الإمام الرضا عليه السلام سيرة وتاريخ

عبّاس الذهبي

الإمام الرضا عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

عبّاس الذهبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-368-3
الصفحات: ٢٠١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وعرض الافكار ، وكان المأمون يشجع هكذا حوار لاشغال الناس في مشاكل جانبية بعيداً عن مشاكل الحكم والسياسة ، بدليل أن المأمون الذي كان في زمن ضعفه وصراعه مع أخيه الأمين يشجع على الحوار والنظر وكان ينصر التشيع في الظاهر ، تغير موقفه هذا بعد وفاة الامام الرضا عليه‌السلام بعد أن وطد أركان حكمه فقمع الرأي الآخر وتبنّىٰ فكر المعتزلة وأظهر فتنة خلق القرآن عام (٢١٢ هـ) ، وفرضها بالقوة وأقام محاكم تفتيش من نوع آخر ، يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن ، وفتك بوحشية وقسوة بكل من عارض هذه المسألة أو أبدى حياده حولها ، فأظهر البعض منهم موافقته وهم كارهون.

*         *        *

٢١

٢٢

الفصل الثاني

الامام الرضا عليه السلام قبل تولي الإمامة

المبحث الأول : الولادة والنشأة

أولاً : الولادة

يوجد اختلاف بين المحدثين الشيعة في تحديد اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها الإمام الرضا عليه‌السلام : فقيل إن مولده كان بالمدينة سنة ١٤٨ هـ (١) وروى الصَّدوق أنه ولد بالمدينة يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ١٥٣ هـ بعد وفاة أبي عبد الله عليه‌السلام بخمس سنين (٢). أما المحقق الأربلي فيساند هذا الرأي ، ولكن يذكر أنه ولد في الحادي عشر من ذي الحجّة (٣). وأشار الشيخ الطبرسي إلىٰ القولين ولكن لم يرجح أحدهما (٤).

وذكر الذهبي : أنه ولد بالمدينة في سنة ١٤٨ هـ عام وفاة جدّه الإمام

________________

(١) انظر : الإرشاد ٢ : ٢٤٧ ، والكافي ١ : ٤٨٦ / ١١.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٨ ، ح ١ ، باب (٣).

(٣) كشف الغمّة ٣ : ٥٣.

(٤) اعلام الورى ٢ : ٤١.

٢٣

الصادق عليه‌السلام (١) ، وهو الموافق للقول الأول.

من جانب آخر وردت روايات عن جدّه الإمام الصادق عليه‌السلام مفعمة بشحنة عاطفية كبيرة ، تبشر بولادته المباركة وتكشف عن المكانة المرموقة التي سيحتلها في العالم الإسلامي ، فعن يزيد بن سليط ، قال : لقينا أبا عبد الله عليه‌السلام في طريق مكة ونحن جماعة ، فقلت له : بأبي أنت وأمي أنتم الأئمة المطهرون والموت لايعرى منه أحد ، فاحدث اليّ شيئاً القيه الى من يخلفني ، فقال لي : « نعم هؤلاء ولدي ، وهذا سيدهم » وأشار الى ابنه موسى عليه‌السلام « ... يخرج الله تعالى منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها ، خير مولود وخير ناشىء يحقن الله به الدماء ويصلح به ذات البين ويلمّ به الشعث (٢) ويشعب به الصدع (٣) ويكسو به العاري ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف وينزل به القطر ويأتمر له العباد ، خير كهل وخير ناشىء ، يبشر به عشيرته قبل أوان حلمه ، قوله حكم وصمته علم ، يبين للناس ما يختلفون فيه.. » (٤).

ثانياً : النشأة

نشأ الإمام الرضا عليه‌السلام بين أحضان بيت أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فهو ابن الإمام موسىٰ بن جعفر الكاظم عليه‌السلام الذي كان

________________

(١) سير أعلام النبلاء ٩ : ٣٨٨ ، ترجمة ١٢٥.

(٢) أي يسد به الخلل.

(٣) أي يجمع به الشقّ والفرقة.

(٤) اعلام الورى ٢ : ٤٨ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٣ ، ح ٩٦ ، باب (٤).

٢٤

(أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفّاً ، وأكرمهم نفساً... وكان الناس بالمدينة يُسمونه زين المتهجِّدين ، ويعرف بالعبد الصالح) (١).

ولما كانت الفروع تتبع الأصول ، والأصل الطيب يعطي ثمراً طيباً فمن الطبيعي والحال هذه أن يتحلى الابن بتلك الصفات الطيبة والخصال الحميدة ، يقول الشيخ المفيد : « كان ـ أي الرضا عليه‌السلام ـ أفضل ولد أبي الحسن موسى : وأنبهَهُم وأعظمهُم قدراً وأعلمهم وأجمعهم فضلاً » (٢).

أما أمه فعلى الرغم من وجود الاختلاف في اسمها وكنيتها ، فهناك اتفاق على كونها من أفضل نساء زمانها من حيث العقل والدين.

قيل : تسمى الخيزران ، وقيل : أروى ، وتلقب بشقراء النوبية. وقيل أمّه أم ولد يقال لها أمّ البنين وقيل : اسمها تكتم ، وقد يرجَّح ان الأخير هو اسمها ، وما سبقه ألقاب لها ، ويستدل لهذا بقول بعض مادحي الإمام :

ألا إن خير الناس نفساً ووالداً

ورهطاً وأجداداً علي المعظم

أتتنا به للعلم والحلم ثامناً

إماماً يؤدّي حجة الله (تكتم) (٣)

والشيخ الصدوق يشير إلى القول الأخير برواية عن محمد بن يحيى الصولي ويقول : إن أمه هي أم ولد تسمى تكتم. ثم يروي عن عون بن محمد الكندي ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن ميثم يقول : ما رأيت أحداً قط أعرف بأمور الأئمة عليهم‌السلام وأخبارهم ومناكحهم منه ، قال : اشترت حميدة

________________

(١) انظر : الارشاد ٢ : ٢٣١ ، ٢٣٥.

(٢) الارشاد ٢ : ٢٤٤.

(٣) راجع : الارشاد ٢ : ٢٤٧ ، اعلام الورى ٢ : ٤١ ، دلائل الإمامة : ٣٤٨.

٢٥

المصفاة وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر ـ وكانت من أشراف العجم ـ جارية مولدة (١) واسمها تكتم ، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة ، حتى انها ما جلست بين يديها منذ ملكتها اجلالاً لها ، فقالت لابنها موسى عليه‌السلام : يا بني ان تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ، ولست أشك أن الله تعالى سيظهر نسلها ان كان لها نسل ، وقد وهبتها لك فاستوصِ خيرا بها ، فلما ولدت له الرضا عليه‌السلام سماها الطاهرة (٢).

ولقد تناهت شخصية الإمام الرضا عليه‌السلام في السمو والجلال حتىٰ تطرزت بألقاب لامعة ، تعكس جوانب مختلفة من أخلاقه وآدابه ، منها : الصابر والرضي ، والوفي ، والزكي ، والولي ، ونور الهدىٰ ، وسراج الله ، والفاضل ، وقرّة عين المؤمنين ، ومكيد الملحدين ، وأشهر ألقابه عليه‌السلام هو الرّضا (٣).

قيل : إن المأمون العباسي هو الذي أطلق عليه لقب « الرّضا » حين عهد إليه ولاية العهد ، ولكن الامام أبا جعفر الجواد عليه‌السلام قد نفىٰ ذلك بشدة ، فعن البزنطي ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ان قوماً من مخالفيكم يزعمون أن أباك انما سمّاه المأمون الرّضا لما رضيه لولاية عهده ، فقال : « كذبوا والله وفجروا بل الله تبارك وتعالىٰ سمّاه الرضا لأنه كان رضيّ الله

________________

(١) المولدة : هي التي ولدت بين العرب ، ونشأت مع أولادهم.

(٢) اعلام الورى / الطبرسي ٢ : ٤٠ ، ح ٢ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٤ ، باب (٢) ، كشف الغمة ٣ : ٩٠.

(٣) دلائل الإمامة : ٣٥٩ ، الإمام الرضا عليه‌السلام ، لقبه.

٢٦

عزّوجلّ ورضي رسوله والأئمة بعده في أرضه ». قال : فقلت له : الم يكن كل واحد من آبائك الماضين رضيّ الله عزّوجلّ ورسوله والأئمة بعده ؟ فقال : « بلى » ، فقلت : فلم سمّي أبوك عليه‌السلام من بينهم الرضا ؟ قال : « لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم‌السلام فلذلك سمّي من بينهم الرضا » (١).

كان يكنى بأبي الحسن ، وورد على لسان بعض الرواة أبو الحسن الثاني ، قال علي بن يقطين : كنت عند العبد الصالح ـ يعني الإمام الكاظم عليه‌السلام ـ فقال : « يا علي بن يقطين ، هذا علي سيد ولدي ، اما أنه قد نحلته كنيتي » (٢).

معاصرته لمدرسة جدّه

قد تقدّم أن الإمام الرضا عليه‌السلام قد ولد في نفس السنة التي توفي فيها جدّه الامام الصادق عليه‌السلام ـ أي في سنة ١٤٨ هـ ـ علىٰ قول جمع كبير من العلماء والمؤرخين مثل الشيخ المفيد في الإرشاد (٣) ، والكليني في الكافي (٤) ، والطبرسي في أعلام الورى (٥).. وغير هؤلاء كثير.

وهناك من يذهب أبعد من ذلك ، فيرى أنه ولد بعد وفاة جدّه بخمسة

________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٢ ، ح ١ ، باب (١).

(٢) روضة الواعظين / الفتال النيسابوري ١ : ٢٢٢.

(٣) الإرشاد ٢ : ٢٤٧.

(٤) أصول الكافي ١ : ٤٠٦.

(٥) اعلام الورى ٢ : ٤٠.

٢٧

أعوام (١). وعليه يصح القول بأنه لم يعاصر مدرسة جدّه ، وقد أشرنا الى أن الإمام الصادق عليه‌السلام كان يتمنى أن يدرك حفيده الرضا عليه‌السلام ، مع ذلك فاننا لانتجاوز الحقيقة اذا ما ادعينا بأن الإمام الرضا عليه‌السلام قد عاصر مدرسة جدّه من الناحية العلمية ، فاذا تأملنا الحقبة الزمنية التي تأسست فيها مدرسة الامام الصادق عليه‌السلام في مطلع القرن الثاني الهجري ، تلك المدرسة الكبرى التي امتدّت اشعاعاتها الى عصور ما بعد التأسيس ، وانتشر شذاها الى جميع البلدان.

يقول الشيخ المفيد : نقل الناس عن الامام الصادق عليه‌السلام من العلوم ما سارت به الرُّكبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته ما نُقل عنه ، ولا لقي أحدٌ منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله عليه‌السلام فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرُّواة عنه من الثِّقات ، على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعةَ آلاف رجلٍ (٢).

لقد اغتنم الإمام الصادق عليه‌السلام فترة الصراع الدائر بين الأمويين والعباسيين ، فشمّر عن ساعد الجدّ ، وقام بجهد علمي كبير من أجل التعريف بعلوم أهل البيت عليهم‌السلام ، وغدا مظلّة رحبة يأوى اليها طلاب العلم والمعرفة الحقّة.

ولما قوي ساعد العباسيين وخلا لهم الجو بعد انتصارهم على الأمويين ، استشعروا الخطر المحدق بهم من العلويين هذه المرّة ، فأخذوا

________________

(١) أعيان الشيعة ٢ : ١٢.

(٢) الارشاد ج ٢ : ١٧٩.

٢٨

يضيقون الخناق عليهم ، ولم يقتصر التضييق على الأرزاق ، وحرية التعبير ، بل سدّوا عليهم المنافذ والمجالات من جهاتها ، ومن هذه المنافذ نافذة العلم والتدريس ، فبينما كان الطريق العلمي يكاد يكون مفتوحاً علىٰ مصراعيه أمام الإمام الصادق عليه‌السلام حتىٰ وصلت مدرسته إلى أوج مجدها العلمي ، وجد نفسه أمام عاصفة التحول السياسي التي أطاحت بالحكم الأموي وجاءت بالحكم العباسي ، الذي وقف بعنف تجاه كل التيارات التي يشمّ من ورائها رائحة السياسة ، وفي مقدمتها التيار العلوي الذي كان بعض رجاله يقودون حركات تمرّد على السلطة العباسية هنا أو هناك..

وجاء دور أبي جعفر المنصور ، ثاني خلفاء بني العباس ، فلم يستطع تحمّل ما يراه من امتداد مجد الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام فمنذ تولّي السلطة (لم يهدأ خاطره ، فلم يزل يقلب وجوه الرأي ، ويدير الحيل للتخلص من الامام الصادق عليه‌السلام لأن مدرسته قد اكتسبت شهرة علمية بعيدة المدىٰ فلم ترق له هذه الشهرة الواسعة) (١).

ومن الشواهد علىٰ ذلك ما رواه نقلة الآثار من خبره مع المنصور لما أمر الرَّبيع باحضار أبي عبد الله عليه‌السلام فأحضره ، فلما بصر به المنصور ، قال له : قتلني الله إن لم أقتلك ، أتلحدُ في سلطاني وتبغيني الغوائل ؟! فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « والله ما فعلتُ ولا أردتُ ، فإن كان بلغك فمن كاذب.. » (٢). فاتجه الى التضييق على الإمام الصادق عليه‌السلام مدّة حياته.

________________

(١) الإمام الصادق / د. حسين الحاج : ٨.

(٢) الارشاد ٢ : ١٨٢.

٢٩

المدرسة السرية

نهل الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام من فيض غدير هذه المدرسة المباركة مدة عقدين من الزمن ، فقد ولد سنة ١٢٨ هـ أو ١٢٩ هـ ـ على اختلاف الروايتين ـ وتُوفي أبوه الصادق عليه‌السلام عام ١٤٨ هـ ، فكان من الطبيعي ـ بعد انتقال الامامة إليه ـ أن يشغل كرسي الاستاذية مكان أبيه ، ( .. واجتمع جمهور شيعة أبيه على القول بإمامته والتّعظيم لحقِّه والتسليم لأمره ، ورووا عن أبيه عليه السلام نصوصاً عليه بالإمامة ، وإشارات إليه بالخلافة ، وأخذوا عنه معالم دينهم ، ورووا عنه من الآيات والمعجزات ما يُقطع به على حجّته وصواب القول بإمامته) (١).

من أجل ذلك كان الاستاذ الأكبر بعد أبيه في هذه المدرسة الكبرىٰ (فقد روىٰ عنه العلماء في فنون العلم من علم الدين وغيره ما ملأ بطون الدفاتر وألّفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة المروية عنه بالأسانيد المتصلة ، وكان يُعرف بين الرواة بالعالم) (٢).

قال الشيخ المفيد : وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله.. (٣).

كان هذا في أجواءٍ قد تعرّض عليه‌السلام فيها لضغط متزايد من حكام عصره العباسيين ، ولكنه وعى المتغيرات السياسية جيدا ، فأخذ يبثّ

________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢١٤.

(٢) الارشاد ٤ : ٨٤.

(٣) الارشاد ٢ : ٢٣٥.

٣٠

علومه ومعارفه بصورة سرية ، ويتصرف في حدود الهامش الضيق المتاح له ، وقد أشرنا لرواية هشام بن سالم التي ذكر فيها أن الإمام الكاظم عليه‌السلام دعاه إلى التمسك بالسرية التامة ، فإذا أذاع فهو الذبح ! وأشار بيده إلى حلقه.

وقد وصل الأمر في زمانه الىٰ حد (أن الراوي إذا روى الحديث عنه لايسنده إليه بصريح اسمه ، بل بكناه : مرة بأبي ابراهيم ، وأبي الحسن ، وبألقابه الاخرى ؛ العبد الصالح ، والعالم وأمثالهما ، وبالإشارة إليه تارة كقوله عن رجل ، اذ قلما تجد اسمه الشريف صريحاً في حديث ، لشدة التقية في أيامه ولكثرة التضييق عليه ممن عاصره من العباسيين كالمنصور والمهدي والهادي ، وبقي سلام الله عليه يحمل إلى السجن مرة ويطلق منه أخرى أربعة عشر سنة ، وهي مدة أيامه مع الرشيد) (١) إلى أن انتهت رحلة العذاب التي قطعها بوفاته مسجوناً مسموماً.

المدرسة السّيارة

مع كل ذلك واصلت مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام عطاءها العلمي ولكن في الخفاء والتستر ، وقد قيض الله تعالى لها رائداً جديداً ، وعلماً خفاقاً ، ذاع صيته في جميع الآفاق ، ألا وهو الإمام الرضا عليه‌السلام.

صحيح أن امامنا الرضا عليه‌السلام لم يعاصر جدّه تاريخياً ، ولكن الصحيح أيضاً أنه عاصره علمياً ، وذلك لأن والده الكاظم عليه‌السلام كان قد عاش مع أبيه الصادق عليه‌السلام مدة عقدين من الزمن ، والامام الرضا عليه‌السلام ـ بدوره ـ قد عاصر

________________

(١) جهاد الشيعة : ٣٠٠.

٣١

أباه ثلاثة عقود من الزمن.

وقد استغل إمامنا فترة الصراع بين الأخوة ـ الأعداء (الأمين والمأمون) فرفع راية الهدى واستخدم أسلوباً جديداً لتفعيل مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام يمكن أن نطلق عليه أسلوب « المدرسة السّيارة » بعد أن وجد أن مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام قد حوصرت في المدينة المنورة. هذا الاستنتاج لا نذهب إليه جزافاً ، فهناك أقوال وروايات تشهد على أن الإمام الرضا عليه‌السلام ـ عميد هذه المدرسة ـ كانت له جهود قيّمة في عدةٍ من بلدان العالم الاسلامي ومدنه الهامّة وترك فيها آثاراً جليلة ، ولعل من أهمها :

أولاً : المدينة المنورة

كان الإمام الرضا عليه‌السلام يقوم بحركة علمية نشطة ، حتى أن بعض الشيعة ـ كما أسلفنا ـ قد حذره من سيف هارون الذي يقطر دماً ـ حسب تعبيرهم ـ ودعوه إلى مراعاة التقية والتبليغ بسرية.

ومما يعكس مدىٰ نشاطه العلمي في المدينة ، ما ورد من أقوال أبرز علماء التراجم والرجال بحقّه ، أكد « الواقدي » على أن الإمام الرضا عليه‌السلام كان يفتي بمسجد رسول الله رغم حداثة سنّه ، قال : « سمع عليٌ الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم ، وكان ثقة ، يفتي بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة ، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة » (١).

أما الحافظ الذهبي فقد أشاد بمكانة الرضا عليه‌السلام العلمية ومنزلته الدينية معاً ، عندما قال : « كان من العلم والدِّين والسُّودد بمكان يقال : أفتى وهو

________________

(١) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣٥١ ـ ٣٥٢.

٣٢

شابٌ في أيام مالك » (١).

ثانياً : البصرة

جاء في بعض الروايات أن الإمام الرضا عليه‌السلام سافر إلى البصرة بعد وفاة أبيه الإمام الكاظم عليه‌السلام للتدليل على إمامته ، وإبطال شبهة المنحرفين عن الحق ، وقد نزل ضيفاً في دار الحسن بن محمد العلوي ، وعقد في داره مؤتمراً عاماً ضمّ جمعاً من المسلمين كان من بينهم عمرو بن هداب ، وهو من المنحرفين عن آل البيت عليهم‌السلام والمعادين لهم ، كما دعا فيه جاثليق النصارى ، ورأس الجالوت ، والتفت إليهم الإمام فقال لهم :

« إني انما جمعتكم لتسألوني عما شئتم من آثار النبوة وعلامات الامامة التي لا تجدونها إلّا عندنا أهل البيت ، فهلموا.. » وتقدم كل واحد منهم أمام الإمام فسأله عن مسألة فأجاب عليه‌السلام عنها بلغته ، فبهر القوم وعجبوا.. (٢) والرواية طويلة اقتصرنا منها على موضع الحاجة.

ثالثاً : الكوفة

وقصد الإمام الرضا عليه‌السلام الكوفة ، وهناك استقبل استقبالاً حافلاً يليق بشأنه ، ونزل ضيفاً في دار حفص بن عمير اليشكري ، وقد احتف به العلماء والمتكلمون وهم يسألونه عن مختلف المسائل ، وهو يجيبهم عنها ، كان بمثابة « مؤتمر عام » حضره بعض علماء النصارى واليهود وجرت بينه

________________

(١) سير أعلام النبلاء ٩ : ٣٨٨ ، ترجمة ١٢٥.

(٢) الخرائج والجرائح / قطب الدين الراوندي ١ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، ح ٦ ، باب (٩).

٣٣

وبينهم مناظرات عرض فيها حججاً مجلجلة تقرع آذانهم وتفحم ألسنتهم (١).

رابعاً : نيسابور

وفي مروره بنيسابور قاصداً مرو انساب صوته الهادىء يلف أرجاء هذه المدينة ليلامس الاسماع برفق ، ويلج القلوب المتعطشة إلى المعرفة الحقة ، فقد عمت الفرحة والبهجة أرجاء المدينة حين قدومه إليها ، وقد استقبل استقبالاً شعبياً منقطع النظير ، فلم تشاهد نيسابور في جميع تاريخها مثل ذلك الاستقبال ، وكان في طليعة المستقبلين كبار العلماء والفضلاء ورجال الحديث ، وعرض له أشهر حفاظ الحديث من أهل السنة في ذلك الزمان كأبي زرعة الرازي (٢) ، ومحمد بن أسلم الطوسي (٣) ومعهما خلائق لايحصون من طلبة العلم مع اقطاب كل فن فالتمسوا منه أن يتحفهم بحديث سمعه من آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأتحفهم بحديثه الذي عرف اسناده بسلسلة الذهب (٤) ، وفي ذلك يقول عبد السلام بن صالح أبو الصلت

________________

(١) اُنظر : الخرائج والجرائح ١ : ٢٠٤ ـ ٢٠٦.

(٢) أبو زرعة الرازي ، يطلق على ثلاثة ، والظاهر أن المراد هنا أبو زرعة الكبير الإمام الحافظ عبيد الله بن عبد الكريم ، لكن قيل في ولادته أنها كانت بعد نيف ومائتين ، وذكر ابن ابي حاتم أن أبا زرعة هذا سمع من عبد الله بن صالح العجلي ، والحسن بن عطية بن نجيح وهما ممّن توفي سنة ٢١١ هـ ، وبذلك تثبت معاصرته للإمام الرضا عليه‌السلام. راجع : سير اعلام النبلاء ١٣ : ٦٥ / ٤٨ و ١٧ : ٥١ / ٢٠.

(٣) محمد بن أسلم الطوسي : هو ابن سالم بن يزيد ، الإمام الحافظ الرباني ، شيخ الإسلام أبو الحسن الكندي مولاهم الخراساني الطوسي. مولده حدود ١٨٠ وتوفي سنة ٢٤٢ هـ بنيسابور. سير أعلام النبلاء : ١٢ : ١٩٥ / ٧٠.

(٤) اُنظر : الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ٢٥٠.

٣٤

الهروي : كنت مع علي بن موسى الرضا عليه‌السلام حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء فإذا محمد بن رافع (١) وأحمد بن الحرث (٢) ويحيى بن يحيى (٣) واسحاق بن راهويه (٤) وعدة من أهل العلم قد تعلقوا بلجام بغلته في المربعة ، فقالوا : بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك فاخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف خزّ ذو وجهين ، وقال : « سمعت أبي العبد الصالح موسى بن جعفر ـ وعدد سلسلة آبائه ـ ثم قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : سمعت جبرئيل يقول : قال الله جل جلاله : اني أنا الله لا إله إلّا أنا فاعبدوني ، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي » (٥).

وعن إسحاق بن راهويه ، أنه قال : فلما مرت الراحلة نادانا « بشروطها وأنا من شروطها » (٦).

________________

(١) محمد بن رافع ، ابن أبي زيد ، واسمه سابور ، الإمام الحافظ الحجة القدوة ، بغية الاعلام ، أبو عبد الله القشيري مولاهم النيسابوري ، ولد سنة نيِّف وسبعين ومئة في أيام الإمام مالك ، ورحل سنة نيف وتسعين. سير أعلام النبلاء : ١٢ : ٢١٤ / ٧٤.

(٢) كذا في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ولعلّه أحمد بن حرب بن فيروز ، شيخ نيسابور ، أبو عبد الله النيسابوري ، كان من كبار الفقهاء والعباد ، توفي سنة ٢٣٤ هـ وقد قارب الستين. راجع : سير أعلام النبلاء ١١ : ٣٢ / ١٤.

(٣) هو يحيىٰ بن يحيىٰ بن بكر ، شيخ الإسلام ، وعالم خراسان ، أبو زكريا المنقري النيسابوري الحافظ المتوفي سنة ٢٢٦ ه. سير أعلام النبلاء ١٠ : ٥١٢ / ١٦٧.

(٤) هو الإمام الكبير ، شيخ المشرق ، سيد الحفّاظ ، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي ، نزيل نيسابور ، مولده ١٦١ هـ ، توفي سنة ٢٣٨ ه. سير أعلام النبلاء ١١ : ٣٥٨ / ٧٩.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١٤٣ ، ح ١ ، باب (٣٧).

(٦) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٤٥ ، ح ٤ ، باب (٣٧).

٣٥

وحدّث أبو الصلت الهروي أن الإمام الرضا عليه‌السلام قال في نيسابور بعد أن ذكر الإسناد المتقدم عن آبائه عليهم‌السلام أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : الإيمان معرفة بالقلب ، واقرار باللسان ، وعمل بالأركان » ، قال : وقال أحمد بن حنبل : لو قرأت هذه الإسناد على مجنون لبرأ من جنونه (١).

خامساً : مرو

تحرك الإمام من نيسابور ليتابع رحلته إلىٰ مرو حيث المأمون يستعد لاستقباله والحفاوة به ، ولما دخلها أنزله منزلاً كريماً محاطاً بكل مظاهر التقدير والاحترام. وهناك حيث استقر الإمام الرضا عليه‌السلام صرف معظم وقته لبثّ العلوم ، وعقد العديد من المجالس العلمية الكبيرة التي كان يحضرها جلّ علماء المصر ، فعاش حياته القصيرة في مرو معلّماً ناشراً للعلوم ، حيث سنرىٰ لاحقاً أنه قد انصرف عن دوره السياسي كولي للعهد ومارس دوره العلمي من موقعه الديني الرفيع.

وهناك حظي العديد من أهل العلم ورواة الحديث بلقائه والنقل عنه والاستماع إلى أحاديثه ، فعرفه من لم يكن يعرفه ، وذاع صيته أكثر فأكثر في أصقاع البلاد ، كأبرز رجال العلم وأوسعهم معرفة وأكثرهم جلالة وشرفاً..

قال أبو الصلت عبد السلام الهروي ، وهو من أعلام عصره : ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ولا رآه عالم إلّا شهد له بمثل

________________

(١) اُنظر : كشف الغمة ٣ : ١٠٠.

٣٦

شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجلس له عدداً من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم ، حتى ما بقي منهم أحد إلّا أقرّ له بالفضل وأقرَّ على نفسه بالقصور.. (١). فقد قام هؤلاء العلماء بالتفتيش عن أعقد المسائل وأكثرها صعوبة وعمقاً في جميع أنواع العلوم ، وعرضوها على الإمام فأجاب عنها جواب العالم الخبير المتمرِّس فيها ، يقول الرواة : أنه سئل عن أكثر من عشرين ألف مسألة في نوب مختلفة عاد فيها بلاط المأمون الى مركز علمي ، وخرجت الوفود العلمية وهي مليئة بالاعجاب والاكبار بمواهب الامام وعبقريته ، وأخذت تذيع على الناس ما يملكه الامام من طاقات هائلة من العلم والفضل ، كما ذهب معظمهم الى القول بإمامته (٢).

هذه الجولة العلمية وما رافقها من جهد علمي كبير تثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ بأن امامنا قد اتبع أسلوباً جديداً ومبتكراً في بث علوم آل البيت عليهم‌السلام وهو ما أطلقنا عليه تعبير « المدرسة السّيارة » ، ويبدو أن الظروف السياسية هي التي حملته على اتباع هذا الأسلوب.

روى الصدوق بسنده عن الريّان بن الصلت وكان من رجال الحسن ابن سهل : أن مسير الإمام الرضا عليه‌السلام كان عن طريق البصرة والأهواز وفارس ، قال : .. فكتب إليه المأمون لا تأخذه علىٰ طريق الكوفة وقم ، فحمل على طريق البصرة والأهواز وفارس حتىٰ وافىٰ مرو (٣). ومنذ أن

________________

(١) اعلام الورى ٢ : ٦٤ ، الفصل الرابع.

(٢) حياة الإمام علي الرضا عليه‌السلام / القرشي : ١٠٢.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦١ ح ٢١ ، باب (٤٠).

٣٧

غادر الإمام الرضا عليه‌السلام بيت الله الحرام متوجهاً إلىٰ خراسان قوبل بمنتهى الحفاوة والتكريم والاجلال في كل بلد أو حي يمرّ به ، وكان الناس يسألونه عن أحكام دينهم وهو يجيب عنها.

لقد أراد المأمون أن يكون سفر الإمام عليه‌السلام غامضاً عبر الطريق الصحراوي القاحل ، ولكن امامنا استغل هذه الفرصة المناسبة لنشر علوم مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، وادامة عطائها العلمي والمعرفي.

المبحث الثاني : الإمام الرضا في ظل أبيه عليهما‌السلام

لازم الإمام أباه عليهما‌السلام ملازمة الظل منذ نعومة أظفاره إلىٰ أن فرّق الأجل بينهما ، وكان الأب العظيم يصب في اذن ولده الأغر أعذب الألفاظ وأرق المعاني ، ويغذيه من علوم آبائه وأجداده عليهم‌السلام ويشيد دائماً بفضله ويقدمه على جميع ولده ، ومن مصاديق ذلك ، ماقاله الإمام الكاظم عليه‌السلام لسليمان بن حفص المروزي الذي سأل الكاظم عليه‌السلام عن الحجّة على الناس بعده ، قال : « يا سليمان ، إن علياً ابني ووصيي والحجّة على الناس بعدي ، وهو أفضل ولدي » (١).

وروى الصدوق عن نُعيم القابوسي ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام أنه قال : « ابني عليّ أكبر ولدي وآثرهم عندي ، وأحبَّهم إليَّ.. » (٢).

تكلّم الإمام الرضا عليه‌السلام ذات يوم بين يدي أبيه عليه‌السلام فأجاد وأحسن أيّما

________________

(١) دلائل الإمامة : ٣٩٦.

(٢) الارشاد ٢ : ٢٤٩.

٣٨

إجادة وإحسان ، فتهلّل وجه أبيه عليه‌السلام فرحاً ، قائلاً : « يا بني الحمد لله الذي جعلك خلفاً من الآباء ، وسروراً من الأبناء ، وعوضاً عن الأصدقاء » (١).

كان يجلسه في حجره يقبله ويمص لسانه ، ويقعده على عاتقه ، يسبغ عليه عطفه وحنانه ، ويرعاه من دون إخوته رعاية خاصة فقد كان يعلم بأنه سوف يخلفه للامامة من بعده ، وكان يهمس في أذنه عبارات الود والثناء ، ويقول له : « ما أطيب ريحك ، وأطهر خلقك ، وأبين فضلك ! » (٢).

ولكن حياة الرضا عليه‌السلام بجنب أبيه الهادئة والهانئة ، قد عكرت صفوها دسائس بلاط بني العباس ، الذين يتربصون بالعلويين الدوائر ، فقد (بقي الامام الرضا عليه‌السلام مع أبيه نحواً من ثلاثين عاماً أو تزيد ، شاهد فيها ضروب المحن والبلايا التي أحاطت بأبيه الامام موسى بن جعفر الذي كان وجوده ، رغم وقوفه موقف المسالم للحكم بعيداً عن مواطن المجابهة معه ، يثير قلق الحكام ويقض مضاجعهم ، فلقد كان المنصور يتحراه ويراقب جميع تحركاته وتصرفاته حتى اضطره الى أن يحتجب عن شيعته وخلّص أصحابه ، وبعث إليه المهدي العباسي يستدعيه لبغداد ، وألقاه في سجنه لمدة من الزمن.. وبوفاة المهدي والهادي الذي لم تطل أيامه ارتقى الرشيد سدة الخلافة وبدأت بخلافته بوادر المأساة التي حلّت بالبيت العلوي الذي كان يتزعمه الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام وكان له منها القسط الأوفر ، فقد اعتقله وضيق عليه في ظلمات سجونه المرعبة مدة أحد عشر

________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٥ ، ح ٤ باب (٣٥).

(٢) اُنظر : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٤٠ ، ح ٢٨ ، باب (٤).

٣٩

عاماً كان ينقله فيها من حبس لحبس) (١) حتى لفظ آخر أنفاسه مسموماً وهو في الحبس.

هذه الأحداث المؤسفة حركت سحابة قاتمة من الحزن داخل نفس الامام الرضا عليه‌السلام. ومما يعظم الخطب أنه كان مغلوباً على أمره ليس له القدرة على الثأر أو الانتقام ممن عكروا صفو حياته ، لقد (كتب له أن يعيش مأساة أبيه من بدايتها وحتى نهايتها ، دون أن يملك القدرة على التخفيف من حدتها ، حيث لاسبيل له الى ذلك ، وربما كان ينتظر المصير نفسه من عصابة الحكم) (٢). كان يستشعر الخطر المحدق به ، فقد كانت السلطة الحاكمة تضرب طوقاً حديدياً حوله ، ترصد ردود فعله على اعتقال أبيه ، فوجد أن الطريق الأسلم هو الاحتكام الى السلم ، منصرفاً إلى نشر العلم والمعرفة.

المبحث الثالث : نسله الشريف

هناك اختلاف في كتب الأنساب والتراجم في عدد أولاده ، وتحديد أسمائهم ، ففي (عمدة الطالب) و (تهذيب الأنساب) نجد أن العقب من علي الرضا بن موسى الكاظم عليهما‌السلام في رجل واحد هو أبو جعفر محمد بن علي (٣) ، بينما نجد صاحب (المجدي في أنساب الطالبيين) يحصر عقبه في

________________

(١) سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني ، القسم الثاني : ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٢) الامام الرضا عليه‌السلام / محمد جواد فضل الله ، تاريخ ودراسة : ١٠.

(٣) اُنظر : عمدة الطالب / ابن عَنَبَة ، وتهذيب الأنساب / العبيدي : ١٤٨.

٤٠