حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

مَفازاً ) وقال : ( وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) فاتقوا عباد الله واعلموا أن من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن ويسدده في أمره ويهيأ له رشده ، ويفلحه بحجته ويبيض وجهه ويعطيه رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا » (١).

الوعظ والارشاد

قال عليه‌السلام : يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا وارض بما قسم الله تكن غنيا ، واحسن جوار من جاورك تكن مسلما وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به تكن عادلا ، إنه كان بين أيديكم قوم يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ويأملون بعيدا اصبح جمعهم بورا وعملهم غرورا ومساكنهم قبورا ، يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك مذ سقطت من بطن أمك ، فجد بما في يديك فان المؤمن يتزود والكافر يتمتع وكان يتلو عقيب كلامه هذا ، قوله تعالى : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى ) (٢).

وقال عليه‌السلام : اتقوا عباد الله وجدّوا في الطلب وتجاه الهرب وبادروا العمل قبل مقطعات النقمات وهادم اللذات ، فان الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجيعتها ولا تتوقى في مساويها ، غرور حائل ، وسناد مائل فاتعظوا عباد الله بالعبر واعتبروا بالأثر وازدجروا بالنعم وانتفعوا بالمواعظ ، فكفى بالله معتصما ونصيرا وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما وكفى

__________________

(١) تحف العقول ص ٥٥.

(٢) نور الابصار ص ١١٠

٣٢١

بالجنة ثوابا وكفى بالنار عقابا ووبالا (١).

وعزى عليه‌السلام رجلا قد مات بعض ذويه فقال له. إن كانت هذه المصيبة احدثت لك موعظة وكسبتك اجرا فهو ، وإلا فمصيبتك في نفسك أعظم من مصيبتك في ميتك (٢).

وجاءه رجل من الاثرياء فقال له : يا ابن رسول الله اني أخاف من الموت!!!

فقال له عليه‌السلام : ذاك لأنك أخرت مالك ولو قدمته لسرك أن تلحق به (٣).

ومر عليه‌السلام على قوم يلعبون ويضحكون في يوم عيد الفطر فوقف عليه‌السلام والتفت إليهم قائلا : إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته الى مرضاته فسبق قوم ففازوا ، وقصر آخرون فخابوا ، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون ، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا ان المحسن مشغول باحسانه والمسيء مشغول بإساءته. ثم تركهم عليه‌السلام وانصرف (٤)

وقال عليه‌السلام : اوصيكم بتقوى الله وادامة التفكر فان التفكر أبو كل خير وأمه.

وقال عليه‌السلام : من عرف الله احبه ومن عرف الدنيا زهد فيها

__________________

(١) كذا وجد في تحف العقول ص ٥٦.

(٢) مجموعة ورام ص ٤١١

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠٢

(٤) جامع السعادات ج ٣ ص ٣٧٦ ، تحف العقول ص ٥٦ مجموعة ورام ص ٥٤

٣٢٢

والمؤمن لا يلهو حتى يغفل واذا تفكر حزن (١).

ومر عليه‌السلام على ميت يراد دفنه فقال : إن امرا هذا آخره لحقيق بأن يزهد في اوله ، وان امرا هذا اوله لحقيق أن يخاف من آخره (٢).

وقال عليه‌السلام : الناس في دار سهو وغفلة يعملون ولا يعلمون فاذا صاروا الى دار الآخرة صاروا الى دار يقين يعلمون ولا يعملون (٣).

طلب الرزق

قال عليه‌السلام : لا تجاهد الطلب جهاد الغالب ولا تتكل على القدر اتّكال المستسلم فان ابتغاء الفضل من السنة والاجمال فى الطلب من العفة وليست العفة بدافعة رزقا ولا الحرص بجالب فضلا فان الرزق مقسوم واستعمال الحرص استعمال المآثم (٤).

المساجد

قال عليه‌السلام : من ادام الاختلاف الى المسجد أصاب ثمان خصال آية محكمة ، وأخا مستفادا ، وعلما مستطرفا ، ورحمة منتظرة ، وكلمة تدله على هدى أو تردعه عن ردى ، وترك الذنوب حياء او خشية (٥).

آداب المائدة

قال عليه‌السلام : غسل اليدين قبل الطعام ينفى الفقر وبعده ينفي

__________________

(١) مجموعة ورام صفحة ٣٧

(٢) المحاسن والمساوئ للجاحظ صفحة ٢٥٦

(٣) الاثنى عشرية صفحة ٣٧

(٤) تحف العقول صفحة ٥٥

(٥) عيون الاخبار لابن قتيبة ج ٣ ص ٣

٣٢٣

الهم (١).

وقال عليه‌السلام : في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم أن يعرفها ، أربع فيها فرض ، واربع سنة ، واربع تأديب.

الفرض : المعرفة ، الرضا ، التسمية ، الشكر.

السنة : الوضوء قبل الطعام ، الجلوس على الجانب الايسر ، الاكل بثلاثة اصابع ولعق الاصابع.

التأديب : الاكل مما يليك ، تصغير اللقمة ، تجويد المضغ. قلة النظر فى وجوه الناس ، (٢)

ولاء اهل البيت

قال له رجل : يا ابن رسول الله إني من شيعتكم!!!

فقال عليه‌السلام : يا عبد الله إن كنت لنا فى أوامرنا وزواجرنا مطيعا فقد صدقت ، وان كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها ، لا تقل أنا من شيعتك ، ولكن قل أنا من مواليكم ومحبيكم ومعادى اعدائكم وأنت في خير والى خير (٣).

التحذير من المحرفين لكتاب الله

قال عليه‌السلام : أيها الناس إنه من نصح لله وأخذ قوله دليل هدى للتي هي أقوم ، وفقه الله للرشاد وسدده للحسنى ، فان جار الله آمن محفوظ وعدوه خائف مخذول ، فاحترسوا من الله بكثرة الذكر واخشوا

__________________

(١) الاثنى عشرية ص ٣٧

(٢) مصابيح الانوار فى حل مشكلات الاخبار للحجة السيد عبد الله شبر اعلى الله مقامه ج ٢ ص ٢٧١ وقد اوضح السيد فقرات الحديث.

(٣) مجموعة ورام صفحة ٣٠١

٣٢٤

الله بالتقوى وتقربوا الى الله بالطاعة فانه قريب مجيب ، قال الله تعالى : ( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) فاستجيبوا لله وآمنوا به فانه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم ، فان رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا ، والذين يعرفون ما جلال الله ان يتذللوا وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله ان يستسلموا له ولا ينكرون انفسهم بعد المعرفة ولا يضلون بعد الهدى ، واعلموا علما يقينا انكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه ، فاذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على الله ورأيتم كيف يهوي من يهوي ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون ، والتمسوا ذلك عند أهله فانهم خاصة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدى بهم ، بهم عيش العلم وموت الجهل وهم الذين اخبركم حلمهم عن جهلهم ، وحكم منطقهم عن صمتهم ، وظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، وقد خلت لهم من الله سابقة ومضى فيهم من الله حكم ، إن في ذلك لذكرى للذاكرين ، واعقلوه اذا سمعتموه عقل رعاية ، ولا تعقلوه عقل رواية فان رواة الكتاب كثير ورعاته قليل والله المستعان (١).

الشاهد والمشهود

وجاء رجل الى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليسأل عن المراد من قوله تعالى : ( وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) فرأى في المسجد ثلاثة اشخاص قد احتف بكل واحد منهم جمع من الناس وهم يحدثونهم عما سمعوه من

__________________

(١) كذا وجد في تحف العقول صفحة ٥٣

٣٢٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الاحكام والآداب فقصد واحدا منهم فسأله عن مسألته؟!!!

فقال له : الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. ثم انعطف الى الثاني ، فسأله عن مسألته؟!!!

فقال له : الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر. ثم انعطف نحو الشخص الثالث فسأله عن مسألته؟!!!

فقال له : الشاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمشهود يوم القيامة ودعم كلامه بالبرهان قائلا : أما سمعت الله يقول في كتابه العزيز : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) وقال تعالى : ( وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) فسأل من هو الاول؟ قيل له هو عبد الله بن عباس (١)

__________________

(١) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم عم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمه أمّ الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية ، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وقيل بخمس وقد دعا له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم زده علما وفقها ، فكان ببركة دعاء رسول الله (ص) من اساطين العلماء ، وقال مسروق إذا رايت عبد الله بن عباس قلت اجمل الناس فاذا تكلم قلت افصح الناس وإذا تحدث قلت اعلم الناس ، وقيل لو سمعت فارس والروم والترك كلامه لأسلمت ، وقد عمى فى آخر عمره فقال :

إن يأخذ الله من عيني نورهما

ففي لساني وقلبى منهما نور

قلبي ذكى وعقلى غير ذى دخل

وفي فمي صارم كالسيف مأثور

مات في الطائف سنة ثمان وستين في ايام ابن الزبير وكان عمره سبعين سنة وقيل إحدى وسبعون وقيل اربع وسبعون ، وصلى عليه محمد بن الحنفية وكبر عليه اربعا وقال : اليوم مات رباني هذه الامة جاء ذلك فى الاستيعاب المطبوع على ـ

٣٢٦

فسأل من هو الثاني؟ قيل له عبد الله بن عمر (١).

فسأل من هو الثالث؟ قيل له الحسن بن علي (٢).

بعض خطبه :

وكان عليه‌السلام خطيبا مفوها من أبرع الخطباء واقدرهم على الارتجال والابداع في القول وإليك أيها القارئ الكريم بعضا من خطبه :

قال عليه‌السلام : نحن حزب الله المفلحون ، وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاقربون ، وأهل بيته الطاهرون الطيبون ، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والثاني كتاب الله فيه تفصيل كل شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعول عليه في كل شيء لا يخطئنا تأويله ، بل نتيقن حقائقه ، فاطيعونا فاطاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله والرسول وأولي الامر مقرونة ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) وأحذركم الاصغاء لهتاف الشيطان إنه

__________________

ـ هامش الاصابة ج ٢ ص ٣٥٠

(١) عبد الله بن عمر بن الخطاب ولد بعد المبعث النبوي بثلاث سنين ومات سنة اربع وثمانين من الهجرة ، وقيل غير ذلك ، جاء ذلك فى الاصابة ج ٢ ص ٣٤٧ وجاء في الاستيعاب ج ٢ ص ٣٤٣ انه لم يتبع عليا وقعد وندم على ذلك ولما حضرته الوفاة قال : ما اجد فى نفسي شيئا إلا انى لم اقاتل الفئة الباغية مع علي بن ابي طالب عليه‌السلام وذكر المسعودي فى مروج الذهب ج ٢ ص ٢٣٨ جماعة تخلفوا عن بيعة علي ذكر منهم عبد الله بن عمر وكان سبب تخلفهم خروجا عن الامر ، ومخالفة لعلي عليه‌السلام.

(٢) الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٦٠.

٣٢٧

لكم عدو مبين فتكونون كأوليائه الذين قال لهم : ( لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ) فتلقون للرماح أزرا ، وللسيوف جزرا ، وللعمد خطأ ، وللسهام غرضا ، ثم لا ينفع نفسا إيمانها ما لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا ، والله اعلم.

ومرض الامام علي عليه‌السلام يوما فأمر الحسن ان يصلي بالناس صلاة الجمعة ، فصعد عليه‌السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله لم يبعث نبيا إلا اختار له نفسا ورهطا وبيتا ، فو الذي بعث محمدا بالحق لا ينتقص من حقنا أهل البيت أحد إلا نقصه الله من عمله ، مثله ولا يكون علينا دولة إلا وتكون لنا العاقبة ، ولتعلمن نبأه بعد حين (١)

كلماته الحكمية القصار :

فضح الموت الدنيا (٢).

كن في الدنيا ببدنك وفى الآخرة بقلبك.

اجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك.

ما تشاور قوم إلا هدوا الى رشدهم.

إن من طلب العبادة تزكى لها.

المزاح يأكل الهيبة وقد اكثر من الهيبة الصامت.

تجهل النعم ما أقامت فاذا ولت عرفت.

الوعد مرض في الجود والانجاز دواؤه.

__________________

(١) مروج الذهب ج ٢ صفحة ٣٠٦

(٢) مجموعة ورام صفحة ٢٠١ ، وقال خالد بن صفوان افصح الناس الحسن ابن علي عليه‌السلام لقوله هذه الكلمة الذهبية التي مثلت الاعجاز والابداع والايجاز

٣٢٨

المسئول حر حتى يعد ومسترق بالوعد حتى ينجز.

لا تعاجل الذنب بالعقوبة ، واجعل بينهما للاعتذار طريقا.

قطع العلم عذر المتعلمين.

اليقين معاذ السلامة.

لا يغش العاقل من استنصحه :

إذا أضرت النوافل بالفريضة فاتركوها.

الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود.

وسأله شخص عن الصمت؟ فقال «ع» : هو ستر العى وزين العرض وفاعله في راحة وجليسه في أمن.

فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها.

أشد من المصيبة سوء الخلق.

من تذكر بعد السفر اعتدّ.

القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه ، والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه.

وقال «ع» : لرجل قد برىء من مرضه ، إن الله قد ذكرك فاذكره وأقالك فاشكره.

إن لم تطعك نفسك فيما تحملها عليه مما تكره فلا تطعها فيما تحملك عليه مما تهوى.

من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه.

العار أهون من النار.

قال «ع» لأصحابه : هل رأيتم ظالما أشبه بمظلوم؟ قالوا وكيف ذاك يا بن رسول الله؟!!

٣٢٩

قال : الحاسد ، فانه فى تعب ومن حسده فى راحة.

مروءة القناعة والرضا أكثر من مروءة الاعطاء.

تمام الصنيعة خير من ابتدائها.

نظمه للشعر :

إما نظم الامام «ع» للشعر فقليل وقد تقدمت فى بحوث هذا الكتاب أبيات نسبت له ولكن ابن رشيق قد عد الامام « ع ، من الشعراء واستشهد له ببيت واحد كان الامام قد أنشده وهو مختضب بالسواد فقال «ع» :

نسود أعلاها وتأبى أصولها

فليت الذي يسود منها هو الأصل (١)

وجاء فى أعيان الشيعة أنه «ع» قال في الوعظ :

ذرى كدر الأيام ان صفاءها

تولى بأيام السرور الذواهب

وكيف يغر الدهر من كان بينه

وبين الليالي محكمات التجارب

وجاء في المناقب أنه «ع» قال :

لئن ساءني دهر عزمت تصبرا

وكل بلاء لا يدوم يسير

وإن سرني لم أبتهج بسروره

وكل سرور لا يدوم حقير

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن تراثه ومثله :

__________________

(١) العمدة ج ١ ص ٢١ ومعنى البيت : إنا نسود الظاهر من الشعر ولكن جذوره تأبى إلا البقاء على الشيب.

٣٣٠

فى عهد الإمام على «ع»

٣٣١
٣٣٢

واستقبل جمهور المسلمين خلافة الامام أمير المؤمنين بمزيد من السرور والابتهاج واتساع الأمل والرجاء فقد أيقنوا أن الامام سيرجع لهم الحريات المنهوبة. ويحطم عنهم أركان العبودية التي أقامها الحكم الأموي المهدوم ، ويعيد لهم عهد النبوة الزاهر الذي انبسطت فيه الرحمة ، وعم فيه العدل والرجاء ، وانهم سينعمون ـ من دون شك ـ في ظل حكمه العادل الذي لا يعرف الإثرة والاستغلال ، ولا يميز قوما على آخرين لقد وثق الجمهور أن الامام سيحقق لهم الأهداف النبيلة التي يصبون إليها من تحقيق العدل الاجتماعي والعدل السياسي في البلاد ، وتطبيق المبادئ والنظم التي جاء بها الاسلام ، والقضاء على جميع الفوارق والامتيازات التي خلفها عثمان ، وقد هبوا بجميع طبقاتهم إلى الامام وهم يهتفون باسمه ، ويعلنون رغبتهم الملحة فى أن يلي أمورهم ليحملهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء ، ونضع بين يدي القراء صورة مجملة عن البيعة وعن الأحداث التي رافقتها وهي :

البيعة :

واجتمع المهاجرون والأنصار ومعهم الثوار وبقية الجماهير ومن بينهم طلحة والزبير فهرعوا إلى الامام أمير المؤمنين وهو معتزل بداره فأحاطوا به من كل جانب وقالوا له :

« يا أبا الحسن. إن هذا الرجل قد قتل. ولا بد للناس من إمام. ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك ، لا أقدم سابقة ، ولا أقرب قرابة من رسول الله .. ».

فامتنع الامام من أجابتهم وقال لهم :

« لا حاجة لي فى أمركم فمن اخترتم رضيت به .. »

فهتفوا بلسان واحد

٣٣٣

« ما نختار غيرك .. »

وكثر اصرار الجماهير على الامام ولكنه لم يستجب لهم فخرجوا منه ولم يظفروا بشيء ، وعقدت القوات المسلحة اجتماعا خاصا عرضت فيه الأحداث الخطيرة التي تواجه الأمة إن بقت بلا إمام يدير شئونها ، وقد قررت على احضار المدنيين وارغامهم على انتخاب إمام للمسلمين فقالوا لهم :

« أنتم أهل الشورى ، وأنتم تعقدون الإمامة. وحكمكم جائز على الأمة فانظروا رجلا تنصبونه ، ونحن لكم تبع ، وقد أجلناكم يومكم ، فو الله لئن لم تفرغوا لنقتلن عليا وطلحة والزبير وتذهب من أضحية ذلك أمة من الناس .. » (١)

وفزع المدنيون بعد هذا الانذار والتهديد إلى الامام أمير المؤمنين ، وهم يهتفون بلسان واحد

البيعة. البيعة

أما ترى ما نزل بالاسلام ، وما ابتلينا به من أبناء القرى

وأجابهم الامام بهدوء قائلا :

« دعوني والتمسوا غيري. »

ثم أعرب لهم عن السر في توقفه من قبول الخلافة قائلا :

« أيها الناس ، إنا مستقبلون أمرا له وجوه وله ألوان لا تقوم به القلوب ولا تثبت عليه العقول .. » (٢)

لقد علم عليه‌السلام بما دب في نفوس الأمة من الشر ، وبما ساد في نفوس زعمائها من الأهواء لا سيما ولاة عثمان وأسرته ومن يمت إليه فانهم

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٨٠

(٢) شرح النهج محمد عبده ١ / ١٨٢

٣٣٤

جميعا سيقفون أمامه ويحولون بينه وبين تحقيق أهدافه العريضة ، ولا بد أن يخلقوا المشاكل والمصاعب في وجه حكومته لذلك أصر على الامتناع من قبول الأمر.

وفكر الامام فى الأمر فقال لهم :

« إني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، وإن تركتموني فانما أنا كأحدكم ألا واني من أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه .. »

وصاحوا به هاتفين :

« ما نحن بمفارقيك حتى نبايعك ».

وقد وصف عليه‌السلام مدى انثيالهم عليه وشدة اصرارهم واقبالهم عليه بقوله :

« فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلى (١) ينثالون عليّ من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي (٢) مجتمعين حولي كربيضة الغنم (٣) » وأجلهم الامام إلى صباح اليوم الآخر لينظر فى الأمر فافترقوا على ذلك ، وقد خيم الليل على سماء المدينة وبرك بحمله على بيوتها فبات المدنيون ولكن في غير هدوء واطمئنان ، ولما أصبح الصبح اجتمع الناس فى الجامع الأعظم فاقبل الامام ، واعتلى أعواد المنبر فخطب فيهم قائلا :

__________________

(١) عرف الضبع : الشعر الكثير الذي يكون على عنق الضبع يضرب به المثل فى الكثرة والازدحام.

(٢) شق عطفاي : المراد انه خدش جانباه من كثرة زحام الناس عليه من اجل البيعة.

(٣) ربيضة الغنم : الطائفة الرابضة من الغنم يصف عليه‌السلام جثومهم بين يديه.

٣٣٥

« يا أيها الناس ، إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالأمس وكنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا وانه ليس لي أن آخذ درهما دونكم فان شئتم قعدت لكم والا فلا آخذ على أحد .. »

وتعالى هتاف الجماهير بلهجة واحدة

« نحن على ما رقناك عليه بالأمس .. »

« اللهم اشهد عليهم. »

وتدافع الناس كالموج المتلاطم إلى البيعة ، وتقدم طلحة فبايع بتلك اليد التي سرعان ما نكث بها عهد الله (١) وجاء بعده الزبير فبايع كما بايع رفيقه وبايعه الوفد المصري والوفد العراقي ، وبايعه الجمهور العام ولم يظفر أحد من الخلفاء بمثل هذه البيعة في شمولها ، وعمت المسرة جميع المسلمين وقد وصف الامام مدى سرور الناس ببيعته بقوله :

« وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب. »

لقد ابتهج المسلمون ببيعتهم إلى وصي رسول الله وباب مدينة علمه ، وعمت الأفراح جميع أنحاء البلاد فقد أطلت على عالم الوجود حكومة العدل والمساواة ، وتقلد الخلافة امام الحق ، وناصر المظلومين ، وأبو الأيتام الذي واسى الفقراء والمحرومين في سغبهم ومحنهم ، القائل فى دور حكمه.

« أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم فى مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش .. »

__________________

(١) كانت يد طلحة شلاء فتطير منها الامام ، وقال ما اخلقه ان ينكث فكان كما قال جاء ذلك في العقد الفريد ٣ / ٩٣

٣٣٦

لقد نشرت في ذلك اليوم الخالد ألوية العدالة الكبرى ، وتحققت الأهداف الأصيلة التي ينشدها الإسلام فى عالم السياسة والحكم فلا استغلال ولا مواربة ولا استبداد ولا انقياد للنزعات والعواطف كل ذلك حققه ابن أبي طالب في دور خلافته وحكمه.

تأييد الصحابة :

وانبرى كبار الصحابة وأعلام الاسلام من الذين آمنوا بحق أمير المؤمنين منذ وفاة النبي فأبدوا سرورهم البالغ بهذه البيعة ، وأعلنوا تأييدهم الشامل لحكومة الامام وحثوا المسلمين إلى تدعيمها وهم :

١ ـ ثابت بن قيس

ووقف ثابت بن قيس خطيب الأنصار فخاطب الامام قائلا :

« والله يا أمير المؤمنين لئن كان قد تقدموك فى الولاية فما تقدموك في الدين ولئن كانوا سبقوك أمس لقد لحقتهم اليوم ، ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك ، ولا يجهل مكانك ، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون وما احتجت إلى أحد مع علمك .. »

٢ ـ خزيمة بن ثابت

وانطلق الصحابي العظيم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال :

« يا أمير المؤمنين ، ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك ولا كان المنقلب إلا إليك ولئن صدقنا أنفسنا فيك لأنت أقدم الناس إيمانا ، واعلم الناس بالله وأولى المؤمنين برسول الله (ص) لك ما لهم وليس لهم مالك .. »

وجرت على لسانه أبيات من الشعر فخاطب الجماهير بها :

إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا

أبو حسن مما نخاف من الفتن

٣٣٧

وجدناه أولى الناس بالناس انه

أطب قريش بالكتاب وبالسنن

وإن قريشا ما تشق غباره

إذا ما جرى يوما على الضمر البدن

وفيه الذي فيهم من الخير كله

وما فيهم كل الذي فيه من حسن (١)

٣ ـ صعصعة بن صوحان

وقام صعصعة بن صوحان فقال للامام :

« والله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ولهي إليك أحوج منك إليها ،. » (٢)

٤ ـ مالك الأشتر

واندفع الزعيم الكبير مالك الأشتر فخاطب المسلمين قائلا :

« أيها الناس هذا وصي الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، العظيم البلاء الحسن العناء ، الذي شهد له كتاب الله بالايمان ورسوله بجنة الرضوان ، من كملت فيه الفضائل ، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر ولا الأوائل .. »

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١١٥ وذكر السيد المرتضى في الفصول المختارة ٢ / ٦٧ زيادة على هذه الأبيات وهي :

وصي رسول الله من دون اهله

وفارسه قد كان في سالف الزمن

واول من صلى من الناس كلهم

سوى خيرة النسوان والله ذو المنن

وصاحب كبش القوم في كل وقعة

يكون لها نفس الشجاع لدى الذقن

فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه

امامهم حتى اغيب في الكفن

(٢) وبهذا المضمون قال الامام احمد بن حنبل : « إن الخلافة لم تزين عليا بل علي زانها » ذكر ذلك ابن الجوزي في مناقب احمد ص ١٦٣.

٣٣٨

٥ ـ عقبة بن عمرو

وقام عقبة بن عمرو فأشاد بفضل الامام قائلا :

« من له يوم كيوم العقبة ، وبيعة كبيعة الرضوان ، والامام الأهدى الذي لا يخاف جوره ، والعالم الذي لا يخاف جهله .. » (١)

وتتابعت الصحابة وهي تشيد بفضائل أبي الحسين وتذكر مناقبه ومآثره وتدعوا المسلمين إلى تأييد حكومته.

وجوم القرشيين :

واستقبلت قريش وسائر القوى المنحرفة عن الحق خلافة الامام أمير المؤمنين فى كثير من الوجوم والقلق والاضطراب لأن الامام قد وترهم في سبيل الدعوة الاسلامية وقضى على الكثير من عيونهم ووجوههم فقد قتل من أعلام بني أمية عتبة بن ربيعة جد معاوية ، والوليد بن عتبة خاله ، وحنظلة أخاه وقتل غير هؤلاء من أقطاب الشرك ودعائم الالحاد ما أوغر به الصدور وأثار الحفائظ عليه ومضافا لذلك فان سياسة الامام تتصادم مع مصالحهم ومنافعهم فانها تحارب الإثرة والاستغلال ، ولا تقر بأي حال من الأحوال سياسة النهب والإيثار التي سار عليها عثمان لذلك أظهرت قريش تمردها على حكومته ، وقد أعرب عن هذه المناحي بأسرها الوليد حينما حمل على البيعة ومعه الأمويون فقال للإمام :

« إنك وقد وترتنا جميعا أما أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر ، وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر وكان أبوه من نور قريش ، وأما مروان فشتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمه إليه ، فنبايع على أن تضع عنا ما أصبنا

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٥

٣٣٩

وتعفي لنا عما في أيدينا ، وتقتل قتلة صاحبنا .. »

فرد عليه الامام مقالته وأجابه بمنطق الاسلام الذي لا تعيه قريش قائلا :

« أما ما ذكرت من وتري إياكم فالحق وتركم ، وأما وضعي عنكم عما فى أيديكم فليس لي أن أضع حق الله ، وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم ، وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتالهم اليوم لزمني قتالهم غدا ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله وسنة نبيه فمن ضاق الحق فالباطل عليه أضيق ، وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم .. » (١)

ان قريشا تريد المساومة من الامام على أموال الأمة ، وتريد منه أن ينحرف عن خطته القويمة التي تنشد المصلحة العامة ، وحمل الناس على الحق الواضح والمحجة البيضاء ، ولكن الامام قد عاهد الله وعاهد المسلمين أن يطبق أحكام القرآن ويحيي معالم الإسلام ، ويسير على ضوء سنة النبي (ص) وأن لا ينصاع للأحداث والظروف مهما كانت قاسية وشديدة ، وأن يقف بالمرصاد لكل ظالم ومعتد على المسلمين ، لذا أظهرت قريش حقدها البالغ على حكومته ، وهبت بأحلافها وأبنائها على اعلان التمرد والعصيان ، ويصف ابن أبي الحديد مدى اضطرابهم وقلقهم بقوله :

« كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه من اظهار ما في النفوس وهيجان ما في القلوب حتى الأحلاف من قريش ، والأحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه ، وفتكاته في أسلافهم وآبائهم فعلوا ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله .. »

لقد امتحن الامام امتحانا عسيرا بهؤلاء العتاة الذين لم ينفث الاسلام إلى قلوبهم ومشاعرهم ، وقد أترعت نفوسهم بالحقد عليه لأنه وقف إلى

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٥

٣٤٠