن فى سبيل الاسلام فقد حاولوا لف لوائه ، فناجزهم الامام فقتل جبابرتهم ، وأباد طغاتهم

__________________

(١) عبيد الله بن عمر بن الخطاب ولد على عهد رسول الله ولم يرو عنه شيئا ، وهو الذي قتل الهرمزان وجفينة وقد توعده الامام باقامة الحد عليه ان ظفر به ، التحق بمعاوية فى صفين ، وخرج في بعض ايامها وعليه جبة خز وسواك وهو يقول : « سيعلم علي غدا اذا التقينا » فقال الامام دعوه فانما دمه دم بعوضة ، وقد قتل بصفين ، الاستيعاب ٢ / ٤٣١

٤٤٤

وهزم جموعهم ، وهم من أجل ذلك يحملون له حقدا وعداء ، ولما سمع الامام مقالته صاح به وقد لذعته عقرب الخيانة فقال له :

« كلا والله لا يكون ذلك!! »

والقى الامام الحسن عليه نظرة غضب واستياء ، وأخبره انه سيلاقي حتفه عما قليل فقال له :

« لكأنّي انظر إليك مقتولا فى يومك أو غدك. أما ان الشيطان قد زين لك ، وخدعك حتى اخرجك مخلقا بالخلوق (١) ترى نساء أهل الشام موقفك ، وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلا .. »

ورجع عبيد الله الى معاوية وهو خائب حسير وقد اخفق في مهمته وأخبره بحديث الامام فقال معاوية متبهرا :

« انه ابن أبيه!! » (٢)

وخرج عبيد الله في ذلك اليوم الى ساحة الحرب يقاتل مع الجبهة المعادية للاسلام فلاقى حتفه سريعا على يد فذ نبيل من همدان ، واجتاز الامام الحسن فى ساحة المعركة فرأى رجلا قد توسد رجلا قتيلا وقد ركز رمحه في عينه وربط فرسه في رجله ، فقال الحسن لمن حوله : انظروا من هذا؟ فأخبروه أن الرجل من همدان ، وان القتيل عبيد الله بن عمر ، فسر بذلك وقال مبتهجا : الحمد لله على ذلك (٣) وقد قضى عبيد الله نهايته الأخيرة وهو معاد لله ورسوله ، وباغ على الاسلام ، وخارج على امام المسلمين.

__________________

(١) الخلوق : الطيب

(٢) البحار

(٣) وقعة صفين : ص ٣٣٤

٤٤٥

الحرب العامة :

واستمرت المناوشات بين الفريقين أمدا غير يسير من دون أن تقع بينهما حرب عامة ، وقد سئم كل منهما هذه المطاولة التي لم تكن تجدي شيئا فانه لم يكن هناك أي أمل في الاصلاح والوئام وجمع الكلمة ، وإنما كانت هذه المطاولة تزيد الفتنة امتداد والشر انتشارا ، فلما رأى الامام ذلك عبأ أصحابه وتهيأ للحرب العامة ، ولما رأى معاوية ذلك فعل مثل فعله ، والتقى كل منهما بالآخر ، وبادر الحسن ليحمل على صفوف أهل الشام فلما بصر به الامام ذهل وأريع وقال لمن حوله :

« املكوا عنى هذا الغلام لا يهدنى (١) فانني أنفس (٢) بهذين ـ يعنى الحسن والحسين ـ لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله .. (٣)

واستعرت نار الحرب ، واشتد أوارها حتى جفل الناس وخيم عليهم الذعر والموت ، وقد انكشفت ميمنة الامام ، وتضعضع قلب الجيش وبدت الهزيمة فيه فدعا سهل بن حنيف فلما مثل بين يديه أمره أن يلتحق بمن معه في الميمنة ، فامتثل ما أمر به فحملت عليهم جيوش أهل الشام فكشفتهم ورجعوا منهزمين الى الميسرة ، وانكشفت عن الميسرة مضر وثبتت ربيعة فيها ، وإن قائلهم ليقول : « يا معشر ربيعة ، لا عذر لكم بعد اليوم عند العرب إن أصيب أمير المؤمنين وهو فيكم. »

تحالفت ربيعة على الموت وثبتت فى الميدان وهي رابطة الجاش لا تبالى

__________________

(١) يهدني : اي يهلكني.

(٢) انفس : ابخل.

(٣) نهج البلاغة محمد عبده ٢ / ٢١٢

٤٤٦

بالحمام قد أخذت على عاتقها أن تقوم بنصرة الحق وتفدى ارواحها للامام وكان الامام معهم يحمل على اعدائه وقد مطرت عليه سهام القوم ، وكان ابناؤه يقونه بأنفسهم ولم يفارقه أحد منهم ، وبصر به حين اشتباك الأسنة مولى لبني أميّة يدعى بأحمر بن كيسان فجاء كالكلب نحو الامام وهو يقسم على قتل الامام قائلا :

« ورب الكعبة قتلني الله ان لم أقتلك أو تقتلنى »

فانبرى إليه مولى للامام يدعى بكيسان فبدر إليه الكلب المهاجم فأرداه صريعا على الارض يتخبط بدمه ، وجعل الخبيث يشتد نحو الامام فتناوله الامام بيده وحمله على عاتقه ثم ضرب به الارض فكسر منكبه وعضديه وشد عليه الحسين ومحمد فقتلاه.

ودنا الامام من جموع اهل الشام فخاف الحسن أن يغتال العدو أباه فقال له :

« لو سعيت حتى تنتهى الى هؤلاء الذين قد صبروا لعدوك ( يعني بهم ربيعة ) من اصحابك. »

وعرف الامام مغزى كلام الحسن فقال له برفق ولين :

« يا بني .. إن لأبيك يوما لن يعدوه ولا يبطئ به عنه السعي ولا يعجل به إليه المشي ، ان اباك والله ما يبالى أوقع على الموت أو وقع الموت عليه. »

واقبل الأشتر يركض وهو مذهول اللب مندهش الفكر لما انهزمت الكتائب وولت على اعقابها خوفا من الموت ، فلما بصر الامام به قال له :

ـ يا مالك.

ـ لبيك.

٤٤٧

ـ ائت هؤلاء القوم فقل لهم : اين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه الى الحياة التي لا تبقى لكم.

مضى الاشتر الى المنهزمين فالقى عليهم رسالة الامام فهدأ روعهم ثم قال معرفا لهم بشخصيته.

ـ أنا مالك بن الحارث. أنا مالك بن الحارث.

وخطر له أن هذا الاسم غير كاف لهم فى تعريفه فقال معرفا نفسه بما اشتهر به.

ـ أنا الأشتر.

فبادرت فصيلة من الناس إليه فهتف فيهم بنبرات تقطر حماسا وعزما قائلا :

« أيها الناس. عضضتم بهن آبائكم ، ما أقبح ما قاتلتم منذ اليوم. »

ثم هتف ثانيا قائلا :

« أخلصوا لى مذحجا. »

فأنبرت إليه مذحج. فقال لها :

« عضضتم بصم الجندل ، ما ارضيتم ربكم ولا نصحتم له في عدوكم وكيف بذلك وانتم ابناء الحروب ، واصحاب الغارات ، وفتيان الصباح ، وفرسان الطراد ، وحتوف الأقران ، ومذحج الطعان الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ولا تطل دماؤهم ، ولا يعرفون في موطن بخسف ، وأنتم حد أهل مصركم واعد حي في قومكم ، وما تفعلون فى هذا اليوم فانه مأثور بعد اليوم ، فاتقوا ماثور الاحاديث في غد ، واصدقوا عدوكم اللقاء فان الله مع الصادقين ، والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء ( وأشار لأهل الشام ) رجل على مثال جناح بعوضة من محمد (ص) أنتم ما احسنتم

٤٤٨

القراع ، اجلوا سواد وجهي دمى ، عليكم بهذا السواد الأعظم ، فان الله عز وجل ، لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر السيل مقدمه! »

لقد هيمن الزعيم مالك على النفوس واستولى عليها بخطابه الحماسي الرائع فقد بعث روح العزم والنشاط في نفوس الجيش. وتعالت الاصوات من كل جانب تعرب له الطاعة والانقياد.

ـ خذ ـ حيث احببت.

وسارعوا إليه يتسابقون نحو الموت صامدين امام العدو ، وكانت كتائب من همدان قد أبيد فريق من زعمائها وقوادها الباسلين فى المعركة وكان آخر من أخذ اللواء بيده وهب بن كريب فبادر إليه جمع من احبائه قائلين له :

« رحمك الله قد قتل أشراف قومك حولها ـ اي حول الراية ـ فلا تقتل نفسك ولا من بقى من قومك. »

انصرف وهب ومن معه عن ساحة الحرب وهم يطلبون فئة قوية ينضمون إليها وهتفوا امام الجموع بما يرومونه قائلين :

« ليت لنا عدتنا من العرب يحالفوننا على الموت ثم نستقدم نحن وهم فلا ننصرف حتى نقتل أو نظفر. »

واجتازوا على الاشتر فسمع نداءهم ، فرحب بفكرتهم وقال لهم.

« أنا أحالفكم واعاقدكم على ان لا نرجع ابدا حتى نظفر أو نهلك » وابتهجوا بكلام الاشتر وانضمونا تحت لوائه ، وفي فعلهم هذا يقول كعب بن جعيل : « وهمدان زرق تبتغي من تحالف »

وهجم الأشتر بمن معه من البهاليل على جموع أهل الشام فكانوا أمام بواترهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، وظهر الضعف في

٤٤٩

جيش معاوية وكاد اصحاب معاوية يبلغون فسطاطه وهمّ معاوية بالفرار لو لا أن ذكر قول ابن الاطنابة :

أبت لى عفتي وحياء نفسي

وإقدامي على البطل المشيح

وإعطائي على المكروه مالي

واخذى الحمد بالثمن الربيح

وقولى كلما جشأت وجاشت

مكانك تحمدى أو تستريحي

فرده ذلك الشعر الى الصبر والثبات كما كان يتحدث بذلك ايام العافية.

مصرع عمار :

ولما رأى الصحابي العظيم عمار بن ياسر الرءوس تتساقط ، والارض قد صبغت بالدماء أخذ يناجى نفسه قائلا :

« صدق رسول الله (ص) هؤلاء القاسطون ، إنه اليوم الذي وعدني فيه رسول الله ، إني قد أربيت على التسعين فما ذا انتظر؟! رحماك ربي قد اشتقت الى إخواني الذين سبقوني بالايمان إليك .. سأمشي الى لقاء ربي مجاهدا أعداءه بين يدي وليه ووصيي رسوله وخليفته من بعده ، فاني أراه اليوم الذي وعدني به رسول الله (ص) ... »

وأطال النظر في رايات معاوية فانطلق يقول : « إن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين ، وإن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب .. » (١)

وتمثلت أمامه في ذلك اليوم صفحات من تأريخه البعيد والقريب ، فعرضت له صورة أبويه ياسر وسمية وهما يعذبان أعنف التعذيب وأمره

__________________

(١) شرح ابن ابى الحديد ١ / ٥٠٦

٤٥٠

وهو شاب معهما يلاقى ما لاقياه من الارهاق على يد جبابرة قريش ففاضت روح أبويه ، وأفلت هو من التعذيب ، وتذكر ما عناه فى شيخوخته من عثمان من التنكيل والتعذيب كل ذلك في سبيل مبدئه وعقيدته ، وقد اودعت هذه الذكريات في نفسه شوقا عارما الى ملاقاة الله فانفجر في البكاء وأخذ يناجي الله قائلا :

« اللهم انك تعلم. أنى لو أعلم أن رضاك ان اضع ظبة سيفى (١) في صدري ثم انحنى عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت ، ولو اعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت ، ولو اعلم أن رضاك أن أرمى بنفسي من هذا الجبل فاتردى واسقط فعلت ، وإني لا اعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو أعلم من الاعمال هو أرضى لك منه لفعلته. »

ثم انعطف الى أمير المؤمنين ودموعه تتبلور على كريمته الشريفة فلما رأه الامام قام إليه وعانقه واحتفى به فالتفت الى الامام.

ـ يا أخا رسول الله أتأذن لي في القتال؟

فقد قلب الامام وأريع من كلامه لانه ساعده الذي به يصول فقال له بصوت راعش النبرات.

مهلا يرحمك الله!

انصرف عمار فلم يلبث الا قليلا حتى عرضت له تلك الذكريات فحفزته الى لقاء الله فرجع الى الامام قائلا :

ـ اتأذن لي فى القتال؟

ـ مهلا يرحمك الله

__________________

(١) الظبة : حد السيف او السنان جمع ظبات

٤٥١

ومضى فلم يمكث الا برهة حتى عاوده الشوق الى لقاء احبائه الذين سبقوه الى الايمان فكر راجعا الى الامام فقال له :

« أتأذن لي بالقتال؟ فانى أراه اليوم الذي وصفه رسول الله (ص) وقد اشتقت الى لقاء ربي والى اخواني الذين سبقوني. »

فلم يجد الامام بدا من اجابته فقام إليه وعانقه وقد ذابت نفسه اسى وحسرات وقال له :

« يا أبا اليقظان. جزاك الله عنى وعن نبيك خيرا فنعم الاخ كنت ونعم الصاحب. »

واجهش الامام بالبكاء وبكى عمار لبكائه وقال له :

« والله يا أمير المؤمنين ما تبعتك الا ببصيرة فانى سمعت رسول الله يقول يوم حنين : « يا عمار ستكون بعدي فتنة فاذا كان كذلك فاتبع عليا وحزبه ، فانه مع الحق والحق معه ، وسيقاتل بعدي الناكثين والقاسطين » فجزاك الله يا أمير المؤمنين عن الاسلام أفضل الجزاء فلقد أديت ، وبلغت ونصحت .. »

ثم تقدم عمار الى ساحة الشرف وميدان القتال وهو جذلان مسرور بملاقاة الله وقد استرد قوته ونشاطه ، وارتفع صوته عاليا وهو يقول :

« الجنة تحت ظلال العوالي ، اليوم القى الأحبة محمدا وحزبه .. »

وتبعه المهاجرون والانصار والشباب المؤمن فانعطف بهم الى القائد العام هاشم بن عتبة المرقال (١) فطلب منه أن يتولى القيادة فاجابه إلى

__________________

(١) هاشم بن عتبة بن ابي وقاص الزهري القرشي يكنى ابا عمرو ويعرف بالمرقال اسلم يوم فتح مكة ، كان من ذوي الفضيلة والدين وفي طليعة شجعان العرب فقئت عينه في واقعة اليرموك بالشام ، وهو الفاتح لجلولاء

٤٥٢

ذلك وحمل هاشم فجعل عمار يحثه على الهجوم وهو يقول له :

« احمل فداك أبي وأمي .. »

وجعل هاشم يزحف باللواء زحفا فضاق على عمار ذلك لأنه في شوق عارم لملاقاة الله والوفود على حبيبه محمد فوجه لهاشم اعنف التقريع قائلا له :

« يا هاشم. أعور وجبان؟ »

وثقل على هاشم هذا العتاب المر فقال له :

« رحمك الله يا عمار. إنك رجل تأخذك خفة في الحرب ، وإني إنما أزحف باللواء زحفا أرجو أن أنال بذلك حاجتي ، وإني إن خففت لم آمن الهلكة. »

وما زال عمار بهاشم يحرضه ، ويحثه على الهجوم حتى حمل وهو يرتجز :

قد أكثروا لومي وما أقلا

إني شريت النفس لن اعتلا

أعور يبغى نفسه محلا

لا بد أن يفل أو يفلا

قد عالج الحياة حتى ملا

أشدهم بذى الكعوب شلا

فجال هاشم فى ميد القتال ، وعمار يقاتل معه فنظر الى راية ابن العاص فجعل يقول :

__________________

من بلاد الفرس ، وكانت جلولاء تسمى فتح الفتوح بلغت غنائمها ثمانية عشر الف الف ، كان على الرجالة في واقعة صفين فقطعت رجله فجعل يقاتل كل من دنا إليه وهو بارك وهو يقول : « الفحل يحمى شوله معقولا » وفيه يقول ابو الطفيل عامر بن وائلة :

يا هاشم الخير جزيت الجنة

قاتلت في الله عدو السنة

اسد الغابة ٥ / ٤٩

٤٥٣

« والله إن هذه الراية قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهن. »

وجعل يقاتل أشد القاتل وهو موفور النشاط خفيف الحركة وهو يرتجز ويقول :

نحن ضربناكم على تنزيله

واليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق الى سبيله

لقد قاتل عمار قريشا مع النبي على الاقرار بكلمة التوحيد واليوم يقاتلهم على الايمان بما في القرآن وعلى التصديق بما جاء به الاسلام.

وبعد كفاح رهيب سقط عمار الى الارض صريعا قد قتلته الفئة الباغية (١) التي طبع على قلوبها بالزيغ ، ونسيت ذكر الله فسبحت في ظلام قاتم ، ولما أذيع خبر مقتله انهد ركن الامام ، واحاطت به موجات وموجات من الهموم والأحزان لأنه فقد بمقتله كوكبة من الاعوان والانصار ومشى لمصرعه حزينا باكيا تحف به قواد الجيش وأمراء القبائل والبقية الصالحة من المهاجرين والانصار ، وهم يهرقون الدموع وعلا منهم النحيب والبكاء ، ووقف الامام عليه فلما رأه صريعا متخبطا بدمه انهارت قواه وجعل يؤبنه بكلمات تنم عن قلب موجع قائلا :

« إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر ، وتدخل عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم اسلم ، ورحم الله عمارا يوم قتل ، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا وما

__________________

(١) قتله ابو العادية وكان يدخل على معاوية فيقول لحاجبه قاتل عمار بالباب فياذن له ، اسد الغابة ٥ / ٢٦٧ واثر عن النبي انه قال : لو ان عمارا قتله اهل الارض لدخلوا النار.

٤٥٤

يذكر من أصحاب رسول الله أربعة الا كان رابعا ، ولا خمسة إلا كان خامسا. وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله يشك أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين. فهنيئا لعمار بالجنة .. »

وأخذ الامام رأس عمار ووضعه في حجره وجعل ينظم ذوب الحشا وهو يقول :

ألا أيها الموت الذي ليس تاركي

أرحنى فقد أفنيت كل خليل

أراك بصيرا بالذين أحبهم

كأنك تسعى نحوهم بدليل

ووقف الامام الحسن واجما مستعبرا عند مصرع الشهيد العظيم الذي ساهم في بناء الاسلام فأخذ يتلو على المسلمين ما سمعه من جده النبي (ص) في فضله والاشادة بعظيم منزلته فقال (ع) : ان رسول الله (ص) قال لاصحابه : « ابنوا لى عريشا كعريش موسى » وجعل يتناول اللبن من قومه ، وهو يقول : اللهم لا خير الا خير الآخرة ، فاغفر للانصار والمهاجرة ، وجعل يتناول اللبن من عمار ، وهو يقول : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية.

وقال : إن جدى قال إن الجنة لتشتاق الى ثلاثة علي وعمار وسلمان » ولما اذيع خبر مقتله حدثت الفتنة والانشقاق في صفوف أهل الشام فقد سمعوا ممن سمع من رسول الله أنه قال : في عمار تقتله الفئة الباغية وقد حدثهم بذلك عمرو بن العاص ، وقد اتضح لهم بعد مقتله انهم هم الفئة الباغية التي عناها الرسول ، ولكن ابن العاص قد استطاع بمكره وأكاذيبه أن يزيل ذلك ، ويرجع الحياة الى مجراها الطبيعي ، فقد القى المسئولية على الامام زاعما انه هو الذي أخرجه وقتله ، واذعن جهال أهل الشام ، وصدقوا مقالته وراحوا يهتفون.

٤٥٥

« انما قتل عمارا من جاء به. »

وثقل على أمير المؤمنين مقتل عمار ، وأحاطت به المآسي والشجون ، فهتف بربيعة وهمدان ، فاستجابوا له فقال لهم :

« انتم درعي ورمحي »

فأجابه اثنا عشر الفا منهم فحمل بهم وهو هائج غصبان ، فلم يبق صف لأهل الشام الا انتقض ، وأبادوا كل فصيلة انتهوا إليها حتى قربوا من فسطاط معاوية ، وكان الامام يرتجز ويقول في رجزه :

أضربهم ولا أرى معاوية

الجاحظ العين العظيم الحاوية

ووجه خطابه الى معاوية فقال له :

علام يقتتل الناس بيننا؟ هلم احاكمك الى الله فأينا قتل صاحبه استقامت له الامور. »

فانبرى ابن العاص الى معاوية مستهزءا به قائلا :

ـ انصفك الرجل

ـ ما انصفت ، وانك لتعلم أنه لم يبارزه أحد إلا قتله

ـ وما يجمل بك الا مبارزته

ـ طمعت فيها بعدى (١)

واستمر القتال عنيفا بين الفريقين وهم ماضون فى الحرب لا يريحون ولا يستريحون ، وقد بان الضعف في جيش معاوية ، وتحطمت جميع كتائبه وتفللت جميع قواه حتى همّ بالفرار والانهزام.

__________________

(١) تاريخ الطبرى ٥ / ٢٣١

٤٥٦

رفع المصاحف :

ولما رأى معاوية بسالة جيش الامام وخور جيشه ، وعجزه عن المقاومة ونهاية أمره دعا وزيره الماكر عمرو بن العاص وقد مشت الرعدة باوصاله وخيم عليه الخوف فقال له :

« إنما هي الليلة حتى يغدو علينا بالفيصل ، فما ترى؟. »

وقد اعرب عن قرب نهايته وعدم قدرته على مقاومة جيش الامام فقال له ابن العاص :

« أرى رجالك لا يقومون برجاله ، ولست مثله فهو يقاتلك على امر وأنت تقاتله على أمر آخر ، إن أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم ، وأهل الشام لا يخافون من على إن ظفر بهم .. »

لقد حدد ابن العاص النزاع القائم بين الامام ومعاوية فالامام يقاتله من اجل الاسلام والذب عن مثله ومعاوية يقاتله من اجل الملك والسلطان فكل واحد منهما يقاتل على امر لا ينشده الآخر ، وقد اعرب له عن السر في بسالة جيش الامام وخور جيشه فجيش الامام يدافع عن كرامته وحياته لأنه على علم بنفسية معاوية واتجاهه ان تغلب عليهم فانه ينكل بهم ويصب عليهم وابلا من العذاب الأليم فلذلك كان جادا في حربه وأما جيشه فانه يعرف اتجاه الامام إن ظفر بهم فانه يقابلهم بالمعروف والاحسان وقد سمعوا عن عفوه واحسانه حينما ظفر بخصومه في واقعة الجمل. فجيش الامام لا بد أن يحوز النصر والظفر ، وقد ادلى له ابن العاص بفكرة كانت هي السبب فى تغلبه على الأحداث والسبب في تدمير جيش الامام فقال له :

٤٥٧

« الق إليهم أمرا إن قبلوه اختلفوا ، وإن ردوه اختلفوا ، ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك وبينهم ، فانك بالغ حاجتك في القوم فاني لم أزل أؤخر هذا الأمر لحاجتك إليه .. »

ورأى معاوية الصواب في رأي ابن العاص فبادره بالتصديق والاجابة وأمر بالوقت أن ترفع المصاحف فرفعت زهاء خمس مائة مصحف على الرماح ، وارتفعت الصيحة من أهل الشام وهم يهتفون بلهجة واحدة قائلين :

« هذا كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته الى خاتمته ، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق؟ ومن لجهاد الروم؟ ومن للترك؟ ومن للكفار؟ .. »

لقد رفعوا المصاحف حيلة ومكرا ، وتذرعوا بها لحقن دمائهم فانهم من دون شك لا يؤمنون بما فيها ولا يحزنون على مصير الاسلام والمسلمين ولا يرجون لله وقارا ، ولا يهمهم سوى الحكم والسلطان ، ولو كان في نفوسهم بصيص من نور الاسلام لما فتحوا باب الحرب على وصيي رسول الله وأراقوا دماء المسلمين بغير حق.

الفتنة الكبرى :

إن من أبشع المهازل وأسوئها في التأريخ الانساني هي حيلة رفع المصاحف فقد افتتن بها الجيش العراقي ، وانقلب رأسا على عقب. فاذا بهم يخلعون الطاعة ويعلنون العصيان والتمرد من دون تفكير ولا تدبر وهم قد أشرفوا على الفتح والظفر بعدوهم الذي أراق سيلا عارما من دمائهم.

٤٥٨

يا للمصيبة والأسف لقد استعلى الباطل على الحق باسم الحق ، فقد عملت مكيدة ابن العاص عملها الفظيع في قلب حكومة العدل والمساواة فقد اندفعت كتائب منهم كالسيل فأحاطوا بالامام مرغميه على الاذعان والخضوع لدعوة معاوية وهم يهتفون بلسان واحد.

« لقد اعطاك معاوية الحق ، دعاك الى كتاب الله فاقبل منه!! »

وكان في طليعة الهاتفين بدعوة التحكيم الأشعث بن قيس الذي كان سوسة تنخر في المعسكر العراقي ، وأداة للشغب والتمرد ، أما بواعث ذلك فانه كانت له رئاسة كندة وربيعة وقد عزله الامام عنها وجعلها لحسان ابن مخدوج ، وتكلم جماعة مع الامام فى ارجاعه وعدم عزله فابى (١) وقد أثار ذلك كوامن الحقد في نفسه على الامام وجعلته يتطلب الفرصة المواتية للانتقام وقد وجدها في تلك الفترة الرهيبة ، ومن الخطأ أن يقال إنه انخدع بدعوة معاوية فانه ليس من السذج والبسطاء حتى يخفى عليه الامر وعلى أي حال فقد جاء يشتد كأنه الكلب نحو الامام وهو يقول :

« ما أرى الناس إلا قد رضوا ، وسرهم أن يجيبوا القوم الى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فان شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد؟ فنظرت ما يسأل. »

وأخذ يلح على الامام بان يوفده الى معاوية فامتنع من اجابته ولكنه اصر عليه اصرارا شديدا فلم يجد «ع» بدا من إجابته ، فمضى وهو يحمل شارات الشر والشقاء ، فقال لمعاوية :

« لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟ »

فأجابه معاوية بالخداع والأباطيل قائلا :

__________________

(١) وقعة صفين : ص ١٥٣

٤٥٩

« لنرجع نحن وأنتم إلى أمر الله عز وجل في كتابه ، تبعثون منكم رجلا ترضون به ونبعث منا رجلا ، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ، ثم نتبع ما اتفقا عليه. »

وانبرى مصدقا لمقالة معاوية :

« هذا هو الحق. »

وأغلب الظن ان معاوية مناه وارشاه لأنه كان يعلم بانحرافه عن أمير المؤمنين ، وقد استجاب لدعوته وقفل راجعا الى الامام وهو ينادي بالتحكيم ، فقال الامام (ع) له ولغيره من المعاندين الذين لا يجدون لذة سوى العناد والتمرد :

« عباد الله ، إني أحق من أجاب إلى كتاب الله ، ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إني أعرف بهم منكم ، صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال ، إنها كلمة حق يراد بها باطل. إنهم يعرفونها ولا يعملون بها ، وما رفعوها لكم إلا خديعة ومكيدة ، اعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة ، فقد بلغ الحق مقطعه ، ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا. ».

لقد اعرب (ع) في كلامه كذب ما يدعيه معاويه من الانقياد إلى كتاب الله ، وأبان لهم عن غيهم وتمردهم عن الدين فهو أدرى بهم من غيره ، ولكن ذلك المجتمع الهزيل لم يذعن لكلام الامام واعار حديثه أذنا صماء ، فقد انبرى إليه زهاء أثنى عشر الفا من الذين يظهرون القداسة والدين وهم لا يفهمون منهما شيئا فخاطبوه باسمه الصريح منذرين ومتوعدين إن لم يخضع لما يرومونه قائلين :

٤٦٠