حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار البلاغة
المطبعة: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

نستقبل الحسن عليه‌السلام في عهد عثمان وهو في شرخ الشباب وعنفوانه فقد كان عمره ينيف على عشرين عاما وهو دور يسمح لصاحبه أن يخوض معترك الحياة ، وأن يعطي رأيا في الناحية الاجتماعية فدخل الامام عليه‌السلام في دوره هذا ـ على ما قيل ـ ميدان الجهاد « والجهاد باب من أبواب الجنة » فانضم الى المجاهدين حيث اتجهت ألويتهم الفاتحة الى احتلال افريقية ، سنة ست وعشرين من الهجرة (١) وتذكر المجاهدون في حفيد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخصية جده ، فأبلوا بلاء حسنا حتى فتح الله على أيديهم وبعد ما وضعت الحرب أوزارها اتجه الحسن عليه‌السلام الى عاصمة جده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنصر حليفه وقلبه مفعم بالسرور والارتياح لتوسع النفوذ الاسلامى وانتشار دين جده ، ولما كانت سنة ثلاثين من الهجرة اتجهت الجيوش الاسلامية الفاتحة والتي يرف النصر عليها

__________________

(١) العبرج ٢ ص ١٢٨ و١٢٩ لابن خلدون ، وجاء فيه ان عثمان وجه جيشا الى غزو افريقية فى سنة خمس وعشرين وكانت قيادة الجيش بيد عبد الله ابن نافع وعقبة بن نافع بن عبد القيس ، فتوجه الجيش الى افريقية وكان عدده عشرة آلاف ، فلما وصلوا إليها لم يتمكنوا على فتحها وصالحهم اهلها على مال يؤدونه إليهم ، ثم ان عبد الله بن ابى سرح اخا عثمان من الرضاعة استأذن عثمان على غزو افريقية وطلب منه ان يمده بالجيش فاستشار عثمان الصحابة فحبذ إليه اكثرهم ذلك ، فجهز عثمان إليه جيشا من المدينة فيهم ابن عباس وابن العاص وابن جعفر والحسن والحسين فساروا الى افريقية ففتحوها وذلك في سنة ست وعشرين ولم يذكر صاحب الفتوحات الاسلامية انضمام الحسن والحسين عليهما‌السلام الى الجيش.

٢٠١

الى احتلال طبرستان فانضم الحسن عليه‌السلام إليها (١) وببركته فتح الله على أيديهم ورف لواء الاسلام عليها ، ففي سبيل المصلحة العامة وخدمة الدين اللذين هما فوق سائر الاعتبارات دخل الامام الحسن عليه‌السلام في ميدان الجهاد والكفاح ، والقى الستار على ما يكنه في نفسه من الاستياء على ضياع حق أبيه ، وهو درس رائع يجب أن تستفيد منه الاحزاب السياسية القائمة في البلاد من ان عنعنات الحزبية يجب ان تلغى أمام صالح البلاد والمجتمع.

وساس عثمان الامة حفنة من السنين فكانت سياسته بعيدة كل البعد عن سنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين وبعيدة كل البعد عن روح ذلك العصر لأنها لم تتفق مع الناحية الدينية والاجتماعية لذلك كتب لها الفشل والخذلان ، وسبب ذلك يرجع الى عدم قدرة الخليفة على ادارة شئون الامة وعجزه من الناحية الادارية ، وضعف ارادته ضعفا يلمس في كافة أعماله ، وصدق « امرسن » في قوله :

« إن قوة الارادة سر النجاح ، والنجاح غاية الوجود ، فان قوة إرادة نابليون ، وكرنت ، والاسكندر وغيرهم من رجال التأريخ هي التي

__________________

(١) تأريخ الامم والملوك ج ٥ ص ٥٧ و٥٨ العبر ج ٢ ص ١٣٤ الفتوحات الاسلامية ج ١ ص ١٧٥ جاء فى كل هذه المصادر انه غزا سعيد بن العاص طبرستان سنة ثلاثين من الهجرة ، وكان الأصبهبد قد صالح سويد بن مقرن على مال بذله له في ايام عمر بن الخطاب ، فلما كان دور عثمان جهز إليهم جيشا بقيادة سعيد بن العاص ، كان فيه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وغيرهم فلما وصلوا إليها فتحوها ، وقال الراغب الاصفهاني فى محاضرات الادباء ج ١ ص ٧٦ الأصبهبد هو صاحب الجبل وهو الصواب لا الأصبهبد.

٢٠٢

خلدت اسماءهم ، وإنا لنرى عددا كبيرا من رجال التأريخ لم ينتج انخذالهم على ما اشتهروا به من الشجاعة والحنكة والذكاء إلا عن ترددهم ، وضعف إرادتهم ، وان من المحال أن ندخل معترك الحياة ، ونرجو الفوز فيها دون أن تكون لدينا إرادة قوية » (١)

إن قوة الارادة لها الاثر التام في تكوين الشخص وفي خلوده فى هذه الحياة ، وان الشخص الضعيف المغلوب على امره يستحيل أن يحقق أي هدف للامة أو يبني لها كيانا ، وقد حرص الاسلام كل الحرص على ابعاد ضعيف الارادة عن قيادة الامة ، ومنعه من مزاولة الحكم لأنه يعرض البلاد للاخطار ، ويجر لها الويلات والخطوب ، ويذهب بهيبة الحكم ومعنويته ويغري ذوي القوة بالتمرد والخروج من الطاعة.

إن عثمان كان فاقد الارادة الى حد بعيد ، فلم تكن له قدرة لمواجهة الاحداث ، ولا قابلية له للتغلب عليها فقد او كل شئون الدولة الى مروان يتصرف بها حسب ما يشاء ، ونقل ابن ابي الحديد عن بعض مشايخه ان الخليفة فى الحقيقة والواقع مروان ، وعثمان له اسم الخلافة لا غير.

وعلى أي حال فلا بد لنا أن نتبين قصة عثمان ، ونقف على حقيقتها وواقعها فان لها ارتباطا وثيقا بما نحن فيه ، فقد زعم غير واحد من المؤرخين أن الامام الحسن عليه‌السلام كان عثمانى الهوى ، وانه وقف يوم الدار مدافعا عن عثمان ، وحزن عليه بعد مقتله حزنا بالغا ، وانه كان يندد بأبيه لأنه لم يقم بنجدته وحمايته ، وقد مال لذلك الدكتور طه حسين وأرسلها الى القراء ارسال المسلمات من دون ان يتبين فيها ، ولا يعرف مدى واقعية ذلك إلا بعد التعرف على سياسة عثمان وسيرته فانها هي التي

__________________

(١) قوة الارادة لاوريسون سويت ماردن

٢٠٣

تكشف عن زيف هذه الامور وعدم التقائها بواقع الامام عليه‌السلام الذي كان يحمل هدي جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة أبيه.

وقبل التحدث عن سياسة عثمان نود أن نبين أنا نلتقي في كثير من بحوثنا الآتية مع الدكتور طه حسين فقد حاول تبرير عثمان ، وتنزيهه عن التهم التي الصقت به بوجوه بعيدة خالية من التحقيق العلمي ، وقد تنصل في طليعة بحوثه عن عثمان عن كل هوى وتعصب طائفى ، فليس هو شيعة لعثمان وليس شيعة لعلي ، وانما يريد أن يخلص في بحوثه للحق ما وسعه اخلاصه للحق وحده (١) ولكنه لم يلتزم بوعده فانطلق يتمسك بالاسباب الواهية لتصحيح أخطاء السياسة العثمانية التي لم تساير فى اي مرحلة من مراحلها كتاب الله وسنة نبيه ، وسيرة الشيخين ، حتى نقم عليها خيار المسلمين وصلحاؤهم ، وثارت عليه الاقاليم الاسلامية ، واحاطت به جماهير المسلمين يطالبونه أن يعتدل في سياسته وأن يسير على الطريق الواضح والمحجة البيضاء فلم يستجب لذلك فاردوه صريعا ، قد شقيت الامة بحكمه ، وامتحنت بعد مقتله.

إن الواجب يقضى بأن ننظر الى هذه الاحداث بدقة وأمانة ، ونتعمق فيها ، ونبين معطياتها فانها ترتبط بواقعنا الدينى ، وليس لنا ان نلتمس المعاذير لأي شخص كان فيما اذا جافت سيرته تعاليم الاسلام ، وتنافت مع مبادئه واحكامه ، والى القراء بعض تلك المؤاخذات التي تواجه سياسة عثمان :

__________________

(١) الفتنة الكبرى ١ / ٥

٢٠٤

عفوه عن عبيد الله

واستقبل عثمان خلافته بالعفو عن عبيد الله بن عمر الذي ثار لمقتل أبيه فقتل بغير حق الهرمزان ، وجفينة ، وبنت أبي لؤلؤة ، وأراد قتل كل سبي بالمدينة فانتهى إليه سعد بن أبي وقاص فساوره وقابله بناعم القول حتى أخذ منه السيف ، وأودع في السجن حتى ينظر عثمان في امره ، ولما تمت البيعة لعثمان اعتلى أعواد المنبر ، وعرض على المسلمين قصة عبيد الله فقال :

« وقد كان من قضاء الله ان عبيد الله بن عمر أصاب الهرمزان ، وكان الهرمزان من المسلمين ، ولا وارث له إلا المسلمون عامة ، وأنا إمامكم وقد عفوت أفتعفون؟ .. »

فانبرى جمع من الناس فاعلنوا الرضا ، والاقرار للعفو سوى الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد انكر على عثمان ولم يرض بقضائه وقال له :

« أقد الفاسق فانه أتى عظيما ، قتل مسلما بلا ذنب .. »

وصاح الامام بعبيد الله « يا فاسق .. لئن ظفرت بك لأقتلنك بالهرمزان. » (١)

واندفع المقداد بن عمر فرد على عثمان قائلا :

« إن الهرمزان مولى لله ولرسوله ، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله .. » (٢)

ولم يرض ثقات المسلمين وصلحاؤهم بهذا العفو واعتبروه تعديا على الاسلام وخرقا لحدوده فكان زياد بن لبيد إذا لقى عبيد الله يقول له :

ألا يا عبيد الله مالك مهرب

ولا ملجأ من ابن أروى ولا خفر

__________________

(١) الانساب للبلاذري ٥ / ٢٤

(٢) تأريخ اليعقوبي ٢ / ١٤١

٢٠٥

أصبت دما والله في غير حله

حراما وقتل الهرمزان له خطر

على غير شيء غير أن قال قائل

أتتهمون الهرمزان على عمر

فقال سفيه والحوادث جمة

نعم أتهمه قد أشار وقد أمر

وكان سلاح العبد في جوف بيته

يقلبه والامر بالامر يعتبر

وشكا عبيد الله الى عثمان فدعا زيادا فنهاه عن ذلك ، ولكنه لم ينته وقد تناول بالنقد عثمان فقال فيه :

أبا عمرو عبيد الله رهن

ـ فلا تشكك ـ بقتل الهرمزان

فانك ان غفرت الجرم عنه

وأسباب الخطا فرسا رهان

لتعفو إذ عفوت بغير حق

فما لك بالذي تخلي يدان

وغضب عثمان على زياد فنهاه وزجره حتى انتهى (١) واخرج عبيد الله من يثرب الى الكوفة ، وأنزله دارا فنسب الموضع إليه فقيل « كويفة ابن عمر » وروى الطبري ان عثمان استشار الصحابة في شأن عبيد الله ، فاشار عليه قوم بالعفو ، وقالوا : يقتل عمر امس ويقتل ابنه اليوم ، وأشار عليه جماعة منهم الامام أمير المؤمنين بالقود ، فقال له عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين ، ان الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطان ، إنما كان هذا الحدث ، ولا سلطان لك ، فاستجاب عثمان لرأيه وقال : أنا وليهم وقد جعلتها دية ، واحتملها في مالى (٢)

وقد حفلت هذه البادرة بما يلي من المؤاخذات :

١ ـ ان الاسلام قد ألزم ولاة الامور باقامة الحدود وعدم التسامح

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٤١

(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٤١

٢٠٦

والتساهل فيها للحفاظ على النظام العام ، وصيانة النفوس ، وحمايتها من الاعتداء وليس للحاكم ان يقف موقف اللين والتسامح مع المعتدى مهما كانت له من مكانة مرموقة في المجتمع ، وقد أعلن ذلك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطبقه على واقع الحياة فقد سئل أن يعفو عن سارقة لشرف أسرتها فأجاب :

« انما هلك من كان قبلكم لأنهم كانوا إذا أذنب الضعيف فيهم عاقبوه ، واذا أذنب الشريف تركوه ، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها .. » (١)

وجلد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحاب الإفك ، وفيهم سطح بن اثاثة (٢) وكان من أهل بدر ، هذا ما يقتضيه العدل الاسلامى الذي لا يفرق بين الابيض والاسود ، والضعيف والقوي ، والرئيس والمرءوس فهم سواسية أمام القانون ، وقد جافى عثمان ذلك ، وخالف ما يقتضيه العدل فلم يفد عبيد الله لأنه ابن عمر ، وفتى من فتيان قريش فآثر رضا آل الخطاب ورضا قريش فعفا عنه ، وابعده الى الكوفة ، ومنحه دارا يسكن فيها ، وقد فتح بذلك باب الفوضى والفساد ، ومكن ذوي النفوذ أن ينالوا من الضعفاء ، الذين ليس لهم ركن يأوون إليه.

٢ ـ ان عثمان قد الغى رأى أمير المؤمنين الذي الزم بالقود ، وهو من دون شك أعلم بحدود الله واحكامه ، واستجاب لرأي ابن العاص الذي عرف ببغيه وحقده على الاسلام.

٣ ـ ان المصلحة العامة كانت تقضى بالقود وعدم العفو عنه لأنه

__________________

(١) النظام السياسي فى الاسلام ص ٢٢٧ نقلا عن الخراج لأبي يوسف ص ٥٠

(٢) اسد الغابة

٢٠٧

لو قتله لكان اقطع للفساد ، وأنفى للقتل ، ولم يقدم أحد من ذوى النفوذ على ارتكاب هذه الجريمة ، فان ابن الخليفة قد اقتص منه ولكن عثمان لم يرع المصلحة العامة ، واستجاب الى الاغراض الخاصة التي تتنافى مع مصلحة الامة.

٤ ـ إن الولاية للامام إنما تثبت فيما اذا علم ان المقتول لا وارث له والهرمزان من فارس فكان اللازم على عثمان أن يفحص عن وارثه ويتبين واقعيته ، ومع عدمه تثبت له الولاية ، ولكنه لم يفعل ذلك ، ولم يتحقق في أمره فاضفى على نفسه أنه وارثه ووليه.

٥ ـ وليس للحاكم ان يعفو عن الدية ، وإنما له ان يصالح عليها كما يرى ذلك ملك العلماء الحنفى يقول :

« ان الامام له ان يصالح على الدية إلا أنه لا يملك العفو ، لأن القصاص حق المسلمين بدليل أن ميراثه لهم ، وإنما الامام نائب عنهم في الاقامة ، وفي العفو إسقاط حقهم أصلا ورأسا وهذا لا يجوز ، ولهذا لا يملكه الاب والجد وإن كانا يملكان استيفاء القصاص ، وله ان يصالح على الدية » (١). وعلى ضوء هذه الفتيا الحنفية فليس لعثمان صلاحية العفو عن الدية ، وهذا الاشكال يسجل على عثمان على ما رواه بعضهم من انه عفا عن الدية. هذه بعض المؤاخذات التي تواجه عثمان في عفوه عن عبيد الله وعدم قوده.

دفاع طه حسين

وحاول الدكتور طه حسين تبرير عثمان ، ونفي المسئولية عنه ، وكان اعتذاره لا يحمل طابعا علميا ، ونسوق الى القراء مواضع دفاعه :

__________________

(١) بدائع الصنائع ٧ / ٢٤٥

٢٠٨

١ ـ فما كان عثمان ليستفتح خلافته بقتل فتى من فتيان قريش ، وابن من أبناء عمر. وما كان عثمان ليهدر دم مسلم وذميين. وهو من أجل ذلك آثر العافية ، فأدى دية القتلى من ماله الخاص الى بيت مال المسلمين وحقن دم عبيد الله بن عمر ، وفي امضائه الحكم على هذا النحو سياسة رشيدة لو نظر الناس الى القضية نظرة سياسية خالصة (١).

ان عثمان لو استفتح خلافته بقتل عبيد الله لوفى للمسلمين ما عاهدهم عليه من السير على ضوء كتاب الله وسنة نبيه ، وتطبيق أحكام الشرع على واقع الحياة ولكنه انطلق في ميدان السياسة فآثر العافية وأهمل أحكام الدين وقد علق سماحة الامام كاشف الغطاء رحمه‌الله على هذا الاعتذار بقوله :

« هذا من الاغلاط الواضحة فان دم عبيد الله قد هدره الشرع ولم يحقنه ـ هذا أولا ـ وثانيا ان القتل كان عن عمد وحكمه القصاص لا الدية وقد غلط الاولون وجاء الآخرون يوجهون غلطهم بغلط آخر .. » (٢)

٢ ـ ونعود فنقول إن عثمان كان ولي أمر المسلمين وله بحكم هذه الولاية أن يعفو ، ونزيد على ذلك أنه حين عفا لم يعطل حدا من حدود الله ، ولم يهدر دم الهرمزان وصاحبيه ، وإنما ادى ديتهم من ماله لبيت مال المسلمين الذي كان يرثهم وحده .. » (٣)

وقد علق عليه سماحة المغفور له كاشف الغطاء قال ما نصه :

__________________

(١) الفتنة الكبرى ١ / ٦٦

(٢) تعليقة مهمة للامام كاشف الغطاء على الفتنة الكبرى مخطوطة توجد فى مكتبته العامرة ، ودفاع طه حسين ونقد كاشف الغطاء إنما يتم على رواية الطبري من انه دفع الدية من ماله ولم يعف عنه

(٣) الفتنة الكبرى ١ / ٦٧

٢٠٩

« وهذا أيضا غلط ادهى وأمر فان واجب ولي أمر المسلمين اقامة حدود الله لا تعطيلها ، واعطاء الدية في مورد القصاص من دون رضاء أولياء الدم تحكم في احكام الشرع وتلاعب بالدين. »

٣ ـ وقد أمر النبي ان تدرأ الحدود بالشبهات ، فلعل عثمان قد درأ هذا الحد عن عبيد الله بالشبهة التي تأتي من غضبه لأبيه واندفاعه مع شهوته الجامحة. والله قد حبب الى المسلمين العفو حين يقدرون وجزاهم عليه خيرا ... »

وهذا من الاغلاط الفظيعة فان الغضب لا يصلح أن تدرأ به الحدود وإلا لوجب أن يدرأ الحد عن كل قاتل على نحو القتل على الاكثر إنما يصدر عن الغضب والثورة الجامحة ، وقاعدة الحدود تدرأ بالشبهات لا تنطبق على ما نحن فيه فلها مواردها الخاصة والمورد ليس من مصاديقها ، ولو كان الغضب موجبا لسقوط القود لاعتذر به عثمان ، ودافع به عن نفسه حينما أنكر عليه أمير المؤمنين وغيره ، فهل الدكتور اعرف بمواقع السنة من عثمان؟!

إن دفاع الدكتور خال من التحقيق ، وليست له أي صبغة تشريعية ولا يمكن ان يبرر عثمان ويقصى عنه المسئولية.

ومهما يكن من أمر فان عفو عثمان عن عبيد الله لم يكن المقصود منه إلا تطييب قلوب آل الخطاب ، وارضاء القرشيين ، وليس فيه أي مصلحة للامة.

سياسته المالية

واحتاط الاسلام احتياطا شديدا في أموال الدولة ، وألزم الولاة

٢١٠

والحكام ان ينفقوها على المرافق العامة وعلى اصلاح الحياة ، ومكافحة الفقر ، واعالة الضعيف ، والانفاق على العاجزين كالارامل والايتام ، وليس لهم ان يدخروا منها لأنفسهم ، ولا أن يصطفوا منها لذراريهم ، فليست طعمة لهم ، ولا ملكا يتصرفون فيها حيثما شاءوا ، يقول الامام أمير المؤمنين لعبد الله بن زمعة لما قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا :

« إن هذا المال ليس لي ولا لك ، وإنما هو فيء للمسلمين وجلب أسيافهم ، فان شركتهم في حرب كان لك مثل حظهم ، وإلا فجناة ايديهم لا تكون لغير أفواههم .. » (١)

وكتب عليه‌السلام الى قثم بن العباس عامله على مكة :

« وانظر الى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه الى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة ، مصيبا به مواضع الفاقة والخلات ، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا » (٢)

ويقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ان رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة » (٣)

هذا هو نظر الاسلام بايجاز في الناحية المالية فهو يلزم المسئولين بصرف أموال الدولة على انعاش المواطنين ، وانقاذهم من البؤس والحاجة ، وليس لهم بأي حال أن يتاجروا بها في شراء الضمائر ، وصلة غير المحتاج ، ولكن عثمان لم يطبق ذلك لا بكثير ولا بقليل ، فقد تسلط على الخزينة المركزية ، ووهب الاموال الطائلة بسخاء الى الامويين والى آل أبي معيط لتقوية نفوذهم

__________________

(١) نهج البلاغة ١ / ٤٦١

(٢) نهج البلاغة ٢ / ١٢٨

(٣) صحيح البخاري ٥ / ١٧

٢١١

وتركيزهم في البلاد ، فقاموا بدورهم باستغلال المسلمين ، والتلاعب بمقدراتهم والتحكم في مصيرهم ، كما منح الاموال الطائلة الى الوجوه والاعيان الذين يخاف جانبهم ، ويحذر سطوتهم نظرا لنفوذهم السياسي فى البلاد ، وقد أدى ذلك الى تضخم الثراء وتكدس الاموال عند طائفة من الناس حاروا في صرفها وفي انفاقها ، ومن الطبيعي أن ذلك يؤدي الى نشر الفاقة وذيوع الفقر والبؤس بين الناس الامر الذي يتنافى مع اتجاه الاسلام الذي يحرص كل الحرص على اسعاد المجتمع ، ونشر الرفاهية ، وبسط السعة بين الناس ونسوق بعض البوادر للاستدلال بها على ما ذكرناه :

١ ـ هباته للأمويين

ومنح عثمان أموال المسلمين الى اسرته ، وذوي قرباه الذين تنكروا للإسلام ، وقابلوه ، وناجزوه الحرب ، فأوصلهم وبرّ بهم ، وحملهم على رقاب الناس ، ووهبهم الثراء العريض يتمتعون فيه ، ويبالغون في البذخ والاسراف ، والى القراء بعض اولئك الذين أغدق عليهم بهباته :

أ ـ أبو سفيان

ووهب عثمان الى أبي سفيان مائتى الف من بيت المال (١) أعطاه هذه المنحة وهو رأس المشركين يوم أحد ، ويوم الاحزاب ، وفي طليعة الحاقدين على الاسلام ، والناقمين منه ، وما دخل الدين في قلبه ، ولا انتزعت روح الجاهلية من نفسه ، وهو الذي انطلق الى قبر حمزة فركله برجله ، وقال : « يا أبا عمارة! .. إن الامر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا يتلعبون به. » ثم مضى مثلوج القلب ، ودخل على عثمان بعد أن فقد بصره فقال :

__________________

(١) شرح النهج ١ / ٦٧

٢١٢

« اللهم ، اجعل الامر أمر جاهلية ، والملك ملك غاصبية ، واجعل أوتاد الارض لبني أمية .. » (١)

فهل من العدل والانصاف أن تمنح أموال المسلمين الى هذا المنافق الذي اترعت روحه بالعداء والبغض للإسلام؟!! وهل تبيح الشريعة الاسلامية إعطاء هذه الاموال الى شخص ما آمن بالله طرفة عين؟!

ب ـ الحارث بن الحكم

وأجزل عثمان بالعطاء الى الحارث بن الحكم لأنه صهره من عائشة فقد أعطاه ثلاثمائة الف درهم (٢) ووردت ابل الصدقة الى المدينة فوهبها له (٣) وأقطعه سوقا في يثرب يعرف بتهروز بعد أن تصدق به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع المسلمين (٤) وبما ذا استحق الحارث أن يمنح هذه الاموال الطائلة؟ فهل اسدى خدمة للاسلام او قام بعمل نفع به المسلمين حتى يستحق أن يوصل بهذه الاموال؟! هذا مع ان ابل الصدقة يجب ان تنفق على الفقراء والمعوزين ، كما أنه كيف خصه بصدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أنها لجميع المسلمين ، فلا مبرر ولا مسوغ له في هذا العطاء الذي خالف أحكام الله ، وتنافى مع صالح الامة

ج ـ عبد الله بن سعد

وأعطى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاعة جميع ما أفاء الله به من فتح إفريقية بالمغرب وهي من طرابلس الغرب الى طنجة ، ولم

__________________

(١) تأريخ ابن عساكر ٦ / ٤٠٧

(٢) انساب الاشراف ٥ / ٥٢

(٣) الانساب ص ٢٨

(٤) شرح النهج ١ / ٦٧

٢١٣

يشرك في عطائه أحدا من المسلمين (١) وهو أحد أعلام المشركين ، ومن الذين تنكروا للإسلام ، وكفروا بقيمه ، وسنذكر ترجمته في البحوث الآتية ما يثبت ذلك ، فكيف جاز لعثمان أن يوصله بهذه الاموال الهائلة ، ويمنحه هذا الثراء العريض.

د ـ الحكم بن أبي العاص

ويجدر بنا قبل أن نذكر هبات عثمان وصلاته للحكم أن نتعرف على واقعيته ، وبعض شئونه ليتضح أنه كان خليقا بالقطيعة والاقصاء ، وجديرا بالتوهين والاستخفاف ، وإن منحه أموال المسلمين أمر لا مبرر له بأي حال والى القراء ذلك :

١ ـ محاربته للإسلام

ووقف الحكم فى وجه الدعوة الاسلامية فكان يحرض الناس على البقاء على عبادة الاوثان ، ويمنعهم من الدخول في حظيرة الاسلام ، وقد التقى مروان بحويطب فسأله عن عمره فأخبره به فقال له مروان : « تأخر اسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الاحداث؟! »

فقال حويطب :

« والله لقد هممت بالاسلام غير مرة ، كل ذلك يعوقني أبوك يقول : تضع شرفك ، وتدع دين آبائك ، لدين محدث ، وتصير تابعا .. » (٢)

إن الحكم وبقية الاسرة الاموية ناهضت الاسلام ، وبذلت جميع امكانياتها في صد الدعوة الاسلامية ومكافحتها بشتى الاساليب ، ولكن الله رد كيدهم ، ونصر الاسلام واعز دينه.

__________________

(١) شرح النهج ١ / ٦٧

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ٧٠

٢١٤

٢ ـ استهزاؤه بالنبي

كان الحكم من ألد أعداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن أحقدهم عليه وقد بالغ في إيذائه والتوهين به ، والاستخفاف بمقامه الرفيع ، فكان يمر خلفه فيغمز به ، ويحكيه ، ويخلج بأنفه وفمه (١) والتفت النبي فرآه يفعل ذلك فقال : كذلك فلتكن ، فكان الحكم مختلجا يرتعش حتى مات ، وقد عيره بذلك عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقال فى هجاء عبد الرحمن بن الحكم :

إن اللعين أبوك فارم عظامه

إن ترم ترم مخلجا مجنونا

يمسي خميص البطن من عمل التقى

ويظل من عمل الخبيث بطينا (٢)

٣ ـ لعن النبي له

واستأذن هذا الخبيث الماكر على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين ، وقليل ما هم ، ذوو مكر وخديعة يعطون الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خلاق (٣) وأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامام عليا أن يقوده كما تقاد الشاة ويأتي به إليه فأنطلق الامام وجاء به وهو آخذ بأذنه حتى أوقفه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلعنه ثلاثا ، ثم قال : أحله ناحية حتى راح إليه قوم من المهاجرين والانصار ، ثم دعا به ثانيا فلعنه ، وقال : إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه ، وستخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء ، فقال إليه قوم هو أقل ، وأذل من أن

__________________

(١) الانساب ٥ / ٢٧

(٢) الاستيعاب ١ / ١١٨

(٣) السيرة الحلبية ١ / ٣٣٧

٢١٥

يكون هذا منه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بلى وبعضكم يومئذ شيعته (١)

٤ ـ نفيه الى الطائف

وكان هذا الرجس الخبيث يفشى أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويبالغ فى ايذائه فنفاه الى الطائف ، وقال : لا يساكننى (٢) ولم يزل منفيا هو وأولاده طيلة خلافة الشيخين ، وقد توسط عثمان في شأنه عندهما فلم يستجيبا له وظل مبعدا منفيا.

٥ ـ رجوعه الى يثرب

ولما آل الامر الى عثمان أصدر عنه العفو فقدم الى يثرب ، وعليه فزر خلق وهو يسوق تيسا والناس ينظرون الى رثة ثيابه ، وسوء حاله ، فدخل دار عثمان ثم خرج وعليه جبة خز وطيلسان (٣) وأوصله بمائة الف (٤).

٦ ـ توليته على الصدقات

وولاه على صدقات قضاعة فبلغت ثلاث مائة الف درهم فوهبها له (٥) وقد ادى ذلك الى شيوع السخط والانكار عليه لأنه آوى طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنحه أموال الصدقة التي جعلها الله للفقراء والمحرومين وذوي الحاجة ، فكيف ساغ له أن يمنحها لهذا اللعين على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والحكم في هذه المسألة للقراء.

__________________

(١) كنز العمال ٦ / ٣٩

(٢) الانساب ٥ / ٢٧

(٣) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٤١

(٤) المعارف : ص ٨٤

(٥) الانساب ٥ / ٢٨

٢١٦

٥ ـ سعيد بن العاص

ومنح عثمان سعيد بن العاص مائة الف درهم (١) وهو من فساق بني أمية ، ومن فجارهم ، وكان أبوه من أعلام المشركين قتله الامام أمير المؤمنين يوم بدر (٢) وقد أثار ذلك السخط على عثمان فانكر عليه ثقات المسلمين وصلحاؤهم.

٦ ـ الوليد بن عقبة

والوليد بن عقبة أخو عثمان من أمه ، وكان فاسقا ماجنا لا يرجو لله وقارا ـ كما سنبين ذلك عند التحدث عن ولاة عثمان وعماله ـ قدم الكوفة فاستقرض من عبد الله بن مسعود أموالا طائلة من بيت المال فأقرضه ، وطلبها منه عبد الله فكتب الوليد الى عثمان بذلك ، فرفع عثمان مذكرة الى ابن مسعود جاء فيها ، إنما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال ، فطرح ابن مسعود المفاتيح وقال : كنت أظن أني خازن للمسلمين فأما اذا كنت خازنا لكم فلا حاجة لي في ذلك ، وأقام بالكوفة بعد ان استقال من منصبه (٣) وكيف ساغ لعثمان أن يبدد أموال المسلمين ، ويهبها الى أعداء الله وخصوم الاسلام ، ولنترك الحكم في ذلك للقراء.

٧ ـ مروان بن الحكم

ومروان بن الحكم هر الذي لعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو فى صلب أبيه كما رواه الامام الحسن عليه‌السلام (٤) ولما ولد جيء

__________________

(١) الانساب ٥ / ٢٨

(٢) اسد الغابة ٢ / ٣١٠

(٣) الانساب ٥ / ٣٠

(٤) مجمع الزوائد ١٠ / ٧٢

٢١٧

به الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : هو الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون (١) ونظر إليه الامام أمير المؤمنين فقال له :

« ويل لك ، وويل لأمة محمد منك ومن بيتك إذا شاب صدغاك » (٢) وكان رأسا من رءوس المنافقين ، ووجها من وجوه أهل الضلال والباطل ، وكان يلقب خيط باطل وفيه يقول الشاعر :

لعمرك ما أدرى واني لسائل

حليلة مضروب القفا كيف يصنع

لحى الله قوما أمروا خيط باطل

على الناس يعطي ما يشاء ويمنع (٣)

وقد عرف بالغدر ، ونقض الوعد ، وخيانة العهد ، يقول الامام أمير المؤمنين حينما كلمه السبطان في مبايعة مروان له :

لا حاجة لي في بيعته ، إنها كف يهودية لو بايعنى بيده لغدر بسبابته أما إن له امرة كلعقة الكلب انفه ، وهو أبو الاكبش الاربعة ، وستلقى الامة منه ومن ولده يوما أحمر .. » (٤)

وهذا الوزغ الرجس قد بر به عثمان وأحسن إليه ، ومكنه من بيت المال يهب منه لمن شاء ، ويمنع عنه من شاء ، ونسوق الى القراء الهبات الضخمة التي منحها عثمان لمروان وهى :

١ ـ اعطاه خمس غنائم إفريقية ، وقد بلغت خمس مائة الف دينار وقد عيب عثمان على ذلك وهجاه عبد الرحمن بن حنبل بقوله :

سأحلف بالله جهد اليمي

ن ما ترك الله أمرا سدى

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٤ / ٤٧٩

(٢) شرح ابن ابي الحديد ٢ / ٥٥

(٣) اسد الغابة ٤ / ٣٤٨

(٤) نهج البلاغة

٢١٨

ولكن خلقت لنا فتنة

لكي نبتلي لك أو تبتلى

فان الامينين قد بينا

منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهما غيلة

وما جعلا درهما في الهوى

دعوت اللعين فأدنيته

خلافا لسنة من قد مضى

وأعطيت مروان خمس العبا

د ظلما لهم وحميت الحمى (١)

٢ ـ انه منحه الف وخمسين أوقية ولا نعلم انها من الذهب او الفضة وهي من جملة الامور التي سببت النقمة على عثمان (٢)

٣ ـ اعطاه مائة الف من بيت المال ، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان وبكى فنهره عثمان وقال له :

« اتبكى إن وصلت رحمي؟ »

« ولكن أبكي لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت انفقته في سبيل الله ، في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو اعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا .. »

فزجره عثمان وصاح به

« الق المفاتيح .. يا بن أرقم ، فانا سنجد غيرك. » (٣)

٤ ـ واقطعه فدكا ، ووهبها له (٤) وهي على كل حال لا تصح هبتها لأنها إن كانت نحلة لفاطمة عليها‌السلام كما تقول فهي لأبنائها ، وان كانت صدقة كما زعم أبو بكر فهي لجميع المسلمين ، وليس لعثمان ان

__________________

(١) تأريخ ابى الفداء ١ / ١٦٨

(٢) سيرة الحلبي ٢ / ٨٧

(٣) شرح ابن ابي الحديد ١ / ٦٧

(٤) تأريخ ابي الفداء ١ / ١٦٨ ، المعارف ص ٨٤

٢١٩

يتصرف فيها على كلا الوجهين.

وعلى اي حال ، فأي خدمة أسداها مروان للامة ، وأي مكرمة أو مأثرة صدرت منه حتى يستحق هذا العطاء الجزيل ، ويمنح هذا الثراء العريض

هذه بعض اعطيات الخليفة ومنحه الى اسرته ، وذوى قرباه ، وهي من دون شك لا تتفق مع كتاب الله وسنة نبيه فانهما الزما بالمساواة بين القريب والبعيد ، وأهابا بالحاكمين ان لا يميزوا قوما على آخرين وأن يطبقوا العدل في جميع المجالات.

الانكار على عثمان :

وكان من الطبيعي أن تثير هذه السياسة سخط الاخيار ، والصلحاء والمتحرجين في دينهم بل وسخط العامة الذين ينظرون الى بني أميّة نظرة ريبة وشك في اسلامهم ، ويرون في هذا العطاء امتدادا لهم وتقوية لنفوذهم وبسطا لسلطانهم ، حتى نقم من عثمان عبد الرحمن بن عوف الذي انتخبه وعينه حاكما على المسلمين ، فكان يقول : عاجلوه قبل ان يتمادى في ملكه وكان يقول للإمام أمير المؤمنين : خذ سيفك وآخذ سيفي فانه قد خالف ما اعطاني ، ولما حضرته الوفاة اوصى أن لا يصلي عليه (١)

لقد شاع التذمر بين المسلمين من جراء هذه السياسة الملتوية ، وقد انكرت عليه الخاصة والعامة حينما استأثر بالسفط الذي كان في بيت المال فأخذ منه ما حلى به بعض أهله وصعد على أثر ذلك أعواد المنبر فقال :

« لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت به أنوف أقوام .. »

وقد اثار سخط الناس هذا الكلام فتصدى أمير المؤمنين الى رده فقال له :

__________________

(١) الانساب للبلاذري

٢٢٠