حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

ـ بلغك قول الرجلين؟

ـ نعم

ـ أرى أنهما أحبا الولاية فول البصرة الزبير ، وول طلحة الكوفة وأنبرى الامام يفند رأى ابن عباس ، ويبين له أن فى ولايتهما خطرا على الأمة قائلا :

« ويحك!! إن العراقين بهما الرجال والأموال ، ومتى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع ، ويضربا الضعيف بالبلاء ، ويقويا على القوى بالسلطان ، ولو كنت مستعملا أحدا لضره ونفعه لاستعملت معاوية على الشام ، ولو لا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي » (١) ودلت هذه البادرة على مدى حرص طلحة والزبير على الامارة والسلطان ، وانهما إنما أثارا سخط الناس على عثمان طمعا بالخلافة والولاية ولم يكونا مدفوعين بدافع المصلحة العامة ، وحب النصح للمسلمين ، وقد خسرا الصفقة ، وذهبت مساعيهما أدراج الرياح حينما آل الأمر إلى أمير المؤمنين لأن المحور الذي تدور عليه رحى سياسته مسايرة الدين والعمل على وفق المبادئ الاسلامية وهي لا تقر بأي حال من الأحوال أن تمنح الوظائف أثرة أو محاباة لأن ذلك خيانة للامة ، وقد اعرب الامام عن الاسباب التي دعته أن لا يوليهما العراقين وهي :

١ ـ إنهما يستميلان السفهاء بالمنافع والاطماع.

٢ ـ إنهما يصبان على الضعفاء وابلا من العذاب والبلاء.

٣ ـ يستغلان النفوذ والسلطان ويقويان به على القوى.

ومع علمه بهذه الاتجاهات كيف يجعلهما ولاة وحكاما على المسلمين يتصرفان في أموالهم ودمائهم .. وقد انتقد شفيق جبرى الامام في ذلك

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ / ٥٢

٣٦١

واعتبر أن حرمانهما من الولاية كان غلطة منه ـ على حد تعبيره الرخيص ـ (١)

ان شفيق جبري قد آمن بالسياسة الغربية التي تبيح جميع الوسائل فى سبيل الوصول الى الحكم وان كانت غير مشروعة وهذه السياسة لا يقرها الاسلام بحال فقد بنى سياسته الخلاقة على الايمان بحقوق الانسان وتجنب المكر والخداع وان توقف عليهما النصر والظفر وعلى ضوء هذه السياسة العادلة سار ابن ابي طالب رائد العدالة الاجتماعية الكبرى في الأرض.

ان السياسة التي سار عليها الملوك ولا يزال يسيرون عليها عشاق الملك والسلطان لا يلتقى معها الامام بصلة ، ولا تتفق مع أهدافه العليا ، وقد اوضح عليه‌السلام اسباب ذلك بقوله :

« لو لا التقى والورع لكنت ادهى العرب »

ان التقى والورع والخوف من الله تقف امامه وتصده عن ارتكاب اى وسيلة لا يقرها الشرع ، ومضافا لذلك فان المصلحة كانت تقضي ان لا يوليهما الكوفة والبصرة لان لهما حزبين وشيعة بهما ولا يؤمن أن يتسرب نفوذهما يوما ما إلى الدولة الاسلامية كافة

وعلى أي حال فلما استبان لطلحة والزبير ضياع املهما وعدم فوزهما بمقعد الحكم انطلقا إلى الامام طالبين منه الاذن بالخروج قائلين :

ـ ائذن لنا يا أمير المؤمنين.

ـ إلى اين؟!!

ـ نريد العمرة.

فرمقهما الامام هينهة وقد عرف حفايا نفوسهما فقال لهما برنة المستريب

والله ما العمرة تريدان!! بل الغدرة ونكث البيعة!!

__________________

(١) العناصر النفسية ، وقد تعرض لخطل آرائه كثير من الكتاب.

٣٦٢

واقسما له بالايمان المغلظة انهما لا يخلعان البيعة ، وانهما يخرجان ليعتمرا بالبيت الحرام ، وانهما يعلمان أنها قسم حانث ، ولكن لم يجدا وسيلة يصلان بها إلى الغاية سوى اليمين الكاذب ، والتفت الامام لهما ونفسه مترعة بالشك والريبة منهما قائلا :

« أعيدا البيعة لي ثانية ».

ففعلا دون تردد ، ومضيا منهزمين إلى مكة ، وكأنه قد اتيح لهما الخلاص من سجن أو عقاب ، ولحقا بعائشة يستفزانها على الثورة فانهما على علم بما تكنه من الحقد والعداء للامام.

خروج عائشة :

كانت عائشة في طليعة من أشعل نار الثورة على عثمان ، وقالت فيه أمر القول وأقساه ، وما كان اسمه عندها الا نعثلا ، وتعزو بعض المصادر السبب في ذلك إلى أنه نقصها مما كان يعطيها عمرو صيرها كغيرها من أزواج النبي (ص) (١) وقد بالغت في التشهير به والتحريض على قتله ولما احاط الثوار به خرجت إلى مكة وبعد ادائها لمناسك الحج قفلت راجعة إلى يثرب وهي تجد في السير لتنظر ما آل إليه أمر عثمان فلما انتهت إلى سرف (٢) لقيها رجل من أخوالها يقال له عبيد بن أبي سلمة وكان قادما من المدينة فاستعجلت قائلة له :

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٣٢.

(٢) سرف : موضع على ستة اميال من مكة وقيل اكثر من ذلك ، وبه تزوج رسول الله «ص» بميمونة بنت الحارث وتوفيت فيه ، وقال رواة البخاري : هو « شرف » بالشين المعجمة جاء ذلك في معجم البلدان ٥ / ٧١.

٣٦٣

ـ مهيم؟ (١).

ـ قتلوا عثمان.

ـ ثم صنعوا ما ذا؟

ـ اجتمعوا على بيعة علي فجازت بهم الأمور الى خير مجاز!!

فانهارت أعصابها ، وتحطمت قواها ، وبلغ بها الحزن إلى قرار سحيق ، وهتفت وهي حانقة مغيظة وبصرها يشير إلى السماء ، ثم ينخفض فيشير إلى الأرض قائلة :

« والله ليت هذه انطبقت على هذه ، إن تم الأمر لابن أبي طالب قتل عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه ».

فاجابها عبيد باستنكار وسخرية :

« ولمّ؟ فو الله إن أول من أمال حرفه لأنت!!! ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر! » لما ذا هذا الحزن والجزع من عائشة؟

وقد عادت للاسلام نضارته بحكومة الامام ، وظفر المسلمون بما يصبون إليه؟؟

وأجابت عائشة ابن خالها فقالت له :

« إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا؟ وقولي الأخير خير من قولي الأول .. »

وهل كانت حاضرة حينما استتابوه؟ وهل لها دراية بكيفية توبته ، ولكنها افتعلت دلك لتبرير موقفها وفد رد عليها عبيد فقال لها :

منك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الامام

وقلت لنا إنه قد كفر

__________________

(١) مهيم : كلمة استفهام من معانيها ما وراءك؟

٣٦٤

فهبنا (١) اطعناك فى قتله

وقاتله عندنا من أمر

ولم يسقط السقف من فوقنا

ولم تنكسف شمسنا والقمر

وقد بايع الناس ذا تدرإ

يزيل الشبا ويقيم الصعر (٢)

ويلبس للحرب أثوابها

وما من وفى مثل من قد غدر

فاعرضت عنه وانصرفت راجعة الى مكة (٣) وقد علاها الحزن والاكتئاب ، واحاط بها الاسى والذهول.

دوافع تمردها :

وليس شيء أو هى من القول بأن السبب في خروج عائشة هو المطالبة بدم عثمان فانها هي التي حفزت المسلمين إلى الاجهاز عليه ودعتهم إلى الاطاحة بحكمه يقول شوقي :

أثار عثمان الذي شجاها

أم غصة لم ينتزع شجاها

ذلك فتق لم يكن بالبال

كيد النساء موهن الجبال

نعم تذرعت بدم عثمان واتخذته وسيلة إلى اعلان العصيان والتمرد وإلى اغراء السذج والبسطاء فزجت بهم فى الحرب التي أثارتها ضد أمير المؤمنين وأخي رسول الله (ص) وباب مدينة علمه.

إن دم عثمان لا يصلح باي حال ان يكون من بواعث ثورتها على النظام القائم وانما بواعث ذلك ما يلي :

١ ـ إن نفسها كانت مترعة بالبغض والكراهية للامام ولزوجته سيدة

__________________

(١) وفي رواية « ونحن ».

(٢) ذو تدرإ : اي ذو عزيمة ومنعة » الشبا : المكروه ، الصعر : ميل في الوجه او فى احد الشقين : والمراد انه يقيم الشيء الملتوي.

(٣) الطبري ٣ / ٤٥٤ وغيره.

٣٦٥

النساء وأولادهما وسبب ذلك انها رأت اتجاه النبي واقباله عليهم وانه قد خصهم بمزيد الحب والعطف على نحو لم يشاركهم فيه أحد (١) ولم تحض عائشة بقليل ولا بكثير من تلك الرعاية وذلك الحنان بل كان يعاملها معاملة عادية بل ويزدري بها فى كثير من الاحيان فقد وقف خطيبا على منبره فأشار إلى مسكنها قائلا : « هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة هاهنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان (٢) وقد هددها غير مرة بالطلاق نظرا لما كان يعانيه منها فقد قالت له مرة فى كلام غضبت عنده أنت الذي تزعم أنك نبي (٣) وكان اذا صلى تمد رجلها في قبلته ثم لا ترفعها عن سجوده حتى يغمزها فاذا غمزها رفعتها ، حتى يقوم فتمدها ثانية (٤) لقد رأت عائشة اقبال النبي على فاطمة وعلى زوجها واعراضه عنها الأمر الذي اثار كوامن الحقد في نفسها ، وقد جابهت رسول الله (ص) بذلك فقد استأذن أبو بكر على رسول الله فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول له : « والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك من أبي ومنى مرتين أو ثلاثا » (٥) وليس شيء يثير عواطف المرأة ويترك العقد النفسية فيها مثل ما ترى أحدا أثيرا عند زوجها ، ومقدما عليها في الحنان والحب ، وزاد في تأثرها وانفعالها انها حرمت الولد من

__________________

(١) بسطنا القول في ذكر الأخبار التي وردت عن النبي فى حبه لأهل بيته في بداية بحوث هذا الكتاب.

(٢) البخاري ٢ / ١٢٥ باب فرض الخمس وصحيح مسلم ٢ / ٥٠٣ وجاء فيه انه قال «ص» : راس الكفر من هاهنا حيث يطلع قرن الشيطان.

(٣) احياء العلوم ٢ / ٣٥ كتاب آداب النكاح.

(٤) صحيح البخاري ١ / ١٤٣.

(٥) مسند الامام احمد ٤ / ٢٧٥

٣٦٦

النبي كما حرم من غيرها ، وقد تبنى ابناء ابنته الوحيدة فاقام لهم في نفسه اعمق الحب والاخلاص ، وقد ترك ذلك كوامن الحسد فى نفسها من الامام وزوجته ، وقد بذلت جميع طاقاتها في مقابلة أمير المؤمنين وصرف الخلافة عنه فقد رشحت أباها للصلاة فى مرض رسول الله لئلا يصلي بالمسلمين الامام ، وبعد وفاة النبي كان لها ضلع كبير في ترشيح ابيها للخلافة وحرمان الامام منها ، وبلغ من عظيم حقدها ان بضعة النبي لما توفيت جئن نساؤه الى بني هاشم في العزاء الا هي ونقل عنها كلام يدل على سرورها وفرحها (١)

ولما آل الأمر إلى الامام انهارت جميع قواها واندفعت إلى مقاومته وإلى اعلان الثورة على حكومته ، وقد وصف عليه‌السلام مدى ضغنها وحقدها عليه بقوله :

« أما فلانة فقد أدركها ضعف رأي النساء ، وضعن غلا في صدرها كمرجل القين (٢) ولو دعيت لتنال من غيرى ما أتت إلى ما تفعل » (٣)

ان من أقوى العوامل التي دفعتها إلى مقاومة الامام هي الاحقاد والضغائن التي تكنها في نفسها حتى انها لم تستطع إلى كبتها واخفائها ، وقد ابدت بالغ المسرات والأفراح حينما بلغها مقتله ، وقد تناسب أنه أخو النبي ووليه وانه منه بمنزلة هارون من موسى ، واعرضت عما قال فيه : « اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله .. » لقد سمعت ذلك ووعته ، ولم يخف عليها شيء مما أثر عن

__________________

(١) شرح النهج لابن ابي الحديد

(٢) المرجل : قدر كبيرة ، القين : الحداد

(٣) نهج البلاغة محمد عبده ٢ / ٦٣

٣٦٧

النبي فيه وفي أبنائه.

٢ ـ ومن بواعث ثورتها انها كانت تتوقع أن ترجع الخلافة إلى تيم ويتقلدها ابن عمها طلحة ـ كما يرى ذلك العقاد ـ (١) وكانت تدعو له وتشيد به ولما بلغها مقتل عثمان وهي في مكة بادرت قائلة : إن أحق الناس بهذا الأمر ذو الأصبع ـ يعنى طلحة ـ ثم اقبلت مسرعة إلى المدينة وهي لا تشك أنه هو صاحب الأمر ، وكانت تقول : بعدا لنعثل وسحقا ، إيه ذا الأصبع ، إيه أبا شبل ، إيه ابن عم لله أبوك ، أما انهم وجدوا طلحة لها كفؤا ، لكأني أنظر إلى إصبعه حثو الابل » (٢)

وهي بذلك كانت مدفوعة بدافع العصبية القبلية فلم تنظر لصالح الأمة فقد أرادت أن تعيد المجد ثانيا لأسرتها ، وأن تبسط نفوذها وتستأثر بالأموال وذلك لا يتحقق الا بأن ترجع الخلافة إلى تيم.

٣ ـ ويرى الاستاذ العلائلى ان السبب في خروجها من اجل الحزبية السائدة فى ذلك العصر يقول :

« والتاريخ لا يحدثنا لما ذا خرجت على علي ولم تر بعد من سياسته شيئا ما ، ودعوى انها خرجت طلبا بدم عثمان توهيم لأنها لم تكن جاهلة بالشريعة التي تقضي بترك الأمر إلى الحاكم المركزي فان لم يكن فلولي القتيل وليست من اوليائه (٣)

إذن فلم نخرج عائشة طلبا بدم عثمان بل لشيء آخر وهو ما لم

__________________

(١) عبقرية الامام علي ص ٨٧

(٢) شرح النهج لابن ابي الحديد ٢ / ٧٦

(٣) إن الشريعة تقضي بان ولي الدم ابتداء هو ولي المقتول فان لم يكن فالحاكم الشرعي الذي هو ولي من لا ولى له

٣٦٨

يذكره التأريخ بصراحة ، والذي يستقيم عندي في هذا الأمر ان الحزبية بلغ من نفوذها مبلغا عظيما حتى عدت إلى زوجات النبي فكانت أم سلمة من حزب المحافظين « أي حزب علي » وعائشة من حزب طلحة والزبير كما ذكرت فى « مقدمة الحلقة الاولى » وكانتا كذلك في عهد النبي فقد كانت أم سلمة زعيمة طائفة من نسائه ، وعائشة زعيمة طائفة أخرى ، ولا ريب في أن هذه الحزبية ولدت في نفسيهما حزازة تأريخية اتصلت بمسلكيهما العام .. » (١)

هذه بعض البواعث التي حفزتها على الخروج على حكومة الامام وقد فتحت بذلك باب التمرد والعصيان ، ومهدت السيل للقوى المنحرفة عن الحق أن تتكتل وتجتمع على حرب ابن أبي طالب فتغرق البلاد في المآسي والدموع ، وتجر للأمة الويلات والخطوب.

اعلان العصيان :

واعلنت عائشة العصيان والخروج على الحكم القائم في خطابها الذي القته بمكة فقد جاء فيه :

« أيها الناس .. إن الغوغاء من أهل الأمصار ، وأهل المياه ، وعبيد أهل المدينة اجتمعوا إن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الأرب (٢) واستعمال من حدث سنه ، وقد استعمل أسنانهم قبله ومواضع من الحمى حماها لهم ، وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها ، فتابعهم

__________________

(١) الحلقة الثانية من سيرة الحسين ص ٢٦٧

(٢) الأرب : الخداع والحيلة

٣٦٩

ونزع لهم عنها استصلاحا لهم فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا خلجوا (١) وبادروا بالعدوان ، ونبا فعلهم عن قولهم ، فسفكوا الدم الحرام ، واستحلوا البلد الحرام ، واستحلوا الشهر الحرام ، والله لأصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم! .. فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرد من بعدهم وو الله لو ان الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه او الثوب من درنه إذ ماصوه (٢) كما يماص الثوب بالماء » (٣)

وحفل خطابها بالمغالطات والتنكر للحقائق فقد جاء فيه ان الغوغاء عابوا على عثمان وهو مجاف للواقع فان الذي عاب عليه ، وشهر به إنما هم كبار المهاجرين والانصار ، وكانت هي بالذات اول من قدح زناد الثورة عليه فقد قالت فيه كلمتها الشهيرة : اقتلوا نعثلا فقد كفر ، انها وغيرها من الاعلام والرءوس هم الذين اجهزوا عليه ولا علاقة لغيرهم بدمه

وجاء فى خطابها أنه رجع عن احداثه ، وتابع الثوار استصلاحا لهم فلما لم يجدوا حجة عليه استحلوا دمه وقتلوه ، وهذا أيضا لا يلتقى بالواقع فان عثمان قد اعلن التوبة وأظهر الندم على الأحداث التي ارتكبها الا انه اعلن للناس اخيرا انه إنما قال ذلك من أجل ضغط الثوار عليه وهو ماض على سياسته التي رسمها لنفسه ، ولما قفل الثوار راجعين بعد المكيدة التي دبرها ضدهم طالبوه بالاستقالة من منصبه فابى وامتنع من اجابتهم فلم يجدوا بدا من قتله ، كما ذكرنا ذلك بالتفصيل وهو لا يتفق مع ما ذكرته عائشة في خطابها من انهم لم يجدوا حجة لقتله.

وعلى أي حال فان خطاب عائشة كان أول اعلان للعصيان والتمرد

__________________

(١) خلجوا : اي انتزعوه وجذبوه

(٢) الموص : الغسل اللين والدلك باليد

(٣) تأريخ الطبري ٣ / ٤٦٨

٣٧٠

والاختلاف يقول الاستاذ عبد الفتاح مقصود : « وتفرق الناس بعد حديثها هذا شيعا ، وكان اولى بهم أن تتوحد كلمتهم في هذه المحنة الحازبة التي اصابت الاسلام ، ففيم تدعوهم اليوم أم المؤمنين؟ وإلى أية غاية تريد أن تسير بهم!. لحرب الغوغاء؟. للزحف على المدينة وفيها الأمير الشرعي للبلاد؟. » (١)

لقد احدثت عائشة في خروجها الشقاق والاختلاف بين المسلمين ، وغرست بذور العداء والفتن فى جميع أنحاء البلاد.

مع أمّ سلمة :

واستنجدت عائشة بازواج النبي ودعتهن أن يخرجن معها لحرب وصي رسول الله وباب مدينة علمه وأبي سبطيه واجتمعت بأم سلمة فجعلت تخادعها وتقول لها :

« يا بنت أبي أمية ، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله (ص) وأنت كبيرة أمهات المؤمنين ، وكان رسول الله يقسم لنا من بيتك وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك .. »

فتريبت أم سلمة من كلامها وقالت لها :

« لأمر ما قلت هذه المقالة؟. »

فاجابتها عائشة بما تروم قائلة :

« إن القوم استتابوا عثمان ، فلما تاب قتلوه صائما فى الشهر الحرام وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ، ومعي الزبير وطلحة ، فاخرجى معنا لعل الله يصلح هذا الأمر على أيدينا .. »

__________________

(١) الامام علي ٢ / ٢٦٧

٣٧١

وانبرت أم سلمة إلى تفنيد مقالتها وإلى تسديدها ونصحها قائلة :

« إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان ، وتقولين فيه أخبث القول وما كان اسمه عندك الا نعثلا ، وانك لتعرفين منزلة علي عند رسول الله أما أذكرك؟ .. »

ـ نعم

ـ أتذكرين يوم أقبل ونحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال فخلا بعلي يناجيه فأطال ، فاردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني وهجمت عليهما ، فما لبثت أن رجعت باكية فقلت : ما شأنك؟ فقلت : أتيتهما وهما يتناجيان ، فقلت لعلي : ليس لي من رسول الله الا يوم من تسعة أيام ، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي؟ فاقبل رسول الله علي وهو محمر الوجه غضبا ، فقال ارجعي وراءك والله لا يبغضه أحد الا وهو خارج من الايمان. فرجعت نادمة ساخطة.

ـ نعم اذكر ذلك.

ـ أو أذكرك.

ـ نعم

ـ كنت أنا وأنت مع رسول الله فقال لنا : أيتكن صاحبة الجمل الادب (١) تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط؟ فقلنا نعوذ بالله وبرسوله من ذلك ، فضرب على ظهرك فقال : إياك أن تكونيها يا حميراء.

ـ نعم اذكر ذلك

ـ أو أذكرك؟

__________________

(١) الأدب : الجمل الكثير الشعر

٣٧٢

ـ نعم

ـ كنت أنا وأنت مع رسول الله فى سفر له ، وكان علي يتعاهد نعل رسول الله فيخصفها ، وثيابه ، فيغسلها ، فنقب نعله ، فأخذها يومئذ يخصفها ، وقعد في ظل سمرة ، وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحدثانه فيما أرادا ، ثم قالا يا رسول الله : إنا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا؟ فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ، ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرق بنو إسرائيل عن هارون بن عمران ، فسكتا ثم خرجا فلما خرجا خرجنا إلى رسول الله فقلت له أنت وكنت أجرأ عليه منا : يا رسول الله من كنت مستخلفا عليهم؟ فقال : خاصف النعل. فنزلنا فرأيناه عليا فقلت يا رسول الله ، ما أرى الا عليا ، فقال : هو ذاك.

ـ نعم اذكر ذلك

ـ فاي خروج تخرجين بعد هذا؟

ـ إنما أخرج للاصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر

ـ أنت ورأيك

وانصرفت أم سلمة وكتبت بالأمر الى الامام أمير المؤمنين (١) وقد أبدت لها تمام النصح وذكرتها بما تناسته من فضائل أمير المؤمنين ومآثره ولكن عائشة استسلمت لاحقادها وعواطفها فلم تستجب لذلك.

__________________

(١) شرح النهج ٢ / ٧٩ وذكر الزمخشري فى الفائق ١ / ٢٩٠ ما يقرب من ذلك.

٣٧٣

الزعف الى البصرة :

واستجاب لدعوة عائشة جميع رجال الحكم المباد من ولاة عثمان واقربائه وذوى الاطماع الذين اعتقدوا أن حكومة الامام تبدد أحلامهم فى النفوذ السياسي ، والمغرر بهم والسذج من الناس الذين تلونهم الدعاية كيف شاءت ، كل هؤلاء جرفتهم دعوة عائشة ودعايتها وخضعوا لأوامرها وقد تداول زعماء الفتنة الآراء في غزو أي بلد ، وعرضوا المدينة الا انهم عدلوا عنها لأن فيها الخليفة الشرعي وهو يتمتع بالقوى العسكرية ولا قبل لهم بها ، وعرضوا ثانيا الشام وفيها الرجال والأموال وعليها ابن عثمان واليا فهي اولى بلد واجدره بالاجابة ولكن الأمويين لم يستجيبوا لذلك لأنهم جعلوا الشام في حوزتهم وخافوا عليها من التصدع ، فاجمع الرأي على غزو البصرة لأن فيها أعوانا وانصارا لهم ونادى المنادي فى مكة :

« أيها الناس ، إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن كان يريد اعزاز الاسلام ، وقتال المحلين ، والطلب بثار عثمان ، ولم يكن عنده مركب ولا جهاز فهذا جهازه وهذه نفقته .. »

وزودوا الجند بالسلاح والعتاد فاعان يعلى بن أمية (١) بأربعمائة الف

__________________

(١) يعلى بن أميّة بن ابى عبيدة التميمي كان واليا على بعض نواحي اليمن من قبل عمر ، واستعمله عثمان على صنعاء ، وقال المدائني : كان يعلي اميرا على الجند باليمن فبلغه قتل عثمان فاقبل لينصره فسقط عن بعيره في الطريق فانكسر فخذه فقدم مكة بعد انقضاء الحج فاجتمع الناس به فاخذ يحرضهم على الطلب بدم عثمان فاعان الزبير باربعمائة الف وحمل سبعين رجلا من قريش وحمل عائشة على الجمل الذي شهدت القتال عليه واسمه « عسكر » ولما فشلت حرب الجمل لحق بالامام امير المؤمنين

٣٧٤

وحمل سبعين رجلا ، واعتلت عائشة جملها المسمى ( بعسكر ) قد احتف بها بنو أمية وهي تتقدم أمام الحشد الزاخر ، تقودهم إلى تمزيق الوحدة الاسلامية والى محاربة الحكومة الشرعية ، ولما انتهت إلى ذى قار التقى بها سعيد ابن العاص (١) فقال لها :

ـ أين تريدين يا أم المؤمنين؟

ـ البصرة

ـ وما تصنعين بها؟

ـ أطلب بدم عثمان

فضحك ساخرا وقال متبهرا :

ـ هؤلاء قتلة عثمان يا أم المؤمنين

فازاحت بوجهها عنه إذ لا حجة لها تدافع بها عن نفسها ، وتركها وانصرف إلى مروان فقال له :

ـ وأنت أيضا تريد البصرة

ـ نعم

ـ ما تريد؟

ـ أطلب بدم عثمان

ـ فهؤلاء قتلة عثمان معك ـ وأشار الى طلحة والزبير ـ فقال : إن

__________________

وصار من اصحابه وقتل معه بصفين ، جاء ذلك في اسد الغابة ٥ / ١٣٨.

(١) سعيد بن العاص الأموي ولد عام الهجرة ، قتل علي اباه يوم بدر وهو من فصحاء قريش استعمله عثمان واليا على الكوفة ثم عزله عنها وارجع سعيدا إليها فارجعوه اهل الكوفة وكتبوا إلى عثمان لا حاجة لنا في سعيدك ولا في وليدك ، وكان فيه تجبر وشدة وغلظة ، ولما قتل عثمان لزم سعيد بيته واعتزل ايام الجمل وصفين ولم ـ

٣٧٥

هذين الرجلين قتلة عثمان ، وهما يريدان الأمر لأنفسهما ، فلما غلبا عليه قالا : نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة (١) ولم تجد معهم هذه المحاورة شيئا ، وانطلقوا مصممين على الغي والعدوان.

ماء الحوأب :

وانطلقت قافلة عائشة تطوى البيداء فاجتازت على مكان يقال له « الحوأب » (٢) فتلقت الركب كلاب الحي الساهرة بهرير وعواء فذعرت عائشة من ذلك النباح الذي اطلقته الكلاب على القافلة ، فقالت لمحمد بن طلحة : (٣).

__________________

ـ يشهد شيئا من تلك الحروب ، ولما استتب الأمر الى معاوية ولاه المدينة ثم ولاها مروان بن الحكم وكان يعاقب بينهما في ولايتها توفى في خلافة معاوية سنة تسع وخمسين ، الاستيعاب ٢ / ٨

(١) الامامة والسياسة ١ / ٦٣

(٢) الحوأب بالفتح ثم السكون وهمزة مفتوحة وباء موحدة موضوع للاودية الواسعة والعلبة الضخمة ومكان في طريق البصرة وقال ابو منصور : الحوأب موضع بئر نبحت كلابه على عائشة عند مجيئها الى البصرة وانشد

ما هي الاشربة بالحوأب

فصعدى من بعدها او صوبى

معجم البلدان ٣ / ٣٥٥

(٣) محمد بن طلحة القرشي التميمي : ولد في حياة النبي «ص» وهو الذي سماه محمدا وكناه بابى القاسم قتل يوم الجمل وكان هواه مع علي ومر به الامام بعد مقتله فقال : هذا الذي قتله بره بأبيه امره ابوه ان يتقدم للقتال فتقدم ونثل درعه بين رجليه وقام عليها وجعل كلما مر عليه رجل قال له : نشدتك بحاميم فشد عليه ـ

٣٧٦

ـ أي ماء هذا؟

ـ ماء الحوأب.

فذعرت ، وذاب قلبها أسى وحسرات على ما فرطت في أمرها وقالت :

ـ ما أراني إلا راجعة!!

ـ لمّ ـ يا أم المؤمنين؟

ـ سمعت رسول الله يقول لنسائه : كأني بإحداكنّ قد نبحتها كلاب الحوأب ، (١) وإياك أن تكوني أنت يا حميراء.

ـ تقدمي رحمك الله ودعى هذا القول ولم تقتنع عائشة واصرت على الانسحاب فعلم ذلك طلحة والزبير فاقبلا يلهثان لأنها متى انفصلت عن الجيش ذهبت آمالهما أدراج الرياح فتكلما معها في الامر فاصرت على

__________________

ـ رجل فقتله وانشد يقول :

واشعث قوام بآيات ربه

قليل الاذى فيما ترى العين مسلم

ضممت إليه بالقناة قميصه

فخر صريعا لليدين وللفم

على غير ذنب غير ان ليس تابعا

عليا ومن لا يتبع الحق يظلم

يذكرني حاميم والرمح شاجر

فهلا تلا حاميم قبل التقدم

يقال قتله كعب بن مدلج ، وقيل معاوية بن شداد ، وقيل غيرهما الاستيعاب ٣ / ٣٤٩.

(١) روى ابن عباس عن رسول الله (ص) انه قال يوما لنسائه وهن جميعا عنده : ايتكن صاحبة الجمل الأدب تنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم فى النار وتنجو بعد ما كادت ، شرح النهج ٢ / ٤٩٧ وهذا الحديث من اعلام النبوة ومن اخباره بالمغيبات.

٣٧٧

الانسحاب فجاءوا لها بشهود اشتروا ضمائرهم فشهدوا أنه ليس بماء الحوأب وهي اول شهادة زور تقام في الاسلام (١) وبهذه الشهادة الكاذبة استطاعوا أن يقلعوا رأيها وكان الواجب عليها بعد ما ذكرت قول الرسول أن ترجع إلى بيتها فلا تقود الجيوش لمحاربة أخي رسول الله

في ربوع البصرة :

وسارت قافلة عائشة تطوي البيداء حتى اشرفت على البصرة فلما علم ذلك عامل البصرة عثمان بن حنيف (٢) أرسل إليها أبا الأسود الدئلى ليسألها عن قدومها ، ولما التقى بها قال لها :

ـ ما أقدمك يا أم المؤمنين؟

ـ أطلب بدم عثمان

ـ ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد!!

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣٤٢ ، تأريخ اليعقوبي.

(٢) عثمان بن حنيف الانصاري من الأوس ، كان واليا من قبل عمر ، ثم ولاه الامام على البصرة ولما خرج الامام منها عزله عنها وولى عبد الله بن عباس ، وقيل إن عمر بن الخطاب استشار الصحابة فى رجل يوجهه الى العراق فاجمعوا على عثمان بن حنيف ، وقالوا : إن تبعثه على اهم من ذلك فان له بصرا وعقلا ومعرفة وتجربة ، فاسرع عمر فولاه مساحة ارض العراق فضرب عثمان على كل جريب من الارض يناله الماء عامرا وغامرا درهما وقفيزا من الطعام فبلغت جباية سواد الكوفة قبل ان يموت عمر بعام مائة الف الف ونيفا ، وبعد حادثة البصرة اقام فى الكوفة ، وبقى فيها الى زمان معاوية ، الاستيعاب ٣ / ٧٩

٣٧٨

ـ صدقت ، ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة ، وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله ، انغضب لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم؟

فرد عليها بمنطقه الفياض قائلا :

ـ ما أنت من السوط والسيف؟ إنما أنت حبيسة رسول الله (ص) أمرك أن تقري في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، وليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وإن عليا لأولى منك وأمس رحما ، فانهما ابنا عبد مناف!!

ـ لست بمنصرفة حتى امضي لما قدمت إليه ، افتظن أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي؟!

ـ أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد.

ثم تركها وانصرف عنها واقبل الى الزبير فذكره بماضي ولائه للامام أمير المؤمنين قائلا :

ـ يا أبا عبد الله ، عهد الناس بك ، وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك ، تقول : لا أحد أولى بهذا الامر من ابن أبي طالب ، واين هذا المقام من ذاك.؟؟

ـ نطلب بدم عثمام

ـ أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا

وانصاع الزبير لمقالة أبي الاسود ورأى فيها النصح والرشاد إلا انه طلب منه مواجهة طلحة ومذاكرته في الأمر ، فمضى أبو الاسود مسرعا وعرض عليه الامر فلم يستجب له وأصر على الغي والعدوان (١)

__________________

(١) شرح النهج ٢ / ٨١

٣٧٩

وأنطلق أبو الأسود الى ابن حنيف فأخبره بنية القوم ، واصرارهم على الحرب فجمع أصحابه فخطب فيهم فقال في خطابه :

« أيها الناس ، إنما بايعتم الله ، يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فانما ينكث على نفسه ، ومن أو فى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه الله أجرا عظيما ، والله لو علم علي أحدا احق بهذا الامر منه ما قبله ، ولو بايع الناس غيره لبايع وأطاع وما به الى أحد من صحابة رسول الله حاجة ، وما باحد عنه غنى ولقد شاركهم في محاسنهم وما شاركوه في محاسنه ولقد بايع هذان الرجلان وما يريدان الله ، فاستعجلا الفطام قبل الرضاع. والرضاع قبل الولادة والولادة قبل الحمل ، وطلبا ثواب الله من العباد ، وقد زعما أنهما بايعا مستكرهين فان كانا استكرها قبل بيعتها وكانا رجلين من عرض قريش لهما أن يقولا ولا يأمرا ، إلا وان الهدى ما كانت عليه العامة ، والعامة على بيعة على. فما ترون أيها الناس؟ »

وانبرى إليه حكيم بن جبلة فخاطبه بمنطق الايمان قائلا.

« نرى إن دخلا علينا قاتلناهما ، وإن وقفا تلقيناهما ، والله ما أبالي أن أقاتلهما وحدي ، وإن كنت أحب الحياة ، وما أخشى في طريق الحق وحشة ، ولا غيرة ولا غشا ولا سوء منقلب الى بعث وانها لدعوة قتيلها شهيد وحيها فائز ، والتعجيل الى الله قبل الأجر خير من التأخير في الدنيا ، وهذه ربيعة معك .. » (١)

وصمم القوم بذلك على رد العدوان ، ومقابلتهم بالمثل إن اعتدوا عليهم ، وعدم التعرض لهم إن لم يبدؤهم بقتال.

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ / ٦٤ ـ ٦٥

٣٨٠